مسار الدعوى بين التكييف و التأسيس
الطلبات المؤسسة في الدعوى
لا بد للمدعي من تقديم طلبات في لائحة دعواه يلتمس من المحكمة الحكم له بها و يحق للمدعى عليه التقديم بطلبات متقابلة فإن كانت طلبات يراد منها الادعاء بشيء جديد فيجب تقديمها بدعوى متقابلة و إن كان يراد منها دفع الادعاء الأول صح أن تكون في ذات الدعوى من دون لائحة و لا رسوم و لكن إذا كان تلك الطلبات مما يتوجب دفع الرسوم عليه فللقاضي أن يرفضها او يوجه طالبها لتقديمها عن طريق مكتب الشكاوى و تسجيل الدعاوى و على كل حال فالطلبات قد تكون مؤسسة و قد لا تكون فما هي يا ترى الطلبات المؤسسة و ما هي الآثار المترتبة عليها :
المقصود بالطلبات المؤسسة :
الطلبات المؤسسة هي التي تبنى على أساس بمعنى أن يذكر طالبها الأساس -الذي بناء على عليه- يطالب بها و لا ما نع أن يكون أساسا من الواقع أو القانون فمثلا قد يذكر انه يطالب بمبلغ تعويض و ذلك للضرر الذي لحق به من الفعل الكذائي الذي قام به فلان و قد يقول أن يطلب التعويض بناء على المادة رقم كذا التي تنص على أن من تسبب بضرر للغير فعليه التعويض .
تجرد الطلبات من التأسيس :
تجرد الطلبات في الدعوى من التأسيس يجعلها في مهب الريح فقد ترفض و قد يحكم باقل مما يتوقع طالبها و لا شك ستتعرض للدفع بأنها طلبات مجهلة من قبل محامي الخصم و قد يعمل القاضي فكرة (الحياد الايجابي للقاضي ) فيبحث بنفسه عن أساس لها و يحكم بمقتضاه و لكن هذا لا يزيل المخاوف و لا يدفع الإشكالات .
التأسيس الخاطئ للطلبات :
التأسيس الخاطئ للطلبات يعرضها للضياع و يعرض المحامي للمساءلة التأديبية و التعويض و نذكر هنا مثالا لمحام أقام دعوى لإخلاء فيلا من مستأجرها ( وهي خارج منطقتي المحرق و المنامة ) و قد أسس طلبه على أساس أن مالكة الفيلا محتاجة إليها لتزويج ابنها فقررت المحكمة إحالة الدعوى للتحقيق لتثبت المدعية بكافة طرق الإثبات احتياجها للفيلا – و صارت سالفة طويلة- و استمرت الدعوى 12 شهرا و كادت تنتهي بالرفض , و لكن تدارك المحامي الوضع و عدل لائحة دعوى و أسس أساسا جديدا لدعواه فطالب بالإخلاء استنادا إلى انتهاء عقد الإيجار و أن الفيلا تقع خارج منطقتي المحرق و المنامة و بالتالي فلا يسري عليها الامتداد القانوني لعقود الإيجار و بعد شهرين فقط من تعديل اللائحة صدر الحكم بإخلاء المستأجر من الفيلا . فنلاحظ أن المحامي أضاع 12 شهراً هباء و أطال أمد التقاضي و كلف المدعية عناء و جهدا و صبرا و مصاريف بلا داعي و لو انه أسس الدعوي بداية على انتهاء عقد الإيجار لصدر الحكم لصالحة خلال شهرين فقط .
أمثلة لتطبيقات واقعية للتأسيس الخاطئ
1- إقامة دعوى الحيازة استنادا إلى أدلة تثبت الملكية
2- إقامة دعوى طلاق لأسباب تؤدي إلى فسخ الزوجية و العكس
3- طلب التطليق للضرر لأسباب تصلح للطلاق الخلعي .
4- إقامة دعوى للمطالبة بالتعويض عن العمل غير المشروع بعد مضي ثلاث سنين (حسب تفاصيله القانونية) بينما يفترض ان يطالب به حسب المسئولية الشيئية.
5- إقامة دعوى للمطالبة بتعويض للضرر الناتج عن المسئولية التقصيرية في حال انه ليس لديه أدلة وبينما يمكنه المطالبة به حسب المسئولية الشيئية و ذلك لان المسئولية التقصيرية واجبة الإثبات بينما المسئولية الشيئية مفترضة بقوة القانون ( هذا مع العلم ان التعويض المسئولية التقصيرية ينبغي أن يكون أكثر من التعويض في المسئولية الشيئية ).

تعريف التكييف : هو بصفة عامة يعني تحليل الوقائع و التصرفات القانونية تمهيدا لإعطائها وصفها الحق و وضعها في المكان الملائم من بين التقسيمات السائدة في فرع معين من فروع القانون تمهيدا لإعمال حكم القانون عليها وعملية التكييف تعتمد على ثلاث نقاط ( الفكرة المسندة – ضابط الإسناد – القانون الواجب التطبيق

تعريف التأسيس : هو إسناد وجه و سبب المطالبة على حادثة واقعية هي سبب لاستحقاق نص عليه القانون فقد تكون الحادثة عملا غير مشروع يبرر التعويض أو واقعة من شانها لو ثبتت توجب تعويضا أو حبسا او تكون سببا للفسخ مما يستدعي تقديم طلب إثبات حالة ا واثبات ما يخشى فواته كدعوى سماع شاهد يوشك على السفر أو الموت فخشية الموت و السفر هو الأساس الذي تبنى عليه هذه الدعوى أو قد يكون التأسيس مبني على نص قانوني ففي التصرفات القانونية متى تخلف احد طرفيها عن الوفاء بالتزامه يبنى و يؤسس الطلب المقدم للقاضي بإلزامه بالوفاء على نصوص القانون
الفرق بين التأسيس و التكييف
الحال بين التأسيس و التكييف كالحال بين التوأمين المتطابقين فالفرق بينهما خفي و يصعب تشخيصه و لكن مع ذلك فهناك فروق بينهما و من ذلك ما يأتي ذكره:
1- و التكييف يخضع لقانون دولة القاضي كما استقرت عليه الآراء (بعد النقاشات و الجدال) بينما التأسيس يكون بمقتض نصوص القانون الواجب التطبيق
2- التكييف يأخذ أهمية كبرى لحل مشكلة تنازع القوانين بل هو أساس القانون الخاص الدولي بينما التأسيس لا شان له بتنازع القوانين و يتناول الطلبات في الدعوى بغض النظر عن القضاء الذي تخضع له
3- التكييف عادة ينصب على الدعوى برمتها بينما التأسيس يتناول جزئياتها
4- التكييف يتناول الدعوى قبل افتتاحها و التأسيس يتناول جزئيات الدعوى و يكثر العمل به في الطلبات الطارئة و الوقتية و غالبا لن تجد تكييف يتناول طلبات وقتية
5-التكييف عادة يكون من عمل القاضي او من يقوم مقامه كالنيابة العامة بينما التأسيس يقوم به أطراف الدعوى .
6-التأسيس يحاول تحديد المسار الذي ينبغي أن تسير في الدعوى وهو يكاد يشترك مع التكييف في هذه النقطة فلا يجوز للقاضي أن يقضي بما لم يطلبه الخصوم و كذلك لا يجوز له أن يستبدل علة الطلب بعلة أخرى و إن كانت متوافرة ففي مثال المحامي الذي أسس دعوى الإخلاء على احتياج المالكة للفيلا لتزويج ابنها فيها لم يسع المحكمة أن تطرد المستأجر من الفيلا تأسيسا على أن الفيلا في منطقة لا تخضع للامتداد القانوني .
7-التكييف يتناول الإطار العام للدعوى مثل الثوب التي تلبسها بينما التأسيس ينصب على إسناد الطلبات إلى أساس قانوني او موضوعي بمعني كل طلب له تأسيس خاص به
8-القاضي عند التكييف ينظر إلى الطلب الجوهري في الدعوى فيكيفها على أساسه بينما التأسيس يستقل كل طلب بالأساس الذي يبنى عليه
9- عند التكييف ينظر القاضي إلى اقرب عنوان موجود في قانونه يصلح للانطباق على الدعوى مثل الانفصال الجسماني ليس له مصداق لدينا و لكنه يشبه الطلاق فيتم تكييف الدعوى على أنها طلاق و بالتالي تدخل في الأحوال الشخصية و هو لا ينظر لجميع الطلبات بل ينظر للطلب الجوهري و الأساسي في الدعوى فالدعوى الشاملة للطلاق و الحضانة و النفقة تكيف على أنها دعوى طلاق و تحال للمحاكم الشرعية الكبرى التي ستفصل في الشق المتعلق بالطلاق و تحيل الشق المتعلق بالنفقة و الحضانة للمحاكم الشرعية الصغرى أو تحكم فيه بعدم الاختصاص على حسب نظر القاضي و كما يبدوا و من التجربة يكون ما يلي ( إن قبلت التطليق وحكمت به أحالت الحضانة و النفقة للمحاكم الشرعية الصغرى ) و إن رفضت التطليق حكمت في ما عداه بالرفض لعدم الاختصاص ..)
10-بينما في التأسيس يتقيد القاضي حرفيا بالأساس و الذي بني عليه الخصوم دعواهم و طلباتهم و يفصل فيها بناء على ذلك التأسيس.
11-القاضي عند التكييف ينظر إلى إدخال الدعوى في أي مجموعة دون الخوض في تفاصيلها حيث أن الدعاوى تم تقسيمها إلى مجموعات كل مجموعة تضم الدعاوى المتشابهة فهناك دعاوى الأحوال الشخصية(نفقة زواج طلاق حضانة ولاية ) و هناك دعاوى المالية (ديون – و التزامات) وهناك دعاوي دارية تختص بالمنازعات بين الدولة و موظفيها و بينها و بين أي متضرر من قراراتها ) و هناك دعوى دستورية و تشمل كل طعن على أي قانون او لائحة او قرار يطعن فيه بعدم الدستورية
12-التكيف يؤثر في الاختصاص فتكييف دعوى منازعات الديون على أنها دين نفقة يدخلها في اختصاص القضاء الشرعي بينما تكييفه على انه دين عادي يدخله في اختصاص القضاء المدني و إن كان بين نفس الزوجين و كذلك تكيف المطالبة بأغراض شخصية يدخلها في اختصاص القضاء المدني و تكييفها بأنها مطالبة بمتاع بيت الزوجية في اختصاص القضاء الشرعي
13-في التأسيس يكون الأمر موكول للخصوم ليؤسسوا طلباتهم على ما شاءوا من المباني الواقعية و القانونية و في التكييف فالأمور متروك للقاضي حيث لا يعبأ القاضي بما يكيف الخصوم به الدعوى بل بما ينطبق عليه بصحيح القانون و لذلك عدلت الكثير من المحاكم تكييف الدعوى بما يناسبها قانونا ومثال ذلك عندما تطلب الأم استمرار الحضانة لما بعد السن المنصوص عليه شرعا فيكيفها القاضي الشرعي على أنها دعوى حفظ و ليس دعوى حضانة
14-التكييف يفيدنا لتحديد المحكمة المختصة و لو تغيير التكيف بعد ذلك فالسلطة للمحكمة في قبول التغيير أم لا و التأسيس لا يؤثر في المحكمة المختصة كالمثال السابق فتأسيس الدعوى الإخلاء على الحاجة للسكن أو تأسيسها على انتهاء عقد الإيجار لا يؤثر في المحكمة المختصة فيبقى تكييف الدعوى على أنها الإيجارات و منازعاتها فلا تتغير المحكمة المختصة .
15-التكييف يراد منه إخضاع الدعوى برمتها لفرع معيين من فروع القانون و لا يراد منه الحكم بطلبات معينة في الدعوى
16-الاختصاص النوعي أو القيمي للمحاكم لا يتأثر بالتأسيس و لكن قد يتأثر بالتكييف وقد يقوم القاضي من تلقاء نفسه بتغيير تكييف الدعوى و عندما يطلب الخصوم التغير فله السلطة المطلقة في قبول التغيير من عدمه و لكن التأسيس ليس للقاضي أي سلطة في تغييره فيقتصر دور القاضي على الحكم في الطلبات المقدمة له بناء على الأساس الذي ُبنيت عليه دونما تصرف فيه و لا تغيره فإن وجد الأساس متوفر حكم بالطلب و إن وجد الأساس غير متوفر أو معيب حكم بالرفض
الخلاصة الختامية :
فكرة التأسيس تشابه فكرة تكييف الدعوى و تصنيفها و قد تتداخل معها وهي تساعد كافة الخصوم – بحسب الأصل – للوصول للحقيقة و العدالة و لكن يمكن التحايل فيها و التلاعب فإذا لم تلاحظ بعناية و غفل عنها الخصم فقد يأتي عليه الكلام ( يعني يروح ملح ) فقد يحدث أن تستبدل مادة بمادة أخرى تتناول نفس الموضوع أو وصف يقلل أو يشدد من وصف الجريمة (مثل السرقة – خيانة الأمانة) ( أو مثل حادثة الذي غير في شهادات مدرسية فقد أسست الجريمة على أنها تزوير و لكن يمكن وضع وصف اشد وهو الارتشاء و التزوير جنحة بينما الرشوة جناية

الشيخ عبد الهادي خمدن
إعادة نشر بواسطة محاماة نت