أبرز 7 مخاطر تهدد الكيانات العائلية
عبدالرحمن بن نهار الرحيلي

المقصود بالكيانات العائلية هي المنشآت التجارية التي تجمع تحت مظلتها عددا من الأفراد تربطهم رابطة عائلية، والحقيقة أن هذه الكيانات أصبحت اليوم تشكل رؤوس أموال عالية ومؤثرة في الناتج المحلي، فهي تمثل بحسب مجلس الغرف التجارية السعودي ما يعادل 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي أي ما يقدر بـ 247.5 مليار ريال سعودي، ولا شك أن مثل هذه الأرقام تحتم على جميع المختصين الحديث عن هذه الكيانات وعن المخاطر التي تكتنفها، ومن هنا جاءت فكرة هذا المقال للحديث عن أبرز المخاطر والمشكلات التي تهدد الكيانات العائلية، والتي يمكن الاطلاع عليها بشكل واضح وملموس في حياتنا اليومية.

1 – إن أول مشكلة تواجه الكيانات العائلية هي وفاة مؤسس الكيان العائلي وعميد هذه الأسرة، والحقيقة المُرة التي يجب الاعتراف بها هي أن هذه الإشكالية يفترض أن يتم التصدي لها وعلاجها منذ وقت مبكر، إلا أن الواقع يشهد كثيرا من مؤسسي الكيانات العائلية يبلغ من العمر الستين أو السبعين ويتصرف وكأنه لا يشك لحظة في عدم موته وبقائه على قيد الحياة، وذلك لأننا وقفنا على عدد من الحالات التي تتوقف فيها هذه الكيانات عن مزاولة أعمالها ويسرح العاملون فيها، ولربما تكبده الخسائر، وأصبح الشركاء أو الورثة في هذا الكيان العائلي مدينين بعد أن كانوا في يوم من الأيام دائنين بسبب أمر واحد وهو وفاة المؤسس، وكان الأحرى بهؤلاء المؤسسين أن يبادروا إلى عمل عدد من الخطوات القانونية التي تعتبر بمنزلة صمام أمان لهذه الإشكاليات، مثل تحويل المؤسسة الفردية إلى شركة بحسب الشكل القانوني المناسب للعائلة، ووضع اتفاقية وميثاق عائلي يكون كخريطة للطريق ودليل عملي لكيفية التعامل مع المشكلات التي قد تطرأ وطرق حلها الملزمة، ولربما كان السبب وراء تقاعس كثير من مؤسسي الكيانات العائلية عن عمل مثل هذه الخطوات هو وجود الوهم في أن أبناءهم سيكونون صورة طبق الأصل عنهم، ولكن الواقع يثبت أن المراهنات على الأشخاص كثيرا ما تكون خاسرة.

2 – عدم استعداد الجيل الثاني لتولي قيادة دفة هذا الكيان العائلي والسير به إلى بر الأمان، ومما يدل على وجود هذه الإشكالية هو ملاحظة عدم تهيئة وتدريب عدد من أفراد الجيل الثاني للقيام بهذه المهمة، فتجد في كثير من الأحيان الذي يقوم بجميع الأعمال اليومية وإعداد الخطط الاستراتيجية هو المؤسس، ولربما وجدت أفراد الجيل الثاني قد التحقوا بوظائف عامة أو في مجالات أخرى بعيدة عن مجال عمل الكيان العائلي، فإذا ما وقع قدر الله كانت المصيبة وفرغ الكرسي من شخص مؤهل للجلوس عليه، وكان الأولى الاستعداد لمثل هذا الأمر بتهيئة عدد من الجيل الثاني لشغل المناصب الإدارية في الكيان العائلي، قد يتذرع بعض ملاك الكيانات العائلية بقلة الذكور في الجيل الثاني وعدم كفاءتهم، ولكن هذه الإشكالية يمكن حلها بإدخال الإناث من الجيل الثاني للعمل في بعض المناصب الإدارية في الكيان أو الانتقال إلى الجيل الثالث إن وجد من الأحفاد بما فيهم أبناء البنات، ولا سيما أن هناك دراسة تفيد أن أبناء البنات يثبتون كفاءتهم للعمل في الكيان العائلي بدرجة الضعف عن كفاءة أبناء الأبناء، وأفضل حل لتهيئة الجيل الثاني لتولي قيادة الكيان هو تقاعد مؤسس الكيان العائلي والإشراف على الأعمال عن بعد.

3 – من المخاطر التي تهدد الكيان العائلي أن يكون معيار التوظيف والاستقطاب قائما على المعرفة والقرابة والمحسوبية والمصالح الشخصية، والمفترض أن يكون المعيار هو الكفاءة والجودة والشعور بالمسؤولية، إشكاليتنا العظمى أننا نبحث عمن يجاملنا ويتملق لنا ويدافع عنا أمام الجمعية العامة للشركاء، بعيدا عن مصلحة الشركة والشركاء، ومعيار الجودة والكفاءة يجب أن يطبق على جميع العاملين في الكيان العائلي بما في ذلك الشركاء الذين يرغبون العمل في الكيان العائلي، واليوم نحن نرى أمثلة مشرقة لعدد من الشركات العائلية قامت بوضع معايير للجودة والكفاءة لديها في جميع إداراتها، بما عاد عليها وعلى المجتمع بالنفع.

4 – عدم وجود فصل بين الملكية والإدارة، إن فكرة القائد الواحد الذي يتابع أعماله بكل مركزية وبيروقراطية قد عفا عليها الزمن، بل أصبح الإصرار عليها مع التقدم الذي نعيشه اليوم واقعا هو ضرب من الجنون، والكيانات العائلية بالذات من أشد القطاعات التي تحتاج إلى تفعيل مبدأ الفصل بين الملكية والإدارة أكثر من غيرها من الكيانات، وذلك لأن فكرة مبدأ فصل الملكية تقوم على تفويض الأعمال التنفيذية اليومية للشركة إلى عضو منتدب أو رئيس تنفيذي، وهو الذي يفترض فيه أن يكون على درجة عالية من الكفاءة والمسؤولية والخبرة، وفي المقابل يكون هناك مجلس الإدارة الذي تكون الأغلبية فيه للملاك الأصليين للكيان القانوني، والذين يتصدون للتعامل مع الخطط الاستراتيجية للشركة، واتخاذ القرارات المصيرية الخطيرة، تاركين عبء الأعمال اليومية للعضو المنتدب أو الرئيس التنفيذي، لكن المشاهد أن مديري الكيانات العائلية غارقون في تفاصيل الأعمال اليومية، بما لا يدع لهم المجال للتعامل مع الأمور الاستراتيجية للكيان العائلي.

5 – الضبابية في الرؤية وعدم وضوح الأهداف، كثير من الكيانات العائلية بدأت على شكل مشاريع صغيرة ابتدأها مؤسس الكيان العائلي في أيام بداية النهضة الاقتصادية، ولم تكن هذه المشاريع تقوم على دراسات جدوى وبحث وتمحيص، بل كانت في كثير منها هي ضربة حظ بما يتماشى مع المفهوم العامي (بالبركة)، مما أدى إلى قيام كيانات مالية كبرى تفتقر إلى أبسط الأهداف والرؤى الاستراتيجية، التي لو وجدت لقادت هذه الكيانات العمياء إلى تحقيق أهداف ومراكز مالية عالية، لم تكن لتصل إليها بدون خطة استراتيجية محكمة تكون كالبصيرة لغير البصير.

6 – عدم وجود حوكمة رشيدة تحكم الشركات والكيانات العائلية، ومفهوم حوكمة الشركات هو “مجموعة القواعد والإجراءات التي تتم بموجبها إدارة الشركة والرقابة عليها، عن طريق تنظيم العلاقات بين مجلس الإدارة، والإدارة التنفيذية، والمساهمين، وأصحاب المصالح الآخرين، وكذلك المسؤولية الاجتماعية والبيئية للشركة”، وبعض الشركات تكون ملزمة بسبب طرحها للاكتتاب العام بإعداد لائحة لحوكمة الشركة كضمانة وعامل أمان للمساهمين في الشركة، ولكن السؤال الذي يُطرح هنا هو: ما المانع من أن تقوم الكيانات العائلية الكبرى بوضع لائحة لحوكمة شركاتها تكون كصمام أمان للمساهمين وللشركة؟

7 – الانقطاع شبه التام في قنوات الاتصال بين الأفراد الذين يشتركون في تولي قيادة الكيان العائلي أو الذين يشتركون في ملكية أسهم أو حصص في الكيان العائلي، ونحن هنا في صدد الحديث عن كيان عائلي هو من الخارج، وفي تعاملاته مع الآخرين يمكن أن يوصف بالجيد جدا، لكن في الواقع هم يواجهون خطرا محدقا بهم من الداخل، وذلك لأن الأساس الذي تقوم عليه الكيانات العائلية هو وجود روابط عائلية تجمع أفراد الكيان العائلي تحت مظلته، والنتيجة البديهية لهذه الروابط العائلية هي التواصل بين أفراده، وبانقطاعه سيزول الأساس الذي تقوم عليه الكيانات العائلية، وعليه فإني لا أعد قيام بعض الكيانات العائلية بتحديد نسبة من أرباحها لتفعيل برامج شبه سنوية هدفها الرئيسي هو التواصل بين أفراد العائلة من قبيل الترف والبذخ، بل هو إن دل فإنما يدل على مدى شعور القائمين على هذه الكيانات العائلية بأهمية التواصل كأساس للكيانات العائلية.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت