مهنة المحاماة.. عرض وتحليل
محمد عبد العزيز السنيدي
لعلنا وعوداً على بدء نشرع في شرح المقصود بمهنة المحاماة والتي لم يعرفها نظام المحاماة السعودي إلا بكلمتين وهي الترافع عن الغير، بينما المحاماة مهنة علمية حرة مستقلة وتعتبر القضاء الواقف الذي يشارك السلطة القضائية (القضاء النافذ) في إحقاق الحق وتحقيق العدل، مسترشدة في ذلك بأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية التي لا تخالف أحكام الشريعة، ولا شك أن مهنة المحاماة أصبحت مهنة ضرورية ولازمة كمهنة الطبيب ولا غنى عنها في الترافع وتقديم الاستشارات الشرعية والنظامية وصياغة العقود والتصرفات وتأسيس الشركات وأنها ذات أهمية كبيرة حينما تكون جنباً إلى جنب في خدمة الاقتصاد وتنمية التجارة وبشكل مقنن، بدءاً بعمل التاجر بفتح محله ومروراً بالأعمال التجارية والمصرفية وغيرها كافة.

إذ إن تقديم الاستشارات بشأن ذلك كله يعني وجود صمام الأمان لهذه الأعمال وتحول دون ضياع الحقوق ابتداء ومروراً بالدفاع عنها حتى تحصيلها، فضلاً عن كون هذه الاستشارات مرجعاً لحل جميع الإشكالات الناتجة عن المعاملات بفروعها كافة، كما أنها مهنة المتاعب وتشارك الصحافة في ذلك المسمى. إذ إنها تدافع عن المظلومين وتسعى لإنصافهم من خلال السلطة القضائية (القضاء النافذ) وتسعى إلى تأكيد سيادة أحكام الشريعة والأنظمة المرعية على المجتمع بجميع أطيافه كبيرة وصغيرة وهدفها أولاً وأخيراً تحقيق العدالة التي تعتبر معصوبة العينين كما يقال ولا تفرق بين واحد وآخر، فلذلك تعتبر المحاماة صنو القضاء ومعاونة له ويجب إحاطتها بالضمانات والحصانات التي يتمتع بها القضاة ووجوب تنقية المهنة من الدخلاء عليها وإنشاء جمعية تضمهم وتدافع عن مصالحهم وتتكلم باسمهم.

وقد خلا نظام المحاماة السعودي من النص على هذه الحقوق مع أنها ممنوحة في أنظمة المحاماة كافة في الدول الأخرى لما في ذلك من حماية للمحامي من أية ضغوط تمارس عليه وتهدده بحرفه عن مسار العدالة التي يتوخاها. وإن مما يحز في نفوس المحامين بصفة عامة أن نظام المحاماة لم يكفل لهم حق الاستقلال والحصانة وألا سلطان عليهم في ذلك لغير أحكام الشريعة الإسلامية وإنما ساواهم النظام ولائحته التنفيذية بالوكلاء الذين لا تربطهم علاقة علمية بالمحاماة بل كبلهم بقيود كثيرة ونص على عقوبات عليهم حال مخالفتهم أحكام النظام، كما لم يقم لهم شأن بالمقارنة بقوانين المحاماة في الدول الأخرى، مما جعلهم لا يضطلعون بدورهم على الوجه الأكمل في الدفاع عن موكليهم، بينما أنظمة الدول الأخرى جعلت أن لا سلطان على المحامين لغير ضمائرهم والقانون النافذ في تلك الدول فجعلتهم قضاء واقفاً يعاونون السلطة التنفيذية (القضاء النافذ) لبلوغ الهدف المتوخى وهو الحق والعدل وإنصاف المظلومين، وهذا مما جعل مهنة المحاماة مهنة من لا مهنة له فشاركهم في ذلك حتى الأميون الذي لا يقرؤون ولا يكتبون حيث نصت الفقرة (أ) من المادة (18) من اللائحة التنفيذية لنظام المحاماة ونصها: (للمحامين المقيدين في جدول الممارسين دون غيرهم ـــ حق الترافع عن الغير أمام المحاكم وديوان المظالم .. واستثناء من ذلك يقبل الترافع عن الغير مما يأتي:

