دراسة و مقاربة قانونية حول الطفل العامل في القطاع غير المهيكل

مقال حول: دراسة و مقاربة قانونية حول الطفل العامل في القطاع غير المهيكل

بحث ودراسة و مقاربة قانونية حول الطفل العامل في القطاع غير المهيكل

إعداد الطالب الباحث: الخمار كميرو

تحت إشراف

الأستاذ الدكتور: عبد العزيز العتيقي

لجنة المناقشة

الأستاذ الدكتور عبد العزيز العتيقي رئيسا.

الأستاذ الدكتور محمد بوزلافة عضـــــوا.

الأستاذ الدكتور ادريس اجوييد عضــوا.

في كل مناسبة جميلة عادة ما يتذكر الإنسان أغلى الناس وأحبهم إلى قلبه ووجدانه، فيأبى إلا أ يشاركوه فرحته، ليحس بقربهم منه يتحسس أنفاسهم وحركاتهم الخفيفة اللطيفة.
وليس أجمل وأسعد من أن يشاطرني أحبائي جميعا سعادتي بنهاية مرحلة أولى من مراحل البحث العلمي الجاد، في انتظار ما يستقبل من مراحل التكوين والبحث التي تشكل طموحي الأكبر.

وبهذه المناسبة الجميلة أهدي هذا البحث المتواضع:

 إلــى التي ضحت بكل شيء من أجل تأمين راحتي ومستقبلــي، التي سهرت الليـالي وتألمت لمشقتي ” والدتي العزيزة” التي أقبل يديها ألف قبلة.
 إلى روح والدي الطاهرة تغمده الله برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته، انه سميع الدعاء.
 إلى جدي وجدتي اللذان يعود لهما الفضل في كل شيء جميل حصلت عليه في حياتي.
 إلى رمز التضحية والوفاء، إلى من أحبه أكثر من نفسي ، إلى من لا أستطيع أن أرد جميله بكلمات بسيطة، إلى أخي ” عبد الله” الذي كان الأخ والأب الحنون، الذي لن أنسى جميله ما أحييت.
 إلى الذين بهم ومعهم تكتمل سعادتي: أخواتي العزيزات ” فاطمة، زبيدة، والمشاكسة العنيدة حكيمة”
 إلى أبناء إخوتي عبد الفتاح، زكية،عز العرب ، خديجة، أيوب، مريم” الذين غمروا دنياي بالأمل والحب.
 إلى أفراد عائلتي الكبيرة كل واحد باسمه.
 إلى زوجة أخي ” ليلى ” التي أحبها وأقدرها كثيرا، التي أتمنى لها دوام السعادة والرفاه.
 إلى كل أصدقائي، الذين معهم عرفت معنى الصحبة الحقة والوفاء، إلى كل زملائي في وحدة التكوين والبحث، الذين علموني معنى الجد والمثابرة، والإصرار مع العبر والتحدي مع الاحتفاظ بالأمل من اجل غد أفضل.

بادئ ذي بدء أتقدم بالشكر الجزيل والتقدير الجليل إلى أستاذي الدكتور عبد العزيز العتيقي الذي يعود له الفضل في إنجاز هذا البحث، وفيما صح فيه واكتمل، حيث لم يدخر جهدا في توجيه كل الإرشادات والنصائح التي أنارت طريق البحث ودللت كل الصعاب.

فبارك الله في علمه وعمله وجزاه الله عني خير الجزاء، وأدام الله في عمره حتى يبقى منارة مضيئة في ساحة البحث العلمي، ومعلمة قانونية بكلية الحقوق بفاس.

كما أتقدم بالشكر والامتنان إلى السادة الأساتذة أعضاء لجنة المناقشة الذين شرفوني بقبولهم حضور هذه ” المحاكمة العلمية” من أجل تنويري بمختلف الهفوات، لتصحيح وتتميم وتقويم وتقييم ما لم يصح وما لم يتم.

وحتى لا أكون ناكرا للجميل يجب أن لا أنسى كل السادة الأساتذة الذين تشرفت معهم وبهم، خاصة الأستاذ الحاج محمد ناصر متيوي مشكوري الذي غمرني بعطفه وحنانه ورعايته الخاصة رفقة إخواني بوحدة التكوين والبحث “الأسرة والطفولة”،و الأستاذ محمد بوزلافة الذي أحببت فيه جديته وحبه الوصول إلى الكمال مهما كانت الظروف، والأستاذ عبد الحميد أخريف الذي شدني إليه انضباط ومنهجه الصارم، الأستاذ نور الدين التوجكاني الذي أحببت فيه التواضع والواقعية والوفاء، الأستاذ عسو منصور الذي شدني إليه عطاءه اللامتناهي، الأستاذ الذي يعكس اسمه صفاته الدكتور الطيب خاي سيدي ، الأستاذ أحمد اجوييد، الأستاذ جعفر العلوي، الأستاذ عمرو لمزرع، الأستاذ العلامة محمد بن معجوز، إلى كل هؤلاء وإلى غيرهم من أساتذة سنوات الإجازة أحييهم تحية مملوءة بالحب والتقدير، والامتنان مع متمنياتي لهم جميعا بدوام الصحة والعافية.

والشكر والامتنان والمحبة موصول كذلك إلى كل معلم و استاد علمني حرفا، أو قيمة اخلاقبة عبر مختلف مراحل التعليم.
عرف المغرب في العقود الأخيرة تحولات عديدة لم يكن المجتمع على عهد بها، أو لم يكن ينظر إليها بنفس الاهتمام الذي هو عليه الأمر في وقتنا الحاضر، حيث كان ينظر إلى واقعه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي… على أنه نتيجة لسيرورة التاريخ ولتراكماته ولنتائجه الحتمية التي يبقى الإنسان مسيرا في التعامل معها كما هي.
غير أن توالي الأحداث وتعقد الحياة في مختلف مجالاتها، فرضت إعادة النظر في منهجية التدبير، باعتماد أسلوب يتغيى تجاوز أزمات الحاضر بمختلف تحدياته.

ويبقى أهم تحد يواجه المجتمع المغربي بمختلف مكوناته، الذي يعرقل المسيرة التنموية للبلاد، الوضع الذي تعيش في ظله الطفولة المغربية التي تعاني من مختلف أشكال الاستغلال، ويأتي على رأسها مسألة عمالة الأطفال خاصة في القطاع غير المهيكل، التي تشكل معضلة اجتماعية واقتصادية تستوجب التدخل العاجل لمواجهتها بكل الآليات المتاحة والممكنة.
ومن بين المسائل المنهجية الأولية التي تعترض الدارس في مجال ” عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل، مسألة تعريف هذه المفاهيم نفسها ” الطفل”، ” العمل”، ” والقطاع غير المهيكل”.
فإذا كان من المسلم به أن الطفولة هي الفئة العمرية الدنيا, فإن الصعوبة تبدأ لما نسعى لوضع الحدين الأدنى والأقصى لهذه الفئة، ذلك أن لكل ثقافة ولكل طبقة اجتماعية تعريفهما الخاص للطفل والطفولة، وهذا التعريف يتغير بتغير مراحل تطور المجتمع، وتغبر الوضع الطبقي للفئات والأفراد، لهذه الأسباب يصبح من الضروري الاحتياط والحذر أثناء محاولة اختيار صياغة تعريف معين يراد له أن يكون متضمنا لأكبر عدد من الخصائص والأبعاد المحددة للطفولة1.

إلا أنه تجاوزا لكل جدل فإن جل المهتمين قد حددوا سنا معينة اعتبرت فاصلة بين مرحلة الطفولة، والمراحل اللاحقة لنمو الفرد.
حيث نجد أن الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل قد عرفت في مادتها الأولى الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشر مالم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المطبق عليه.
أما بخصوص الاتفاقيات الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية، فإنها لم تستقر على سن محدد، إذ يتغير مفهوم الطفولة حسب طبيعة النشاط المزاول، حيث نصت الاتفاقية 138 على أن الطفل هو كل شخص دون الخامسة عشر بصورة عامة أو دون الرابعة عشر في ظروف خاصة، كما أوجبت ألا يقل الحد الأدنى للسن عن ثمانية عشر سنة للقبول في أي نوع من أنواع الاستخدام أو العمل التي يحتمل أن تعرض للخطر صحة, أو سلامة, أو أخلاق الأحداث بسبب طبيعة العمل أو الظروف التي يؤدي فيها1.

وبذلك تكون هذه الاتفاقيات قد أوجدت إطارا لتطوير السياسات, فهي تغطي مسائل السياسة الوطنية في مجال الحد من عمل الأطفال، والحد الأدنى لسن الاستخدام, والعمل الخطير, وظروف الاستخدام والتطبيق2, بالتدرج إلى مستوى يتسق مع أكمل نمو بدني وذهني للأحداث، ولم يقصد بالاتفاقية أن تكون صكا ساكنا، يضع معيارا أدنى ثابتا، وإنما أن تكون صكا ديناميا يرمي إلى تشجيع التحسين التدريجي للمعايير وتعزيز الإجراءات المتواصلة لبلوغ هذه الغايات3.
وفي محاولة من المشرع المغربي لملاءمة نصوصه الوطنية مع ما التزم به على المستوى الدولي، فإنه قد قسم حياة الإنسان من حيث إمكانية تشغيله إلى ثلاث مراحل، الأولى مرحلة الطفولة، وتبدأ من الميلاد، وحتى بلوغ الحد الأدنى للاستخدام المعتبرة في خمسة عشر سنة حيث يحظر تشغيله فيها مطلقا1 حماية للطفولة، والمرحلة الثانية ، مرحلة الحداثة وهي المرحلة التي تبدأ ببلوغ الشخص الحد الأدنى للاستخدام وتستمر سنوات معدودة، حيث يخصه القانون بمعاملة متميزة ويشمله بحمايته نظرا لحداثة سنه2 ، والمرحلة الثالثة مرحلة ما بعد الحداثة، تبدأ من سن الثامنة عشرة . حيث يكون قد وصل إلى درجة من النمو يصبح معها في غنى عن تلك الحماية ويرتفع فيها كل قيد عن تشغيل الإنسان3.

والراجح أن الطفولة لا ترتبط بسن معين، وإنما هي تخضع لظروف ومعطيات كل حالة على حدة، حسب محيطها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي, وهذا النفسير يتماشى مع المفهوم المعتمد من قبل الشريعة الإسلامية. حيث يقول الله عز وجل” وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلكم، وكذلك بين الله لكم آياته والله عليم حكيم”4
والحلم هو الاحتلام، والاحتلام دليل البلوغ، والبلوغ هو سن التكليف بالنسبة لمعظم الأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات5.
إلا أنه تجاوزا لكل خلاف حول اعتبار الإنسان طفلا أم لا، فإن المشرع المغربي اعتمد معيارا موضوعيا خارجا عن ذات الشخص له ارتباط بالمجال الذي يشتغل فيه إذ يرتفع سن الطفولة كلما تضمن العمل خطورة على صحة وسلامة الشخص، إضافة إلى اعتماد معيار ذاتي يتمثل في بلوغ الطفل سنا محددة بموجب القانون.
أما مفهوم ” عمل الأطفال” فقد عرفه الفقه بأنه ” كل نشاط غير مدرسي أو ترفيهي يقوم به الشخص دون خمسة عشر سنة”1 ، أو أنه ” كل نشاط يقوم به الطفل يتنافى مع كرامته, ويؤثر سلبا على نموه الطبيعي والبدني والنفسي” 2كما عرفته منظمة الأمم المتحدة بكونه ” جميع الأنشطة الإنتاجية التي يقوم بها الطفل باسثتناء الأشغال المنزلية باعتبارها غير اقتصادية وغير منتجة”3.

إلا أن المتدبر في هذه التعاريف جميعها يجد أنها عامة, ولا تصلح لأن تحدد بدقة مفهوم عمل الأطفال حيث اقتصر التعريف الأول على تحديد سن الطفولة في خمسة عشرة سنة، متجاهلا حالات عمل الأطفال في المجالات الخطيرة التي رفع القانون سن العمل فيها إلى ثمانية عشرة سنة، كما أنه يدمج الأنشطة الترفيهية كاللعب ضمن مفهوم العمل.
أما التعريف الثاني فهو أكثر عمومية إذ يسمح بشمول العديد من الأنشطة ضمن مفهوم العمل إذ تكفي أن يعيق نموه الطبيعي, أو تمس كرامته، حتى ولو كان هذا السلوك لا يعتبر عملا بمفهومه القانوني المتعارف عليه.
أما التعريف المقدم من طرف الأمم المتحدة فهو بدوره قاصر إذ يستثني صراحة الأشغال المنزلية ،وهذا التوجه مجانب للصواب على اعتبار الخدمة المنزلية جزء لا يتجزأ من مفهوم العمل كما أن من شأنه هذا الاستثناء أن يعرض فئة مهمة من مجتمع الأجراء إلى الإقصاء من الحماية القانونية والاجتماعية.

ولتجنب مثل هذه الهفوات فإنه يمكننا أن تعرف عمل الأطفال بأنه كل نشاط اقتصادي يقوم به الطفل يقل سنه عن خمسة عشرة سنة ، إذا تعلق الأمر بأنشطة خفيفة لا تأثر ممارستها على الحقوق الأساسية للطفل خاصة الحق في التعليم، أو ثمانية عشرة سنة إذا كان العمل المزاول خطيرا على صحة أو سلامة الحدث العامل.
أما مفهوم القطاع غير المهيكل فهو يشمل كل الأنشطة الاقتصادية الصغيرة الحرة، التي يقوم بها شخص واحد لحسابه الخاص ، مع إمكانية مساعدته من طرف فرد أو أكثر مقابل أجر، كما يتميز هذا النشاط بالضعف من حيث التنظيم والتكنولوجيا المستعملة إضافة إلى أن العمل يمارس خارج دائرة الضبط الإداري والقانوني, خاصة ما يتعلق بالقانونين الضريبي والاجتماعي1.
كما يمكن تعريفه بالقطاع غير الخاضع للنظم واللوائح, حيث لا يستفبد العمال من قوانين العمل, ولا تتوفر لهم هوية جماعية تمكنهم من التمتع بالحماية2, وهو ينمو بشكل تلقائي يشكل امتداد القرية داخل المجال الحضري ، وأيضا نتيجة للنمو غير المتوازن بين المجالين مما يبرز معه قطاعا اقتصاديا مهمشا أو غير مهيكل1.

ويعتبر مكتب العمل الدولي أول من استعمل مفهوم القطاع غير المهيكل, عند إصداره تقرير سنة 1972, حيث أثار هذا المفهوم جدلا فقهيا واسعا لا من حيث المصدر، أو من حيث الوظائف، إذ حدد سبع خصائص أساسية كلما توفرت إلا وأدمجت المنشأة الاقتصادية في خانة القطاع غير المنظم هذه المميزات هي:

– سهولة مزاولة النشاط الاقتصادي.
– استغلال المؤهلات الذاتية، حيث نجد أن 87.1 % من الوحدات الإنتاجية في المغرب تعتمد على التمويل الذاتي ، كما أن 70.5% من الوحدات تضم شخصا واحدا عادة ما يكون صاحب المشروع2.
– الملكية الأسرية للمقاولة.
– ضعف الاعتماد على الوسائل التكنولوجية الحديثة، حيث عادة ما يتم الاعتماد على المهارات اليدوية.
– اكتساب المعارف المهنية خارج النظام الرسمي للتكوين، حيث نجد أن 95 % من العاملين في القطاع غير المهيكل في المغرب قد تلقوا مهنتهم وفق التكوين العرفي3 .
– ضعف مستوى النشاط الاقتصادي.
– عدم تنظيم السوق الاقتصادية، خاصة على مستوى احترام المبادئ التنافسية بين المتدخلين الاقتصاديين1.
ويميز الفقه بين نوعين من القطاع غير المهيكل

الأول: القطاع غير المهيكل المموقع ويضم مجموع المقاولات التي تمارس نشاطها بمجلات قارة, مخصصة لاحتضان أعمال اقتصادية, وتكون في متناول مختلف أنواع المراقبة.
الثاني: القطاع غير المهيكل غير المموقع . ويضم مجموع الأنشطة التي تمارس خارج محلات قارة , وتتمثل في الأنشطة المتجولة أو المستقرة في أماكن مؤقتة2 ويمثل هذا النوع من الأنشطة 46.6 % 3.

ومن أهم خصائص القطاع غير المهيكل أنه يتسم بالحركية المهنية، وهذه الحركة نوعان إما أن تكون بيقطاعية، أي الانتقال من قطاع الصناعة التقليدية مثلا إلى قطاع التجارة أو الخدمات، أو العكس، وإما أن تكون حركية مع تغير الوضع في المهنة قصد تحسين الأوضاع المعيشية أو نظرا لموسمية النشاط المزاول، أو أنه مجرد مرحلة الاستعداد للعمل في مجال منظم4.
وهذا التحول لم يقتصر طبيعة النشاط وانما طال البنية المفاهيمية كذلك، حيث نجد أن مكتب العمل الدولي قد تبنى مؤخرا منذ المؤتمر الدولي الذي انعقد في غشت سنة 2001 مفهوم ” الاقتصاد غير المهيكل” بدل ” القطاع غير المهيكل” مما دفع بالدراسات الحديثة إلى تبني نفس المفهوم.

وإجمالا يمكن تعريف عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل، أنه كل نشاط اقتصادي يقوم به الطفل في المجالات غير الخاضعة للقوانين، خاصة القانون الاجتماعي والقانون الضريبي.
الحقيقة أن إشكالية تشغيل الأطفال، إشكالية تاريخية شهدتها جميع أنماط الإنتاج التي عرفتها الإنسانية، حيث نجد مثلا أنه في نصف القرن التاسع عشر وجد في فرنسا وحدها 120000 من الأطفال يعملون كخدم للمنازل، إضافة إلى العديد من الأحداث الذين يزاولون أحد مهن الصناعة التقليدية.
ونفس الأمر بالنسبة للمغرب، الذي يمكن القول على أنه إذا كان مفهوم القطاع غير المهيكل حديث العهد، فإنه على مستوى الواقع نجد أن الأصل الذي كان سائدا هو مزاولة المهن في إطار غير منظم، والدليل على ذلك هو المحاولات المتسلسلة التي اتخذها المشرع المغربي، الذي سعى إلى التقليص من مجال المقاولة غير المهيكلة أو التبشير بنصوص مرتقبة تحدد العلاقة بين المشغلين والأجراء وشروط الشغل في القطاعات التي تتميز بطابع تقليدي صرف، واستثناء فئات مهنية من المشغلين بنص تنظيمي1.

لذلك فإن عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل هو مجرد استفحال لوضع اجتماعي غير صحي ساد حينا من الدهر في غفلة من المشرع, الذي لم يعطه الاهتمام اللازم من أجل تطويق الظاهرة والحد منها.
فأمام هذا الوضع المتجاهل لوضعية طفولة تعاني في صمت على مرآى ومسمع الجميع، لا بد وأن تستفز الهمم, وتستجمع القوى من أجل النظر بجد في واقع الأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل قصد محاولة مأسسة حماية لهذه الشريحة من مجتمع الأجراء.
من هذا المنطلق تكمن أهمية معالجة موضوع ” عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل ” والتي تبرز من خلال بعدين.
بعد عملي: حيث نهدف من ورائه خدمة أهداف اجتماعية, ذات فائدة مهمة على المجتمع المغربي ، خاصة إذا علمنا أن 18.2 % من الأسر ، أي 20.5 % من ساكنة المغرب مرتبط مصيرها بالقطاع غير المهيكل1.
بعد نظري: حيث نهدف بواسطة هذا البحث إغناء الساحة العلمية بمساهمتنا المتواضعة في مجال لطالما عرف اهتماما مطردا من قبل الاقتصاديين في مقابل تهميش تام من قبل القانونيين .
بالإضافة إلى هذه الأهمية الجلية التي يحظى بها الموضوع فإنه يتميز بطابع الجدة، حيث لم نجد أي بحث لموضوع عمالة الأطفال في القطاع غير المهيكل في كليات المدن التالية: فاس، الرباط، مراكش، الدار البيضاء، إذ كل ما وجدناه هو بعض الدراسات التي عالجت موضوع تشغيل الأطفال بصفة عامة ركزت على ما هو نظري محظ، كما أن الحلول المقترحة لم تكن لتعالج الأسباب الحقيقية الكامنة وراء بروز الظاهرة، وإنما اقترحت بعض الحلول التي هي كائنة بالفعل، والتي ثبت عجزها في احتواء الموقف الإشكالي.

لذلك فإن عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل من أكثر المخاطر التي تهدد المغرب في مستقبله، على اعتبار أن استفحال الظاهرة سوف لن يخلف إلا أجيالا معاقة فكريا وصحيا ، عاجزة عن تدبير أمر نفسها، وشؤون مجتمعها,لذلك فإن الإشكال الحقيقي يكمن في أن هؤلاء الأطفال يعملون في إطار قانون عام هش لا يوفر إلا حماية محدودة لا ترقى إلى المستوى الأدنى المعتبر بموجب الأوفاق الدولية التي التزم بها المغرب، الأمر الذي يفرض البحث عن آليات قانونية ومؤسساتية للحد من الظاهرة وتطويقها في أفق القضاء عليها مستقبلا إن أمكن.

وفي معالجتنا لهذه الاشكالية سنعمل على تفريع هذا البحت إلى بابين:
الأول سنخصصه لإبراز محدودية الحماية القانونية المقررة للأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل
والباب الثاني سنخصصه لآليات الحد من الظاهرة عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل على اعتبار أن عمل الأطفال في هذا المجال هو سلوك غير صحي يستوجب محاربته بآليات معينة تعالج الأسباب التي كانت وراء بروز الظاهرة.
لكن قبل ذلك سنعمل على إعطاء نظرة فوقية كاشفة للوسط السوسيو-اقتصادي لعمل الأطفال في القطاع غير المهيكل في إطار فصل تمهيدي، وما جعلنا تعتمد هذا الفصل هو توفرنا على بعض المعطيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لا يمكننا إدماجها ضمن بابي البحث ، ولا ضمن المقدمة لاعتبارين:

الأول: أن تلك المعطيات الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية المبرزة لواقع عمل الأطفال لا تدخل ضمن العناصر الكلاسيكية للمقدمة كما هو متعارف عليه في إطار البحت الأكاديمي
الثاني: أن تلك المعطيات العامة لا تسعفنا في تفسير النص القانوني المتعلق بجزئيات البحت و إن كانت تلك المعطيات من الأسباب العامة لنزول النص.

لذلك فإن الهيكل العام للبحث سيكون على الشكل التالي:
فصل تمهيدي: الوسط السوسيو- اقتصادي لعمل الأطفال في القطاع غير المهيكل .
الباب الأول: محدودية الحماية القانونية للأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل.
الباب الثاني: الآليات المساعدة على الحد من تشغيل الأطفال في القطاع غير المهيكل.

الفصل التمهيدي: الوسط السوسيو- اقتصادي لعمل الأطفال في القطاع غير مهيكل

إن تشغيل الأطفال كواقع اجتماعي عبارة عن كل، تتفاعل وتتداخل فيه مختلف العناصر التي تبرزه كظاهرة اجتماعية متعددة التراكيب والمحددات منها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو اقتصادي ومنها ماهو ثقافي الخ…
والبحث في هذه الجوانب السوسيو-اقتصادية، هو محاولة الجواب عن سؤال” الكيفية” الذي يتم بموجبه التفاعل بين الشروط الاجتماعية العامة، ورد الفعل الاحتمالي لفئة عمرية محددة.
لذلك سنعمل في هذا الفصل التمهيدي أن نعالج في المبحث الأول قياس ظاهرة عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل، على أن نخصص المبحث الثاني لأسباب عمل الأطفال في هذا القطاع.

المبحث الأول: قياس حجم ظاهرة عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل.

إذا كان موضوع عمالة الأطفال يحظى باهتمام مطرد من قبل كل المجتمعات في ظل زيادة الوعي بأهمية الطفولة، لضمان التمدد الزماني المتميز بالتقدم والرفاه. فإنه بالمقابل يمكن أن تعتبر أن جل المقاربات المعتمدة قد أبانت عن فشلها الذريع، الذي يبرز خاصة عند النظر في الأرقام والمعطيات العامة للظاهرة، التي تقيس حجمها الكمي ( المطلب الأول) أو النوعي (المطلب الثاني).

المطلب الأول: القياس الكمي لظاهرة عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل:

اعتبارا لكون ظاهرة عمل الأطفال في القطاع الغير المهيكل من أهم القواسم المشتركة للمجتمعات عل اختلافها، فإن ذلك يستوجب البحث في حجم هذه الظاهرة عل المستوى الدولي(الفقرة الأولى) ثم بعد ذلك الوقوف على حجمها على المستوى الوطني ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: حجم ظاهرة عمل الأطفال على المستوى الدولي.

على الرغم من المجهودات الدولية المشتركة التي حاولت الحد من عمل الأطفال وذلك باتخاذ مجموعة من التدابير المظمنة عبر مختلف الاتفاقات الدولية. فإنه مع ذلك يبقى عدد الأطفال العاملين مرتفعا جدا، إذ يشكلون حوالي 250 مليون طفل يتوزعون على مختلف القارات وخاصة في بلدان العالم الثالث. إذ تأتي آسيا في المقدمة بنسبة 61 % من مجموع الأطفال يعملون في مجالات مختلفة ، ثم تأتي بعدها القرة الإفريقية بنسبة 32% ، ثم في المرتبة الثالثة نجد أمريكا اللاتينية والكرايبي بنسبة 7 % وفي الأقيانوس ماعدا استراليا وزيلاندا الجديدة نجد نسبة أضعف 0.2 % بالمقارنة مع الأرقام السابقة التحديد1 .
وهذه المعطيات لا تتعارض مع الإحصاءات الصادرة عن منظمة العمل الدولية، التي أكدت على أن 11% من إجمالي سكان العالم الثالث ممن تتراوح أعمارهم بين العاشرة والرابعة عشرة يعملون بشكل منتج اقتصاديا وتتراوح النسب في الأقطار فرديا بين %1.4 إلى 25 % 2.
وإذا كانت جل الأبحاث تركز أساسا على الدولة النامية، فإن ذلك لا يعني انعدام الظاهرة في الدول المتقدمة، وإنما هي الأخرى معنية، وإنما يشكل أقل حدة، بالإضافة إلى تفردها بالقدرة على مواجهتها بالنظر لامتلاكها لبعض الآليات المادية التي تمكنها من التدخل الفعال والحازم.
حيث نجد أن أوروبا الوسطى تعاني من ظاهرة عمالة الأطفال، غير أنها بدأت في تراجع مستمر حيث عرفت الظاهرة ذروتها خلال المرحلة الانتقالية من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق. أما بالنسبة لأوروبا الغربية ، فإن الأطفال العاملين يتمركزون أساسا في إيطاليا وفرنسا واسبانيا،هذه الأخيرة تشغل حوالي أربع مئة ألف طفل، خاصة في قطاع الفلاحة، حيث يتولى عدد مهم منهم من جمع محصول الطماطم لمدة قد تصل إلى ثلاثة عشرة ساعة عمل في اليوم1 أما في بريطانيا فإن 10% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاثة عشر وأربعة عشر سنة، يمارسون أنشطة ولو بصفة جزئية تسمح باعتبارهم نشيطين اقتصاديا2 أما في أمريكا فإن ثلاثة مائة ألف طفل يعملون فقط في الفلاحة3.

