مقترح وزارة العدل ينتظر الموافقة وسرعة التطبيق لخدمة المجتمع
مشروع التوفيق والمصالحة في المحاكم.. «الصلح خير»

في إطار مشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء، شرعت وزارة العدل في تدعيم وتعزيز فكرة مكاتب الصلح التطوعية والخيرية، وحسب إحصاءات الوزارة المنشورة فإن هذه المكاتب حدت بنسب عالية من تدفق القضايا للقضاء، بالرغم من عدم تنظيم هذه المكاتب بوظائف رسمية أو وجود نص تشريعي يلزم بالذهاب لها قبل المثول أمام القضاء، حيث لا يزال الأمر متاحاً بالخيار لأطراف الدعوى لدعم هذا النص، وهو ما عملت الوزارة على ملء فراغه من خلال فكرتها التوفيقية، حيث قدمت مشروعاً استراتيجياً في هذا الخصوص يدرس حالياً في الدوائر التنظيمية.

هذا المشروع الطموح يكتسي في كافة مقترحاته التنظيمية بطبيعة إدارية بحتة لا صلة لها بالأعمال القضائية ولا بالقضاء، ويجري اعتماد وثيقة الصلح من قبل رئيس مكتب الصلح أو رئيس المحكمة أو القاضي – في أحد الخيارات -، ويكون لها “الحجية” أمام القضاء مثل حجية وثائق صكوك المحاكم وكتابات العدل.

وسوف تستقطب الوزارة من خلال فكرة هذا المشروع خبراء وموظفين رسميين، وليس مجرد متعاونين أو متطوعين، لإسناد القضاء والتخفيف من أعبائه بما هو مماثل تماماً للقائم حالياً في المحاكم بجهود ذاتية من وزارة العدل، لكن بشكل أكثر تطويراً وتنظيماً.

“الرياض” تُسلط الضوء على الموضوع لمعرفة أهداف وزارة العدل من هذا المشروع، وكذلك معرفة الجوانب الأخرى المتصلة به.

وضع قواعد تشريعية لتنظيم إجراءات التراضي بين الخصوم قبل وصول الدعوى إلى القاضي

إرادة الخير

تهدف فكرة وزارة العدل إلى وضع قواعد تشريعية لتنظيم إجراءات الصلح بأسلوب يجعل من هذا المطلب الشرعي أثراً بارزاً في إرادة الخير من قبل الجميع، ففصل القضاء مهما كانت قيم العدالة التي ارتكز عليها فإن الخصوم بعده لن يكونوا على تآلفهم ومودتهم المطلوبة شرعاً إلاّ من رحم الله باقتناعه التام بحكم القضاء، وقليل من هم وهذه الإشكالية محل شكوى في امتداد الزمان وتنوع المكان، ويعظم المصاب عندما يكون الصدع في قضايا الأقارب والأصحاب ولذا رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: “ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث الضغائن”.

ونصت فكرة الاقتراح التنظيمي لوزارة العدل على إنشاء لجنة أو أكثر للتوفيق والمصالحة في محاكم الدرجة الأولى، أو في منشآت عدلية مستقلة عن المحاكم، تشعر الجميع بعد انتهاء المصالحة بأنهم لم يصلوا في نزاعهم للمحاكم، وتتكون من مختصين وتزويدها بالعدد الكافي من الموظفين، وحسب فكرة الوزارة فإن اللجان تختص بإجراء التسوية التي من شأنها إنهاء المنازعة صلحاً إذا كانت تخرج عن نطاق القضاء المستعجل ونطاق قضاء التنفيذ والأوامر الوقتية، وكان موضوعها مما يجوز الصلح فيه، ولم تكن الحكومة طرفا فيها، لكونه يتعلق بالحق العام والحق العام لا تجوز المصالحة عليه.

إجراءات التسوية تتم خلال شهر وعند الحاجة إلى الزيادة يُرفع طلب تحدد فيه المدة الكافية

إجراءات متبعة

وتحدد الجهة المنظمة الإجراءات المتبعة أمام اللجان، وتعتمد نماذج عملها وتقوم اللجان بالنظر في الموضوع عندما تتم إحالة القضية من قبل مكتب الإحالات بالمحكمة من تلقاء نفسه، أو بناءً على طلب أطراف المنازعة من اللجنة مباشرة، أو من لدن رئيس المحكمة أو القاضي بحسب الأحوال – في خيارات مطروحة من قبل الوزارة على الجهة التنظيمية- وتُطلع الدائرة المدعى عليه بحضور جميع الأطراف أو من يمثلهم شرعاً على لائحة الدعوى ومستنداتها، ويمكَّن من إبداء وجهة نظره في ذات الجلسة ولا يتم تبادل المذكرات والمستندات بين أطراف المنازعة، بل ولا يجوز للدائرة أن تكشف لأحد الأطراف ما أطلعها عليه الطرف الآخر إلاّ بموافقته.