أ ـــ أي وكيل في قضية واحدة إلى ثلاث قضايا عن ثلاثة أشخاص متعددين لا تقبل وكالته عن غيرهم. ومن ذلك يتضح مساواة المحامي ــ المقيد في جدول الممارسين ـــ مع الوكيل الشرعي ولا فرق بينها إلا في عدد القضايا. ولا شك أن المحامين حين يعدون صنو القضاة فلأنهم تجمعهم ذات الغاية وهي تحقيق العدالة، ويربطهم نبل المقصد وهو تأكيد سيادة الشريعة، يعينون القضاة فيقدمون لهم مادة أحكامهم. ذلك أن المحامي يعكف على القضية الموكل فيها باسطاً أمام القاضي ما تثيره من مشكلات الأحكام وآراء الفقه بشأنها، عارضاً لحجج كل طرف وأسانيده، فيسهل على القاضي مهمته، وينير طريقه، وييسر له الوصول إلى الحقيقة. فثم عدد من قضايا لم تتضح خفاياها إلا بعد سماع مرافعة المحامي ومناقشته للخصوم أو الشهود أو لممثل الادعاء أو الاتهام، وما أكثر الأمور التي لا يكفي فيها مجرد الاطلاع على ملف القضية لكشف غموضها فيتبدد هذا الغموض بإلقاء المحامي الضوء على ظروف القضية وملابساتها. وكم من قضايا تعثرت أمام القضاء لصعوبة ترجيح حق على آخر فأدى نقاش المحامين وتفنيد كل منهم لرأي الآخر وحججه إلى إظهار وجه الحقيقة فيها.

مهنة المحاماة تستمد من مكانتها من سمو مقصدها ولا ينال منها عدم فهم البعض طبيعتها ولأن غاية المحامي المساهمة في إحقاق الحق وتحقيق العدل بنصرة المظلومين ورد الحقوق المغتصبة لأصحابها بإسماع صوتهم للعدالة وتقوية حجتهم ودفع كيد الظالمين عنهم.

اكتسبت المحاماة مكانتها الرفيعة من نبل مقصدها وسمو غايتها حتى أصبحت شرفا يعتز به كل منتسب إليها وصارت طموحا يسعى لتحقيقه كل من فطر على الغيرة على الحق حتى قال لويس الثاني عشر ملك فرنسا (لو لم أكن ملكاً على فرنسا لوددت أن أكون محامياً). فالمحامي إذن؛ ليس كما يتصور البعض مجرد رجل الكلام صناعته سيان عنده الدفاع عن الحق أو الباطل يستعين بعلمه لينصر باطل موكله على حق خصمه يسعى ليفلت المجرم من العقاب، فالمهم عنده الحصول على الأتعاب. فمثل هذا القول يصدر عن عدم فهم لطبيعة عمل المحامي وعدم إدراك لشرف الرسالة التي يناضل المحامون في ساحات القضاء لتحقيقها. فلئن شاع لدى البعض شبهة التشكك في نزاهة المحامي نتيجة لسلوك قلة ممن يسيئون إلى المهنة وإلى أنفسهم فإن هذه الشائعة لا تنال مع ذلك من شرف المهنة وسمو رسالتها. بل من الإنصاف القول إنه إذا كان الكمال المطلق ليس من طبع البشر ولا يتوافر في لدى المنتسبين لكل المهن ومن بينها المحاماة فلا يصح أن تحظى مهنة المحاماة بالنصيب الأوفى من الافتراء نتيجة لسلوك قلة من غير الملتزمين بآدابها ممن لهم نظراء في جميع المهن شأنهم من ذلك شأن المهندس والطبيب وغيرهم. بل يمكن القول إن المحامي وهو الرجل الذي يسعى دوماً لتحقيق العدالة هو دائما ضحيتها، فموكله الذي يخسر القضية لا يسلم أبداً بحق خصمه وينسب الخسارة لتقصير محاميه وليس العدالة ما حكم به والموكل الذي يكسب قضيته لا يرجع ذلك لجهد محاميه بل ينسب الفضل في كسبها إلى وضوح حقه ونزاهة قاضيه.