بيد أنه إذا كانت هذه المعطيات عامة ولا تصف بدقة الحجم الحقيقي لعمل الأطفال في القطاع الغير المهيكل، خاصة بالنسبة لبلدان العالم الثالث، على اعتبار أن الدول المتقدمة، كما سبق الذكر حريصة على نفاذ القانون الاجتماعي داخل مقاولتها المهيكلة. جاعلة لأجل ذلك مؤسسات قوية تفرض احترام القانون، خاصة ما تعلق منه بالقيود الواردة على حرية التشغيل، التي تمس أساسا وبدرجة أولى تشغيل الأحداث مما يوحي بأن الأرقام الواردة أعلاه الخاصة بأوربا وأمريكا الشمالية تعني بدرجة كبيرة عمل الأطفال في المجالات الهامشية أو الخفية، التي يصعب إلى حد ما الوقوف عليها، كما هو الشأن بالنسبة للدول النامية التي تعاني من جراء رصد وتتبع أوكار عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل، كما هو عليه الأمر في المغرب.

الفقرة الثانية: حجم ظاهرة عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل في المغرب.

حسب الإحصاء الوطني حول الشغل يبلغ عدد الأطفال العاملين الدين يتراوح عمرهم بين سبع وأربعة عشرة سنة حوالي ست مائة ألف طفل من أصل خمسة ملايين وأربع مائة طفل ، إضافة إلى تمان مائة ألف طفل آخرين لا يزاولون أي نشاط اقتصادي أو تعليمي1 من بين هؤلاء الأطفال العاملين ثلاثة أرباع أي حوالي أربع مائة وخمسون ألف طفل يشتغلون في القطاع غير المهيكل2.
لذلك من خلال هذا الرقم المحدد يتضح أن حوالي 25% من العدد الإجمالي من العاملين في القطاع غير المهيكل هم من الأطفال الذين يقل عمرهم عن خمسة عشرة سنة: منهم 58% من الذكورو42% من الإناث. 3وتختلف نسبة مشاركة الفتيات باختلاف مجالات عملهن إذ نلاحظ أن هذه النسبة ترتفع إلى 37% في قطاع الصناعة التقليدية4. ويعزى هذا الارتفاع إلى كون الصناعة التقليدية أكثر استقطابا للعاملات. خاصة القاصرات منهن لكونهن أكثر قدرة على الاستجابة للأوامر، وليونتهن لتعلم أصول الحرفة مادمن في مرحلة عمرية تسمح لهن بذلك.
وإجمالا يمكن أن تحدد حجم الأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل في حوالي 15% من مجموع السكان النشيطين في المغرب5. الأمر الذي تبرز معه المكانة الاقتصادية والاجتماعية الهامة التي يحتلها الأطفال باعتبارهم سواعد تبني حاضر المغرب ، باقدر نفسه الذي تعطل معه مسيرة التنمية الشاملة في المستقبل، بالنظر للآثار الجسيمة التي تخلفها الظاهرة على المدى البعيد.

غير أن ما ينبغي الإشارة إليه هو أن وضع المغرب ليس شاذا بين الأقطار الدولية، إذ يشكل هذا القطاع في كنشاسا 61% وفي نيجيريا50% وفي كينيا 44% وفي ساحل العاج44% كذلك1 ، قاسمها المشترك هو الحضور القوي للأيادي العاملة للطفولة في هذا القطاع تؤدي مختلف أنواع الأنشطة.

المطلب الثاني: القياس النوعي لعمل الأطفال في القطاع غير المهيكل

تتعدد أنواع الأنشطة التي يقوم بها الأطفال العاملون في القطاع غير المهيكل ( الفقرة الأولى)، إضافة إلى كون هؤلاء الأحداث ينتمون إلى وسط قروي أو شبه حضري( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: نوعية الأنشطة المؤداة من قبل الأطفال.

إن المطلع على ظاهرة عمالة الأطفال في القطاع غير المهيكل، كثيرا ما يجد نفسه عاجزا عن الوقوف على مختلف الأنشطة التي يقوم بها الأحداث لاعتبارات ترجع لخصوصية العمل في هذا القطاع الذي يتسم بالتستر، وصعوبة الضبط لكن مع ذلك تحاول المنظمات الدولية تقديم إحصاءات تقريبية من شأنها أن تحدد نسبيا نوعية الأعمال.
ويأتي على رأس الأشغال المؤذاة من قبل الطفولة في العالم. العمل في الفلاحة، إذ يعمل في هذا القطاع ما بين 70 و80 % من الأطفال المقيمين في العالم القروي. وذلك منذ سن الخامسة أو السادسة من العمر حيث يعملون في الحقول الأسرية. ففي البرازيل وحدها يشتغل حوالي ثلاثة ملايين طفل في حقول الشاي والتبغ والقطن وقصب السكر وفي كينيا ربع العمال الفلاحين هم من الأطفال، وفي مصر فإن الأطفال يستقضون منذ الساعة الواحد أو الثانية صباحا من أجل قطف الياسمين حيث يعملون لمدة عشرة ساعات متوالية دون انقطاع، حيث يقطفون مابين ثلاثين ألف وخمسين ألف زهرة ياسمين يوميا 1 .
كما تتميز بعض الأقطار بنوعية خاصة من الأعمال، حيث يشتغل الأطفال لمدة طويلة دون أي مقابل فقط من أجل أداء دين الأسرة، وهو ما يشكل مظهرا من مظاهر الاستغلال في عالم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان… ولا يقتصر عمل هؤلاء على نشاط محدد،بل يتنوع بين الفلاحة والمحلات الحرفية أو التجارية أو الخدمة في المنزل أو العمل لدى الغير لحساب الدائن2 .
أما في الدول الصناعية التي تفضل مجتمعاتها استهلاك مواد لا تستعمل إلا مرة واحدة ( les produits jetables) ظهر نوع جديد من عمالة الأطفال في الشوارع، حيث يتولى هؤلاء جمع كل تلك المواد المستعملة التي انتهت فائدتها، ليعيدوا بيع بعض أجزائها من جديد بعد تفكيكها والاحتفاظ بالجزء الصالح من المادة المستعملة، أو بيعها كما هي كالقنينات، الأوراق القديمة، الجلد، الأدوات البلاستيكية، أو الحديدية حيث يعاد ادابتها من طرف المؤسسات الصناعية، لصنع نماذج جديدة حيث يدر هذا النوع دخلا مهما للأطفال3 يساعدهم على شراء ضرورات استمرار الحياة اليومية.

غير أنه في العقود الأخيرة ظهر هذا النوع من النشاط حتى في الدول النامية، حيث تبين من خلال بحث أجري في الفلبين أن دخل الأطفال العاملين في هذا المجال يناهز ثلاثة دولارات يوميا يقتاتون به الحاجات الأساسية للأسرة 4 .
ومن أهم المجالات التي يشتغل فيها القاصرين نجد الخدمة المنزلية، إلا أنه يبقى من المستحيل حسب تعبير مكتب العمل الدولي للشغل- تحديد عدد الأطفال العاملين في المنازل لكن مع التأكيد على أن الفتيات الأقل من ستة عشرة سنة يظلن الأكثر استقطابا للعمل في البيوت بالمقارنة مع باقي المجالات الأخرى1 ، حيث تقيد بعض الإحصاءات المعلن عنها في بعض الدول كالبرازيل التي تشغل حوالي 5.5 % من الذكور والباقي من الفتيات، وفي كوستاريكا 91.5% من إجمالي الخدم من الفتيات، وفي كواتيمالا 90.4 % كذلك من الإناث وفي نيكاركوا 16.9% من مجموع فتيات البلد يشتغلن في الخدمة المنزلية، وترتفع هذه النسبة في الهيندوراس إلى 19.7% لكنها ترتفع أكثر إلى حدود 45% من مجموع الفتيات في هذا البلد يعملن في الخدمة المنزلية 2.

أما بالنسبة للمغرب فإن الأمر لا يختلف كثيرا عما هو ثابت على المستوى الدولي إذ تشكل الخدمة المنزلية شكلا من أشكال العمل لدى الأطفال، حيث يقدر عددهم بحوالي ستين ألف إلى مائة ألف طفل كتقدير نسبي، مع إمكانية أن يكون العدد الحقيقي مضاعفا أكثر بمرتين أو ثلاثة 3 ويتماشى هذا الاحتمال الأخير مع تقدير وزارة حقوق الإنسان سابقا التي قدرت عدد خادمات المنازل في حدود 186.000 طفل 1 59% منهم يقل عمرهم عن خمسة عشرة سنة 2 20% الخادمات يحرصن الأطفال، ويقضين حاجات الأسرة المشغلة من خارج البيت، ويصاحبن الأطفال إلى المدرسة 3 .
كما أنه من أهم المجالات استقطابا للطفولة نجد قطاع الصناعة التقليدية.

حيث أظهرت البحوث أن الأطفال العاملين في هذا القطاع يتوزعون على ثلاث فروع من الأنشطة الأساسية هي السجاد والنسيج، ثم الخزف والزليج والجلد والصناعة الخشبية، بالإضافة إلى الصناعات المعدنية والمر آب 4 .
كما أن هناك بعض الأنشطة لازالت حكرا على الذكور كما هو الأمر بالنسبة لصناعة الأحدية الذي يضم ما بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف حدث يعملون في تسع مائة وحدة صناعية في مدينة فاس5 هذه الأخيرة يشتغل فيها حوالي ألف طفل في الدباغة6. وستة آلاف طفل آخرون يعملون في ورشات إصلاح السيارات7 .

بعض هذه الأنشطة لا يمارسها إلا جنس دون الآخر كصناعة الزرابي التي توجد بمدينة فاس وحدها حوالي 120 وحدة إنتاجية نشرت في الأحياء الهامشية الفقيرة، تشغل حوالي 30 فتاة كمعدل متوسط في كل وحدة.
أما في مجال الفلاحة فإن 84% من الأطفال العاملين يشتغلون في هذا القطاع. منهم %85يعملون في مزارع أسرهم بدون أ ي مقابل 1 يمارسون أنشطة عديدة تتمثل في رعي الماشية. سقي الحقول ، جني الثمار والفواكه، الحرث، الحراسة، نقل المنتوجات الفلاحية2.

لكن ما يثير الانتباه في عمل الأطفال في هذا القطاع هو أنه كلما اتجهنا نحو المناطق المرتفعة كلما قل عدد الأطفال العاملين لدى الغير، وارتفعت بالمقابل نسبة عمل الأطفال لدى أسرهم، ويبدو ذلك واضحا من خلال بحث أجري في ثمان وأربعين دوارا بإقليم الحوز، حيث تبين أن نسبة عمل الأطفال لدى الغير في المناطق الجبلية لا يتجاوز 3% وفي المناطق الأقل ارتفاعا تبلغ نسبة الأطفال المشتغلين لدى الغير 19% وفي السهول يبلغ هذا المعدل 36% 2 .
غير أنه إذا كان بالإمكان الحصول على بعض المعطيات التقريبية الخاصة ببعض مجالات العمل في القطاع غير المهيكل فإنه بالمقابل تبقى شريحة مهمة من الأطفال يمارسون أنشطة تعتبر من صميم هذا القطاع خارج دائرة الرصد ، كما هو الشأن بالنسبة للبائعين المتجولين، ومساحي الأحدية، وغاسلي السيارات… وذلك راجع لطبيعة هذه ” المهن” التي تتسم بكونها غير مموقعة إضافة إلى سرعة التحول من نشاط إلى آخر حسب الظروف التي تتوفر لكل طفل على حدة.
وإذا كانت تلك الأرقام قد حاولت إعطاء صورة عامة عن أهم الأنشطة الممارسة من قبل الأطفال . فإن هذه الصورة لن تكتمل إلا بإبراز الجانب الآخر للظاهرة، الذي يكشف عن الوسط الذي ينتمي إليه الطفل العامل.

الفقرة الثانية: انتماء الأطفال لوسط قروي أو شبه حضري.

تعتبر هجرة السكان من البادية إلى المدينة ظاهرة واضحة في مجتمعنا، حيث يبلغ عدد الأفراد الذين يغادرون سنويا البادية نحو المراكز الحضرية حوالي 270000 فرد قروي1 ، ويرجع ذلك لأسباب متعددة، أهمها ضيق مجال العمل في الريف نظرا لاعتماد السكان في ضمان عيشهم على الزراعة، وهذه الأخيرة ترتبط بتقلبات المناخ ارتباطا وثيقا مما يجعل منه، في ظل الظروف الآنية غير مضمونة المر دودية الأمر الذي يؤثر على نفسية الإنسان القروي الذي يحس بعدم الأمن الاجتماعي مما يضطره إلى البحث عن ملاذ قد يقيه تقلبات الزمان، فتكون وجهته المدينة حيث يستقر في أول حي من الأحياء الهامشية المحيطة بالمركز الحضري.
وهذه الهجرة لا تشكل فقط تنقل أفراد معينين من مكان إلى مكان آخر, وإنما تعني تحولا عميقا في حياة الأسر المهاجرة ، سواء على المستوى الاجتماعي أو الثقافي2 ويبدو ذلك من خلال عرض سريع للمعطيات الميدانية المتعلقة بتشغيل الأطفال، حيث تبين أن الظاهرة تتميز اجتماعيا في وسط الوافدين الجدد على المدينة، واقتصاديا في قطاع الصناعة التقليدية والخدمة المنزلية، وهذا في حد ذاته ذو دلالة كبيرة لأن التوافقات التي يتطلبها الوضع الاجتماعي والمرحلة الانتقالية تقود الى نمط من التكيف. تتحالف فيه الإكراهات الاقتصادية وأنماط السلوك الاجتماعي ضد الطفل3

ففي بحث أجري على 234 أسرة بضواحي مدينة فاس يتبين أن 73.9% من عدد أفرادها من مواليد المناطق القروية 1 ، وهذه النسبة تتطابق إلى حد كبير مع الإحصاء الوطني الذي أنجز من طرف مديرية الإحصاء سنة 2000 ، الذي تبين من خلاله أن 72% من عدد العاملين في القطاع غير المهيكل من مواليد المناطق القروية 2 .
أما بخصوص خادمات المنازل فإن 86.8% منهن ينحدرون من الوسط القروي 3 وتوافق هذه النسبة ماهو مثبت على مستوى النسبة العامة للانتماء المجالي لعدد الأطفال العاملين في كل النشاطات الاقتصادية إذ أن 87% من الأطفال العاملين ينحدرون من القرى 4 .
إلا أنه إذا كانت ظاهرة عمل الأطفال بصفة عامة ، وفي القطاع غير المهيكل بصفة خاصة ، قد أصبحت منتشرة وبادية للعيان فإن ذلك لم يتم إلا في ظل شروط اجتماعية واقتصادية هيأت الإطار العام المغدي والداعم للإستمرار عمل الأطفال.

المبحث الثاني: أسباب عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل.

في ظل المعطيات الحالية لا يمكن أن ترجع عمل الأطفال لمتغير واحد وإنما لمحددات عديدة متداخلة ومركبة منها ما هو اجتماعي( المطلب الأول) ومنها ما هو اقتصادي وثقافي ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: الأسباب الاجتماعية لعمل الأطفال في القطاع غير المهيكل

سنقتصر في معالجة الأسباب الاجتماعية على نوعين فقط هما الفقر ( الفقرة الأولى) ثم بنية أسرة الطفل العامل ( الفقرة الثانية) باعتبار أن هذين العاملين هما أس ظاهرة عمل الأطفال بصفة عامة، أما باقي الأسباب الاجتماعية الأخرى . فإنها محكومة بهذين المحددين.

الفقرة الأولى: تفشي الفقر: السبب الأول لعمل الأطفال.

من الثابت الأكيد أن الفقر1 أساس جل الشرور والأمراض الاجتماعية والاقتصادية والثقافية …في أي مجتمع تمكن منه ولا يكاد يخلو أي قطر من هذه الآفة ليصبح قضية إنسانية شاملة وليس مجرد مشكلة شعوب معينة 2 .
ويعتبر المغرب من أكثر الدول معنيا بهذه الظاهرة حيث تدل الأرقام أن ضحايا الفاقة يزدادون يوما بعد يوم، إذ أنه في سنة 1990 كان عدد الفقراء ينحصر في ثلاثة ملايين وثلاث مائة وستين ألفا ، ليصل سنة 1998/1999 خمسة ملايين وثلاث مائة وسبعة آلاف من الفقراء ، 44% منهم من الأطفال يقل عمرهم عن خمسة عشرة سنة3 ، 66% من مجموع الفقراء يعيشون في البادية 4 .
لذلك يبدو أن العالم القروي من أكثر المتضررين من آفة الفقر، ويرجع ذلك الى بنية توزيع الممتلكات العقارية، حيث تبين أن 70% من الأراضي الفلاحية الخاصة لا تتعدى مساحتها خمس هكتارات للفلاح الواحد مجملها ينقسم إلى خمس أو ست قطع، الأمر الذي ينعكس سلبا على الاستقلال الرشيد المنتج1. وإذا أضفنا إلى ذلك سنوات الجفاف التي أصبحت القاعدة يدل الاستثناء في العقدين الأخيرين . فإن الأمر يزداد استفحالا وسوءا بالنسبة لجل ساكنة العالم القروي.

أمام هذا الوضع تضطر الأسر الفقيرة الدفع بأبنائها إلى الانتماء مبكرا إلى مجال الشغل حيث نجد أن 96% من الأطفال العاملين يعيشون ضمن عائلات تعاني من ظروف الحياة الصعبة وبعائدات غير منتظمة بنسبة 28% من مجموع الأسر التي تظم طفلا مشغلا، أو تعاني من ضيق الحال 36% أو تعيش فقرا مدقعا 36% 2 ، الأمر الذي يجعلها في حاجة ماسة إلى أي دخل إضافي إذ عادة ما يسهم الأطفال ما بين 20% و 25% من دخل الأسرة 3 ، التي يبقى هاجسها الأساس هو توفير أسباب بقائها اليومي إلى درجة تجعل من الصعب عليها أن تراعي احتياجات أطفالها من تعلم وصحة وترفيه… لتدفع بهم إلى أحضان ورشة أو ترمي بهم إلى قارعة الطريق يمتهنون أحد حرفه، أو في أحسن الأحوال تشغيلهم لدى الأسر.
بيد أنه لا بد من الإشارة إلى أنه إذا كان الفقر ينتج ظواهر اجتماعية واقتصادية عديد

ويعمل على نمائها واستفحالها في المجتمع ، فإنه في نفس الوقت سرعان ما تتحول تلك الظواهر نفسها إلى مصادر لتغلغل الفقر وتمكنه من بعض شرائح المجتمع، لتصبح العلاقة التأثرية متبادلة ، لذلك فإن معظم الأطفال العاملين وخاصة خادمات المنازل اللواتي دفعهن الفقر إلى ” امتهان” الخدمة المنزلية كوسيلة لضمان عيشهن. يصبح من الصعب جدا القضاء على فقرهن من منطلق وضعهن المهني، وبالتالي لجمود ضمن فئة اجتماعية معينة مما يعني أن فرص الترقي الاجتماعي تكاد تنعدم.
غير أنه لا بد من إثارة الانتباه إلى إن الوضعية الاجتماعية والاقتصادية المزرية التي يعيشها المغرب لا ترجع أسبابها فقط إلى الطبيعة ، وإنما أساسا إلى سوء التخطيط، وسياسة التقويم الهيكلي وبدرجة أولى إلى مقاربات التنمية البشرية، حيث يبرز التطور الاجتماعي والاقتصادي أن حزاما قرويا واسعا وعدة جيوب حضرية توجد نسبيا معاقة من الاندماج الفعال في مسلسل النمو والتنمية بالبلاد، وما أدى إلى ذلك هو أنماط الحكامة المتبعة التي أعادت إنتاج نموذج تنمية بشرية مطبوعة بالفوارق خلال فترة طويلة1 .

إلا أنه إذا كان صحيحا أن الأطفال العاملون ينتمون إلى أسر ذات دخل محدود جدا يعيش غالبيتها العظمى في وسط شبه حضري. فإن الحيثيات المتعددة التي تقود الآباء إلى تشغيل أطفالهم لا يمكن إرجاعها إلى مفهوم يتيم. بل إلى عدة عوامل متداخلة مؤثرة في بعضها من هذه المؤثرات نجد بنية أسرة الطفل العامل التي تضم أفرادا عديدين ضمنها.

الفقرة الثانية: ارتفاع عدد أفراد أسرة الطفل العامل.

بالإضافة إلى الفقر الذي يعتبر قاسما مشتركا بين جل الأسر التي تدفع بأبنائها ألى سوق العمل ، يوجد كذلك قاسم آخر يتمثل في بنية الأسرة التي غالبا ما تكون ذات أفراد عددين.
حيث يتبين أن 86.8% من مجموعات خادمات المنازل يفوق عدد أفراد أسرتهن خمسة2 وكذلك الأمر بالنسبة لأسر الأطفال العاملين في قطاع الصناعة التقليدية حيث يتبين أن 14.16% من الأسر تضم ما بين أربعة وخمسة أفراد و 53.98% تحوي ما بين سنة وثمانية أفراد و30% تضم أكثر من تسعة أشخاص1 .
أما بالنسبة للأطفال العاملين في الفلاحة فإنه بالرغم من عدم وجود معطيات رقمية تحدد بدقة بنية الأسرة القروية,فإنه يمكن مع ذلك التأكيد على أن عدد أفرادها أكبر بكثير مما عليه الأمر لدى الأسر المقيمة في المدن و ذلك لانعدام التخطيط الأسري,وكذلك لاحتفاظ بعض البوادي بقيم التضامن و التكافل الأسريين اللذان يفرضان تماسك الأسرة والعيش تحت سقف واحد,وبالتالي سيادة الأسر الممتدة كنمط اجتماعي للعيش.

لذلك فإن اتحاد الفقر مع زيادة تحملا ت الأسرة نظرا لكثرة أفرادها يدفع بالطفولة إلى ولوج مبكرا عالم الشغل إلا أنه ليس كل الأطفال المنتمين لأسر عديدة الأفراد يشغلون, وإنما لابد من توافر أسباب أخرى اقتصادية و ثقافية تدعم قرار تشغيل الأطفال.

المطلب الثاني: الأسباب الاقتصادية والثقافية.

تعتبر ا لعوامل اقتصادية (الفقرة الأولى)وكذا الثقافية(الفقرة الثانية) من أهم الأسباب المؤدية إلى استفحال ظاهرة عمل الأطفال في القطاع غير منظم.

الفقرة الأولى: عجز الاقتصاد المنظم عن توفير مناصب شغل مناسبة.

تبقى الاختلالات الهيكلية الناجمة عن تردي الأوضاع الاقتصادية من أهم العوامل المؤدية إلى تردي الأوضاع الاجتماعية في معظم البلدان العربية، مما يزيد من هول ظاهرة عمالة الأطفال والدفع بهم إلى سوق الشغل في سن مبكرة2 .
وتكمن المشكلة الاقتصادية في صعوبة تحقق تنمية اقتصادية متوازية للاستخدام التام للموارد البشرية ، يرجع هذا الواقع إلى ارتفاع وثيرة عدد السكان النشيطين بنسبة تفوق بكثير وثيرة خلق فرص الشغل من طرف مختلف فروع الاقتصادات الوطنية.
إذ تؤكد الإحصاءات أن 35.5% من إجمالي ساكنة المغرب هم من فئة السكان النشطين، أزيد من 40% منهم يقل عمرهم عن 40 سنة، وما يقرب من 50% حاصلين على شهادة البكالوريا فما فوق.

كما أن الاقتصاد المغربي لا يستطيع أن يوفر سوى 150.000منصب شغل ليبقى عدد العاطلين يفوق نسبة المليونين من ضمنهم 210.000 حاصلين على شهادات عليا 1 .
وهذا المعطى الأخير مرشح للارتفاع إذا علمنا أن معدل الساكنة النشيطة قد ارتفع من 32.2% سنة 1994 إلى 35.25 سنة 2004 رغم كون النمو الإجمالي للسكان لا يتجاوز 1.4% في هذه الفترة،مع التركيز على نسبة النساء النشيطات التي ارتفعت بحوالي 4% مقابل 2% للذكور ويعد الشباب الأكثر تضررا من العطالة إذ يشكلون 82%من مجموع العاطلين في المغرب 2.
غير أنه وأمام هذا الوضع المتسم بعجز الاقتصاد الوطني عن استيعاب جيوش من العاطلين، نجد في نفس الوقت أن الفاعلين الاقتصاديين يسعون جادين إلى استقطاب الأطفال كأجراء لأسباب عديدة هي انخفاض التكلفة والمهارات التي لا بديل لها لدى الأطفال 3 بالإضافة إلى كونهم أقل وعيا بحقوقهم، فهذا المعطى وحده كاف لأن يعفي رب العمل من التزامات اجتماعية عديدة كالانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والتأمين عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، والتعويض عن الاجازات والعطل… كما أنهم أقل إثارة للمتاعب ، وعلى استعداد لتلبية الأوامر وأداء العمل الرتيب دون شكوى، وأنهم أكثر مدعاة للثقة ، واحتمالا للسرقة، والتغيب عن العمل، ولضعف نسبة غياب الأطفال قيمة خاصة لدى أصحاب العمل في صناعات القطاع غير المنظم، حيث سيستخدمون على أساس يومي عارض، ومن تم يجب أن توجد كل يوم كثيبة كاملة من العمال1 .
غير أنه لا يمكن أن يتم الزج بالطفل في سوق الشغل مهما كانت الاعتبارات، إلا إذا دعم هذا القرار المناخ الثقافي والفكري السائد لدى أسرة الطفل.

الفقرة الثانية: دعم الموروث الثقافي لعمل الأطفال.

إن دور العوامل الثقافية فيما يتعلق بظاهرة تشغيل الأطفال يظل دورا غير واضح المعالم، أو بالأحرى غير بارز كما هو الشأن بالنسبة للعوامل المادية، غير أنه لا يمكن تجاهلها لكونها تحيل إلى أنماط من التفكير والسلوك كتلك التي يعبر عنها فقهاء علم الاجتماع بمفهوم ” ثقافة الفقر”2 ، وهي معايير وقيم حاضرة ومؤثرة بشكل فعال في القرار الذي ينتج عنه دخول الطفل إلى عالم الشغل ويبرز الباعث الثقافي بشكل جلي عندما يكون قرار تشغيل الطفل قد تمخض عن اختيار بين احتمالات متعددة، وأن هذا الاختيار تم في ظروف مادية واجتماعية ليس فيها إكراه شديد، حيث تتوفر الأسرة على إمكانات تسمح بإعالة الطفل من غير حاجة إلى مدخول عمله وثم بطريقة واعية يتبلور فيها نوع من العقلنة والتكيف 1 ، والدفع بالطفل إلى سوق العمل هوتكريس للتصور الذي يعتبر الطفل مجرد مشروع استثماري اقتصادي يساعد الأسرة على تجاوز وضعية الفقر ويتكفل بأفرادها في مرحلة الشيخوخة 2 .
وفي جل الحالات، غالبا ما يكون الآباء قد اشتغلوا وهم صغارا ونادرا ما التحقوا بالمدرسة، حيث يعيدوا إنتاج نفس السلوك مع أطفالهم من منطلق اعتقادهم الراسخ من أنه من الأفضل أن يتعلم أطفالهم مهنة بالممارسة بدل الذهاب إلى المدرسة التي لا تنتج سوى العاطلين،
كما يعتقد الآباء أن تلك الأنشطة تساعد أبنائهم على التنشئة والتعلم ولا تعد في نظرهم عملا حقيقيا3 وسيادة هذا التصور يضفي طابع الشرعية على عمل الأطفال ويجعل المجتمع يعايشه دون أن يشعر بالحاجة لمجابهته والقضاء عليه4 أي أن معطى عمل الأطفال يكون مدعما بعدم الاهتمام الاجتماعي (Indifference social).

وتمثل نسبة الأطفال الذين عملوا لأسباب ثقافية حوالي 14.2% من إجمالي الأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل1 ، ويبدو ذلك واضحا من خلال تحديد متخذي قرار تشغيل الأحداث، إذ نجد مثلا أن 94.2% من خادمات المنازل، اتخذ قرار عملهن من طرف آبائهن أو أحد أفراد أسرتهن2.
لكن من الملاحظ دائما ما يبحث في الجانب الثقافي لمحيط الطفل دون الالتفات إلى البنية الفكرية والثقافية للطفل نفسه مركز الدراسة. الذي يوجد في مرحلة نمو وتشكل شخصيته الأمر الذي يسمح له باستهلاك القيم الاجتماعية والثقافية حتى تصبح اعتقادا يصعب دحضه، خاصة وأن شواهد الواقع تثبت المبررات التي تفضل عمل الأطفال، بدل أن يكونوا ضحايا السياسات التعليمية التي تبقى آثارها شاخصة أمام أعينهم في شخص كل المعطلين حاملي الشهادات العليا.
فأمام هذه الصورة التي يرسمها هؤلاء حول آفاق التعليم يحبذ الطفل ألا يكون نموذجا لهم في المستقبل، فيغير من تلقاء ذاته مصير حياته بتفضيله العمل بدل التعليم. ليصبح بعد ذلك مستهلكا لثقافة الأسرة. بل الأكثر من ذلك يعيد إنتاجها.

خاتمة الفصل التمهيدي:

باختصار شديد يمكن أن نجمل مختلف الأسباب الدافعة لعمل الأطفال في القطاع غير المهيكل إلى ثلاث ركائز أساسية.
أولها: الأسرة التي تتميز بخصائص مشتركة هي الفقر، الهجرة من البادية إلى المدينة، الأمية، الافتقار إلى التخطيط الأسري، وتعتبر عمل الأطفال أمرا عاديا.
ثانيا: التعليم حيث يساهم بشكل مباشر في الدفع بالأطفال إلى سوق العمل
ثالثا: المحيط العام غير المشجع لأوضاع الطفل ، ويتمثل ذلك في نقص البنية النحتية في جل المرافق الأساسية للنمو السليم للطفل.
فهذه العوامل مجتمعة تدفع بالحدث إلى الانتماء إلى فئة المشتغلين في سن جد مبكرة، مما يترتب عن ذلك آثارا وخيمة خاصة على المستوى النفسي والبدني، فالمهام المكلفون بها خلال عملهم لا تتناسب مع بنيتهم العضلية ولا مع بنيتهم العظمية، وهم بحكم عدم التناسب هذا معرضون أكثر للإصابة بأمراض وعاهات قد لا ينفع معها علاج في المستقبل.
أما على المستوى النفسي، فإن الطفل يتأثر بظروف العمل إذ أن أغلب المهن التي يمارسها تعرضه باستمرار للإكراهات وضغوط نفسية قاهرة يكون لها عميق الأثر على نموهم السليم. فالطفل العامل يقضي أغلب ساعات يومه بعيدا عن أحضان أسرته، أي بعيدا عن العطف والحنان والحماية، أضف إلى ذلك أن علاقة الطفل مع الراشدين في محيط العمل تؤول في الغالب إلى علاقات تسلط واستغلال.
لكن يبقى أكبر أثر للعمل يكمن في حرمان الطفل من فرص التعليم الذي يؤهله لأن يتحمل أعباء مستقبله ومستقبل أمته بالكفاءة المطلوبة.
وعموما إذا كانت هذه المقاربة السوسيو-اقتصادية للموضوع قد أماطت اللثام نسبيا عن واقع عمل الأطفال بصفة عامة وفي القطاع غير المهيكل بصفة خاصة، والتي بينت مدى هشاشة المركز الاجتماعي للطفل المغربي ضمن البنية الاجتماعية الكلية، الأمر الذي يستوجب التدخل العاجل لكل من يهمه أمر الطفولة، خاصة المشرع، من أجل إيجاد مناخ قانوني من شأنه حماية فئة عمرية معلق عليها مستقبل المغرب.

الباب الأول: محدودية الحماية القانونية للأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل

إن عمل الأطفال هو وليد متغيرات عديدة ساهمت مجتمعة في بلورة السلوك الاجتماعي على شكل ظاهرة مستجمعة لشرطي الشمول لفئة مهمة من طفولة المغرب، وكذا الاستمرارية، أي أنها ليست وليدة اللحظة بل نجد لها جذورا في تاريخ المجتمع المغربي، وأيضا استمرارها في المستقبل المنظور على الأقل، اعتبارا لصعوبة القضاء عليها مرة واحدة، وإنما يتم ذلك تدريجيا عبر مجموعة من الآليات الحمائية والوقائية.

ويعتبر التدخل التشريعي المنظم للعلاقة التعاقدية بين الأجير ورب العمل في ظل ظروف تأخذ بعين الاعتبار المعطيات المادية والاعتبارية للشخص العامل، أحد أهم المطالب الأساسية التي تقررها المبادئ الحمائية لحقوق الإنسان، التي تستوجب من كل فرد من أفراد المجتمع الدولي كفالتها لرعاياه، خاصة من يوجدون في وضع لا يسمح لهم بالمطالبة بحقوقهم والدفاع عنها، عن طريق الانتماء إلى مختلف المنظمات المهنية التي من شأنها أن تعمل على حماية مصالحه المعتبرة قانونا.
إلا أن ذلك غير متاح لكل الأجراء وإنما تبقى فئة غير محمية لغياب النص القانوني الخاص المؤطر والمحدد لطبيعة العلاقة التعاقدية القائمة بين العامل والمشغل، وتهم الأجراء العاملين في القطاع غير المهيكل من ضمنهم صغار العمال الذين تقل سنهم عن خمسة عشرة سنة، حيث يخضعون للمبادئ الواردة في النص العام، كقانون الالتزامات والعقود المغربي، مما يجعل هذه الحماية محدودة ، غير قادرة على ضمان كافة الحقوق المقررة لشريحة الأجراء.

وتبرز هذه المحدودية أكثر من خلال التباين القائم بين القانون الدولي والقانون الوطني في حماية الطفل العامل، وكذا من خلال الظروف التي في إطارها يعمل الأطفال في القطاع غير المهيكل التي تتسم بعدم التنظيم.
لذلك فإن معالجة هذا الباب تستوجب تقسيمه إلى فصلين وفق الشكل التالي:
الفصل الأول: تباين حماية الأطفال العاملين بين القانون الدولي والقانون الوطني.
الفصل الثاني: ظروف عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل.

الفصل الأول: تباين حماية الأطفال العاملين بين القانون الدولي والقانون الوطني.

انطلاقا من الإيمان الراسخ بأن أي حماية لا يمكن أن تتحقق بالاستناد إلى الوازع الأخلاقي المثالي، أو الضمير الإنساني مفردا، وإنما لا بد من آليات قانونية حمائية ترشد سلوك الإنسان وقراراته بالقوة إن اقتضى الأمر ذلك.
لذلك عمد المنتظم الدولي إلى حماية الطفولة من كل المظاهر الاجتماعية غير الصحية التي تعرقل النمو السليم، الطبيعي لأي طفل، في أي بقعة على وجه البسيطة، مع مراعاة الخصوصيات المحلية لكل قطر على حدة، حيث عمل بصفة مطردة على زيادة الوعي بخطورة عمالة الأطفال وذلك عبر مجموعة من الاتفاقيات تؤكد كلها على ضرورة حماية الأحداث العاملين في مختلف المجالات (المبحث الأول) الأمر الذي انعكس إيجابا على التشريعات الوطنية منها التشريع المغربي، الذي حاول ملاءمة الأحكام الخاصة بتشغيل الأطفال مع المبادئ المقررة في القانون الدولي المنظم لهذا الموضوع، إلا أنه مع ذلك بقيت مجالات عديدة تستقطب غالبية الأطفال العاملين في المغرب دون أن تشملهم مدونة الشغل الجديدة بأي حماية (المبحث الثاني).

المبحث الأول: حماية الأطفال العاملين في إطار القانون الدولي:

من أكثر الظواهر الاجتماعية التي أثارت اهتمام المشرع الدولي ما يتعلق بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الطفل، خاصة ما يتعرض له من استغلال اقتصادي يعيد الإنسانية إلى مراحل تطورها الأولى.
ويتمثل هذا الاهتمام في الوعي المبكر للمجتمع الدولي بمكانة الطفل داخل البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، حيث عمل على بلورة أحكام خاصة بالطفل في المواثيق الدولية العامة( المطلب الأول ). قبل أن يتدخل عبر مؤسساته المختصة لبلورة اتفاقات خاصة تحدد أو تحظر عمل الأطفال ( المطلب الثاني ).

المطلب الأول: حماية الأطفال العاملين من خلال الاتفاقيات الدولية العامة:

يندرج اهتمام المنتظم الدولي بظاهرة تشغيل الأطفال ضمن اهتمامه الشامل المتمثل في ضرورة احترام حقوق الإنسان عامة، وحقوق الطفل خاصة، حيث ثم تكريس هذه الحماية في المواثيق الدولية المؤسسة لحقوق الإنسان، خاصة ضمن أحكام الشرعية الدولية ( الفقرة الأولى ) وكذلك من خلال بلورة اتفاقات خاصة بالطفولة من طرف منظمة الأمم المتحدة ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: حماية الأطفال العاملين في إطار بنود الشرعة الدولية:

ترجع أولى المحاولات التي قام بها المجتمع الدولي في مجال تشغيل الأطفال إلى القرن التاسع عشر، حيث انعقد في سنة 1890 المؤتمر الدولي بشأن تنظيم العمل نتج عنه مجموعة القرارات منها منع تشغيل الأطفال دون سن الثانية عشرة سنة في المنشآت الصناعية،و نفس المقتضى تم التأكيد عليه بمناسبة المؤتمر الدولي الثاني للشغل سنة 1912 ببرن السويسرية.
كما أن المادة 32 من عهد عصبة الأمم بلور بشكل أكثر وضوحا معالم اهتمام المجتمع الدولي بظاهرة تشغيل الأطفال، حيث تعهدت بتنظيم ظروف عمل عادلة وإنسانية للرجال والنساء والأطفال.

مثل هذه الأحكام مهدت لتبني قضايا الطفولة في اتفاقات دولية أكثر أهمية وفعالية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 الذي اعتبر وثيقة دولية مؤسسة فعليا للمجالات الأساسية لحقوق الإنسان.
إذ جعل الأم والطفل من أهم مكونات المجتمع يستحقان المساعدة والرعاية الخاصتين، وأن جميع الأطفال متساوون في الرعاية الاجتماعية دون أي تمييز كما أنه عدد مجموعة من الحقوق التي اعتبرها لصيقة بشخص الفرد لا يمكن المساومة بشأنها أو التنازل عنها 1 ،إذ يمكن اعتبارها آليات مساعدة على الحد من ظاهرة تشغيل الأطفال إن ثم إنزالها على أرض الواقع.
ونفس هذه الحقوق أعيد صياغتها وبلورتها في العهدين الدوليين لسنة 1966 حيث تضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، على أنه من حق كل طفل على أسرته وعلى المجتمع، وعلى الدولة اتخاذ التدابير التي تقتضيها وضعيته دون تمييز، وكذلك اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية الطفل2.

وإذا كان هذا المقتضى يمنح الطفل حق الرعاية، فإنه في نفس الآن يجعل ذلك واجبا على أطراف محددة هي الأسرة أولا، والمجتمع ثانيا، والدولة أخيرا الذين ألزمهم المشرع الدولي بضرورة اتخاذ ما يلزم من تدابير حمائية تجعل الطفولة في وضع الامتياز، تتوفر له كافة الإمكانات الأساسية للنمو السليم، وفي مقدمتها مناهضة كل أشكال الاستغلال الذي يعيق تنمية القدرات الفكرية والأخلاقية للطفل.
غير أنه إذا كان المنتظم الدولي جعل المسؤولية تقع أولا على الأسرة فإنه قد ضمن حقها في ضرورة منحها أكبر قدر من الحماية والمساعدة لتمكينها من النهوض بمسؤولية تربية الأطفال الذين تعولهم، خاصة قيامها بوظيفتها الوقائية لمنع الأطفال من استغلالهم اقتصاديا واجتماعيا، مع التأكيد على فرض عقوبات قانونية على من يقوم باستخدامهم في أعمال تلحق الأضرار بأخلاقهم أو بصحتهم أو تشكل خطرا على حياتهم، أو يكون من شأنها إعاقة نموهم الطبيعي بالإضافة إلى وجوب تحديد سن الاستخدام1، غير أنه إذا كانت هذه المقتضيات الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين قد أوجدت مبادئ كبرى أطرت المجالات الأساسية للتدخل التشريعي، سواء على مستوى الجنس ، حيث لحقت قوانين الشرعة الدولية العديد من الاتفاقيات تهم جنس النساء وكيفية حمايتهن و تمكينهن داخل المجتمع ، أو على مستوى الفئة العمرية ، إذ حقق القانون الدولي طفرة نوعية ونموا مطردا في اهتمامه بقضايا الطفولة، فأصدر العديد من الاتفاقيات والوثائق شكلت قاسما مشتركا بين مختلف الحساسيات الدولية بمختلف انتماءاتها العقائدية أو الاديولوجية.

الفقرة الثانية: حماية الأحداث العاملين من خلال القوانين الدولية الخاصة بالأطفال.

عند نهاية الربع الأول من القرن العشرين توجت عصبة الأمم البائدة، جهودها بصدور إعلان جنيف بشأن حقوق الطفل سنة 1924 م، تضمن خمس نقط محورية نصت إحداها على ضرورة حماية الطفل من جميع صور سوء المعاملة والاستغلال.
ثم بعد ذلك، في 20 نونبر 1959 أصدرت هيئة الأمم المتحدة إعلان حقوق الطفل، الذي يعد أول عمل دولي تم فيه تعداد حقوق الطفل أينما وجد بشكل تفصيلي، بغض النظر عن أي اعتبار تمييزي.
وقد تضمن هذا الإعلان عشر مبادئ 2 منها سبعة تهم بصفة مباشرة أو غير مباشرة، موضوع
عمالة الأطفال كالحق في الحماية القانونية من القسوة والاستغلال 1 والحق في توفير الحماية لينشأ نشأة طبيعية، وغيرها من الحقوق الأساسية الكبرى، التي لا يمكن لأي إنسان معدوم الإرادة والقوة أن يعيش بدونها ، إلا إذا تم كفالتها بموجب النص القانوني . وكذا ضمان تطبيقها من طرف مؤسسات دستورية فاعلة .
إلا أن المبادرات الدولية لم تقف عند هذا الحد وإنما وصلت ذروتها سنة 1989 عندما صدرت اتفاقية حقوق الطفل3 . باعتبارها جزء لا يتجزأ عن المنظومة الحقوقية الكونية.
وقد شكل موضوع عمل الأطفال أهمية خاصة بالنسبة لاتفاقية حقوق الطفل، التي أكدت على ضرورة الاعتراف بحق الطفل في الحماية من الاستغلال الاقتصادي أو أداء أي عمل يرجح أن يكون ضارا بصحة الطفل أو نموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي 2 .

وبالرغم من عموم هذا النص ، وعدم إضافته جديدا إلى التنظيم القانوني الدولي لعمل الأطفال، فإنه مع ذلك ، لا يخلو من فائدة، فهي من ناحية تقر بشكل واضح وصريح حق الطفل في الحماية من مختلف مظاهر الاستغلال ومن ناحية أخرى فهي تفرض على الدول التي لم تنضم إلى اتفاقية العمل الدولية الخاصة بالأحداث الالتزام بالحد الأدنى من الحماية الذي تقرره اتفاقية حقوق الطفل 3
واستكمالا للجهود الدولية، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2000. البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية 1، والدافع إلى تبني هذا النص القانوني هو تنامي ظاهرة الاتجار الدولي بالأطفال بصفة واسعة النطاق، قصد ” تشغيلهم” في مجالات السياحة الجنسية ، وفي توفير المواد الإباحية بشكل متزايد على شبكة الانترنيت وغيرها من التكنولوجيات الناشئة. حيث دعت إلى ضرورة تحريم هذه الأنشطة وتشديد عقوبتها ضد كل من تبث في حقه إتيان أحد الأفعال المشار إليها.

غير أنه إذا كانت الاتفاقات الدولية العامة جعلت من موضوع تشغيل الأطفال جزءا من ضمن اهتماماتها الكلية,فإن الأمر يختلف بالنسبة لبعض اتفاقيات وتوصيات منظمة العمل الدولية التي خصصت لصالح الأطفال العاملين كل مقتضياتها2

المطلب الثاني: حماية الأطفال العاملين في إطار قوانين منظمة العمل الدولية

في أفق القضاء على عمل الأطفال مستقبلا، نهجت منظمة العمل الدولية سياسة مرنة تعتمد التدرج في مواجهة ظاهرة تشغيل الأطفال حيث عملت على بلورة نصوص تحظر أسوأ أشكال عمل الأطفال ( الفقرة الأولى) في مقابل ذلك فرضت تدابير وقائية لعمل الأحداث في المجالات الخفيفة ( الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال.

أدركت منظمة العمل الدولية استحالة القضاء الفوري على كل مظاهر عمل الأحداث، لذلك بادرت إلى إصدار الاتفاقية رقم182 المتعلقة بحظر أسوأ أشكال الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها مصحوبة بالتوصية رقم 190 تهم نفس الموضوع1.
ويعد من طبيعة أسوأ أشكال العمل في مفهوم هذه الاتفاقية كافة أشكال الرق أو الممارسات الشبيهة بالرق كبيع الأطفال والاتجار بهم، وعبودية الدين، و القنانة، والعمل القسري أو الإجباري، بما في ذلك التجنيد العسكري أو الإجباري للأطفال لاستخدامهم في صراعات مسلحة،إضافة إلى استخدام الأطفال أو تشغيلهم أو عرضهم لأغراض أو لإنتاج أعمال إباحية1 أو مزاولة أنشطة غير مشروعة، ولا سيما إنتاج المخدرات ، وبصفة عامة حظر جميع الأعمال التي يرجح أن تؤدي بحكم طبيعتها أو بفعل الظروف التي تزاول فيها إلى الإضرار بصحة الأطفال أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي2.
اعتبارا لكون التحديد الوارد في الاتفاقية كان عاما من شأنه أن ينطبق على كل الأعمال التي يقوم بها الأطفال، فإن التوصية رقم 190 قد حاولت تجاوز ذلك في المحور الثاني الذي تناول بالتحديد المعايير التي يمكنها أن تساعد على معرفة الأنشطة الخطيرة، وهي جميع الأعمال التي تعرض الأطفال للاستغلال البدني أو النفسي أو الجنسي ، والأعمال التي تزاول في باطن الأرض ، أو تحت المياه أو على ارتفاعات خطيرة أو في أماكن محصورة، أو الأعمال التي تستخدم فيها الآلات والمعدات والأدوات الخطرة، أو التي تستلزم مناولة أو نقل أحمال ثقيلة يدويا، أو الأعمال التي تزاول في بيئة غير صحية يمكن أن تعرض الأطفال على سبيل المثال للمواد أو عوامل خطرة أو لدرجات حرارة أو مستويات ضوضاء أو اهتزازات ضارة بصحتهم، أو الأعمال التي تزاول في ظروف بالغة الصعوبة كالعمل لساعات طويلة مثلا أو أثناء الليل أو العمل الذي يحتفظ فيه الطفل في مكان صاحب العمل دون سبب معقول.

ولم تقتصر الاتفاقية على مجرد تعيين الأعمال الخطيرة . وإنما ألزمت الدول أن تحدث آليات الملاءمة لرصد تطبيق الأحكام الرامية إلى تنفيذ الاتفاقية وتصميم برامج عمل من أجل القضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال في المقام الأول3 مع ضرورة النص على عقوبات جزائية أو غيرها عند الاقتضاء أو تطبيقها ، واتخاذ كل التدابير التي من شأنها أن تساعد على انتشال الأطفال من مجال العمل1.
بيد أنه نظرا لصعوبة أو استحالة القضاء التام على عمل الأطفال فإن منظمة العمل الدولية أصدرت العديد من الاتفاقيات الدولية تنظم عمل الأحداث في مختلف المجالات الخفيفة.

الفقرة الثانية: تنظيم عمل الأحداث في المجالات الخفيفة.

منذ سنة 1919 إلى غاية سنة 1999 وافق المؤتمر الدولي للشغل على تسعة عشرة اتفاقية2 وتسع توصيات تتعلق بشكل مباشر ومطلق بحماية صغار العمال. في مختلف مجالات العمل ( الصناعة، العمل الجبري، الزراعة، الأعمال غير الصناعة، العمل البحري…) في مختلف ظروفه من حيث المدة والراحة والعطل وسن الشغل والتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية…وذلك بهدف تحسين وأنسنة ظروف عمل الأحداث، باعتباره المهمة الأولى والدائمة لمنظمة العمل الدولية من جهة، كما أن مشكلة تحسين العمل وبيئته ينبغي أن يعتبر كلا واحدا ترتبط فيه عوامل كثيرة تمس السلامة البدنية والعقلية للعامل ارتباطا وثيقا من جهة ثانية3.
إن كل الاتفاقيات الدولية سواء العامة أو الخاصة بالأطفال ، خصوصا العاملين منهم، حاولت توفير حماية نوعية لكل الأطفال المعنيين أيا كان جنسهم أو مكان تواجدهم ، وذلك بغية دعم مركزهم القانوني على المستوى الوطني لكل قطر، إلا أنه يبدو أن هذه الجهود لا بد من مضاعفاتها لحمل الدول على تسريع وثيرة ملائمة نصوصها القانونية مع الأحكام الواردة في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالشغل.
من بين هذه الدول المعنية نجد المغرب الذي حاول عصرنة ترسانته القانونية مع ما التزم به دوليا، إلا أنه مع استقراء المقتضيات الواردة في مدونة الشغل الجديدة، تتضح جوانب قصور عديدة في حماية الأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل.

المبحث الثاني: تجليات غياب حماية الأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل من خلال مدونة الشغل.

تبدو هذه التجليات واضحة من خلال استعباد خدم المنازل من نطاق قانون الشغل ( المطلب الأول) وكذلك بعض المهن الأخرى التي تعتبر من صميم القطاع غير المهيكل ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: استبعاد خدم المنازل من نطاق قانون الشغل.

تم هذا الاستبعاد بصريح النص القانوني ( الفقرة الأولى )الذي تم تأييده من طرف الفقه والقضاء ( الفقرة الثاني) على الرغم من عدم وجود أية حماية قانونية خاصة الأمر الذي دفع إلى اتخاذ موقف خاص من هذا التوجه العام الذي صار فيه المشرع المغربي وكذا الفقه والقضاء ( الفقرة الثالثة ).

الفقرة الأولى: استبعاد خدم المنازل من نطاق قانون الشغل بصريح النص.

إن نطاق قانون الشغل محدد من حيث المبدأ بوجود عقد عمل يربط بين الأجير ورب العمل ، أيا كانت طرق تنفيذه وطبيعة الأجر المقررة فيه وكيفية أدائه ، وأيا كان نوع المقاولة التي ينفذ العقد داخلها ، وخاصة المقاولات الصناعية والتجارية ، ومقاولات الصناعة التقليدية والاستغلاليات الفلاحية . كما تسري أحكام القانون على المقاولات والمؤسسات التابعة للدولة والجماعات المحلية إذا كانت تكتسي طابعا تجاريا أو فلاحيا وعلى التعاونيات والشركات المدنية والنقابات والجمعيات والمجموعات على اختلاف أنواعها، كما تسري أحكام هذا القانون على المشغلين الذين يزاولون مهنة حرة، وعلى قطاع الخدمات ، وبشكل عام على الأشخاص الذين ارتبطوا بعقد شغل ولا يدخل شغلهم في نطاق أي نشاط من النشاطات المشار إليها أعلاه 1

فالأساس الذي يرتكز عليه مجال التطبيق ، وجود عقد عمل بكل مقوماته ، من عدمه، إلا ما استثني صراحة بموجب القانون ، كما هو الحال في المادتين الثالثة والرابعة من قانون رقم 65.99، الذي ضم مجموعتين من الفئات المستعبدة.
فالأولى: حددتها المادة الثالثة وتحوي أجراء المقاولات والمؤسسات العمومية التابعة للدولة ، والجماعات المحلية والبحارة وأجراء المقاولات المنجمية ، الصحفيون المهنيون، أجراء الصناعة السينمائية، البوابون في البنايات المعدة للسكنى، وميزة هذه الفئة المستبعدة ، أنها تتوفر على أنظمة قانونية خاصة تضبط العلاقة القائمة بين الأجراء وأرباب العمل وتحدد التزامات وواجبات كل طرف من أطراف العقد، ولا يتم اللجوء إلى مدونة الشغل إلا في حالة انعدام النص في أي تلك النظم القانونية الخاصة، على اعتبار قانون الشغل هو الشريعة العامة.

