الحد من العجز (توازن الميزانية)
في ظل استقلالية البنك المركزي و خاصة في الدول النامية، فإن السلطة المالية لا بد أن تمارس نوعا من الترتيبات المؤسسية لتحسين الانضباط المالي.

كما أن البنك المركزي لن يهتم بأي إجراءات لتضخيم الربح،لأن تضخيم الربح ليس من أهدافه، و لذلك قد لا يحقق أرباحا مما يؤدي إلى عدم تحويل أي أرباح لوزارة المالية في هذه الحالة، أكثر من ذلك فإنه قد يحقق خسائر و في هذه الحالة فإن الحكومة ملتزمة بتعويض البنك المركزي عن خسائره، حيث أن خسائر البنك المركزي تحدث غالبا بسبب تأدية البنك المركزي لوظائفه ذات الطبيعة المالية.

4-1-4 لجان التنسيق
يمكن الوصول إلى التنسيق بين السياسة المالية و النقدية عن طريق لجان تنسيق رسمية أو غير رسمية لغرض إدارة الدين، و تتضمن هذه اللجان طبعا أعضاء من وزارة المالية و البنك المركزي، و يتقابل أعضاء هذه اللجان بطريقة منتظمة لتبادل المعلومات، مع الأخذ في الاعتبار متطلبات التمويل الحكومية. ومناقشة وتحليل الأرصدة النقدية للحكومة و السيولة و تطوير السوق، ومناقشة إستراتيجية إنجاز الدين العام، كما تهتم هذه اللجان بتطوير سوق المال، و تقويم عمليات التنسيق المكثفة التي تجري من خلالها،و توفر الفرصة ليعلم كل عضو في هذه اللجنة أهداف العضو الأخر، وتساعد على إتباع الترتيبات و الإجراءات و المساعدة في إدارة الدين و الإدارة النقدية.

مما تم سرده من إجراءات لإحداث التنسيق بين السياسة المالية و النقدية نخلص إلى:

وجود بنك مركزي مستقل لا يعد كافيا، خاصة في ظل وجود كثير من المعلومات المتناقضة و التوقعات غير الأكيدة و التفصيلات المتغيرة، لذلك فإنه من الضروري أن يعمل كل من السلطة المالية والسلطة النقدية (البنك المركزي ووزارة المالية) سويا في مراحل التصميم و التنفيذ و المراقبة للسياسات النقدية و المالية، وعند الضرورة يشتركان في تعديل و تنقيح السياسة الاقتصادية الكلية.

ولكن يشترط الإعلان بطريقة مستمرة عن كافة التطورات الاقتصادية و التغيرات في السياسة الاقتصادية الكلية[1]. كما يتضح أن التنسيق بين السياسة المالية و النقدية على المستوى العملي يعد أمرا حتميا، ويمكن برمجة الأطر النقدية أو من خلال إتباع مزيج السياسات النقدية و المالية من خلال لجان التنسيق.

المبحث الرابع: التفاعل بين السياسة المالية والنقدية
يرتبط التفاعل بين السياسات النقدية والمالية بتبادل تأثير كل منهما على أهداف الآخر فنرى للسياسة النقدية تأثير على السياسة المالية في مسألة تمويل عجز الموازنة حيث يؤثر موقف السياسة النقدية في قدرة الحكومة على تمويل عجز الموازنة لأنّ تكلفة خدمة الدين تتغير تبعا لضيق أو اتساع المصادر المتاحة للتموين كما نجد أنّ اعتماد الحكومة على البنك المركزي واستراتيجيتها في هذا المجال تمثل قيدا على استقلالية السلطة النقدية. ولذلك نحاول أن نتعرض إلى التأثيرات المختلفة والمتداخلة لكل من السياسة النقدية والمالية وذلك على النحو التالي:

1- الجدل الفكري حول السياسة المالية والنقدية
تكاد تجمع المراجع الاقتصادية الحديثة[2] على أنّ بداية الجدل النقدي والمالي ترجع إلى منتصف الخمسينات من القرن الماضي على يدّ الاقتصادي الأمريكي ميلتون فريدمان، وقد انظم إليه مجموعة من الاقتصاديين الذين أعلنوا إيمانهم العميق بقدرة السياسة النقدية وحدها دون غيرها من السياسات على تحقيق التشغيل الكامل وعلاج الأزمات والوصول إلى الاستقرار الاقتصادي، كما عكفوا على دراسة وبحث مختلف السبل التي حاولوا بها تجريد السياسة المالية الكلية من أية قدرة على التأثير على الناتج الوطني والخروج من الأزمات وتحقيق التوازن العام.

وقد اضطرّ الماليون بطبيعة الحال إلى التصدي لما يدعيه أنصار السياسة النقدية، فاتجهوا إلى دراسة وبحث الجوانب الفكرية المالية التي أثارها أنصار السياسة النقدية في هجومهم على السياسة المالية، وقد دافعوا على الفكر المالي وقدرة السياسة المالية على التأثير على مستوى النشاط الاقتصادي والتشغيل وعلاج الأزمات. ولم يحاول الماليون في ظل هذا السياق هدم السياسة النقدية وتجريدها من أية فعالية كما فعل النقديون، بل نادوا بضرورة مساندتها للسياسة المالية ولكنها تأتي في مرتبة ثانوية من حيث الأهمية في حالة مقارنتها بالسياسة المالية[3].

لقد كان هذا الجدل موضوع مناظرة بين دعاة السياسة المالية بزعامة walter Heller ودعاة السياسة النقدية بزعامة Milton Fridmanحول أي سياسة يجب اعتمادها لتوجيه الاقتصاد الأمريكي و هذا ما جاء في كتاب monetary and fiscal policy و لقد ساق كل منهما جملة من الحجج أهمها[4].

1-1 حجج دعاة السياسة المالية
حسب Walter إن النقديين ( أنصار السياسة النقدية) لم يوفقوا في تحديد المتغير النقدي الملائم الذي يعمل على تحفيز النشاط الاقتصادي، هل يتعلق الأمر بالكتلة النقدية بمفهومها الضيق M1))، أم بمفهومها الواسع و الذي ينص على أنها تشمل إضافة على M1 ودائع الادخار و معظم الودائع لأجل عند البنوك أي (M2) أو متغير آخر مثل القاعدة النقدية.

و يعلل Walter بما وقع في جويلية 1968، حيث لاحظ انخفاض التوسع النقدي إذا قدر بالمخزون النقدي، و ارتفع إذا قدرناه بالنقود مضافا إليها الودائع لأجل، وبقي ثابتا إذا تم تقديره بالقاعدة النقدية.

وقد لاحظ غموض بعض أفكار النقديين خاصة فيما يتعلق بعلاقة الكتلة النقدية بالدخل، أحيانا يعتبرون أن هناك علاقة ضيقة بين الكتلة النقدية و الدخل، غير أنهم يصرحون في حالات أخرى بأن الطلب على النقود يتأثر بتغيرات الدخل، و الهدف من هو إبراز أهمية المضاعف النقدي في المدى القصير.

– حسب النقديون أن أسعار الفائدة تتحد على مستوى السوق وبالتالي لا سلطان للدولة على ضبط هذه الأسعار.

– رغم أهمية السياسة الضريبية في الإنعاش الاقتصادي، غير أن أنصار السياسة النقدية لا يعترفون بتأثيرات هذه الأداة و خير دليل النتيجة المتحصل عليها في رفع نسبة التشغيل في الولايات المتحدة الأمريكية 1964 نتيجة التخفيضات الضريبية.

1-2 حجج دعاة السياسة النقدية
رد فريدمان على Walter و أصحابه بجملة من الحجج هي:
– لم يتجاهل النقديون دور القدرات الإنتاجية و إرادة الشعوب في رفاهية المجتمعات، إلا أن النقود تبقى العامل المسيطر و الأهم باعتبارها هي التي تقيم هذه العوامل.

– يبالغ دعاة السياسة المالية باستعمالهم للسياسة الضريبية أكثر من السياسة النقدية، و حسب فريدمان أن معدل التغيير في الكتلة النقدية يؤدي إلى تأثير هام على كل من الدخل و الأسعار في المدى الطويل، كما أن الدولة في حالة تغطية عجز الموازنة تلجأ إلى الاقتراض من السوق النقدية و هذا ما يؤدي إلى زيادة الطلب على القيم المقترضة ومنه ارتفاع أسعار الفائدة.

– زيادة النفقات تؤدي إلى بعض التأثيرات، فتكون هذه الأخيرة إيجابية خلال السداسي الذي يتم فيه الإنفاق، وتكون سلبية في السداسي الموالي له، بينما الضريبة عديمة الفعالية عند فصلها عن النفقات العامة.

مما سبق يتضح أن جوهر الخلاف ينصب حول تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، نجد أن الماليون ينادون بتدخل الدولة أما النقديون يركزون على آليات السوق و يعتبرونها كفيلة لوحدها بإحداث التوازن الاقتصادي دون تدخل الدولة غير أن الماليون ( الكنزيون) قد عدلوا من موقفهم اتجاه السياسة النقدية، وذلك بإعطاء دور أكبر لتغيرات عرض النقود في الوقت الذي اعترف فيه النقديون بأن سرعة التداول، و إن كانت مستقرة بشكل عام في المدى الطويل فإنها تخضع لتغيرات حادة في المدى القصير، كما اعترفوا أيضا بصعوبة الاتفاق على المقصود بعرض النقود[5].

وليست ثمة ريب أن كل من وجهتي النظر لأنصار السياسة المالية و أنصار السياسة النقدية، قد أثرت في الأخرى بشكل ما، فأغلب الاقتصاديين يعتقدون أن كل من السياستين ( المالية-النقدية) تقرران أثار على الطلب الكلي و الإنتاج لكن مدى فاعلية هذا التأثير وآلية الانتقال ومدى ايجابية و سلبية تأثير السياسات، وكذلك مدى تدخل الدولة بالسياسات النشطة من عدمه وما يستتبعه من نوعية السياسة المتعبة، و أسس ذلك التدخل، ومدى اعتماده على أحداث الماضي و موقف التوقعات و أثر المصداقية كلها أمور دار حولها الصراع الفكري بين أنصار هاتين السياستين.

[1]- De List Worrel, Monetary and Fiscal Coordinations in small open economies. International Monetary Fund, working paper n° 56,2000 P1.

[2]- حمدي عبد العظيم، السياسات المالية والنقدية في الميزان ومقارنة إسلامية، مكتبة النهضة العربية المصرية، الطبعة الأولى، 1986، ص266.

[3]- Haward R. Vane, John L. Thomson, “An Introduction To Macroeconomics Policy”, (harvester Wereatsheaf, Great Britain , 1993) p324.

[4]- عبد المجيد قدي، فعالية التمويل بالضريبة في ظل التغيرات الدولية دراسة حالة النظام الضريبي الجزائري في الفترة 88-95 ، جامعة الجزائر أطروحة دكتوراه دولة- غير منشورة 1995. ص50.

[5]- البلاوي حازم، دليل الرجل العادي إلى تاريخ الفكر الاقتصادي، دار الشرق و القاهرة-1995-ص159.