ومع ذلك يمضي المحامي في أداء رسالته لا يثني همته ما قد يلقاه من جحود ولا يوهن من عزيمته ما يستشعره من نكران لمجهود فحسبه أنه أدى واجبه وأرضى ضميره. والمحاماة رسالة شرعية تمليها ضرورة الحفاظ على السلام والعدل الاجتماعيين وتحقيق مبدأ المساواة أمام القضاء. فهي رسالة ضرورية لتحقيق السلام الاجتماعي لأنه دونها ينشغل المواطن عن أداء واجبه بالدفاع عن حقه ولا يخفى ما ينطوي عليه ذلك من انعكاس بالغ الخطورة على تقدم المجتمع وازدهاره.

وهي أيضا ضرورية لتحقيق العدل الاجتماعي لأنه بدونها تفسد العدالة ويختل ميزانها، ذلك أن الناس في رباطة الجأش وفصاحة اللسان وقوة الحجة والبيان ليسوا سواء. ومن هنا تبدو ضرورة المحامي للدفاع عن حق المظلوم ببيان حجته وتفنيد مزاعم خصمه حتى لا تغتال الحقوق باسم العدالة لمجرد عجز أصحابها عن الدفاع عنها وحتى لا يرجح باطل على حق لبراعة مدعيه في إقناع القضاة به وهو ما لا يرضاه الله ورسوله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ لذا يخاطب الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ المتخاصمين في حديثه الشريف بقوله: (إنما أنا بشر مثلكم تختصمون إلي فأقضي بينكم على نحو ما أسمع ولعل بعضكم ألحن بحجته من أخيه فأقضى له، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا وليرده إليه فإنما أقطع له قطعة من النار).

فهذا الحديث الشريف فضلا عن حضه على تربية المسلم التربية الأخلاقية التي تحول بينه وبين أكل أموال الناس بالباطل وإفهام المسلم بأن مجرد حصوله على حكم لصالحه لا يضفي على مضمون الحكم شرعية ما حكم له به إذا كان هو نفسه يعلم بعدم أحقيته بما حكم له به باعتبار أن القاضي لا يحكم إلا في ضوء ما أظهرته المستندات. نقول إنه فضلاً عن هذا المعنى السامي الذي يدل عليه الحديث الشريف فإننا يمكننا أن نستنبط منه أيضا جواز استعانة صاحب الحق الذي لا يقدر على الدفاع عن حقه بمن يملك القدرة على ذلك وهو ما أجازه الفقه من باب المصالح المعتبرة.

وإذا كان الناس يتفاوتون في البيان في الظروف الطبيعية وعند التخاصم في الحقوق المدنية فما بالهم في ظروف تبعث على الجزع والخوف حينما يقف أحدهم موقف الاتهام يجرم من شأنه الرجم أو الحبس أو القطع أو القصاص؟ لقد دلت التجربة على أن من يقف موقف الاتهام في مجلس القضاء ينتابه الجزع تحت وطأة الخوف من العقاب فينعقد لسانه مهما كانت فصاحته وينكسر قلبه مهما كانت رباطة جأشه وينشغل بمصيره فتضيع حجته، وقد يكون بريئاً فيعجز عن الدفاع عن نفسه وتفنيد التهمة المنسوبة إليه ويزيد من صعوبة الأمر أن القاضي مهما كان حياده وحرصه على الالتزام به يأخذ المتهم بادئ الأمر بظاهر الاتهام فينظر إليه نظرة الآثم الذي يريد أن يفلت من العقاب لا أن يكون بريئاً حتى تثبت إدانته.

