الجريمة المشهودة
تكون الجريمة مشهودة اذا شوهدت حال ارتكابها او عقب ارتكابها ببرهة بسيرة او اذا تبع المجني عليه مرتكبها اثر ووقعها او تبعه الجمهور مع الصباح او اذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملا الات او اسلحة او امتعة او اوراقا او اشياء اخرى يستدل منها على انه فاعل او شريك فيها او اذا وجدت به في ذلك الوقت اثار او علامات تدل على ذلك.

قانون اصول المحاكمات الجزائية المادة ١ /ب.

حالات الجريمة المشهودة

د.ضياء عبدالله عبود الجابر الاسدي

جامعة كربلاء/ كلية القانون

اورد المشرع العراقي في الفقرة (ب) المادة (الاولى) من قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ الحالات التي تكون فيها الجريمة مشهودة أو متلبس بها على سبيل الحصر، والتي نصت على ما يأتي ((تكون الجريمة مشهودة إذا شوهدت حال ارتكابها أو عقب ارتكابها ببرهة يسيرة أو إذا تبع المجني عليه مرتكبها اثر وقوعها أو تبعه الجمهور مع الصياح أو إذا وجد مرتكبها بوقت قريب حاملا آلات أو أسلحة أو أمتعة أو أوراقا أو أشياء أخرى يستدل منها على انه فاعل أو شريك فيها أو إذا وجدت به في ذلك الوقت آثار أو علامات تدل على ذلك )).

وسوف نتطرق لشرح هذه الحالات بشيء من التفصيل و كما وردها المشرع تباعاً:-

أولاً- مشاهدة الجريمة حالة ارتكابها-

ويقصد بها مشاهدة (ادراك) الجاني وهو يرتكب السلوك الاجرامي المكون للركن المادي للجريمة عند الاتيان أو القيام به، كمشاهدة الجاني وهو يطلق الرصاص على المجنى عليه ويصيبه في مقتل، أو يشرع بقتله، أو مشاهدة المعتدي في جريمة الايذاء وهو يرتكب السلوك الاجرامي (الضرب، الجرح، عنف، اعطاء مادة ضارة، أي فعل مخالف للقانون) بحق المجنى عليه، أو مشاهدة المرتشي وهو يأخذ مبلغ الرشوة، أو مشاهدة السارق وهو يسرق الاموال العائدة للغير….الخ.

ولا يقصد بالمشاهدة هنا المشاهدة بالعين فقط بل ادراك الواقعة أو الجريمة بأحدي الحواس الخمس(الرؤية، اللمس، الشم، السمع، التذوق)،

وهذه الصورةالوحيدة للمشاهدة الحقيقية للجريمة أي التلبس الحقيقي ،أما بقية الصور فالتلبس فيها اعتباري .ويرى البعض أن هذه الصورة لا داعي لها لأنها حالة بديهية فالمشاهدة ترتب التلبس ويقصد بالمشاهدة هنا المشاهدة الحقيقية للجريمة وليس للمجرم مرتكب الفعل الجرمي، كمن يشاهد القاتل وهو يطعن الضحية المجنى عليه أو مشاهدة السارق يسرق أو مشاهدة الموظف المرتشي وهو يأخذ الرشوة أو مشاهدة الجاني وهو يتناول المادة المخدرة أو مشاهدة الجاني وهو يحمل سلاح غير مرخص بشكل ظاهر ،ومشاهدة القاتل وهو يطعن المجنى عليه بسكين في صدره ،أو مشاهدة الجاني وهو يضرب المجنى عليه ولا تقتصر المشاهدة على العين المجردة بل تمتد إلى بقية الحواس .

كالسمع /كمن يسمع صوت الاطلاقات ويرى بعدها جثة لقتيل, أومن يسمع عبارات السب والقذف .

الشم / كمن يشم رائحة المخدرات أو الغاز الخانق بأنفه.

الذوق / كتذوق المادة المخدرة باللسان أو الطعام الفاسد أي الغير الصالح للاستخدام .

اللمس/ كتلمس المادة المخدرة باليد أو المادة السامة .

ويقصد بالمشاهدة هنا للجريمة وليس لمرتكب الجريمة لان التلبس وصف ملازم للجريمة بغض النظر عن شخص مرتكبها، أي لا يشترط التعرف على الفاعل وكشف هويته ،بل يكفي مشاهدة الجاني وهو يرتكب الفعل وان كان مجهول الهوية.

وضبط الجريمة يعني أي جريمة بغض النظر عن نوعها سواء كانت جناية أو جنحة أو مخالفة وهذا موقف المشرع العراقي لأنه ذكر مصطلح (جريمة)في حين اشترطت قوانين أخرى أن تكون الجريمة من نوع الجنايات والجنح فقط دون المخالفات، وهو ما نؤيده.

ويشترط ان تكون المشاهدة جاءت بطريق مشروع وقد استقر قضاء محكمة النقض المصرية على ذلك فقضت بأنه لا يجوز إثبات حالة التلبس بناء على مشاهدة عضو الضبط القضائي من خلال ثقوب أبواب المساكن لما في ذلك مساس بحرمتها والمنافية للآداب كذلك لا يجوز إثبات حالة التلبس بناء على دخول المنزل دون إذن تفتيش باعتبار أن ذلك يشكل جريمة.

احد الممرضين يعمل في مستشفى جمع مواد طبية في منزله بطريق غير مشروع فجاء الطبيب وكسر المنزل وفتحه دون إذن فأبطلت إعماله الإجراءات.

ولذلك نرى ان المشرع العراقي لم يكن موفقاً عندما أورد عبارة مشاهدة الجريمة، وكان الافضل ايراد عبارة(ادراك الجريمة حال ارتكابها)، فالإدراك لفظ أعم واشمل من المشاهدة كونه يشمل جميع الحواس، اما المشاهدة فتكون قاصرة وفق المعنى اللغوي والاصلاحي على العين أي حاسة الرؤية فقط،،وهذا يؤدي الى عدم انطباق العديد من الوقائع على تلك الحالة، وهذا خلاف ما اراده المشرع، لذا نرى ضرورة اعادة صياغة ما وردة في صدر الفقرة (ب) من المادة(1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ وجعلها كالاتي((تكون الجريمة مشهودة اذا ادركت حال ارتكابها …..)).

ثانيا- مشاهدة الجريمة عقب ارتكابها ببرهة يسيرة.

ويقصد به مشاهدة الجريمة بعد ارتكابها بوقت قصير أي الوقت القريب أو التالي لوقوعها ،بحيث لا يزال الجاني في محل ارتكابها ولم يغادره ولم يبتعد عن ذلك المكان فما زال يحوم حول مسرح الجريمة أو يتواجد فيه أو بالقرب منه ،وبالتالي هناك احتمالية كبيرة لوجود علاقة كبيرة بينه وبين الجريمة المرتكبة، كمن يشاهد النار عقب إضرامها من قبل الجاني في حقل أو منزل ،ولكنه لم يشاهد الجاني يضع النار في المنزل، أو مشاهدة السارق وبيده المال المسروق بعد وضعه يده في جيب المجني عليه وهذه المدة يجب أن لا تكون طويلة بحيث يغيب الجاني عن أعين المشاهدين وانظارهم أو يذهب بعيدا عن مكان ارتكاب الجريمة ولعل (برهة يسيرة) لا تمتد إلى أكثر من دقائق معدودة، وان الفاعل يحوم حول منطقة ارتكابها أو بالقرب منها، لحداثة الواقعة .

والمقصود بالبرهة في اللغة مفردة وجمعها برهات وبرهة هي قطعة من الزمان طويلة أو كل قطعة منه .

والبرهة من الدهر أي المدة طويلة من الزمان وقد ذكر المشرع العراقي لفظة برهة ولكنه لم يقيدها عندما ذكر بان البرهة هي البرهة اليسيرة أي القصيرة من الزمان .

ثالثاً- تتبع الجاني من قبل المجنى عليه أو تتبعه من قبل الجمهور مع الصياح اثر وقوع الجريمة

التتبع يعني اقتفاء اثر مرتكب الجريمة من قبل المجني عليه أو من الجمهور مع الصياح ولا يتطلب هذا الأمر الركض السريع ورائه بل يكفي الصياح أو الإشارة والدلالة بالأيدي فهو دليل على قيام حالة التلبس .

ويقصد بالصياح هو طلب إلقاء القبض على الفاعل أو المساعدة في ذلك أي يصيح الجمهور بان هذا الشخص قد ارتكب جريمة .اقبضوا على السارق /اقبضوا على القاتل /اقبضوا على السائق الذي دهس الطفل /أو الصياح بعبارات يفهم منها ارتكاب الشخص لجريمة أو حدوث هذه الجريمة (لص لص, سارق سارق, حرامي حرامي, قاتل قاتل، مجرم مجرم،….الخ)،ولا يشترط في هذه العبارات أو الالفاظ استخدام اللغة الفصيحة، بل يمكن ان تكون بالغة العامية الدارجة، وهذه هو الغالب في الواقع والتطبيق العملي.

والسلطة التي تحدد المدة التي عبر عنها المشرع (اثر وقوع الجريمة ) هي المحكمة المختصة وفقاً لسلطتها التقديرية في ظل وقائه الجريمة ملابساتها والادلة المتوافرة فيها.

رابعاً- وجود الجاني بعد وقوع الجريمة بوقت قريب حاملا آلات وأسلحة أو أمتعة أو أوراق أو أشياء أخرى يستدل منها على انه فاعل في الجريمة أصلي أو شريك

فوجود هذه الأشياء مع الفاعل تدلل على استعماله لها في ارتكاب الجريمة أو إن هذه الأشياء لها علاقة بالجريمة المرتكبة مثال ذلك مداهمة احد الأوكار ووجود أختام ومستندات تستخدم في التزوير أو جود أختام ومستندات مزورة معدة للاستعمال أو وجود آلات تستخدم في عمليات السرقة أو وجود مواد تستخدم في صنع العبوات الناسفة أو وجود أسلحة خفيفة أو ثقيلة أو وجود الشخص المخطوف أو وجود الأموال المسروقة .

خامساً- وجود آثار أو علامات على جسم الجاني أو ملابسه بعد وقت قريب من وقوع الجريمة

فوجود مثل هذه الأمور بعد وقت قريب من وقوع الجريمة أمر يستدل منه على انه فاعلها أو شريك فيها كوجود الجروح والكدمات و التسلخات والخدوش على جسم المتهم أو وجود تمزق أو آثار على ملابسه كالبقع الدموية والمادة المنوية أو المادة الكيميائية مما يدل على وجود مقاومة من المجني عليه أو حصول مشادة بينهما .

ويقصد بالوقت القريب / الوقت الذي لا يحتمل معه أن تكون تلك الآثار والعلامات قد جاءت أو حدثت من مصدر أخر غير الجريمة .

ويشترط للمشاهدة في جميع الحالات أن تتم بطريق مشروع أي وفقا للقانون فلا تعد الجريمة مشهودة إذا حصلت عن طريق النظر من فتحة الباب أو حصلت بناء على تفتيش قام به شخص ما دون أمر صادر من سلطة مختصة .

وقد جاء المشرع اللبناني بحالة جديدة للجريمة المشهودة في المادة (29/ب)من قانون أصول المحاكمات الجزائية وهي الجريمة التي يقبض على فاعلها إثناء ارتكابها .

ولكن هذا الموقف محل تساؤل

1- كيف يقبض على الفاعل إذا لم يشاهد فلذا هي تدخل ضمن الحالة الأولى ،لأنها تخلط بين الجرم المشهود وآثاره ،لان الجريمة تعد مشهودة لمجرد مشاهدتها سواء قبض على مرتكبها أم لا .

2- إن القبض على الفاعل دون مشاهدة الجريمة هو خطر جسيم على الحريات ،إذ إن الادعاء يكفي للقبض على أي شخص لمجرد اتهامه بذلك .