أما الثانية: فإنها تضم مجموعة من فئات الأجراء منهم خدم المنازل، إلا أن المشرع المغربي لم يحدد المقصود بخدم المنازل ولا المجال المكاني لعملهم الذي يعتبر منزلا2خاصة و أن إقصاء هذه الفئة من نطاق تشريع العمل يعتبر استثناء من المبدأ العام القاضي بشمول أحكام هذا القانون لجميع عقود الشغل، ولذلك كان من اللازم على المشرع أن يتدخل ليحدد من هم الخدم؟ وما المقصود بالبيت؟ حتى يقيد سلطة القاضي في التفسير، الذي ينبغي أن يؤخذ بالتضييق ، ما دام الأمر يتعلق بالاستثناء.
وعلى عكس بعض التشريعات المقارنة التي أضافت إلى عبارة ” خدم المنازل” تعبير” من يدخل في حكمهم”1 التي تتيح إمكانية التوسع في التفسير ليشمل كل الأشخاص الذين يعملون في أماكن حتى وإن لم تعتبر منزلا كالسائق الخاص، أو ملحقاته كالبستاني أو بواب المسكن الخاص، لدلك فالمشرع المغربي قد أورد في المادة الرابعة عبارة ” خدم المنازل” دون أن يجيز إمكانية القياس عليهم .

لذلك نتساءل عن مدى إمكانية اعتبار أن ذلك مجرد سهو من المشرع؟ أم أنه تعمد إيراد النص على صيغته الحالية حتى يضيق من نطاق المستبعدين وبالتالي توفير حماية أكثر لمن يعتبر في حكم خدم المنازل؟.
بيد أنه أيا كانت اعتبارات عدم إيراد عبارة ” من حكم خدم المنازل ” فإننا نثمن الصيغة الحالية للنص لأمرين أساسين.
الأول: أنها تمكن القضاء من إيجاد مسوغ قانوني يمنح إمكانية شمول نطاق قانون الشغل لمن يعتبر في حكم خدم المنازل.
الثاني: أنه بالقدر نفسه التي تمنح الصياغة من إمكانات التدخل القضائي ، فإنها في نفس الآن تضع قيودا على سلطة القاضي عند تفسيره للنص الذي يوجب عدم التوسع في ذلك لتعارضه مع مصالح المستخدمين،وبالتالي توفير حماية قانونية أكثر ضمانة.
والمشرع المغربي إذا كان قد نص على عدم شمول نطاق قانون الشغل لخدم المنازل فإنه لم يحدد العلة التي من أجلها تقرر الاستبعاد، الأمر تحمل عناء البحث عنه كل من الفقه والقضاء.

الفقرة الثانية: مسايرة الفقه والقضاء لموقف المشرع:

إن كل الجهد الذي بدله الفقه كان منصبا على إيجاد مبرر يمكنه من تعليل قرار المشرع باستبعاده خدم المنازل من نطاق قانون الشغل فانقسم إلى فئتين ، كل واحدة اعتمدت علة معينة ترتكز عليها في الدفاع عن موقفها.
فأما الأولى: فإنها اعتمدت عنصر الميزة الاقتصادية، أي أنها أخدت بعين الاعتبار طبيعة العلاقة التعاقدية للتمييز بين عقد الشغل من غيره، حيث أعدمت الصيغة الاقتصادية لعمل خدم المنازل، بمعنى آخر انعدام إنتاجية العمل بالمفهوم الإحصائي للإنتاجية، أي أن العلاقة بين العملية الإنتاجية وما استخدم فيها من عناصر إنتاج نسب معينة التي تعرف في المصادر الاقتصادية بالمداخيل، وبين النتيجة العقلية لعملية الإنتاج المعروفة بالمخارج1 .
أما الفئة الثانية فإنها اعتبرت كل شخص يعمل في وضع يسمح له بالاطلاع على الأسرار الشخصية والأسرية لرب العمل يدخل في زمرة خدم المنازل. أي أن هذه الفئة أخذت بعين الاعتبار مكان أداء العمل، جاعلة المناط في تحديد ما إذا كان العامل يعتبر خادما أم لا، هو طبيعة العمل الذي يقوم به، فإذا كان عملا ماديا وثيق الصلة بشخص رب العمل، فإنه لا يعتبر من الأعمال التي تخضع لقانون الشغل، وأما إذا كان العمل المؤدى من قبيل الأعمال الذهنية ، فإنه في هذه الحالة لا يعتبر خادما بل أجيرا تشمله أحكام مدونة الشغل1.

وبذلك يكون الفقه قد أجمع على شروط معينة متى توفرت في العمل اعتبر من قبيل الخدمة المنزلية، هذه الشروط هي:
1. أن يكون العمل بالمنزل أو أحد ملحقاته، وعلى ذلك فإن القائمين ببعض الأعمال التي تتمثل في طبيعتها مع ما يقوم به الخدم في مكان آخر غير المنزل لا يستثنون من الخضوع لأحكام قانون الشغل2.
2. أن يغلب عليه الطابع المادي ، إذ أن الأعمال الذهنية تخرج صاحبها من زمرة الخدم إلى فئة الأجراء، إلا أنه إذا كان يؤدي أعمالا مادية وأخرى ذهنية رجح الغالب منها في وصف القائم بهما.
3. أن يكون العمل متصلا بشخص المخدوم أو بذويه
4. ألا يقصد المخدوم من وراء عمله الحصول على ربح3 ولا يعني ذلك العمل
بالمجان وإنما العمل مقابل أجر محدد أو قابل للتحديد.

إن مختلف هذه التبريرات التي علل بها الفقه موقف المشرع استهلكها القضاء بصفة كلية وأعاد إنتاجها في صيغة أحكام قضائية. إلا أنه مع ذلك يلاحظ اختلاف كبير في النهج المتبع بين المجلس الأعلى الذي يتشبث أساسا بصفة العلاقة التي تربط هذه الفئة مع مشغليها بل إنكار هذه الصفة ، وبين المحاكم الدنيا التي تعتمد مكان تنفيذ العمل في استبعاد الخدم من نطاق قانون الشغل1 .
وفي هذا الإطار يمكننا أن ندرج قرار المجلس رقم 34 بتاريخ 10 فبراير 1986 الذي جاء فيه ما يلي ” لكن حيث أن خادمات المنازل لسن بعاملات ورش… حتى يصح أدراجهن ضمن مقتضيات الفصل 754 مت ق.ل.ع.م. المحتج به. وأن مفهوم عقد الإيجار المنصوص عليه في الفصل 753 المشار إليه يقتضي أن يكون مؤجر الخدمة اقتصاديا أو تقنيا أو يتقن عملا معينا الشئ الذي لا تتوفر عليه المستخدمات في أشغال المنزل كما أن مقتضيات الفصل 1248 تنطبق على العامل لدى المؤسسات التجارية…”2 لذلك فإن مصدر الرفض يأتي من فرض التلازم بين مفهومي العقد والمؤسسة بصفة تعسفية دون النظر في مدى توفر العقد على كل أركانه وشروطه3.

الفقرة الثالثة: تعليق على استبعاد خدم المنازل من نطاق قانون الشغل.

إنا لا نستسيغ موقف المشرع المغربي الذي استثنى من نطاق قانون الشغل خدم المنازل، وذلك لتوفر كل مقومات وشروط عقد العمل، التي يجملها الفقهاء في ثلاث شروط:
– الشرط الأول: توفر عنصر التبعية ، إذ أنه بالتمعن في وضعية الخادمة نجد أنها تخضع لتبعية تكاد تكون مطلقة لكل أفراد الأسرة في كل دقائق العمل الذي تؤديه، بحيث لا يكون لدى الخادمة في كثير من الأحيان أي سلطان في توجيه عملها . وهناك مظاهر عديدة تثبت هذه التبعية، تتمثل في تحديد نوع العمل من قبل صاحب البيت ومداه ومكانه وزمانه…
– الشرط الثاني:أن يكون العمل مأجورا: القاعدة العامة هي أن عقد العمل من عقود المعاوضة يقدم فيه العامل عمله مقابل أجر يحصل عليه، ويمثل الأجر سبب التزام كل من العامل وصاحب العمل ، وقد يذهب البعض إلى أنه في بعض الأحيان غالبا ما يكون أجر الخادمة عبارة عن تقديمات عينية كالمسكن والمأكل والملبس… في مقابل أداء الخدمة ، وبالتالي ينعدم شرط الأجر مما يترتب عنه انعدام العقد إلا أن الثابت فقها هو أن نية المعاوضة لا يتأثر وجودها بغير صور الأجر النقدي1.
– أما الشرط الثالث : يشترط لسريان قانون الشغل على العقود أن يكون العمل من طبيعة الأعمال الخاصة لا من الأعمال العامة ، لأن هذا الأخير يخرج بحكم طبيعته من الخضوع لتشريع الشغل، إلا في حالات استثنائية جدا وذلك عندما ينص القانون صراحة على ذلك.
واعتبار الخدمة المنزلية من طبيعة الأعمال الخاصة لا يحتاج إلى عناء فكري أو تقديم تعليلات بل إن الأمر واضح ، والاستثناء الصريح من نطاق قانون الشغل هو في حد ذاته أكبر دليل على كونه نشاطا خاصا وليس عاما.
وعليه فإن هذا الاستثناء لا ينسجم مع مبدأي العدالة والمساواة التي ينبغي أن تقرر لجميع الأجراء دون استثناء، وقد يدفع البعض بأن هذا الاستثناء تقرره حتى الاتفاقيات الدولية التي تركت هامشا مهما للتشريعات الوطنية لاستبعاد بعض المهن أو بعض فئات الاستخدام ،التي يمكن أن تثور بشأنها مشاكل تطبيقية خاصة ، و يشترط ألا يتضمن هذا الاستثناء أنواع الاستخدام والعمل الخطيرين2.
غير أن قصد المشرع الدولي ليس هو ترك تلك الفئات دون حماية، وإنما الاستبعاد مع توفير البديل الحمائي. أما في حالة العكس فإن ذلك يعتبر استغلالا سلبيا لمرونة النص القانوني الدولي، الذي يتضمن قواعد دنيا مجمع عليها دوليا، تاركا هامشا يمكن للمشرع الوطني الاجتهاد فيه وأخد كل ما يناسب قيمه الوطنية، والإمكانيات المادية المتاحة له1.
وقد يذهب كثيرون إلى أن خدم المنازل محميون قانونا بموجب ق ل ع م، غير أن الأحكام المشار إليها ابتداءا الفصل 723 وما تعده لا تقضي على العلاقة بين الخادم والمخدوم ضمانا قانونيا بقدر ما تجعلها تحت الإطار العام لنظرية العقد الذي يستلزم فقط التراضي في ظل ركن الأهلية، وهو في الغالب معدم في العلاقة المقصودة2 هنا، إذ أن 94.7℅ من خادمات المنازل اللواتي يقل سنهن عن 18 سنة يقل عمرهن عن خمسة عشر سنة3 ، منهن 37 % لا يتعدى عمرهن عشر سنوات4، بل إنهن لا يتخذن حتى قرار الولوج إلى العمل5 ، فهي تقاد إلى بيت آخر غير منزل أسرتها، تجهل مصيرها وظروف عملها، بل إنها تجهل حتى أصول الأشغال التي ستقوم بها ، لذلك فإن الحديث عن التراضي أو الأهلية عند ابرما عقد الشغل لا يمكن تصوره في ظل المعطيات المحددة سابقا.

كما أن استناد تنظيم العلاقة التعاقدية في إطار ق.ل.ع. هو في حقيقة الأمر رجوع بنا إلى عهد المرحلة الأولى من مراحل تطور القاعدة القانونية الاجتماعية، التي تأثرت بالأوضاع السياسية للبلاد، حيث كان يهتم المشرع آنذاك بعدم عرقلة نهوض بلد حديث، الأمر الذي أدى به إلى تنظيم عقد الشغل بصورة مختصرة ليترك للأطراف احترام الأعراف السائدة. فكانت النتيجة نصوص قانونية وليدة وضع خاص تمزج بين عدة تقنيات تشريعية ميزتها التضييق على حقوق الأجراء المغاربة أكثر ما يمكن1.
أما بالنسبة لموقف الفقه فإنه في مجمله مردود ، حيث أنه إذا كان العمل يعتبر من الناحية الاقتصادية كل جهد يبدله الإنسان ولكن مع توفر شروط أو مميزات معينة، منها أن يرقى الجهد المبذول إلى تحقيق منفعة اجتماعية، والمقصود بالمنفعة الاجتماعية زيادة الإنتاج وعرض السلع والخدمات التي تشبع حاجات المجتمع، وأن هذا الأخير قد اعترف للعمل بتلك الصفة – المنفعة – المتولدة من بذل المجهود المذكور2 .

إن هذا التحديد الاقتصادي لمفهوم العمل بقدر ما يمكن استغلاله لتبرير استثناء بعض المهن من مفهوم العمل كالخدمة المنزلية فإنه بالمقابل- وبالقدر نفسه- يمنح إمكانية إدماج هذا النوع من النشاطات ضمن مفهوم العمل، وذلك لتوفرها على شرط المنفعة الاجتماعية فهي إذا كانت لا تنتج مباشرة السلع وعرضها، فإنها توفر المناخ المناسب للعاملين في هذه القطاعات وذلك باحلالها محلهم في القيام ببعض وظائفهم الأسرية الضرورية، لذلك فإن أعدمنا الخدمة فإن ذلك يعني تعطيل كفاءات مهنية متميزة وحبسها بين جدران البيت للقيام بواجباتها المنزلية، وهذا ما يمنح وظيفة خادمات المنازل اعترافا اجتماعيا بمنفعتها وبضرورتها في الحياة اليومية لفئة معينة من الأسر المغربية.

أما بالنسبة للرأي الذي يستند على خصوصية مكان أداء العمل الذي يتميز بحرمته وعدم قابليته لأن ينفذ في إطاره قانون معد في الأصل للتطبيق داخل منشآت ذات طابع اقتصادي، فإن القانون نفسه، خاصة المقارن، لا يعطي أهمية لتلك الاعتبارات عندما قرر تمديد نطاق قانون العمل ليشمل خدم المنازل الأجانب كالقانون المصري رقم 35 لسنة 1976 المعدل بقانون رقم 1 لسنة 1981 في مادته 27 التي تقضي بتمديد نطاق تطبيق القانون على أعمال الخدمة المنزلية، كما أن قانون النقابات العمالية، أجاز لهم حق إنشاء منظمات نقابية تدافع عن مصالحهم.
لذلك يبدو أن المشرع لا تهمه خصوصية المنزل بقدر ما يهمه رفض ادماج علاقة خدم المنازل بالأشخاص العاملين لديهم في النطاق القانوني لعقد الشغل، وهو المبرر الذي يعجز الفقه عن الكشف عنه .
وإذا كان استثناء خدم المنازل مجمع عليه قانونا وفقها وقضاء، فإن الأمر يطال كذا بعض المهن الأخرى التي يصنفها المهتمون جزء من القطاع غير المهيكل.

المطلب الثاني: عدم شمول نطاق قانون الشغل لبعض مهن القطاع غير المهيكل:

تتمثل هده المهن في قطاع الصناعة التقليدية الصرفة ( الفقرة الأولى) الذي استبعد بصريح النص القانوني، وكذا في بعض المهن الأخرى التي يصعب بحكم طبيعتها ادماجها ضمن زمرة الأنشطة التي يمكن أن يشملها تشريع العمل ( الفقرة الثاني).

الفقرة الأولى: استبعاد العاملين في قطاع الصناعة التقليدية الصرفة من نطاق قانون الشغل.

نصت المادة الرابعة من مدونة الشغل على أن كل شخص طبيعي يزاول حرفة يدوية بمساعدة زوجه وأصوله وفروعه وخمسة مساعدين على الأكثر، ويتعاطى حرفته إما بمنزله أو في مكان يشتغل فيه، وذلك قصد صنع المنتوجات التقليدية التي يهيئها للاتجار فيها، يعتبر مزاولا حرفة من حرف الصناعة التقليدية الصرفة التي أخرجها المشرع من التنظيم القانوني بموجب مدونة الشغل الجديدة .
ويحدد هذا النص شروطا معينة يجب أن تتوفر في فئة من المشغلين حتى يتحقق الاستبعاد، هذه الشروط هي:
أولا: التعاطي لحرفة يدوية، بيد أن الاستعانة ببعض الآلات الميكانيكية البسيطة التي ينبغي ألا تتجاوز عشرة أحصنة1، لا يغير من طبيعة العمل، حيث يبقى دائما ضمن الصناعة التقليدية الصرفة.
ثانيا: إمكانية العمل بمساعدة الزوج والأصول والفروع، وذلك دون تحديد للعدد، ونعتقد أن هذا الشرط فيه نظر، إذ أن العديد من المنشآت الحرفية تستخدم عددا مهما من أفراد الأسرة الواحدة، بنسب جد مرتفعة، خاصة الذكور منهم ليتعلموا مبادئ الحرفة التي يزاولها أصولهم2.
والاستثناء بهذا الشكل، ودون تحديد دقيق لطبيعة العلاقة بين المشغل وأفراد أسرته، خاصة بالنسبة للفروع، حيث كان يجب على المشرع أن يقصر الاستثناء. على الأبناء المباشرين للحرفي دون غيرهم، إذ أنه كلما ارتفعت درجات القرابة كلما تعرض الطفل للاستغلال أكثر .
ثالثا: ألا يتجاوز عدد المساعدين لرب العمل خمسة أفراد في أقصى الحالات إلا أنه يلاحظ أن المشرع استعمل مصطلح مساعد” وليس “أجيرا أو عاملا”، دون أن يحدد المقصود بهم، هل من يوجدون في وضع التعلم ؟ أو التجربة؟ أو غيرها من الوضعيات التي لا تسمح بوصفهم أجراء يتمتعون بكامل حقوقهم.

إلا أن صفة المساعد لا يمكن أن ينعث بها إلا من يوجد في وضعية تعلم أصول الحرفة، وهم عادة ما يكونون أطفالا صغارا، وبالتالي فإن إقصاءهم من الحماية القانونية هو في حد ذاته تشجيع صريح من طرف المشرع على تشغيل الأطفال .
غير أن ما ينبغي الإشارة إليه هو أن العدد المحدد في خمسة بالإضافة إلى أفراد الأسرة يمكن أن يرفع عدد العاملين في الورشة الى رقم مهم، قد يصل أحيانا إلى عدد المشغلين في منشآت صناعية حديثة متطورة خاضعة لأحكام التشريع الاجتماعي .
لذلك فان هذا الشرط وإن كان موضوعيا، فانه مع ذلك مبالغ فيه، لأنه يمكن أن يستثنى بموجبه جل المنشآت الحرفية لأنها في الغالب لا يتجاوز عدد المشغلين ضمنها العدد المحدد بموجب المادة الرابعة من قانون 65.99 .
رابعا: تعاطي الحرفة بالمنزل أو في مكان يشتغل فيه، غير أن إضافة هذا الشرط هو مجرد حشو داخل النص القانوني على اعتبار أن مكان العمل لا يعتد به مادام المطلوب هو ألا يتجاوز عدد المساعدين خمسة من غير أفراد الأسرة وأن يكون العمل يدويا، فهذان الشرطان يغنيان عن غيرهما .

خامسا: يجب أن يكون المشغل شخصا طبيعيا، أما إذا كان شخصا معنويا، معترف له قانونا بهذه الصفة، فإنه لا يعفى من تطبيق مقتضيات قانون الشغل ولو شغل عددا أقل من خمسة مساعدين.
سادسا: يتمثل في صنع المنتوجات التقليدية وإعدادها للاتجار فيها، لكن في حالة ما إذا تم صنع تلك المنتوجات للاستعمال الخاص، هل يمكن أن تفعل مقتضيات مدونة الشغل داخل المنشأة الحرفية؟
اعتبارا لكون النص يتحدث عن الاستثناء الذي ينبغي أن يؤخذ في تفسيره بالتضييق ،واعتبارا كذلك لمصلحة العاملين داخل الورشة وخاصة الأطفال منهم الذين يحتاجون إلى حماية أكبر، فإن القول بالخضوع لأحكام مدونة الشغل سيكون أكثر الآراء ملائمة للاعتبارات السابقة وأيضا لاعتباري العدالة والمساواة بين مجتمع الأجراء أنفسهم.
لذلك فإن التطبيق الفوري والكامل لأحكام القانون الاجتماعي يجب أن يتم في حالة ما إذا اختل أي شرط من الشروط السابقة، الأمر الذي من شأنه أن يحقق حماية أكثر ضمانة، خاصة للفئة العمرية التي تعاني داخل المنشآت الحرفية من مختلف المعاملات القاسية.

غير أنه إذا كان استبعاد كل من خدم المنازل والعاملين في الصناعة التقليدية الصرفة قد تم بموجب نص قانوني صريح، فإن هناك من الأنشطة التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخضع لمدونة الشغل بحكم طبيعتها.

الفقرة الثانية: عدم قابلية تطبيق مدونة الشغل على بعض مهن القطاع غير المهيكل.

تتعدد أنواع الأنشطة التي تعتبر من صميم العمل غير المنظم منها ما هو ظاهر للعيان ومنها ما هو خفي وهو أعظم وأخطر، دون التمكن من تأطيرها قانونا، ويرجع ذلك لخصوصية هذه المهن ولانعدام عقد الشغل.
حيث نجد من ضمن الأطفال من يمارسون مهنة كباعة متجولون، يبيعون بالخصوص الأكياس البلاستيكية والسجائر والماء… يجوبون الشوارع والأسواق، يقدمون خدمات متعددة، وعندما يعجزون عن تصريف منتجاتهم سرعان يتحولون إلى حمالة، وخاصة في المناسبات، ويمثل هؤلاء الباعة 61% من الأطفال الممارسين للمهن غير المموقعة يضاف إليهم 26% من الأطفال ممتهني الحرف المرتبطة بالسياحة1 حيث يعملون كمرشدين سياحيين في العديد من المدن العتيقة، كفاس ،مراكش وأكادير.
كما نجد بعض الأطفال يمتهنون مسح الأحذية يجوبون المقاهي، ويطوفون الشوارع، يعترضون المارة لعلهم يجدون أحد الزبائن يريد الاستفادة من خدماتهم، ونفس الأمر ينطبق على الأطفال الذين يعملون في غسل السيارات حيث نجدهم حاملين بعض الأدوات ينتظرون في محطات وقوف الحافلات أو الشاحنات… يعرضون خدماتهم.
وفي العقود الأخيرة ظهر نوع جديد من عمل الأطفال نتج عن الوضعية الاجتماعية المزرية، وكذا المناخ الاقتصادي المتسم بالشحة ويتمثل هذا العمل في التسول2، سواء من قبل الأطفال ذاتهم أو تأجيرهم من قبل الغير، مقابل أجر يقدم لذوي الطفل، ويتراوح هذا الأجر بين مئة إلى مائة وخمسين درهما3.
لذلك يمكن أن نصف بعض هذه الأعمال – تجاوزا- ضمن التشغيل الذاتي التي تشكل 87.2% من وحدات القطاع غير المهيكل4 ، مما يعني هذه المجالات تعتبر أكثر حيوية واستقطابا للطفولة. خاصة أطفال الشوارع الذين لا يجدون أي ملاذ غير ممارسة أحد مهن الشارع.
لذلك فإن غياب الحماية القانونية من شأنه يعرض الأطفال للاستغلال، وبالطبع هدر حقوقهم، الأمر الذي يستوجب الوقوف على الظروف التي يتم في إطارها عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل.

الفصل الثاني: ظروف عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل

من أهم الخصائص المميزة لمفهوم ” ظروف العمل” أنه مفهوم مرن نسبي، فهو مرن لأنه قادر على التحول و التطور عبر الزمن ، و هو نسبي لأنه متغير من بلد لآخر حسب السياسات الوطنية ،وحسب ممارسات الدول مما أدى إلى وجود مفاهيم مختلفة ومتنافرة.
ومرد ذلك يرجع أساسا إلى صعوبات تحديد المجالات المعتبرة ضمن ظروف العمل1، إلا أنه تجاوزا اعتبر الفقه أنها تشمل جل مقتضيات القانون المنظم لعلاقات الشغل وإن كانت تحصر على مستوى الدراسات الفقهية في مدة الشغل والراحة والعطل ونظام التعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية2 .
لذلك فالبحث في ظروف العمل، خاصة عندما يتعلق الأمر باستخدام الأطفال في محال يصعب ضبطه قانونا، له أهميته الجلية ، باعتباره يثير الوجه الحقيقي لعمالة الأحداث، الذين يتعرضون لمظاهر عديدة من الاستغلال ( المبحث الأول) وكذلك لمخاطر تهدد كل الأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل ( المبحث الثاني) .

المبحث الأول: مظاهر استغلال الأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل.

تتجلى هذه المظاهر أساسا، في تشغيل الأطفال في سن جد مبكرة لمدة طويلة( المطلب الأول) إضافة إلى هدر حقوق الطفل في الاستفادة من الأجر العادل ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: تشغيل الأطفال في سن مبكرة لمدة طويلة .

يعد تشغيل الأطفال في سن مبكرة ( الفقرة الأولى ) ولمدة طويلة ( الفقرة الثانية) في القطاع غير المهيكل . خاصية مشتركة بين جميع مجالاته.

الفقرة الأولى: تشغيل الأطفال في سن مبكرة.