بل لا يقدح في عمل المحامي أن يترافع عن متهم أقر بالتهمة واعترف بها فرسالته في مثل هذه الأحوال ألزم حتى لا يتعرض المتهم لغلطة في العقاب لا مبرر لها أو تجاوز في تطبيق العقوبة لا سند له من الشرع أو النظام فدور المحامي في الترافع في مثل هذه الأحوال لا يعني سعيه إلى طمس الحقيقة أو تضليل العدالة أو إفساد الأدلة مما لا يجوز، وإنما يرمي إلى توضيح الظروف والملابسات التي أحاطت بارتكاب الجريمة فقد تكون دفاعاً عن النفس أو المال أو العرض، وقد يكون المتهم عند ارتكابه الجريمة غير مدرك لفعلته نتيجة مرض عقلي يقوم مانعاً من العقاب وإن لم يعفه من المسؤولية، وقد يكون الجرم قد وقع خطأ فينتفي عن المتهم قصد العمد مما يخفف عنه العقاب. وهكذا يلعب المحامي دوراً في عدم تجاوز العقاب حدود القسط والاعتدال فمن شأن هذا التجاوز لو تحقق تغير شعور الناس تجاه الجاني. فبدلا من السخط عليه يتعاطفون معه ويفقد الناس في النهاية ثقتهم في عدالة القضاء. وإذا كانت المحاماة ضرورة لإحقاق الحق وتحقيق العدل جنباً إلى جنب مع السلطة القضائية وهي أيضا ضرورية لكفالة مبدأ المساواة أمام القضاء، الأمر الذي يوجب ألا يقف المتهم في ساحة القضاء منفرداً في مواجهة سلطة الادعاء العام التي تكيل له التهم وتسوق الأدلة على ثبوتها وتسعى لإقناع القاضي بإدانته دون أن تجد من يفند ما تسوقه من أدلة أو يقرع الحجة بالحجة، الأمر الذي يترتب عليه أن تكون أمام القضاء وجهة نظر واحدة يصدر الحكم في ضوئها فيختل ميزان العدل، لذا توجب الأنظمة المعاصرة ضرورة استعانة المتهم في جناية محام يتولى الرد على سلطة الاتهام فيتحقق التوازن الذي بدونه تنعدم المساواة أمام القضاء، فإذا كان المتهم غير قادر على توكيل محام التزمت المحكمة بندب محام للترافع عنه بالمجان ضمانا للعدالة التي توجب احترام حق الدفاع. المراجع:

1ـ الوسيط في شرح قانون المرافعات للدكتور أحمد سيد الصاوي (بتصرف واقتباس).

2 ـ كنوز المحاماة ترجمة حسن الجداوي ومحمد عمر(بتصرف).

3 ـ علم النفس القضائي لرمسيس بهنام (بتصرف).

4 ـ استعانة المتهم بمحاميه في القانون المقارن لحسن علوب (بتصرف).

