بحث ومحاضرات في القانون المدني العراقي

أحكام الالتزام

الباب الأول
تنفيذ الالتزام

المديونية والمسؤولية: يتحلل الالتزام الى عنصرين:
اولهما: عنصر المديونية الذي يفرض على المدين واجب الوفاء وعلى الدائن قبوله.
ثانيهما: عنصر المسؤولية الذي يمكن الدائن من قهر المدين على الوفاء اذا لم يقم به مختاراً.
فإذا نفذ المدين التزامه طوعاً انقضى عنصر المديونية، واذا امتنع عن تنفيذ التزامه برز عنصر المسئولية الذي يقتضي قهره على التنفيذ. وقد نظر جانب من الفقه الى الالتزام على انه رابطة موحدة، الا ان كثير من الحالات لا يمكن تفسيرها الا على أساس ازدواج رابطة الالتزام:
ـ فقد توجد المديونية دون المسؤولية، كحالة الالتزام الطبيعي الذي لا يجبر المدين على الوفاء.
ـ وقد تزيد المديونية على المسؤولية، كالشريك الموصي الذي لا يسأل عن ديون الشركة الا في حدود حصته.
ـ وقد تزيد المسؤولية على المديونية كحالة المدينين المتضامنين حيث يسأل كل منهم عن كل الدين مهما كان نصيبه فيه.
ـ وقد تقوم المسؤولية لضمان دين غير حال، فتجوز الكفالة في الدين إذا حدد المبلغ المكفول.
ـ وتقوم المسؤولية لضمان دين غير شخصي، كالرهن المقدم من غير المدين لضمان الوفاء بالدين.
ـ وقد تسبق المسؤولية المديونية في النشوء، فتنشأ لضمان دين مستقبل او احتمالي.

تنفيذ الالتزام المدني: يتضمن الالتزام المدني عنصرا المديونية والمسؤولية، فان الكلام عن تنفيذه يتضمن ما يأتي:
اولاً: ان وجود الالتزام في ذمة شخص يتطلب قيامه بوفاء عين ما التزم به طوعاً. ويسمى التنفيذ عندها بالتنفيذ العيني الاختياري، وينقضي حينئذ عنصر المديونية، والوفاء هو الطريق الطبيعي لانقضاء الالتزام.
ثانياً: اذا لم يقم المدين بالوفاء بالتزامه، نهض عنصر المسؤولية وامكن للدائن ان يجبر مدينه على الوفاء بمعونة السلطة العامة، ويسمى التنفيذ عندها بالتنفيذ الجبري. والاصل ان يقع التنفيذ الجبري تنفيذا عينياً باجبار المدين على اداء عين ما التزم به، وهو ما يسمى بالتنفيذ العيني الجبري بشروط معينة، فان تتوفر هذه الشروط فان التنفيذ يتحول الى تنفيذ بمقابل (التعويض)، اي يؤدى المدين الى دائنه تعويضاً يشمل ما اصابه من خسارة وما فاته من كسب.
************

الفصل الاول
التنفيذ العيني الجبري

وجوب تنفيذ الالتزام بحسن نية: ان مبدأ حسن النية اضحى في القوانين الحديثة قاعدة عامة تحكم اعمال المدين جميعاً في الوفاء بالتزامه واصبح قوام تنفيذ العقود كافة. ان حسن النية يعني، ان ينفذ المدين التزامه على نحو يطابق نية الطرفين عند التعاقد، وبطرق لا تفوت ما قصده الدائن من مصلحة عند ابرام العقد او تجعلها اكثر كلفة دون مبرر.

المبحث الأول
شروط التنفيذ العيني الجبري

نصت المادة (246) على شرطين، اضافة الى شرطين اخزين يمكن استخلاصهما من طبيعة عمل القضاء:

اولاً: ان يكون التنفيذ العيني ممكناً : يحق للدائن مطالبة المدين بالتنفيذ العيني وللمحكمة ان تقضي به مادام ممكناً، فان استحال التنفيذ العيني فلا مجال للمطالبة به، وينظر الى سبب الاستحالة، فان كانت بسبب أجنبي انقضى التزام المدين بحكم القانون وامتنع الرجوع عليه بالتعويض. أما إذا تحققت الاستحالة بخطأ المدين فان التنفيذ العيني يتحول الى التنفيذ بطريق التعويض.
وعدم إمكان التنفيذ العيني واستحالته بخطأ المدين متصورة في جميع أنواع الالتزامات عدا الالتزام بدفع مبلغ من النقود، ولكن عدم الإمكانية هذه تتأثر بعاملين اولهما طبيعة الالتزام ووسائل تنفيذه المادية وثانيهما ميعاد التنفيذ:
فمن حيث الطبيعة، مثلاً، فان استحالة تنفيذ الالتزام بنقل حق عيني على عقار تتحقق عندما يمتنع البائع عن تسجيل العقد في دائرة التسجيل العقاري، وتبدو الاستحالة بالنسبة للالتزام بنقل حق عيني على منقول عندما يقدم البائع على بيعه لمشتر ثان تسلمه بحسن نية، وتتحقق الاستحالة بالنسبة للالتزام بالامتناع عن عمل عند إقدام المدين على القيام بالعمل الذي تعهد بالامتناع عنه ….

وتبدو استحالة التنفيذ من حيث ميعاد التنفيذ فيما لو تحدد في الاتفاق ميعاد لتنفيذه وانقضى الميعاد دون ان يتم التنفيذ فلا تبقى جدوى من التنفيذ العيني الا إذا أقام المدين الدليل على عكس ذلك، كاتفاق صناعي مع مقاول بان يبني له جناح في معرض دولي لعرض مصنوعاته أمام الزوار وانقضت مدة المعرض دون يقيم المقاول البناء.

ثانياً:ان لا يكون في التنفيذ العيني إرهاق للمدين، او فيه إرهاق ولكن العدول عنه يلحق بالدائن ضرراً جسيماً:يجوز للمدين ان يعدل عن التنفيذ العيني رغم إمكانيته الى التنفيذ بطريق التعويض إذا توفر شرطان: اولهما، ان يكون في التنفيذ العيني إرهاق له، وثانيهما ان لا ينتج عن عدوله عن التنفيذ العيني ضرر يعادل او يفوق في جسامته ما يلحقه. ويقصد بالإرهاق الخسارة الجسيمة المحققة التي تصيب المدين بسبب التنفيذ العيني لا مجرد الكلفة والضيق ولا يدخل في معناه مجرد ارتفاع الأسعار أو زيادة الضرائب.

ولا يكفي للعدول تحقق إرهاق المدين بل يجب ان لا ينتج عن العدول ضرر جسيم يصيب الدائن، فالعدول عن التنفيذ العيني بسبب الإرهاق وان جاء تطبيقا لنظرية عدم التعسف في استعمال الحق الا ان هذا التطبيق لا ينهض اذا لحقت بسبب ذلك خسارة اكبر بالدائن، كما لو تعهد صيدلي بتوريد أدوية خاصة لمرضى في مستشفى وانقطع استيرادها فانه يجبر على توفيرها كاستيرادها على حسابه، لان الضرر اللاحق بالمرضى أكثر مما يوقعه الإرهاق به من ضرر، وتقدير ذلك يعود للقضاء.

ثالثاً: ان يطلب الدائن التنفيذ العيني: لان القضاء لا ينظر في أمر الا إذا قدم به طلب رفع إليه، فإذا طالب الدائن بالتنفيذ العيني الجبري وتوافرت شروطه، فليس للمدين ان يمتنع او يعرض التعويض، وإنما يجبره القضاء عليه ، وإذا طالب الدائن بالتعويض وعرض المدين التنفيذ العيني حكم بالتنفيذ العيني الاختياري، ولا يحق للدائن رفضه، لان الأصل في التنفيذ ان يكون عينياً.

رابعاً: ان يكون بيد الدائن سند تنفيذ واجب الأداء: يعد إيصال الحقوق الى أصحابها من صميم واجبات السلطة العامة ، للكنها لا تتدخل لمساعدة كل مدع بحق باستيفائه من خصمه قهرا فلا بد من ثبوت الحق ووضوحه وخاصة إذا ثبتت في سندات تنفيذ وهي تلك الوثائق التي تتضمن حقوقاً ثابتة واضحة لا مجال لإنكارها والتي ينبغي على الدائن ان يتزود بها كي لا تتردد السلطة العامة في قهر المدين على تنفيذها.

خامساً: ان يكون امتناع المدين عن التنفيذ أو تأخره فيه غير مشروع: وهو شرط يدور حول تقابل الالتزامات، فاذا لم يقم الدائن بتنفيذ التزامه حق للمدين أن يمتنع عن تنفيذ التزامه، ويعتبر امتناعه حينئذ مشروعاً لا يجيز للدائن طلب التنفيذ العيني الجبري.

المطلب الثاني
كيف يقع التنفيذ العيني الجبري عند توفر شروطه

السلطة الموكول إليها أمر القيام بالتنفيذ العيني الجبري: تتولى السلطة العامة إيقاع التنفيذ الجبري بإشراف القضاء ومراقبته، والجهة المختصة بالتنفيذ في العراق هي دائرة التنفيذ سواء كان التنفيذ عينيا جبرياً او التنفيذ بطريق التعويض، وعن طريق الحجز على أموال المدين، وهي الدائرة المختصة في الأصل بتنفيذ سندات التنفيذ. كما منح قانون جباية الديون المستحقة للحكومة بعض الدوائر الرسمية الأخرى سلطات تنفيذية.
اختلاف صور التنفيذ العيني الجبري باختلاف محل الالتزام
تختلف صور التنفيذ العيني الجبري باختلاف محل الالتزام، وكما يأتي:

اولاًـ الالتزام بنقل حق عيني يرد على عقار: يتضح من نصي المادتين (247، 508) مدني عراقي، ان عقد بيع العقار والعقود المتعلقة بإنشاء حق عيني عقاري أخر او نقله او تعديله او زواله، تعبر من العقود الشكلية التي لا تنعقد إلا بعد تمام تسجيلها في دائرة التسجيل العقاري. وعليه لا يستطيع الدائن جبر مدينه على تنفيذ التزامه الأصلي تنفيذا عينياً وهو نقل الحق العيني إذا امتنع المدين عن ذلك، كما لا يستطيع جبره على تنفيذ التزامه التبعي وهو تسليم العقار، وهو التزام بعمل يتضمنه الالتزام الأصلي، لان العقد لا وجود له قبل استيفاء الشكل الذي نص عليه القانون.
إلا ان الدائن، كمشتر العقار مثلاً، يستطيع ان يطالب بالتعويض حسب نص المادة 1127 مدني عراقي التي نصت على انه ( التعهد بنقل ملكية عقار يقتصر على الالتزام بالتعويض، إذا اخل أحد الطرفين بتعهده سواء اشترط التعويض في التعهد أو لم يشترط).

ثانياً ـ الالتزام بنقل حق عيني يرد على منقول معين بالذات: ان الحق العيني بالنسبة لهذا النوع من الالتزامات ينتقل بقوة القانون وبمجرد نشوئه، إذا كان المنقول المعين بالذات مملوكاً للملتزم، ولذلك لا يتصور اللجوء الى التنفيذ الجبري في نطاق هذا الالتزام. ومع ذلك فان انتقال الحق هذا قد تعطله قاعدة (الحيازة في المنقول سند الملكية)، كما لو ان البائع باع المنقول ذاته الى مشتر ثان تسلمه بحسن نية فتنتقل إليه الملكية بسبب الحيازة لا بسبب العقد، لان البائع تجرد من الملكية بمقتضى بيعه الأول.
إلا أن للتنفيذ الجبري بالنسبة لهذا النوع من الالتزام مجالاً بالنسبة للالتزام التبعي الذي يتضمنه الالتزام بنقل الحق العيني، وهو الالتزام بتسليم المنقول المعين بالذات إذا امتنع المدين عن تسليمه، فللدائن إجباره على التسليم عن طريق دائرة التنفيذ اذا كان المنقول موجوداً وكان بيده سند تنفيذ وعن طريق استصدار حكما من القضاء بتسليمه اليه، وان كان غير موجود بسبب إخفائه او هلاكه بخطأ المدين، تحول الدائن الى المطالبة بالتنفيذ بطريق التعويض.

ثالثاً ـ الالتزام بنقل حق عيني يرد على منقول معين بالنوع والمقدار: لا يتم تنفيذ هذا الالتزام ولا ينقل الحق إلا بتعيين المنقول بالذات، وبالنظر الى ان تعيينه بالذات يقتضي فرزه، أي عزله عن بقية صنفه وسواء سلم للدائن او لم يسلم،فان امتناع المدين عن الفرز يحول دون انتقال الحق الى الدائن ويفسح المجال الى تنفيذه جبراً عنه. والحكم عندئذ، انه ان كان لدى المدين منقولات من نفس النوع، حق للدائن ان يطلب من المحكمة ان تخوله القيام بتعيين الشيء المستحق له او تكليف خبير بهذه المهمة، وبتعيين الشيء بالذات يتم انتقال الحق العيني؟، وبتسليم الشيء يتم تنفيذ الالتزام بالتسليم وهو الالتزام التبعي.
أما إذا لم يكن لدى المدين مثليات من نفس النوع، يحق للدائن استئذان المحكمة، او بدون استئذانها في الحالات المستعجلة، لشراء شيء من النوع نفسه على نفقة المدين ويرجع على المدين بالمصروفات التي أنفقها وبالتعويض عن تأخر المدين في تنفيذ التزامه، وتقدر المحكمة مدى ملائمة تصرف الدائن عند عدم استئذانها وقد تحكم له بمبلغ اقل اذا تبين لها تسرعه وسوء تصرفه. وقد يتحول الدائن الى المطالبة بالتعويض في حالتين أولاهما، إذا تعذر حصول الدائن على شيء من النوع نفسه، وثانيهما، إذا اتخذ من امتناع المدين عن التنفيذ العيني ذريعة للمطالبة بالتعويض.
**************************

الفصل الثاني
التنفيذ بمقابل أو التعويض

يعرف التعويض بأنه: مبلغ من النقود أو أية ترضية من جنس الضرر تعادل المنفعة التي كان سينالها الدائن فيما لو نفذ المدين التزامه على النحو الذي يوجبه حسن النية وتقتضيه الثقة في المعاملات.

حالات التعويض: يحق للدائن اقتضاء التعويض عند توفر شروطه في حالات هي:
اولاً ـ إذا أصبح التنفيذ العيني للالتزام مستحيلاً بخطأ المدين.
ثانياً ـ إذا تطلب التنفيذ العيني تدخل المدين الشخصي، وامتنع عن التنفيذ وفشل الحكم عليه بالغرامة التهديدية في كسر عناده وإكراهه على التنفيذ.
ثالثاً: إذا كان التنفيذ العيني ممكناً ولكنه مرهق للمدين، وكان في التعويض ترضية كافية للدائن، لان عدم التنفيذ العيني لا ينطوي على ضرر جسيم يصيبه.
رابعاً: إذا كان التنفيذ العيني ممكناً دون تدخل المدين الشخصي، ولكن الدائن لم يطلبه ولم يعرض المدين القيام به.

انواع التعويض: يبدو التعويض على نوعين: اولهما: التعويض عن عدم التنفيذ، وثانيهما: التعويض عن التأخير في التنفيذ. وتبدو القواعد التي تحكمها واحدة لولا قيام الفارقين الآتيين بينهما:
اولاً: يحل التعويض عن عدم التنفيذ محل التنفيذ العيني ولا يمكن الجمع بينهما لأن الدائن سيتقاضى حقه مرتين عندئذ، اما الجمع بين التعويض عن التأخير وبين التعويض عن عدم التنفيذ فأمر جائز إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه وتحققت شروطهما.
ثانياً: ان اعذار المدين يعتبر إجراء لازم للحكم بالتعويض عن التأخير ولا ضرورة له في بعض حالات التعويض عن عدم التنفيذ.كما يجوز الجمع بين التعويض عن عدم التنفيذ وبين التعويض عن التأخير في التنفيذ.

المبحث الاول
شروط استحقاق التعويض

يفهم من نصوص القانون المدني العراقي ان شروط استحقاق التعويض هي:
اولاً: الإعذار.
ثانياً: توافر أركان المسؤولية المدنية عقدية او تقصيرية.
ثالثاً: عدم الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية العقدية.
ولسبق الكلام عن الشرطين الأخيرين، سنقصر البحث في الإعذار.

المطلب الاول
الإعذار

يعرف الإعذار بأنه: دعوة المدين من قبل دائنه الى تنفيذ التزامه، ووضعه قانوناً في حالة التأخر تأخراً تترتب عليه مسئوليته عن الإضرار التي تصيب الدائن نتيجة هذا التأخر.
ـ ويشترط الإعذار لاعتبارين: أولهما قانوني: ومفاده ان مجرد تأخر المدين لا يكفي لاعتباره مقصراً، وإن حلول الاجل يعني ان الدين أضحى مستحق الأداء دون ان يعني تضرر الدائن وسكوته عن المطالبة بحقه يحمل على محمل التسامح والرضا الضمني بمد اجل الوفاء. ولنفي هذه القرينة يجب ان يفصح الدائن عن رغبته الجدية في اقتضاء حقه وعدم تسامحه ازاء التأخير في التنفيذ من خلال الإعذار.
وثانيهما: اعتبار أخلاقي: ومفاده ان تنبيه المدين الى تقصيره ودعوته الى تنفيذ التزامه إجراء تقتضيه القيم الخلقية قبل مفاجأة المدين بالتنفيذ الجبري بما ينطوي عليه من إجراءات تمس كرامته وسمعته.
ـ كيف يقع الإعذار: بمقتضى نص المادة 257 مدني عراقي يتم الاعذار في إحدى صور ثلاث:
اولاً: يكون إعذار المدين بإنذاره: وهذه هي القاعدة العامة، والإنذار ورقة رسمية يعبر فيها الدائن عن رغبته الجدية في اقتضاء حقه من مدينه، ويتم بواسطة الكتاب العدل. ويسمى في العراق بالتبليغ.
ثانياً: يجوز ان يتم بأي طلب كتابي آخر: كورقة رسمية او برقية او رسالة مسجلة او عادية إلا ان الاخيرة تثير مشكلة اثبات واقعة تسلمها من قبل المدين وإثبات محتواها.
ثالثاً: يجوز ان يقع بأية صورة أخرى يحددها اتفاق الطرفين، كالاتفاق بين الطرفين صراحة او ضمناً على اعتبار المدين معذراً بمجرد حلول الاجل، ويجب ان يكون قاطعاً في دلالته، فان احتمل الشك، فسر الشك لمصلحة المدين.
ـ متى يجب الإعذار في القانون العراقي: تطلب المشرع العراقي الاعذار بمقتضى المادة 256 كشرط لاستحقاق التعويض، سواء كان تعويضاً عن عدم التنفيذ او تعويضاً عن التأخر فيه، ومع ذلك يلاحظ ان الاعذار شرط لاستحقاق التعويض عن التأخير في التنفيذ اما المطالبة بالتعويض عن عدم التنفيذ فلا حاجة للاعذار فيها، لان الحكم بالتعويض امر مؤكد متى ما توافرت شروطه.
ـ الحالات المستثناة من وجوب الاعذار في قانوننا: تستثنى من الإعذار حالات يعتبر حلول الأجل فيها كافياً لإشعار المدين بوجوب المبادرة الى التنفيذ وإلا وجب عليه التعويض، دون الحاجة الى استيفاء إجراء الاعذار، وهي:

اولاً ـ الحالات المستثناة بحكم الاتفاق: بمقتضى المادة 257 مدني عراقي يجوز للطرفين الاتفاق على أن يكون المدين معذراً بمجرد حلول الأجل دون حاجة الى استيفاء إجراء ما، ومثل هذا الاتفاق قد بقع صريحاً او ضمنياً كأن يشترط في عقد مقاولة وجوب إكمال البناء في ميعاد معين. ولكن يجب ان يكون قاطعاً في دلالته لا يحتمل شكاً.
الا ان هذا الاتفاق لا يعفي الدائن من السعي الى مكان الوفاء لأن القاعدة في الوفاء ان الدين مطلوب وليس محمول.
اما إذا كان تنفيذ الالتزام واجباً في موطن الدائن فيجب على المدين التقدم للوفاء عند حلول الأجل.
الا ان هذا الاتفاق لا يعمل به إذا فسخه الدائن بتصرفه، كأن ينص العقد بين شركة التأمين وبين المؤمن له على وجوب دفع الأقساط في مركز الشركة عند حلول آجالها دون حاجة الى إعذار المدين، ثم تجري الشركة على إيفاد محصلها لتسلم الأقساط وتعذر المدين كلما تأخر، وعندها لا يجوز للشركة ان تحتج على المدين بعدم لزوم الإعذار.

ثانياً ـ الحالات المستثناة بنص القانون: وهي طائفتين، ومنها لم تكن هناك حاجة للنص على عدم ضرورة الإعذار فيها، ومنه ما يبدو الاعذار فيها غير مجد ولم يفد النص إلا تأكيد عدم جدواه:
ـ الطائفة الأولى من الحالات هي:
ا1: إذا كان محل الالتزام رد شيء يعلم المدين إنه مسروق، او شيء تسلمه دون وجه حق، وهو عالم بذلك.
2: استحقاق البائع الفوائد القانونية عن الثمن المستحق الأداء دون حاجة الى إعذار المشتري، إذا كان قد سلمه الشيء المبيع، وكان الشيء قابلاً ان ينتج ثمرات او إيرادات أخرى، ما لم يقضي النص او الاتفاق بخلاف ذلك.
3: إذا أخذ الشريك مبلغاً من مال الشركة أو احتجزه، لزمته فوائد هذا المبلغ من يوم أخذه أو احتجازه مع التعويض ان كان له مقتضى دون حاجة الى انذاره.
4: إذا استعمل الوكيل مال الموكل لصالح نفسه، فعليه فوائد المبالغ التي استخدمها لصالحه من وقت استخدامها، دون حاجة الى انذاره.
5: إذا انفق الوكيل مبلغاً في تنفيذ الوكالة فعلى الوكيل أن يرد له ما أنفقه في تنفيذها تنفيذا معتاداً مع الفوائد من وقت الاتفاق مهما كان حظ الوكيل من النجاح في مهمته، دون حاجة الى إعذاره.
ـ الطائفة الثانية من الحالات هي:
1ً: إذا أصبح تنفيذ الالتزام تنفيذاً عينياً غير ممكن بفعل المدين، وخاصة إذا كان محل الالتزام نقل حق عيني او قياماً بعمل، ووجب ان ينفذ في وقت معين انقضى دون ان يتم، او كان الالتزام امتناعاً عن عمل واخل به المدين.
2ً: إذا كان محل الالتزام تعويضاً ترتب على عمل غير مشروع.
3: إذا صرح المدين كتابة أنه لا ينوي تنفيذ التزامه.
ثالثاً: الحالات المستثناة لأن طبيعة الأشياء تقتضي عدم وجوب الإعذار وإن لم يرد بشأنها نص:
1ـ إذا استحال على الدائن ان ينذر مدينه بسبب الظروف المحيطة به. فان تعهد ناقل بنقل راكب الة جهة ما في ميعاد محدد، وتسبب بخطئه في تأخر وصوله، فان الركب يستحق التعويض عن الضرر دون حاجة لاعذار الناقل لانه يستحيل عليه القيام بالاعذار بسبب ظروف النقل.
2ـ إذا جاهر المدين بعلمه بحلول الأجل وبنيته في تنفيذ التزامه، فلا لزوم للإعذار عندئذ. لأن المدين يكون قد أعلن بما يهدف الإعذار الى إعلامه به، وتحقق غرض الاعذار قبل وقوعه.

المطلب الثاني

أثار الإعذار

تترتب على الاعذار نتيجتان قانونيتان، هما على التعاقب:

النتيجة الاولى ـ إلزام المدين بالتعويض عن التأخير في التنفيذ من وقت الإعذار: إذا اعذر الدائن مدينه، أصبح المدين مسؤولاً عن الضرر اللاحق بالدائن بسبب التأخير في التنفيذ من وقت الإعذار.اما إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود، فإن فوائد التأخير يبدأ سريانها من تاريخ المطالبة القضائية بها لا من تاريخ الإعذار، ما لم يحدد القانون او الاتفاق او العرف التجاري تاريخاً آخر لسريانها. وسبب عدم مسؤولية المدين قبل الإعذار، هو افتراض ان الدائن غير متضرر من التأخير ويحمل سكوته على انه رضاً ضمنياً بمد أجل الوفاء. وبالاعذار يفصح الدائن عن رغبته الجدية في استيفاء حقه دون تأخير ويلقي تبعة اي ضرر يلحق به على عاتق المدين.
النتيجة الثانية ـ انتقال تبعة الهلاك: تأثر مشرعنا في أحكام تبعة الهلاك بالفقه الإسلامي وميز بين يد الضمان ويد الأمانة. وعرف يد الضمان بأنها يد غير المالك إذا حاز الشيء بقصد تملكه. كيد الغاصب، ويد الحائز بقصد التملك سواء كان حسن النية او سيئها. وعرف يد الأمانة بأنها يد غير المالك إذا حاز الشيء لا بقصد تملكه وانما على اعتباره نائباً عن المالك كيد الوديع والمستأجر والمستعير.

وقضى بأن الشيء إذا انتقل من يد مالكه الى يد غير المالك بعقد او بغير عقد وهلك دون تعد او تقصير، فإن تبعة الهلاك تكون على صاحب اليد إذا كانت يده يد ضمان على الشيء ويهلك على صاحب الشيء إذا كانت يد صاحب اليد يد أمانة. ولكن يد الأمانة تنقلب الى يد ضمان إذا كان صاحب اليد ولو بغير قصد التملك، قد حبس الشيء عن صاحبه دون حق أو أخذه دون اذنه.

فان كان الالتزام بالتسليم مستقلاً، وانتقل الشيء من يد مالكه الى يد غير المالك بعقد، كعقد الإعارة او الوديعة او الإيجار وهلك الشيء بسب أجنبي وهو في يد الحائز تحمل المالك تبعة الهلاك لأن يد الحائز يد أمانة.
إلا ان يد المستعير او الوديع، وهي يد أمانة قد تنقلب الى يد ضمان إذا حبس أي منهما الشيء دون حق. كأن يطالبا برده ويمتنعان عن الرد دون سبب مشروع.

وإذا انتقل الشيء بغير عقد الى الحائز، كالغصب والحيازة بحسن نية او بسوئها وهلك الشيء دون تعد او تقصير منه، تحمل الحائز تبعة الهلاك، لأن يده يد ضمان.
أما إذا كان الالتزام بالتسليم تبعياً، كألتزام البائع بتسليم المبيع، وهلك الشيء بيده قبل تسليمه إلى المشتري، فإنه يهلك على البائع ، لأن يد البائع وهو المالك القديم توصف بانها يد ضمان حتى ينفذ التزامه بالتسليم، غير أن يد البائع تنقلب قبل التسليم الى يد امانة إذا دفع بعدم التنفيذ وحبس المبيع في يده لأن المشتري لم يدفع الثمن وهلك المبيع بسبب اجنبي فان المشتري هو من يتحمل تبعة الهلاك.
وبالإعذار تنتقل تبعة الهلاك من عاتق الطرف الذي كان يتحمله إلى عاتق الطرف الآخر. فإذا كانت يد المدين يد امانة، كيد الوديع والمستعير، فان قام الدائن باعذارهما بوجوب التسليم وامتنعا تحولت يدهما من يد أمانة الى يد ضمان ويتحملان حينئذ تبعة الهلاك ولو بسبب أجنبي.
وإذا كانت يد المدين يد ضمان وإن لم تكن الحيازة بقصد التملك، كيد البائع قبل التسليم، الا ان يد البائع تتحول الى يد امانة اذا اعذر المشتري بوجوب تسلم الشيء وامتنع عن تسلمه وهلك الشيء بسبب أجنبي في يد البائع تحمل المشتري تبعة هلاك الشيء، فبالأعذار تنتقل تبعة الهلاك من عاتق المدين بالتسليم الى عاتق الدائن به.

المبحث الثاني
تقدير التعويض

عند توفر شروط استحقاق التعويض، أصبح التعويض مستحقاً، ووجب تقديره، والتزم المدين بدفعه سواء تم ذلك اختياراً او جبراً.
والأصل أن يقوم القاضي بتقدير التعويض والحكم به. ويسمى التعويض عندئذ بالتعويض القضائي، ويجوز ان يتم تقدير التعويض بإتفاق الطرفين ويسمى التعويض الاتفاقي او الشرط الجزائي، وقد يتولى القانون تقديره عندما يكون محل الالتزام دفع مبلغ من النقود، ويسمى بالتعويض القانوني.

المطلب الاول
التعويض القضائي

التعويض القضائي: هو تعويض يقدره القضاء ويحكم به عند الفصل في الدعوى التي يقيمها الدائن على مدينه ليحمله بمقتضاها مسؤولية عدم تنفيذ التزامه او التأخر في تنفيذه.
وقد سبقت الإشارة الى أنواع التعويض وكيفية تقديره وعناصره ووقت تقدير الضرر الذي يجب التعويض عنه، عند شرح نظرية الالتزام واليها ينبغي الرجوع.
محاظرات الاستاذ فارس حامد عبد الكريم

المطلب الثاني
التعويض الاتفاقي أو الشرط الجزائي

ـ تعريفه: يعرف التعويض الاتفاقي بانه اتفاق يحدد فيه المتعاقدان مقدماً مقدار التعويض الذي يستحقه الدائن اذا لم ينفذ المدين التزامه أو أخل به أو تأخر في تنفيذه.
ويسمى ايضاً بالشرط الجزائي، فهو شرط لانه يدرج عادة ضمن شروط العقد الأصلي ليقوم استحقاق التعويض على اساسه، وهو جزائي لان الغرض منه مزدوج، فهو تعويض للدائن عما يصيبه من ضرر. وهو جزاء يفرض على المدين لعدم تنفيذ التزامه او لإخلاله به او لتأخره فيه، وينطوي على معنى التهديد دون ان يكون عقوبة، لان المبلغ الذي يتضمنه يقدر عادة بأكثر من الضرر الذي يلحق بالدائن نتيجة اخلال المدين بالتزامه او عدم تنفيذه او تأخره.

ـ تطبيقاته: قد يكون التعويض الاتفاقي تعويضاً عن عدم التنفيذ او عن التأخير في التنفيذ، كما لو اشترط رب العمل على المقاول تعويضاً عن عدم التنفيذ او تعويضاً معينا عن كل يوم يتأخر فيه عن اقامة البناء عن الموعد المحدد، ولا مانع ان يكون تعويضاً اتفاقياً عن مسؤولية تقصيرية كالاتفاق على تقدير التعويض المستحق في حالة خيانة أمانة، والشرط الجزائي كثير الوقوع في الحياة العملية، لاسيما في عقود المقاولات والتوريد والأشغال.

ـ الأغراض من الشرط الجزائي: قد يراد من الشرط الجزائي التحايل على احكام القانون المتعلقة بفوائد التأخير. او تعديل احكام المسؤولية العقدية تخفيفاً او تشديداً، الا ان اهم غرض يهدف اليه هو تجنب تحكم القضاء او التخفيف من تحكمه في تقدير التعويض، وتحاشي النزاع الذي يثور بشأن ركن الضرر من حيث وجوده أو انعدامه وطبيعته.

خصائص الشرط الجزائي: يتميز الشرط الجزائي بالخصائص الآتية:

اولاً ـ انه اتفاق بين طرفين: فيجب ان يستوفي هذا الاتفاق أركان العقد وشروطه وتسري عليه جميع أحكام العقد من بطلان وتوقف وغيرها.
ثانياً: انه اتفاق على تقدير التعويض. ولكي ينتج هذا الاتفاق اثره يجب تتوافر شروط استحقاق التعويض.
ثالثاً: انه اتفاق يحدد فيه مقدماً مقدار التعويض: فيجب ان يسبق هذا الاتفاق عدم التنفيذ او التأخير فيه وإلا اعتبر صلحاً، ويدرج عادة ضمن بنود العقد الأصلي ولا مانع ان يتم في اتفاق لاحق بشرط ان يقع قبل الإخلال بالالتزام.
رابعاً: انه اتفاق ينطوي على خروج عن أحكام التقدير القضائي: الأصل ان يتولى القضاء تقدير التعويض، ولذلك تعتبر احكام التعويض الاتفاقي احكاماً استثنائية فيجب ان يفسر دون توسع وقصره على الحالة التي قصدها الطرفان.
خامساً: انه اتفاق تبعي: لان الاتفاق على الشرط الجزائي لم يقصد لذاته، وانما تم بمناسبة اتفاق آخر وبقصد حمل المتعاقد على تنفيذه. فهو اتفاق لا يولد التزاماً اصلياً بالتعويض وإنما ينشئ التزاماً تبعياً بتقدير التعويض.
طبيعة الشرط الجزائي: سبق القول ان الشرط الجزائي لم يقصد لذاته، وانما هو التزام تبعي تم بمناسبة اتفاق أصلي آخر وبقصد حمل المتعاقد على تنفيذه.فهو يحدد التزاماً جزائيا في صورة تعويض مقدر لا ينشأ الا نتيجة الإخلال بالالتزام الأصلي، وتترتب على صفة التبعية للشرط الجزائي نتائج أهمها ما يأتي:

من حيث التنفيذ: تكون العبرة بالالتزام الأصلي لا بالشرط الجزائي عند مطالبة الدائن مدينه بالتنفيذ مادام التنفيذ العيني ممكنا ، الا انه يجوز للدائن طلب تطبيق الشرط الجزائي اذا وافقه المدين على ذلك ويفسر هذا التحول بانه تم بناءاً على اتفاق ضمني، واذا استحال التنفيذ العيني بخطأ المدين فان للدائن طلب تنفيذ الشرط الجزائي وللمدين ان يعرض تنفيذه، الا انه اذا كانت استحالة التنفيذ بسبب أجنبي فان الالتزام الأصلي ينقضي ويسقط الالتزام التبعي، ولا تجوز المطالبة بتنفيذ الشرط الجزائي، لان المدين لا يكون مسؤولاً والتعويض لا يكون مستحقاً حينئذ.

من حيث الأوصاف: وبالنظر لتبعية الشرط الجزائي للالتزام الأصلي فانه تلحق به جميع الأوصاف التي يقترن بها الاخير من شرط وتعدد واجل.

من حيث البطلان: ان بطلان الالتزام الأصلي، بسبب انعدام الأهلية او عدم مشروعية المحل مثلاً، يؤدي الى بطلان الشرط الجزائي، اما بطلان الشرط الجزائي فلا يؤثر على صحة الالتزام الأصلي لانه تابع،والتابع قد يسقط والأصل يظل قائماً ، كمخالفة الشرط الجزائي لقواعد القانون الآمرة كاشتراط الدائن المرتهن تملك العقار المرهون اذا لم يوف المدين بالدين في اجله، أو لمخالفته للنظام العام كأن يتعهد ممثل الا يمثل في مسرح معين وإلا حبس نفسه.
من حيث الفسخ: ان فسخ العقد وهو مصدر الالتزام الأصلي يؤدي الى سقوط الشرط الجزائي ويقدر التعويض حينئذ من قبل القضاء.

احكام الشرط الجزائي

يتضح من نص المادة (170) مدني عراقي ان الشرط الجزائي اذا توافرت شروطه يصبح ملزماً للمتعاقدين، ويجب على القاضي الحكم به، ولا يستطيع القاضي ان يجري تعديلاً في المبلغ المقدر تبعاً للضرر الذي أصاب الدائن تخفيضاً أو زيادة إلا في الأحوال التي نص عليها القانون، وهي كما يأتي:

أـ تخفيض الشرط الجزائي: يجوز للمحكمة ان تنقص قيمة الشرط الجزائي في حالتين حسب (م ـ 170) م .ع وهما:
اولاً ـ إذا كان الشرط الجزائي مبالغاً فيه لدرجة كبيرة: أو حسب تعبير المشرع العراقي ( اذا اثبت المدين ان التقدير كان فادحاً). ففداحة التقدير يجب ان تفسر على نحو ما قصده المشرع المصري، وعليه لا يكفي لتخفيض قيمة الشرط الجزائي ان تكون في التقدير زيادة بحيث تتجاوز قيمته قيمة الضرر، وإنما يجب ان تكون قيمة الزيادة مبالغاً فيها الى درجة كبيرة.

ثانياً ـ إذا كان الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه: تقتضي العدالة ان الشرط الجزائي لا يستحق بكامله إلا اذا لم ينفذ المدين التزامه كاملاً، فإذا اثبت المدين انه قام بتنفيذ التزامه تنفيذا جزئياً قبله الدائن دون اعتراض ولم يتضرر منه، جاز للقاضي تخفيض قيمة الشرط الجزائي بنسبة ما تم تنفيذه نزولاً عند مقتضيات العدالة واحتراماً لإرادة المتعاقدين حيث يمكن القول ان إرادة الطرفين قد انصرفت الى التخفيض مادام المدين قد نفذ جزءاً من التزامه.
واحكام المادة 170 م .ع من النظام العام ويقع بطلاً كل اتفاق يخالف مقتضاها، واذا تم التخفيض فلا يتحتم ان يكون مساوياً للضرر بل يكفي ان يكون متناسباً معه.

ب ـ زيادة الشرط الجزائي: للمحكمة ان تزيد من قيمة الشرط الجزائي إذا كان التعويض المتفق عليه يقل عن الضرر الواقع، وذلك في حاتين تبرر زيادة التعويض فيهما احكام شروط الإعفاء من المسؤولية او التخفيف منها:
اولاً ـ حالة الغش والخطأ الجسيم: إذا كان الإخلال بالالتزام العقدي ينسب الى غش او خطأ جسيم ارتكبه المدين وكان الضرر يفوق في مقداره قيمة الشرط الجزائي (م ـ 170) مدني عراقي.
ثانياً ـ اذا كانت قيمة الشرط الجزائي تافهةً: اذا كانت قيمة الشرط الجزائي من التفاهة بحيث لا تعتبر تعويضاً جدياً عن الضرر، وكان الشرط الجزائي وسيلة تحايل للإعفاء من المسؤولية التقصيرية، تطبيقاً لنص المادة 259 التي قضت بابطال كل شرط يعفي من المسؤولية التقصيرية، والشرط الجزائي اذا تفهت قيمته لا يعتبر تعويضاً جدياً عن ضرر واقع، ويعتبر اعفاءاً ضمنياً وغير مباشراً من المسؤولية التقصيرية فيكون باطلاً.
واحكام الحالتين اعلاه من النظام العام ويقع بطلاً كل اتفاق يخالف مقتضاهما.

سلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي

للقاضي سلطة مطلقة في الحكم بالتعويض المتفق عليه او تعديله ولا رقابة من محكمة التمييز على حكمه، وتعد توافر اركان المسؤولية من العناصر التي تخضع لتقديره، فاذا توفرت شروط استحقاق التعويض ووجد القاضي تناسباً بين قيمة الشرط الجزائي وبين قيمة الضرر حكم بمقتضى الشرط الجزائي دون تعديل في قيمته وان جاوزت قيمته الضرر مراعيا التناسب بين القيمتين لا التساوي، وله ان يجري عليه تعديلاً في الأحوال التي نص عليها القانون.

حكم الشرط الجزائي في عقد ناقل لملكية عقار او منشئ لحق الرهن عليه، دون ان يسجل في دائرة التسجيل العقاري: يتضح من نصوص القانون المدني العراقي، ان العقد ناقل لملكية عقار او المنشئ لحق الرهن عليه من العقود الشكلية التي لا تنعقد إلا بعد تسجيلها في دائرة التسجيل العقاري، اما العقد غير المسجل فيعتبر باطلاً ويكون في حكم العدم ولا يرتب اثراً باعتباره عقداً ناقلاً للملكية او منشئاً للرهن، ومع فان القانون يلقي على عاتق الناكل عن التسجيل التزاماً بالتعويض، وقد اختلف شراح القانون المدني في تحديد مصدر هذا التعويض ومصير الشرط الجزائي الذي تضمنه التعهد إن وجد، وهذه الآراء هي:

الرأي الاول: يذهب الى ان المسؤولية تقصيرية، وان الشرط الجزائي يكون باطلاً، ويقدر القاضي التعويض على اساس الفعل الضار. وحجته ان بطلان الالتزام الأصلي يؤدي الى بطلان الشرط الجزائي ، وهذا الرأي وان يساير منطق الشكلية الا انه يهدر قيمة التعهد السابق والشرط الجزائي.

الرأي الثاني: ويرى ان المسؤولية عقدية ويبقى الشرط الجزائي صحيحاً، واخذ به الكثير من الشراح إلا انهم اختلفوا في تبريره، فذهب فريق منهم الى ان العقد قبل تسجيله صحيح ولكنه لا ينتج أثره الا بعد تسجيله، ومادام صحيحاً فان اطرافه تلتزم به وبالشرط الجزائي الذي تضمنه ، وهو رأي ينسجم موقف المشرع المصري لا العراقي فيما يتعلق بالشكلية. وذهب آخرون الى ان التعهد قبل تسجيله يولد بعض الاثار الشخصية باعتباره عقداً غير مسمى تحول اليه العقد الباطل طبقا لنظرية تحول العقد، ولذلك يبقى الشرط الجزائي صحيحاً مستنداً الى العقد غير المسمى الذي تحول اليه.ويرد عليه بان التعهد ينشأ منذ البدء عقداً غير مسمى دون الحاجة للقول بتحوله وفقا لنظرية تحول العقد ويرهن ذلك بمدى تحقق شروطها. ونرى ان العقد قبل تسجيله لا يعتبر عقد بيع او رهن وانما هو عقد غير مسمى، وهو عقد ملزم يوجب التعويض عند الاخلال به. وعليه فان التعويض ينشأ عن مسؤولية عقدية مصدرها العقد غير المسمى، وان تضمن التعهد شرطاً جزائياً وجب على القاضي ان يحكم به او ان يعدله في الاحوال التي نص عليها القانون. وهو ما أخذت به محكمة التمييز.

تمييز الشرط الجزائي عما يشتبه به من أوضاع:

اولاً ـ تمييز الشرط الجزائي عن العربون.
إذا كانت دلالة العربون جزاء العدول عن العقد، فانه يشتبه بالشرط الجزائي عندئذ، اذ ينظر اليه كتعويض يستحق عن العدول عن العقد، ومع ذلك فإن ثمة فروق بينهما تجعلهما جزاءين مختلفين، وكما يلي:
اولاً: يعتبر الشرط الجزائي تقديراً لتعويض يستحق عند توافر شروط التعويض، اما العربون فجزاء حق العدول بصرف النظر عن وقوع الضرر.
ثانياً: يجوز تعديل قيمة الشرط الجزائي زيادة او نقصاناً في الحالات التي نص عليها القانون ليتناسب مع مقدار الضرر الحقيقي، اما العربون فينبغي الحكم بمقداره الذي حدده الطرفان دون تعديل فيه لانقطاع الصلة بين استحقاقه وبين توافر الضرر وجوداً وعدماً.
ثالثاً: يشترط الإعذار لاستحقاق الشرط الجزائي حسب الاصل باعتباره تعويضاً، اما العربون فلا يعتبر تعويضاً وإنما يعد مقابل حق العدول عن العقد فلا يشترط الاعذار لاستحقاقه.

ثانياً تمييز الشرط الجزائي عن شرط الحد الاعلى للمسؤولية.
قد تشترط شركات الطيران او السكك الحديد او اي متعهد بالنقل بأن مسؤوليتها لا تتجاوز مبلغاً معيناً عند ضياع رزمة او صندوق من البضاعة المرسلة كتعويض عن الضياع وهذا ما يسمى شرط الحد الأعلى للمسؤولية، فان زاد الضرر عن المبلغ المعين دفعت ما تحدد في الشرط من مبلغ وإذا قل عنه دفعت مبلغاً يساوي الضرر الفعلي لا المبلغ المعين في الشرط. ويشترك كلا الشرطان في انهما اتفاق على تقدير التعويض يقدر بمبلغ مقطوع وعلى أساس عنصر الضرر الا ان الفارق بينهما ان قيمة مبلغ شرط الحد الأعلى تخفض عندما يثبت المسؤول نقصان الضرر الفعلي عن قيمة التعويض، اما الشرط الجزائي فالاصل ان لا يتم تعديل قيمته إلا في الأحوال التي نص عليها القانون.

المطلب الثالث
التعويض القانوني ( الفوائد)

تولى القانون تقدير مقدار التعويض الذي يستحقه الدائن، في حالة الالتزام بدفع مبلغ من النقود، وكان في تدخله مدفوعاً بكراهة تقليدية للربا، فرتب التعويض على مسؤولية المدين عند التأخر في تنفيذ التزام محله الانتفاع بمبلغ من النقود بعد ان أجرى تحويراً على قواعد المسؤولية المدنية، والمقصود بالتعويض القانوني في هذا المقام هي الفوائد.
وتعرف الفائدة بانها: مبلغ من النقود يلتزم المدين بدفعه على سبيل التعويض عن التأخير في تنفيذ التزام محله مبلغ من النقود عن الميعاد المحدد له، او نظير انتفاعه بمبلغ من المال في عقد من عقود المعاوضة.
انواع الفوائد: يتضح من التعريف ان الفوائد على نوعين فوائد تأخيرية وفوائد تعويضية (استثمارية).
اما الفوائد التأخيرية: فهي الفوائد المستحقة عند التأخير في تنفيذ التزام محله دفع مبلغ من النقود اياً كان مصدر هذا الالتزام، عقداً او إرادة منفردة أو عملاً غير مشروع أو كسباً دون سبب او نص للقانون، فهذا الالتزام (دفع نقود) يقبل التنفيذ العيني دائما ولا محل للمطالبة فيه عن التعويض عن عدم التنفيذ، فتقتصر المطالبة فيه على التعويض عن التأخير في تنفيذه.
اما الفوائد التعويضية (الاستثمارية): فهي الفوائد المستحقة نظير انتفاع المدين بمبلغ من النقود ويكون العقد مصدرها، ويلتزم المدين بدفعها مقابل الانتفاع بالدين ما ظل مترتباً في ذمته الى حين ميعاد استحقاق الوفاء بالدين. كالفوائد المستحقة على المقترض، والفوائد التي يستحقها حامل السند أو من أودع وديعة في مصرف.
وتوجد ثلاثة فروق بين هذين النوعين من الفوائد:
اولهما: ان الفوائد التأخيرية تعتبر تعويض عن دين حل اجله، اما الفوائد التعويضية فتعويض عن دين لم يحل اجله ثانيهما: ان الفوائد التأخيرية تستحق عند التأخر في تنفيذ التزام محله دفع مبلغ من النقود اياً كان مصدر هذا الالتزام.
اما الفوائد التعويضية فتستحق مقابل الانتفاع بمبلغ من النقود ويكون مصدرها العقد.
ثالثهما: الفوائد التأخيرية هي فوائد اتفاقية او قانونية تولى القانون تحديدها، اما الفوائد التعويضية فهي اتفاقية دائما

شروط استحقاق الفوائد

أ ـ شروط استحقاق الفوائد التأخيرية:
يتضح من نصوص المواد (171 ، 173) م.ع، أن يشترط لاستحقاق الفوائد التأخيرية توافر شروط ثلاثة، هي:

اولاً: أن يكون محل الالتزام مبلغاً من النقود معلوم المقدار وقت نشوء الالتزام.
لا تستحق الفوائد القانونية إلا عند الإخلال بالتزام يكون محله مبلغ من النقود، اياً كان مصدره عقداً كألتزام المقترض برد المبلغ الذي اقترضه، او كسب دون سبب كالتزام من استلم نقوداً دون حق بردها، او القانون كالالتزام بالنفقة. كما يجب ان يكون محل الالتزام نقوداً منذ نشأته، فلا تستحق الفوائد اذا كان محلها غير النقود ابتداءاً وأصبح كذلك فيما بعد، فلا فوائد على الالتزام بدفع التعويض الناشئ عن المسؤولية التقصيرية او العقدية، لان التعويض في الحالتين يعتبر تنفيذا بمقابل لا تنفيذاً عينياً لالتزام أصلي.
وينبغي ايضا ان يكون محل الالتزام معلوم المقدار وقت نشوء الالتزام، فلا فوائد إذا تحدد مقدار محل الالتزام عند المطالبة به ولم يكن كذلك عند نشأته، فلو اتلف شخص مال غيره وحكم عليه بالتعويض، فسيخلو الحكم من احتساب الفوائد.

ثانياً: تأخر المدين في الوفاء.
ان المسؤولية الناشئة على عدم تنفيذ التزام محله مبلغ من النقود هي المسؤولية المترتبة على التأخير في الوفاء به، لانه التزام يقبل التنفيذ العيني دائماً، وبما ان الفوائد هي تعويض مقدر بنص القانون او الاتفاق، فينبغي لاستحقاقها ان تتوفر شروط استحقاق التعويض، وهي توفر أركان المسؤولية المدنية، خطأ وضرر وعلاقة سببية، واعذار المدين، الا ان مشرعنا خرج على قواعد استحقاق فوائد التأخير واجرى تحويراً على قواعد المسؤولية، مراعياً مصلحة الدائن، كما لم يكتف بشرط الاعذار لاستحقاقها فتشدد بشأنه مراعياً مصلحة المدين.

ففيما يتعلق بأركان المسؤولية، لم يشترط القانون اثبات حصول ضرر بالدائن لإستحقاق الفوائد التأخيرية ولم يكلف الدائن بإثبات وجوده ومقداره، ذلك لانه افترض تحقق الضرر بسبب التأخر في الوفاء عن الميعاد المتفق عليه فرضاً غير قابل لإثبات العكس ولم يمكن المدين من نفي وقوعه، فضلاً عن ان المشرع افترض مقدار الضرر فلم يجز المطالبة بزيادة او بإنقاص فوائد التأخير، قانونية او اتفاقية، الا في حالات استثنائية وردت على سبيل الحصر. وذلك تقديراً من المشرع الى اهمية النقود في النظام الاقتصادي المعاصر الذي ييسر استثمار النقود وان التأخير في دفعها يحرم الدائن من استثمارها.

واذا انتفت ضرورة اثبات الضرر فان ذلك يستتبع حتماً اقتراض العلاقة السببية بين الخطأ والضرر فرضاً لا يقبل اثبات العكس، اما عنصر الخطأ فقد تحور ليبدو في صورة التأخير في الوفاء، لان الالتزام بدفع مبلغ معين في اجل معين هو التزام بتحقيق نتيجة لانه التزام بنقل ملكية واذا لم تتحقق النتيجة ثبت الخطأ، والنتيجة لن تتحقق إلا اذا تم الوفاء في ميعاد معين.

ثالثاً ـ مطالبة الدائن بفوائد التأخير مطالبة قضائية: رعاية لمصلحة المدين، لا يكفي الإعذار لاستحقاق الفوائد، كما حال صور التعويض الأخرى، وانما تشدد القانون بدافع كراهية الربا وتطلب المطالبة القضائية لاستحقاقها، ولا يكتفى بالمطالبة باصل الدين لاستحقاقها وانما ينبغي طلب الفوائد في عريضة الدعوى، ولذلك لا تسري الفوائد إذا كانت عريضة الدعوى باطلة، او سقطت الخصومة أو تركت، او رفعت الدعوى أمام محكمة غير مختصة. الا ان المطالبة القضائية لاستحقاقها ليست من النظام العام ولذلك يجوز الاتفاق على ما يخالفها، وقد يجري العرف على غير مقتضاها، وقد ينص القانون على عكسها كما سبق البيان.
فقد يتفق الطرفان على سريان الفوائد الاتفاقية من تاريخ ثبوت الدين في ذمة المدين، او من وقت الاعذار، او منذ حلول الاجل، اما الفوائد القانونية فيبقى الاصل في سريانها المطالبة القضائية اذ لا وجود للاتفاق بشأنها.
وقد يحدد العرف ميعاد سريانها كما هو الحال في الحساب الجاري ومن وقت الخصم والإضافة.

ب ـ شروط استحقاق الفوائد التعويضية: تستحق الفوائد التعويضية عند توافر شرطين هما:
اولاً ـ أن يكون محل الالتزام مبلغاً من النقود معلوم المقدار وقت نشوء الالتزام: ولا تختلف الفوائد التعويضية عن الفوائد التأخيرية، لأن الفوائد قانونية او تأخيرية لا تستحق الا عند توافر هذا الشرط، وكما سبق البيان.
ثانياً ـ ان يتم الاتفاق عليها بين الطرفين: فاتفاق الدائن مع المدين عليها شرط لاستحقاقها، فلا يلتزم المشتري بدفع الفوائد على الثمن المؤجل، ولا المقترض بدفع فوائد المبلغ المقترض، الا عند الاتفاق عليها، وكذلك يتناول الاتفاق تحديد سعرها على ان لا يتعدى الحد الاعلى الذي قرره القانون.

تحديد سعر الفائدة: تدخل القانون بدافع كراهية الربا في التشريعات كافة، وفي القوانين الإسلامية خاصة، في تحديد سعر الفائدة، فبالنسبة للفوائد القانونية فقد حدد القانون المدنية سعرها وجعله أربعة في المائة في القضايا المدنية وخمسة في المائة في القضايا التجارية، والفوائد القانونية كما سبق البيان هي فوائد تأخيرية يحددها القانون عند عدم الاتفاق على سعرها بين المتعاقدين، والعبرة بالمدين في التمييز بين المسائل المدنية والتجارية، إذ تحتسب الفائدة بالسعر القانوني في المسائل المدنية إذا كان المدين غير تاجر وإن كان الدائن تاجراً والمعاملة تجارية.
اما الفوائد الاتفاقية فقد ترك القانون تحديدها الى إرادة المتعاقدين بشرط ان لا يزيد سعرها على سبعة في المائة ويجوز ان تقل عن السعر القانوني طبقا لما تم الاتفاق عليه.

جواز تخفيض سعر الفائدة او إسقاطها: يجوز تخفيض سعر الفائدة او الحكم بعدم استحقاقها في حالات ابتغى فيها المشرع العراقي محاربة الربا الفاحش، هي:

أولاً ـ الفائدة المستترة: اية عمولة او منفعة اياً كان نوعها اشترطها الدائن، إذا زادت هي والفائدة المتفق عليها على الحد الأقصى المتقدم ذكره، تعتبر فائدة مستترة وتكون قابلة للتخفيض إذا ثبت ان هذه العمولة او المنفعة لا تقابلها خدمة حقيقية يكون الدائن قد أداها ولا تقابلها منفعة مشروعة.

ثانياً ـ تسبب الدائن بخطئه في إطالة أمد النزاع: تطبيقاً لنظرية التعسف في استعمال الحق، اذا تسبب الدائن وهو يطالب بحقه في إطالة امد النزاع بخطئه، فللمحكمة ان تخفض الفوائد، قانونية كانت ام اتفاقية، او لا تقضي بها اطلاقاً عن المدة التي طال فيها النزاع دون مبرر.

ثالثاً ـ الفوائد على متجمد الفوائد، او الفوائد المركبة: وتعني الفائدة المركبة إضافة الفوائد المستحقة الى رأس المال، وتقاضي فوائد قانونية او اتفاقية على المبلغ الجديد، وبالنظر الى ما تنطوي عليه من تضخم للدين فقد حرمتها القوانين الحديثة ومنها قانوننا.ويستثنى من ذلك التحريم ما جرت عليه القواعد والعادات التجارية.

رابعاً ـ زيادة مجموع الفوائد على رأس المال: لا يجوز ان يتجاوز مجموع الفوائد التي يتقاضها الدائن اتفاقية كانت ام تأخيرية على مقدار رأس المال. فإن تجاوزه التزم المدين بدفع ما يساوي رأس المال من فوائد فقط، وع ذلك فان هناك قيدين على هذه القاعدة هما:

اولاً: يصح تجاوز الفوائد مقدار رأس المال إذا جرت القواعد والعادات التجارية على ذلك، فيجوز في الحساب الجاري بمقتضى العرف التجاري زيادة الفوائد على رأـس المال، نظراً لجواز تقاضي الفائدة المركبة فيه.

ثانياً: يصح التجاوز اذا تعددت الصفقات، بشرط ان لا يقع التعدد تحايلاً على حكم القانون، كأن يتم تجزئة الصفقة الى صفقتين تجزئة صورية.

جواز تخطي حدود الفائدة المقررة قانوناً:يجوز تخطي حدود الفائدة المقررة قانوناً في الحالتين الآتيتين:
اولاً: اذا تسبب المدين بغشه أو بخطئه الجسيم في الحاق ضرر بالدائن يجاوز في مقداره الفوائد المستحقة، فللدائن ان يطالب بتعويض تكميلي يضاف الى الفوائد القانونية او الاتفاقية.
ثانياً: جواز ان يتجاوز السعر القانوني للفوائد التجارية، السعر الذي حدده القانون في الحساب الجاري.

خصائص الفوائد: تتميز الفوائد بالخصائص الثلاث الآتية:
اولاً: انها تعويض تولى القانون تقديره ولذلك سميت الفوائد بالتعويض القانوني، مدفوعاً بعاملين اولهما ان النقود رأس مال مستثمر يدر النفع دائماً، وثانيهما عدم فسح المجال لاستغلال المدين استغلالاً يتسرب منه الربا الفاحش.
ثانياً: انها تعويض خرج فيه المشرع على القواعد العامة للمسؤولية المدنية تأثراً بطبيعة النظام الاقتصادي المعاصر.
ثالثاً: انها تعويض تمادى المشرع في التدخل في نطاقه إمعاناً في محاربة الربا.
***************************
الفصل الثالث
حق الضمان العام ووسائل المحافظة عليه

اذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه اختياراً، أمكن جبره على التنفيذ الجبري، عينياً كان أم بطريق التعويض، فلم يعد الالتزام علاقة بين شخصين، وانما تغيرت النظرة إليه فأضحى علاقة بين ذمتين. والذمة المالية للمدين هي الضمان العام لحقوق الدائنين كافة.
والذمة المالية للمدين تعني مجموع ما للشخص من حقوق موجودة أو قد توجد والتزامات ناشئة أو قد تنشأ. فهي تشمل الحقوق والالتزامات الموجودة وما سيوجد منها في المستقبل، وهذا ما يفسر قدرة الدائن على التنفيذ على مال للمدين لم يكن يملكه وقت نشوء الدين، وعدم استطاعته التنفيذ على مال خرج من ملك المدين وقت التنفيذ وكان من عناصر ذمته وقت نشوء الحق، كما يفسر عدم انقضاء الدين الا بقدر ما يسدد منه، فإذا نفذ الدائن على أموال المدين ولكن الدين لم يسدد كاملاً فأن كل ما سيئول الى المدين من مال مستقبلاً سيدخل في ضمان الدائن ويستطيع التنفيذ عليه. وطبيعي ان الدائن يقتضي حقه من العناصر الموجبة من الذمة المالية للمدين وهي الحقوق، بينما تمثل الالتزامات العناصر السالبة من ذمته، فأي دين من ديون المدين تضمنه جميع أمواله. وعبرت المادة 260 مدني عن ما تقدم بقولها (أموال المدين جميعاً ضامنة للوفاء بديونه).

خصائص الضمان العام واختلافه عن الضمان الخاص أو التأمين العيني:

تعتبر اموال المدين ضماناً عاماً لحقوق الدائنين كافة. ويسمى الدائن بحق شخصي دائناً عادياً، تمييزاً له عن الدائن بحق عيني ، كالدائن المرتهن، الذي يتمتع بضمان خاص إضافة الى الضمان العام.
ويتميز الضمان العام بالخصائص الثلاث الآتية:

اولاً ـ انه لا يخول حق افضلية لدائن عادي على غيره: فالدائنون كافة متساوون قانوناً في هذا الضمان العام إلا من كان له حق التقدم طبقاً للقانون. وهذا يعني، ان لكل دائن الحق في ان ينفذ على أي مال للمدين لا فرق بين الدائن العادي وبين الدائن المرتهن أو صاحب حق امتياز. وللدائنين الآخرين التدخل في الاجراءات التي اتخذها احدهم ومشاركته في حصيلة اجراءاته لاستيفاء حقوقهم منها فيقسم ما ينتج عن التنفيذ على مال المدين فيما بينهم. وإن لم يكف الثمن للوفاء بحقوقهم كاملة فيقسم بينهم قسمة غرماء، أي بنسبة دين كل منهم الى مجموع الديون.
وإذا كان لأصحاب الحقوق العينية التبعية، كالدائن المرتهن والدائن الممتاز، حق التقدم على غيرهم من الدائنين العاديين، فإن ذلك لا يمس طبيعة الضمان العام، وإنما يترتب على ما لهم من ضمان خاص يخولهم حق التقدم على الدائنين العاديين في اقتضاء حقوقهم من ثمن المال الذي ورد عليه الحق العيني وأصبح تأميناً عينياً لاستيفائه.

ذلك لأن لصاحب الحق العيني التبعي ضمانان. احدهما عام يتمثل في جميع اموال المدين. وثانيهما خاص، وهو الذي ورد عليه حقه العيني التبعي كدار للمدين مرهونة لصالحه، يخوله حق التقدم في استيفاء حقه منه قبل غيره من الدائنين العاديين، واذا لم يكف ثمنه لإيفاء حقه كاملاً، انقلب الى دائن عادي بالنسبة لما تبقى من حقه وتساوى وغيره من الدائنين في الضمان العام.

ومما يذكر، ان المقصود من نص القانون على المساواة بين الدائنين، هي المساواة القانونية وليست المساواة الفعلية، فإذا بادر بعض الدائنين الى التنفيذ بتوافر شروطه فأنهم يقتضون حقوقهم دون ان يشاركهم غيرهم من الدائنين في ثمرة التنفيذ. ذلك ان التنفيذ يتطلب شرطين، اولهما: ان يكون حق الدائن مستحق الأداء وغير متنازع في وجوده وفي مقداره، وثانيهما: ان يكون بيد الدائن سند تنفيذ، ومن لا يتوفر فيه ذلك لا يشارك غيره في إجراءات وحصيلة التنفيذ.

ثانياً ـ انه لا يخول الدائن العادي حق تتبع ما يخرج من ملك المدين من مال: فلا يستطيع الدائن العادي ملاحقة مال المدين الى أي يد انتقل اليها. ذلك لأن حقه يترتب في ذمة المدين المالية دون ان ينصب على مال معين تجوز ملاحقته. فإذا خرج المال من ملك المدين بالبيع مثلاً، سرى البيع في مواجهة الدائن ولا يستطيع التنفيذ عليه. وفي ذلك يختلف الضمان العام عن الضمان الخاص او التأمين العيني. ففي الضمان العام تتحدد اموال المدين التي يجوز التنفيذ عليها بما يملكه وقت التنفيذ، ولا سبيل للدائن الى ما خرج من ملك مدينه من مال قبلئذ، اما في الضمان الخاص فيتعلق الحق بمال معين بذاته تجوز ملاحقته متى انتقل من يد لأخرى.

ثالثاً ـ انه لا يخول للدائن حق التدخل في ادارة المدين أمواله والتصرف فيها: فحق المدين في إدارة امواله والتصرف فيها لا يتأثر بكثرة ديونه او بتعدد دائنيه، وإنما يظل حقه قائماً حتى تتخذ إجراءات التنفيذ، أو يصدر الحكم بحجره عن التصرف في امواله إذا اعتبر مفلساً. ويستوي الضمان العام والضمان الخاص من حيث الحيلولة دون المدين والتصرف في امواله، ولكنهما يختلفان من حيث التأثير على مدى قدرته على التصرف فيها. ذلك لأن الضمان الخاص يثقل مال المدين ويفرض قيوداً على التصرف في المال الذي قدمه ضماناُ خاصاً لإستيفاء دين ما.

ـ وسائل حماية حقوق الدائنين: لا تبدو اهمية الضمان العام الا عند الشروع باجراءات التنفيذ على اموال المدين، اما قبلها فيكون المدين حراً في إدارة أمواله والتصرف فيها، وعليه فان مصلحة الدائنين تقتضي المحافظة على اموال المدين والإبقاء على ذمته المالية مليئة كي يتمكنوا من التنفيذ عليها، ولذلك كان لابد للقانون من تأكيد هذا الضمان بحماية الدائن ضد إهمال المدين او ضد تصرفاته المنطوية على الغش في الفترة السابقة على التنفيذ لما يترتب على تصرفاته تلك من أضرار بالدائنين وإنقاص الضمان العام لحقوقهم، فقرر وسائل مختلفة لتحقيق هذا الغرض، وتعرف هذه الوسائل بأسم الوسائل الممهدة للتنفيذ.

والوسائل الممهدة للتنفيذ تقف وسطاً بين الوسائل التحفظية، التي ترمي الى مجرد المحافظة على اموال المدين كوضع ختم على أمواله او قطع تقادم بالنسبة لحقه …، وبين الوسائل التنفيذية التي تهدف الى التنفيذ على اموال المدين، وانما تقصد التمهيد للتنفيذ دون ان تستغرقه بهدف تسهيل استيفاء الدائنين لحقوقهم عن طريق التغلب على اهمال المدين وغشه.

ـ حصر الوسائل الممهدة للتنفيذ: نشأت هذه الوسائل عن أصل واحد هو مبدأ الضمان العام الذي يفيد بأن كل دين من ديون المدين تضمنه جميع أمواله وان للدائن الحق في الرقابة على اموال مدينه ليأمن على ضمانه العام من الانتقاص، وهي وسائل متنوعة ذكر مشرعنا خمساً منها، هي دعاوى ثلاث: هي الدعوى غير المباشرة ودعوى عدم نفاذ تصرف المدين في حق الدائن ودعوى الصورية . وإجراءان: وهما الحق في الحبس للضمان والحجر على المدين المفلس، وندرسها تباعاَ.

المبحث الأول
الدعوى غير المباشرة

نصت المادة 316 على انه (يجوز لكل دائن، ولو لم يكن حقه مستحق الأداء، ان يستعمل حقوق هذا المدين إلا ما تعلق منها بشخصه خاصة أو كان غير قابل للحجز، ولا يكون استعمال الدائن لحقوق مدينه مقبولاً إلا إذا اثبت أن المدين لم يستعمل هذه الحقوق، وان إهماله في ذلك من شأنه ان يسبب إعساره او ان يزيد في هذا الإعسار). ونصت المادة (262) على انه (يعتبر الدائن في استعماله حقوق مدينه نائباً عن هذا المدين. وكل فائدة تنتج من استعمال هذه الحقوق تدخل في اموال المدين وتكون ضماناً لجميع دائنيه).

غرض هذه الدعوى: حماية الدائنين من الضرر الناشئ عن إهمال المدين في استعمال حقوقه لعلمه ان أثر الإهمال لن يصيبه وإنما سيلحق بدائنيه وانه لن يستفيد من استعمالها لان نتيجتيها ستؤول إلى ذمته المالية ويستوفي الدائنين حقوقهم منها.

طبيعة هذه الدعوى: تقف هذه الدعوى وسطاً بين الوسائل التحفظية والوسائل التنفيذية، فهي لا ترمي الى مجرد الحفاظ على أموال المدين، وإنما تهدف الى استعمال حق قصر المدين في استعماله إهمالاً أو تعمداً، كما ان مباشرة الدائن لها لا تعتبر تنفيذاً لحقه ولا وسيلة لاستيفائه، وإنما هي للتنفيذ فحسب، فيكون في وسع الدائن استيفاء حقه منه مع بقية الدائنين باللجوء الى وسائل التنفيذ.
وهي دعوى لان الدائن يستعمل حقوق مدينه نيابة عنه ، وهي غير مباشرة لان الدائن يقتضي حقه بطريق غير مباشر هو العمل على المحافظة على عناصر الضمان العام للتنفيذ عليها فيما بعد، ولأن الدائن يستعمل حقوقه نيابة عنه دون وجود علاقة قانونية مباشرة بين الدائن ومدينه.

أساس الدعوى القانوني: تقوم هذه الدعوى على اسس ثلاثة، هي:
اولاً ـ حق الضمان العام، وما يفيده من اعتبار اموال المدين ضامنة للوفاء بديونه، وحماية الدائن من نقص العناصر الموجبة في ذمة المدين.
ثانياً: وجود مصلحة عاجلة مشروعة للدائن تجيز له استعمال حقوق مدينه اذا ثبت ان عدم استعمال المدين لها يسبب إعساره او الزيادة فيه.
ثالثاً: نيابة الدائن عن مدينه. وهي نيابة قانونية وليست وليدة اتفاق، ولكنها نيابة من نوع خاص، لأنها بخلاف احكام النيابة مقررة لمصلحة النائب الدائن لا لمصلحة الأصيل المدين ولذلك تطلب القانون إدخال الأصيل خصماً في الدعوى التي يباشرها النائب نيابة عنه.

المطلب الاول
شروط الدعوى غير المباشرة

تبدو شروط هذه الدعوى على نوعين اولهما الشروط الموضوعية وهي ثلاث فئات وثانيهما الشروط الإجرائية وهما شرطان:

الشروط الموضوعية:

اولاً ـ الشروط الموضوعية المتصلة بحق الدائن: يشترط في حق الدائن ان يكون محققاً مؤكداً وان كان غير معين المقدار على الأقل حتى يستطيع مباشرة هذه الدعوى، فالحقوق تتفاوت من حيث القوة وتتدرج من الضعف الى القوة على النحو الاتي: 1ـ الحق غير المحقق وهو الحق الاحتمالي او الحق المتنازع فيه. وهو اضعف الحقوق. 2ـ الحق غير المحقق غير المقدر، كالحق في التعويض قبل تقديره. 3ـ الحق المحقق المقدر. 4 ـ الحق المستحق الأداء اي غير المؤجل. 5ـ الحق الواجب التنفيذ، اي الثابت في سند تنفيذ، وهو اقواها.

واكتفى المشرع في حق الدائن، سواء كان دائناً عادياً أو دائناً مرتهناً او له حق امتياز، ان يكون محققاً مؤكداً وان كان غير معين المقدار حتى يستطيع مباشرة هذه الدعوى، وعليه فللمتضرر من عمل غير مشروع ان يستعمل حقوق مدينه قبل صدور الحكم بالتعويض له، ولا يجوز استعمالها من كان حقه احتمالياً كحق الوارث قبل موت المورث او كان حقه متنازعاً فيه، كما يجوز مباشرتها وان كان الحق مقترن بأجل واقف او فاسخ او معلق على شرط فاسخ، اما الحق المعلق على شرط واقف فلا يجوز مباشرتها لانه غير محقق الوجود لان وجوده رهن بتحقيق الشرط.

ثانياً ـ الشروط الموضوعية التي ترجع الى المدين: وهما شرطان يردان الى فكرة المصلحة المشروعة العاجلة للدائن.
اولهما ـ تقصير المدين في عدم استعمال حقه: قد يعمد المدين الى عدم استعمال حقه نكاية بالدائنين، وقد ينتج عن اهمال، وعبء اثبات التقصير على عاتق الدائن، ويكفي اثباته ان المدين قد تأخر في استعمال حقه عن الوقت الذي لا يسمج الرجل المعتاد لنفسه ان ينقضي دون استعمال الحق، كإثباته انه تراخى في رفع الدعوى، او انه رفعها وتوقف عن الاستمرار بها، وللمدين نفي تقصيره بأن يثبت مثلاً ان في الوقت متسعاً لمباشرة حقه او انه ينشط بعد إهمال ويتولى مباشرة الدعوى بنفسه بدل الدائن، او ينهي هذه الدعوى اذا اتفق مع مدينه على إنهاء النزاع صلحاً.

وللدائن ان يطعن بالصلح بدعوى عدم نفاذ تصرف المدين بحق دائنه إذا انطوى الصلح على إضرار به.

ثالثاً: ان يتسبب عدم استعمال المدين لحقه في إعساره او في زيادة إعساره: والمقصود هنا هو الإعسار الفعلي وليس الإعسار القانوني، ويراد بالإعسار الفعلي زيادة ديون المدين على حقوقه مما يحول بين الدائن وبين استيفاء حقه كاملاً عند التنفيذ. اما الاعسار القانوني فيتطلب حكماً وإجراءات معينة.

وحسب المادة 261، يشترط ان ينطوي تقصير المدين على إضرار بالدائن، كأن يتسبب في إعساره او الزيادة في إعساره، فان كان المدين موسراً امتنع استعمال الدائن لحق مدينه وان ادى ذلك الى ضياع الحق، وكذلك الحال اذا كان للدائن تأمين عيني يضمن الوفاء بحقه، وتنتفي مصلحة الدائنين كافة في إقامة هذه الدعوى اذا انصبت على استرداد عين مثقلة بحقوق رهن تستغرق قيمتها، وعلى الدائن عبأ اثبات الاعسار او الزيادة فيه.
الشروط الموضوعية المتصلة بالحق الذي يستعمله الدائن: الاصل ان كل ما يقع في الضمان العام للدائنين من دعاوى وحقوق يستطيع الدائن استعمالها باسم المدين عند توفر شروط الدعوى، فللدائن ان يقطع التقادم ضد المدين، وان يسجل عقود الشراء والرهن المترتبة له، وان يطعن بالاحكام الصادرة ضده، وله ان يباشر كل ما من شأنه صيانة حقوق مدينه من الضياع سواء كانت حقوقاً شخصية او عينية.

الا انه ينبغي ان يكون ما يستعمله الدائن باسم مدينه حقاً وليس مجرد رخصة، والرخصة لا تمثل قيمة مالية وإنما هي مكنة اكتساب الحق وليست حقا، كمكنة أخذ عقار بالشفعة او قبول هبة. ذلك لان استعمال المكنة يكون رهناً بمشيئة صاحبها.ً ويجب ان يكون حقاً مالياً، اما الحقوق غير المالية فلا شأن للدائنين بها، كالحقوق العامة وحقوق الاسرة وإن ترتب على استعمالها كسب حقوق مالية، فليس للدائن رفع دعوى طلاق نيابة عن مدينه وان ادى ذلك الى تخفيف عبأ مالي عنه، ولا يجوز للدائن استعمال الحقوق المتصلة بشخص المدين والتي تقوم على اعتبارات ادبية لان تقديرها يناط بالمدين وحده كحق الواهب في الرجوع في الهبة، وكذلك ليس للدائن استعمال ما لا يجوز حجزه او اذا كانت العين مرهونة لضمان دين يجاوز مقداره قيمتها لانعدام مصلحته.

الشروط الاجرائية: ويقصد بها الإجراءات الواجب إتباعها لمباشرة الدعوى غير المباشرة، وهما شرطان، يتعلق احدهما بالدائن، ويتصل ثانيهما بالمدين.

اولاً ـ وجوب ان يستعمل الدائن حق المدين باسم المدين: وهو ما اشترطته المادة 261 واعتبرت الدائن نائباً عن مدينه وعليه ان يباشرها بإسم المدين كأي نائب يباشر حقوق الأصيل فان باشرها باسمه ردت دعواه لانعدام الصفة، ولا يشترط ذكر ذلك في عريضة الدعوى اذا ادركت نيابته من فحوى العريضة. الا ان نيابة الدائن هنا تتميز بثلاث صفات: اولها، انه يستمدها من القانون، فهي نيابة قانونية، وثانيتها، انها نيابة مفروضة على الاصيل لمصلحة الدائن، وثالثاً، انها نيابة تقتصر على استعمال الحق دون التصرف فيه.

ثانياً: وجوب إدخال المدين خصماً في الدعوى: ذلك لأن الحكم الصادر بها لا يسري في حق المدين، ولا يحوز حجية الشيء المحكوم فيه بالنسبة اليه والى الدائنين كافة إلا إذا كان المدين خصماً في الدعوى. فإذا أهمل الدائن ذلك، جاز للمدين ان يدخل فيها من تلقاء نفسه، وجاز لمدين المدين طلب إدخاله، وجاز للمحكمة ان تدخله من تلقاء نفسها.محاظرات الاستاذ فارس حامد عبد الكريم

المطلب الثاني
اثار الدعوى غير المباشرة

اولاًـ اثار هذه الدعوى بالنسبة الى المدين وهو الاصيل: لا يترتب على رفع هذه الدعوى من قبل الدائن حرمان المدين من التصرف في الحق الذي يستعمله الدائن نيابة عنه. فيظل حر التصرف فيه فإن كان له حق عيني على شيء جاز له بيعه او هبته، وان كان حقه ديناً جاز له حوالته، وله ان يتصالح على الحق او ان ينزل عنه ديناً او عيناً، وللمدين ان يستوفي حقه من مدينه وقد يخفيه ويعتبر الوفاء صحيحاًً. وله ان يقضيه بالتجديد او المقاصة او الإبراء، سواء قبل رفع الدعوى او بعدها، ويكون تصرف المدين نافذاً في حق الدائن ولمدين المدين التمسك به في مواجهة الدائن. إلا ان للدائن حق الطعن في تصرفات مدينه بدعوى عدم نفاذ تصرف المدين في حق دائنه.

ثانياً ـ اثار هذه الدعوى بالنسبة الى الخصم وهو مدين المدين: يعتبر الدائن في مواجهة الخصم نائباً عن المدين، ولذلك يستطيع الخصم ان يدفع في مواجهته بجميع الدفوع التي يستطيع ان يدفع بها في مواجهة دائنه، وهو مدين الدائن رافع هذه الدعوى. كالدفع بانقضاء الالتزام بأحد اسباب انقضائه كالوفاء او التجديد او المقاصة او التقادم، سواء وقع السبب قبل رفع الدعوى او اثنائها. وله ان يدفع ببطلان التصرف المنشئ للحق موضوع الدعوى، او التمسك بإجازة المدين للتصرف ولو وقع بعد رفع الدعوى، والتمسك باي اتفاق بينه وبين المدين كالصلح او التنازل.
وللخصم ان كان له مصلحة في الوفاء ان يوفي للدائن ما ترتب له في ذمة المدين فيتوقف عن الدعوى لزوال صفته.

ولما كان الدائن نائباً عن المدين فليس له حق اكثر مما للمدين نفسه. فلا يجوز له ان يسلك طريقاً من طرق الاثبات ليس في وسع المدين ان يسلكه لو رفعت الدعوى من قبله، كما وليس للخصم ان يدفع بدفوع خاصة بشخص الدائن.

ثالثاً ـ آثار الدعوى بالنسبة للدائن ولغيره من الدائنين: حسب المادة 262، لا يستأثر الدائن رافع هذه الدعوى بنتيجتها لوحده، وانما يتعرض لمزاحمة الدائنين في اقتضاء ديونهم من الحق المحكوم به استناداً الى فكرتي الضمان العام والنيابة القانونية.
ذلك ان نيابة الدائن في هذه الدعوى تقتصر على استعمال الحق دون التصرف فيه، فان صدر الحكم لصالحه كان حكماً لصالح المدين ويكون عنصراً من عناصر ذمته المالية التي تعتبر ضماناً عاماً لحقوق الدائنين كافة، وعندئذ يفيد منها جميع الدائنين سواء من دخل منهم خصماً في الدعوى او من لم يدخل فلهم جميعاً حق التنفيذ على الحق المحكوم به واقتسام تمنه بينهم قسمة غرماء إن لم يكف للوفاء بحقوقهم كاملة، وقد يكون لأحدهم حق التقدم على غيره بسب ان له رهن او حق امتياز، فيتقاضى حقه قبل غيره وقد يستغرق الوفاء بحقه مال المدين فيحرم رافع الدعوى من استيفاء حقه.
يتضح ان رفع هذه الدعوى لا يقرر امتيازاً لرافعها على غيره من الدائنين، ومن ثم عليه ان يحتاط ويتفادى مزاحمة الدائنين له فيتخذ إجراءات التنفيذ مع إجراءات هذه الدعوى ليتمكن من الاستيلاء على ما يحكم له به والتنفيذ عليه.
**********************

المبحث الثاني
دعوى عدم نفاذ التصرفات في حق الدائن

تعرف هذه الدعوى بإنها: دعوى يقيمها الدائن للطعن في التصرفات الضارة به والصادرة من مدينه المعسر بقصد حمايته من غشه والمحافظة على الضمان العام لحقوق الدائنين، عن طريق المطالبة بإعتباره من الغير بالنسبة لأثر هذه التصرفات حتى لا تكون نافذة بحقه.

اصل الدعوى وطبيعتها والحكمة منها: سميت هذه الدعوى البولصية نسبة الى القاضي الروماني بولص الذي ابتدعها. وهي من حيث الطبيعة، وهي دعوى لا تفضي الى بطلان التصرف الذي يجريه المدين، وإنما تؤدي الى عدم سريان تصرف المدين في حق دائنه. ويظل تصرف المدين قائماً بينه وبين من صدر اليه التصرف.

والحكمة من هذه الدعوى مزدوجة، فهي تهدف الى المحافظة على الضمان العام لحقوق الدائنين. كما تهدف الى حماية الدائنين من غش المدين المعسر عن طريق المطالبة بعدم سريان اثر تصرفه في مواجهتهم كي لا يضاروا به. لأن المدين قد يعمد الى القيام بتصرفات تلحق ضرراً بدائنيه، فقد يبيع امواله الظاهرة ويخفي ثمنها، او يحابي اقربائه واصدقائه فيبيعهم أمواله بثمن بخس او يهبهم اياها … .
مقارنة بين دعوى عدم تفاذ تصرف المدين والدعوى غير المباشرة: تتماثل كلتا الدعويان في أمرين وتختلفان في أمور ثلاثة: اما أوجه التشابه فهي:
اولاً: ان كلتيهما تهدفان الى المحافظة على الضمان العام لحقوق الدائنين.
ثانياً: ان كلاً منهما دعوى ترفع على مدين معسر صدر منه تصرف يلحق ضرراً بدائنيه.
اما اوجه الاختلاف فهي:
أولاً : ان دعوى عدم النفاذ ترمي الى حماية الدائن من غش المدين وتهريب امواله من متناول دائنيه.
بينما ترمي الدعوى غير المباشرة الى وقاية الدائن من اهمال مدينه في المحافظة على حقوقه.
ثانياً: ان الدائن يرفع دعوى عدم النفاذ باسمه ويخاصم فيها مدينه ومن صدر إليه تصرف المدين.
بينما في الدعوى غير المباشرة يقيم الدائن الدعوى باسم مدينه ويستعمل فيها حقوقه نيابة عنه ليخاصم فيها غيره.
ثالثاً: اثر دعوى عدم النفاذ ينصرف الى الدائنين. بينما ينصرف اثر الدعوى غير المباشرة الى المدين وتئول نتيجتها إليه مباشرة وإن أفاد منها دائنوه بصورة غير مباشرة.
ـ تقادم دعوى عدم نفاذ تصرف المدين في حق الدائن: لا تسمع دعوى عدم نفاذ تصرف المدين في حق الدائن بعد انقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه الدائن بسبب عدم نفاذ التصرف. ولا تسمع في جميع الأحوال بعد انقضاء خمس عشرة سنة من وقت صدور التصرف.

المطلب الأول
شروط دعوى عدم نفاذ تصرف المدين في حق الدائن

يتضح من نصوص القانون المدني العراقي (263 ، 264 ، 265 )، أن شروط هذه الدعوى على ثلاثة أنواع:

اولاً ـ الشروط التي ترجع الى الدائن وتتصل بحقه: وهما شرطان:
أ ـ ان يكون حق الدائن مستحق الأداء: ومفاد ذلك، انه عند الحكم بهذه الدعوى سيحصل الدائن على سند تنفيذ
مما يعني ان مباشرة هذه الدعوى تقتضي أن يكون حق الدائن قابلاً للتنفيذ به إذا تم ثبوته في سند تنفيذ، وهو يكون كذلك إذا كان مستحق الأداء.
ب ـ ان يكون حق الدائن سابقاً على التصرف المطعون فيه: ذلك لسببين:
اولهما: انه ليس للدائن ان يتظلم من تصرف اجراه المدين، إلا اذا كان المال محل ذلك التصرف موجوداً في ذمة المدين وقت نشوء حق الدائن.
ثانيهما: من المتعذر تصور غش المدين إلا اذا كان حق الدائن سابقاً على تصرفه، فلا يجوز لشخص أن يطعن في تصرف مدين لم يكن دائناً له وقت نشوء التصرف، لتعذر الادعاء بأن المدين قصد من تصرفه الاضرار به. والعبرة في احتساب اسبقية حق الدائن على التصرف المطعون فيه، بتاريخ وجود الحق لا بتاريخ استحقاقه، وعبأ اثبات الاسبقية يقع على عاتق الدائن، لانه المدعي وهو المكلف بإثبات شروط هذه الدعوى.

ثانياً ـ الشروط المتعلقة بالتصرف المطعون فيه: ينبغي ان يكون العمل المطعون فيه والصادر من المدين عن غش، تصرفاً قانونياً سواء صدر من جانب واحد كالإبراء والوفاء والتنازل والوقف او صدر من الجانبين كالعقد، سواء كان ملزماً لجانب واحد كالهبة او ملزماً للجانبين كالبيع، او كان العقد معاوضة كالقسمة او تبرعاً كالقرض والهبة دون عوض، اما اذا وقع البيع او الهبة في مرض الموت كان حكمهما حكم الوصية ويعتبران غير نافذين دون حاجة للطعن بهما بهذه الدعوى.
اما العمل المادي، كالعمل غير المشروع والتزام المدين بدفع تعويض عنه، فلا يجوز الطعن به وان ادى الى اعسار المدين او زيادة اعساره، لانه نافذ قانوناً بحق المدين. ويشترط في التصرف لإمكان الطعن فيه بهذه الدعوى شرطان:
اولهما ان يكون مفقراً للمدين وثانيهما ان يكون ضاراً بالدائن:
اولاً ـ ان يكون التصرف مفقراً للمدين: أن تصرفات المدين من حيث تأثيرها على ذمته المالية على أربعة انواع:
1ـ ان يمتنع المدين في تصرفه عن تقوية ذمته المالية بالامتناع عن زيادة حقوقه، كرفضه هبة عرضت عليه.
2ـ ان يمتنع المدين في تصرفه عن تقوية ذمته المالية بالامتناع عن إنقاص التزاماته،كرفضه إبراء من دين في ذمته.
3ـ ان ينقص بتصرفه من حقوقه، كتصرفه بعين يملكها بالبيع او الهبة.
4ـ ان يزيد بتصرفه من التزاماته، كأن يقترض مالاً او يشتري عيناً بأكثر من قيمتها.
وما يعتبر تصرفاً مفقرا للمدين هو النوعين الأخيرين.

ثانياً ـ ان يكون التصرف ضاراً بالدائن: إذا انتفى الضرر انعدمت مصلحة الدائن وتعذر عليه رفع هذه الدعوى. ويقصد بالضرر الحيلولة دون استيفاء الدائن لحقه كاملاً، ومع ذلك فليس كل تصرف يصدر من مدينه ويؤدي اى اعساره او زيادة اعساره يلحق ضرراً بدائنيه إلا اذا توفرت فيه ثلاثة أمور:

اولاًـ ان يرد التصرف على حق يفيد الدائن: ويقصد به الحق الذي يعتمد عليه الدائن في استيفاء دينه منه، فإن لم يكن الحق مفيداً له انعدمت مصلحته في الطعن بتصرف مدينه لعدم تضرره منه. ويكون الحق مفيداً للدائن في الأحوال الآتية:
1ـ إذا كان من الجائز التنفيذ عليه، فما لا يجوز حجزه لا فائدة للدائن من الطعن به، كالنفقة ونسبة معينة من الراتب.
2ـ ان لا يؤدي الطعن الى استعمال حق متصل بشخص المدين، فلا فائدة من الطعن بتنازل المدين عن حقه في التعويض الأدبي او الرجوع في الهبة لعدم إمكان الدائن استعماله ولو نجح بإعادته للمدين لانه متعلق بشخصه.
3ـ ان لا تنعدم مصلحة الدائن في الطعن بالتصرف، فلو تصرف المدين بمال مرهون لغير الدائن وكانت قيمة الرهن تتجاوز قيمة المال، فليس للدائن مصلحة في الطعن بالتصرف.

ثانياً: ان يكون هذا التصرف تالياً في صدوره لنشوء حق الدائن: وقد سبق الاشارة له عند الكلام عن الشروط المتصلة بحق الدائن.

ثالثاً: أن يؤدي التصرف الى إعسار المدين أو الى زيادة في اعساره: والمراد بالإعسار هنا هو الإعسار الفعلي، ويعني ان لا يكون للمدين من الاموال الظاهرة التي تقبل التنفيذ عليها ما يكفي لتسديد ديونه المستحقة الاداء، والراجح في الاعسار الفعلي ان تكون الديون مستحقة الاداء قياساً على الاعسار القانوني. ويجب ان يؤدي تصرف الدين الى اعساره اذا كان المدين موسراًَ قبل تصرفه، او ان يؤدي الى زيادة اعساره اذا كان معسراً قبل صدوره، كالوفاء بدين قبل استحقاقه والهبة والبيع بثمن بخس او بثمن جدي اخفاه او بدده. ولذلك لا يعتبر تصرف المدين ضاراً بدائنه اذا لم يجعل المدين معسراً وقت صدوره وان تحقق اعساره بسبب لاحق. كما يمتنع على الدائن الطعن بتصرف مدينه إذا كان معسراً وتصرف بعوض لم يؤد الى زيادة اعساره او ادى الى اعساره ولكنه اصبح موسراً قبل رفع الدعوى كأن تلقى هبة او ميراثاً، اذ يشترط ان يبقى المدين معسراً الى وقت رفع الدعوى حتى تبقى للدائن مصلحة في رفعها. أما عبأ إثبات الاعسار فقد وزعته المادة 265 مدني عراقي بين الدائن والمدين بقصد تيسير الاثبات على الدائن خلافاً لقاعدة (البينة على المدعي) وهو هنا الدائن، فإذا ادعى الدائن إعسار المدين فعليه ان يثبت مقدار ما في ذمته من ديون، وعلى المدين أن يثبت أن له مالاً يساوي قيمة الديون أو يزيد عليها.

ثالثاً ـ الشروط التي ترجع الى المدين وخلفه: اشترطت المادة 264 م. ع صدور التصرف عن غش وتواطؤ إذا كان معاوضة ولم يشترط توافرها في تبرعات المدين. أما الغش فيقصد به نية الإضرار بالدائن وقت صدور التصرف، أما التواطؤ فيعني توافر قصد الغش لدى كل من المدين ومن صدر له التصرف وقت صدوره.
ويعتبر الغش من ابرز شروط هذه الدعوى لأن الغش لن يتحقق إلا إذا صدر من المدين تصرف ضار بدائن كان حقه مستحق الأداء وثابتاً له قبل صدور التصرف لأنه تسبب في اعساره أو في زيادته ويعتبر العنصر النفسي في هذه الدعوى فهو الباعث على تصرف المدين، ليقابل عنصر الضرر الذي يعتبر العنصر المادي فيها.
ويختلف الغش في هذه الدعوى عن التدليس، وإن كانا تطبيقين للنظرية العامة في الغش، في أمور ثلاثة:
1ـ ان التدليس يقترن بطرق احتيالية، اما الغش فإنه لا يقترن بها.
2ـ ان التدليس يوجه الى المتعاقد الآخر بقصد الإضرار به، اما الغش فيوجه الى الغير وهو الدائن في هذه الدعوى.
3ـ ان جزاء التدليس فهو ابطال العقد اذا تحقق عند تكوين العقد ويكون تعويضاً إذا كان تدليساً عند تنفيذه، اما جزاء الغش في هذه الدعوى فهو عدم نفاذ تصرف المدين بحق دائنه.
وقد وقف المشرع العراقي موقفاً خاصاً حيال الغش في هذه الدعوى وفي موضعين: اولهما ـ انه ميز بين المعاوضات وبين التبرعات من حيث اشتراط الغش والتواطؤ في الاولى دون الثانية. ثانيهما ـ انه يسر على الدائن إثباتها في عقود المعاوضات بما اقامه من قرائن.
والحال ان بحث شرط الغش والتواطؤ يقتضينا التمييز بين حالتين:

الحالة الاولى ـ الطعن في التصرف الصادر من المدين الى خلفه: فرق المشرع بين المعاوضات والتبرعات، فأشترط للطعن بالتصرف صدور التصرف عن غش من المدين وعن تواطؤ بينه وبين المتصرف اليه، إذا كان تصرف معاوضة. اما في تبرعاته فقد اكتفى بالشرطين الاولين من شروط الدعوى دون اشتراط الغش والتواطؤ.
وعلة هذه التفرقة، هي المفاضلة بين حق الدائن وحق الخلف، ففي المعاوضة ترتب حق كل منهما بمقابل، ومصلحة الدائن بنزع المال من الخلف تقابلها مصلحة الخلف بالاحتفاظ بالمال الذي دفع عنه عوضا، ولتفضيل مصلحة احدهما على الاخر لابد من عنصر مرجح لأحداهما على الآخرى. وقد وجد مشرعنا في غش المدين وتواطئه مع الخلف العنصر المرجح لمصلحة الدائن.
اما في التبرعات فتقوم المفاضلة بين مصلحة الدائن المتضرر من التصرف ومصلحة الخلف (المتبرع له) الذي تلقى الحق دون مقابل، ونزعه منه يعني فوات مصلحة له دون ان يصيبه ضرر مؤكد، مما ينبغي ترجيح مصلحة الدائن لأن دفع الضرر أولى من جلب المنفعة. وبناءاً على هذه التفرقة قضى المشرع العراقي بالحكمين الآتيين:

اولاً ـ بالنسبة للمعاوضات، يشترط لعدم نفاذ تصرف المدين في حق دائنه غش المدين وعلم الخلف بالغش:
ويقصد بالغش هنا ان يقصد المدين بتصرفه الاضرار بالدائن، وعلى الدائن إقامة الدليل على ان التصرف صدر عن المدين وهو عالم انه يسبب في اعساره او في زيادته، إلا ان للمدين اثبات عكس هذه القرينة بإثبات انه لم يقصد الاضرار بدائنيه بالرغم من علمه بإعساره وانما صدر عن باعث آخر. كتوفير حاجاته الضرورية الاسرية او المهنية.
ويجب ايضاً، إثبات تواطؤ المتصرف له (الخلف) بإثبات علمه بغش المدين،من خلال قرينة قانونية هي إثبات الدائن علم من صدر اليه التصرف وقت صدوره بأنه يسبب إعسار المدين او يزيد في اعساره. أو باثباته ان الخلف كان ينبغي ان يعلم بإعسار المدين، مثلا لوجود صلة قرابة او زواج او صداقة حميمة بينه وبين المدين ً.
الا ان هاتين القرينتين غير قاطعتين، فيمكن للخلف نقض اياً منهما بإثباته حسن نيته وجهله بقصد اضرار المدين بالدائن رغم علمه ان المدين معسر، كإثباته ان التصرف مألوف تقتضيه اعمال مهنته. ويخضع ذلك لتقدير قاضي الموضوع دون رقابة محكمة التمييز.

ثانياً ـ بالنسبة للتبرعات، لا يشترط غش المدين ولا سوء نية الخلف لعدم نفاذ التصرف بحق الدائن:
حيث يكتفى من الدائن للطعن بتصرف مدينه إذا كان تبرعاً أن يثبت ان تصرف المدين أدى الى اعساره او زيادة اعساره دون ان يكلف بإثبات علم المدين بأنه معسر وعلم خلفه بإعساره.
وللتمييز بين المعاوضات والتبرعات في الحالات التي يدق فيها التمييز، فقد أقر الفقه التكييف الآتي:
1ـ يعتبر القرض بفائدة معاوضة، اما القرض بغير فائدة فيعتبر تبرعاً.
2ـ إذا انطوى عقد المعاوضة على غبن فاحش يبدو بسببه تبرعاً، فانه يعتبر معاوضة اذا كان العوض جدياً ليكون الغبن الفاحش قرينة على الغش، ويعتبر تبرعاً إذا كان العوض تافهاً وغير جدي.
3ـ إذا بدا العقد معاوضة من ناحية احد العاقدين وتبرعاً من ناحية المتعاقد الآخر، كعقد الكفالة دون عوض الذي يعتبر تبرعاً للدائن، كان العبرة بتحديد طبيعته هي بالنظر الى الدائن المتصرف له.
4 ـ إذا دخل في الهبة عنصر المعاوضة بحيث تنتفي منها صفة التبرع، اعتبرت معاوضة. كالهبة بعوض ذو قيمة او كانت هبة صادرة اعترافاً بجميل إذا بولغ بقيمتها وانطوت المبالغة على قصد الإضرار بالدائنين.
الحالة الثانية ـ الطعن بتصرف الخلف في الحق الذي تلقاه من المدين الى خلف ثان: إذا اقدم الخلف على التصرف بالحق الذي تلقاه من المدين الى خلف آخر، ولم يكن التصرف الصادر الى الخلف الاول قد حكم بنفاذه، فالحكم في هذه الحالة، كما يأتي:
1ـ إذا كان كل من تصرف المدين وتصرف الخلف معاوضة، فيشترط توافر الغش في جانب كل من المدين والخلف الاول والثاني، كي لا ينفذ التصرف في حق الدائن.
2ـ إذا كان تصرف كل من المدين والخلف الاول تبرعاً، كانا غير نافذين في حق الدائن، دون اشتراط إثبات الغش.
3ـ إذا اختلف التصرفان فكان احدهما معاوضة والآخر تبرعاً، اشترط الغش حيث يكون التصرف معاوضة، واعتبر غير نافذ في حق الدائن دون شرط الغش إذا كان تبرعاً.

صور لدعوى عدم نفاذ التصرف قررها المشرع العراقي:

نص مشرعنا على ثلاث صور لهذه الدعوى لحسم خلاف فقهي بشأنها ولخروج بعضها على القواعد العامة، هي:

اولاً ـ الطعن في تفضيل دائن على آخر دون حق، بتقرير ضمان خاص له: وتعني، ان المدين اذا اعسر قد يلجأ الى تفضيل دائن على آخر بان يقدم له سبباً للتقدم على غيره من الدائنين لم يكن متوفراً له عند نشوء حقه. كأن يقرر له رهن على بعض امواله، سواء تقرر ذلك بمقابل كما لو مد الدائن اجل دينه او حط من قيمته، او تم تقريره تبرعاً.
والحكم في هذه الحالة انه اذا كان المدين قد تلقى مقابلاً نظير تصرفه اعتبر التصرف معاوضة ووجب على الدائن الطاعن في التصرف اثبات غش كل من المدين والدائن المتصرف إليه، أي إثبات ان الضمان الخاص قدم نتيجة تواطؤ بينهما. أما إذا كان تصرف المدين تبرعاً فان الدائن الطاعن لا يكلف بإثبات الغش والتواطؤ. فإذا نجح الدائن في طعنه حرم من قدم له الضمان الخاص من ميزة التقدم واعتبر ما قدم له غير نافذ في حق سائر الدائنين.

ثانياً ـ الطعن في إيثار المدين المعسر أحد دائنيه بالوفاء دون غيره: اجاز مشرعنا الطعن في الوفاء الحاصل من المدين المعسر لأحد دائنيه، الا انه يجب التمييز بين حالتين في الوفاء:
1ـ الوفاء بدين مستحق الأداء: اعتبر مشرعنا الوفاء بدين مستحق الأداء في منزلة المعاوضات لانعدام قصد التبرع فيه، وأشترط لعدم نفاذه في حق باقي الدائنين غش المدين وتواطؤ بينه وبين الموفى له.
2ـ الوفاء بدين مؤجل: فيكون الوفاء بحكم التبرع، إذ لا مقابل فيه للتنازل عن الأجل، ولا ينفذ بحق باقي الدائنين دون حاجة الى اثبات الغش والتواطؤ. فان طعن الدائن في الوفاء ونجح في دعواه وجب على الدائن الموفى له رد ما استوفى وشارك غيره من الدائنين في الضمان العام.
وبهذا يكون مشرعنا بهذا الحكم قد خرج على القواعد العامة لهذه الدعوى، لأن الوفاء لا يعتبر تصرفاً مفقراً للمدين الموفي لانه لا ينقص من حقوقه ولا يزيد من التزاماته، كما ان الوفاء بدين حال لا يستخلص منه تواطؤ الموفى له مع المدين لأن استيفاء الحق غرض مشروع.

ثالثاً ـ الطعن في القسمة التي يجريها الشريك المدين: يحق لدائني أي شريك الطعن في قسمة المال المشاع، إذا ثبت أن القسمة قد تمت إضراراً بحقوقهم. فقد يتفق المدين مع شركائه على ان يفرز لنفسه نصيباً أقل من حصته الشائعة إضعافاً للضمان العام لحقوق دائنيه. وإذ ا حصل ذلك جاز لدائنيه الطعن في القسمة بعد تمامها بهذه الدعوى. وإذا نجحوا في اثبات التواطؤ بين المدين وشركائه من المتقاسمين، عاد المال الذي تقاسمه الشركاء الى الشيوع ثانية، ووجب إعادة إجراءات القسمة لتجري بحضور الدائنين، أو بيع المال بالمزاد العلني ليأخذ الشركاء من ثمنه أنصبتهم وليستوفي دائنوا الشريك من نصيب مدينهم ما لهم من حقوق.

المطلب الثاني
آثار دعوى عدم نفاذ التصرفات في حق الدائن

اولاً ـ آثارها بالنسبة الى الدائن الطاعن في التصرف وإلى غيره من الدائنين: ان رفع الدعوى والاستمرار فيها وانفيذ الحكم الصادر فيها رهن بتوافر صفة الدائن في الطاعن بالتصرف، وإلا انتفت مصلحته في الطعن لإنعدام الضرر. فإن فقد هذه الصفة بعد رفع الدعوى او بعد صدور الحكم تعذر عليه الاستمرار فيها او تنفيذ الحكم الصادر فيها. وهو يفقد هذه الصفة إذا استوفي حقه من المدين او من الخلف تفادياً لتنفيذ الحكم على الحق الذي تلقاه. ومع ذلك يتعذر على الدائن الاستمرار في الدعوى او تنفيذ الحكم ولو لم يفقد صفة الدائن في ثلاث حالات:
اولاً: إذا اصبحت اموال المدين كافية للوفاء بما عليه، لانتفاء شرط إعسار المدين.
ثانياً: إذا اثبت من صدر اليه التصرف إن المدين يملك كالاً كافياً للوفاء بحق الدائن.
ثالثاً: إذا لم يكن الخلف قد دفع الثمن بعد، وكان قريباً من ثمن المثل بإيداعه في صندوق المحكمة.
فأن إستمرت صفة الدائن مع توافر شروط الدعوى الأخرى، حكم القضاء بعدم نفاذ تصرف مدينه بحقه وباعتباره من الغير، مع تعويضه عن الضرر ان كان له مقتضى. الا ان هذا الحكم لا يخوله أي حق على المال محل الحكم وإنما عليه ان يباشر إجراءات التنفيذ وفقاً لقانون التنفيذ ليحصل على حقه.
ولا يترتب على حكم عدم نفاذ التصرف عدم نفاذ التصرفات التي تأسست عليه بحجة ان الخلف لا يملك من الحقوق اكثر من السلف، وان فاقد الشيء لا يعطيه، لان مشرعنا خرج على هذه القاعدة في نطاق هذه الدعوى حماية للغير حسن النية وعملاً بمبدأ استقرار المعاملات، فأشترط الغش في جانب الخلف الثاني او من يخلفه للحكم بعدم النفاذ.
ويترتب على الحكم بعدم نفاذ التصرف ، ما يلي من نتائج:
ـ اذا كان التصرف ينقص من اموال المدين، فإن المال الذي انصب عليه تصرف المدين يعتبر انه لم يخرج من الضمان العام ويستطيع الدائن التنفيذ عليه، فإذا كان التصرف إسقاط حق عيني، كالتنازل عن حق ارتفاق، رجع الحق بالنسبة للدائن، وإذا كان التصرف إبراءاً من دين اعتبر الدين باقياً في ذمة مدين المدين.
ـ اذا كان التصرف يزيد في التزامات المدين، كأقتراضه مالاً أو سدد القرض او شراء عين معينة ودفع الثمن، وجب على المتصرف اليه وهو المقرض أو البائع أن يرد الى المدين ما قبضه لأن التصرف لا يكون نافذا في حق الدائن.
أما اثر الدعوى بالنسبة لباقي الدائنين، فحسب المادة 266 م.ع، انه اذا رفع احد الدائنين هذه الدعوى، جاز لأي من الدائنين الآخرين المستوفين لشروطها ان يتدخل ليستفيد من الحكم الصادر بعدم النفاذ الذي أعاد الحق الى الضمان العام، ولهم ،وان لم يشاركوا في اجراءات الدعوى، ان يشاركوا الدائن الطاعن في التنفيذ على مال المدين.وإذا كان لأحد الدائنين تأمين عيني على المال محل الحكم فانه يتقدم في استيفاء حقه على الدائن الطاعن الذي قد لا ينال شيئاً منه اذا استغرق حق صاحب التأمين العيني قيمة المال الذي عاد للضمان العام. يتضح ان فائدة الحكم بعدم النفاذ تعم جميع الدائنين الذين صدر التصرف المطعون فيه اضراراً بهم.

ثانياً ـ آثارها بالنسبة الى المتعاقدين: لا يترتب على الحكم بعدم نفاذ التصرف بطلان هذا التصرف، فيظل التصرف نافذاً في العلاقة بين المتعاقدين وينصرف اثره الى خلفهما العام او الخاص، ويبقى التصرف نافذا في حق الدائنين الذين لم يطعنوا به او لم يشاركوا في الاجراءات اهمالاً او لعدم توفر شرط الدعوى. ويقتصر اثر الحكم على الدائن الطاعن ومن استفاد منه من الدائنين، ويترتب على بقاء التصرف نافذا بين طرفيه ومن يخلفهما، ان التصرف إذا كان بيعاً ترتبت عليه النتائج التالية:
1ـ يرتب التصرف جميع اثاره إلا ما تعارض منها مع عدم نفاذه بحق الدائنين، فيلتزم المشتري بدفع الثمن ويلتزم البائع بنقل ملكية المبيع وتسليمه وضمانه.
2ـ يعتبر الشيء المبيع ملكاً للمشتري، فإن نفذ عليه الدائن واستوفى حقه وبقي شيء من ثمنه فانه يعد ملكاً للمشتري وتسلم له وان كان سيء النية متواطئاً.
3ـ تنصرف اثار التصرف الى الورثة والخلف الخاص كالمشتري الثاني، فان بقيت فضلة من الثمن بعد التنفيذ ورثها ورثة المشتري لا ورثة البائع.
4ـ يكون التصرف نافذاً بحق دائني المشتري وتنتقل اليهم حقوقه، ولهم ان ينفذوا على العين المبيعة بعد ان يستوفي دائني المدين حقوقهم منها.
التوفيق بين المصالح المتعارضة: لما كان الحكم لصالح الدائن في هذه الدعوى يؤدي الى عدم نفاذ تصرف بحق دائنيه، وإلى بقاء التصرف نافذاً بين المتعاقدين وخلفائهما، فان التعارض بين مصالح من اعتبر التصرف غير نافذ بحقه وبين من اعتبر نافذاً بحقه يبدوا امراً واضحاً، ولذلك لا بد من تطبيق القواعد العامة لمعالجة هذا التعارض. ويترتب على تطبيقها النتائج التالية:
1ـ اذا طعن الدائن بعقد بيع ابرمه مدينه ونجح في دعواه واستوفى دينه من ثمن المبيع، كان للمشتري ان يرجع على المدين (البائع) اما بدعوى ضمان الاستحقاق او بدعوى الكسب دون سبب.
2ـ اذا كان البائع غير المدين، اي ان المبيع انتقل من مشتري اول الى مشتري ثان، فان للمشتري الثاني ان يختار اما الرجوع بدعوى ضمان الاستحقاق على من باعه المبيع، او ان يرجع بدعوى الكسب دون سبب على المدين.
3ـ في العقود الملزمة لجانبين يجوز للخلف الخاص ان يطلب فسخ العقد جزاءاً لعدم التنفيذ، اذا نفذ الدائن على المال محل التصرف.
4ـ اذا كان تصرف المدين تبرعاً كالهبة، فليس للموهوب له بعد الحكم بعدم نفاذ التبرع والتنفيذ على المال المتبرع به الرجوع على المدين بضمان الا إذا اشترط ذلك في التصرف.
5ـ إذا كان التصرف المطعون فيه يزيد من التزامات المدين كعقد القرض، فليس للمقرض ان يشارك الدائنين السابقة حقوقهم على هذا التصرف في قسمة الغرماء، لعدم نفاذ القرض في مواجهتهم وتقدمهم عليه، ولكنه يزاحم الدائن اللاحق حقه لعقد القرض لنفاذ التصرف بالنسبة اليه.
*********************************

المبحث الثالث
دعوى الصورية

تعرف الصورية بأنها: وضع ظاهر غير حقيقي يستر موقفاً خفياً حقيقياً، يقوم على اتفاق مستتر، قد يمحو كل أثر للوضع الظاهر وقد يعدل أحكامه.
فإذا وقعت هبة في صورة بيع او قرض، كان عقد البيع او القرض هو العقد الصوري، اما الهبة فهي العقد الحقيقي ويسمى بورقة الضد.
الغرض من الصورية: يلجأ الشخص للصورية كلما أراد إخفاء حقيقة وضع ما، فقد يلجأ المدين للصورية لإبعاد امواله عن دائنيه، فيتصرف بأمواله عن طريق بيع صوري لا يتخلى به عن ملكية المبيع، ويحتفظ بورقة الضد لإثبات أن التصرف الظاهر لا وجود له في الحقيقة. وقد يقصد الشخص منها أعراض اخرى كإيثار شخص ببعض ماله او التهرب من الضرائب او التحايل على احكام القانون في اوضاع أخرى.
نطاق الصورية: تقع الصورية في نطاق العقد عادة إذا اراد الطرفان اخفاء حقيقة ما تعاقدا عليه، وتتحقق في دائرة التصرف القانوني الصادر من جانب واحد كالتنازل عن حق عيني او الإبراء من دين بشرط ان يوجه لشخص معين لأن الصورية لا توجد إلا باتفاق بين شخصين، وتقع في دائرة الأحكام كالحكم بإيقاع البيع لشخص رسا عليه المزاد ويكون مشترياً لحساب غيره.
انواع الصورية: الصورية على نوعين، الصورية المطلقة والصورية النسبية.
والصورية المطلقة هي التي تمحو أثر الوضع الظاهر، ولا يتضمن الاتفاق المستتر تصرفاً يخفيه التصرف الظاهر وإنما يقتصر على تقرير ان التصرف الظاهر صوري لا وجود له. كإبراء من دين يتفق الطرفان على عدم وقوعه، وكعقد يقضي الاتفاق المستتر بعدم وجوده.
أما الصورية النسبية فهي الصورية التي تخفي جانباً من حقيقة العلاقة القانونية بين الطرفين دون ان تنكر وجودها.
وتكون على ثلاث صور:
1ـ الصورية بطريق التستر: وهي الصورية التي تتناول طبيعة العلاقة القانونية بين الطرفين. فتتناول طبيعة العقد لا وجوده كبيع في صورة هبة لحرمان الشفيع من طلب الشفعة، وكوصية في صورة بيع تجنباً لتعليق نفاذ الوصية على اجازة الورثة فيما تجاوز الثلث من التركة.
2ـ الصورية بطريق الضد: وهي الصورية التي تتناول ركناً في العقد او شرطاً فيه. كذكر سبب مشروع في الهبة اخفاءاً لسبب غير مشروع، او يذكر في عقد البيع ثمن اقل من الحقيقي لتخفيف رسوم التسجيل او يذكر ثمن اكثر من الثمن الحقيقي لمنع أخذ المبيع بالشفعة.
3ـ الصورية بطريق التسخير او التوسط: وهي الصورية التي تتناول شخص أحد المتعاقدين ويتم التصرف بها لحساب شخص آخر ممنوع من التعاقد قانوناً لم يذكر في العقد تحايلاً على حكم القانون . فاذا وجد مانع للتعاقد بين شخصين، توسط بينهما شخص ثالث يبرم العقد بين أحدهما وينقل ملكية ما تلقاه بعقد جديد الى الشخص الآخر.
التمييز بين الصورية بطريق التسخير (التوسط) والتعاقد بطريق التسخير (الاسم المستعار):
1ـ ان المسخر في الصورية يبرم العقد مع شخص متواطئ معه لمصلحة شخص ثالث يعلم بالتسخير، اما المسخر في التعاقد فيتعاقد لصالح موكله مع شخص قد يكون جاهلاً بالتسخير.
2ـ ان المسخر في الصورية يبرم عقدين إضافة لورقة الضد، فتنتقل إليه بأحدهما ملكية الشيء لينقلها بالعقد الآخر الى الممنوع من التعاقد. بينما يبرم المسخر المتعاقد ثلاثة عقود جدية ولا وجود لورقة الضد، هي عقد وكالة مع موكله، وعقد بإسمه مع المتعاقد الآخر فينتقل اليه اثر التصرف، وعقد مع موكله لينقل اليه آثار التصرف.

شروط تحقق الصورية: يشترط لتحقق الصورية بأنواعها كافة، الشروط الأربعة الآتية:
اولاً: وجود وضع قانوني ظاهر، قد يكون عقداً او حكماً، او تصرفاً قانونياً من جانب واحد، فإن كان عقداً وجب ان تتوافر اركانه وشروطه.
ثانياً: وجود اتفاق مستتر تتجه فيه إرادتان إلى اتخاذ موقف حقيقي يخفيه الوضع الظاهر.
ثالثاً: ان يكون الموقف الحقيقي مغايراً للوضع الظاهر في جميع او بعض نواحيه، فقد يمحو كل اثر له وقد يتناوله بالتعديل تبعاً لإختلاف انواع الصورية.
رابعاً: أن تتحقق المعاصرة الذهنية بين الوضع الظاهر وبين الاتفاق المستتر وإن اختلف تاريخهما، أي اتجاه الارادة الى اتخاذ الوضع الحقيقي الخفي وستره بوضع ظاهر في وقت واحد وأن صدر الاتفاق المستتر في وقت لاحق، فإن لم تتحقق المعاصرة وصف بانه اتفاق جدي تعدلت احكامه بإتفاق لاحق،وتقدير تحقق المعاصرة يعود لقاضي الموضوع.

أحكام الصورية

المطلب الاول
دعوى الصورية في ذاتها

رافع الدعوى والخصوم فيها: ترفع دعوى الصورية من قبل أحد المتعاقدين على الآخر للطعن في العقد الظاهر بالصورية، ويجوز ان ترفع من كل ذي مصلحة في التمسك بالعقد المستتر لتقرير صورية العقد الظاهر.
وأصحاب المصلحة بالطعن بالصورية هم: الخلف العام للمتعاقدين والخلف الخاص والدائنون الشخصيون للمتصرف بالعقد الصوري. أما الخلف الخاص والدائنون الشخصيون لمن صدر له التصرف الصوري فلا يتصور إقدامهم على الطعن فيه لتقرير صوريته لأن مصالحهم ترتبط بالعقد الظاهر.
ـ عدم جواز الطعن بالصورية في التصرفات الواقعة على العقار بعد تسجيلها في دائرة التسجيل العقاري، لسببين:
اولاًـ ان التصرف العقاري بعد تسجيله ينقل الحق العيني بقوة القانون ويستحيل بعدئذ الطعن به بالصورية.
ثانياً: ان نظام التسجيل العقاري في العراق ينطوي على إجراءات إشهار وقوة اثبات تتأسس على إقرار وكتابة وإشهاد بحيث تتضاءل امامها أية ورقة تفيد صورية التصرف، وعليه ينبغي الركون الى التصرف المسجل على اعتباره العقد الحقيقي الذي لا يستر تصرفاً آخر.
ـ لا تنقضي دعوى الصورية بالتقادم، لأن الغرض منها تقرير حقيقة قائمة مستمرة هي عدم وجود التصرف الظاهر. الا ان هذه الدعوى قد تبدو عديمة الجدوى أذا تمكن المدعى عليه من الدفع بالتقادم بالنسبة الى حق كسبه.
المطلب الثاني
آثار الصورية
تنص المادة 148 م.ع على انه ( 1ـ يكون العقد المستتر هو النافذ فيما بين المتعاقدين والخلف العام ولا أثر للعقد الظاهر فيما بينهم. 2ـ وإذا ستر العاقدان عقداً حقيقيا ُبعقد ظاهر، فالعقد الحقيقي هو الصحيح ما دام استوفى شرائط صحته.)
المبادئ التي تقوم عليها هذه الآثار: تتأثر اثار الصورية بمبدأين هما:
اولاً: لا يترتب على الصورية بطلان التصرف، وإنما وجوب الاعتداد بالإرادة الجدية المشروعة للطرفين، اياً كان نوع الصورية اعمالاً لمبدأ سلطان الإرادة.
ثانياً: ان أثر المبدأ اعلاه يقتصر على المتعاقدين وخلفهما العام دون ان يتعداهم الى الغير، اعمالاً لمبدأ استقرار المعاملات وما يقتضيه من وجوب حماية من كان حسن النية من الأشخاص وقت التعاقد.
ولذلك فإن اثار الصورية تتأثر بهذين المبدأين على النحو الذي سنوجزه فيما يلي:
اولاً ـ آثار الصورية بالنسبة للمتعاقدين والخلف العام: يكون التصرف النافذ بين المتعاقدين هو التصرف الحقيقي، أي العقد المستتر، ولا وجود للتصرف الظاهر بينهما، إعمالاً لمبدأ سلطان الإرادة.
ويترتب على ذلك أن العقد الظاهر إذا كان بيعاً صورياً، صورية نسبية كهبة في صورة بيع، كان العقد النافذ بين المتعاقدين هو الهبة لا البيع. فلا يلتزم المشتري الظاهر بدفع الثمن ولا يلتزم البائع الظاهر بضمان الاستحقاق والعيوب الخفية. وإذا كان عقد البيع صورياً صورية مطلقة، فلا ينتج العقد أثره فيظل البائع مالكاً ولا يولد البيع في ذمته التزاماً. وكذلك الأمر بالنسبة لورثة كل منهما.
وإذا طعن طاعن بالصورية متمسكاً بالعقد المستتر، كان نجاح طعنه رهن بتحقق شرطين:
اولهما: ان تتوفر في التصرف الظاهر جميع شروطه القانونية وخاصة في الصورية النسبية. وثانيهما: ان يثبت الطاعن وجود الاتفاق المستتر. فإن لم يفلح في ذلك اعتبر التصرف الظاهر بتوفر شروطه اتفاقاً جدياً تنفذ كل آثاره.
ثانياً ـ آثار الصورية بالنسبة للغير: يقصد بالغير في الصورية، كل شخص اعتقد بحسن نية وقت تعامله أن العقد الصوري عقد حقيقي فاطمأن إليه وتعامل على هذا الأساس. وتقتضي قواعد العدالة ومبدأ استقرار المعاملات حمايته من من الضرر الناشئ عن اعتماده على مظهر كاذب اتخذه المتعاقدان وكان سبباً في تضليله.
وطائفة الغير في قانوننا تقتصر على الدائنين الشخصيين والخلف الخاص للمتعاقدين، ومن ثم كان لهم التمسك بالعقد الصوري او التمسك بالعقد المستتر وذلك وفق ما تقتضيه مصلحتهم.
وبالنسبة للدائن الشخصي يشترط أن يكون حقه خالياً من النزاع فحسب وكما هو حال الدائن في الدعوى غير المباشرة، وله أن يتمسك بالعقد الذي يحقق مصلحته، الصوري او الحقيقي.

وبالنسبة للخلف الخاص لكل من المتعاقدين، فان مصلحة الخلف الخاص للمتصرف بالعقد الصوري تتجسد بالتمسك بالعقد الحقيقي المستتر، فإذا باع شخص منقولاً بيعاً صورياً ثم باعه بيعاً جدياً لمشتري، فأن مصلحة المشتري تتحقق بالطعن بصورية البيع كي لا يسري في مواجهته وليصح انتقال ملكية المبيع إليه.
أما مصلحة الخلف الخاص للمتصرف إليه بعقد صوري فتدفعه الى التمسك بالعقد الظاهر. فللمشتري من المشتري الصوري ان يتمسك بالبيع الصوري وهو العقد الظاهر لسلفه كي يعتبر الحق قد انتقل إليه من مالك.
تعارض مصالح ذوي الشأن في التمسك بالعقد الصوري أو بالعقد المستتر: إن هذا التعارض لا يمكن ان يقع بين المتعاقدين، او بين أحدهما وورثة الآخر، أو بين الورثة أنفسهم، لأن العقد النافذ في مواجهتهم جميعاً هو العقد المستتر. ولا يتصور ان يقع التعارض بين أفراد طائفة تتحقق مصلحتها بالتمسك بالعقد المستتر او العقد الظاهر.
فالتعارض بين مصالح الخلف الخاص ودائني المتصرف بالعقد الصوري غير وارد لأن مصلحهم تكمن بالتمسك بالعقد المستتر. والتعارض بين مصالح الخلف الخاص ودائني المتصرف إليه بالعقد الصوري غير وارد كذلك، لأن مصلحتهم تتجسد بالتمسك بالعقد الظاهر.
وعليه فأن التعارض المقصود هو ما يقع بين مصالح الغير،وهم من يتمسك في الغالب بالعقد الظاهر ومصالح من يتمسك بالعقد المستتر، سواء كان متعاقداً او وارثاً او دائنا شخصياً او خلفاً خاصاً للمتصرف بالعقد الصوري.
وحسب المادة 147 م.ع فإذا تعارضت مصالح ذوي الشأن، فتمسك البعض بالعقد الظاهر، وتمسك الآخرون بالعقد المستتر، كانت الأفضلية للأولين. ويترتب على ذلك، إذا تمسك البائع الصوري بالعقد المستتر، وتمسك دائن المشتري الصوري بالعقد الظاهر، فضل دائن المشتري.
**********
المبحث الخامس
الحق في الحبس للضمان

يعرف الحق في الحبس بأنه: حق الدائن الذي يكون مديناً لمدينه في نفس الوقت، بالامتناع عن تنفيذ التزامه حتى ينفذ المدين التزاماً ترتب في ذمته بمناسبة هذا الالتزام وأرتبط به.
ومفاد ذلك إن للمتعاقد في العقود التبادلية كالبائع والمشتري، أن يحبس ما هو ملتزم بأدائه، أي لا ينفذ التزامه، حتى ينفذ المتعاقد الآخر ما في ذمته من التزام. وفي العقود الملزمة لجانب واحد، يحق للوديع إذا انفق على الوديعة نفقات لحفظها وصيانتها أن يحبسها، أي يمتنع عن تسليمها الى المودع، حتى يستوفي منه ما أنفقه عليها.
أساس الحق في الحبس: يقوم الحق في الحبس على اعتبارات من العدالة وحسن النية والمنطق القانوني. فليس من العدل أن يلزم شخص بتنفيذ التزامه دون أن يلزم من يطالبه بالوفاء بتنفيذ التزامه، وليس من حسن النية ان يمتنع شخص عن تنفيذ التزامه ويطالب الطرف الآخر بالتنفيذ، وليس من المنطق القانوني ان يجبر شخص على الوفاء مادام الدائن لم يعرض الوفاء بالتزام ارتبط بإلتزام المدين.
طبيعة الحق في الحبس: الحق في الحبس ليس بحق عيني وليس بحق شخصي، فهو ليس حق عيني لأنه لا ينطوي على حق التقدم وحق التتبع اللذين يتمتع بها أصحاب الحقوق العينية التبعية، فلا يخول الحابس حق امتياز على ما حبس، وهو يفقد حقه في الحبس إذا تخلى عن العين المحبوسة، ولا يخضع لإجراءات التسجيل والإشهار الخاصة بالحقوق العينية. وهو ليس بحق شخصي يترتب في ذمة المدين متعلقاً بالشيء المحبوس. فالحق في الحبس لا يعدو ان يكون دفعاً بعدم التنفيذ يخول الدائن حق الامتناع عن الوفاء بما عليه من دين حتى يستوفي ديناً له ترتب في ذمة مدينه، متى توافرت صفتا الدائن والمدين في كل من الطرفين وتحقق الترابط بين الدينين.
خصائص الحق في الحبس: يتميز الحق في الحبس بالخصائص الآتية:
1ـ انه دفع لا يتصور أن ترفع به دعوى أصلية، يدفع به المدين مطالبة الدائن له بتنفيذ التزامه ويخوله الامتناع عن الوفاء فحسب.
2ـ انه حق لا يقبل التجزئة، فللحابس ان يحبس كل الشيء في يده حتى يستوفي حقه كاملاً ولا يلزم بتسليم جزء من المحبوس كمقابل للجزء الذي استوفاه.
3ـ انه حق ينبغي ان يتحاشى ص صاحبه التعسف في استعماله، فان كان المحبوس كبير القيمة قياسا لدين الحابس فيمكن للدائن استرداد جزء من المحبوس إذا كان يقبل التجزئة دون ضرر يلحق بالحابس.

المطلب الأول
شروط نشوء الحق في الحبس

يشترط لقيام الحق في الحبس توفر الشروط الثلاث الآتية:

اولاً ـ ثبوت حق للحابس في ذمة مدينه:يشترط في الدين الذي يثبت للحابس أن يكون ديناًً مدنياً محققاً مستحق الأداء، تالياً أو معاصراً لحيازة الشيء ولم يتم تنفيذه.

ثانياً ـ وجود التزام على الحابس بأداء شيء، أي التقابل بين الدينين:لابد لقيام الحق في الحبس من محل يرد عليه الحق، ويلتزم الحابس بأدائه لتعلق حق المدين به، وقد يتعلق محل الحبس بعين معينة بالذات كعقار أو منقول، أو شيء معين بالنوع كالنقود وسائر المثليات، كوقف البائع للعقار التزامه بتسليم العقار حتى يستوفي ثمنه من المشتري، وكأن يحبس المشتري الثمن في يده حتى يتسلم المبيع، وقد يكون محل الدين عملاً أو امتناعاً عن عمل، كأن يحبس مصلح الثلاجات الثلاجة في يده بعد تصليحها حتى يستوفي أجرته.
ولا يتصور أن يرد الحبس على الأشخاص، فلا يجوز لمستشفى أن تحبس المريض أو المولود عن ذويه حتى تستوفي أجورها. ولا يجوز ان يرد الحبس على الأموال العامة أو الأموال التي لا تقبل الحجز عليها، وينبغي أن يكون محل الحبس في يد الدائن أو في ذمته، ويجوز ان يكون مملوكاً للغير أو للدائن الحابس نفسه، ويجوز أن يودع لدى عدل يتفق عليه المالك والحابس.
ويشترط في الحائز للشيء كي يثبت له الحق في الحبس أربعة شروط:
1ـ أن لا تكون حيازته للشيء مجرد حفظ مادي تقتضيه واجبات وظيفته، فلا يجوز لمحاسب في شركة تجارية ان يحبس خزانة النقود المكلف بحفظها حتى يستوفي أجره.
2ـ أن يبقى الشيء في حيازته، فإذا خرج الشيء من يده بإرادته تعذر عليه استرداده وحبسه.
3ـ أن يكون ملتزماً بأدائه لمدينه، لأن تعلق حق المدين بالشيء شرط لنشوء الحق في الحبس.
4ـ ان يكون الشيء قد وصل أليه بطريق مشروع، فلا يجوز لمن اغتصب العين من صاحبها أن يحبسها عنه حتى يستوفي ما انفق عليها.

ثالثاً ـ قيام الارتباط بين حق الحابس وبين التزامه بالأداء: أي أن يتحقق الارتباط بين الدين الذي له والذي عليه، ويبدو الارتباط على نوعين: أولهما قانوني. وثانيهما مادي أو موضوعي.
1ـ أما الارتباط القانوني فهو ما ينشأ عن علاقة قانونية بين التزامين أياً كان مصدرها، ويسمى بالارتباط التبادلي.
وقد ينشأ الارتباط التبادلي عن عقد ملزم للجانبين ، فيكون عدم تنفيذ احد طرفيه لالتزامه سبباً لامتناع الطرف الثاني لالتزامه حتى ينفذ الطرف الأخر التزامه، وهذا هو الدفع بعدم التنفيذ وهو تطبيق للحق في الحبس. وقد تنشأ العلاقة التبادلية بين الالتزامات الناشئة عن العقد الملزم لجانب واحد وبين الالتزامات التي تنشأ بسبب تنفيذه ويكون الكسب دون سبب أو العمل غير المشروع مصدرها. فللوديع أن يحبس الوديعة في يده حتى يسترد ما أنفقه عليها من مصاريف أو تعويض، فالتزام الوديع بالرد نشأ عن عقد الوديعة، أما التزام المودع فقد نشأ عن مصدر أخر هو الكسب دون سبب.
وقد تقوم العلاقة التبادلية على أساس غير عقدي، فللولي أو الوصي إذا رفع الحجر عن المحجور أن يحبس ماله عنه حتى يسترد ما يحق له أن يسترده مما أنفقه في سبيل تنفيذ الولاية، وقد نشأ الالتزام هنا وان لم يكن ثمة عقد بينهما.
2ـ أما الارتباط المادي أو الموضوعي، فيقوم على واقعة مادية هي حيازة الشيء والتي يترتب عنها حق للحائز على الشيء الذي تحت يده الذي يلتزم برده إلى مدينه.
ومنها نص القانون المدني انه يجوز لمن انفق على ملك غيره وهو في حيازته مصروفات ضرورية أو نافعة أن يحبس الشيء في يده إلا إذا كان التزامه بالرد ناشئاً عن عمل غير مشروع كالغصب والسرقة.

المطلب الثاني
آثار الحق في الحبس

الواقع ان المحل الذي يرد عليه الحق في الحبس، قد يكون عيناً في يد الحابس، وقد يكون ديناً في ذمته. والعين هي الشيء المعين بالذات. أما الدين فهو كل ما لم يتعين بذاته، كالنقود أو أي شيء آخر تعين بجنسه فقط، ولا يقع حبس الدين إلا في العقود الملزمة لجانبين. أما حبس العين فيقع في العقود الملزمة لجانبين والملزمة لجانب واحد، وقد يقع دون أن يوجد عقد. ونتحدث عن حبس الدين وحبس العين في فقرتين:

الآثار المترتبة على حبس الدين: تخضع آثار حبس الدين إلى قواعد الدفع بعدم التنفيذ، ويترتب حكمان:
الحكم الأول ـ حق المتمسك بهذا الدفع في الامتناع عن تنفيذ التزامه حتى يستوفي دينه: فلأي من المتعاقدين في العقد الملزم لجانبين أن يوقف تنفيذ التزامه إذا كان حقه في ذمة المتعاقد الآخر مستحق الأداء في الحال وامتنع الطرف الآخر عن تنفيذ التزامه الذي نشأ بمناسبة التزام الطرف الأول وارتبط به.
وقد يكون الالتزام الموقوف التزاماً بنقل حق عيني على عقار أو التزاماً بدفع نقود أو التزاماً بعمل أو امتناعاً عن عمل، كأن يمتنع بائع العقار عن مساعدة المشتري في تسجيل العقد حتى لا تنتقل الملكية إليه، أو امتناع المستأجر عن تنفيذ التزامه بدفع الأجرة،أو توقف المقاول عن أعمال البناء أو عدم تنفيذ بائع المحل التجاري بعدم المنافسة في الحي ذاته. اما إذا كان الالتزام الموقوف التزاماً بتسليم عين، كألتزام البائع بتسليم العين المبيعة، أختلط الدفع بعدم التنفيذ بالحق في الحبس، وكان حكمه حكم حبس العين. فيمتنع البائع عن تسليم العين حتى يستوفي حقه.
الحكم الثاني ـ سريان الدفع بعدم التنفيذ في حق الغير: ومفاد ذلك أن الدفع بعدم التنفيذ يسري في حق الغير متى كسب الغير حقه بعد قيام حق المتعاقد في التمسك به. ويقصد بالغير من كان غير المدين وخلفه العام ودائنيه العاديين، لأن الدفع يسري في حقهم جميعاً. فللمشتري أن يتمسك بهذا الدفع في مواجهة المحال له وان يمتنع عن دفع الثمن، إذا كان البائع قد أحال شخصاً ثالثاً بالثمن ولم يكن قد سلم المبيع إلى المشتري. وللبائع ان يتمسك بهذا الدفع في مواجهة كل من كسب حقاً من المشتري، كالموهوب له أو المشتري الثاني، إذا كان المشتري لم ينفذ التزامه بدفع الثمن.
وترد على التمسك بالدفع بعدم تنفيذ العقد ملاحظات ثلاث:
1ـ أن هذا الدفع إذا وقع في العقود الزمنية أفضى إلى إنقاص مقدار محل الالتزام، فللمستأجر أن يدفع بعدم التنفيذ إذا لم يسلمه المؤجر المأجور خلال فترة العقد، وينقص التزامه بدفع الأجرة عن مدة التأخير.
2ـ أن طبيعة الالتزام قد لا تسمح بوقف تنفيذه فلا يكون بوسع الدائن إلا المطالبة بالفسخ إذا امتنع المدين عن تنفيذ التزامه: ويقع ذلك إذا كان التزام الدائن التزاماً بعمل أو امتناعاً عن عمل. فإذا تعهد صائغ بصنع مصوغات لعرضها في معرض يقام في وقت محدد، وامتنع المدين عند دفع المبلغ له فليس للصائغ سوى طلب فسخ العقد.
3ـ إن التمسك بالدفع بعدم التنفيذ يترك تقديره إلى المتمسك به دون أن يوكل اللجوء إليه لتقدير القضاء، لان أثره يقتصر على وقف تنفيذا لالتزام دون أن يتعداه إلى حل الرابطة العقدية.

الآثار المترتبة على حبس العين: يمكن إجمال حقوق الحابس لعين معينة بالذات وواجباته فيما يلي:

اولاً ـ حقوق الحابس للعين: تتلخص حقوق الحابس بما يلي:
1ـ الامتناع عن تسليم العين حتى يستوفي حقه كاملاً من أصل وفوائد ومصروفات دون حاجة إلى حكم أو إعذار، وإذا استرد العين مالكها بموافقة الحابس اعتبر ذلك نزولا عن الحق في الحبس، أما إذا استردها عنوة أو خلسة عد ذلك اعتداءا على الحق في الحبس، وجاز للحابس طلب ردها خلال ثلاثين يوما من علمه بذلك وقبل انقضاء سنة من خروجها. والحق في الحبس لا ينقضي بالوفاء الجزئي بل لابد من استيفاء الحابس لحقه كاملاً شرط عدم التعسف في استعمال هذا الحق. وقد يؤدي حبس العين الى إنقاص مقدار محل الالتزام إذا كانت المدة عنصراً فيه. فلو حبس المؤجر العين عن المستأجر فان التزام الأخير بدفع الأجرة ينقص بما يقابل المدة التي حرم خلالها من الانتفاع بالمأجور، وقد ينتهي مصير العقد الى الفسخ بسبب الحبس.
2ـ الامتناع عن تسليم ما تنتجه العين من غلة أو ثمرات، ويقتصر حقه على حبسها فقط بينما تبقى ملكيتها وحق التصرف فيها لمالك العين بشرط ان لا يخل التصرف بها بحق الحائز في الحبس، فليس للحابس تملك الغلة والثمار وليس له امتياز عليها فأن باعها فقد حقه في حبسها وتعرض لمزاحمة باقي الدائنين. أما إذا كانت العين معرضة للتلف فللحابس استئذان القاضي في بيعها وعندئذ لا يسقط حقه في الحبس وينتقل حقه في الحبس الى ثمنها حتى يستوفي حقه.
3ـ الاحتجاج بالحق في الحبس على ورثة المدين ودائنيه العاديين: فله أن يحبسها عن الخلف العام للمدين ودائنيه العاديين، إذ ليس للخلف العام حقوق أكثر من سلفه، وينتقل حق الحابس الى ورثته حتى يستوفوا حقوقهم.
4ـ الاحتجاج بالحق في الحبس على الغير: والغير هو الخلف الخاص أي من تلقى من المدين ملكية العين المحبوسة أو حقاً عينياً عليها، كالمشتري والدائن المرتهن،خاصة إذا انفق عليها مصروفات، الا ان حق الحبس لا يسري في مواجهة الخلف الخاص الذي ثبت له حق عيني على عقار حبس بسبب غير إنفاق المصروفات وكان حقه سابقاً على نشوء حق الحبس وتم تسجيله.
5ـ لا يخول الحق في الحبس امتيازاً للحابس: فلا يعطيه حق الحبس حق امتياز أو حق تقدم ولا يتقدم على سائر الدائنين في استيفاء حقه. الا انه من الناحية العملية عندما تباع العين في المزاد فان الحابس يستطيع أن يحبسها عمن رسا عليه المزاد وقد تكون من مصلحة الأخير والدائنين الاتفاق على إيفاء الحابس حقه كاملاً لتسلم المبيع منه.

ثانياً: واجبات الحابس للعين: : تتلخص واجبات الحابس بما يلي:
1ـ المحافظة على العين المحبوسة: لم يحدد مشرعنا خلافاً للمصري مدى المحافظة، فينبغي ان تكون محافظة الشخص المعتاد طبقاً للقواعد العامة.
2ـ بيع العين المحبوسة: إذا كان يخشى عليها من الهلاك أو التلف بعد استئذان المحكمة، وإلا كان مقصراً وتحمل مسؤولية هلاكه وتلفه.
3ـ تقديم حساب عن غلة العين المحبوسة: ويلزمه إن يرد العين وما أنتجته عندما يستوفي حقه ولا يجوز له ان ينتفع منها دون مقابل، وإذا كلفه الحبس نفقات فليس له أن يخصمها من الغلة بل يضيفها الى أصل دينه ، كما ليس له أن يستولي على الغلة ليخصمها من دينه قياساً على حق الدائن المرتهن رهن حيازة لسببين:
أولهما: إن الرهن الحيازي تأمين عيني يخول صاحبه حقوقاً لا تترتب على الحق في الحبس الذي لا يعدو أن يكون مجرد امتناع مؤقت عن التنفيذ لا يخول صاحبه امتيازاً ما.
ثانيهما: ان القانون المدني المصري، وهو مصدر تاريخي وتفسيري لقانوننا المدني، لم يمنح الحابس مثل هذا الحق.
4ـ المسؤولية عن الضرر الذي يلحقه الشيء المحبوس بالغير: ذلك لأن السيطرة الفعلية في الرقابة والتوجيه هي للحابس دون المالك طبقاًً لقواعد المسؤولية التقصيرية.
5ـ رد العين المحبوسة: لأن الحابس يلتزم برد العين المحبوسة الى من له حق استردادها متى استوفى حقه وانقضى الحق بالحبس باستيفائه. ومدى التزام الحابس بالرد وما ينطوي عليه من مدى تحمله لتبعة هلاك الشيء المحبوس لا يقاس على مدى التزام المرتهن بالرد وهو التزام بتحقيق نتيجة وتحقق مسؤوليته عن هلاك الشيء ما لم يثبت السبب الأجنبي. أما التزام الحابس بالرد فينشأ عن العلاقة القانونية القائمة بينه وبين من له الحق في استرداد الشيء عقدية كانت أو غير عقدية، فان هلك الشيء بخطئه تحمل مسؤولية ذلك وان هلك بسبب أجنبي انقضى التزامه بالرد، وإذا هلك بعد استيفاء حقه كان مسؤولاً ولو هلك بسبب أجنبي، لأنه يعتبر غاصباً بعد تأخره في الرد إلا إذا كان قد اعذر مدينه بوجوب تسلمه أو اثبت إن الشيء كان عرضة للهلاك وإن سلمه إلى ذي الحق في استرداده. وإذا كان حابس الشيء بسبب عدم استيفائه ما هو حال من ثمنه تحمل المشتري تبعة الهلاك إلا إذا هلك الشيء بفعل البائع.

المطلب الثالث
انقضاء الحق في الحبس

ينقضي الحق في الحبس بأحد طريقين: هما انقضاؤه بطريق تبعي أي انقضاءه تبعاً لانقضاء الدين المضمون به، وانقضاءه بطرق أصلي، أي انقضاءه بصورة مستقلة عن الدين المحبوس فيه، ويظل الدين المضمون به قائماً.

اولاً ـ انقضاء الحق في الحبس بطريق تبعي: شرع حق الحابس ضماناً لحصول الحابس على حق ترتب له في ذمة مالك الشيء المحبوس أو في ذمة من له الحق في استرداد العين المحبوسة، فهو إذا حق تابع للالتزام المضمون به وينقضي تبعاً لانقضاء حق الحابس في ذمة المدين. فينقضي حق الحابس بالوفاء أو بما يعادل الوفاء كالوفاء بمقابل والتجديد والمقاصة… . وثمة ملاحظتين تردان على انقضاء حق الحبس بطريق تبعي:
اولاً: ان الحق في الحبس لا يسقط إلا إذا انقضى حق الحابس كله دون أن يتخلف جزء منه.
ثانياً: ان الحق في الحبس لا يسقط بالتقادم لسببين هما (1): انه لا يسقط بتقدمه هو لأنه حالة مادية مستمرة لا يتصور فيها التقادم. (2): انه لا يسقط بتقادم الحق المضمون به. لأن وجود الشيء في يد الحابس يعتبر إقرارا ضمنياً مستمراً من المدين بوجود الدين في ذمته، ومن شأن هذا الإقرار بحق الدائن أن يقطع التقادم الخاص به.
ثانياً ـ انقضاء الحق في الحبس بطريق أصلي: ويقصد به انقضاء الحق في الحبس بطريقة مستقلة عن الدين المضمون به، وان بقت ذمة المدين مشغولة به، وكما يأتي:
اولاً ـ تقديم تأمين كاف للوفاء بالدين المضمون بالحبس: يسقط الحق في الحبس إذا قدم الدائن في الالتزام برد الشيء تأميناً كافياً للوفاء بما في ذمته من دين سواء كان التأمين شخصياً كالكفالة أو عينياً كالرهن، وتقدير كفاية التأمين يعتبر مسألة وقائع تخضع لتقدير القاضي عند الخلاف.

ثانياً ـ نزول الحابس عن حقه في الحبس: سواء وقع النزول صراحة أو دلالة، سواء اقترن نزوله بزوال الحيازة أو غير مقرون بالتخلي عنها. كما لو سلمه برضاه الى مالكه، أو أعلن نزوله عنه. ويقع دلالة كما لو خرج الشيء من حيازته لأنها قرينة على خروجه برضاه حتى يثبت العكس، وقد لا يقترن النزول بالتخلي عن الحيازة وقت النزول كما لو نفذ الحابس بحقه على الشيء المحبوس وشرع ببيعه جبراً، إذ يلتزم بتسليمه الى من رسا عليه المزاد ولا يجوز له استرداده إذا لم يستوف حقه كاملاً، ولا ينتقل حقه في الحبس الى ثمنه.

ثالثاً ـ إخلال الحابس بإلتزامه بالمحافظة على الشيء أو بتقديم حساب عن غلته: لان الحابس يلتزم بالمحافظة على الشيء محافظة الرجل المعتاد، لأنه التزام ببذل عناية. فأن قصر في ذلك فإنه يكون قد اخل بالتزامه وعندئذ يجوز للمالك أن يستصدر حكماً من القضاء بإسقاط حق الحابس بسبب تقصيره.

رابعاً ـ هلاك العين المحبوسة: ينقضي الحق في الحبس بهلاك العين المحبوسة، لان قوام الحق في الحبس هو الحيازة المادية لها. وهلاك العين قد يكون بخطأ الحابس فيكون مسؤولاً عن تعويض المالك. وقد يكون بخطأ الغير فيحكم على الغير بالتعويض عنها. وقد يكون بسبب أجنبي لا يد للحابس في وقوعه كقوة قاهرة وفي هذه الحالة يتحمل المالك لا الحابس تبعة هلاكها لان يد الحابس يد أمانة لأنه حبس العين لسبب مشروع، والجواز الشرعي ينافي الضمان. إلا انه ليس للحابس إذا كان الهلاك بسبب اجنبي أن يطالب المالك بعين أخرى كي يحبسها محل العين الهالكة، خلافاً لحق الدائن المرتهن، لان الراهن التزم بتقديم ضمان خاص للمرتهن تأمينياً لدينه، وإذا هلك الضمان التزم بتقديم ضمان خاص أخر وإلا جاز للمرتهن أن يطالبه بالوفاء فوراً، أما مالك العين المحبوسة فانه لا يلتزم بتقديم ضمان خاص للحابس كي يستبدل بالشيء الهالك عيناً أخرى، وإنما حبس عنه بقوة القانون وبالرغم من إرادته. وإذا هلكت العين المحبوسة بفعل الغير وحكم عليه بالتعويض. او كانت العين مؤمناً عليها، فأن الحق في الحبس ينتقل إلى مبلغ التعويض أو التأمين وهو شيء تجوز حيازته، وتكون حيازته بمثابة حيازة العين ذاتها ويحق للدائن حبسه لاستيفاء حقه.
**************************
الباب الثاني
أوصاف الالتزام

الفصل الرابع
الشـــــرط

التعريف الاصطلاحي للشرط: هو ما يتوقف وجود الشيء على وجوده وكان خارجاً عن حقيقته أو ماهيته، ولا يلزم من وجوده وجود الشيء، ولكن يلزم من عدمه عدم ذلك الشيء.
تعريف الفقه الغربي: أمر مستقبل غير محقق الوقوع يعلق عليه نشوء الالتزام أو زواله.
فان كان نشوء الالتزام هو الذي علق على تحقق الشرط قيل له (شرط واقف) وإذا كان زوال الالتزام هو الذي على تحقق الشرط قيل له (شرط فاسخ).

الفرع الأول
مقومات الشرط أو شروطه
وهما شرطان:اولهما: انه أمر مستقبل. وثانيهما انه غير محقق الوقوع.

أولاً ـ انه أمر مستقبل: ليكون الأمر شرطاً يجب أن يكون امراً مستقبلاً، مثاله قول شخص لآخر ( إذا عينت موظفاَ اشتريت دارك) فالتعيين أمر مستقبل ومن ثم فالالتزام المعلق عليه التزام معلق على شرط واقف.
وإذا تبين إن الشرط الذي علق عليه وجود العقد كان متحققاً فعلاً عند التعليق، بان يكون الموظف في مثالنا أعلاه قد عين موظفاً فعلاً قبل التعليق ولم يكن يعلم بذلك، كان العقد منجزاً غير معلق على شرط واجب الوفاء في الحال.
الأمر السلبي: يمكن أن يكون مدلول فعل الشرط امراً سلبياً، أي ترك القيام بعمل معين، كأن يوصي شخص بمرتب لزوجته بشرط الا تتزوج لتتفرغ لتربية الأولاد، فعدم الزواج أمر سلبي علق عليه استحقاق الزوجة للراتب.

ثانياً ـ انه أمر غير محقق الوقوع: يحب ان يكون مدلول فعل الشرط أمراً غير محقق الوقوع، فان كان مستحيلاً أو محقق الوقوع في المستقبل فلا يعد شرطاً. وهذا أمر جوهري في الشرط وبه يختلف عن الأجل لأن الأجل أمر مستقبل محقق الوقوع. ويعبر فقهاء المسلمون عن ذلك بقولهم ان مدلول فعل الشرط يجب ان يكون (معدوماً على خطر الوجود).محاظرات الاستاذ فارس حامد عبد الكريم

الفرع الثاني
أنواع الشرط
الشرط من حيث أثره واقف وفاسخ، ومن حيث تحققه وتخلفه احتمالي وإرادي ومختلط.

المبحث الأول
أنواع الشرط من حيث أثره

الشرط من حيث أثره شرط واقف وشرط فاسخ.

المطلب الأول
الشرط الواقف

يكون الشرط واقفاً إذا علق عليه نشوء العقد أو الالتزام، فان تحقق الشرط انعقد العقد وترتبت الالتزامات في ذمة كل من طرفيه، أو نشاً الالتزام في ذمة الواعد بالإرادة المنفردة. مثال الأول قولنا ( إذا عينت موظفاً اشتريت سيارتك بألف دينار) وقبل الطرف الآخر. ومثال الثاني قول الأب لابنه ( أعطيك جائزة إذا نجحت في الامتحان).
وإذا تخلف الشرط لم ينشأ عقد ولا التزام.
الشرط الواقف المستحيل والشرط الواقف المخالف للنظام العام والآداب: إذا كان الشرط الواقف مستحيلاً أو مخالفاً للنظام العام والآداب يكون العقد باطلاً ولا ينشأ عنه أي التزام. والسبب هو أن الشرط لا يمكن أن يتحقق لاستحالته المادية أو القانونية. ويقصد بالاستحالة، الاستحالة المطلقة لا النسبية، كتعهد شخص لأخر بهدية إذا عبر المحيط سباحة، ومثال الاستحالة القانونية التعليق على الزواج من محرم.
والشرط الواقف المخالف للنظام العام والآداب هو الشرط الذي يسلب الإنسان إحدى الحريات التي يعترف له القانون بها. مثل التعليق على عدم الزواج أو عدم الطلاق فهذا الشرط باطل إلا إذا كان هناك غرض مشروع يراد تحقيقه.
الشرط الواقف والمحل: ويلاحظ ان الشروط المتقدمة يمكن إبطالها من جهة المحل أيضا لأنه يشترط في المحل أن يكون ممكنا وان لا يكون مخالفاً للقانون وللنظام العام أو الآداب.

المطلب الثاني
الشرط الفاسخ

يكون الشرط فاسخاً إذا علق عليه فسخ العقد وزوال الحق، كبيع الوفاء وهو البيع بشرط إستراد البائع للمبيع إذا رد الثمن خلال مدة معينة، فالعقد هنا موجود ونافذ ولكنه غير لازم لأن فسخه معلق على شرط هو رد الثمن. بحيث إذا رد البائع الثمن فسخ البيع واسترد المبيع، وان لم يرده خلال المدة المعينة يكون الشرط قد تخلف ويلزم العقد.
البيع المعلق على موافقة الغير: هل تعتبر موافقة الغير هنا شرطاً واقفاً ولا يتم البيع إلا إذا وافق الغير، أم شرطاً فاسخاً وينفذ البيع في الحال على أن يفسخ البيع إذا لم يوافق الغير؟ الراجح هو الرجوع إلى النية المشتركة للطرفين التي يستخلصها القاضي من الظروف والملابسات ليتبين ما إذا انصرفت نيتهم إلى جعل الشرط واقفاً أم فاسخاً ليحكم بمقتضاها.
الشرط الفاسخ المخالف للنظام العام والآداب: إذا كان الشرط الفاسخ مخالفاً للنظام العام والآداب فلا يعترف به القانون ولا يمكن ان يتحقق لاستحالته القانونية فيبقى العقد ولا يفسخ، ولكن إذا كان الشرط هو الباعث الدافع إلى التعاقد فيبطل العقد، كالهبة من شخص لآخر بشرط ألا يطلق زوجته وهذا شرط مخالف للنظام العام، أو أن يهب رجل لامرأة مالاً على أن تعاشره معاشرة غير مشروعة، وهذا شرط مخالف للآداب. وعليه يبطل الشرط والعقد.
الشرط الفاسخ الضمني: الشرط الفاسخ الضمني ليس في حقيقته شرط بل هو افتراض يفترض وجوده في العقود الملزمة للجانبين لتبرير طلب الفسخ عند عدم تنفيذ أحد الطرفين لالتزامه، ومن ثم ينبغي عدم الخلط بينه وبين الشرط الفاسخ الصريح الذي نتكلم عنه لإختلاف طبيعة كل منهما.

المبحث الثاني
أنواع الشرط من حيث تحققه وتخلفه

الشرط من حيث تحققه وتخلفه، احتمالي وإرادي ومختلط.
الشرط الاحتمالي: وهو الذي يترك تحققه وتخلفه لأمر خارج إرادة المتعاقدين، أي لمجرد الصدفة، كالتعليق على وفرة الإنتاج الزراعي أو التعيين في وظيفة معينة، وحكمه انه صحيح واقفاً كان أم فاسخاً.
الشرط الإرادي: وهو الشرط المتروك تحققه وتخلفه لإرادة احد المتعاقدين. فإذا توقف تحققه وتخلفه على إرادة الدائن، سمي بـ (الشرط الإرادي البسيط) وهو شرط صحيح واقفاً كان أم فاسخاً، كقول شخص لآخر ( إذا أنت تزوجت أجرتك داري بكذا) ومثال الشرط الفاسخ بيع الوفاء.
وإذا توقف على إرادة المدين سمي بـ (الشرط الإرادي المحض)، فان كان واقفاً بطل الشرط والتصرف، كقول احدهم لآخر (أبيعك داري إذا رأيت ذلك في مصلحتي)، فالمدين إن شاء ابرم العقد وإن شاء لم يبرمه، والواقع انه لم يلتزم بشيء. وإذا كان الشرط فاسخاً كان صحيحاً هو والعقد المعلق عليه. ومثاله خيار الشرط وهو أن يحتفظ أحد المتعاقدين بالحق في نقض العقد خلال مدة معينة.
الشرط المختلط: وهو الشرط الذي يترك تحققه وتخلفه لإرادة احد المتعاقدين وأمر خارجي، وحكمه انه صحيح، كأن يهب شخص لآخر داراً إذا هو تزوج من فتاة معينة.

الفرع الثالث
اثار الشرط

ندرس اثار الشرط الواقف والشرط الفاسخ في مرحلة التعليق وبعد انتهاء مرحلة التعليق

المبحث الأول
اثر الشرط الواقف في مرحلة التعليق

اختلف الفقهاء في طبيعة الحق المعلق على شرط واقف، فاعتبره البعض حق والآخرون مجرد أمل، والراجح انه حق موجود فعلاً ولكن وجوده غير كامل، ويترتب على ذلك ما يلي من نتائج:

أولاً ـ النتائج المترتبة على انه حق موجود لا مجرد أمل:
1ـ ينتقل الحق بهذه الصفة من الدائن إلى خلفه العام والخاص.
2ـ للدائن اتخاذ الوسائل التحفظية اللازمة للمحافظة على حقه.

ثانياً: النتائج المترتبة على انه حق غير كامل الوجود:
1ـ ليس للدائن اتخاذ الوسائل التنفيذية للحصول على حقه.
2ـ إذا نفذ المدين عن غلط فله استرداد ما دفع لأنه دفع ما ليس بواجب عيه.
3ـ لا يسري التقادم على الحق إلا من وقت تحقق الشرط.
4ـ لا يتحمل الدائن تبعة الهلاك ، وليس له التصرف بالشيء الذي له الحق عليه.
القانون المدني العراقي: ما تقدم هي الآثار التي يرتبها القانون الوضعي على الشرط الواقف في مرحلة التعليق، فما هو حكم المشرع العراقي؟ يتضح من نصوص القانون المدني العراقي ان ( العقد المعلق على شرط واقف لا ينفذ إلا إذا تحقق الشرط)، والعقد في هذه الحالة يكون موقوفاً ويحتاج إلى الإجازة، فان لحقته الإجازة نفذ بأثر رجعي إلى حين صدوره، وإذا لم تلحقه الإجازة انعدم وأصبح هو والعقد الباطل بمنزلة سواء. والرأي الراجح في التشريع العراقي يذهب إلى ان صاحب الحق المعلق على شرط واقف يملك حقاً لا مجرد أمل. وهذا يتفق مع الحديث الشريف
(المؤمنون عند شروطهم إلا شرطاً احل حراماً أو حرم حلالاً).

المبحث الثاني
اثر الشرط الفاسخ في مرحلة التعليق

الحق المعلق على شرط فاسخ موجود ونافذ، أي بسيط غير موصوف، ولكنه على خطر الزوال، ويترتب على ذلك:

أولاً ـ النتائج المترتبة على إن الدائن يملك حقاً نافذاً: وهي عكس نتائج مرحلة تعليق الشرط الواقف:
1ـ للدائن اتخاذ الوسائل التنفيذية للحصول على حقه وله رفع الدعوى البولصية، وله تتبع الشيء محل حقه وانتزاعه من يد أي شخص انتقل إليه.
2ـ إذا نفذ المدين التزامه فليس له استرداد ما دفع لأنه دفع ديناً مستحق الأداء واجب التنفيذ.
3ـ يسري التقادم على الحق المعلق على شرط فاسخ لأنه حق مستحق الأداء.
4ـ للدائن التصرف بالشيء الذي له الحق عليه وبالمقابل يتحمل هو تبعة الهلاك.

ثانياًـ النتائج المترتبة على إن الحق على خطر الزوال:
1ـ إذا استوفى الدائن حقه ثم تحقق الشرط فعليه أن يرد ما تسلمه، وتزول المقاصة بأثر رجعي ويعود الحق السابق كما كان.
القانون المدني العراقي: ما تقدم هي الآثار التي يرتبها القانون الوضعي على الشرط الفاسخ في مرحلة التعليق، اما في القانون المدني العراقي فان العقد المعلق على شرط فاسخ يكون نافذاً غير لازم، والعقد غي اللازم هو العقد الذي يمكن الرجوع عنه بالإرادة المنفردة لأحد الطرفين أو كلاهما، ويمكن القول بانطباق الإحكام المتقدمة في القانون العراقي مع الفقه الغربي، مثال ذلك البيع بشرط الخيار، فان من له الخيار يكون مالكاً تحت شرط فاسخ، بائعاً أو مشترياً.

المبحث الثاني
أثر الشرط بعد انتهاء مرحلة التعليق

بقصد بانتهاء مرحلة التعليق معرفة مصير الشرط الذي علق عليه العقد. فهو إما أن يتحقق أو يتخلف.
كيف يتحقق الشرط وكيف يتخلف: إذا حددت مدة لتحقق الشرط فيجب أن يتحقق خلالها، فان تحقق بعدها اعتبر متخلفاً. وإذا لم تحدد مدة فيجب الرجوع للنية المشتركة للطرفين لمعرفة الشكل الذي أرادا أن يتحقق به. ويتمتع القاضي بسلطة تقديرية في هذا الصدد. وإذا تحقق الشرط أو تخلف تحدد مصير العقد نهائياً ولا يمكن الرجوع فيه.
تحقق الشرط وتخلفه بغش ممن له مصلحة في ذلك: يعتبر الشرط متحققاً إذا حال دون تحققه عن طريق الغش الطرف الذي له مصلحة في أن يتخلف. كما انه يعتبر قد تخلف إذا تحقق بطريق الغش من الطرف الذي له مصلحة في أن يتحقق.
بعد هذه الملاحظات نتناول أثر الشرط الواقف ثم الشرط الفاسخ بعد انتهاء مرحلة التعليق.

اولاًـ اثر الشرط الواقف بعد انتهاء مرحلة التعليق:
أـ تحقق الشرط الواقف: إذا تحقق الشرط الواقف زال النقص للذي كان يشوب الحق المعلق عليه وأصبح الحق منجزاً. فيستطيع الدائن أن يطالب بحقه وان يتخذ الوسائل التنفيذية ويسري التقادم على الحق من حين تحقق الشرط لأنه أصبح حقاً مستحق الأداء، وتعتبر تصرفات صاحب الحق صحيحة منذ وقت التعليق لا من وقت تحقق الشرط بالنظر للأثر الرجعي لتحقق الشرط.
ب ـ تخلف الشرط الواقف: إذا تخلف الشرط الواقف زال الوجود الناقص للحق الذي كان معلقاً عليه وأصبح كأن لم يكن منذ البداية بالنظر للأثر الرجعي لتحقق الشرط، وتترتب عكس النتائج السابقة، فإذا لم يكن المدين قد وفى بالتزامه فلا يلزم بالوفاء، وإذا كان قد وفى فله أن يسترد ما وفاه. وإذا كان صاحب الحق قد تصرف بحقه فان تصرفه يزول بفعل الأثر الرجعي لتحقق الشرط.

ثانياًـ اثر الشرط الفاسخ بعد انتهاء مرحلة التعليق:
أ ـ تحقق الشرط الفاسخ: إذا تحقق الشرط الفاسخ زال الحق الذي كان معلقاً عليه، ويعتبر كأن لم يكن موجوداً منذ البداية بفعل الأثر الرجعي لتحقق الشرط، ويترتب على ذلك، ان الدائن إذا كان قبض شيئاً فعليه رده، وإذا استحال الرد بخطئه وجب عليه التعويض، وإذا كانت الاستحالة بسبب أجنبي فلا يلزم بالتعويض، وإذا كان قد تصرف بحقه فتصرفه يبطل.
ـ استثناء أعمال الإدارة الصادرة من الدائن قبل تحقق الشرط، فهذه الأعمال تبقى رغم تحقق الشرط. مثل تأجير العقار وبيع الثمار، والحكمة من ذلك هي ان هذه الأعمال ضرورية للمحافظة على العين ويجب القيام بها في وقتها المناسب، وذلك بالشرطين الآتيين:
1ـ حسن نية من صدرت منه هذه الأعمال، فلا يتخذها ذريعة لإبطال حق الطرف الأخر إذا تحقق الشرط الفاسخ.
2ـ عدم مجاوزة المألوف في هذه الأعمال.
ب ـ تخلف الشرط الفاسخ: إذا تخلف الشرط الفاسخ استقر الحق الذي كان معلقاً عليه وثبت وأصبح مستقراً غير معرض للزوال وتعتبر التصرفات التي أجراها صاحب الحق صحيحة وغير قابلة للزوال.
القانون المدني العراقي: اعتبر القانون المدني العراقي الشرط يتحقق بأثر رجعي إلا إذا اتفق المتعاقدان أو قضت طبيعة العقد بخلاف ذلك.

المبحث الثالث
النتائج التي تترتب على الأثر الرجعي لتحقق الشرط

تترتب على الاثر الرجعي لتحقق الشرط نتائج مهمة منها:
1ـ التصرفات التي تصدر من صاحب الحق المعلق على شرط واقف تصبح، عند تحقق الشرط، نافذة منذ البداية، بخلاف الأمر عند تحقق الشرط الفاسخ فالتصرفات التي تصدر من صاحب الحق المعلق على شرط فاسخ تزول إذا تحقق الشرط لان صاحب الحق يعتبر كأن لم يكن مالكاً منذ البداية.
2ـ للدائن تحت شرط واقف، إذا تحقق الشرط أن يطعن بتصرفات مدينه بالدعوى البولصية، حتى ما كان منها سابقاً على تحقق الشرط، لأن الحق يعتبر موجوداً من حين الاتفاق لا من حين تحقق الشرط.
استثناء: هناك استثناءات ترد على الأثر الرجعي لتحقق الشرط، أهمها هي:
1ـ بقاء أعمال الإدارة التي تتم بحسن نية وفي الحدود المعقولة قبل تحقق الشرط الفاسخ.
2ـ إذا استبعد المتعاقدان صراحة أو ضمنا الأثر الرجعي واتفقا على ان الشرط ينتج أثره من حين تحققه لا من حين العقد. كالبيع المعلق على موافقة الغير إذا اعتبرنا موافقة الغير شرطاً واقفاً.
3ـ إذا استعصت طبيعة العقد على الأثر الرجعي. وهذا ما يحصل في العقود المستمرة التنفيذ.
4ـ إذا أصبح تنفيذ الالتزام مستحيلاً بسبب أجنبي قبل تحقق الشرط.
******************

الفصل الخامس
الأجـل

الأجل وصف من أوصاف الالتزام أو العقد ويمكن تعريفه بانه: أمر مستقبل محقق الوقوع يضاف إليه نفاذ العقد أو انقضاؤه.فإذا كان نفاذ العقد هو الذي أضيف إلى الأجل كان الأجل واقفاً، وإذا كان انقضاء العقد وزواله هو الذي أضيف إلى الأجل كان الأجل فاسخاً أو منهياً.

الفرع الأول
مقومات الأجل
يجب أن يتوفر في الأجل شرطان وهما:
1ـ أن يكون أمراً مستقبلاً. 2ـ أن يكون أمراً محقق الوقوع.
الشرط الأول ـ أن يكون أمراً مستقبلاً: ليكون الأمر أجلاً يجب يكون مستقبلاً، وبهذا يتفق الأجل مع الشرط، فلو كان أمراً ماضياً أو حاضراً لما كان أجلاً ولكان العقد منجزاً غير مضاف إلى اجل، حتى لو جهل المتعاقدان عند التعاقد أن الأجل الذي ضرباه للمستقبل كان قد حل. فلو عين الملتزم موت شخص معين أجلاً لتنفيذ التزامه وكان الشخص قد مات قبل ذلك دون أن يعلم الملتزم، فالالتزام ينشأ منجزاً حال الأداء.
الشرط الثاني ـ أن يكون أمراً محقق الوقوع: وبهذا يختلف الأجل عن الشرط، ويترتب على هذا الفرق نتائج مهمة، فلما كان الشرط أمر غير محقق الوقوع، فان كان واقفاً كان العقد المعلق عليه غير نافذ وان كان فاسخاً كان العقد غير لازم ومن ثم يكون تحقق الشرط بأثر رجعي. أما الأجل فأمر محقق الوقوع فيكون العقد المقترن بأجل واقف تاماً غير نافذ أي مؤجل، أما العقد المقترن بأجل فاسخ فيكون تاماً ولكنه مؤكد الانقضاء عند حلول الأجل، ومن ثم لا يكون لحلول الأجل اثر رجعي، مثاله عقد الإيجار فانه مؤكد الانقضاء عند انتهاء مدته.
ـ الأجل نوعان: أجل معين وهو ما كان تاريخ وقوعه معروفاً، كيوم معين في شهر معين في سنة معينة. وأجل غير معين وهو الذي لا يعرف تاريخ وقوعه، فهو اجل مادام محقق الوقوع لان تحققه ينصرف إلى وقوعه لا إلى تاريخ وقوعه، وخير مثال للأجل غي المعين هو الموت، فهو أمر محقق الوقوع ولكن تاريخ وقوعه غير معروف.
التمييز بين الأجل غير المعين والشرط: قد يلتبس الأمر بين الأجل غير المعين والشرط، كقول احدهم لآخر (عندما تتزوج أؤجرك داري بكذا)، أو (إذا أمطرت السماء اشتريت حاصل أرضك). في هذه الحالة يرجع إلى معيار التمييز بين الأجل والشرط، فان كان الأمر محقق الوقوع فهو اجل ولو استعمل المتعاقدان أداة التعليق على شرط (إذا)، وإذا كان غير محقق الوقوع فهو شرط ولو استعملا أداة الإضافة إلى المستقبل (عندما). فالزواج أمر غير محقق الوقوع فهو شرط، والمطر أمر محقق الوقوع ولكن تاريخ وقوعه غير معروف، فهو اجل.
التزام المدين بالوفاء عند الميسرة أو لدى القدرة والاستطاعة: في مثل هذه الأحوال يعتبر الالتزام مضاف إلى اجل لا معلق على شرط، وهذا يعني ان على المدين الوفاء إما عند تحقق قدرته واستطاعته أو عند الموت، أي إن الأجل يكون غير معين وهو احد أمرين اليسار أو الموت، وهذا هو المعنى الذي اخذ به المشرع العراقي.
الأجل في العقود المستمرة التنفيذ: الزمن في العقود المستمرة التنفيذ عنصر جوهري وبه يتحدد تنفيذها، وتعتبر قد نفذت في جزء منها يتناسب ومقدار الزمن الذي مر ، فان انعدم الزمن فيها كانت باطلة، ففي عقد مرتب مدى الحياة لشخص تبين انه مات قبل العقد يكون العقد باطلاً. بعكس العقود الفورية التي تعتبر منجزة بانعدام الزمن فيها، فلو عين المدين موت شخص معين أجلاً لتنفيذ التزامه ثم تبين انه مات قبل العقد يكون الالتزام منجزاً واجب الوفاء في الحال.

الفرع الثاني
أنواع الأجل
الأجل من حيث اثره واقف وفاسخ، ومن حيث مصدره اتفاقي وقضائي وقانوني.

المبحث الأول
أنواع الأجل من حيث أثره

الأجل من حيث اثره واقف وفاسخ.
الأجل الواقف: يكون الأجل واقفاً إذا أضيف إلى حلوله نفاذ العقد. فالعقد موجود ومستكمل لعناصره وأركانه بدون الأجل، ولكن نفاذه أضيف للأجل، فلا يمكن مطالبة المدين بتنفيذه إلا عند حلول الأجل. فالمقترض في عقد القرض يلتزم برد ما اقترضه بعد مدة من تسلم القرض، فان حل الأجل المعين لذلك وجب عليه الوفاء.
الأجل الفاسخ (المنهي): يكون الأجل فاسخاً إذا أضيف لنفاذه انقضاء العقد، كعقد الإيجار الذي ينقضي عند انتهاء مدته ويزول حق المستأجر في الانتفاع بالعين المؤجرة.

المبحث الثاني
أنواع الأجل من حيث مصدره

الأجل من حيث مصدره اتفاقي وقضائي وقانوني.
أولاً ـ الأجل الاتفاقي:الأصل ان يتفق المتعاقدان على الأجل صراحة. كاتفاق المشتري مع البائع على تأجيل دفع الثمن لميعاد معين. أو يكون الأجل ضمنياً يستخلص من طبيعة المعاملة، كالاتفاق في الشتاء على عمل لا فائدة منه إلا في الصيف كالاتفاق على تبريد محل. وان وقع نزاع حول الأجل تقوم المحكمة بتعيينه مسترشدة بالمألوف في التعامل والعادة المتبعة في مثل هذه الأحوال.
ثانياً ـ الأجل القانوني:يتولى القانون أحيانا تحديد الأجل، من ذلك ما جاء في المادة (1070) م.ع، التي لم تجز للشركاء البقاء في الشيوع بمقتضى اتفاق لأجل يتجاوز خمس سنين. وقد يصدر المشرع قوانين استثنائية في أوقات الأزمات الاقتصادية يمنح بموجبها أجلاً لجميع المدينين للوفاء بديونهم.
ثالثاً ـ الأجل القضائي (نظرة الميسرة): قد يمنح القاضي المدين المعسر أجلاً للوفاء بدينه إذا استدعت حالته الرأفة ولم يلحق الدائن ضرر جسيم من ذلك إذا لم يوجد نص قانوني يمنع ذلك ومثال المنع القانوني نص المادة 581 م.ع ( يتعين الحكم بالفسخ فوراً إذا طلب الدائن ذلك وكان مهدداً أن يضيع المبيع والثمن).
الأثر الوحيد للمهلة القضائية: أنها تمنع الاستمرار في الدعوى، فلا ترجئ استحقاق الدين، فان يسر المدين قبل انتهائها جاز للدائن أن يطالب المحكمة بان تأمر المدين بالوفاء في الحال.
الحقوق التي يلحقها الأجل: جميع الحقوق العينية والشخصية ما عدا حق الملكية. فنصت المادة (292) م.ع ( لا يصح في العقد اقتران الملكية بأجل). والسبب في ذلك هو ان حق الملكية حق تأبى طبيعته أن يقترن بأجل واقف أو فاسخ، فيجب أن يكون مؤبداً. فهو يتأبد في انتقاله من مالك إلى مالك، فلا يجوز القول مثلاً أبيعك داري لمدة سنة، ولا يجوز كذلك تقترن بأجل واقف فلا يجوز القول مثلاً أبيعك داري ابتداءً من السنة القادمة.
لمصلحة من يتقرر الأجل: الأصل في الأجل ان يتقرر لمصلحة المدين، ولكن قد يتبين العكس من طبيعة العقد أو ظروف التعاقد أو نص القانون، ومثال الأجل المضروب لمصلحة الدائن كما لو اشترط المشتري تسليم المبيع في تاريخ معين، فليس للبائع إجباره على تسلمه قبل الموعد. وطبيعة عقد القرض والإيجار تقضي أن يكون الأجل لمصلحة الطرفين.

الفرع الثالث: آثار الأجل

المبحث الأول: آثار الأجل قبل حلوله

المطلب الأول
الأجل الواقف

العقد المضاف إلى اجل واقف ينعقد سبباً في الحال ولكن يتأخر وقوع حكمه إلى حلول الوقت المضاف إليه. ومثاله اشتراط المشتري تأجيل دفع الثمن، فيكون ملزماًً بدفعه عند حلول الأجل. فالحق المقترن بأجل واقف مؤكد الوجود ولكنه غير نافذ، ولكن حكمه، وهو وجوب تنفيذ هذه الالتزامات، يتأخر إلى حين حلول الأجل المضاف إليه. ويترتب على ذلك النتائج التالية:
أ: النتائج المترتبة على إن الدائن يمتلك حقاً مؤكداً: وهي تشبه النتائج المترتبة على الحق المعلق على شرط واقف.
1ـ لصاحب الحق التصرف بحقه، وإذا مات انتقل حقه لورثته. 2ـ إذا وفى المدين عن بينة واختيار فيعتبر نازلاً عن الأجل، وليس له استرداد ما دفعه. 3ـ إذا هلكت العين قضاءاً وقدراً بدون خطأ من المدين فإنها تهلك على الدائن.
ب: النتائج المترتبة على إن حق الدائن غير نافذ:
1ـ لا يستطيع الدائن المطالبة بحقه قبل حلول الأجل. 2ـ لا يستطيع الدائن إقامة دعوى عدم نفاذ تصرف المدين في حق دائنه، لأنها مقدمة للأعمال التنفيذية، وهو لا يستطيع التنفيذ بحقه في الحال. 3ـ لا يسري التقادم إلا من حين حلول الأجل. 4ـ لا تقع المقاصة بين دين مؤجل ودين حال. 5ـ ليس للدائن أن يحبس حقاً عنده لمدينه، لان دينه غير مستحق الأداء.

أنواع العقود من حيث جواز إضافتها للمستقبل:
1ـ العقود التي لا تتضمن التمليك في الحال: وهذه يصح إضافتها للمستقبل، وأهمها عقود الإجارة والكفالة والمزارعة والمساقاة. فيصح القول أؤجرك داري لمدة سنة ابتداءً من أول الشهر القادم.
2ـ العقود التي تتضمن التمليك في الحال: وهي البيع والهبة، وهذه لا تصح إضافتها إلى المستقبل، ونصت (م- 292) م.ع على ذلك بقولها (لا يصح في العقد اقتران الملكية بأجل).

المطلب الثاني
الأجل الفاسخ

الحق المقترن بأجل فاسخ موجود ونافذ ولكنه مؤكد الزوال عند حلول الأجل. كحق المستأجر بالانتفاع بالمأجور في الحال حتى نهاية عقد الإيجار وعندها يعيدها للمؤجر. ويترتب على ذلك، ان الدائن يستطيع المطالبة بحقه واتخاذ الوسائل التنفيذية والتصرف بحقه في حدود الحق، فهو حق مؤقت بالضرورة، فالمستأجر يستطيع ان يتصرف بحقه بالإيجار من الباطن للغير في حدود الإيجار الأصلي.

المبحث الثاني
آثار الأجل بعد حلوله

أـ الأجل الواقف: إذا حل الأجل الواقف أصبح حق الدائن نافذاً، فيستطيع الدائن المطالبة بحقه وإجبار مدينه على الوفاء واتخاذ الوسائل التنفيذية لذلك.
ب ـ الأجل الفاسخ: إذا حل الأجل الفاسخ انقضى حق الدائن. ففي عقد الإيجار، إذا انتهت مدة الإيجار فعلى المستأجر ان يرد المأجور إلى المؤجر، ويصبح الأخير دائناً بالرد.

المبحث الثالث
انتهاء الأجل

الطريق الطبيعي لانتهاء الأجل: الطريق الطبيعي لانتهاء الأجل هو حلوله، وهو لا يثير صعوبة فالمشتري بثمن مؤجل عليه أن يدفع الثمن عند حلول الأجل. وإذا عينت فترة لحلول الأجل فانه يحل في اليوم الأخير من الفترة، فإذا حدد لحلول الأجل شهر معين فإنه يحل في اليوم الأخير من الشهر.
طريقان استثنائيان لانتهاء الأجل: قد ينتهي الأجل استثناءاً قبل حلوله في حالتين هما:
اولاً ـ انتهاء الأجل بالنزول عنه ممن قرر لمصلحته: إذا تمخض الأجل لمصلحة احد الطرفين جاز لهذا الطرف أن ينزل عنه بإرادته وحده. ففي عقد العارية مثلاً، إذا حددت مد\ة لمصلحة المستعير فله ان يرد الشيء المعار قبل انتهاء المدة.
ثانياً ـ انتهاء الأجل بسقوطه: يسقط الأجل إذا حرم منه المدين رغم إرادته، أما الأجل الذي يضرب لمصلحة الدائن فلا يسقط. وقد نص القانون على ثلاثة أسباب تؤدي إلى سقوط الأجل إضافة إلى سبب آخر، وهي:
1ـ الحكم بإفلاس المدين: إذ يؤدي هذا الحكم إلى حلول جميع ديونه المؤجلة على تخصم منها الفوائد عن المدة المتبقية. وذلك حتى لا يستقل بعض الدائنين بالحصول على ديونهم دون غيرهم من الدائنين.
2ـ إذا اضعف الدائن بفعله ما أعطى الدائن من تأمينات: ويقصد بها التأمينات الخاصة التي تترتب عليها حقوق عينية كرهن أو حق امتياز. ولا بد من ضعف كبير يصيب التأمينات بفعل المدين فلا تعود تكفي للوفاء بالدين، كأن يهدم المدين الدار المرهونة. والالتزام هنا تخييري للدائن فهو بالخيار بين أن يطلب الوفاء في الحال من المدين أو أن يطلب تكملة التأمينات. أما إذا كان ضعف التأمينات بسبب أجنبي لا يد للمدين فيه، كصاعقة هدمت الدار، فالأجل يسقطك كذلك ولكن المدين هنا بالخيار بين أن يكمل التأمين وبين أن يدفع الدين فوراً.
3ـ إذا لم يقدم المدين ما وعد بتقديمه للدائن من تأمين: وفي هذه الحالة يسقط الأجل ولكن لا تخصم الفوائد عن المدة المتبقية لحلول الأجل وذلك لان الأجل سقط بخطأ المدين.
4ـ سقوط الأجل بموت المدين: موت المدين يعجل بحلول ديونه كلها. والسبب في ذلك انه يجب تصفية التركة تطبيقاً لقاعدة أن (لا تركة إلا بعد سداد). فيجب الوفاء بالديون قبل توزيع التركة. ولكن إذا كان الدين مضموناً بتأمين عيني فهو لا يحل كما لا يدخل الضمان العيني في توزيع التركة إلا بعد حلول الأجل وأداء الدين المضمون به.
***********************

الفصل السادس
تعدد محل الالتزام

هناك ثلاث صور للتعدد كوصف يرد على محل الالتزام:
1ـ التزام متعدد المحل: فقد يتعدد محل الالتزام ولكن الأشياء المتعددة تعتبر في حكم الشيء الواحد وواجبة الوفاء على المدين كلها. كما لو اشترى شخص حصاناً وسيارة وصفقة واحدة بثمن واحد. ولا أهمية للتعدد هنا حيث يعتبر الالتزام بسيط غير موصوف.
2ـ الالتزام التخييري (خيار التعيين): وهو وصف من أوصاف الالتزام، وبقصد به أن يتعدد محل الالتزام ولكن الوفاء بأحد الأشياء يكفي لإبراء ذمة المدين . فيكون الالتزام تخييرياً إذا كان هناك شيئان أو أكثر يصلح أي منهما أن يكون محلاً للوفاء. كما لو باعه إحدى هاتين السيارتين. والخيار في تعيين الشيء قد يكون للدائن أو للمدين.
3ـ الالتزام البدلي: وهو وصف من أوصاف الالتزام، وبقصد به أن محل الالتزام يكون شيء واحد ولكن المدين يستطيع الوفاء بشيء آخر بدلاً منه ويجبر الدائن على قبول هذا الشيء. كما لو باعه حنطة واحتفظ لنفسه بالحق في إعطاء شعير بدلاً منها.
الفصل السابع
تعدد طرفي الالتزام
قد يرد التعدد على طرفي الالتزام فيكون له ثلاث صور:
1ـ الالتزام متعدد الأطراف ( التعدد الصوري): وهو أن يتعدد الدائنون لمدين واحد ولكن لا يستطيع أي دائن إلا المطالبة بحصته فقط. وقد يتعدد المدينون لدائن واحد ولكن الدائن لا يستطيع أن يطالب احد المدينين بكل الدين بل بحصته فقط. وهو تعدد لا يهمنا هنا لأنه لا يثير صعوبة في العمل. إلا ان هناك صورة وسط بين التعدد الصوري وتعدد الدائنين مع التضامن ويقال لهذه الصورة (الدين المشترك) وسندرسها بإيجاز.
2ـ التزام غير قابل للانقسام:وهو أن يتعدد احد طرفي الالتزام، أو كلاهما، ولكن محل التزام لا يمكن ان ينقسم على الدائنين ولا بين المدينين، وهو يؤدي إلى نتائج تشبه النتائج التي يؤدي اليها التضامن.
3ـ تعدد مع التضامن ( التزام تضامني): وهو ان يتعدد أحد طرفي الالتزام، أو كلاهما، وتربط بين الدائنين أو المدينين رابطة خاصة. وندرس فيه التضامن الايجابي ( الدائنون المتضامنون) والتضامن السلبي ( المدينون المتضامنون).

الفرع الأول
الدين المشترك
وهو صورة وسط بين التعدد الصوري وتعدد الدائنين مع التضامن ويقال لهذه الصورة (الدين المشترك). مثال ذلك إذا مات الدائن عن عدد من الورثة. فالورثة يرثون الدين ويصبح الدين مشتركاً بينهم بنسبة أنصبتهم في التركة.
مصادر الدين المشترك: يكون الدين مشتركاً بين عدة دائنين إذا نشأ من سبب واحد وكان غير متجزئ، والسبب المنشئ هو المصدر الذي انشأ الدين وعدم تجزؤ الدين يرجع إما إلى وحدة الصفقة أو إلى سبق الاشتراك في المال.
المصدر الأول ـ وحدة الصفقة أو الاتفاق: وهو ان يتصرف عدة أشخاص بمال يملكونه بعقد واحدكالبيع أو الإيجار دون تعيين حصة كل منهم في الثمن أو الأجرة.
المصدر الثاني ـ سبق الاشتراك في المال الذي نشأ عنه الدين : كما لو اتلف شخص مالاً مملوكاً لأكثر من شخص، فينشأ في ذمته التزام بالتعويض فيكون ديناً مشتركاً بين مالكي المال.
ـ نشوء الدين المشترك ابتداءً: ويقع ذلك في الإرث والوصية والهبة. فإذ ا توفى الدائن عن عدد من الورثة فالدين يصبح مشتركاً بينهم بنسبة حصصهم في التركة.

المبحث الثاني
الآثار التي تترتب على الاشتراك في الدين

المطلب الأول
علاقة الدائنين بالمدين

يحكم هذه العلاقة مبدأ جوهري هو ان الدين واحد عند نشؤه منقسم عند المطالبة، ويترتب على ذلك نتيجتان:
اولاً ـ ليس لكل دائن أن يطالب المدين إلا بحصته من الدين فقط: ليس للدائن ان يطالب بأكثر من حصته وليس للمدين ان يفي لأحدهم بأكثر من حصته. فإذا فعل لم تبرأ ذمته تجاه باقي الدائنين ولهم إجباره على الوفاء بحصصهم.
وان أوفي المدين لأحد الدائنين حصته من الدين المشترك كان لباقي الدائنين الخيار بين مشاركته فيما قبض وبين الرجوع على المدين بحصصهم. وإذا اختاروا الرجوع على المدين لا يجوز لهم الرجوع على الدائن القابض إلا إذا توت حصصهم، أي لم يحصلوا عليها بسبب إعسار المدين. وتحدد حصة كل دائن أما بالاتفاق أو بالقانون كقانون الميراث، وإذا لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يحد نصيب كل منهم فيفترض ان حصصهم متساوية.
ثانياً ـ لا توجد نيابة متبادلة فيما بين الدائنين: يترتب على ان الدين منقسم عند المطالبة ان كل عمل يقوم به احد الدائنين بخصوص الدين انما يقوم به لمصلحة نفسه ولا ينصرف أثره إلى حصص بقية الدائنين، نافعاً كان العمل أو ضاراً. فإذا قام احد الدائنين بقطع تقادم الدين أو اعذر المدين أو قاضاه أو وهبه الدين أو صالحه عليه أو نزل له عن التأمينات المقدمة ضماناً للوفاء فانه يفعل ذلك بالنسبة لحصته وينفذ في حصة هذا الدائن فقط ولا يستفيد أو يضر منه بقية الدائنين.
ـ وقد اختلفت الآراء بشأن استفادة باقي الدائنين عند حصول احد الدائنين على حكم ضد المدين، والرأي الراجح أنهم يستفيدون من هذا الحكم ولا يكلفون بعد ذلك بإثبات حقوقهم لأن الدين المشترك ناشئ عن سبب قانوني واحد ولأن الدين لا يزال مشتركاً بينهم جميعاً.

المطلب الثاني
علاقة الدائنين بعضهم ببعض

تحكم علاقة الدائنين بعضهم ببعض قاعدة جوهرية هي انه ليس للدائن الذي قبض شيئاً من الدين المشترك ان يستبد به لنفسه، حتى لو كال ما قبضه اقل من حصته. فلبقية الدائنين الخيار بين مشاركته فيما قبض وبين الرجوع على المدين بحصصهم. وإذا اختاروا الرجوع على المدين فان وجدوه معسراً رجعوا على الدائن القابض حصته فحملوه نصيبه قي إعسار المدين.
ـ إذا خرج ما قبضه احد الدائنين من يده بتصرف قولي كالبيع أو الهبة أو هلك بخطئه أو إذا لم يستوفي الدائن حقه مباشرة من المدين بل من آخر ككفيل أو محال عليه، كان لباقي الدائنين الرجوع عليه بضمان حصصهم كل بقدر حصته. وإذا هلك المقبوض بسبب أجنبي فيعتبر هذا الدائن مستوفياً لما قبضه من حصته ولا يرجع عليه بقية الدائنين وإنما يرجعون على المدين.
ـ وإذا استوفى الدائن شيئاً آخر ليس من جنس الدين، كأن اشترى أو استأجر من المدين شيئاً بحصته، فليس لباقي الدائنين مشاركته فيما قبض ولكن لهم الرجوع عليه بالضمان كل بنسبة حصته من الدين المشترك.
ـ وإذا صالح احد الدائنين المدين على حصته في الدين، فان كان بدل الصلح من جنس الدين فشركاؤه بالخيار أما مشاركته في المقبوض أو الرجوع على المدين، وان كان البدل من غير جنس الدين فشركاؤه بالخيار أيضا أما مشاركته في المقبوض أو الرجوع على المدين ولكن للدائن الخيار هنا إن شاء سلمهم نصيبهم في المقبوض وان شاء دفع لهم نصيبهم في الدين.
ـ وإذا استوفى احد الدائنين حصته في الدين المشترك بالمقاصة بدين المدين عليه، فان كان دين المدين قد ثبت قبل ثبوت الدين المشترك فلا يرجع عليه بقية الدائنين لأنه لم يستوف شيئاً إنما يكون المدين هو من استوفى دينه في ذمة هذا الدائن. اما إذا كان دين المدين قد ثبت بعد ثبوت الدين المشترك فيعتبر الدائن قد استوفى حصته فيرجع عليه بقية الدائنين بحصصهم.
ـ هناك حالات لا يستوفي فيها الدائن شيئاً ومع ذلك يعتبر مستوفياً لحصته ولكن لا يرجع عليه بقية الدائنين لمشاركته فيما قبض، وهذه الحالات هي:
1ـ الكفالة: إذا كفل أحد الدائنين مديناً للمدين ثم أعسر المكفول (مدين المدين)، ضمن الدائن وسقطت حصته في الدين المشترك بدين المدين على المكفول، ولكن لا يرجع عليه بقية الدائنين حتى لو رجع الدائن على المكفول وحصل منه على مبلغ الضمان بعد ذلك تطبيقاً لقاعدة (الغرم بالغنم).
2ـ الهبة والإبراء: كذلك الأمر إذا وهب أحد الدائنين حصته للمدين أو ابرأه منها فلا يرجع عليه بقية الدائنين والعلة هي إن الدائن لم يقبض شيئاً.
استثناء: القواعد المتقدمة ليست من النظام العام فيجوز الاتفاق على خلافها. فيجوز ان يتفق الدائنون على تقسيم الدين المشترك فيختص كل دائن بحصته ولا يشاركه فيها غيره من الدائنين حتى لو أعسر المدين ولم يحصلوا على حصصهم، ونكون عندئذ أمام تعدد صوري.
******************

الفرع الثاني
الدائنون المتضامنون (التضامن الإيجابي)
معنى التضامن الايجابي: في التضامن الايجابي يكون لكل دائن أن يطالب المدين بكل الدين، وتبرأ ذمة المدين إذا وفى بالدين كله لأي من الدائنين.
مصادر التضامن الايجابي: لا يكون الدائنين متضامنين إلا إذا نص الاتفاق أو القانون على تضامنهم، فمصادر التضامن الايجابي هي الاتفاق أو القانون. وإذا كان الاتفاق مصدر للتضامن فيجب ان يكون صريحاً واضحاً، وان كان ضمنياً فيجب أن لا يكون هناك شك في الصراف نية الطرفين إليه، فلا يستخلص من مجرد وجود ملكية مشتركة مثلاً كما لو باع شخصان سيارة يملكونها ، والشك يفسر لنفي التضامن لا لإثباته.

المطلب الأول
العلاقة بين الدائنين المتضامنين والمدين

تحكم العلاقة بين الدائنين المتضامنين والمدين المبادئ الثلاثة التالية:
المبدأ الأول ـ وحدة المحل:يعني مبدأ وحدة المحل ان لكل دائن المطالبة بكل الدين، وان للمدين الوفاء بكل الدين لأي دائن الدين فان رفض المدين كان للدائن المطالب إجباره بواسطة القضاء، وإذا طالب الدائنون المتضامنون المدين مجتمعين فعليه أن يدفع لكل منهم حصته من الدين فقط. ومن جهة أخرى للمدين أن يختار أي دائن ويدفع له كل الدين، وليس لهذا الدائن أن يرفض قبض الدين ويقتصر على قبض حصته.
قيد: إذا كان للمدين أن يفي بكل الدين لأحد الدائنين إلا إن ذلك مقيد بعدم ممانعة دائن آخر في هذا الوفاء، فإذا انذر الدائن المدين بان يمتنع عن الوفاء لدائن آخر كان للمدين ان يفي لهذا الدائن بحصته من الدين وان يفي بالباقي للدائن الذي اختاره.
المبدأ الثاني ـ الاحتجاج بالدفوع:للمدين ان يدفع حين المطالبة بالدفوع التالية:
الدفوع الخاصة بالدائن المطالب:إذا طالب احد الدائنين المتضامنينالمدين بكل الدين وكان للمدين دفع خاص بهذا الدائن فله أن يتمسك به تجاهه، كالدفع بانقضاء حصته بالمقاصة أو الإبراء أو الهبة…..الخ.
الدفوع الخاصة بدائن آخر: وكذلك إذا كان للمدين دفع خاص بأحد الدائنين الآخرين فله أن يتمسك به تجاه الدائن المطالب وبقدر حصة الدائن الآخر .
الدفوع المشتركة: وهي الدفوع التي تتعلق بأصل الدين، أي بالعقد الذي انشأ الالتزام ، كالدفع ببطلان العقد أو انه موقوف لنقص في أهليته أو لعيب في رضائه، فمثل هذا العيب يمكن الاحتجاج به على جميع الدائنين. وكذلك إذا كان المدين قد وفي كل الدين لأحد الدائنين وبرئت ذمته تجاه جميع الدائنين.
المبدأ الثالث ـ النيابة المتبادلة فيما ينفع لا فيما يضر: بما إن كل دائن يعتبر وكيل عن غيره من الدائنين عند قيامه بعمل يتعلق بالدين، فان قام أي منهم بعمل ضار بالآخرين فلا يسري في حقهم وعلى العكس إذا قام بعمل نافع فان الدائنين الآخرين يستفيدون منه، لان الوكالة تكون فيما ينفع لا فيما يضر.
الأعمال النافعة: ومثالها قطع التقادم ، واعذار الدائن للمدين والمطالبة القضائية بالفوائد، ما لم يكن الحكم قد صدر للدائن بناءاً على سبب خاص به، كتوقف التقادم لمصلحته لطروء نقص على أهليته.
الأعمال الضارة: ومثالها حصول المدين على حكم ضد احد الدائنين واعذراه، أو نزول احدهم عن التأمينات أو تأجيل احدهم الدين كله، فلا يسري كل ذلك في حق باقي الدائنين.

المطلب الثاني
علاقة الدائنين المتضامنين بعضهم ببعض

انقسام الدين: يحكم علاقة الدائنين المتضامنين بعضهم ببعض مبدأ جوهري هو: إن الدين ينقسم فيما بينهم وما يقبضه احدهم يشترك فيه الجميع. وبهذا يشبه التضامن بين الدائنين الدين المشترك. والأصل ان حصص الدائنين تعتبر متساوية ما لم تحدد بنص قانوني أو اتفاقي.
الأساس القانوني لرجوع الدائنين على الدائن القابض: يمكن تلمس هذا الأساس في وكالة ضمنية تستفاد من واقعة التضامن الذي اتفقوا عليه فيما بينهم وهذا يعنى أنهم قد وكل بعضهم بعضاً في قبض الدين. فالدائن القابض يعتبر أصيلاً عن نفسه في القبض ووكيلاً عن الدائنين الآخرين.
******************
الفرع الثالث
المدينون المتضامنون (التضامن السلبي)
يكون المدينون متضامنين إذا كان للدائن مطالبة أي شاء منهم بكل الدين بالرغم من قابلية محل الالتزام للانقسام، وإذا وفى احدهم بالدين برئت ذمته وذمم المدينين الآخرين. كما لو باع الدائن شيئاً لثلاثة أشخاص واشترط أن يكونوا متضامنين في الوفاء بالثمن، كان له مطالبتهم مجتمعين ومنفردين، والمدين الذي يطالبه بالدين يكون ملزماً بالوفاء بالثمن كله.

المبحث الأول
مصادر التضامن بين المدينين

وهما مصدران الاتفاق والقانون:
اولاً ـ الاتفاق: يصح أن يرد الاتفاق على التضامن بين المدينين في صلب العقد أو في اتفاق لاحق، ويجب ان يكون صريحاً لا لبس فيه، كما لا يجوز افتراضه أو استنباطه من مجرد اشتراك مجموعة من الأشخاص في شراء شيء معين من بائعه. فان أراد البائع أن يكونوا متضامنين فعليه اشتراط ذلك بوضوح لا يترك مجالاً للشك، ويفسر الشك لنفي التضامن لا لإثباته.
ـ التضامن بين المدينين في المسائل التجارية على خلاف ما تقدم منصوص عليه في القانون ما لم يشترط خلاف ذلك.
ثانياً ـ القانون: توجد نصوص متفرقة في قوانين مختلفة تقضي بالتضامن بين المدينين، منها نص المادة (871) م.ع من انه: ( إذا كان كل من المهندس المعماري والمقاول مسؤولاً عما وقع في العمل من عيب كانا متضامنين في المسؤولية) وما نصت عليه المادة (186/2) من انه ( إذا اجتمع المباشر والمتسبب ضمن المتعمد أو المتعدي منهما. فلو ضمنا معاً كانا متكافلين في الضمان).

المبحث الثاني
آثار التضامن بين المدينين

أولاً ـ العلاقة بين الدائن والمدينين المتضامنين: يحكم علاقة الدائن بالمدينين المتضامنين ثلاث مبادئ هيوحدة المحـل وتعـدد الروابط والنيابة المتبادلة فيما ينفع لا فيما يضر:
1ـ وحــدة المحـــل: أهم اثر للتضامن بين المدينين يظهر في اعتبار كل مدين ملزماً بكل الدين. فللدائن مطالبة أياً منهم بكل الدين، وان طالب احدهم لا يسقط حقه في مطالبة غيره فله مطالبتهم منفردين ومجتمعين، وليس للمدين المطالب ان يدفع حصته فقط، فان وفى احدهم بالدين برأت ذمته وذمم باقي المدينين، وكان له الرجوع عليهم كل بقدر حصته. وإذا انقضى دين أحد المدينين بغير الوفاء، كالتجديد والمقاصة والإبراء…، فلا يستطيع الدائن مطالبة الآخرين إلا بعد خصم حصة هذا المدين. ذلك أن الدين يعتبر واحداً بالنسبة لجميع المدينين فان انقضى جزء منه فانه ينقضي بالنسبة للمدينين جميعاً.
2ـ تعــــدد الروابـــط: يبقى المدينون المتضامنون رغم وحدة المحل مرتبطين بالدائن إضافة إلى رابطة التضامن بروابط متعددة مختلفة فيما بين كل منهم وبين الدائن، فمن الممكن ان تكون رابطة بعضهم موصوفة وبعضها الآخر بسيطة، فقد تكون إحدى هذه الروابط معلقة على شرط واقف، وأخرى مقترنة بأجل واقف وبعضها منجزة. فيجب على الدائن مراعاة ذلك عند مطالبة المدينين، فلا يستطيع مطالبة من كان دينه معلق على شرط واقف قبل تحقق الشرط ولا من كان دينه مؤجلاً فبل حلول الأجل.
ـ الدفـــــوع: من مقتضى مبدأ تعدد الروابط أن يكون لبعض المدينين المتضامنين دفوع خاصة أو عينية أو مختلطة وكما يأتي:
أ ـ الدفــوع العينيــة (المشتركة): وهي الدفوع التي ترد على أصل الدين ويمكن لجميع المدينين المتضامنين التمسك بها. كالدفع ببطلان العقد وبالتقادم، أو إن العقد معلق على شرط واقف لم يتحقق أو شرط فاسخ تحقق،…. الخ.
ب ـ الدفــوع الشخصيــة: وهي الدفوع التي تتحقق لبعض المدينين المتضامنين فقط، ولا يستفيد منها المدينين الآخرين، كالدفع بنقص الأهلية وعيوب الرضاء.
ج ـ الدفــوع المختلطة: وهي الدفوع التي تتحقق لبعض المدينين المتضامنين ويستفيد منها الآخرون، وهي تنشأ عن انقضاء الدين بالنسبة لأحد المدينين فقط. وسميت مختلطة لأنها شبيهة بالدفوع العينية من جهة حيث يستفيد منها جميع المدينين وبالدفوع الشخصية التي لا يُتمَسك بها إلا بقدر حصة المدين الذي انقضي دينه.
3ـ النيابة المتبادلة فيما ينفع لا فيما يضر: ومعنى النيابة هنا أن كل مدين يعتبر ممثلاً للآخرين في الأعمال النافعة التي يقوم بها دون الأعمال الضارة، فان قام احدهم بعمل نافع استفاد منه الجميع وان قام الدائن بعمل ضار ضد احد المدين اقتصر أثره عليه فقط ولا يتضرر منه المدينون الآخرون. ومن تطبيقات ذلك: انقطاع التقادم أو وقفه وخطأ احد المدينين في تنفيذ التزامه والإعذار والمطالبة القضائية والإقرار والصلح مع احد المدينين.

ثانياً ـ علاقة المدينين المتضامنين فيما بينهم (انقسام الدين): تحكم هذه العلاقة قاعدة جوهرية هي انقسام الدين. فإذا وفى أحدهم بالدين فانه يرجع على كل الآخرين بقدر حصته. وتحدد حصة كل مدين في الدين إما في العقد أو بنص القانون وإذا لم تحدد اعتبرت الحصص متساوية. فإذا اشترى أربعة أشخاص قطعة ارض ولم تحدد حصصهم في الأرض اعتبرت الحصص متساوية وإذا وفى احدهم بالثمن كله رجع على كل من الآخرين بربع الثمن.
وفي العمل غير المشروع يحدد القاضي حصة كل من المدينين في الدين (التعويض)، فإذا اشترك عدة أشخاص في إحداث ضرر لآخر وأمكن تعيين جسامة خطأ كل منهم فالقاضي يحدد في الحكم مقدار ما يتحمله كل منهم من التعويض.
الإعسار: إذا قضى احد المدينين المتضامنين الدين ورجع على الآخرين فوجد بعضهم معسراً وزعت حصة المعسر على المدينين الآخرين.
قضاء الدين بغير الوفاء: إذا قضى احد المدينين الدين بغير الوفاء، كالحوالة والوفاء بمقابل والصلح على بدل ليس من جنس الدين، فانه يرجع على المدينين بما ضمن لا بما أدى فعلاً، حتى لو كان ما أداه أقل قيمة مما ضمن.
فلو كان المدينين أربعة وكان مقدار الدين ألف دينار وتصالح احدهم مع الدائن على سيارة بدل الألف، فانه يرجع على باقي المدينين بقدر حصته من الألف دينار حتى لو كانت قيمة السيارة اقل من ألف دينار. وكذلك الأمر إذا وهب الدائن الدين لأحد المدينين.

ـ إذا كان أحد المدينين المتضامنين فقط هو صاحب المصلحة في الدين ولم يكن باقي المدينون سوى كفلاء ، فالذي يتحمل الدين هو صاحب المصلحة ولا رجوع له على الآخرين إذا قام بالوفاء، ولكن إذا وفاه احد المدينين الآخرين فانه يرجع على المدين صاحب المصلحة بكل الدين.
الأساس القانوني لرجوع المدين الموفي على المدينين الآخرين: إذا وفى أحد المدينين المتضامنين بالدين كان له ان يرجع على المدينين الآخرين إما بدعوى شخصية أو بدعوى الحلول.
وتقوم الدعوى الشخصية على أساس من الوكالة أو الفضول ( لم يأخذ مشرعنا بالفضول كتطبيق للكسب دون سبب) فالمدين الموفي بكل الدين يعتبر أصيلا عن نفسه ووكيلاً عن المدينين الآخرين فيرجع عليهم بدعوى الوكيل تجاه موكله. أما أساس الرجوع بدعوى الحلول هو إن من دفع للدائن حقه يحل محله في هذا الحق، فينتقل إليه هذا الحق بصفاته وتأميناته ودفوعه.
وتمتاز الدعوى الشخصية على دعوى الحلول أنها تمكن المدين الموفي من مطالبة المدينين الآخرين بفوائد المبالغ التي دفعها للدائن كما إن التقادم فيها يسري من تاريخ الوفاء لا من تاريخ استحقاق الدين.
وتمتاز دعوى الحلول على الدعوى الشخصية في إن التأمينات الضامنة للدين تنتقل مع الدين لتضمن للموفي الحصول على ما دفعه ولكن من سلبياتها إن التقادم يسري فيها من تاريخ استحقاق الدين لا من حين الوفاء.
فإذا كانت مدة التقادم واحدة للدعويين فان دعوى الحلول تنقضي قبل دعوى الوكالة. ذلك أن حلول الأجل سابق على الوفاء في الغالب.
***************************
محاظرات الاستاذ فارس حامد عبد الكريم

انتقال الالتزام
يراد بانتقال الالتزام أن يتحول الالتزام ذاته، حقاً كان أو ديناً، من شخص إلى آخر. انتقالاً ايجابياً من دائن إلى دائن آخر باعتباره حقاً شخصياً وهذه هي حوالة الحق، وانتقالاً سلبياً من مدين إلى مد\ين آخر باعتباره ديناً وهذه هي حوالة الدين. والذي ينتقل بالحوالة هو الالتزام ذاته بجميع خصائصه من صفات وضمانات ودفوع، من صفات كالشرط والأجل والفوائد وضمانات كالرهن والامتياز ودفوع كالبطلان وعدم النفاذ. وما تقدم يعرف بانتقال الالتزام بين الأحياء تمييزاً له عن انتقال الالتزام بالوفاة الذي يخضع لقواعد الإرث والوصية.
**************************
الفصل الثامن
حوالة الدين

تعريف، يقصد بحوالة الدين قانوناً: انتقال الدين والمطالبة به من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.
كأن يتفق المدين (المحيل) مع أجنبي (المحال عليه) على أن يتحمل عنه دين دائنه، ويعرف الدائن بـ ( المحال له).
ولم تجز الشرائع القديمة حوالة الدين تمشياً مع النزعة الشخصية للالتزام، بينما أجازتها الشرائع ذات النزعة الموضوعية كالشريعة الإسلامية والقانون الألماني والسويسري، فقد أجازتها الشريعة الإسلامية للناس تسامحاً، وجاء في الحديث الشريف (مطل الغني ظلم فإذا اتبع أحدكم على مليء فليتبع).
أنواع الحوالة: الحوالة نوعان مطلقة ومقيدة، فهي مطلقة إذا لم يكن للمحيل على المحال عليه دين أو عين أصلاً أو إذا لم يقيد المحيل أداء الدين مما له في ذمة المحال عليه من دين أو عين. وهي مقيدة إذا قيد المحيل أداء الدين مما له في ذمة المحال عليه من دين أو عين.

المبحث الأول
أركان الحوالة وشروطها

حوالة الدين اتفاق (عقد) بين طرفين يجب أن تتوافر فيه أركان أي اتفاق من رضا ومحل وسبب. فلا بد من وجود تراض صادر من ذي أهلية وخال من العيوب. والمحل هنا هو الدين المحال، والحوالة ترد على جميع الديون أياً كان محلها، منجزة أو مؤجلة أو معلقة على شرط، وهي تنعقد صحيحة في الدين المستقبل ولكنها لا تنفذ إلا بوجود الدين.
ونحيل فيما تقدم إلى القواعد العامة في نظرية العقد، ولكن نشير إلى بعض الأحكام الخاصة بحوالة الدين.
أ ـ الأهلية: أطراف الحوالة هم المحيل والمحال له والمحال عليه، فان كانوا جميعاً عاقلين بالغين صحة الحوالة ، فان كان بعضهم أو كلهم غير ذلك ففي الأمر تفصيل كما يأتي:
أولاًـ أهلية المحيل (المدين): هي أهلية التعاقد بوجه عام، فالحوالة بالنسبة للمحيل من التصرفات الدائرة بين النفع والضرر، فان كان صغيراً غير مميز فلا تصح حوالته وان كان مميزاً كانت حوالته موقوفة على إجازة وليه.
ثانياًـ أهلية المحال له (الدائن): ويخضع لنفس أحكام المحيل ويضاف إليها انه لا بد لصحة إجازة ولي الصغير المميز من أن يكون المحال عليه أملأ (أغنى) من المحيل وإلا كانت الإجازة والحوالة باطلتين.
ثالثاًـ أهلية المحال عليه (المدين الجديد): هي أهلية الالتزام معاوضة أو تبرعاً تبعاً للعلاقة بينه وبين المحيل (المدين الأصلي)، وهي بالنسبة له من التصرفات الضارة ضرراً محضاً، فلا يجوز للقاصر مميزاً كان أو غير مميز أو مأذوناً قبولها ولو رضي بذلك وليه، وإذا قبلها كان قبوله باطلاً.
ب ـ الديون التي تصح بها الحوالة (المحل): تصح الحوالة بالدين الصحيح الثابت في الذمة فلا تصح الحوالة بالأعيان المعينة، والقاعدة ( إن كل دين لا تصح به الكفالة لا تصح به الحوالة وكل دين تصح به الكفالة تصح به الحوالة إلا الدين المجهول وان صحت به الكفالة). فهي كما تصح بالديون الثابتة أصالة بالذمة كدين القرض والأجرة والثمن
كذلك تصح بالديون الثابتة بالذمة بطريق الكفالة أو الحوالة، فيجوز للكفيل أو المحال عليه أن يحيل الدائن على غيره.
شروط صحة الحوالة: يشترط لصحة الحوالة أن يكون المحيل مديناً للمحال له وإلا فهي وكالة، أي توكيل بالقبض.
انعقاد الحوالة:تتم حوالة الدين إما باتفاق بين المحيل والمحال عليه أو باتفاق بين المحال له والمحال عليه.
أولاً: انعقاد الحوالة باتفاق بين المحيل والمحال عليه: تتم الحوالة عادة في صورة اتفاق بين المحيل (المدين الأصلي) وبين شخص آخر يحل محله في الدين وهو المحال عليه (المدين الجديد).
ولكن ما هو موقف الدائن من هذا الاتفاق؟ خاصة وان شخصية المدين محل اعتبار كبير في الالتزام، فقيمة الالتزام تتوقف على ملأته، فقد يكون المحال عليه معسراً أو موسراً. وقد اختلفت التشريعات حول موقف الدائن (المحال له) من حوالة الدين، كما يأتي:
موقف المشرع العراقي: الحوالة باتفاق المحيل والمحال عليه في القانون العراقي من قبيل العقد الموقوف ، فإذا اقرها الدائن (المحال له) نفذت وان لم يقرها بطلت وكانت بدون اثر حتى بين المتعاقدين. فقد افترض المشرع العراقي إن نية المتعاقدين (المحيل والمحال عليه) قد انصرفت إلى عدم ترتيب أي اثر على الحوالة إذا لم يقرها الدائن. وإذا قام المحيل أو المحال عليه بإبلاغ الحوالة للمحال له وحدد له أجلاً معقولاً لقبول الحوالة ثم انقضى الأجل دون ان يصدر القبول اعتبر سكوت المحال له رفضاً للحوالة.
موقف المشرع المصري: اشترط المشرع المصري إقرار الدائن للحوالة بقصد نفاذها في حقه فقط، فإذا لم يقرها لا تبطل، وإنما لا تنفذ بحقه وتبقى نافذة بين المتعاقدين. فلو رفض الدائن إقرار الحوالة أو لم يحدد موقفه منها ظل المحال عليه طبقاً للمشرع المصري مرتبطاً بعقد الحوالة في علاقته مع المدين، أي ملزماً بالوفاء للدائن متى طلب المدين ذلك، فان تخلف عن الوفاء كان مسؤولاً أمامه بالتعويض .
ـ إقرار الدائن للحوالة: مع مراعاة ما تقدم من فروق بين التشريعات،فان إقرار (قبول) الدائن للحوالة قد يكون صريحاً قولاً أو كتابة أو ضمنياً بصدور عمل من الدائن يكون قاطعاً في دلالته على معنى الإقرار، كاستيفائه للدين من المحال عليه أو جزء منه دون تحفظ. ويجوز أن يصدر القبول في أي وقت بعد انعقاد الحوالة ولم قبل ان يعلن بها، ويعتبر سكوت المحال عليه بعد إعلانه بها لمدة معقولة رفضاً للحوالة.
ـ رفض الدائن للحوالة: للدائن أن يرفض الحوالة، فلا يجبر على قبول مدين على الرغم منه، وعندها، حسب مشرعنا، تعتبر الحوالة كأن لم تكن،أي باطلة حتى بين المحيل والمحال عليه. وإذا رفض الدائن الحوالة ليس له يقرها بعد ذلك.
ثانياًـ انعقاد الحوالة باتفاق الدائن والمحال عليه: وفي هذه الطريقة تتم الحوالة باتفاق بين الدائن والمحال عليه فلا يشترك المدين في العقد فتتم الحوالة وتنفذ في مواجهته بدون موافقته، لأنه بموجب القواعد العامة يجوز للأجنبي أن يفي بالدين دون رضاء المدين، إلا إن اثر عدم موافقة المدين يظهر في إن المحال عليه الموفي لا يستطيع الرجوع على المدين الأصلي لأنه يعتبر متبرعاً، فالرجوع على المدين الأصلي لا يكون إلا بإقراره للحوالة أو إذا تبين من الظروف إن للموفي مصلحة في الوفاء أو اثبت انه لم يكن عنده نية التبرع.

المبحث الثاني
أحكام حوالة الدين

أولاً ـ علاقة المحال له بالمحال عليه:
أـ أحكام الحوالة المطلقة: تتلخص هذه العلاقة في انتقال الدين من ذمة المحيل (المدين الأصلي) إلى المحال عليه (المدين الجديد) الذي يحل محل المحيل في نفس الدين بضماناته ودفوعه، ويتم هذا الاستخلاف من تاريخ انعقاد الحوالة.
1ـ يحل المحال عليه محل المحيل في نفس الدين: فهو يخلفه في نفس الدين بصفاته كالأجل والتعليق على شرط أو كان تجارياً أو ثابتا بسند تنفيذي أو منتجاً لفوائد ويقع هذا الحلول في كلتي صورتي الحوالة من تاريخ انعقادها.
2ـ ينتقل الدين إلى المحال عليه بضماناته: يفرق المشرع العراقي بين التأمينات المقدمة من المدين والتأمينات المقدمة من الغير. فالرهن التأميني أو الحيازي المقدم من المدين ينتقل مع الدين ويبقى ضامناً للوفاء. أما التأمينات العينية مثل الكفالة العينية أو الشخصية مثل الكفالة المقدمة من غير المدين فإنها تسقط ما لم يرض الكفيل بالحوالة.
3ـ ينتقل الدين إلى المحال عليه بدفوعه: للمحال عليه أن يتمسك قبل المحال له بالدفوع المتعلقة بذات الدين كالبطلان لعدم مشروعية محل أو سبب الدين أو الوفاء والإبراء وله التمسك بالدفوع المتعلقة بشخصه كنقص أهليته دون الدفوع المتعلقة بشخص المحيل كنقص أهلية المحيل، وله فضلاً عن ذلك أن يتمسك بالدفوع المستمدة من عقد الحوالة كالدفع ببطلان عقد الحوالة ذاته أو عيباً شاب إرادته عند قبوله الحوالة.
براءة ذمة المحال عليه من الدين: تبرأ ذمة المحال عليه من الدين بأداء المحال به (الدين) أو بحوالته على آخر أو بالإبراء أو الهبة أو باتحاد الذمة أو بأي سبب آخر يقضي الالتزام. وإذا لم يحصل المحال له على كل المحال به من المحال عليه وكان له الرجوع على المحيل فانه يرجع عليه بالباقي، وإذا مات المحال عليه مديناً، يُقسم ماله بين الدائنين وبين المحال له بالحصص وما بقي للمحال له بعد القسمة يرجع به على المحيل إذا كان له حق الرجوع .
ب ـ أحكام الحوالة المقيدة: قد تكون الحوالة مقيدة بعين لدى المحال عليه أو بدين للمحيل في ذمة المحال عليه:
1ـ إذا كانت الحوالة مقيدة بعين للمحيل مودعة عند المحال عليه، فأحال المحيل دائنه على الوديع (المحال عليه) ليستوفي حقه من هذه العين. ففي هذه الحالة لم يتعلق الدين بذمة المحال عليه وإنما تعلق بالعين المودعة. ولهذا فان المحال عليه لا يجبر على أداء الدين لأنه ليس ملزماً وإنما يجبر على بيع العين المودعة وتسديد الدين من ثمنها.
فاذا هلكت العين بعد الحوالة وقبل تسديد الدين بسبب أجنبي بطلت الحوالة وعاد الدين إلى ذمة المحيل وكذلك الحكم إذا استحقت العين للغير. أما إذا هلكت العين بخطأ من الوديع المحال عليه تبقى الحوالة صحيحة ويحل التعويض محل ثمن العين يستوفي منه دينه. اما إذا كانت العين مغصوبة فلا تبطل الحوالة إذا هلكت بخطأ الغاصب أو بسبب أجنبي لأنها مضمونة في الحالتين فيحل التعويض محل ثمنها، اما إذا استحقت العين المغصوبة للغير بطلت الحوالة وعاد الدين إلى ذمة المحيل .
2ـ إذا كانت الحوالة مقيدة بدين للمحيل في ذمة المحال عليه: أما إذا كان للمحيل دين على المحال عليه وقيد الحوالة بهذا الدين وسقط الدين، فيجب التمييز بين حالتين:
أـ سقوط الدين بأمر عارض بعد الحوالة: في هذه الحالة لا تبطل الحوالة، فلو أحال البائع غريمه على المشتري بثمن المبيع ثم هلك المبيع عند البائع قبل تسليمه للمشتري وسقط الثمن أو رد المشتري المبيع لعيب فيه فلا تبطل الحوالة، ويكون للمحال عليه بعد الأداء الرجوع بما أداه.
ب ـ سقوط الدين بأمر سابق على الحوالة: في هذه الحالة تبطل الحوالة إذا تبينت براءة المحال عليه، فلو أحال البائع غريمه على المشتري بثمن المبيع ثم استحق المبيع للغير بطلت الحوالة وعاد الدين على المحيل. وإذا كان المشتري قد أوفى الدين للمحال له، فيكون للمشتري الخيار في الرجوع على البائع بدعوى البيع وإما على المحال له بدعوى ما دفع دون حق.

ثانياً ـ علاقة المحال له بالمحيل: إذا قبل المحال له الحوالة ورضي المحال عليه بها برىء المحيل من الدين والمطالبة معاً وثبت للمحال له حق مطالبة المحال عليه ولا يمكن بعد ذلك للمحال له مطالبة المحيل حتى لو أعسر المحال عليه وتعذر عليه الحصول على دينه إلا إذا اشترط في الحوالة خيار الرجوع أو بطلت الحوالة المقيدة بسقوط الدين أو هلاك العين أو استحقاقها كما سبق البيان.

ثالثاً ـ علاقة المحال عليه بالمحيل: تتحدد اثار علاقة المحال عليه بالمحيل بما بينهما من علاقة سابقة على الحوالة. فالمحال عليه قد يقصد من تحمله للدين إلى إقراض المدين قيمة الدين، أو التبرع به، أو وفاء دين سابق عليه له. وعلى وجه العموم يعتبر المحال عليه انه أدى إلى المدين التزاماً بقدر قيمة الحوالة. وكما يأتي:
أـ بالنسبة للحوالة المطلقة: سبق ان رأينا ان الحوالة تكون مطلقة إذا لم يكن للمحيل على المحال عليه دين أو عين أصلاً أو إذا لم يقيد المحيل أداء الدين مما له في ذمة المحال عليه من دين أو عين. فإذا لم يكن المحال عليه مديناً للمحيل ولم يكن عنده عين مودعة أو مغصوبة، فانه يرجع على المحيل بعد الأداء لا قبله، ويرجع عليه بالمحال به لا بما أداه فعلاً، فإذا كان المحال به مبلغاً من النقود ولكن المحال عليه أدى شيئاً آخر كسيارة مثلاً، فانه يرجع على المحيل بالمبلغ المحال به لا بقيمة السيارة ويكون هناك وفاء بمقابل.
وإذا كان المحال عليه مديناً للمحيل أو كان للمحيل عنده عين مودعة أو مغصوبة ولم يقيد المحيل الأداء بما له على المحال عليه من دين أو عين فان للمحيل أن يطالب المحال عليه بالدين الذي له بذمته أو بالعين المودعة أو المغصوبة. وذلك إلى ان يؤدي المحال عليه الدين للمحال له. فإذا أداه سقط ما عليه للمحيل بقدر ما أدى.
ب ـ بالنسبة للحوالة المقيدة: إذا كانت الحوالة مقيدة بدين للمحيل على المحال عليه أو عين مودعة أو مغصوبة فلا يملك المحيل بعد الحوالة مطالبة المحال عليه وليس للمحال عليه الدفع للمحيل وإلا كان ضامناً للمحال له.
فالحوالة المقيدة تمنع بمجرد انعقادها المحيل من مطالبة المحال عليه بالدين أو العين الذي قيدت به الحوالة وذلك تطبيقاً لقاعدة ( من التزم بالضمان امتنع عليه التعرض). وإذا أعسر المحيل قبل أداء الدين فليس لسائر الغرماء أن يشاركوا المحال له لتعلق حقه بمجرد انعقاد الحوالة بالدين أو بالعين فكأنه أصبح مرتهناً لها، وهذا هو رأي الإمام زفر من فقهاء المذهب الحنفي.

الفصل التاسع
حوالة الحق

تعريفها: حوالة الحق: عقد بمقتضاه ينقل شخص هو الدائن بالالتزام ويسمى بالمحيل حقه إلى شخص آخر هو الدائن الجديد لهذا الالتزام ويسمى المحال له، قبل شخص ثالث هو المدين في هذا الالتزام ويسمى المحال عليه.
أغراض الحوالة: للحوالة أغراض مختلفة فقد يراد منها بيع الحق من المحيل للمحال له فتسري بينهما أحكام عقد البيع، وقد يراد منها التبرع بالحق للمحال له فتسري أحكام عقد الهبة بينهما، وقد يكون الغرض رهن الحق للمحال له فتسري بينهما أحكام الرهن وأهمها وجود دين للمحال له في ذمة المحيل.

المبحث الأول
أركان حوالة الحق وشروطها

الحوالة عقد مما يجب توفر أركان العقد من تراض ومحل وسبب.
1ـ التراضي: يشترط رضاء المتعاقدين وهما المحيل والمحال له وان تكون إرادتهم سالمة من العيوب وان يكونوا أهلاً للتعاقد، ولا يشترط رضاء المحال عليه لانه ليس طرفا في عقد الحوالة،.
2ـ السبب: يشترط ان يكون للحوالة سبب مشروع.
3ـ المحل: المحل في الحوالة هو الحق المحال، والقاعدة إن جميع الحقوق الشخصية تجوز حوالتها أياً كان محلها. نقوداً أو مجرد حق احتمالي أو مستقبل أو متنازعاً فيه.

حالات امتناع الحوالة: هناك حالات تمتنع فيها حوالة الحق هي:
1ـ نص القانون: فقد ينص القانون على منع حوالة بعض الحقوق، كما هو الحال بالنسبة للحقوق التي لا يجوز الحجز عليها وفي حدود الجزء غير القابل للحجز، فديون النفقة ورواتب الموظفين وأجور العمال لا تجوز حوالتها إلا بقدر ما يجوز الحجز عليها.
2ـ اتفاق المتعاقدين: قد تمتنع الحوالة باتفاق المتعاقدين، كأن يشترط المؤجر على المستأجر عدم النزول عن الإيجار لغيره، ومن ذلك ما تشترطه هيئات النقل العام من عدم جواز النزول إلى الغير عن تذكرة النقل.
3ـ طبيعة الحق: قد تمتنع الحوالة بسبب طبيعة الحق، وذلك في الحالات التي يكون فيها الحق متصلاً اتصالاً وثيقاً بشخص الدائن أو روعيت فيه شخصيته، كالمزارعة وحق الشريك في شركات الأشخاص وحق الدائن بالنفقة.
شروط الحوالة: هناك نوعان من الشروط، شروط الانعقاد وشروط النفاذ:
1ـ شروط انعقاد الحوالة: يكفي لانعقاد الحوالة تراضي المتعاقدين وهما المحيل والمحال له ، ولا يشترط رضاء المدين (المحال عليه) الذي في ذمته الحق والسبب في ذلك ان انتقال الحق منى دائن إلى آخر ليس من شأنه الإضرار بالمدين، وكان بإمكانه الاتفاق مع الدائن على عدم جواز الحوالة. والحوالة اتفاق رضائي يكفي فيه الإيجاب والقبول دون حاجة لإتباع شكلية معينة حتى لو كان المحال به مضموناً بتأمين عيني،إلا انه لا يمكن التمسك بحوالة حق عيني قبل الغير إلا إذا اشر في السجل الأصلي للتأمين.
2ـ شروط نفاذ الحوالة: لا تكون الحوالة نافذة في حق المحال عليه أو في حق الغير إلا إذا قبلها المحال عليه أو أعلنت له. على إن نفاذها في حق الغير بقبول المحال عليه يستلزم أن يكون هذا القبول ثابت التاريخ. وعليه نميز هنا بين نفاذ الحوالة بالنسبة للمدين وبين نفاذها بالنسبة للغير:

أ ـ نفاذ الحوالة بالنسبة للمدين: لا تكون الحوالة نافذة في حق المدين إلا بأحد إجراءين: إعلانه بالحوالة أو قبوله لها. ويتم الإعلان بواسطة الكاتب العدل عادة بطلب من المحيل ومصلحته التخلص من الضمان أو بطلب من المحال له ومصلحته الاستئثار بالحق المحال به لنفسه. ويغني قبول المدين للحوالة عن الإعلان، وينبغي ان يقع القبول في وقت الحوالة أو بعدها ولا عبرة بالقبول السابق لان النفاذ يتطلب علمه بالحوالة وبالمحال له. وقبول المدين للحوالة لا يجعله طرفاً فيها لان القبول شرطاً لنفاذها بحقه فيبقى أجنبياً عنها.
وإذا رفض المدين الحوالة فما على احد طرفيها إلا إعلانه بها لتكون نافذة بحقه، ولا يشترط لنفاذها بحقه أن يكون تاريخها ثابتاً بشكل رسمي بل لا يشترط للقبول شكل خاص فيجوز أن يكون مكتوباً أو شفوياً. وقبول المدين للحوالة لا يعني إسقاط حقه في التمسك في مواجهة الدائن الجديد بالدفوع التي كانت له في مواجهة الدائن القديم.
واذا علم المدين بالحوالة بغير الإعلان الرسمي أو القبول فلا تنفذ بحقه، ومع ذلك فعليه في هذه الحالة الامتناع عن أي تصرف ينطوي على غش من ناحيته وعلى التواطؤ من ناحية الدائن القديم (المحيل)، كقيامه بالوفاء للمدين القديم مقابل حصوله على تخفيض لقيمة الدين، فهذا الوفاء لا يعتد به في مواجهة الدائن الجديد عملاً بقاعدة (الغش يفسد كل شيء).

ب ـ نفاذ الحوالة بالنسبة للغير: المقصود بالغير هو كل شخص يضار من نفاذ الحوالة، لا كل شخص أجنبي لا علاقة له بالحوالة. ومن قبيل الغير ان يحيل الدائن حقه إلى أكثر من دائن جديد، فيصبح كل دائن جديد من الغير بالنسبة لكل واحد من هؤلاء الدائنين الجدد، أو أن يرهن الدائن حقه لشخص ويبيعه لشخص آخر، فيصبح كل من المحال له المرتهن والمحال له المشتري من الغير بالنسبة للآخر.
وتصبح الحوالة نافذة في حق الغير بإعلانها للمدين أو بقبوله لها قبولاًً ثابت التاريخ وبخلافه لا تكون نافذة الا بحقه دون الغير.

المبحث الثاني
أحكام حوالة الحق

1ـ العلاقة بين المحال له والمحال عليه: نميز بين الفترة التي تسبق إعلان الحوالة أو قبولها والفترة التي تلي إعلان الحوالة أو قبولها.
أـ قبل إعلان الحوالة أو قبولها:بالنسبة للمحال له في هذه المرحلة فان دائنيته ينقصها النفاذ ولكنها تولد بعض الآثار، فللدائن المحال له أن يتخذ من الإجراءات التحفظية ما يحافظ به على الحق الذي انتقل إليه، كقطع التقادم فيعمد إلى المطالبة القضائية التي تقطع التقادم والتي تتضمن بطبيعة الحال إعلاناً للحوالة، وله أن يبادر إلى تسجيل رهن أو حق امتياز يكفل الحق المحال به وان يوقع حجزاً احتياطياً تحت يد المدين المحال عليه ويتابع إجراءاته.
اما بالنسبة للمحال عليه في هذه المرحلة فعليه إذا علم بالحوالة فعلاً قبل إعلانه أو قبوله فعليه في هذه الحالة الامتناع عن أي تصرف ينطوي على غش من ناحيته وعلى التواطؤ من ناحية الدائن القديم (المحيل) إضرارا بالمحال له ، وليس له ان يتواطأ غشاً مع محال له تالٍ للمحال له الأول، فيقبل الحوالة الثانية حتى يجعلها نافذة قبل الحوالة الأولى.
ب ـ بعد إعلان الحوالة أو قبولها: تصبح الحوالة في هذه المرحلة نافذة في حق المحال عليه، وينتقل بالنسبة إليه الحق المحال به من المحيل إلى المحال له بكل صفاته وتوابعه وضماناته:
1ـ ينتقل الحق بكل صفاته: فان كان حقاً مدنياً أو تجاريا أو قابلاً للتنفيذ بموجب حكم أو سند رسمي أو منتجاً لفوائد، انتقل بأياً من صفاته هذه إلى المحال له.
2ـ ينتقل الحق بكل ضماناته: ينتقل الحق مع ضماناته إلى المحال له، من كفالة أو امتياز أو رهن أو أي تأمين آخر.
3ـ انتقال الدعاوى التي تحمي الحق: ومن توابع الحق المحال به الدعاوى التي تحميه وتؤكده كدعوى الفسخ، فإذا حول البائع الثمن، ولم يقم المشتري بالوفاء به إلى المحال له، كان للأخير أن يرفع دعوى فسخ البيع ضد المشتري، فإذا قضي بالفسخ عاد الشيء المبيع إلى المحال له لا المحيل.
4ـ الدفوع التي للمحال عليه أن يتمسك بها قبل المحال له: ينتقل الحق من المحيل إلى المحال عبه بالدفوع التي كانت عليه، فيستطيع المحال عليه أن يتمسك قبل المحال له بالدفوع التي كان يستطيع أن يتمسك بها قبل المحيل وقت إعلان الحوالة أو قبولها، كالدفع بانقضاء الحق أما بالوفاء أو التجديد أو الإبراء أو أي سبب من أسباب انقضاء الالتزام سواء كان الانقضاء سابقاً على صدور الحوالة أو تاليا لها مادام إن الحق قد انقضى قبل إعلان الحوالة أو قبولها. وكذلك الدفع بان الحق مصدره باطل أو عقد قابل للفسخ أو إن الحق معلق على شرط واقف لم يتحقق.. .
وللمحال عليه ان يتمسك بالدفوع التي ترجع إلى عقد الحوالة ذاته، كالدفع ببطلان عقد الحوالة ذاته أو الدفع بصوريته إذا كان عقداً صورياً وله أن يثبت الصورية بجميع الطرق ولو بالبينة والقرائن لأنه ليس طرفاً في الصورية.

2ـ العلاقة بين المحيل والمحال له : الحوالة أما أن تكون بعوض فتكون بيعا وطبقت أحكام البيع أو بغير عوض فتكون هبة وطبقت أحكام الهبة، وأهم التزامات البائع (المحيل) التزامه بالتسليم والتزامه بالضمان، واهم التزامات المشتري (المحال له) التزامه بدفع الثمن. اما في الهبة فالواهب لا يلتزم بالضمان إلا إذا أخفى سبب استحقاق الحق المحال به على المحال له وتضرر الأخير فيرجع على المحيل بالتعويض.

أولاً ـ التزام المحيل بالتسليم: يجب على المحيل أن يسلم المحال له سند الحق المحال به وان يقدم له وسائل إثبات هذا الحق وما هو ضروري من بيانات لتمكينه من حقه.

ثانياًً ـ التزام المحيل بالضمان: القاعدة إن المحيل لا يلتزم بالضمان إلا إذا كانت الحوالة بعوض، أما المتبرع فغير ضامن، فان كانت الحوالة بعوض فيجب أن نفرق بين الضمان القانوني والضمان الاتفاقي:
أـ الضمان القانوني: وهو الضمان الذي ينظمه القانون عندما يخلو عقد الحوالة من اتفاق ينظم أحكام الضمان، وفي هذه الحالة لا يكون المحيل إلا ضامناً لوجود الحق وصحته عند الحوالة ولم ينقض بأي سبب من أسباب الانقضاء، فان كان الحق كذلك وقت الحوالة لم يكن المحيل مسئولاً عما قد يطرأ من أسباب السقوط التي لا ترجع إليه كسقوط الدين بالتقادم بعد الحوالة، وهو لا يضمن للمحال له ملاءة المدين وقدرته على الوفاء، ويمتد الضمان إلى التوابع، كالتأمينات الضامنة للحق المحال.
ب ـ الضمان الاتفاقي: يستطيع المتعاقدان تنظيم الضمان باتفاقهما، فالحكم السابق هو حكم قانوني مكمل لإرادة المتعاقدين، وعلى النحو الآتي:
1ـ التشديد: يجوز أن يشترط المحال له أن يضمن المحيل يسار المدين، إلا إن هذا الشرط ينصرف إلى يسار المدين وقت الحوالة ما لم ينص في العقد إن المحيل ضامن يسار المدين حتى يقتضي المحال له حقه. واشتراط الضمان المتقدم يؤدي إلى التزام المحيل بقيمة عوض الحوالة فقط، لا بقيمة الحق المحال به ولو وجد اتفاق يقضي برد أكثر من ذلك.
2ـ التخفيف: من جانب اخر يجوز تخفيف الضمان أو الإعفاء منه، فيجوز الاتفاق على إن المحيل لا يضمن وجود الحق ولا صحته فضلاً عن عدم ضمانه يسار المدين، ويستثنى من ذلك مسؤولية المحيل عن أفعاله الشخصية كالتعدي.

3ـ العلاقة بين المحيل والمحال عليه:

أ ـ الفترة التي تسبق إعلان الحوالة: يبقى المحيل، قبل نفاذ الحوالة في حق المحال عليه، هو الدائن للمحال عليه. فيستطيع التصرف بالحق المحال به بكافة أنواع التصرفات، فله أن يستوفيه منه، أو أن يقضيه بأحد أسباب انقضاء الالتزام، ولدائني المحيل الحجز على الحق المحال به. إلا انه لا تبرأ ذمة المحال عليه إذا كان يعلم بالحوالة وقام مع ذلك بالوفاء للمحيل لان ذلك يعتبر تواطؤاً منه مع المحيل على الإضرار بالمحال له، فالغش يفسد كل شيء.
ب ـ الفترة التي إعلان الحوالة أو قبولها: إذا أعلنت الحوالة أو قبلت فإنها تصبح نافذة في حق المحال عليه وفي حق الغير. ويصبح المحيل أجنبياً بالنسبة المحال عليه فلا يستطيع مطالبة المحال عليه بالدين ولا التصرف به، كما لا يمكن للمحال عليه الوفاء للمحيل فان أوفاه لا تبرأ ذمته ويجب عليه الوفاء مرة ثانية للمحال له، كما لا يجوز لدائني المحيل ان يحجزوا على الحق المحال به تحت يد المحال عليه.

4ـ العلاقة بين المحال له والغير: الغير هو كل من تعلق له حق بالحق المحال به، او هو كل شخص يضار من نفاذ الحوالة. فيعد من الغير المحال له الثاني والدائن الحاجز على الحق المحال به. والقاعدة إن الحوالة لا تنفذ في حق الغير إلا إذا قبلها المدين قبولاً ثابت التاريخ أو أعلن بها. وقد واجه المشرع حالة قيام نزاع بين أكثر من محال إليه بنفس الحق وحالة النزاع بين المحال له ودائن حاجز على الحق المحال به، وكما يأتي:
أـ التزاحم بين محال له ومحال له آخر: تنص المادة (373) مدني على انه (إذا تعددت الحوالة بحق واحد فضلت الحوالة التي تصبح قبل غيرها نافذة في حق الغير). فالمفروض ان المحيل قد حول حقه مرة أولى ثم حول نفس الحق مرة أخرى، سواء كانت الحوالة في اية مرة من المرتين على سبيل البيع أو الهبة أو الرهن أو غير ذلك، فالعبرة حسب النص عند التزاحم والمفاضلة بينهما ليس بتاريخ صدور الحوالة، بل بالتاريخ الثابت لإعلانها أو لقبولها.
ب ـ التزاحم بين المحال له والدائنين الحاجزين: حسب نص المادة (374) يجب التمييز بين ثلاث حالات:
1ـ التزاحم بين المحال له والدائن الحاجز المتأخر: لم يرد نص بها لوضوحها. فالمفروض ان الحوالة قد نفذت في حق الدائن الحاجز قبل تاريخ إعلان الحجز، فانتقل الحق المحال به من المحيل إلى المحال له بالنسبة للدائن الحاجز قبل توقيع الحجز، فيكون الحجز وقت توقيعه قد وقع على حق غير مملوك للمدين، فيقع باطلاً لانعدام المحل ومن ثم يتقدم المحال له على الدائن الحاجز، ويستولي أولاً على قيمة الحوالة.
2ـ التزاحم بين المحال له والدائن الحاجز المتقدم: وتتحقق هذه الحالة إذا قام احد دائني المحيل بالحجز تحت يد المحال عليه، قبل ان تصبح الحوالة نافذة بالنسبة للغير، ثم جاء نفاذ الحوالة بحق الغير متأخراً بعد نفاذ الحجز. وقد اعتبر المشرع ان المحال له في حكم من قام بتوقيع حجز ثان، ولأن المبدأ المقرر هو المساواة بين الدائنين الحاجزين لا فرق بين حاجز متقدم وحاجز متأخر، مما يؤدي إلى مساواة كل من الحاجز المتقدم والمحال له، فان لم يكن المال كافياً لوفاء حقهما، فانه يقسم بينهما قسمة غرماء.
3ـ التزاحم بين المحال له والدائن الحاجز المتقدم والدائن الحاجز المتأخر (حوالة بين حجزين):
نفرض في هذه الحالة ان الحاجز الأول أعلن حجزه قبل صيرورة الحوالة نافذة بحقه، ثم صارت الحوالة نافذة في حق الغير، وبعد ذلك أعلن الحاجز الثاني حجزه. فلدينا حاجز متقدم ثم محال له ثم حاجز متأخر، وحسب نص المادة 314 مدني فأن الدين يقسم بينهم قسمة غرماء، على أن يؤخذ من حصة الحاجز المتأخر ما تستكمل به حصة المحال له. فلو فرضنا ان الحق الذي للمحيل في ذمة المحال عليه هو 900، وكان حق الحاجز المتقدم 300، وحق المحال له 300، وحق الحاجز المتأخر 600، فإننا اولاً نقسم الحق وقيمته 900 بين الثلاثة قسمة غرماء، فينال الحاجز المتقدم 225 والمحال له 225 والحاجز المتأخر 450. ثم تستكمل حصة المحال له إلى 300 من حصة الحاجز المتأخر حتى يستوفي المحال له قيمة الحوالة كلها، فتنزل حصة الحاجز المتأخر إلى 375. وتكون حصص الثلاثة نهائيا: للحاجز المتقدم 225 وللمحال له 300 وللحاجز المتأخر 375.
والعلة في هذا الحكم إن المشرع أراد أن يجعل الحاجز المتأخر يزاحم الحاجز المتقدم. واراد في الوقت ذاته ألا يأخذ الحاجز المتأخر شيئاً قبل أن يستوفي المحال له كل حقه لان الحوالة المتقدمة تجب الحجز، فادى تطبيق هاتين الفكرتين معاً (مزاحمة الحاجز المتأخر للحاجز المتقدم والحوالة المتقدمة تجب الحجز المتأخر). إلى هذا الحل التشريعي.

الباب الرابع
انقضاء الالتزام

وجود الحق الشخصي أو الالتزام مؤقت، فهو إلى زوال حتماً، إما بالوفاء أو بغيره، فالالتزامات المؤبد باطلة، لان في تأبيد الالتزام تقيد للحرية الشخصية للفرد.
وحسب نصوص المواد من 375 ـ 443 مدني عراقي يمكن تقسيم طرق انقضاء الالتزام إلى ثلاثة أقسام:
أولاً: الوفاء: وهذا هو الطريق الطبيعي لانقضاء الالتزام، وهو يسقط الالتزام بتنفيذه.
ثانياً: انقضاء الالتزام بما يعادل الوفاء: ويتضمن، 1ـ الوفاء بمقابل (الاعتياض)، وهو اتفاق الدائن والمدين على نقل ملكية شيء أو إنشاء حق عيني عوضاً عن تنفيذ الالتزام الأصلي ويقوم المدين بالوفاء بالمقابل فوراً. 2ـ التجديد وهو يسقط الالتزام بإنشاء التزام جديد يحل محله وذلك إما بتغير محل أو مصدر الدين أو بتغيير المدين أو الدائن، ومن صور التجديد الإنابة في الوفاء. 4ـ اتحاد الذمة وهو اجتماع صفتي الدائن والمدين في شخص واحد بالنسبة لدين واحد.
ثالثاً: انقضاء الالتزام دون أن يوفى به: ويتضمن، 1ـ الإبراء وهو نزول عن الحق بدون مقابل. 2ـ استحالة التنفيذ بسبب أجنبي، حيث ينقضي الالتزام إذا اثبت المدين أن الوفاء به أصبح مستحيلاً عليه لسبب أجنبي لا يد له فيه. وهذا الحكم هو تطبيق لقاعدة طبيعية مؤداها انه لا تكليف بمستحيل. 3ـ التقادم المسقط وهو يقضي الالتزام بمرور الزمن.

الفصل العاشر
الوفاء

التكييف القانوني للوفاء: الوفاء هو الطريق الطبيعي لانقضاء الالتزام، لأنه تنفيذ لما التزم به المدين تنفيذاً عينياً.
ويعد الوفاء واقعة مختلطة من العمل المادي والتصرف القانوني، فهو تنفيذ مادي للالتزام كتسليم شيء معين كالنقود أو قيام بعمل كبناء دار .. كما انه تصرف قانوني لأنه اتفاق على قضاء الدين. إلا ان صفته الغالبة هي كونه تصرف قانوني مما يتطلب ان تتوفر فيه أحكام التصرف القانوني من رضا صادر من ذي أهلية وسالماً من عيوب الإرادة ومحل وهو نفس محل الدين الذي يوفى به، وسبب وهو الباعث الدافع للوفاء ويتمثل بقضاء الدين.
محاظرات الاستاذ فارس حامد عبد الكريم

المبحث الأول
طرفا الوفاء

طرفا الوفاء هما الموفي والغالب انه المدين وقد يكون غير المدين، والموفى له والغالب انه الدائن وقد يكون غير الدائن، وعلى التفصيل الاتي:

اولاً: الموفي:
ـ ممن يصح الوفاء:الأصل أن يتم الوفاء من المدين نفسه لأنه صاحب المصلحة في قضاء الدين، وقد يتولاه عنه نائبه القانوني كالولي أو ألاتفاقي كالوكيل. وقد يتم الوفاء من غير المدين تكون له مصلحة في الوفاء كالكفيل والمدين المتضامن أو الحائز للعقار المرهون لضمان هذا الدين، وقد لا تكون له مصلحة في الوفاء لرغبته في التبرع للمدين بقيمة الدين الذي أوفاه. والأصل انه ليس للدائن رفض الوفاء من غير المدين، فهو ملزم بقبوله إلا في حالتين:
الأولى: إذا نص الاتفاق عليه أو قضت طبيعة الالتزام ان يقوم به المدين بنفسه كون شخصيته محل اعتبار لصفة أو كفاءة فيه، مما يجوز للدائن ان يرفض الوفاء من غيره.
الثانية: إذا كان الغير الذي يريد الوفاء بالدين لا مصلحة له في ذلك، واعترض المدين على قبول الوفاء منه وابلغ الدائن هذا الاعتراض وفي هذه الحالة يكون الدائن حراً بين قبول الوفاء من الغير أو رفضه.
ـ شروط صحة الوفاء: اياً كان الموفي فانه يشترط لصحة الوفاء شرطان، هما:
اولاًـ ان يكون الموفي مالكاً للشيء الذي يوفي به: فلو لم يكن مالكاً لما يوفي به لاعتبر ذلك تصرفاً في ملك الغير موقوفاً على إجازة المالك، فإذا أجازه نفذ وتعتبر الإجازة توكيلاً، وان لم يجزه بطل وفي هذه الحالة للمالك أن يقيم دعوى الاسترداد على الدائن فان اثبت ملكيته للشيء الموفى به بالبينة كان للدائن الرجوع على الموفي. وكذلك الحكم إذا هلك الشيء الموفى به بيد الدائن واخذ المالك بدله.
ثانياً ـ ان يكون الموفي أهلاً للتصرف في الشيء الذي يوفي به: فإذا كان المدين صغيراً مميزاً أو كبيراً معتوهاً أو محجوراً عليه لسفه أو غفلة، فان وفاءه يكون موقوفاً لنقص أهليته ويجوز للموفي أن يسترد ما وفاه، ولكن المشرع قيد حقه في الاسترداد فمنعه منه إذا أ وفى بنفس الشيء المستحق لا بأفضل منه وكان ملزماً بهذا الوفاء لوفائه بدينه الشخصي ولم يلحق الوفاء به ضرراً، أما إذا الحق به ضرراً جاز له نقضه لنقص أهليته.
رجوع الموفي على المدين: إذا تم الوفاء من المدين أو نائبه فلا رجوع له على احد لأنه اوفى دين نفسه. اما إذا كان الموفي غير المدين ، سواء له مصلحة في الوفاء أم لا، فانه ما لم يكن متبرعاً بنية واضحة لوفاء الدين لان التبرع لا يفترض فيجوز له ان يرجع على المدين بما وفاه عنه عن طريق دعوى شخصية هي دعوى الوكالة إذا تم الوفاء بامر المدين أو هي دعوى الكسب دون سبب إذا تم الوفاء بلا امر المدين إذا تبين ان له مصلحة في الوفاء أو انتفت نية التبرع لديه وبخلافه يعتبر متبرعاً لا رجوع له على المدين.
وقد يكون للموفي كذلك دعوى الحلول، أي الوفاء مع الحلول، ويقصد بالوفاء مع الحلول، انه إذا وفى الدين غير المدين، وما لم يكن متبرعاً، فانه يحل محل الدائن في نفس الدين الذي وفاه ويرجع على المدين بهذا الدين نفسه لا بدين جديد، وحلول الموفي محل الدائن اما ان يكون بحكم القانون ويقال له الحلول القانوني أو ان يكون بموجب الاتفاق ويقال له الحلول ألاتفاقي.
اولاً ـ مصدر الحلول: لا يحق للموفي الغير الرجوع بدعوى الحلول في جميع حالات الوفاء، بل لابد من وجود سبب قانوني للحلول وهذا السبب اما ان يكون هو نص القانون أو اتفاق المتعاقدين. فالحلول بحسب مصدره اما ان يكون حلولاً قانونياً، أو حلولاً اتفاقياً.
الحلول القانوني: حسب نص المادة (379) فان حالات الحلول القانوني هي:
1ـ إذا كان الموفي ملزماً بالدين مع المدين أو عنه: ويكون الموفي ملزماً بالدين مع المدين إذا كان مديناً متضامناً معه في دين لا يقبل الانقسام. ويكون الموفي ملزماً بالدين عن المدين إذا كان كفيلاً له سواء كان كفيلاً شخصياً أو عينياً، وفي مثل هذه الحالات يكون الموفي ملزما بوفاء الدين بشكل أو بآخر تنفيذا لواجب قانوني فيعطيه المشرع تشجيعاً له الحق في الحلول محل الدائن في دعواه قبل المدين.
2ـ الوفاء من دائن متأخر لدائن متقدم: يتقدم الدائنون أصحاب التأمينات العينية على الدائنين العاديين، كما ان أصحاب التأمينات العينية يتقدم بعضهم على بعض بحسب أسبقية تسجيل الحق، فإذا قام احد الدائنين المتأخرين سواء كان دائناً عادياً أو دائناً مرتهناً وكنه متأخر في مرتبته، بوفاء حق دائن آخر صاحب تأمين عيني متقدم في المرتبة، فان الدائن الموفي يحل محل الدائن الذي استوفى حقه في رجوعه على المدين.
3ـ وفاء الحائز للدين المضمون بالعقار: إذا قام الحائز، وهو مشتري العقار المرهون، بدفع الثمن لا إلى البائع بل إلى الدائن المرتهن للعقار الذي اشتراه، ومصلحته التخلص من الرهن، فانه يحل محل الدائن الذي استوفى حقه، ويصبح مرتهناً للعقار الذي تملكه بالشراء. وينقضي الرهن باتحاد الذمة، أو يظل قائماً لمصلحته إذا كانت هناك رهون أخرى اقل في المرتبة من هذا الرهن بالذات. مع ملاحظة ان الحائز يكون ملزماً بوفاء الدين عن المدين في حدود المبلغ الذي في ذمته بسبب شراء العقار، وهو في جميع الأحوال مسؤول مسؤولية عينية عن وفاء الدين المضمون بالرهن، فيكون تشجيعه على الوفاء للدائن عن طريق إحلاله محله، امراً مرغوباً فيه وذلك تحقيقاً لمصلحة الدائن والحائز والمدين أيضاً.
4ـ حالات أخرى منصوص عليها في القانون: هناك نصوص كثيرة يقرر فيها حلول الموفي محل الدائن الذي استوفى حقه ومن هذا القبيل نص المادة (1001) مدني عراقي التي جاء فيها ( يحل المؤمن قانوناً محل المستفيد بما يدفعه من تعويض عن الحريق قبل من تسبب بفعله في الضرر الذي نجمت عنه مسئو