عند الوصول إلى حل النزاع يُكتب محضر ويُعد بمنزلة الحكم في موضوع الدعوى

ثلاثة أشهر

وتنهي اللجنة إجراءات التسوية خلال شهر من تاريخ قيد الطلب لديها، وعند الحاجة لزيادة المدة يرفع رئيسها طلباً للمحكمة يحدد فيه المدة الكافية، على ألاّ تتجاوز مدة التسوية ثلاثة أشهر، ولا يقبل الطلب إذا كان بسبب مماطلة أحد الخصوم، بل ولا يجوز تكراره ما لم يتفق أطراف المنازعة على خلاف ذلك، وإذا توصلت الدائرة إلى تسوية النزاع كلياً أو جزئياً، تقدم إلى رئيس مكتب الصلح محضراً بذلك، موقعاً عليه من أطراف المنازعة أو من وكلائهم، يرفق به اتفاق التسوية الموقع من طرفي النزاع للتصديق عليه.

صفة الاستعجال

ويُعدّ ذلك المحضر بمثابة الحكم في موضوع الدعوى بعد تصديقه، ويعطى التصديق صفة الاستعجال، ويسلم وفق إجراءات تسليم الأحكام القضائية، ولا يجوز الاعتراض على المحضر بعد التصديق عليه بأي طريق من طرق الاعتراض، ويذيل بالصيغة التنفيذية للأحكام القضائية، إلى جانب تنفيذه وفقاً لقواعد تنفيذ الأحكام القضائية النهائية، واذا لم تتوصل الدائرة إلى تسوية النزاع، فعليها أن تعد تقريراً تبين فيه عدم توصل أطراف النزاع إلى تسوية، على أن يوضح في هذا التقرير مدى التزامهما ووكلائهما بحضور جلسات الصلح، كما أن مشروع الوزارة قدم – في هذا – على ما سبق خياراً يعهد بالتصديق على الوثيقة لرئيس المحكمة أو قاضي الموضوع – بحسب الأحوال – وأن تكون الإحالة إلى اللجنة – مكتب الصلح – من قبل رئيس المحكمة أو قاضي الموضوع وليس مكتب الإحالات.

جلسات سرية

ونص مشروع وزارة العدل على أن جلسات التسوية سرية ولا يسمح لأحد حضورها إلاّ بموافقة أطراف النزاع أو من ينوب عنهم، وأنه يحق للجنة التوفيق والمصالحة الانفراد بكل طرف من أطراف النزاع على حدة، مع اتخاذ ما تراه مناسباً للإصلاح بتقريب وجهات النظر، بهدف الوصول إلى حل ودي، ويجوز لها إبداء رأيها في النزاع، مع عرض الأسانيد الشرعية والنظامية، والسوابق القضائية، وغيرها من الإجراءات التي تسهل أعمال التسوية، وأكد مقترح الوزارة على إنّ إجراءات التَّسوية سرّية، ولا يجوز الاحتجاج بها، أو بما تم فيها من أقوال أو تنازلات من طرفي النزاع أمام أي محكمة، أو أي جهة كانت.

مكاتب خاصة

ونص مقترح الوزارة على أنه يجوز بقرار منها الترخيص لمختصين بافتتاح مكاتب خاصة لإجراء التسوية، وتصدر التراخيص بمزاولة مهنة التوفيق والمصالحة بعد القيد في جدول خاص، وتكون مدته خمس سنوات قابلة للتجديد، وتصدر وزارة العدل لائحة تبين الأحكام والشروط والأتعاب المتعلقة بهم، ونص المشروع المقترح على أنه يشترط فيمن يتولى التسوية سواء كان موظفاً أو مرخصاً له أو غيرهم، أن يكون من المشهود له بالنزاهة والأمانة والقدرة على الاضطلاع بهذه المسؤولية، من خلال سجله العلمي وعمله المهني، ولم يسبق أن حكم عليه بحد أو تعزير في جرم مخل بالشرف أو الأمانة، أو صدر بحقه قرار تأديبي بالفصل من وظيفة عامة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره.

تنحي وجوبي

وكشفت أطروحة الوزارة عن حالات التنحي الوجوبي لمن يتولى إجراءات التوفيق والمصالحة وإجراءات تقديم طلب التنحي، ومنع المشروع المقترح من يتولى إجراءات التوفيق والمصالحة من إفشاء سر أؤتمن عليه أو عرفه عن طريق مهنته ولو بعد انتهاء عمله أو الترخيص له، ما لم يخالف ذلك مقتضى شرعياً، ونص المشروع على أنه لا يخل ما ورد به في حق أطراف المنازعة في الاتفاق على حل النزاع ودياً عن طريق وسيط خارجي، ويجوز أن يطلب أحد أطراف النزاع من دائرة الصلح إكمال إجراءات التصديق، ونص كذلك على شطب اسم المختص بالتوفيق والمصالحة إذا حكم عليه في جريمة مخلة بالشرف والأمانة، ونص على عقوبة الإنذار أو اللوم أو الإيقاف عن مزاولة المهنة بمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات، أو شطب الاسم وإلغاء ترخيص من كان مرخص له اذا أخل بواجباته المهنية، أو ارتكب عمل ينال من شرف المهنة، ونص كذلك على أن يشكل في وزارة العدل لجنة تنظر في توقيع العقوبات المشار إليها.

ضوابط وقواعد

ومن أبرز ملامح هذا المشروع تكوين لجنة للتوفيق والمصالحة في كل محكمة من محاكم الدرجة الأولى – وفق أحد خيارات مقترحة – ومنح وزارة العدل صلاحية التصريح بفتح مكاتب خاصة تعمل تلك اللجان خارج أروقة المحاكم وفق ضوابط وقواعد محددة، ما يساعد على إسهام القطاع الخاص في العمل العدلي، بل ويسهل على من لديه الرغبة في إبرام عقد صلح القيام به بعيداً عن المحاكم، ويقدم له ضمانة بأن هذا العقد بعد تمام توثيقه أنه سيوثق بأسلوب تنفيذ الأحكام القضائية، ولن يتمكن أحد من الاعتراض عليه أو المنازعة فيه أو اللجوء إلى القضاء، ومن أبرز ملامح هذا المشروع كذلك استبعاد بعض القضايا من اختصاص لجان التوفيق والمصالحة لاعتبارات شرعية ونظامية، فالقضايا التي تدخل في نطاق القضاء المستعجل التي يجب الفصل فيها بسرعة وفق ما هو منصوص عليه في نظام المرافعات الشرعية التي يكون للزمن أثر كبير فيها، يؤدي إلى حدوث آثار لا يمكن تداركها بالتعويض ونحوه، وكذلك القضايا التي لا يجوز الصلح فيها استبعدها مشروع هذه الفكرة من اختصاص تلك اللجان أو المكاتب الخاصة التي تصرح لها وزارة العدل بإجراء التوفيق والمصالحة.

تبادل المذكرات

ومنعاً لتأخر القضايا أمام اللجنة منع مشروع المقترح تبادل المذكرات أو المستندات وألزم اللجنة بإنهاء إجراءات التوفيق والمصالحة خلال شهر وفي بعض الحالات التي ترى فيها اللجنة تقارباً في وجهات النظر بين المتنازعين، يجوز لها أن تطلب من جهة الإحالة مد المدة، بشرط عدم تجاوز المدة الكلية لثلاثة أشهر، ويرفض طلب مد المدة إذا تبين أن مضي الشهر بسبب مماطلة أحد أطراف المنازعة، ما لم يتفق أطراف النزاع على خلاف هذا، على أساس أن الأمر يعنيهم فلو اتفقوا على مدة أطول جاز لهم ذلك، وتعد اللجنة أو المكتب المرخص له محضراً ترفق به وثيقة الصلح الموقع عليها من أطراف المنازعة للتصديق عليها من رئيس المحكمة أو القاضي بحسب الحال ووفق الخيار المشار إليه، ولا يجوز الاعتراض عليه بعد التصديق، وينفذ بالطرق التي تنفذ بها الأحكام القضائية، ويعطى التصديق صفة الاستعجال لضمان عدم تأخر التنفيذ.

الانفراد بالأطراف

ولما يتطلبه إجراء الصلح من مفاوضات ونقاش قد يتخلله بعض التنازلات أو النقاش الذي لن يصدر من الأطراف إلاّ في حالة الرغبة في الصلح، ودفع عجلة النزاع إلى وضع يمكن من خلاله الاتفاق على حله جذرياً، أو يصدر بحسن نية، فقد قرر مشروع المقترح أن جلسات التسوية سرية ولا يسمح لأحد حضورها إلاّ بموافقة الأطراف، وأعطى اللجنة الحق في الانفراد بكل طرف من أطراف النزاع على حدة، مع اتخاذ ما تراه مناسباً للإصلاح بتقريب وجهات النظر، كما منع الاحتجاج بما يتم أثناء إجراء التوفيق والمصالحة، أو بما يتم خلالها من أقوال أو تنازلات من طرفي النزاع أمام أي محكمة، أو أي جهة كانت، وذلك لضمان الجو المناسب لإنجاز العمل من دون تخوف أو تردد من أطراف النزاع.

محاكم غربية طبقت الفكرة ونجحت بنسبة 90%

أكدت دراسات وزارة العدل التي أعلنت عنها مراراً على أن أمثال هذه الفكرة حدت في بعض المحاكم الغربية بما نسبته (90%) من تدفق القضايا للقضاء العام، وبنسبة (40-50%) لدى بعض الدول العربية، وهي أرقام كبيرة جداًّ، وتتوقع وزارة العدل في البدايات الأولى للتطبيق الرسمي للفكرة أن تخفف بما نسبته (40%) من تدفق القضايا للقضاء العام، وأنه ستكون له ردود فعل إيجابية تتعلق بالحفاظ على الجانب الأسري والنسيج الاجتماعي، مع استمرار التعاون والتوافق بين المؤسسات الوطنية الأهلية، وتسوية أي آثار سلبية قد تنشأ بينها، خاصةً في قضايا الشركات والمؤسسات، التي قد تلجأ من جانب آخر للتحكيم، وهو ما تذكره الوزارة بأنه لو أضيف لهذا المقترح خدمات التحكيم من خلال مركز تحكيم وطني منظم يعمل كمراكز التحكيم الأجنبية والعربية، لتضاعف الرقم، ولخفف من العبأ على القضاء، بدلاً من اللجوء لتكريس نفس المشكلة من خلال زيادة أعداد القضاة من دون هذه الحلول المهمة، بل إن مركز التحكيم سيكون رافداً مهماً من خلال الرسوم المالية، حيث احتل في بعض الدول الغربية ثاني مصدر للدخل القومي التجاري، وهو حجم كبير يصعب التفريط فيه، فضلاً عن عوائده الإيجابية الأخرى، ومن أهمها تخفيف العبء على القضاء، والتحكيم يمثل من جانب آخر مفهوماً موازياً لمفاهيم المصالحة والتوفيق، بالنظر إلى اختيار الأطراف بإرادتهما الحرة للمحكمين، إلاّ أنه يأخذ طابعاً ذا منحى قضائي في تفاصيل مهمة أخرى.

العدالة تنتصر للوعي والحد من الخصومة

من خلال قراءة مبدئية للمشروع فإنه يتضح أنه في حال تسهيل مهمته وتذليل عقباته الإدارية والمالية والتنظيمية والهيكلية، وجدية الوزارة في تنفيذ مقترحها، فإنه يبشر بنقلة كبيرة في قطاع العدالة في إطار منجزات مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء، وذلك لتفعيل أهم وسائل فض المنازعات قبل اللجوء إلى القضاء المتمثلة في التوفيق والمصالحة، ويكاد ينعقد إجماع المختصين في الشؤون القضائية على أن هذه الوسيلة تحقق من الآثار والنتائج عوائد إيجابية في غاية الأهمية، تعود بالمصلحة على أطراف المنازعة خاصة، والمؤسسة القضائية والنسيج المجتمعي عامة، بل وتقلل من اقتصاديات العدالة، ولو لم يكن إلاّ “انتفاء اللدد” في الخصومة، وتقليص حجم الدعاوى المطرد، مع تقليل الآثار السلبية للمنازعات بين الناس، والمتمثلة في العداوة والبغضاء والشحناء، كما تؤدي إلى تفرغ القضاة لنظر الدعاوى المستعصية التي تتطلب فصل القضاء.

وأشارت وزارة العدل إلى أن قضاء المملكة ليس بحاجة إلى المزيد في أعداد القضاة بقدر ما هو بحاجة إلى هذه الروافد المهمة التي لا يدركها إلاّ المختصون المهنيون ذوو الباع والخبرة في الجانب القضائي والحقوقي، مؤكدة على أن تنفيذ هذه الأفكار يتطلب تضافر عدة جهود، وأنه ليس بمقدور الوزارة ولا صلاحيتها وحدها أن تنفذ كافة أفكار هذا المقترح الطموح ببعده الاستراتيجي، وقد انتظم هذا المشروع في قواعده العديد من الأحكام والمبادئ التي تحقق الآثار الايجابية وتفعل هذه الوسيلة بشكل يواكب أحدث النظريات والقواعد والأسس.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت