عدم دستورية إسقاط مدة الخدمة العسكرية للمحامي من مدة عمله بالمحاماة عند حساب معاشه

الدعوى رقم 44 لسنة 28 ق ” دستورية” جلسة 13 / 10 / 2018

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر من أكتوبر سنة 2018م، الموافق الرابع من صفر سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعـى عمرو ورجب عبد الحكيـم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى وحاتم حمد بجاتــو والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد العزيز محمد سالمان نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 44 لسنة 28 قضائية ” دستورية “.

المقامة من
ورثة المرحوم أحمد يوسف محمد حسنين الشريف وهم : رشيدة عبد الحميد راجح محمد، ولبنى، وهبة، ويوسف أحمد يوسف محمد حسنين الشريف
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- وزير العـدل
3- رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى
4- نقيب المحامــــين

الإجراءات
بتاريخ الثانى والعشرين من مارس سنة 2006، أودع المرحوم / أحمد يوسف أحمد حسنين الشريف – مورث المدعين – صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (196) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 فيما لم يتضمنه من احتساب مدة التجنيد ضمن مدة استحقاق المعاش إذا قضيت بالجدول العام.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، مع التصريح بتقديم مذكرات خلال أسبوع، ولم يقدم أى من الخصوم مذكرات في الأجل المشار إليه.

المحكمــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المرحوم أحمد يوسف محمد حسنين الشريف كان قد أقام الدعوى رقم 4815 لسنة 2004 مدنى كلى، أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، ضد المدعى عليه الرابع، طالبًا الحكم بأحقيته في احتساب مدة السنوات الأربع التي قضاها في الخدمة العسكرية، وتم إسقاطها من مدة عمله بالمحاماة عند حساب معاشه، على سند من القول بأنه مقيد بنقابة المحامين في 15/4/1968 بالجدول العام كمحامٍ حر، وبتاريخ 16/7/1968 تم تجنيده، وانتهت مدة خدمته العسكريــة الإلزامية في شهر يوليو سنة 1973 بعد أن أمضى خمس سنوات كان يسدد خلالها الاشتراك في المعاش عن كل عام، وفى عام 1976 قيد اسمه بجدول الابتدائي، وعند بلوغه سن المعاش عام 2001 فوجئ بإسقاط الأربع سنوات التي قضاها في التجنيد من مدة اشتراكه، فأقام دعواه بالطلبات سالفة البيان، وبجلسة 27/2/2005 قضت المحكمة برفض الدعوى بحالتها، استأنف المدعى هذا الحكم بالاستئناف رقم 10478 لسنة 122 قضائية، أمام محكمة استئناف القاهرة، وأثناء نظر الاستئناف دفع بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (196) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، أقام الدعوى المعروضة.

وبجلسة 2/6/2018، طلب الحاضر عن الحكومة الحكم بانقطاع سير الخصومة لوفاة المدعى، وإذ ثبت بالأوراق وفاة المدعى بتاريخ 8/12/2012، وإنه تم تصحيح شكل الدعوى بحضور وكيل عن ورثته وهم: رشيدة عبد الحميد راجح محمد، ولبنى، وهبة، ويوسف أحمد يوسف محمد حسنين الشريف، الأمر الذى يتعين معه الالتفات عن هذا الطلب.
وحيث إن المادة (196) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 تنص على أن “للمحامي الحق في معاش كامل إذا توافرت فيه الشروط الآتية: ………..
2- أن يكون قد مارس المحاماة ممارسة فعلية مدة ثلاثين سنة ميلادية متقطعـة أو متصلة بما فيها مدة التمرين على أَلاَّ تزيد على أربع سنوات”.

وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة المبدى من هيئة قضايا الدولة فهو مردود بأن المصلحة الشخصية المباشرة، وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يتعلق بطلب إعادة تسوية المعاش المستحق للمدعى من صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للمحامين عن كامل مدة القيد بما فيها المدة التى تزيد على السنوات الأربع في التمرين التى قضاها في التجنيد ، وكان نص البند (2) من المادة (196) من قانون المحاماة المشار إليه قد وضع حدًا أقصى لمدة التمرين التي تحتسب ضمن المدة المشترطة لاستحقاق المعاش مقداره أربع سنوات، ولم يستثن مدة التجنيد من هذا الحكم، ومن ثم فإن الفصل في دستورية عجز هذا البند في حدود هذا النطاق، يرتب انعكاسًا مباشرًا على الطلبات في الدعوى الموضوعية وقضاء محكمة الموضوع فيها، وبالتالي تكون المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى المعروضة متوافرة.

وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه مخالفته أحكام المواد (17، 34، 40) من دستور سنة 1971، بما يشكله من عدوان على الحق في الملكية، كما أنه مايز بين المقيدين بالجدول العام ممن أمضى منهم أربع سنوات في التمرين، وبين من أمضى مدة تزيد على ذلك رغم أنهما يرتبطان بنقابة المحامين بذات الرابطة من قيدهما بالجدول العام وسدادهما الاشتراكات المقررة قانونًا.

وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها القواعد الموضوعية التى نظمها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائـم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهــدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، ومن ثَمَّ فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه من خلال أحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.

وحيث إن البين من نص المادة (2) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 أنه يُعد محاميًا كل من يقيد بجداول المحامين التي ينتظمها هذا القانــــــون، وأنه أجاز – بنص المادة (4) – للمحامي أن يمارس مهنة المحاماة في الإدارات القانونية للهيئات العامة وشركات القطاع العام والخاص والمؤسسات الصحفية وفى البنوك والشركات الخاصة والجمعيات طبقًا لأحكامه، وأوجب بنص المادة (10) أن يقيد المحامون المشتغلون في جدول عام، تبين فيه أسماؤهم ومحال إقامتهم ومقار ممارستهم المهنة، على أن تنبثق منه جداول ملحقة به بتصنيفهم وفقًا للفئات المبينة بهذه المادة، وتضمن نص المادة (13) منه شروطًا عامة يلزم توافرها – ابتداء – فيمن يطلب قيده في الجدول العـام، واستمراره مقيدًا فيه، أما الجداول الملحقة فقد عنى ذلك القانون بالنص على الشروط الخاصة التى يتعين تحققها لقيد المحامي في أى منها، ومنح المشرع – بالنصوص التى تضمنها الباب الثانى من القانون المشار إليه – المحامين حقوقًا بعينها، وفرض عليهم واجبات بذاتها، وأخضعهم جميعًا لنظام موحد للمساءلة التأديبية عما يقع منهم من إخلال بواجباتهم، كما تقضى المادة (120) من ذلك القانون بأن نقابة المحامين مؤسسة مهنية مستقلة ترعى مصالح أعضائها من المحامين المقيدين بجداولها، وتتكون مواردها من المصادر التى بينتها المادة (166) من هذا القانون، ومن بينها رسوم قيد المحامين في هذه الجداول والاشتراكات السنوية المفروضة عليهم، وقد رتبت المادة (170) منه جزاءً على من يتخلف عن تأدية الاشتراكات حتى موعد محدد استبعاد اسمه من الجدول بقوة القانون، فإن أوفى بالاشتراكات المستحقة عليه، أعيد اسمه إلى الجدول بغير إجراءات واحتسبت له مدة الاستبعاد في الأقدمية والمعاش.

وحيث إن المشرع أنشأ – بنص المادة (176) من القانون المشـار إليه – صندوقًا للرعاية الاجتماعية والصحية يهدف إلى رعاية أعضاء النقابة من المحامين المقيدين بالجدول العام اجتماعيًا وصحيًا بما في ذلك ترتيب معاشات لهم عند تقاعدهم أو للمستحقين عنهم في حالة الوفاة، على أن يكون للصندوق شخصية اعتبارية مستقلة، وأوكل إلى لجنة تشكل وفقًا لأحكام المادة (177) منه إدارة هذا الصندوق وتصريف شئونه، واختصها بمباشرة المهام التي أوردتها المادة (178)، وحدد المشرع – بنص المادة (181) – موارد الصندوق، والتي تتكون من: حصيلة صندوق الإعانات والمعاشات بالنقابة وقت العمل بأحكام هذا القانون، وحصيلة طوابع دمغة المحاماة التي خول المشرع نقابة المحامين إصدارها بالفئات وفى الأحوال المبينة في المواد (182، 183، 184، 185)، وحصيلة أتعاب المحاماة التى تحكم بها المحاكم في جميع القضايا، وعائد استثمار أموال الصندوق، والهبات والتبرعات والإعانات التي يتلقاها الصندوق ويوافق على قبولها، وبينت المادة (190) المزايا والإعفاءات الممنوحة لأموال الصندوق الثابتة والمنقولة وجميع عملياته الاستثمارية أيًا كان نوعها، كما رسمت المادة (195) الإجراءات التي يتم من خلالها سد العجز في أموال الصندوق أو تصريف فائضه، أما المادتان (196) – المطعون على عجز البند الثانى منها – و(198) فقد بينتا ضوابط استحقاق المعاش وشروطه وأحواله.

وحيث إن مؤدى ما تقدم أن المحامين – متى تقرر قيدهم في الجدول العام – فقد غدوا أعضاء في نقابة المحامين، وباتوا إزاءها في مراكز قانونية متماثلة، وأصبحوا – بوصفهم كذلك – مؤمنًا عليهم وفقًا لأحكام النظام التأميني الذى قرره قانون المحاماة، ويسهمون جميعًا في تمويله، بحسبان أغلب مصادره من نتاج أعمال المحاماة التى يباشرونها، وحق لهم وللمستحقين عنهم عند بلوغ سن الستين أو الوفاة أو العجز الكامل المستديم صرف المعاش الذى يكفله هذا النظام لمن توافرت في شأنه شرائط استحقاقه حال تحقق الواقعة القانونية المنشئة له.

وحيث إن المادة (196) من قانون المحاماة المشار إليه قد حددت شروط استحقاق المحامي المعاش تحديدًا حصريًا تنصرف إلى قيده بجدول المحامين المشتغلين، والممارسة الفعلية للمحاماة المدة المقررة قانونًا – ثلاثين سنة ميلادية – بما فيها مدة التمرين، فضلاً عن شرط أساس مؤداه سداد المحامي رسوم الاشتراكات المستحقة عليه ما لم يكن قد أعفى منها، وتأتى أهمية هذا الشرط في ارتباطه الوثيق بالصبغة المالية لصندوق المعاشات باعتباره الجهة المنوط بها صرف المعاشات المستحقة للمحامين، وأن الاشتراكات هى المصدر الرئيسي لتمويله.

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن الحق في المعاش – إذا توافر أصل استحقاقه وفقًا للقانون – إنما ينهض التزامًا على الجهة التى تقرر عليها، وهو ما تؤكده قوانين التأمين الاجتماعي – على تعاقبها – إذ يتبين منها أن المعاش الذى تتوافر بالتطبيق لأحكامه شروط اقتضائه عند انتهاء خدمة المؤمن عليه وفقًا للنظام المعمول به، يُعَدُّ التزامًا مترتبًا بنص القانون في ذمة الجهة المدينة، وإذا كان الدستور قد خطا بمادته السابعة عشرة خطوة أبعد في اتجاه دعم التأمين الاجتماعي، حين ناط بالدولة أن تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية – الاجتماعية منها والصحية – بما في ذلك تقرير معاش لمواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم في الحدود التى بينها القانون؛ فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعي – التى يمتد نطاقها إلى الأشخاص المشمولين بها، هي التي تكفل لكل مواطن الحد الأدنى من المعاملة الإنسانية التى لا تمتهن فيها آدميته، والتي توفر لحريته الشخصية مناخها الملائم، ولضمان الحق في الحياة أهم روافدها، وللحقوق التى يقوم عليها التضامن بين أفراد الجماعة التى يعيش في محيطها، مقوماتها، بما يؤكد انتماءه إليها، وتلك هى الأسس الجوهرية التى لا يقوم المجتمع بدونها، والتى تُعَدُّ المادة (8) من الدستور مدخلاً إليها.

وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، وكان مبدأ المساواة أمام القانون – وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – لا يعنى معاملة المواطنين جميعًا وفق قواعد موحدة؛ ذلك أن التنظيم التشريعي قد ينطوي على تقسيم أو تصنيف أو تمييز، سواء من خلال الأعباء التي يلقيها على بعضهم أم من خلال المزايا التى يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم أَلاَّ تنفصل النصوص التي ينظم بها المشرع موضوعًا معينًا عن أهدافها؛ ليكون اتصال الأغراض التي توخى تحقيقها بالوسائل التى لجأ إليها، منطقيًا، وليس واهيًا أو واهنًا أو منتحلاً، بما يخل بالأسس التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا.

وحيث إن الدستور قد حرص في المادة (86) على اعتبار الدفاع عن الوطن وحماية أرضه شرفًا وواجبًا وطنيًّا مقدسًا، ومن أجل ذلك جعل التجنيد إجباريًّا وفقًا للقانون، بوصف أن التجنيد يعد أحد الروافد الأساسية لإمداد القوات المسلحة بأفرادها الذين يتحملون عبء القيام بهذا الواجب، ولازم ذلك أنه لا يجوز بحال أن يكون تكليف المواطن بأداء هذا الواجـب الوطني سببًا في الإضرار به أو المساس بحقوقه أو الانتقاص منها، ومن ثَمَّ فقد بات كفالة تحقيق ذلك التزامًا دستوريًا على عاتق المشرع والنقابات، وفى الطليعة منها نقابة المحامين باعتبارها أحد أشخاص القانون العام التي أوكل إليها الدستور بمقتضى نص المادة (76) منه مهمة حماية حقوق أعضائها، والدفاع عنهم، وحماية مصالحهم، الأمر الذى يضحى معه عدم تضمين النص المطعون فيه استثناء مدة التجنيد من مدة الأربع سنوات المحددة كحد أقصى لمدة التمرين التي تحتسب في المدة المشترطة لاستحقاق المعاش، مصادمًا نص المادتين (76، 86) من الدستور، لما تضمنه من إهدار للالتزام الدستوري بكفالة حقوق المجندين من أعضاء النقابة، خلال مدة تجنيدهم وأدائهم واجبهم الوطني، ومتضمنًا في الوقت ذاته مخالفة لمبدأ المساواة الذى كفله الدستور في المادتين (4، 53) منه، بوصف أن التنظيم الذى سنه المشرع قد جاء منفصلاً عن الأهداف التي رصدها كل من الدستور والقانون وسعى إلى تحقيقها بتقرير الحق في المعاش والتأمين الاجتماعي، وفرض التجنيد الإجباري، وكان يتعين على المشرع تهيئة الوضع القانوني في مختلف أفرعه ليتواكب مع هذه الغايات ، ويكفل تحقيقها؛ ليصير ذلك التنظيم متضمنًا تمييزًا تحكميًا بين المحامين أعضاء نقابة المحامين المستحقين المعاش المتكافئة مراكزهم القانونية في هــذا الشـأن، لا يستند إلى أسس موضوعية.

وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق والحريات هو إطلاقها ما لم يقيدها الدستور بقيود تبين تخوم الدائرة التي لا يجوز أن يتدخل المشرع فيها، ومن أجل ذلك وضع الدستور في المادة (92) منه قيدًا عامًا على سلطة المشرع في تنظيم الحقوق والحريات، بموجبه لا يجوز لأى قانون ينظم ممارستها أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها، لما يتضمنه ذلك من هدم لها، والتأثير في محتواها بما ينال منها، فلا يكون تنظيم المشرع لحق ما سليمًا من زاوية دستورية إلا فيما وراء هذه الحدود، فإن اقتحمها بدعوى تنظيمها انحل ذلك عدوانًا عليها. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد توخى اقتطاع جزء مما استحقه المؤمن عليهم – الذين عناهم – من المعاش، مخلاً بذلك بمركزهم القانوني الذى اكتملت في شأنهم شرائط تكوينه، بما مؤداه حرمان هؤلاء المؤمن عليهم من مزية تأمينية كفلتها أحكامه، وكان استحقاقهم المعاش المقرر طبقًا لقانون المحاماة، مخالفًا بذلك ما استهدفه الدستور من ضمان حق المواطن في المعاش، فإن النص المطعون فيه يتمخض عدوانًا على حقوق هذه الفئة من المواطنين أعضاء نقابة المحامين، مجاوزًا بذلك نطاق السلطة التقديرية للمشرع في مجال تنظيم الحقوق والحريات التى كفلها الدستور، بالمخالفة لنص المادتين (92، 128) من الدستور.

وحيث إن الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – تمتد إلى كل حق ذي قيمة مالية سواء أكان هذا الحق شخصيًّا أو عينيًّا، أم كان من حقوق الملكية الأدبية أم الصناعية، وهو ما يعنى اتساعها للأموال بوجه عام، وكان النص المطعون فيه قد انتقص – دون مقتضٍ – من الحقوق التى تثرى الجانب الإيجابي للذمة المالية للمخاطبين بحكمه، فإنه يكون قد انطوى بذلك على عدوان على الملكية الخاصة بالمخالفة للمادة (35) من الدستور.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية عجـز البند الثاني من المادة (196) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 فيما لم يتضمنه من استثناء مدة التجنيد من مدة السنوات الأربع المحددة كحد أقصى لمدة التمرين التي تحتسب في المدة المشترطة لاستحقاق المعاش، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .