بحث حول أسس الحجر القانوني فيالقانون المغربي

الحجر القانوني
الاسم: فدوى العلمي
البلد: المغرب

مقدمة :

بناء على التنظيم التشريعي للعقوبة يمكن تعريفها بأنها الجزاء الذي يوقعه القضاء باسم المجتمع على كل شخص ارتكب فعلا أو تركا مخالفا بذلك القانون الجنائي.
وتكون الغاية من وراء تطبيقها على الجاني هو ردعه وذلك قصد إيلامه في بدنه أو حريته أو ماله.
والعقوبة إما أصلية أو تبعية أو تكميلية
فالعقوبة الأصلية هي العقوبة التي يجوز الحكم بها وحدها، دون أن تضاف إليها عقوبة أخرى.
والعقوبة التبعية هي العقوبة التي لا يحكم بها لكونها تتبع بعض العقوبات الأصلية في حالات معينة.
أما العقوبة التكميلية فهي يجوز أن ينص عليها في الحكم، لكن لا يحكم بها وحدها بل إلى جواز عقوبة أصلية في حالات يحددها القانون.
والمشرع المغربي قد جمع بين العقوبات التبعية والعقوبات التكميلية حيث أطلق عليهما معا العقوبات الإضافية، إذن العقوبات في التشريع المغربي حسب م 14 من المجموعة الجنائية إما أصلية أو إضافية، العقوبات الأصلية في التشريع المغربي إما جنائية (الإعدام السجن) جنحية الحبس من شهر إلى 5 سنوات) أو ضبطية (كالاعتقال).
أما العقوبات الإضافية تشتمل المدونة الجنائية المغربية على نوعين من العقوبات الإضافية:

أ- النوع الأول: عبارة عن عقوبات تلحق بالعقوبة الأصلية في حالات معينة بقوة القانون، دون حاجة لأن ينطق بها القاضي في حكمه وهي:
 الحجر القانوني
 التجريد من الحقوق الوطنية

ب- النوع الثاني : من العقوبات الإضافية يشتمل هذا النوع على عقوبات يجوز للقاضي أن يحكم بها في حالات معينة إلى جانب العقوبة الأصلية، وهذه العقوبات التي جرى الفقه على تسميتها بالعقوبات التكميلية، وأهم خصائص هذا النوع من العقوبات التكميلية:
أن المشرع أعطى للقاضي حق في تطبيقها في حالات نص عليها صراحة، والقاضي عليه أن ينطق بها في حكمه إذا أراد تطبيقها، وتعتبر العقوبة التكميلية كالتبعية لا توجد إلا على جواز عقوبة أصلية ولا يمكن الحكم بها مستقلة.
ومثال العقوبات الإضافية التي تطلق عليه تسمية تكميلية نذكر” نشر الحكم بالإدانة” والحرمان النهائي أو المؤقت من الحق في المعاشات التي تصرفها الدولة والمؤسسات العمومية، ويعتبر الحجر القانوني من بين العقوبات الإضافية يطبق على المحكوم عليه بعقوبة جنائية بقوة القانون ودون حاجة لأن ينطق به القاضي، وقد نص عليه المشرع المغربي في الفصول من 36 ß 39من ق.ج.م، فما هو مفهوم الحجر القانوني وما هي الغاية والجدوى من وراء تطبيقه؟ وإلى أي حد يؤثر الحجر القانوني على أهلية المحكوم عليه وما هي الطريقة المعتمدة للإدارة وتسير أمواله؟
ولابد من التساؤل كذلك حول الممارسة القضائية للحجر القانوني وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية؟.
وفي محاولة منا للإجابة عن كل هذه التساؤلات والإشكالات ارتأينا تقسيم موضوع الحجر القانون إلى مبحثين.
المبحث الأول: الحجر القانوني واستراتيجية المشرع في التعامل معه.
المبحث الثاني: الحجر القانوني بين المقاربة القضائية وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية.