نجد أن النظام واللائحة كل منهما يشتمل على ثلاث وأربعين مادة منها ما يتعلق بتعريف المهنة وشروط مزاولتها وحقوق وواجبات المحامي والعقوبات التي توقع عليه من قبل لجان التأديب. وباستعراض نصوص النظام واللائحة نجد أنهما لم يعطيا المحامي من الحقوق سوى منحه الترخيص إذا استكمل الشروط المطلوبة والسماح له بالترافع وتقديم الاستشارات من خلال كونه فرداً أو ضمن شركة مهنية للمحاماة، وكذلك نص على أن على المحاكم وديوان المظالم واللجان شبه القضائية والدوائر الرسمية وسلطات التحقيق أن تقدم له التسهيلات متى رأت ذلك أو رفض طلباته، وفق سلطة تقديرية ترجع لها، أما ما عدا ذلك فباقي النصوص الخاصة بالواجبات أو شروط منح الترخيص أو العقوبات نجدها تتجاوز العشرين مادة، بينما حقوقه لم ينص عليها إلا فيما لا يتجاوز أربع مواد. وبما أن المحاماة جزء من المنظومة القضائية وتساعد على تطوير الأنظمة والتدقيق في تطبيقها وكشف الحقائق التي تؤدي إلى تحقيق العدل، وهي كغيرها من المهن بها الصالح والطالح، فالطريقة التي يمارس بها بعض المحامين عمله من خلالها، وجعلها سبيلاً إلى طمس الحقائق وإلى تعطيل الأنظمة أو الثراء غير المشروع باستغلال ضعف الخصوم ويحول دون تطبيق النظم مما يعكس صورة سلبية عن المحامين.. ولذا جاءت فكرة ألا تكون المحاماة حرة طليقة دون قيود وأنه ينبغي لها وضع نظام صارم، وهذا ما حدا بنظام المحاماة السعودي أن ينظر من زاوية واحدة في شأن تلك القيود والواجبات ويجعلها الغالب الأعم في النظام ولائحته التنفيذية. ولقد نظر كثير من المحامين السعوديين إلى نظام المحاماة بأنه جاء دون مستوى الطموحات والتطلعات إذا ما قورن بقوانين المحاماة في الدول العربية، فضلاً عن الدول الغربية، حيث أثبت التطبيق العملي للنظام ولائحته التنفيذية منذ صدوره منذ تسع سنوات صحة وجهة نظرهم هذه فمن أبرز النواقص التي اعترته أنه لم يكفل لهم حق الاستقلال والحصانة على الإطلاق في أي من نصوص النظام أو لائحته التنفيذية.

وإذا ألقينا نظرة عابرة على الأنظمة التي جعلت هناك توازناً بين الحقوق والواجبات المتعلقة بعمل المحامي نجد أنها عنيت بوضع مجموعة من الضمانات الخاصة حفاظاً على استقلال المحامي أمام الجهات القضائية والجهات التنفيذية حتى إن بعضها نص على أنه لا يجوز القبض على المحامي أو توقيفه احتياطياً ولا رفع الدعوى الجنائية عليه إلا بأمر من النائب العام، التي يماثلها في النظام السعودي هيئة التحقيق والادعاء العام، كما أنه لا يجوز أن يشترك في نظر الدعوى التأديبية أو الجنائية أي عضو من أعضاء الجهة التي وقع الاعتداء عليها، وذلك أثناء وجود المحامي في الجلسة لأداء عمله، وترتب على ذلك إخلال منه بنظام الجلسة أو ما يستدعي محاسبته تأديبياً أو جنائياً، حيث يأمر رئيس الجلسة بإحالته إلى النيابة العامة.

أما مسألة استقلال المحامي، سواء في مواجهة الموكلين فقد عالجها كثير من أنظمة المحاماة، فيما يزيد على 40 مادة، ويتضح استقلال المحامي من خلال ثلاثة مسارات، أولها حريته في أن يقبل القيام بمهمة المحاماة أو ألا يقبلها، وثانيها اتباع الطريقة أو الأسلوب الذي يراه مناسباً لأدائه لعمله دون تأثير من أي أحد، ولكن وفق ما يمليه عليه ضميره والالتزام بنصوص الأنظمة المرعية، وثالث هذه الحريات هي إرادته في ترك المهمة التي سبق أن تعهد بالقيام بها. ولا تتضح ضمانات الاستقلال إلا من خلال منح المحامي حقه في الحصانة، وذلك من خلال النصوص التي يوردها المشرع في عدم مسائلة المحامي عن أية أفعال تصدر عنه مهما كانت ضارة أو غير ذلك على أن يكون صدورها عنه من خلال قيامه بالدفاع عن موكله كونها تعطي المحامي مزيداً من الطمأنينة وتوفر له الارتياح اللازم عند قيامه بمهام العمل دون أية ضغوط، سواء كانت بالمساءلة الجنائية أو التأديبية، التي قد تعوق جهوده والقيام بعمله على أكمل وجه.

فلذلك نجد أن مساءلته الجنائية والتأديبية تسلك طرقاً وقواعد وإجراءات خاصة غير التي في غير القوانين الجنائية، فضلاً عن نظام الإجراءات الجزائية السعودي، حيث إن نظام المحاماة ونظام الإجراءات الجزائية لا يفرق بين محام أو غيره، بل إنه يكبل المحامي، ويزيد من عقوبته بدءاً من تحريك الدعوى، ومروراً بالحكم عليه جنائياً أو تأديبياً دون أن يكون له أدنى حماية أو استقلالية في نظام المحاماة، بينما بعض أنظمة المحاماة في الدول الأخرى تضع شروطاً للتحقيق مع المحامي- وهذا ما خلا منه نظام المحاماة السعودي- حيث إن هذه الدول تضع شروطاً لاعتبار المحامي مخلاً بواجباته ومنها تحديد عدد الشكاوى ضده، وذلك بأن تأتي مثلاً من ثلاث محاكم مختلفة توضح أنه قد تسبب عمداً أو بإهمال في تعطيل نظر الإجراءات أمام هذه المحاكم، وذلك تفادياً للدعاوى والشكاوى الكيدية ضد المحامين أثناء أدائهم لواجبهم. كما أن أنظمة المحاماة في بعض الدول أكدت حماية وحصانة المحامي بأن نصت على أنه لا يجوز القبض عليه والتحقيق معه في غير حالات التلبس في القضايا الجنائية أو الجرائم التي تمس أمن الدولة قبل رفع الأمر للجنة أو النقابة أو الجمعية الخاصة بالمحامين، التي تقوم بالتحقيق والتأكد من وقوع الفعل المجرم للمحامي، ومن ثم رفع الحصانة عنه والإذن بمحاكمته ولحماية المحامي وحصانته اعتبرت أنظمة المحاماة الأخرى- باستثناء نظام المحاماة السعودي- أن الجريمة الواقعة على المحامي أثناء قيامه بواجبه باعتباره قضاء واقفاً كأنها قد وقعت على القاضي (القضاء النافذ)، وقد وضعت لها عقوبة تماثل عقوبة التعدي على القاضي، فضلاً عن أن هذه النظم حظرت تفتيش مكتب المحامي أو التحقيق معه إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة على أن تقوم النيابة العامة بإبلاغ نقابة المحامين (جمعية المحامين) قبل أن تبدأ بالتحقيق مع المحامي بوقت كاف.

كما أعطت الحق لنقيب المحامين أو رئيس النقابة الفرعية أن يحضر التحقيق بنفسه أو أن يفوض عنه في ذلك من يراه من المحامين. والهدف من ذلك مراقبة إجراءات التحقيق ومساعدة المحامي المتهم ودعمه في الرد على استجوابات النيابة، وذلك إذا كانت الواقعة محل التحقيق تشكل جنحة أو جناية خاصة بأداء المحامي لمهامه، كما حظرت بعض النظم التعدي على المحامي أو الإقلال من قدره بأي وسيلة أثناء ممارسته لعمله واعتبار أن أي أذى أو مضرة مادية كانت أو معنوية ترتكب ضده، فإن من مارسها توقع عليه العقوبة المقررة لمن يرتكب هذه الأفعال ضد أي من أعضاء المحكمة. هذا فيما يخص الحصانة والضمانات المعطاة للمحامي، التي لا توجد للأسف في نظام المحاماة السعودي أي منها.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت