تنظيم حماية حقوق دائني التركة

الطريقان اللذان تنظمهما القانون – طريق الإجراءات الفردية وطريق التصفية الجماعية:
تنظيم حماية حقوق دائني التركة في القانون المصري

في الفقرة السابقة تناول استاذنا الدكتور/عبدالرزاق السنهوري
حكم تصرف الوارث في عين من اعيان التركة قبل سداد الديون

وينتقل أستاذنا إلى طرق حماية حقوق دائني التركة في مبحث يستهله بمايلي:
33 -الطريقان اللذان تنظمهما القانون – طريق الإجراءات الفردية وطريق التصفية الجماعية:
وقد نظم القانون طريقين لحماية حقوق دائني التركة:
1. طريق الإجراءات الفردية
2. طريق إجراءات التصفية الجماعية

(الطريق الأول) طريق الإجراءات الفردية، وهو الطريق المعتاد المألوف.
وفيه يبدأ الدائنون بشهر حقوقهم بالتأشير بها على هامش شهر حق الإرث، على النحو الذي سنبينه فيما يلي . ثم ستوفى الدائنون حقوقهم من أموال التركة بموجب إجراءات فردية يتولاها كل دائن لنفسه، فيتخذ من الإجراءات التحفظية والإجراءات التنفيذية لاستيفاء حقه ما يقرره القانون لكل دائن، وذلك إما عن طريق الحجز على أموال التركة وهي في يد الورثة ([1]) ، أو عن طريق تتبعها والحجز عليها في يد الغير بعد أن يتم شهر حق الدائن . ويترتب على ذلك أن حالة الدائنين ، فيما بينهم ، بعد موت المدين ، من حيث الالتجاء إلى الإجراءات الفردية ، تماثل حالتهم قبل موته . فمن سبق منهم غيره إلى التنفيذ ظفر بحقه ، ومن تأخر فقد يضيع عليه حقه كله أو بعضه . على أنه لا يجوز لأي دائن ، بعد موت المدين ، أخذ اختصاص على عقار في التركة ( م 1085 / 2 مدني ) .

ولكن دائني التركة ، في هذا الطريق الأول ، يتقدمون على دائني الورثة الشخصيين ، ويتتبعون أعيان التركة في يد من تصرف له الوارث فيها . فميزة هذا الطريق لا تظهر في علاقة دائني التركة فيما بينهم، وإنما تظهر في علاقتهم بدائني الورثة الشخصيين وبالغير الذي يتصرف له الوارث.
(الطريق الثاني) طريق الإجراءات الجماعية ، وهو طريق التصفية الجماعية للتركة .

وسنرى فيما يلي أن هذا الطريق طويل معقد ، وهو لا يصلح إلا للتركات الكبيرة الكثيرة الديون .

ومن ثم جعل طلب إخضاع التركة لنظام التصفية رخصة لأي من ذوي الشأن – الدائن أو الموصي له أو الوارث – على أن يخضع هذا الطلب لتقدير القاضي ، فإن لم ير موجباً لذلك رفض إخضاع التركة لهذا النظام . ويبدأ الطريق بتعيين مصف للتركة، ويشهر الأمر الصادر بتعيين المصفي عن طريق القيد، ويقوم هذا القيد مقام تأشير الدائن بدينه في الطريق الأول ، وتغل أيدي الورثة عن التصرف في أموال التركة ، وتصبح حقوق الدائنين نفاذة في حق الغير .

ويكون سداد الديون بإجراءات جماعية يتولاها المصفي ، ومن ثم لا يجوز لأي دائن أن يتخذ إجراءات فردية لاستيفاء حقه . بل يقوم المصفي في التركة ، كما يقوم السنديك في التفليسة ، بجرد أموال التركة وحصر الديون التي عليها وسدادها ، ثم يوزع ما بقى بعد السداد على الموصى لهم والورثة . وإن ضاقت التركة بوفاء الديون، تحاص الدائنون وأخذ كل منهم حصة بنسبة حقه ، إلا من كان من الدائنين له حق التقدم قانوناً على غيره كدائن مرتهن ، ولا يأخذ الموصى لهم والورثة شيئاً في هذه الحالة ([2]) .

ونرى من ذلك أن ميزة هذا الطريق الثاني، طريق الإجراءات الجماعية، لا تظهر فحسب في علاقة دائني التركة بدائني الورثة الشخصيين وبالغير الذي تصرف له الوارث ، بل أيضاً – وهذا ما يتميز به عن الطريق الأول طريق الإجراءات الفردية – في علاقة دائني التركة فيما بينهم ، فلا يسبق أحدهم الآخرين ويتساوون جميعاً كما يتساوى دائنو التفليسة .

ونستعرض الآن تفصيلاً كلاً من الطريقين سالفي الذكر.

[1] ^ وهناك قاعدة شرعية تقضي بأن الوارث ينتصب خصماً عن باقي الورثة في الدعاوى التي ترفع من التركة أو عليها ( م 341 لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ) .

وقد قضت محكمة النقض في هذا الصدد بأن هذه القاعدة الشرعية تكون صحيحة لو أن الوارث الواحد كان قد خاصم أو خوصم في الدعوى طالباً الحكم للتركة نفسها بكل حقها أو مطلوباً في مواجهته الحكم على التركة نفسها بكل ما عليها. أما إذا كانت دعوى الوارث لم يكن مقصوده الأول منها سوى تبرئة ذمته من نصيبه في الدين ذلك النصيب المحدد المطلوب منه في الدعوى، فإن الوضاح أنه يعمل لنفسه فقط في حدود هذا النصيب المطلوب منه ولمصلحته الشخصية فقط في تلك الحدود، لا لمصلحة عموم التركة كنائب شرعي عنها وقائم في الخصومة مقامها ومقام باقي الورثة ( نقض مدني 11 أبريل سنة 1935 مجموعة المكتب الفني لأحكام النقض في 25 عاماً جزء 2 ص 1006 رقم 49 ) .

وقضت أيضاً بأن معنى المادة 341 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية هو أن الوارث الذي لم يظهر في الخصومة يعتبر ممثلاً فيها عن طريق نيابة الوارث الآخر له ، أو بعبارة أدق عن طريق المورث الذي يتلقى الحق عنه ، إلا أنه مع ذلك لا يعتبر محكوماً عليه مباشرة ، بل يكون من الغير الذي له حق الطعن بالتعدي ، فلا يجوز الحكم قبله حجية ما ( نقض مدني 19 مايو سنة 1949 مجموعة المكتب الفني لأحكام النقض في 25 عاماً جزء 2 ص 1006 رقم 50 ) .

وقضت كذلك بأنه لا يفيد من الحكم الصادر بإبطال الوقف فيما زاد على ثلث التركة لصدوره في مرض موت الواقف سوى الوارث المحكوم له . لأنه إنما كان يعمل لمصلحته ولم يكن ممثلاً لبقية ورثة الواقف . وإن مجرد ثبوت أن الوقف صدر في مرض موت الواقف في الدعوى التي رفعها هذا الوارث لا يقتضي بطلان الوقف فيما زاد على ثلث التركة بالنسبة إلى جميع ورثته نقض مدني 25 مارس سنة 1953 مجموعة المكتب الفني لأحكام النقض في 25 عاماً جزء 2 رقم 51 ) .

وقضت أيضاً بأنه إذا كان كل من الورثة يطالب بنصيبه الخاص في التعويض الذي يستحقه عن مورثه ، وحكم برفض دعواهم ، فانفرد أحدهم برفع استئناف عن هذا الحكم طالباً إلغاءه والحكم له بمقدار نصيبه وحده في التعويض ، فإن عمله هذا يكون لنفسه فقط ولمصلحته الشخصية ، لا لمصلحة عموم التركة كنائب شرعي عنها . ولا يعتبر الحكم الصادر في الاستئناف باستحقاقه لحصته الميراثية في التعويض قضاء باستحقاق باقي الورثة لأنصبتهم في هذا التعويض ( نقض مدني 6 فبراير سنة 1964 مجموعة أحكام النقض 15 رقم 35 ص 199 ) .
وقضى بأنه إذا كانت بعض المحاكم وعلى رأسها محكمة النقض قد أجازت في بعض الأحوال أن ينتصب بعض الورثة ممثلين للبعض الآخر في الخصومات التي تتعلق بالتركة ، فإن هذه الإجازة معناها تمثيل أفراد معينين للمنازعات الخاصة بحقوق أفراد آخرين وجواز توجيه الخصومة إليهم ، كما يمثل الدائن مدينه في بعض الدعاوى – وليس معناها عدم الالتفات إلى جنسية هؤلاء الورثة أو محل إقامتهم الشخصي لتحديد مسائل الاختصاص ( الإسكندرية الكلية مستعجل 24 فبراير سنة 1941 المحاماة 23 رقم 203 ص 484 ) .

وأنظر أيضاً في الحالات التي يمثل فيها الوارث بقية الورثة : نقض مدني 18 فبراير سنة 1943 مجموعة المكتب الفني لأحكام النقض في 25 عاماً جزء 2 ص 1005 رقم 41 – 29 مايو سنة 1952 نفس المجموعة 2 ص 1005 رقم 43 – 2 ديسمبر سنة 1954 نفس المجموعة 2 ص 1005 رقم 45 – 22 ديسمبر سنة 1955 نفس المجموعة 2 ص 1006 رقم 46 – استئناف مختلط 6 مارس سنة 1923 م 35 ص 264 – 15 مايو سنة 1923 م 35 ص 447 – 14 نوفمبر سنة 1929 م 42 ص 35 – 11 أبريل سنة 1933 م 45 ص 229 – 10 مايو سنة 1933 م 45 ص 271 – 4 فبراير سنة 1936 م 48 ص 95 – 5 مايو سنة 1938 م 50 ص 287 – 27 فبراير سنة 1941 م 53 ص 116 – 18 ديسمبر سنة 1941 م 54 ص 28 – 3 يونيه سنة 1943 م 55 ص 180 – 13 يناير سنة 1944 م 56 ص 32 – 3 أبريل سنة 1947 م 59 ص 174 – 8 مايو سنة 1947 م 59 ص 194 – وفي الحالات التي لا يمثل فيها الوارث بقية الورثة : نقض مدني 11 أبريل سنة 1935 مجموعة المكتب الفني لأحكام النقض في 25 عاماً جزء 2 ص 1006 رقم 48 – 20 مايو سنة 1948 نفس المجموعة 2 ص 1006 رقم 47 – 26 نوفمبر سنة 1953 نفس المجموعة 2 ص 100 رقم 44 – 5 مايو سنة 1955 نفس المجموعة 2 ص 1092 رقم 82 – 23 مايو سنة 1957 مجموعة أحكام النقض 8 ص 496 .
[2] ^ أنظر الوسيط 4 فقرة 192 ص 346 .