المبحث الأول: الحجر القانوني وإستراتيجية المشرع في التعامل معه.

تتطلب منا دراسة الحجر القانوني كعقوبة إضافية تبيان موقف وإستراتيجية المشرع المغربي في التعامل مع هذا النوع من العقوبة، وقبل ذلك لابد من التطرق إلى تحديد مفهوم الحجر القانوني وجدواه، وعليه سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين وذلك على الشكل التالي:
المطلب الأول: مفهوم الحجر القانوني وجدواه.
المطلب الثاني: إستراتيجية المشرع المغربي في التعامل مع الحجر القانوني.

المطلب الأول: مفهوم الحجر القانوني وجدواه.

من أجل البحث والإلمام بالإطار القانوني للحجر القانوني ومعرفة الجدوى من وراء إقراره ارتأينا تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين أساسيتين وذلك على الشكل الآتي:
الفقرة الأولى: مفهوم الحجر القانوني.
الفقرة الثانية: الجدوى من الحجر القانوني.

الفقرة الأولى: مفهوم الحجر القانوني.
يقصد به طبقا للمادة 38 من القانون الجنائي حرمان المحكوم عليه من مباشرة حقوقه المالية طوال مدة تنفيذ العقوبة الأصلية، وهو كعقوبة تبعية ينتج عن العقوبات الجنائية وحدها دون الجنحية منها، أو المخالفات، كما أن الحجر القانوني يطبق على المحكوم عليه دون حاجة إلى النطق به في حكم المحكمة [1]، ويبدأ تاريخ العمل بهذه العقوبة من التاريخ الذي تصبح فيه العقوبة الأصلية قابلة للتنفيذ بعد صدور حكم نهائي قطعي بالإدانة.
والجدير بالذكر أن هذا التعريف التشريعي للحجر القانوني لا يعد من الحالات القليلة التي نجد فيها المشرع يتولى تعريف مفهوم ما إذ كان على المشرع أن يتفاد ذلك ويترك الأمر للفقه والقضاء حتى يكون هناك نوع من المرونة وبالتالي تجنب تعاريف غامضة وجامدة.
وعلى ضوء ما تقدم فإن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو معرفة أهداف وجدوى توقيع هذه العقوبة على المحكوم عليه، إلى جانب العقوبة الأصلية وهذا ما سنتطرق إليه من خلال الفقرة الثانية.

الفقرة الثانية: الجدوى من الحجر القانوني.
إذا كان المشرع المغربي نظم الحجر القانوني كعقوبة إضافية تبعية للعقوبة الأصلية، فهل لهذه العقوبات غايات؟ ما المنفعة من وراء إقرارها كعقوبة إضافية تبعية وليس فقط كمجرد تدبير؟ فهل لهذه العقوبة منفعة وأهداف من وراء إقرارها؟ أم أن الأمر على خلاف ذلك أنها لا تحقق المنفعة الحقيقة والفعلية من وراءها، وتبقى مجرد عقوبة تبعية لا محل لها كجزاء إضافي؟ باستقرائنا لنصوص المدونة الجنائية، نجد أن المنفعة من وراء هذا الحجر القانوني له وجهتين:
– الوجهة الأولى: وهي المتمثلة في الدور الحمائي، فالمشرع المغربي كان يهدف من وراء هذه العقوبة حماية حقوق المحكوم عليه المالية وذلك لضمان تسيير أمواله التي يصعب عليه القيام بهذا التدبير طيلة مدة العقوبة عند وجوده في السجن، وهو مقيد الحرية في إدارة أمواله.
– الوجهة الثانية: في الإجراء العقابي: فهو يكفل تأثير العقوبة وتحقيق المساواة، فلو بقي المحكوم عليه محتفظا بإدارة أمواله لأمكنه أن يستخدم ثروته في تحسين حالته، فيكون الغني أحسن حالا من الفقير وهذا يتنافى مع مبدأ المساواة في العقاب، بالإضافة إلى أنه يخشى من المحكوم عليه بأنه إذا يحتفظ بإدارة أمواله سيستخدمها لإعداد وسائل الهرب [2].
وهذا التصنيف في حرمان المحكوم عليه من إدارة أمواله يقتصر عليه دون الأشخاص الذين يوجدون تحت كفالته توافقا مع مبدأ شخصية العقوبة ونجاعتها.
وكل هذا التعليل والمنفعة من وراء الحجر القانوني لها قيمة نسبية إذ يمكن تفاديا جميع الأخطار بوجود نظام متقن للسجون مصحوبا بمراقبة القضاء
لكن تبقى العقوبة الإضافية للحجر القانوني لا جدوى منها، خاصة إذا قمنا بالمقارنة مع بعض التشريعات المقارنة الأخرى، كالتشريع التونسي حيث أن التشريع التونسي نص في مجموعته الجنائية، على أن هذه العقوبة تبعية فقط بالنسبة للجنايات التي تكون مدتها 10 سنوات، على خلاف المشرع المغربي الذي لم يحدد لا مجال ولا حدودية التطبيق القانوني لهذه العقوبة، وهذا يظهر لنا جليا من خلال أن المحكوم عليه بعقوبة جنحية قد تكون أكثر من خمس سنوات، ومع ذلك لا يحرم من الشخصية القانونية لإدارة أمواله [3]، في حين أن المحكوم عليه بخمس سنوات كعقوبة جنائية يحرم من ذلك، فلماذا هذا التمييز في إقرار العقوبة ؟ وما المنفعة والفائدة من وراء هذا التطبيق إذا ما كانت هذه العقوبة تخرق مبدأ المساواة في العقاب؟
وبالتالي فتبقى الحماية من وراء هذه العقوبة صورية فبدل أن تحقق منفعة من وراءها فهي تؤثر عليه من حيث أهليته في إدارة وتسيير أمواله.
وبهذا يطرح التساؤل التالي: كيف يؤثر الحجر القانوني على أهلية المحجور عليه؟ ومن الموكول له إدارة وتسيير أمواله؟

المطلب الثاني: إستراتيجية المشرع المغربي في التعامل مع الحجر القانوني.

من أجل البحث في استراتيجية المشرع المغربي في التعامل مع الحجر القانوني ارتأينا تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين الفقرة الأولى نتناول فيها مدى تأثير الحجر القانوني في أهلية المحكوم عليه، على أن نخصص الفقرة الثانية لبيان كيفية إدارة أموال المحكوم عليه.

الفقرة الأولى: تأثير الحجر القانوني على أهلية المحجور عليه.
إذا كان الحجر القانوني عقوبة تبعية، تترتب بقوة القانون عن كل العقوبات الجنائية [4] وذلك بصريح الفصل 37 من قانون النائي المغربي، فإن أهم ما رتبه المشرع على هذه العقوبة، هو حرمان الجاني من مباشرة حقوقه المالية طوال فترة العقوبة الأصلية وذلك وفقا لمقتضيات الفصل 38 من ق.ح.م. حيث جاء فيه «الحجر القانوني يحرم المحكوم عليه من مباشرة حقوقه المالية طوال مدة تنفيذ العقوبة الأصلية»
وهذا الحجر يخضع فيه المحكوم عليه للحرمان من مباشرة حقوقه المالية، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، والحقوق المالية، مثل البيع والشراء للعقارات والمنقولات، أو القيام بالتجارة في أي أنواعها بشكل مستقل ومباشر، أو أن يعقد عقدا من عقود الإدارة كالإيجار مثلا أو أن يقوم برهن عقار مملوك له أو بتقرير أي حق ارتفاق لعقار على عقارات الغير أو لصالحه أو القيام بالقرض أو الاقتراض أو إيداع أي وديعة وهكذا فهو مشلول عن مباشرة أي حق مالي مقوم بالمال وله قيمة مالية [5] أضف إلى ذلك أن الحجر القانوني يمتد أيضا إلى حرمان المحكوم عليه من إدارة أموال أبنائه القاصرين.
هذا بالإضافة أنه- أي المحجور عليه- لا يستطيع أن يقاضي عن هذه الحقوق المالية كمدع أمام القضاء، ولا أن يجيب عنها كمدع أمام القضاء، ولا أن يجيب على مطالبة قضائية تتناول التزاما عليه أو حقا له.
هذا ويرى أغلب الفقه، سواء الفقه المغربي [6] أو الفقه المقارن [7] أن الحجر القانوني، يؤدي إلى الانتقاص من أهلية المحكوم عليه أو بالأحرى إلى فقدان أهلية الأداء لديه.
صحيح أن الحجر يؤدي إلى حرمان المحكوم عليه من مباشرة حقوقه المالية، لكن ذلك لا يعني بالضرورة فقدان أهلية الأداء لديه، فالشخص المحكوم بعقوبة جنائية هو شخص كامل الأهلية ولم يؤثر صدور الحكم بالعقوبة عليه في أهليته بالنقصان أو الانعدام [8].
وبالتالي فالحجر لا يسلب المحكوم عليه حقه في أن يكون مالكا أو بائعا أو منتفعا. كل ما في الأمر هو سلبه مباشرة هذه الحقوق بنفسه، وذلك للعلة المشار إليها سابقا عند الحديث عن جدوى الحجر القانوني.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن الحقوق الشخصية للمحكوم عليه، كالزواج والطلاق وتزويج من هم في عهدته، والإقرار بالنبوة…إلخ، فتبقى له، وذلك لأن القانون لم ينص على الحرمان من مباشرتها، ولأن الحجر القانوني لا يرجع سببه إلى العته كما في الحجر القضائي، وليس في أهلية المحجور عليه للزواج أو الطلاق أي ضرر، هذا فضلا على أن مباشرة هذه الحقوق تخرج عن حدود إدارة الوصي والوكيل ولا تعرقل عمله على أي وجه كان [9].
لكن، أحيانا تدق مسألة التمييز بين الحقوق الشخصية والحقوق المالية، كما هو الشأن في المطالبة القضائية بالتعويض عن الضرر الذي يكون المحجور عليه، وهذا يطرح إشكالية الطبيعة القانونية لدعوى التعويض، وتتحدد انطلاقا من نوع الضرر الواجب جبره هل هو ضرر مادي أم ضرر معنوي [10]؟
فإذا كان الضرر مادي أصاب المحكوم عليه جنائيا في حق مالي، كان للحاجر وحده أهلية المطالبة بالتعويض عنه.
أما إذا كان الضرر معنوي أي أصاب حقا غير مالي، فإن المحكوم عليه جنائيا هو وحده الذي يملك سلطة المطالبة بالتعويض عنه، لأن هذه المطالبة تمثل الدفاع عن اعتباره أو شرفه أو جرح عاطفته، وكل ذلك خارج عن اختصاص الحاجر الذي تقتصر مهمته على إدارة الحقوق المادية. [11]
هذا، وتبقى الإشارة واجبة، إلى أن المحكوم عليه غيابيا تخضع أمواله للحجز (م 443 من قانون المسطرة الجنائية) ولا يخضع هو شخصيا للحجر، لأن المادة 38 تقيد الحجر بمدة تنفيذ العقوبة الأصلية، لأن الحجر في حد ذاته عقوبة والعقوبة لا تنفذ إلا بعد أن يصبح الحكم نهائيا ومكتسبا لقوة الشيء المحكوم به [12] والأحكام الغيابية لا تنفذ لأنها تسقط بقوة القانون بمجرد إلقاء القبض على المحكوم عليه أو تسليم نفسه (المادة 453 من ق.م.ج) [13].
لكن بالرجوع إلى المادة 450 من ق.م.ج. نجد أن المحكوم عليه غيابيا يجرد من جميع الحقوق المنصوص عليها قانونا ابتداء من استيفاء إجراءات الشهر للحكم الغيابي في الجريدة الرسمية، وهذا ما يسمح بالقول بأن تصرفات المحكوم عليه غيابيا بعقوبة جنائيا تكون باطلة [14].
كما نشير إلى أن الإفراج الشرطي الذي يمنح إلى المحكوم عليه بعقوبة جنائية لا يؤدي إلى انقضاء الحجر القانوني وبالتالي يبقى المحكوم عليه محروم من مباشرة حقوقه المالية طبقا لما هو منصوص عليه في مقتضيات الفصل 38 من ق.ج.م.
وذلك راجع إلى كون الإفراج الشرطي ما هو إلا طريقة خاصة من طرق تنفيذ العقوبة [15].
وأخيرا نشير، إلى أن كل عمل من أعمال الإدارة أو التصرف يجريه المحكوم عليه مع عدم مراعاة حكم القانون يكون ملغى من ذاته، ومن تم يجوز للمحكوم عليه أن يدفع بهذا البطلان ضد الغير، كما يجوز للغير أن يدفع به ضد المحكوم عليه، وذلك لأن الغرض من الحجر القانوني هو حماية المحكوم عليه، وفي نفس الوقت ضمان تأثير العقاب الذي يوقع عليه، وليس للغير أن يشكو من هذا الأمر، لأنه أخطأ في التعاقد مع المحكوم عليه وكان عليه أن يعلم بالحرمان المفروض عليه قانونا نظرا لكونه معتقلا [16].

الفقرة الثانية: إدارة أموال المحجور عليه.
يمنع على من يشمله الحجر القانوني مباشرة حقوقه المالية، ولا يمكنه أن يجري أي عمل من أعمال التصرف في ممتلكاته في حين أن الحق يبقى له في أن يباشر شخصيا كل الأعمال التي لا تتصل بمهام الإدارة حيث يمكنه أن يتزوج وأن يوصي، وبذلك فإن خرق مقتضيات الحجر القانوني يترتب عليه بطلان كل العقود التي يعقدها المحكوم عليه [17] على أساس أنها أبرمت خلال فترة الحجر القانوني، ويترتب على هذا العقود التي أبرمت قبل صدور الحكم بالإدانة وكذا العقود التي لا تنتج أثرها إلا بعد انتهاء الحجر القانوني هي عقود صحيحة [18].
وتبعا لذلك فإن الشخص المحكوم عليه، والموجود تحت الحجر القانوني يجب عليه أن يقوم بتعيين وكيل تكون مهمته الإشراف والسهر على إدارة أمواله وتسييرها تحت إشراف الوصي الذي يكون مسؤولا أمامه وفي غير هذه الحالة- أي في حالة عدم تعيين الوصي من طرف المحكوم عليه- يتولى الوصي بنفسه مباشرة تلك الإدارة [19]. والإشكال الذي يطرح هنا هو أن المشرع المغربي لم يبين طبيعة هذا الوصي، هل هو كاتب الضبط أم المفوض القضائي، أو هو من أقارب المحكوم عليه؟ كذلك تطرح إشكالية مدى أحقية المحكوم عليه بالطعن في الوصي الذي اخترته المحكمة؟ ومن ناحية أخرى نشير إلى أنه لا يجوز طوال مدة تنفيذ العقوبة أن يتسلم المحجور عليه أي مبلغ من مدخولاته باستثناء المقادير الخاصة بالمعيشة في حدود ما تسمح به إدارة السجون [20].
وما يمكن ملاحظته هنا هو أنه إذا كان من بين أهداف المشرع من تقريره الحجر على المحكوم عليه، هو استحالة وصعوبة إدارة أمواله، وأن هذه العقوبة التبعية لا تطبق إلا في الجنايات، فإن التناقض الذي يطرح نفسه هنا هو هل بإمكان الشخص المحكوم عليه بالحبس من أجل جنحة أن يدير أمواله بسهولة ودو ن صعوبات تذكر سيما إذا كانت مدة الحبس تصل إلى 3 أو 4 سنوات؟
هذا وقد نص المشرع الجنائي على أنه يعد انتهاء مدة العقوبة يسترجع المحكوم عليه وضعه الطبيعي في إدارة شؤونه المالية، كما ألزم الوكيل أو الوصي أن يرد للمحكوم عليه كل أمواله ويقدم له حسابا مفصلا يكشف فيه عن كل الأعمال التي قام بها حتى يتسنى للمحكوم عليه التأكيد من حسن تدبير وتسيير الوكيل أو الوصي لأمواله ورفع دعوى قضائية ضده عند الحاجة. [21]
ونشير هنا إلى أنه كان على المشرع أن يلزم الوكيل أو الوصي أن يقدم تقارير دورية على طول السنة لا بعد انتهاء مدة العقوبة التي قد تطول لسنوات عدة وذلك حتى يتأتى للمحكوم عليه تتبع حركة الوكيل أو الوصي في تدبير أمواله.

المبحث الثاني: الحجر القانوني بين المقاربة القضائية وانعكاساته اﻹقتصادية واﻹجتماعية.

إن عقوبة الحجر القانوني تطبق بقوة القانون، على المحكوم عليه جنائيا، بمعنى آخر أن العقوبات الإضافية والتي تم التنصيص عليها ضمن الفصول 36 إلى 39 من القانون الجنائي المغربي، تقرر من طرف المشرع سلفا، دون أن يفسح المجال أمام سلطة القاضي في إعمالها.
والملاحظ أن المشرع نظم من خلال مجموعة من المقتضيات عقوبة الحجر القانوني كعقوبة إضافية، وما يخضع لها المتهم من تجريد وتقييد لأهلية أدائه، أي أن هذه العقوبة تمس أهلية تصرفه في أمواله مؤقتا، باعتبارها تشكل استحالة مؤقتة تحول دون مباشرة المحكوم عليه لممتلكاته، ولحقوقه المالية بكل حرية، فيتساوى في هذا الإطار بينه وبين الصغير والمعتوه والسفيه، التي نصت عليه مقتضيات مدونة الأسرة في المادة 213 والتي لم تنص على المحكوم عليه في عقوبة جنائية.
فمن خلال ما سلف فعقوبة الحجر القانوني تثير مجموعة من الإشكالات عند توقيعها، وهو ما تم استقراؤه من النصوص المنظمة للحجر القانوني1، لذلك سنحاول من خلال هذا المبحث أن نعكس الإشكالات العملية لهذه العقوبة سواء من حيث تغييبها لدور
سلطة القاضي التقديرية، وكذلك لما تخلفه من انعكاسات اقتصادية واجتماعية، انطلاقا من
تحليل النصوص القانونية المنظمة لهذه العقوبة، واستئناسا بالفقه المغربي والمقارن في هذا الصدد، أمام غياب الحصول على أحكام قضائية تبرز توجه القضاء في تفعيل عقوبة الحجر القانوني، ما دام أن هذه الأخيرة لا يصرح بها من طرف القاضي الجنائي، بل هي خاضعة لعدة مقتضيات سنحاول عرضها ومناقشتها في مطلبين، سنخصص المطلب الأول للمقاربة القضائية للحجر القانوني من خلال فقرتين ، على أن نخصص المطلب الثاني للانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية للحجر القانوني، والذي سنتطرق إليه كذلك في فقرتين. وهو ما سنتناوله تباعا كالتالي:

ــــــــــــــــــــــــ
1- ذ. أدولف رييولط. القانون الجنائي في شروح. منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية 1990 . ص 37 – 39 .

المطلب الأول: المقاربة القضائية للحجر القانوني.

بما أن عقوبة الحجر القانوني تمثل عقوبة إضافية، تثير عدة إشكالات قانونية وعملية،
سنحاول مناقشتها بتحليل النصوص القانونية التي تصب في هذا الإطار، انطلاقا من آراء الفقه
المغربي والمقارن، لنخلص إلى الإجابة عن إشكاليات محددة، تتجلى في الآتي:
إلى أي حد يمكن الحديث عن السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في هذا النوع من العقوبات الإضافية؟
وإلى أي حد تشكل عقوبة الحجر القانوني تغييبا لدور القاضي في توقيعه لهذه العقوبة؟
ما مدى تأثير هذه العقوبة على مبدأ التفريد ومبدأ الشخصية التي تسير مختلف التشريعات الجنائية الحديثة على تمتيع المحكوم عليه بها؟
ما هي مختلف البدائل المقترحة للتخفيف من جمود توقيع هذه العقوبة، وإضفاء طابع المرونة عليها؟

الفقرة الأولى:غياب دور القاضي في توقيع الحجر القانوني.
من المسلم به أن عقوبة الحجر القانوني المنصوص عليها في البند الأول من الفصل 36 من القانون الجنائي تعد عقوبة إضافية تبعية، باعتبارها فرعا من الأصل، أي أنها تتبع العقوبة الأصلية وجودا وعدما2.
في هذا الإطار أول ملاحظة يمكن استخلاصها، والتي تشكل أول إشكالية تتخللها توقيع هذه العقوبة، ضمن الإشكالات التي يعكسها تطبيق عقوبة الحجر القانوني، هو أن هذه الأخيرة تطبق بناء على حكم قضائي سابق، وهو الحكم الصادر في العقوبة الأصلية، وليس بحكم قضائي مباشر3، يصدر بحكم مستقل شأنه شأن أي حكم في عقوبة جنائية،
________________
2– د. إنوسنس أحمد الدسوقي عبد السلام. قضائية توقيع العقوبة الجنائية( دراسة مقارنة). ط I 2005 . ص 272.
3– د. إنوسنس أحمد الدسوقي عبد السلام. . قضائية توقيع العقوبة الجنائية. م س . ص 269 .
تحقيقا لأسس السياسة الجنائية الحديثة، مما يبرز أولا أن عقوبة الحجر القانوني تشكل عقوبة خفية،4 تغيب فيها سلطة القاضي الجنائي كلية، بناء على مبررات قانونية محضة وضعها المشرع، وهي أن العقوبات الإضافية تجد سندها القانوني في تبعيتها العمياء حسب رأي بعض الفقه للعقوبة الأصلية من جهة، ومن جهة أخرى فهي تطبق بقوة القانون دون التصريح بها أثناء الحكم.

وهو ما يضعنا أمام مقارنة بين توقيع كل من العقوبة الأصلية والعقوبة الإضافية، وما يعكسه هذا التطبيق إما تجسيدا لسلطة القاضي التقديرية في الأولى، و تغييبا لهذه الأخيرة كليا في الثانية، فمثلا يمكن القول على أن توقيع العقاب في عقوبة جنائية أصلية، تستوجب استحضارا لدورالقاضي الذي يبرز بشكل جلي في تكييفه للواقعة الإجرامية إلى جناية، تخول بمقتضاها للقاضي سلطة تقديرية في تكييف الفعل المجرم بناء على عدة عوامل محيطة بالجريمة، وعلى الشكل الذي لا يمس بمبدأ عدم التوسع في تفسير القاعدة الجنائية، فخول المشرع في هذا الإطار للقاضي سلطة واسعة إلى حد ما، في توقيع الحدود الشرعية إلى حد أقصى وأدنى5، فمثلا عند تقرير عقوبة السجن المؤقت من 5 إلى 30 سنة، تمنح للقاضي سلطة تقرير العقاب في ظل تناسبه مع خطورة الجريمة وشخصية المجرم، باعتبارهما ضابطين ملزمين للقاضي في هذا اﻹطار6، في مقابل ذلك نجد غيابا لدور القاضي الجنائي في العقوبات الإضافية، حيث يلعب القاضي هنا دورا سلبيا تغيب فيه، بل تنعدم سلطة القاضي في تقرير عقوبة الحجر القانوني كلية، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن الفصل 37 من القانون الجنائي وضع قيودا تحد من سلطة القاضي في تطبيق هذا النوع من الجزاءات التبعية، وهذا ما يشكل في هذا الإطار حسب رأي الفقه المغربي تأسيسا فلسفيا في ظل تأثر المشرع بمبادئ المدارس الجنائية التقليدية، والتي شكلت مبادؤها تأسيسا للترسانة القانونية الجنائية الحديثة.
___________________
4 – د. إنوسنس أحمد الدسوقي عبد السلام. م س. ص 276 .
5 – د. لطيفة المهداتي. حدود سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء. ط 2007 . ص 59 .
6 – الدكتورة لطيفة المهداتي. م س. ص 61 .

والنتيجة التي يمكن استخلاصها من خلال ملاحظة- المقتضيات السالفة- أن وضع قيود
تجمد من سلطات القاضي، يشكل ضربا لمبدأ التفريد العقابي، والذي يراعي في العقاب كل حالة على حدى، يخصص لكل نوع من المجرمين نوعا خاصا، ومعاملة عقابية تتلاءم وخطورته اﻹجرامية7، أي أنه بمفهوم المخالفة لو منحت سلطة للقاضي في تفريده للعقوبة الإضافية، قياسا على ما يتمتع به القاضي من تفريد في العقوبة الأصلية، لتم تفعيل هذا المبدأ لما له من آثار إيجابية على إصلاح الجاني، والذي سينظر لكل حالة على حدى، وبالتالي سيتم تطبيق مبدأ التفريد العقابي على الوجه السليم والعادل، حسب رأي بعض الفقه في هذا الصدد لأنه سينظر في شخص المجرم، من حيث استحقاقه لهذا النوع من العقوبات، في ظل تناسبها وظروف كل مجرم، بمعنى آخر أن تمتيع القاضي بسلطة الإبقاء على العقوبة الأصلية وحدها أم الجمع بينها وبين العقوبة الإضافية، قياسا على أنظمة العقوبات التخييرية، التي نصت عليها مختلف التشريعات، بما فيها التشريع والقضاء المغربي، في الجمع بين عقوبتين مختلفتي النوع أو بإحداهما أو الاكتفاء بعقوبة واحدة وهكذا …8، يراعى في ذلك مبدأ شخصية كل جاني وخطورة الجريمة، واحتراما كذلك للحدود الشرعية9، والتي يمكن أن يأخذ بها القاضي إذا كانت خطورة الجاني تستدعي ذلك، وتلزم الجمع بين العقوبتين الأصلية والإضافية في أنواع من الجرائم، التي تشكل خطرا على النظام العام كجرائم الإرهاب، أو في حالات العود وغيرها من الظروف التي تستدعي تشديد العقوبة، أو الاكتفاء بعقوبة واحدة دون المزج بين العقوبتين كما هو الشأن مثلا بتمتيع المتهم بوقف تنفيذ العقوبة، والتي تبين أن المتهم أهل لهذه المعاملة10.
فنخلص إلى أن عقوبة الحجر القانوني تطبق دون إعلام المتهم ودفاعه بها، وهو ما له من آثار سيتم التطرق إليها في الفقرة الثانية، كما أن هاتين العقوبتين غير قابلتين
للتجزئة، تثير جدلية في كون اعتبارهما حماية وعقوبة في آن واحد، فيتضح إذا أن
ـــــــــــــــــــ
7 – د. لطيف