لعل من أبرز المواضيع التي استغرقت جهود منظمة العمل الدولية ضرورة رفع الحد الأدنى لسن الاستخدام أو العمل بصورة تدريجية إلى مستوى يتفق مع النمو البدني والذهني للأحداث 1 على أن لا يكون هذا الحد الأدنى ، أقل من سن إنهاء الدراسة الإلزامية، ولا يجوز في أي حال أن يقل عن خمسة عشرة سنة، إلا استثناء عندما لم تبلغ الأوضاع الاقتصادية والتسهيلات التعليمية للبلد العضو درجة كافية من التطور ، يجوز حينئذ أن ينزل الحد الأدنى لسن العمل إلى أربعة عشر سنة 2، وذلك بعد سلسلة من الإجراءات المسطرية يجب سلوكها من قبل مشرع الدولة3 .
غير أن الحد الأدنى المقرر في خمسة عشر سنة يهم فقط العمل في المجالات الخفيفة التي يحتمل ألا تعرض للخطر صحة أو سلامة أو أخلاق الأحداث بسبب طبيعة العمل أو الظروف التي يؤدى فيها، أما في حالة العكس ، فإن السن الأدنى يرتفع إلى ثمانية عشرة عاما4 .

وجدير بالذكر أن نشير إلى أنه إذا كان الفكر الإنساني عبر مختلف مراحل تطوره أدرك أخيرا ضرورة حماية الطفولة . خاصة قبل بلوغها خمسة عشرة سنة، فإن السبق التاريخي قد سجلته أحكام الشريعة الإسلامية، التي حددت سن استخدام الطفل في خمسة عشرة سنة ، وذلك بموجب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم- الذي منع فيه ابن عمر – رضي الله عنهما – من الاشتراك في الحرب قبل بلوغه خمسة عشرة سنة كاملة، لما في الأعمال الحربية من خطر على حياة الأحداث الذين يعجزون عن تحمل مخاطر القتال 1.
أما بخصوص التشريع المغربي، فإنه أخيرا التزم بما وقعه من اتفاقات دولية خاصة تلك المتعلقة بالأطفال ، حيث عمد إلى إقرار حد أدنى للشغل يوافق مقتضيات الاتفاقيتين الدوليتين رقم 138 و 182 وكذا التوصيتين 146 و 190 ،إذ منع تشغيل الأطفال قبل خمسة عشرة سنة 2، إذا تعلق الأمر بالأعمال الخفيفة التي لا تعيق استفادة الطفل من كل حقوقه الأساسية، أو إلى غاية بلوغهم سن الثمانية عشر عاما، إذا ما تم تشغيلهم كممثلين ،أو مشخصين في العروض العمومية 3، أو أداء ألعاب خطيرة ،أو القيام بحركات بهلوانية، أو التوائية، أو أن يعهد إليهم بأشغال تشكل خطرا على حياهم أو أخلاقهم، كما يمنع على كل شخص، إذا كان يحترف مهنة بهلوانية أو ألعاب ، أو عارض حيوانات أو مدير سيرك، أو ملهى متنقل أن يشغل في عروضه أحداثا دون السادسة عشرة4 .

أضف إلى ذلك منع تشغيل الأحداث دون الثامنة عشرة، في المقالع وفي الأشغال الجوفية التي تؤدى في أغوار المناجم 5، وفي جميع الحالات يمنع تشغيل الأحداث في أشغال قد تعيق نموهم، أو تساهم في تفاقم إعاقتهم 1 أو تشكل مخاطر بالغة عليهم، أو تفوق طاقتهم ، أو قد يترتب عنها ما قد يخل بالآداب العامة2 .
كما منع القانون رقم 65.99 تشغيل الأحداث دون سن السادسة عشرة في أي من الأشغال الليلية3 إلا استثناء ، في حدود ما أشار إليه القانون على سبيل الحصر4 .
غير أنه إذا كان المشرع الدولي قد قرر الحماية لأي طفل عامل بغض النظر عن مجال عمله، و لا يأخذ بعين الاعتبار نوعية القطاع الذي يشتغل فيه فان الأمر يختلف بالنسبة للمشرع المغربي الذي لا يوفر الحماية للأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل ، وذلك لسببين:

الأول: استبعاد كل العاملين بما فيهم الأطفال المشغلون في الخدمة المنزلية أو الصناعة التقليدية الصرفة، بموجب المادة الرابعة من القانون 65.99 .بالإضافة إلى عدم قابلية تطبيق هذا الأخير على بعض مهن القطاع غير المهيكل كالباعة المتجولين، وماسحي الأحذية… لانعدام عقد الشغل، وعمل الحدث لحسابه الخاص.
الثاني: أن النصوص القانونية الواردة في مدونة الشغل الخاصة بتحديد سن التشغيل تستهدف أساسا المنشآت الصناعية الحديثة 5 ،أو المقاولات الفنية 6 ،أو محترفو العروض الترفيهية 7 ،الذين يمارسون مهامهم في إطار قانوني محدد، يسهل على الجهات الإدارية المشرفة على عمليات الرقابة والضبط عملها.
لذلك فإن هذا الفراغ القانوني على المستوى الوطني قد دعم إلى حد كبير عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل ويبدو ذلك من خلال المعطيات الرقمية الإحصائية التي تفيد أن 94.7% من خادمات المنازل اللواتي يقل سنهن عن ثمانية عشرة سنة، لا يتعدى عمرهن خمسة عشرة عاما 1، 37 % منهن لا يتعدى عمرهن عشر سنوات 2، 8% منهن يتراوح سنهن بين خمس وسبع سنوات3 .

أما في مجال الصناعة التقليدية فإن 59 % من الأطفال ، يقل عمرهم عن خمسة عشر سنة4 وقد أكد هذا المعطى ، بحث آخر أجري في مدينة فاس حول بعض الورشات الحرفية المهجرية حيث تبين أن 39 % من الفتيات العاملات يتراوح عمرهن بين خمس وثمان سنوات، وأن 61 % منهن يتراوح سنهن بين تسع وأحد عشر سنة 5 ،كذلك الأمر بالنسبة للفتيات العاملات في صناعة الزرابي التقليدية حيث نجد أن 96% منهن يقل عمرهن عن خمسة عشرة سنة6.
أما بالنسبة للفلاحة فإنه يلاحظ أن سن بدء العمل يختلف بين الذكور والإناث حيث يبدأ الإناث في سن مبكرة إذ عادة ما يبدأن العمل في سن الخامسة وفي أقصى الحالات عندما يبلغن التاسعة من العمر، أما بالنسبة للذكور فإنهم يبدأون العمل في سن التاسعة إلى غاية الثانية عشرة سنة1.

كما أن هذا الفراغ القانوني يشجع أكثر على ارتفاع الطلب على عمالة الأطفال من قبل الورشات الحرفية الصغيرة، وكذا من قبل الأسر للعمل كخدم لديها، حيث بين البحث أن 68.5 % من الأسر تفضل طفلة خادمة يقل عمرها عن خمسة عشرة سنة2.
تجاوزا لهذا الوضع الذي يتميز بالاستغلال البشع، واغتصاب الطفولة في مهدها ، لا بد وأن يتدخل المشرع المغربي لتحديد سن دنيا، لا يمكن السماح دونها بقبول تشغيل الأطفال في القطاع غير المهيكل ، خاصة وأن بعض المجالات يمكن تأطيرها قانونا كالعمل في مجال الصناعة التقليدية الصرفة أو الخدمة في المنازل التي سبق لوزارة التشغيل والتكوين المهني أن أعدت من قبل مسودة مشروع قانون يتعلق بخدم البيوت3 حددت فيه مجموعة من المقتضيات التي من شأنها أن تؤطر قانونا العلاقة بين الخادم والمخدوم ، إلا أن تلك الخطوة بقيت حبيسة جدران الوزارة لأسباب نجهلها.
بيد أنه لا بد أن نشير إلى أنه من الأسباب الكامنة وراء تشغيل الأطفال في سن مبكرة بالإضافة إلى عدم وجود النص القانوني الرادع، نجد كذلك الخضوع التام لسلطة رب العمل الذي يشغلهم لمدة طويلة تفوق قدراتهم.

الفقرة الثانية: عمل الأطفال لمدة طويلة.

إن تنظيم وقت العمل عادة ما يطرح إشكالات عديدة على مستوى نفاذه، نظرا لارتباطه باعتبارات عديدة، خاصة التعارض بين المصلحة الذاتية للعامل، وبين مصلحة رب العمل.
ويزداد الأمر تعقيدا كلما ارتبط الأمر بالأطفال، حيث يعملون ساعات طوال ( أولا ) دون التمتع بفترات الراحة الأسبوعية أو العطلة السنوية( ثانيا ).

أولا: المدة اليومية لعمل الأطفال في القطاع غير المهيكل.

أولت منظمة العمل الدولية عناية خاصة بكل ماله ارتباط بساعات العمل اليومية حيث أصدرت أكثر من عشرين اتفاقية1 خاصة بمدة العمل اليومية في مختلف المجالات الصناعية وغير الصناعية، الفلاحية، البحرية…منها ثلاث اتفاقيات تهم منع عمل الأحداث ليلا في الصناعة وفي المهن غير الصناعية بالإضافة إلى التوصية رقم 14 بشأن عمل الأطفال والأحداث ليلا في الزراعة لسنة 1921، وكذا التوصية رقم 90 بشأن عمل الأطفال والأحداث ليلا في المهن غير الصناعية .
فهذه الترسانة القانونية الدولية عملت على حظر العمل الليلي للأحداث دون السن الإلزامي للتعليم، وذلك خلال فترة طولها أربعة عشر ساعة متتالية تشمل وجوبا الفترة ما بين الثامنة مساء والثامنة صباحا،أما بالنسبة للأحداث الدين تجاوزوا الرابعة عشر والدين لم يعودوا خاضعين للتعليم الإلزامي الكامل، والذين تتراوح أعمارهم بين السادسة عشرة والثامنة عشرة سنة فإن فترة الليل تمتد إلى اثني عشرة ساعة تشمل الفترة ما بين العاشرة مساء والسادسة صباحا.
كما نصت الاتفاقية رقم 33 لسنة 1992 بشأن الحد الأدنى لسن قبول الأحداث في الأعمال غير الصناعية على إمكانية السماح للأطفال الذين تتجاوز أعمارهم اثني عشرة سنة بالاشتغال في الأعمال الخفيفة وذلك لمدة لا تتجاوز الساعتين يوميا،ويشترط ألا يضر هذا العمل بصحتهن، وبنموهم الطبيعي، أو يؤثر على مواظبتهم المدرسية ، وفي جميع الأحوال يجب ألا يتجاوز الساعات التي يقضيها الحدث داخل المدرسة وساعات العمل سبع ساعات يوميا1.
أما بخصوص التشريع المغربي فإننا لا نجد أي مقتضى خاص بالمدة اليومية لعمل الأحداث ، وإنما اقتصر النص القانوني على تحديد المدة الإجمالية المقررة بالنسبة للنشاطات غير الفلاحية في 2288 ساعة في السنة أو 44 ساعة في الأسبوع، وكذا بالنسبة لمدة الشغل العادية في النشاطات الفلاحية في 2496 ساعة في السنة1.
غير أن المتمعن في المدة التي يقضيها الأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل يتدكر عهود الرق التي خلت، حيث يعمل خادمات المنازل حوالي 67 ساعة في الأسبوع كمعدل متوسط2، 79 % يستيقضن في تمام الساعة السادسة صباحا ولا ينمن إلا بعد العاشرة ليلا3.

أما بخصوص عمل الأطفال في المجال الفلاحي فإنه في غالب الأحيان لا يرتبط العمل بالتمديد الزمني المعتمد على وحدة القياس ، الساعة ، وإنما يرتبط بالطبيعة، وبتداول الليل والنهار، فالعمل يبدأ عند شروق الشمس وينتهي عند الغروب4.
أما بالنسبة للصناعة التقليدية، فإن المدة تختلف باختلاف نوعية المهنة المؤذاة من قبل الطفل، حيث تمتد المدة إلى 61 ساعة في الأسبوع في ورشات إصلاح السيارة والنجارة5، أما في صناعة الزرابي فإنه يتبين أن المدة اليومية للعمل لا تقل عن عشر ساعات وأحيانا تمتد لتشمل أجزاء من الليل6 وإجمالا نجد أن 65.3% من الأطفال العاملين في الصناعة التقليدية يشتغلون تسع ساعات فما فوق7. كما نجد أن متوسط ساعات العمل في القطاعات غير مهيكل باستثناء الخدمة أو العمل في المنزل هو 46.6 ساعة في الأسبوع،21.7 يوم في الشهر و تزداد ساعات العمل كلما كان مكان العمل مموقعا، حيث تقل إلى 54.8ساعة في الأسبوع1.

ولا تكاد هذه الأرقام تختلف عما هو معروف لدى المجتمعات المماثلة كالمجتمع الفلسطيني، حيت يبلغ معدل ساعات عمل الأطفال 8.2 ساعة بالنسبة للعاملين بأجر،و 7.1 يوميا للأطفال العاملين لحسابهم(كالباعة المتجولين, مقدمي بعض الخدمات, يمتلكون مشروعات صغيرة…) و 5.1 ساعة للعاملين في مصلحة عائلية2.
فهذه المعطيات دالة في نفسها على مدى الاستغلال الذي تعانيه الطفولة.حيت يتم استعبادها في زمن شعارات الحرية والعدل و المساواة…و يزداد الأمر استفحالا إذا علمنا أن أغلبية الأطفال محرومون من حقهم في الاستفادة من أيام الراحة و العطل.

ثانيا:عدم استفادة الطفل من أيام الراحة و العطل

لقد أجمع المنتظم الدولي على اعتبار الراحة والعطلة حقا وليس امتيازا لأنها جزء من طبيعة الحركية الاقتصادية، التي أصبحت منهكة للقوى الإنسانية لذلك نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه”لكل شخص الحق في الراحة وأوقات الفراغ… وفي إجازات دورية مأجورة ” ونفس المقتضى أكد عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مادته السابعة وكذا المادة العاشرة من اتفاقية منع التمييز ضد المرأة لسنة 1979.
فهده المبادئ العامة هيأت الإطار القانوني لتدخل منظمة العمل الدولية عبر العديد من الاتفاقات والتوصيات لتؤكد على أحقية العمال الأحداث في الراحة والعطلة.

وقد تم تكريس هدا الحق في الاتفاقية رقم 1 لسنة 1919، حول ساعة العمل في المجال الصناعي في مادتها التاسعة، التي أوجبت تمتيع جميع العمال على اختلاف قدراتهم فترة راحة أسبوعية تبلغ 24 ساعة على الأقل، ونفس المقتضى تم تأكيده بموجب الاتفاقية رقم 14 الخاصة بالراحة الأسبوعية في مجال الصناعة كذلك.
غير أن هذه الأحكام عامة وشاملة لكل الأجراء بغض النظر عن سنهم، لذلك اضطرت منظمة العمل الدولية إلى تفريد الأحداث بأحكام خاصة وردت في توصيتها رقم 98 المؤرخة في سنة 1954، حيث أكدت على أن الإجازة السنوية يجب ألا تقل عن أسبوعين عمل لكل 12 شهرا من الخدمة، مع ضرورة عدم تأثير الانقطاع عن العمل على هذه المدة… على أن تكون هناك إجازة أطول من أسبوعين بالنسبة للأحداث.

إضافة إلى ذلك عملت منظمة العمل الدولية على حظر العمل الإضافي لإتاحة وقت كاف للتعليم والتدريب والراحة اليومية والأسبوعية وإجازة سنوية مدفوعة الأجر لمدة لا تقل عن أربع أسابيع، مع تقرير عدم السماح بأي تمييز أو استثناء1.
أما بخصوص التشريع المغربي فإنه قد جعل الأحكام الواردة في مدونة الشغل الخاصة بالراحة الأسبوعية للأحداث من ضمن النظام العام. حيث لا يجوز مطلقا، وقف تلك الراحة على الأطفال دون سن الثامنة عشرة2.
في حين لا نجد أي نص مماثل عند تنظيم الراحة في أيام الأعياد المؤدى عنها، وفي أيام العطل، سواء من حيث مدتها أو فترتها، أو التعويض عنها، وهو وضع غير مقبول، لأنه يعدم المسوغ القانوني المميز لمركز الطفل العامل ضمن مجتمع الأجراء.
أما على مستوى الواقع فإن حوالي 80% من الأجراء العاملين في القطاع الغير المهيكل لا يتمتعون بأي عطلة سنوية، ونفس الأمر ينطبق على إجازة المرض المؤدى عنها، إذ لا يحترم هذا الالتزام إلا 21.6 % من الوحدات الإنتاجية في القطاع غير المنظم1.
ويزداد الأمر استفحالا بالنسبة لخادمات المنازل حيث نجد فقط 20.4% منهن من يستفدن من العطلة السنوية وعطلة الأعياد، وأيام الراحة الأسبوعية، في حين نجد أن 17.5% يستفدن فقط من العطلة السنوية، دون أيام العطل والراحة الأخرى ،كما يستفيد 40.4 % من يوم الراحة الأسبوعي وعطل الأعياد، دون التمتع بحق الإجازة السنوية2 ،كما أن 43% منهن لم يزرن أبدا أسرتهن منذ أن بدأن3 العمل مما يوحي بأنهن لا يتمتعن بأي يوم راحة أو عطلة.

وهذا الوضع يتناقض تماما مع ما هو تابت في المواثيق الدولية، خاصة اتفاقية حقوق الطفل التي نصت في مادتها 31 على ضرورة أن “تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ ومزاولة الألعاب، وأنشطة الاستجمام المناسبة والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية والفنون.
كما يتناقض كذلك مع مبادئ العدالة التي تفرض المساواة بين الأجر والجهد المبذول من قبل العامل، غير أن جرد المقابل الذي يحصل عليه الطفل يبرر وجها آخر من وجوه الاستغلال.

المطلب الثاني: هدر حقوق الطفل في الاستفادة من الأجر العادل:

يعاني الأطفال العاملون في القطاع غير المهيكل من هزالة الأجور المحصل عليها مقابل عملهم (الفقرة الأولى) وسيزداد الأمر استفحالا بالنسبة لخادمات المنازل إذا ما تم اعتماد مسودة مشروع قانون خدم المنازل من قبل المشرع المغربي على صيغته الحالية كما أعدتها وزارة التشغيل والتكوين المهني ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: ضعف أجور الأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل.
يحصل الأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل على أجور جد زهيدة حيث أشار بحث أجرته كتابة الدولة المكلفة بالرعاية الاجتماعية والأسرة والطفولة هم 450 خادمة تبين أنهن لا يتقاضين حتى نصف الحد الأدنى للأجور1 بالإضافة إلى أن مقابل عمل الخادمة ليس تابتا وإنما يتغير,باختلاف السن.حيت تحصل الخادمة التي يتراوح عمرها بين سبع وعشرة سنين على مائتين وأربعون درهما ،والتي يتراوح سنها بين عشرة و خمسة عشرة سنة تحصل على متوسط أجر يصل إلى 347 درهما،أما من يتجاوز عمرها خمسة عشرة سنة إلى سبعة عشرة سنة فإنها تحصل على أجر يعادل خمس مائة درهم2 لذلك فإن أجر الخادمة يرتفع بوثيرة طردية جد خفيفة مع التقدم في السن.

أما في مجال الصناعة التقليدية، فإنه حسب البحت الذي تم في مدينة فاس، فإنه قد تبين أن 12% من الأطفال من يحصلون على أجر نقدي كامل3 ، حيث يحصل الأطفال العاملين في الدباغة على مائة درهم في الأسبوع في أقصى حالات التقدير1، أما الفتيات العاملات في الزرابي,فإن أعلى أجر يحصلن عليه هو 350 درهم في الشهر،بل يوجد من تتقاضى أقل من خمسين درهما،و يمثل هؤلاء 8.2% من مجموع العاملات في هذا المجال، كما أن 7.1% يحصلن على أجر يتراوح بين خمسين و مائة درهم ،10.6% أجرهن يتراوح بين مائة و مائة و خمسين درهما ، 13% يحصلن على مقابل عمل يتراوح بين مائة وخمسين درهما و مائتين درهما ،21.3% يحصلن على أجر بين مائتين و مائتين و خمسين درهما ، و 20% أجرهن محصور بين مائتين وخمسين و ثلاث مائة درهم ،و 13% أجرهن بين ثلاث مائة و ثلاث مائة و خمسين درهما2.

و إجمالا فإن 36.8% من عدد الأطفال العاملين في قطاع الصناعة التقليدية لا يتقاضون أي أجر؛ و 33.5 % لا يتعدى أجرهم خمس مائة درهم في الشهر3 بل الأكثر من ذلك قد يصل الأجر إلى ثلاث أو أربع دراهم في اليوم4.
أما بالنسبة لعمل الأطفال في الفلاحة فإن الأجر يختلف حسب طبيعة العمل المزاول من قبل الحدث. لكنه في أقصى حالاته لا يتجاوز أربعين درهما في اليوم و في جميع الحالات لا يتجاوز حدود 60%أو 70% من أجر العمال البالغين سن الرشد5.
فهذا الوضع المتسم بهزالة أجور الأحداث هو عادة ما يدفع أرباب العمل خاصة من يمتلكون الو رشات الصغيرة إلى الإقبال على تشغيل الأطفال ، خاصة الفتيات منهم. الأمر الذي يساهم عمليا في الرفع من مستوى بطالة الراشدين ،و هم أحق بالعمل من غيرهم1.

كما أن تخفيض الأجر على هذا النحو يمس عمليا بالجانب المعيشي و الاجتماعي للأجر خاصة إذا علمنا أن نسبة مساهمة الأطفال في دخل الأسرة يصل إلى 25% من مجموع المحصلات المالية للأسرة التي تشغل أحد أطفالها2.
و بالرغم من الاستغلال الذي يتعرض له الطفل العامل المتمثل في غبنه من حقه في الأجر العادل الملائم لجهده ، فإن مسودة مشروع قانون خدم البيوت قد تضمنت تراجعات خطيرة تهم المسألة الأجرية على الخصوص.

الفقرة الثانية : تنظيم الأجر في مسودة مشروع قانون خدم البيوت كرس الوضع غير العادل.

جعلت مسودة مشروع قانون المتعلق بخدم البيوت، تحديد الأجر على أساس الاتفاق بين الخادم و صاحب البيت3، لكنه في نفس الوقت أوجبت ألا يقل قدره عن 50% من الحد الأدنى للأجر القانوني4.
و المسودة بهذا التوجه تعود بنا أدراج التاريخ الأولى ، حيث كان يحدد الأجر على أساس وظيفته المدنية ،فهو مجرد عنصر من عناصر عقد إيجار الأشخاص على الخدمة ، أي أن هناك مجرد أدائبين متقابلين،العمل و الأجر ، و هناك تلازم ضيق بينهما ،و الالتزام بأداء الأجر ليس له أي مصدر آخر سوى اتفاق طرفي العقد1 دون الأخذ بعين الاعتبار الجانب الاجتماعي للعامل ، إذ حسب المفهوم الاجتماعي للأجر ،لا يجب أن تعطى الخادمة بحسب مجهودها و إنما بحسب حاجاتها.
بــــيد أن المسودة تضمنت معاملة تمييزية لخدم المنازل فيما يتعلق بالمسألة الأجرية ، خاصة إذا علمنا أنها لا تعتبر المبيت و الأكل و الهدايا و التطبيب
من التقديمات المكملة، التي يستوجب خصمها من الأجر النقدي2، الأمر الذي يدعو إلى البحث في الاعتبارات التي دعت إلى التخفيض من قيمة الأجر .
غير أنه في البحث في أسس تحديد الأجر لم نجد أي مسوغ يمكن من تعليل هذا التخفيض إلا القول بأن المسودة تحاول أن تأخذ بعين الاعتبار الوضعية المالية لبعض الأسر، خاصة ذات الدخل المحدود،التي هي في حاجة ماسة لخادمة، لأسباب تتعدد، كخروج المرأة للعمل أو عدم قدرتها على القيام بوظائفها بسبب المرض أو تفكك الروابط الأسرية أو مغادرتها لبيت الزوجية.
غير أن هذه المقاربة لا يمكن استساغتها لاعتبارات متعددة :
أولها: أن تقرير الحد الأدنى للأجور وجد في الأساس لحماية العمال غير المهرة وبذلك يضعون أرضية يقوم عليها بناء الأجور وجل خدم المنازل هم من الفئة غير المؤهلة مهنيا.
ثانيا: أن تقدير الحد الأدنى للأجور لا يكون اعتباطيا، وإنما يخضع لضوابط موضوعية علمية دقيقة لحفظ التوازن الاجتماعي والاقتصادي1،وإلا تعرضت بنيات المجتمع للتفكك و بالتبع بروز ظواهر تهدد تماسكه واستقراره.
ثالثا: أن هذا التخفيض يمس في الجوهر جنس النساء على اعتبار أن أغلبية العاملين كخدم هم من الإناث ، وهذا التوجه يكرس خصوصية أجور النساء وإن كان في ظاهره لا يروم هذا المرمى.
رابعا: أن تخفيض الأجر نحو النصف، هو في حد ذاته تشجيع مباشر وصريح لاستخدام الأطفال واستغلالهم غير المشروع في مجال الخدمة المنزلية.
لذلك فإنه من الواجب التراجع عن مثل هذه النصوص. واستدراكها بأخرى أكثر عدالة ، توازي ما هو ثابت لدى باقي الأجراء العاملين في المجالات الأخرى وفي ذلك حماية الاقتصاد الوطني أولا عن طريق خلق سوق استهلاكية قادرة على استيعاب جزء من المنتوج الوطني وبالتبع حماية المؤسسة الاقتصادية الوطنية، وفي الآن ذاته تحقيق حماية اجتماعية لشريحة مهمة من الشغيلة المغربية ثانيا.
والعمل في القطاع غير المهيكل يعرض الأطفال لمخاطر عديدة تهدد صحتهم البدنية والنفسية.

المبحث الثاني: المخاطر المحيطة بعمل الأطفال في القطاع غير المهيكل.

يتعرض الأطفال العاملون في القطاع غير المهيكل لمخاطر الإصابة بأمراض مهنية خطيرة والتعرض لحوادث شغل ( المطلب الأول) إضافة إلى تعنيفهم الدائم من قبل المشغلين ( المطلب الثاني) .

المطلب الأول: التعرض لحوادث الشغل والأمراض المهنية.

الأطفال العاملون في القطاع غير المهيكل يستغلون في ظروف تكاد تنعدم فيها شروط الصحة والسلامة مما يعرضهم لحوادث خطيرة ( الفقرة الأولى) أو الإصابة بأمراض مهنية تكون مزمنة أحيانا ( الفقرة الثانية) .

الفقرة الأولى: تنامي نسبة تعرض الأطفال لحوادث الشغل1:

أمام الأخطار المحدقة بالشغل وما تشكله من تهديد للطبقة العاملة اضطر المشرع المغربي للتدخل لحماية الأجراء من إصابات العمل، وذلك من خلال قواعد قانونية آمرة. تهدف أساسا جبر الأضرار التي قد تصيبهم وقد كان مقتضى هذا الهدف أن تكون هذه القواعد عامة وشاملة تطبق على كل شخص ذاتي أو معنوي يشغل بأي شكل كان أجراء تحت إشرافه ومراقبته،إلا أن الملاحظ أن التنظيم القانوني لموضوع حوادث الشغل لم يصل بعد بقواعده هذا الحد من الشمول، ذلك أن المشرع بدل أن يستعمل عبارات عامة للجميع، فإنه لجأ إلى أسلوب السرد على وجه الحصر2.

حيث يطبق ظهير 6 فبراير 1963 على جميع الأشخاص الذين أبرموا عقد شغل يخضعون للتبعية القانونية1 أو الاقتصادية، مثل عمال المنازل والوسطاء في التجارة والصناعة والسماسرة2 وبوابي العمارات3 والمؤاجرين أنفسهم وأفراد عائلاتهم 4فالظهير قد حاول تمديد نطاقه ليشمل عدة أشخاص ولو لم تتوفر فيهم صفة الأجير كالعاطل الذي يقوم بأعمال محاربة البطالة5 ، فهذا الشخص على الرغم من عدم توفره لا على عقد شغل ولا على أي علاقة تعاقدية أخرى يمكن أن نجد لها تكييفا في فرع من فروع القانون العام أو الخاص ومع ذلك يقرر حمايته كما هو الشأن بالنسبة لبعض الموظفين والمعتقلين بالسجون الوطنية6.
لكنه في نفس الوقت يتضمن الظهير بعض جوانب القصور ويكمن ذلك أساسا في المادة الخامسة التي تنص على أن ” بواب البناية المعدة للسكنى والمستخدمون بالمنازل الذين ينحصر عملهم في سياقة ناقلة يدخلون ضمن نطاقه”، مما يعني بمفهوم المخالفة أن باقي خدم المنازل من غير السائق ومن غير حارس العمارة لا يستفيدون مطلقا من أحكام الظهير.

ومع ذلك فإن الخدم المستثنون من نطاق ظهير 6 فبراير1963 يجدون بعض الحماية المقررة في قانون الالتزامات والعقود المغربي ، الذي يلزم المعلم أو المخدوم، بأن يعمل على أن تكون غرف ومحلات الشغل وعلى العموم كل الأماكن التي يقدمها لعماله ولخدمه ومستخدميه مستوفية كل الشروط اللازمة لعدم إلحاق الضرر بصحتهم ولتأمينهم من كل خطر، كما أنه يلتزم بصيانتها لتبقى على نفس هذه الحالة طوال مدة العقد.
كما يلتزم بأن تكون الأجهزة والآلات والأدوات وعلى العموم كل الأشياء التي يقدمها والتي يلزم بواسطتها أداء شغل في حالة من شأنها أن تقي من يستخدمهم من كل خطر يهدد حياتهم أو صحتهم في الحدود التي تقتضيها طبيعة الخدمات التي يؤذونها1 .
لذلك يسأل المخدوم عن الحوادث والكوارث التي يقع ضحيتها الأجير الذي يعمل معه . إذا كان سبب الحادثة أو الكارثة راجعا إلى مخالفة أو عدم مراعاة رب العمل الضوابط الخاصة المتعلقة بمباشرة صناعته أو فنه2.

فهذه المقتضيات الواردة في ق.ل.ع.م هي ذات طابع وقائي، حيث تلزم صاحب العمل باتحاد بعض الإجراءات التي تمنع أو تقلل من وقوع الحوادث .
وقد حاول بعض القضاة تعطيل أحكام المادة 752 التي تأخذ بعين الاعتبار مسؤولية الأجير بصفة كلية أو جزئية متى تبث أن الحادثة كانت راجعة لسبب سكره ، أو إلى خطئه الجسيم في مقابل تفعيل المادة 88 من ق.ل.ع.م التي تنص على أن هذه الأشياء هي السبب المباشر للضرر3 .

أما بالنسبة للمجلس الأعلى فإنه يرفض تطبيق أحكام ظهير 6 فبراير1963 على الأطفال العاملين الذين يقل عمرهم عن السن المحدد قانونا للعمل ، على اعتبار أن العقد منعدم لأن تحديد سن العمل من النظام العام ولا يمكن مخالفته ولو بموافقة الولي4.
لذلك فإن جميع الأطفال العاملين الذين يقل سنهم عن خمسة عشرة سنة لا يستفيدون من أي حماية قانونية ، على الرغم من أن 59.29 ℅ من الفتيات العاملات في صناعة الزرابي يتعرضن لحوادث الشغل1 أما في الفلاحة فإنه يصعب تحديد نسبة الإصابة بحوادث الشغل إلا أنه مع ذلك يمكن تحديد طبيعة الحوادث وأسبابها ويمكن إجمالها في التسمم عن طريق لسعات الثعابين أو العقارب، أو حوادث السير أثناء التنقل، أو جرح أو بثر أحد أعضاء الجسم ، وخاصة الأصابع بحكم استعمال الأدوات الحادة في الجني ا والحرث أو الحصاد… إضافة إلى الإصابة بكسور تكون خطيرة أحيانا بسبب السقوط من أعلى الشجر بمناسبة جني الثمار أو الفواكه2.

كما أن ما يعرض الأطفال للمخاطر أكثر، هو أن 50.5 ℅من الوحدات التجارية ليس لها مكان محدد تزاول فيه عملها، إذ تضطر إلى عرض السلع على حافة الطريق فوق الأرصفة، أضف إلى ذلك أن 13.4 ℅ من ممتهني الصناعة التقليدية يزاولون مهامهم في أماكن غير محددة،

ثالثا: الأمراض الناتجة عن الجو الذي يوجد فيه العامل أو عن الوضعيات الملزم باتخاذها لانجاز عمل من الأشغال المبنية بنفس الجدول المذكور3.
وإذا كان العمال المشتغلون في المنشآت الصناعية ، أو الاستغلالات الفلاحية الكبرى، أو غيرها من أماكن العمل المؤطرة والمنظمة ، يمكنهم أن يصابوا بأحد الأمراض الثلاثة المبينة في الجداول المعتمدة، فإن الأمر يختلف بالنسبة لمن يزاولون عملهم في إطار القطاع غير المهيكل، حيث يتعرض 60 ℅ من الأطفال للمخاطر الكيميائية والبيولوجية1 ،تشكل خطرا كبيرا عل أبدانهم. خصوصا على الجهاز النفسي والجهاز العصبي كما هو الشأن في الصناعات الحرفية وفي الميكانيك وفي النجارة2.
كما تشير الدراسات أن الفتيات العاملات في مصانع السجاد أن 36 ℅ من أفراد عينة البحث تعاني من مشكلات بصرية، ومن إعاقات جسمية، ومن أمراض صدرية وتنفسية ، كما أن أوزانهن تقل عن الوزن الطبيعي للفتيات العاديات المماثلات لهن من العمر نفسه ممن لم سبق لهن العمل3، ويرجع ذلك أساسا إلى انعدام مقومات العمل السليم الملائم لشروط الصحة والسلامة، إذ نجد أن 94.8℅ من مجموع الورشات الفلاحية توجد في وضعيات مزرية لا تليق وظروف أداء العمل4.
كالشوارع ،أو التنقل عبر أماكن عمومية متعددة5، الأمر الذي يعرض الأحداث لاعتداءات من طرف الغير، أو مطاردات يومية من قبل رجال الشرطة، التي تخلف أحيانا بعض الإصابات في صفوف الباعة المتجولين، أو التعرض لحوادث السير ..
إضافة إلى التعرض لحوادث الشغل فإن الأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل معرضون أكثر للإصابة بالأمراض المهنية.

الفقرة الثانية : إصابة الأطفال بالأمراض المهنية.

تعتبر كأمراض مهنية الأعراض المرضية والالتهابات التي هي نتيجة الجراثيم، وكذا الأمراض المبينة في قرار وزير الشغل والشؤون الاجتماعية المتخذة بعد استشارة وزير الصحة العمومية ، ويشتمل هذا القرار على جداول تبين ما يلي:
أولا: مظاهر أمراض التسمم الحادة أو المزمنة التي تتجلى في العملة المعرضين عادة لعوامل مواد سامة بسبب انجاز أشغال تتطلب ممارسة أو استخدام عناصر سامة ، حيث يشار في القرار إلى أهمها على سبيل الإرشاد .
ثانيا: الأمراض الناتجة عن الجراثيم التعفنية، والتي يكون عرضة لها العمال الذين يشتغلون عادة في الأشغال المبنية في الجدول المذكور..
ويعاني الأطفال العاملين في الصناعة التقليدية من ضيق في التنفس بنسبة 4.42 ℅،آلام الرأس 13.27℅ ، آلام المفاصل5.31℅، آلام في الظهر 0.88 ℅، الإصابة بأمراض العيون بنسبة 3.54 ℅ ، وهناك من يعاني من هذه الأمراض جميعا بنسبة ℅ 12.62، إضافة إلى الإصابة بالحساسية نتيجة استعمال مادة الفورمول وهو غاز يدوب في الماء بسهولة يستعمل في عملية تطهير وتجهيز الجلود وكذلك مرض الرئة الهوائي، وهو مرض ليفي رئوي، ينتشر بصفة تدريجية نتيجة تطاير الغبار المحتوي على مادة السلس ، وهو يصيب عمال الخزف والصناعات التي يتطاير منها الغبار2.
أما في المجال الفلاحي فإن الأمراض التي تصيب العاملين في هذا القطاع تتمثل في الجمرة الخبيثة ومرض الحمى المالطية، أو مرض اللينتوسبيروز المهني،أو داء البريميات أو الأمراض الناتجة عن مكروب السل من الطراز البقري، وهذه جميعا أمراض حيوانية تصيب الماشية، وهي قابلة للانتقال إلى الإنسان، إضافة إلى مرض الكزاز أو التيتانوس المهني الذي ينتج عن مكروبات تعيش في التربة أو ضمن روث الحيوان1.

غير أن الأمر لا يقتصر على هذه المخاطر المحددة سلفا وإنما يمتد ليشمل عدة أشكال من التعنيف الذي يتعرض له الطفل العامل في القطاع غير المهيكل .

المطلب الثاني: تعنيف الأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل.

يتخذ هذا التعنيف شكلين أساسين، يتمثل الأول في الايداء الجسدي ( الفقرة الأولى ) والثاني في الايداء النفسي ( الفقرة الثانية) .

الفقرة الأولى: الايداء الجسدي للطفل العامل في القطاع غير المهيكل.

في زمن اندثار عهد العدالة الخاصة، وتكريس سمو الأصل العام الذي يجعل من الدولة الشخص الوحيد الذي له صلاحية توقيع العقاب طفت على السطح ظواهر اجتماعية ترجع بمجتمعنا إلى العهود الرق والاستعباد الغابرة، ويتجلى ذلك في تمتيع المشغل بسلطة لا معقب عليها في مجال التأديب . وقد عمل القضاء على إضفاء قيمة مبدأ على تلك السلطة خاصة كلما مورست بصفة تلقائية اتجاه أي خطأ تأديبي ارتكبه الأجير، على ألا يكون الجزاء المرتقب ممنوعا بنص قانوني صريح2.
يعد الايداء الجسدي بالضرب من الأنماط القديمة والحديثة في الوقت ذاته ،حيث أنها من أكثر الأنماط شيوعا وأقدمها في التاريخ الإنساني1 وتشير العديد من التقارير الطبية إلى أن هناك مئات من الآلاف من الأطفال العاملين يتعرضون للضرب.
ويمكن أن نشير على سبيل المثال إلى أن 80℅ من خادمات المنازل يتعرضن لشتى أنواع الاعتداءات المادية، 53 ℅ بالضرب2 باعتباره الوسيلة الأسرع والأكثر شيوعا3 وتتعدد دوافع العقاب إما بسبب سوء القيام بالعمل 42.1℅، أو التأخر خارج المنزل 15.8 ℅، أو عدم الاهتمام الجيد بالأطفال 11.4℅، أو تكسير الأواني المنزلية 29.3℅، أو لأسباب أخرى 1.4 ℅4 وكثيرا ما تطالعنا وسائل الإعلام بمختلف صور التعذيب والعقاب الذي تتعرض له خادمة لدى الأسر5.

أما بالنسبة للفتيات العملات في صناعة الزرابي التقليدية فإن 95.58 ℅ منهن يتعرضن للتعنيف، منهن 26.83 ℅ يعانين من العقاب البدني ،و 35.2 ℅ يتعرضن لممارسات عقابية تخلف آثارا على جسم الفتيات في شكل كدمات أو جراحات وتتعدد أدوات العقاب بين الضرب باليد ( 16.9 ℅ ) أو المقص ( 4.2℅ ) أو أدوات بلاستيكية ( tuyan) ℅ 14.1 )أو بالقضيب ( 14.1 %)1 .
كما أكد المرصد الوطني لحقوق الطفل أن 12.5 ℅ من مجموع الأطفال المعنفين قد تعرضوا للعقاب من طرف مشغليهم2.
إن هذه الممارسات العقابية التي يتعرض لها الأطفال العاملين، وخاصة من يؤتمنون على رعاية أو مراقبة أشخاص أو أشياء معينة أن يولد لديهم الإحساس بالانتقام من كل ما يوجد تحت مراقبتهم، خاصة خدم المنازل الذين يعهد إليهم برعاية أطفال الأسرة المشغلة، مما يجعل بعضهم يزج في السجن عقابا لأفعاله الانتقامية3.

غير أن العقاب الذي يتعرض له الطفل لا يقتصر على ما هو بدني، وإنما يمتد ليشمل الإيذاء النفسي وهو أكثر خطورة من العقاب الجسدي.

الفقرة الثانية: الايداء النفسي للأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل.

يشمل الإيذاء النفسي العديد من الأنماط كالتحقير، أو الإهانة، والازدراء، أو الشتم.. . وبالرغم من أن هذا النوع من الإيذاء كثير الانتشار في المجتمع إلا أنه لا يلقى الاهتمام ذاته الذي يجده الإيذاء الجسدي حيث عادة ما يتم تناوله ضمن الإهمال نظرا لقلة الدراسات والتقارير العلمية التي تهتم به ويرجع ذلك لصعوبة إثباته ما لم يقترن بعقاب جسدي، وكذا لتعذر تحديد تعريف دقيق لمفهوم الإيذاء النفسي1.
وقد أثبتت بعض البحوث أن 8.25 ℅ من الفتيات العاملات في قطاع الزرابي يتعرضن للسب والشتم2 غير أنه يبقى التحرش الجنسي أكثر الاعتداءات الجسمية شيوعا.
غير أنه كثيرا ما يثير مفهوم التحرش الجنسي صعوبة في التحديد، بالقدر نفسه الذي يثيره على مستوى إثباته أمام الجهات القضائية، لذلك فإن كل الاجتهادات القانونية والفقهية وبالتبع القضائية، إنما حاولت فقط رصد بعض مظاهره أو السلوكات التي يمكن اعتبار من أتاها مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي، ويمكن أن نجمل هذه السلوكات فيما يلي:
التلامس الجسدي أو المعاكسات الجسدية.
طلب التعطف الجنسي أو الدعوة إليه.
إبداء ملاحظات ذات طابع جنسي.
عرض مواد إباحية.
أو أي سلوك ذميم أخر ذي طابع جنسي سواء كان جسديا أو لفظيا.

وحيثما ارتكب أي فعل من هذه الأفعال، فإنه يعتبر من قبيل المضايقات الجنسية إذا توافرت الظروف التي تجعل الضحية تعتقد دون شطط أن مثل ذلك السلوك يمكن أن يكون مهنيا، وقد يشكل مشكلة صحية أو مشكلة خاصة بالسلامة فيما يتعلق بوظيفة الضحية أو عملها ، ويزداد الأمر استفحالا إذا ما توفرت للضحية من الأسباب ما يجعلها تعتقد أن اعتراضها على مثل تلك المضايقات قد يؤدي إلى عواقب وخيمة1.
ويعاني من التحرش الجنسي أكثر خادمات المنازل2 حيث تبين أن 82℅ من الخادمات يقمن مع الأسرة المشغلة في نفس البيت3، 42.5℅ منهن يشاركن أطفال الأسرة المشغلة مكان النوم4، ومن شأن ذلك أن يعرضهن لاعتداءات جنسية ،وقد ثبت ذلك بالنسبة ل 4.2℅ من الخادمات5، وذلك من قبل أفراد الأسرة البالغين القاطنين في نفس المنزل ، أو من طرف الأطفال الأكثر سنا أو قوة، وفي بعض الأحيان من طرف زوار الأسرة المشغلة، أو من طرف خدم المنازل الآخرين الموجودين في نفس المنزل، كالسائق أو البستاني ،أو حارس المسكن الخاص…

ولا يسلم الأطفال العاملين في الصناعة التقليدية من هذا السلوك الذي لا يقيم للأخلاق والأعراف وزنا ويبرز ذلك من خلال مقولة متوا ثرة معروفة لدى جل العاملين في القطاع مفادها أن ” من أراد تعلم الصنعة لا بد أن يمر تحت بطن المعلم” في إشارة إلى التحرشات الجنسية السائدة وأيضا إلى درجة الخضوع المطلق لإرادة المعلمين.
وعموما يقدم المهتمون بكل مظاهر الاستغلال أو التحرش الجنسي للأطفال أرقاما مفادها أن 90 ℅ من الحالات مسكوت عنها ،فأغلب الحالات تبقى طي الكتمان مادام المعتدون ينتمون إلى المحيط القريب للمعتدى عليه، إضافة إلى كون الموضوع كما هو الشأن بالنسبة لكل المواضيع ذات الطبيعة الجنسية يحشر في خانة الطابوهات ،لا يصل إلى علم الناس إلا ما وصل إلى المحاكم ،أو ما أسهم الرقم الأخضر، أو مراكز الاستماع في كشفه1 .

خاتمة الباب الأول :

إن المتدبر للمركز القانوني للطفل العامل في القطاع غير المهيكل لا يسعه إلا التأكيد على انعدام الحماية القانونية، سواء من خلال مدونة الشغل أو باقي فروع التشريع الاجتماعي كالقوانين المؤطرة لحوادث الشغل والأمراض المهنية أو قوانين الضمان الاجتماعي.
هذا الأخير بالرغم من تمديد نطاقه إلى قطاع الصناعة التقليدية بموجب مرسوم رقم 2.60.313 فإن ذلك يتميز بعدم الاستمرارية وسوء التواصل بين مختلف الأطراف المعنية وأيضا بانعدام الوعي بمزايا التأمين لدى الصناع.
كما أن الكيفية التي تم بها تمديد نظام الضمان الاجتماعي على العلاقات المهنية بالقطاع الحرفي لم تكن ملائمة، وبالتالي خلقت نوعا من التو ثر داخل مجموعة من الحرفيين مما حال دون أن تؤدي التغطية الاجتماعية الدور المنوط بها في خلق شروط اجتماعية سليمة للإنتاج ودعم الاستقرار المهني1.
أضف إلى ذلك الاستبعاد الصريح لخدم المنازل من الحماية الاجتماعية التي يكفلها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لكل الأجراء.

وعموما فإن الأطفال العاملين الذين يقل سنهم عن خمسة عشرة سنة لا يتمتعون بأي حماية اجتماعية على اعتبار أن تشغيلهم هو سلوك غير مشروع ولا يمكن تقرير الحماية القانوني لأنشطة غير قانونية.
لذلك لا بد من البحث عن كيفية تجاوز هذه المعضلة الاجتماعية؟ أو على الأقل كيفية الحد منها ؟ بإيجاد آليات معينة من شأنها المساعدة على إيجاد الحل الممكن.

الباب الثاني: الآليات المساعدة على الحد من تشغيل الأطفال في القطاع غير المهيكل

إن القضاء التام على عمل الأطفال، خاصة في المجالات غير المنظمة، في ظل الظروف الحالية، التي تعيشها جل الأقطار الدولية خاصة الفقيرة منها، هو من قبيل المستحيل، وقد أدركت منظمة العمل الدولية ذلك، فأصدرت العديد من الاتفاقيات والتوصيات، تركز أساسا على التدرج في مواجهة تشغيل الأطفال، حيث أن المعركة الآنية لكل المنظمات الدولية المهتمة بالطفولة تنصب أولا على أسوأ أشكال استخدام الأطفال مقترحة حلولا متنوعة يمكن تفعيلها في جل المجتمعات المعنية بالظاهرة.
غير أن لكل مجتمع خصوصياته المختلفة نسبيا عن ما هو سائد لدى المجتمعات الأخرى، وبالتالي فإن الآليات المقترحة قد لا تجدي نفعا في بعض جزئياتها، لذلك يترك هامش من المرونة اللازمة، للاجتهاد فيما يوافق البنيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل قطر على حدة.
من هذا المنطلق لا يمكن لأي مهتم أن يقتصر جهده على مجرد رصد وتتبع ما تجود به قريحة المنظمات الدولية، أو ما وصلت إليه تجارب بعض المنظمات الدولية، أو بعض المجتمعات الأخرى ,وإنما لابد –بالإضافة إلى ذلك- أن يعمل كامل وسعه في ابتكار أدوات تدخل تناسب الوضع العام للظاهرة،أو على الأقل تكييف تجارب الأقطار الأخرى من أجل ملاءمتها مع الإمكانات المتاحة التي من شأنها أن تيسر عملية تفعيل تلك المقترحات على أرض الواقع في شكل برامج عملية قادرة على تطويق الظاهرة والحد منها كخطوة أولى.
واعتبارا لكون ظاهرة عمالة الأطفال معقدة و مركبة فإن الآليات المقترحة لا ينبغي أن ترتكز على محدد واحد وإنما لابد من مواجهة كل متغير بآلية مناسبة من شأنها أن تشكل مجتمعة مناعة حقيقية ضد تشغيل الأطفال.
لذلك فإن آليات التدخل متعددة ومتنوعة، منها ما هو إداري يخضع لراقبة الدولة وإشرافها، ومنها ما هو اجتماعي ثقافي ينبغي لمواجهته تظافرجهود جميع مكونات المجتمع في إطار التعاون والشراكة الفعالة المثمرة.
لذلك فإن معالجة هذا الباب تقضي تقسيمه إلى فصلين على الشكل التالي:
الفصل الأول:
دعم آليات الرقابة على عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل
الفصل الثاني:
اشتراك المؤسسات الاجتماعية و التربوية في مواجهة عمل الأطفال.

الفصل الأول: دعم آليات الرقابة على عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل:

إن أي تنظيم قانوني مهما بلغت أهميته لا يمكن أن يتحقق له النفاد و الاحترام والفعالية , ما لم بتوفر له من الضمانات ما يكفل الالتزام بأحكامه والشعور الذاتي بوجوب نفاده. ولا يمكن أن يتم ذلك إلا إذا حوى النسق القانوني آليات رقابية فعالة تتدرج من مجرد التوعية بقواعده و الحث على الالتزام بنصوصه إلى المؤاخذة على التخلف عن هذا التنفيذ وتوقيع الجزاء المقرر على من يخالفه 1.
إلا أن خصوصية العمل في القطاع غير مهيكل يثير إشكالات حقيقية على مستوى الرقابة، إذ تعجز المؤسسات الرقابية التقليدية عن رصد الظروف التي يتم في إطارها العمل،لذلك ينبغي دعم جهاز تفتيش الشغل بمختلف المكونات الضرورية للقيام بمهامه(المبحث الأول)، وأيضا خلق ودعم مؤسسات مكملة لمراقبة عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل، حيث يعجز أحيانا مفتشي الشغل لاعتبارات متعددة عن القيام بوظائفهم(المبحث الثاني).

المبحث الأول: مد مفتشيه الشغل بمكونات الرقابة الفاعلية.

إن خلق الإطار القانوني الذي تنشأ وتنفذ وتنتهي في ظله علاقات الشغل يعتبر خطوة كبيرة في سبيل إعادة التوازن إلى العلاقة بين العمال وأصحاب الأعمال لكنها رغم ذلك تبقى خطوة قاصرة عن تحقيق الحماية الكاملة للاجراء في غياب هيأة تكفل لهذه الضوابط القانونية الفعالية المطلوبة2.
لذلك عمد المشرع إلى إحداث وتنظيم أجهزة إدارية لتفتيش الشغل ( المطلب الأول) الذي ينبغي دعمه من أجل القيام بوظائفه بكيفية سليمة ( المطلب الثاني) .

المطلب الأول: الرقابة الإدارية على عمل الأطفال.

لقد اهتمت منظمة العمل الدولية بكل ما له ارتباط بالرقابة الإدارية في مختلف مجالات الشغل حيث ركزت على الرقابة على عمل الأحداث عن طريق إلزام الدول بأن تتخذ بعض الإجراءات التي تيسر العملية الرقابية ( الفقرة الأولى ) كما التزمت الدول الأعضاء بإحداث جهاز تفتيش الشغل باعتباره الجهة الإدارية الأولى المسؤولة عن الرقابة على المستوى الوطني ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الالتزامات الدولية في مجال الرقابة على عمل الأحداث.

وعيا من المشرع الدولي بأهمية الرقابة الدولية خاصة مع تقرير الصفة الآمرة لقواعد قانون العمل من أجل ضمان نفاذه بصفة مرنة وسلسة، وأيضا من أجل تدليل الصعاب التي تقف أمام الوعي بأحكامه، فإنه قد ألزم الدول بأن تتخذ كل التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل احترام حق الطفل في الحماية من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيرا ، أو ضارا بصحة الطفل أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي1.
لهذا الغرض تضمنت التوصية رقم 146 عدة أحكام تؤكد على ضرورة تعزيز أقسام تفتيش العمل والأقسام المرتبطة بها بالقدر اللازم، وكذا التأكيد على الدور الذي يمكن أن يؤديه المفتشون في تقديم المعلومات والنصائح بخصوص الوسائل الفعالة التي تكفل ضمان تنفيذ الأحكام الخاصة بتشغيل الأحداث. بالإضافة إلى ضرورة التنسيق بين المصالح الإدارية المشرفة على مراقبة عمل الأحداث وذلك في حالة تعدد المسؤوليات2 كما قررت عناية خاصة بكل ما يتعلق بالرقابة على بعض الأشغال الخطرة التي تعطل المسيرة التعليمية أو التكوينية للطفل3 .

كما ألزم القانون الدولي الخاص بتشغيل الأحداث القوانين الوطنية بأن تقرر ضرورة مسك سجلات من طرف أرباب العمل، أو وثائق يتعين الاحتفاظ بها وتقديمها عند الضرورة حيث يجب أن تتضمن هذه السجلات أو الوثائق أسماء وأعمار وتواريخ ميلاد الأشخاص المستخدمين الذين يقل عمرهم عن ثمانية عشرة سنة وطبيعة المهام المنوطة لهم. 1
وإذا كان هذا المقتضى يعتبر مبدأ عاما على الجميع الامتثال له فإنه ونظرا لخصوصية بعض مهن القطاع غير المهيكل فإن المنظمة الدولية قد أكدت على ضرورة تزويد الأطفال والأحداث العاملين في الطرقات والأكشاك الخارجية أو الأماكن العامة أو المهن المتجولة، أو في ظروف أخرى يتعذر معها مراقبة سجلات أصحاب العمل بتراخيص أو وثائق أخرى تبين أهليتهم لهذا العمل 2.
ولم تكن هذه الأحكام الدولية نابعة من فراغ وإنما تم التأسيس لها بموجب الاتفاقية رقم 81 لسنة 1947 الخاصة بتفتيش العمل في مجال الصناعة والتجارة 3 ، وكذا الاتفاقية رقم 129 لسنة 1969 بشأن تفتيش العمل في الزراعة 4، حيث أكدت على العديد من المبادئ الحمائية المتعلقة بشروط العمل وحماية العمال أثناء قيامهم بالمهام المنوطة بهم خاصة الأحداث منهم5.
إضافة إلى كل ذلك تملك منظمة العمل الدولية آليات رقابية عديدة بعضها مباشر، كتقديم التقارير الحكومية إذ يلزم الفصل 22 من دستور المنظمة كل دولة عضو بأن تنجز تقارير سنوية حول وضعية تطبيقها للاتفاقيات التي صادقت عليها، أو تقديم الشكايات أو المطالبات، حيث ترفع الشكايات من طرف دولة ضد أخرى في حالة عدم احترام اتفاقية صادقت عليها الدولتان، أما المطالبات فهي التي ترفعها المنظمات الدولية ضد حكوماتها أو ضد دولة أخرى لعدم احترامها لاتفاقية معينة.

وبعضها الآخر غير مباشر عن طريق الدراسات والأبحاث التي تقوم بها مصالح المكتب الدولي للشغل بصدد التحضير للاتفاقية ما، أو التقارير الخاصة التي تنجزها بعض اللجان المتخصصة في إطار برنامج معين للمنظمة الدولية، أو الدراسات والأبحاث التي تقوم بها بعض فعاليات المجتمع المدني ( نقابات، جمعيات، صحافة… ) أو الندوات الدولية أو الجهوية للمنظمة حول مختلف موضوعات العلاقات المهنية وظروف العمل 1.

فهذه الترسانة القانونية وآليات التدخل التي تتوفر عليها منظمة العمل الدولية لا بد وأن تدفع بالدول الأعضاء، منها المغرب إلى الإسراع بالتدخل من أجل حماية الطفل العامل.

الفقرة الثانية: الرقابة على عمل الأطفال على المستوى الوطني

يعهد بتفتيش الشغل إلى مفتشي ومراقبي الشغل والشؤون الاجتماعية وإلى مفتشي ومراقبي القوانين الاجتماعية في الفلاحة وإلى الأعوان التابعين للإدارة المكلفة بالمعادن وإلى كل الأعوان الذين كلفتهم إدارات أخرى بهذه المهمة وأسندت إليهم الصلاحيات التي تقتضيها مهامهم، وحسب الطريقة التي وزعت بها تلك الإدارات الاختصاصات فيما بينهم وتبعا لنوع المقاولات أو المؤسسات 2.
تناط لهم مهام السهر على تطبيق الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالشغل وإعطاء المشغلين والأجراء معلومات ونصائح تقنية حول أنجع الوسائل لمراعاة الأحكام القانونية، إضافة إلى إحاطة السلطة الحكومية المكلفة بالشغل علما بكل نقص أو تجاوز في المقتضيات التشريعية والتنظيمية المعمول بها، وكذا إجراء محاولات التصالح في مجال نزاعات الشغل الفردية 1.
ومن المستجدات التي جاءت بها مدونة الشغل رقم 65.99 أنها أقرت مبدأ المراقبة القبلية حيث ألزمت كل شخص طبيعي كان أو اعتباري يخضع لمقتضيات القانون الاجتماعي يريد فتح مقاولة أو مؤسسة أو ورش يشغل فيه أجراء أن يقدم تصريحا بذلك إلى العون المكلف بتفتيش الشغل وفق الشروط والشكليات المحددة بنص تنظيمي 2.

وقد مدد المشرع هذه الرقابة القبلية الوقائية لتشمل حصرا الأحداث العاملين، حيث أوجب منع تشغيل الأحداث دون الثامنة عشرة كممثلين أو مشخصين في العروض العمومية المقدمة من قبل المقاولات التي تحدد لائحتها بنص تنظيمي دون إذن مكتوب يسلمه مسبقا العون المكلف بتفتيش الشغل بخصوص كل حدث على حدة بعد استشارة ولي أمره 3 وذلك للوقوف على مدى قدرة الطفل على أدائه المهام المنوطة له.

كما أن المشرع أقر حماية خاصة ميز بها الأطفال العاملين ضمن مجتمع الأجراء، وذلك بمناسبة تنفيذ عقد العمل عندما منح للعون المكلف بتفتيش الشغل أن يطلب في أي وقت إمكانية عرض جميع الأجراء الأحداث الذين يقل سنهم عن ثمانية عشرة سنة على طبيب بمستشفى تابع للوزارة المكلفة بالصحة العمومية قصد التحقق من أن الشغل الذي يعهد إليهم لا يفوق طاقتهم، وبناء على التقرير الطبي يمكن للعون أن يأمر بإعفاء الأحداث من الشغل دون إخطار4.
وفي حالة ما إذا سبق للعون أن منح الإذن للطفل بمزاولة العمل في العروض العمومية ، فإنه يمكنه أن يتراجع عنه إذا ما تبين له من تلقاء نفسه أو بطلب من كل شخص مؤهل لهذا الغرض1 كطبيب الشغل أو أحد أوليائه أو أوصيائه، بأن العمل غير ملائم لوضعية الطفل.

وتيسيرا لعملية الرقابة ألزم القانون مشغلي الأطفال في العروض العمومية بضرورة مسك نسخ من عقود ولادة الأحداث الذين يتولوا توجيههم أو بطاقات تعريفهم الوطنية 2، وأن يدلي بها لتثبيت هويتهم بمجرد طلبها من طرف العون المكلف بتفتيش الشغل، أو من السلطات الإدارية المحلية، وفي حالة مخالفة هذه الإجراءات يطلب من مأموري القوة العمومية، التدخل لمنع إقامة العرض وتحاط النيابة العامة علما بذلك3.

وإذا كان المشرع قد منع عمل الأحداث ليلا فإنه استثناء أجاز ذلك بموافقة عون التفتيش في الحالات التالية:
– إذا تعرضت المؤسسة لظروف استثنائية تمنعها من الاستفادة من الاستثناء المقرر قانونا 4 .
– في حالة بطالة ناتجة عن قوة قاهرة أو توقف عارض ولا يكتسي طابعا دوريا أو عند تجاوز العمل بالاستثناء أكثر من إثني عشرة ليلة في السنة 5.
– تجنب حوادث وشيكة الوقوع أو تنظيم عمليات نجدة، أو إصلاح خسائر لم تكن متوقعة1 .
وقد تم تمديد اختصاص مفتشي الشغل لقطاع الصناعة التقليدية بموجب الدورية الوزارية رقم 32 / 56 بتاريخ 11 / 11/ 1956 . غير أنه اعتبارا لخصوصية هذا القطاع فإن الوزارة الوصية دعت إلى التطبيق التدريجي لأحكام قانون الشغل حتى لا يتم تحميل الحرفين التزامات اجتماعية قد تعرقل تنمية القطاع2 .
وفي سنة 1974 أصدر وزير الشغل دورية جديدة، رقم 74/4 بتاريخ 21/12/1974. يحث فيها مفتشي الشغل بضرورة الحرص على النفاذ الكامل لأحكام قانون العمل، وقد لقي هذا القرار الوزاري معارضة شديدة من قبل الحرفيين الذين رأوا فيه إجراء يقف ضـدا على التنمية الاقتصادية للبلاد. 3
و بالرغم من أن مدونة الشغل قد حاولت أن تدفع بمؤسسة تفتيش الشغل قدما إلى الأمام، فإنها مع ذلك مازالت تعاني من العديد من جوانب قصور تستدعي التدخل العاجل لتدارك ذلك.

المطلب الثاني: تجاوز معيقات تدخل جهاز تفتيش الشغل

بعض هذه المعيقات مادي (الفقرة الأولى) و بعضها الآخر قانوني (الفقرة الثالثة)

الفقرة الأولى:المعيقات المادية:

إن جسامة المهام المنوطة بمفتشية الشغل بالإضافة إلى تعددها لا تتلاءم مع حجم الإمكانيات المادية و البشرية التي تتوفر عليها المؤسسة، حيث يقدر عدد الأعوان المكلفين بالرقابة حوالي أربع مائة مفتش شغل 1 ينتظر منهم تغطية كل المؤسسات الصناعية و التجارية و الفلاحية و المهن الحرة على المستوى الوطني.
و إن أخذنا مدينة فاس كنموذج، باعتبارها من أهم المدن الصناعية بالمغرب، فإننا نجد أن النفوذ الترابي لمندوبية الشغل يشمل مجموع ولاية فاس بالإضافة إلى عمالة تاونات، كما نجد بها كذلك دائرة واحدة للفلاحة وأربع دوائر للصناعة و التجارة و المهن الحرة ، مقابل ذلك فهي لا تتوفر إلا على أربعة مفتشين ، أي مفتش واحد لكل دائرة 2 .
يضاف إلى ذلك قصور على مستوى التكوين وذلك بشهادة المفتشين أنفسهم حيث يؤكدون على أن الإمكانيات المعرفية المتاحة بفضل تكوينهم الجامعي العام تظل قاصرة عن استيعاب التقنيات الدقيقة لأحكام قانون الشغل بل ومعارف أخرى متعددة الاختصاصات تطرحها وظيفة المفتش، خاصة و أن المعهد المتخصص بالتكوين يظل شبه معطل 3.
و إذا أضفنا إلى هذه الصعوبات الإدارية التي تكمن في عدم كفاية أجهزة التفتيش و المراقبة، ضعف وسائل العمل 1 ، فإنه لا يمكن أن تكون هذه الرقابة إلا سطحية و غير ذي فعالية، خاصة أن الوزارة الوصية قد وضعت حدا لعدد الزيارات التي يجب أن ينجزها أعوان التفتيش2 بكيفية يصعب تحقيقها لاتساع الرقعة الترابية للدائرة و كثرة و تباعد المؤسسات الخاصة لمراقبة المفتشين ، و كذلك لعدم وجود أو كفاية وسائل النقل ، حيث يستعملون عادة وسائلهم الخاصة ، بالإضافة إلى أن التعويض الجزافي عن الزيارات الذي يمنح لهم شهريا لا يتجاوز 250 درهما ،لا يمكنهم من تغطية نفقات تنقلاتهم المتعددة أثناء أدائهم لمهامهم الرقابية لذلك لا نجد أعوان التفتيش يهتمون بمضمون الزيارة و فعاليتها بقدر ما يهتمون بإنجاز القدر المطلوب منهم شهريا3 .

لذلك فإن أغلب الزيارات التي يقوم بها مفتشي الشغل تقتصر على المؤسسات الصغيرة و المتوسطة القريبة منهم، في حين تظل المؤسسات الكبرى و كذا المؤسسات السرية و الخفية و التي تشغل آلاف من الأطفال دون أي احترام لمقتضيات قانون الشغل في منأى عن أية رقابة قانونية4 .
غير أنه لا بد من الإشارة إلى أن هذا القصور الذي يعاني منه جهاز تفتيش الشغل، هو ظاهرة عامة تعاني منها جل أقطار العالم الثالث خاصة تلك التي تواجه أسوأ مشكلات عمل الأطفال5.

و إجمالا يمكن أن نرجع ضعف الرقابة إلى أسباب متعددة منها ما يعود إلى أعوان التفتيش أنفسهم، أو إلى الوسائل المادية الموضوعة رهن إشارتهم، و منها ما يعود إلى بعض العمال الذين فقدوا مطلقا الثقة في هذا النظام، و منها ما يعود إلى بعض أرباب العمل الذين تجعل منهم وظيفتهم ، أو قربهم من بعض الساهرين على أجهزة السلطة العامة أو ممارستهم لهذه السلطة فعليا أفرادا فوق كل القوانين 1.
إلا أن أكبر معيق لفعالية هذا الجهاز هو أن عمله يتميز بغياب سياسة واضحة للعمل الاجتماعي المشترك المطبق على العمل الوطني، سياسة ترسم لأعوان التفتيش معالم خطة جماعية لأسلوب العمل الذي يتعين أن يسيروا فيه للقيام بمهامهم، تحدد لهم الوسائل و الأساليب التي تمكنهم من مواجهة حقائق علاقات الشغل، فواقع هذا الأخير يستنتج منه أن كل عون من أعوان التفتيش يسعى إلى مواجهة كل خرق لقواعد قانون الشغل أو إلى تسوية خلافات الشغل حسب تقديره للأمور و ما تحظى به من أولوية في نظره، و كذا لمدى خطورتها في تقديره، و أيضا لمدى قدرته على تحمل الضغط الذي قد يتعرض له سواء من طرفي العلاقة الشغلية، أو من طرف المحيط الذي يشتغل فيه، الأمر الذي يؤثر سلبا على دور مفتشية الشغل كإحدى الضمانات الأساسية لفعالية النصوص القانونية 2.
تجاوزا لهذا الوضع الذي تعيشه المفتشية على المستوى المادي و البشري، فإن الدولة مطالبة من أجل التدخل السريع لإعادة النظر في النقط التالية:

أولا: وجوب الرفع من المستوى المادي لمفتشي الشغل.3و خلق الحوافز الكافية لمكافأة أعوان التفتيش
على المر دودية في العمل 1.
ثانيا: التكوين الجيد في مختلف التخصصات كالطب، الكهرباء، الكيمياء، الهندسة…بالكيفية التي تناسب الظروف المحلية أثناء قيامهم بالعمل، و فحص مدى تأثير العمليات و المواد و طرق العمل على صحة و سلامة الأجراء .2
ثالثا: توفير العدد المناسب لتحقيق حسن أداء التفتيش، مع إمدادهم بكل وسائل التنفيذ المادية، وبالتالي تحسين الظروف العملية التي تجعل زيارات التفتيش متميزة 3.
رابعا:ضرورة مساعدة الشرطة القضائية الخاصة بالأحداث لمفتشي الشغل عند قيامهم بمراقبة أماكن يشتغل فيها أحداث على غرار باقي القوانين المقارنة 4. خاصة بالنسبة للأحداث العاملين في القطاع غير المنظم، الذين يحتاجون أحيانا من أجل الوقوف على ظروف عملهم أو ضبط أنشطتهم المهنية الاستعانة بالقوة العمومية.
بيد أن تدخل الدولة لا يجب أن يقتصر على الجوانب المادية، و إنما لا بد أن يطال الجانب التشريعي كذلك، إذ بالرغم من محاولة المشرع المغربي الاستجابة لانتظارات المجتمع بمختلف مكوناته، عندما أعاد صياغة الأحكام الخاصة بمفتشي الشغل في المدونة الجديدة رقم 65.99، فإنه لم يتجاوز عتبة الحد الأدنى من المطالب التي تتعلق بالإصلاحات القانونية المؤطرة لتدخل الجهاز حتى يمكن تفادي الوصف الذي ينعت به تشريع الشغل بكونه قانون غير قابل للتطبيق.

الفقرة الثانية: المعيقات القانونية

لقد منح المشرع المغربي لمفتشي الشغل كامل الحرية ودون سابق إعلام في ولوج كل مؤسسة تخضع لرقابة سلطته في أي وقت من ليل أو نهار، ولهم أن يستفسروا كل من يوجد في المؤسسة حول جميع الشؤون الخاصة بتطبيق الأحكام القانونية أو التنظيمية المتعلقة بالشغل، وأن يطلبوا الإطلاع على جميع الدفاتر والسجلات والوثائق، وأن يأخذوا معهم عينات من المواد الأولية ومن المواد التي يستعملها الأجراء أو يعالجونها بالأيدي قصد إجراء تحليلات عليها 1.
ومن أهم المستجدات التي جاءت بها مدونة الشغل أنها فعلت عمليا صفة ضابط الشرطة القضائية لمفتش الشغل 2 على غرار بعض التشريعات المقارنة، التي لا يبتعد عنها كثيرا في تجربتها القانونية كالسنغال والهند والباكستان 3، وذلك في حالة ما إذا رفض أو أهمل المشغل أو من يمثله الامتثال للأوامر الموجهة إليه عند إخلاله بالمقتضيات التشريعية أو التنظيمية المتعلقة بحفظ الصحة والسلامة إخلالا من شأنه أن يعرض صحة الأجراء أو سلامتهم لخطر حال حيث يحرر عون التفتيش محضرا يوجهه فورا إلى رئيس المحكمة الابتدائية بصفته قاضيا للأمور المستعجلة 1 وفي حالة عدم استجابة المشغل لما أمر به فإن العون المكلف بتفتيش العمل يحرر محضرا جديدا يوجهه إلى وكيل الملك 2.

غير أن سلوك هذه المسطرة ليس دائما متاحا أمام عون التفتيش وإنما فقط في حالة وجود خطر حال يهدد صحة أو سلامة الأجراء أما في الحالات العادية فإن الوقوف على أي من المخالفات يحرر بشأنها محاضر يوثق بمضمونها إلى أن يثبت عكس ما فيها في ثلاث نسخ يوجه واحد منها مباشرة إلى المحكمة المختصة من قبل المندوب الإقليمي المكلف بالشغل3 ، حيث يلزم عون التفتيش في هذه الحالة باحترام التسلسل الإداري، الأمر الذي يفقد المحضر ومنجزه أي مصداقية سواء في مواجهة العامل أو في مواجهة صاحب العمل، مما يؤثر بشكل قوي على عمل مفتش الشغل وعلى أدائه لوظيفته4.
وإذا كانت هذه المقتضيات بالرغم من أهميتها فإنها تبقى عامة وشاملة لكل الأجراء حيث كان على المشرع أن يمنح عون التفتيش إمكانية سلوك المسطرة الاستعجالية كلما تعلق الأمر بتشغيل الأطفال عندما يتضح أن العمل المكلفون به يشكل خطرا على صحتهم البدنية، أو النفسية، أو يفوت عليهم فرص التعليم والتربية.

إضافة إلى ذلك فإن الرقابة على عمل الأحداث تعرف بعض جوانب القصور الأخرى وذلك عندما جعل المشرع عرض الأجراء الأحداث الذين تقل سنهم عن ثمانية عشرة سنة على الطبيب ليس إلزاميا وإنما يخضع للسلطة التقديرية للعون المكلف بالتفتيش 5 ، والراجح أن السبب في ذلك هو محاولة تملص الدولة من تحمل التزامات إضافية تتمثل في إيجاد الإطار المؤسساتي الملائم لإجراء تلك الفحوصات.
ونفس هذه الإمكانية متاحة لعون التفتيش حتى في حالة ما إذا أكد طبيب الشغل بموجب تقديره أن العمل المؤدى من قبل الطفل لا يلائم إمكاناته وقدراته البدنية 1 ، حيث يتمتع بكامل سلطته في إعفاء الحدث من الاستمرار في العمل، وكذلك الأمر في حالة ما إذا سبق له أن منح إذنا بمزاولة أحد مهن العروض العمومية، فإنه يحق له أن يسحب ذلك الإذن دون أن يجبره النص القانوني على اتخاذ هذا الإجراء2 .

غير أنه إذا كان قانون الشغل سواء من خلال مدونة الشغل أو من خلال ” عهد الشتات القانوني” في عهد تعدد النصوص القانونية المنظمة لمجال العمل قد استبعد صراحة خضوع خدم المنازل لأحكام التشريع الاجتماعي و بالتبع عدم شمول نطاق الرقابة الإدارية لأماكن عملهم نظرا لخصوصيتها التي تتمتع بحماية قانونية خاصة تأخذ بعين الاعتبار حرمة المسكن فإنه عمليا كان القضاء يستنجد بجهاز تفتيش الشغل لإماطة اللثام عن ظروف عملهم حيث جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى أن ” الطاعنة أرفقت مقالها بمحضر مفتش الشغل …المتضمن لما تستحقه العارضة من حقوق بصفتها خادمة منزل وأنها اعتمدت في مقالها على مقتضيات قانونية كأجيرة تؤدي خدماتها لفائدة مخدومتها في مقابل أجر طبق الفصول 723 و ما بعده من قانون الالتزامات والعقود، إلا أن الحكم المطعون فيه لم يشر إلى تقرير مفتش الشغل هذا ولم يعلل كون الطاعنة لم يشملها قانون الشغل تعليلا كافيا3.
غير أن هذا التوجه الذي سار فيه القضاء منتقد لأنه لا يمكن أن نستسيغ أن يخضع المسكن لتدخل جهاز التفتيش بكل آلياته الإدارية وإجراءاته المسطرية وعقوباته الزجرية لأن ذلك أعد في الأصل لينطبق على منشآت اقتصادية تتميز بخصائص معينة لا تتوفر في البيت 1.
ولذلك ينبغي على المشرع أن يتدخل لإيجاد آليات بديلة لمراقبة عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل .

المبحث الثاني: ضرورة خلق مؤسسات بديلة لمراقبة عمل الأطفال في بعض مهن القطاع غيرالمهيكل .

نظرا لخصوصيات بعض مجالات العمل في القطاع غير المهيكل ونظرا كذلك لقصور الرقابة الإدارية التقليدية فإنه يبقى من الواجب البحث في آليات رقابة بديلة لجهاز تفتيش الشغل خاصة رقابة ظروف خدم المنازل حيث يمكن إسناد ذلك للباحثين الاجتماعيين ( المطلب الأول) وكذلك لأمناء الحرف بخصوص الرقابة على ظروف عمل الأطفال في قطاع الصناعة التقليدية الصرفة ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: إسناد مهمة الرقابة على ظروف عمل الأطفال كخدم للباحثين الاجتماعيين.

لا بد للبحث الاجتماعي من مسوغ قانوني يفسح المجال أمام الفاعلين للتدخل ( الفقرة الأولى )، في نطاق اجتماعي معين قد يضيق أو يتسع حسب كل حالة على حدة ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الأساس القانوني لتدخل الباحث الاجتماعي.

إن معالجة إشكالية عمل الأطفال في الخدمة المنزلية يستوجب أن تدرج في خانة أسلوب أكثر نجاعة يَـتَغَيى الحد من الظاهرة والتحكم فيها ولن يتم ذلك إلا إذا تم الرقي بمعضلة خادمات المنازل إلى مستوى الاهتمام الاجتماعي العام في أوسع نطاقه.
وتتمتع الظاهرة بكل المقومات الأساسية التي تستدعي بذل الجهود الجماعية لمعالجتها وإيجاد الحلول لها باعتبارها مشكلة مشتركة للشعب المغربي الذي يوحده رأي جماعي ناتج عن الإحساس بالنقص أو الخطأ في مواجهة الظاهرة.
وأول الخطوات في هذا المضمار تتجلى في القيام بعمليات بحث حول السلوك الاجتماعي في كليته، ثم البحث في إطار علمي دقيق يهدف التشخيص الاجتماعي لحالة الفرد قصد الوقوف على الارتباط الحقيقي بين عمل الأطفال في هذا المجال وبين أسبابه العامة والخاصة.

ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بواسطة تقارير التقصي الاجتماعي باعتباره أداة عون لا غنى عنها في معظم القضايا التي تهم الطفولة، وذلك من أجل إحاطة السلطات المهتمة علما بكل الوقائع المتصلة بالحدث مثل الخلفية الاجتماعية الأسرية، وسيرة حياته المدرسية وتجاربه التعليمية، وما إلى ذلك وتستخدم لهذا الغرض هيئات اجتماعية خاصة أو موظفين ملحقين بالإدارات المعنية وقد يضطلع بهذه المهمة موظفون آخرون لاسيما مراقبوا السلوك، ولذلك تقتضي القاعدة توفير خدمات اجتماعية مناسبة لوضع تقارير التقصي الاجتماعي يمكن التعويل عليها1 .

وقد اعتمدت المسطرة الجنائية الأخيرة هذا الإجراء، حيث أمرت بضرورة القيام ببحث اجتماعي يتضمن معلومات عن حالة الحدث العائلية، والمعنوية، وعن طبعه، وعن سوابقه، وعن مواظبته بالمدرسة وسيرته فيها، وعن سلوكه المهني، وعن رفقائه وعن الظروف التي عاش فيها وتلقى فيها تربيته، وإن اقتضت الضرورة يمكن الأمر بإجراء فحص طبي أو عقلي أو نفساني…ويسند أمر البحث الاجتماعي إلى الإدارة المكلفة بالشؤون الاجتماعية، أو إلى الجمعيات، أو الأشخاص، أو المساعدين الاجتماعيين المؤهلين لهذه الغاية

1. كما نجد أن مدونة الأسرة قد انفتحت على بعض المؤسسات الاجتماعية من أجل تفعيل مقتضياتها حيث أمرت بدورها بضرورة الاستعانة بالمساعدة الاجتماعية في انجاز تقارير عن سكن الحاضن وما يوفره للمحضون من الحاجات الضرورية المادية والمعنوية 2. أما بخصوص الرقابة علة عمل الأطفال فإننا لا نجد أحكاما كتلك الواردة في فروع القانون أعلاه.وإنما أشارت إلى مثل ذلك بعض القوانين دول عربية شقيقة، كالسودان التي احدتت مؤسسة المساعدة الاجتماعية وأناطت لها مهام عديدة خاصة ما يتعلق بالرقابة على أوضاع الطفل المختلفة، والإشراف بصفة عامة على أحوال الطفل ومدى تنفيذ الراعي لالتزاماته نحوه كما أوجب القانون كذلك إخطار المشرف الاجتماعي بأي تغير في محل إقامة الطفل أو عنوانه، وذلك من أجل إعداد سليم للتقارير المعدة والموجهة للسلطات المختصة

3. وقد تضمنت مسودة مشروع قانون خدم المنازل أحكاما خاصة تحدد مهام المساعدة الاجتماعية ، وذلك في الحالات الثلاث التالية:
1. إذا كان سن الخادم يتراوح بين خمسة عشرة وثمانية عشرة وجب على المشغل أو وكالة التشغيل الخصوصية زيادة على رخصة الأب أو الأم أو عند الاقتضاء الوصي أو المقدم عن القاصر، أن يملك مطبوعا خاصا1 يتضمن التزامات الأطراف ويجب توجيه نظير منه إلى المساعدة الاجتماعية2 ، وبذلك فإن هذه المسودة تسير في اتجاه تقرير الرقابة القبلية على عمل الأطفال دون الثمانية عشرة سنة، ونعتقد أنه يجب أن تمدد للمساعدة الاجتماعية الاختصاصات الموكولة إلى مفتش الشغل التي تفرض قيودا على حرية تشغيل الأجراء حيث يجب تمتيعها بصلاحيات عرض الأطفال دون سن ثمانية عشرة عاما على طبيب بمستشفى عمومي، وبناء على التقرير المعد يمكن للمساعدة منح الإذن من عدمه.
2. إذا كان سن الخادمة يتراوح بين خمسة عشرة سنة وثمانية عشرة سنة يجب على المساعدة الاجتماعية تفقد أحوال الخادم مرة كل ثلاثة أشهر ويجب تحرير محضر الزيارة يتضمن جميع المعلومات المتعلقة بظروف العمل بما فيها رغبة المعني بالأمر في الاستمرار في العمل، أو مغادرته، ويجب أن ترسل نسخة من المحضر المذكور إلى الوزارة المكلفة برعاية الطفولة3.
إن مهمة البحث الاجتماعي الذي تقوم به المساعدة في هذه الحالة تتمثل في الوقوف على محيط عمل الطفل الخادم، ومدى قدرته على توفير الحد المقبول من الحماية، إضافة إلى تحديد نوع الأعمال المنوطة به ومدى ملاءمتها لطاقته الجسمية والعمرية، إذ غالبا ما تسند له أعمال خطيرة بالرغم من حداثة سن الطفل، الأمر الذي يجعله عرضة للإصابة بأمراض أو عاهات تؤثر عليه في الحال والمآل1 .
3. الحالة الثالثة لتدخل المساعدة الاجتماعية حصرتها المسودة عند عزم المشغل فصل خادم من العمل، حيث وجب عليه أن يبلغ المساعدة كتابة بذلك قبل خمسة عشرة يوما من تاريخ فسخ العقد2 ، من أجل حماية حقوق الخادم، وضمان استفادته من تعويضات إنهاء الخدمة .
وبذلك تكون المسودة قد حاولت تعزيز ثلاثة أنواع من الرقابة على عمل الأطفال في الخدمة المنزلية تتحدد طبيعتها حسب تطور العلاقة التعاقدية بين الخادم والمخدوم، حيث تكون قبلية عند العزم على وضع حد للعلاقة العقدية القائمة، ومصاحبة لتنفيذ العقد ، وبعدية عند وضع حد للعلاقة التعاقدية القائمة.
وللبحت نطاقه الاجتماعي الذي يتم في إطاره، بغية تحقيق أهداف معينة تتوخى الوصول إليها.

الفقرة الثانية: نطاق البحث الاجتماعي وأهدافه.

البحث الاجتماعي أو الدراسة الاجتماعية، هي الوقوف على طبيعة الحقائق والقوى المختلفة النابعة من شخصية الطفل العامل والكامنة في بيئته، والتي يحتمل أن تكون قد ساهمت في حدوث الوضع السيئ الذي يعاني منه الطفل وذلك بقصد التشخيص الذي يؤدي للعلاج الاجتماعي.

وعملية الدراسة الاجتماعية عملية مهنية معقدة ودقيقة تحتاج إلى أطر من الأخصائيين الاجتماعيين، الذين يجب عليهم أن يعرفوا أهمية وفائدة النتائج والحقائق التي يسعون الحصول عليها ولديهم القدرة الذاتية في عرض هذه النتائج بالصورة التي تجعلها ناطقة بالمعاني التشخيصية 1 ، وأن يأخذوا بعين الاعتبار قاعدة فردية الحالات المدروسة، إذ أنه إذا كانت الأسباب العامة المؤدية لعمل الأطفال في الخدمة المنزلية جلية تتميز بالإجماع حولها فإنه بالمقابل توجد أسباب خاصة تنفرد بها كل على حدة والكشف عن هذه المعطيات الذاتية واقتراح حلول لها من قبل المساعدين يبقى أهم سؤال يجب الإجابة عنه، ولن يتحقق ذلك إلا إذا تم البحث في التاريخ الاجتماعي لكل طفل عامل على حدة لأن ذلك التاريخ يتركب من مقطعين الأول عرضي يمثل الحاضر يبين جميع قوى الشخصية وتأثرها بمشكلاتها وبالقوى البيئية المحيطة والثاني طولي يبين موضع نشأة المشكلات والآثار والقوى المختلفة لشخصية الطفل ومراحل نشأتها التي حتمت هذا التطور2.

ولا ينبغي أن يشمل نطاق البحث شخصية الطفل مفردا منعزلا عن بيئته وإنما لابد من الانفتاح على محيطه الخاص والعام، حيث يجب البدأ أولا بالأسرة باعتبارها الوحدة الطبيعية الأولى الحاضنة للطفولة واللبنة الأساس المكونة للمجتمع، ويجب أن يركز البحث على أمرين أساسين:

الأول: المستوى المادي للأسرة .
والثاني: الجانب الثقافي والاجتماعي للأسرة باعتبارها تشكل الاتجاهات السلوكية وتضع أساس العلاقات الاجتماعية للفرد، على اعتبارا أنه ليس هناك أبناء مشكلون بل آباء مشكلون، ومعنى ذلك أن ما يتورط فيه الطفل من أخطاء أو انحرافات أو اضطرا بات سلوكية ناتج عن فشل الآباء في الالتزام بقواعد التربية والتوجيه السليمين.
إلا أن ذلك لا يعني أن ينحصر نطاق البحث على الوسط الخاص، وإنما لا بد من شموله للمجال الزماني والمكاني الواسع الذي يعيش فيه ويتفاعل مع قواه ومؤثراته المختلفة المترابطة المشكلة من الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية …كأماكن الخدمات، المؤسسات التعليمية، الصحية، الترفيهية… التي تساهم مجتمعة في بلورة شخصية الطفل، التي تدفعه إلى اعتماد خيار العمل بدل الخيارات الأخرى المتاحة.

والهدف الذي يرجى من وراء البحث هو قياس مدى قدرة تلك الأنظمة التي يتوفر عليها المجتمع على إشباع الحاجات الأساسية للطفل، حتى يحقق اكتفاءه الذاتي دون حاجة إلى اللجوء إلى أساليب أخرى يحقق بها حاجاته، ويضمن بها وجوده دون الإسراع إلى الارتماء في أحضان أي نشاط يمكن أن يوفر له متطلباته المعيشية، خاصة وأن الطفل غير مدرك لكثير من أفعاله ولا يستطيع أن يصنفها ضمن خانات السلوك الاجتماعي المرتكزة على قيم وعادات وأعراف متوارثة أو مستحدثة، لذلك تنحصر مهمة الباحثة في تأمين التزام الفرد في محيطه وفق ظروفه المعيشية مع مساعدته على تجاوز المشاكل استنادا على المقترحات التي تقدمها له، وذلك عن طريق المساعدة التربوية التعليمية، الصحية، وتسهيل الولوج إلى المؤسسات الاجتماعية والثقافية 1.
لذلك يبدو أن عمل المساعدة الاجتماعية يبدأ أولا بالبحث الاجتماعي الوصفي، أي أنها تقوم بالعديد من العمليات التي تساعد على الرؤية الداخلية والرؤيا الشاملة لمشكلات الأطفال المستهدفين وحاجاتهم وكيفية التدخل من أجل فهم العوامل التي أدت إلى الموقف الإشكالي 1 ، ثم ثانيا التدخل الفعلي عن طريق اتخاذ بعض الإجراءات العلاجية التي من شأنها إصلاح الآثار المترتبة عن السلوك.

واستنادا على التقرير المنجز من طرف الباحثة/ المساعدة الاجتماعية يمكن اعتماد بعض الحلول منها:
إما إرجاع الطفل العامل كخادم إلى وسطه الطبيعي إن أمكن، وذلك في حالة ما إذا كانت الأسرة بدورها تريد استرجاع طفلها إلى أحضانها، أما في حالة ما إذا تبين أن البيئة الأسرية الأصلية فيها من العوامل ما ينذر باحتمال إرجاع الطفل مجددا إلى سوق العمل، فإنه يمكن آنذاك للباحثة الاجتماعية اقتراح كفالة الطفل من طرف أسرة بديلة خاصة وأن هذا التدبير لا يتعارض مع قانون كفالة الأطفال المهملين، الذي ينحدر من أسرة فقيرة جدا لا تستطيع الوفاء بحاجات أبنائها أو أن أبويه غير قادرين على تربيته تربية حسنة شريطة أن يتم احترام الإجراءات المسطرة المضمنة في ظهير كفالة الأطفال المهملين.
أما في حالة ما إذا تعذر إرجاع الطفل إلى الأسرة الأصلية أو البديلة، فإنه يمكن للمساعدة الاجتماعية كذلك اقتراح إيداعه بأحد مؤسسات الرعاية الاجتماعية الخاصة بالطفولة، وإن اقتضى الأمر إيداعه بأحد أندية العمل الاجتماعي على أن يتم معاملتهم معاملة تمييزية عن الأطفال الأحداث.
وإذا كان موضوع الرقابة على عمل الأطفال في الخدمة المنزلية قد أثار العديد من الإشكالات، فإن ذلك يطال أيضا ضبط ورصد عمل الأحداث في قطاع الصناعة التقليدية.

المطلب الثاني: تفعيل الأحكام الخاصة بأمين الحرفة في مجال الرقابة.

إن الصناعة التقليدية كنمط إنتاج لا تتحدد فقط من خلال الأنشطة المكونة لها ، بل أيضا من خلال الشكل التنظيمي الذي تخضع له، كإطار تتم في حضنه عملية تأهيل الكفاءات المهنية التي يستخدمها هذا القطاع ويوضح لنا كيف نجح هذا النمط في ضمان إنتاج وإعادة إنتاج نفسه حيث اعتمد نظام عمله على وجود ثلاث ميكانيزمات مترابطة فيما بينها هي المحتسب 1والأمين وأهل الحرفة.
ويعتبر أمين الحرفة من أهم ركائز التنظيم الاجتماعي لقطاع الصناعة التقليدية فهو الشخص الذي يمثل الصناع التقليدين وهو ينتمي إليهم إلا أنه يمتاز عنهم بكونه ينتخب من طرفهم 2 ، حيث تمنحه تلك الصفة التمثلية التي يتمتع بها لعب ثلاث وظائف أساسية:

الأولى: تتمثل في دعم ومساندة أهل الحرفة
والثانية: التدخل من أجل حل المشاكل والنزاعات ما بين العمال وأرباب العمل وبينهم وبين السلطات المخزنية.
أما الثالثة: فتتمثل في مراقبة تعلم الحرفة والتي تعتبر العنصر المهم ، حيث يستغل حكمته وهيبته من أجل تحفيز الصناع على قبول مهمة التأطير البيداغوجي للمتعلمين المبتدئين ، كما أن النظام التعاوني لأهل الحرفة يمنح الأمين مسؤولية السهر على مراقبة وتقويم عملية التعلم هذه3.
لذلك فالأمين له صلاحيات إدارية عديدة منها الإشراف على تعلم مبادئ الصنعة من قبل الأطفال لدى سائر أهل الصنعة ، فكل من انتسب لدى نفس الحرفة يكون مرؤوسا لأمينها ويلتزم ضمنيا بأوامره في داخل حدود صنعته وفق أعرافها المعهودة1.
ويساعد الأمناء المحتسب في مزاولة مهامه ويتمتعون تحت إمرته كل منهم فيما يخص حرفته بسلطة توفيقية للعمل على أن تفض على سبيل التراضي الخلافات والنزاعات الناشئة 2 وينجزون محاضر بخصوص كل تدخل توفيقي 3.
لذلك من اللازم تفعيل هذه الأحكام العامة المؤطرة لمجال عمل الأمين، ونعتقد أنه يمكن تطوير هذه الوظيفة أكثر بجعل عملهم يخضع أيضا لسلطة مفتش الشغل خاصة وأن هذا الأخير تعترض مهامه معيقات مادية عديدة تجعله غير قادر على تغطية كل المؤسسات الصناعية والحرفية، التي تشغل إجراء خاصة إذا كانوا يعملون في قطاع غير مشمول بحماية وتأطير قانون الشغل كما هو الأمر بالنسبة للعاملين في الصناعة التقليدية الصرفة.
إلا أنه بالرغم من الجهود الإدارية الصارمة التي تعمل ضبط السلوك الاجتماعي والاقتصادي للفرد تبقى من الصعب جدا محاصرة ظاهرة عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل، لذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار باقي المحددات الاجتماعية والثقافية الأخرى التي ينبغي مجابهتها بواسطة آليات من طبيعة موحدة ومماثلة للمحدد.

الفصل الثاني:إشراك المؤسسات الاجتماعية والتربوية في مواجهة عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل

إن اعتماد نهج المقاربة الشمولية المتعددة الأبعاد، هو الخيار الوحيد المتاح، الذي من شأنه المساعدة على الحد من ظاهرة تشغيل الأطفال بصفة عامة وعملهم في القطاع غير المهيكل بصفة خاصة على اعتبار أن مثل هذه الإفرازات الاجتماعية ساهمت في إنتاجها متغيرات متعددة أهمها افتقار النسق الاجتماعي نسبيا إلى آليات الرصد والتتبع وعجز النظام التعليمي التربوي عن استيعاب كل من بلغ سن التمدرس، إضافة إلى قصور الحماية القانونية والإدارية التي سبق التطرق إليها في الفصول السابقة .
لذلك فإن مواجهة الظاهرة تستوجب إشراك مختلف المؤسسات الاجتماعية ( المبحث الأول) إضافة إلى نهج سياسة تعليمية وتكوينية للتأهيل الجيد للطفل العامل( المبحث الثاني ).

المبحث الأول: ضرورة إشراك المؤسسات الاجتماعية في مواجهة الظاهرة

إن كل محاولة لترشيد، وضبط وتقويم الاختلالات الاجتماعية لا بد وأن تأخذ بعين الاعتبار كل المؤسسات التي يتشكل منها البنيان الاجتماعي، وفي مقدمتها الأسرة التي تحتاج إلى ضرورة تمكينها من آليات التدخل الذاتي ( المطلب الأول ) وكذا أشراك المجتمع المدني في محاربة ظاهرة عمل الأطفال في القطاع غير المنظم (المطلب الثاني).

المطلب الأول: تمكين الأسرة من آليات التدخل الذاتي:

اعتبارا لوضع الامتياز، الذي تحظى به الأسرة داخل البنية الاجتماعية، فإن المنتظم الدولي قد أولى عناية خاصة لهذه الخلية الأسرية، حيث خصها ببعض الأحكام التي تدعو إلى تفريدها بالرعاية والاهتمام( الفقرة الأولى ) ، وذلك من أجل الرقي بالوضع العام، لهذه اللبنة الاجتماعية ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: دعوة المنتظم الدولي إلى أولوية التدخل عبر الأسرة:

لم تعد قواعد القانون الدولي المعاصر تقتصر على تنظيم تلك العلاقات الدولية ذات الطابع التقليدي أو السيادي، بل اتجهت إلى تنظيم مسائل اجتماعية ظلت خاضعة زمنا طويلا للاختصاص الوطني المطلق، من هذه المسائل ما يتعلق بالأسرة1.
ويرجع ذلك لأسباب عديدة ، أهمها أن تلك الرعاية تعد امتدادا طبيعيا للاتجاه المتنامي في المنتظم الدولي لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وتوطيد أركانها في الضمير العام للدول والشعوب والأفراد2 ومن الطبيعي جدا أن تمتد هذه الحماية إلى الإطار الاجتماعي الذي يحضن الأفراد ويمدهم بالمناعة اللازمة للاستمرار في الوجود بشكل سليم.
وقد تعهد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1948، على الالتزام بالمبادئ المقررة في ديباجة ونصوص ميثاق الأمم المتحدة ،وعلى الرغم من أن الإعلان يهتم بدرجة أولى بالإنسان الفرد، إلا أنه يشير صراحة إلى أن للأمومة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين 3 وأن الأسرة هي الخلية الطبيعية الأساسية في المجتمع ، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة4 خاصة الحق في مستوى معيشي مناسب لضمان الصحة والرفاهية للفرد ولأسرته 5 .
كما أكد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على ” وجوب منح الأسرة أوسع حماية ومساعدة ممكنة…أثناء قيامها بمسؤولية رعاية الأطفال القاصرين” 1 ويجب أن تمتد هذه الرعاية والدعم عند ممارسة الآباء أو الأوصياء واجباتهم في اختيار ما يرونه ملائما لأطفالهم2 لذلك فالقانون يقر مبدأ عاما يتمثل في حق الأسرة في الرعاية والعناية بها من قبل المجتمع والدولة3 وذلك من أجل قيام هذه الخلية بوظيفتها الأساسية التقليدية والمحدثة4.
وعليه فإن المشرع الدولي وهو يضع القوانين المؤطرة لحقوق الطفل استحضر بقوة الأسرة حيث اعتبر أن الطفل جزء مندمج في الأسرة وأن رعاية الطفل هي المسؤولية الأولى للأسرة والمجتمع معا، وأن على الدول احترام مسؤوليات وحقوق وواجبات الوالدين أو الأوصياء في أن يوفروا التوجيه والإرشاد الملائمين للطفل5.

وعلى نفس النهج سارت خطة العمل الملحقة بالإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه ، التي أكدت على ضرورة أن تتحمل الأسرة المسؤولية الأساسية عند رعاية الطفل وحمايته من مرحلة الطفولة المبكرة إلى مرحلة المراهقة،ويبدأ بتعريف الطفل بثقافة المجتمع وقيمه وعاداته داخل الأسرة، وينبغي من أجل تنمية شخصية الطفل تنمية كاملة ومتسقة، أن ينشأ في بيئة أسرية وفي جو من السعادة والمحبة والتفاهم ،وبناء على ذلك يجب على جميع مؤسسات المجتمع أن تحترم وتدعم الجهود التي يبذلها الآباء وغيرهم من القائمين على تقديم الرعاية من أجل تنشئة الأطفال والعناية بهم في بيئة أسرية سليمة6.
مثل هذا التصور نجد له انعكاسا في المادة السادسة من الميثاق العالمي للأسرة ،التي تنص على توفير حماية الدولة للأسرة وحقها في أن تمارس دورها الاجتماعي والسياسي في تكوين المجتمع ،وكذا دورها الاقتصادي ،وكل ذلك يطرح مسألة وضع الأسرة في مجهود التنمية الاقتصادية وفي سياسة الضمان الاجتماعي ومعالم السياسة الأسرية للدولة1.

وقد قام الاتحاد الدولي لمنظمات الأسرة ( Union International des organisation de la famille(U.I.O.F) بإعداد مشروع يعتزم عرضه للمصادقة عليه من المؤسسات الدولية والدول العالمية اعتبر الأسرة حقيقة واقعة ، لا يمكن الاستغناء عنها وهي تضطلع بمسؤوليات التربية والتكوين وبناء الاقتصاد … وعلى الجميع أن يحترمها، ويسند إليها العون ويوفر لها الظروف اللازمة لقيامها بكامل وظائفها ومسؤولياتها2 .
ومن تم فإن تقرير هذه الحقوق في الوثائق الدولية التي تأخذ شكل إعلانات، أو انتقادات، أو قرارات، صادرة عن المنظمات الدولية يدفع صانعي القرارات وأجهزة التشريع والحكم إلى مسايرة المعايير والإتجاهات الدولية من خلال اتخاذ التدابير المناسبة لحماية الأسرة، والعمل على أن تنفق نظمهم القانونية وأوضاعهم الاجتماعية مع الاتجاهات العالمية السائدة3 .
لذلك يبدو أن المشرع الدولي وهو يضع الالتزامات على كاهل الأسرة يحاول دعمها من منطلق تصور شامل يأخذ بعين الاعتبار الدعامات الاقتصادية، والاجتماعية لهذه الالتزامات1 وذلك من أجل الرقي بالوضع الاجتماعي والثقافي للأسرة خاصة تلك التي تعيش في وضعية صعية.

الفقرة الثانية: الرقي بالوضع الاجتماعي والثقافي للأسرة:

يوجد في المغرب حوالي خمسة ملايين وثلاث مائة وسبعين آلاف فقير 44 % منهم، من الأطفال يقل عمرهم عن خمسة عشرة سنة2 66% من مجموع الفقراء يستوطنون العالم القروي3 كما أن 96 % من الأطفال العاملين يعيشون ضمن عائلات تعاني من ظروف الحياة الصعبة4 ،حيث ساهمت في تكريس هذا الوضع العديد من المحددات بعضها طبيعي والآخر سياسي والآخر يرجع إلى سوء التخطيط الاقتصادي والاجتماعي .. التي أفرزت بعض المعضلات الاجتماعية التي عرقلت العملية التنموية التي تطمح إليها الدولة.
وتبقى البطالة5 أهم مظهر مجسد لفشل السياسات التنموية المتعاقبة حيث تشكل بحكم وزنها الكمي وطبيعتها الدائمة المشكلة الاجتماعية الأكثر حدة حيث ساهمت فعليا في تزايد رقعة الفقر المطلق

والتهميش الاجتماعي1 .

وقد بلغ معدل البطالة نسبة 18.4 % عام2000 2 ثم ارتفع إلى 19.3 % سنة 20023 لينخفض بنسبة ضعيفة جدا سنة 2003 ليصل إلى 18.3% 4 غير أن هذا المعطى يتضاعف إلى أربع مرات عندما يتعلق الأمر بأسر الأطفال العاملين، حيث يتبين أن 81% من أمهات الأحداث المشتغلين لا يمارسن أي عمل مأجور، وأن 75% من آبائهم إما عاطلون أو يمارسون عملا غير قار5 ،الأمر الذي يدفع بحوالي 80% من الأطفال إلى ولوج ميدان العمل من أجل الحصول على مصدر لعيش أسرهم6 .
لذلك يبدو واضحا أن بطالة الآباء عامل أساسي لتشغيل الأطفال التي تستوجب لدواعي التعايش الاجتماعي السليم والتكافل والتآزر.. البحث عن حلول عادلة وشاملة لمعظلة البطالة داخل المجتمع المغربي ولا ينبغي أن تقتصر المعركة ضد هذه الآفة في الحفاظ على مناصب العمل الموجودة وخلق مناصب عمل جديدة بل يتعين منح تعويضات البطالة لضمان لقمة العيش إلى حين إيجاد عمل يتناسب ومقدرة العاطلين وتكوينهم.

لذلك ندعو المشرع المغربي إلى ضرورة التدخل من أجل التأمين ضد خطر البطالة1 وذلك لسببين أساسين:
الأول: يرجع إلى ضرورة أن تتحمل الدولة مسؤوليتها في تهميش الجوانب الاجتماعية، خاصة ما يتعلق بالتشغيل حيث يتبين من مختلف الميزانيات العامة منذ سنة 1983 انخفاض الغلاف المالي المخصص للتشغيل بحوالي 44% ولا يعقل أن يتحمل المواطنون والأسر، وبالتالي الأطفال آثار السياسات المالية للحكومة المغربية.

أما السبب الثاني يرجع إلى ضرورة أن يلتزم المغرب بمقتضيات الاتفاقية الدولية رقم 2 الصادرة سنة 1916 المتعلقة بالبطالة والتي صادق عليها في14 أكتوبر 1960. وكذا الاتفاقية رقم 44 الصادرة سنة 1934. والتي توجب توفير الحد الأدنى من التعويض على خطر البطالة والتخفيف من آثارها على العامل وأسرته على اعتبار أن التأمين على البطالة ذو طابع اقتصادي يهدف بالأساس إلى دعم القدرة الشرائية ودفع عجلة التنمية2.
إضافة إلى دعم الشعور بالارتباط بالمجتمع والابتعاد عن كثير من مز الق الانحراف الاجتماعي، وفي ذلك تلائم وتماسك بين أفراد المجتمع، وهذا التضامن من أهم الغايات التي تسعى إليها فلسفة التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يقوم عليها الضمان الاجتماعي1.

إلا أنه لا ينبغي أن يقتصر عمل الدولة على مجرد الدعم المالي والاقتصادي لأسر الأطفال العاملين وإنما لا بد من شمول تلك العناية للجوانب الاعتبارية للأسرة خاصة الجانب الثقافي حيث يتضح أن 80.2 % من الأسر التي تدفع بأبنائها إلى سوق العمل تعاني من آفة الأمية2 ،وهذا الواقع يساهم إلى حد كبير في تشكيل قرار عمل الأطفال بدل خيارات أخرى متاحة للأسرة، لذلك يبدو أن مجالات تدخل الدولة متنوعة ، الأمر الذي يعدد من مسؤولياتها مما يستوجب ضرورة إشراك مؤسسات المجتمع المدني في مواجهة مختلف الظواهر الاجتماعية، خاصة ما يتعلق بتشغيل الأطفال.

المطلب الثاني: إشراك المجتمع المدني في مواجهة ظاهرة تشغيل الأطفال

من أجل تطويق ظاهرة عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل لا بد من إتاحة الفرصة لمتدخلين من غير الأجهزة الرسمية في إطار الشراكة المنتجة ،سواء مع الفاعلين الدوليين قصد الاستفادة من خبراتهم في هذا المجال ( الفقرة الأولى) أو مع فعاليات المجتمع المدني الوطني ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الاستعانة بخبرات المؤسسات المدنية الدولية المهتمة بالطفل.

لقد حاول المنتظم الدولي تكريس التعاون وتأمين التنمية وإزالة العقبات التي تعترضها1 ،وذلك بوضع سياسات إنمائية دولية ملائمة بغية تيسير إعمال الحق في التنمية إعمالا تاما2 ،حيث أوجد مجموعة من الوكالات المانحة للمساعدات3 وكذلك بعض المؤسسات ذات الأهداف الإنسانية والاجتماعية.
فمن خلال مقتضيات اتفاقية حقوق الطفل نجد نصوصا عديدة تشجع على التعاون الدولي لحماية الطفولة ورعايتها وتدعو إلى اتخاذ تدابير على المستوى الدولي لتحقيق هذا الغرض ،وذلك من أجل تحسين ظروف معيشة الأطفال في كل بلد ولا سيما في البلدان النامية4 ،خاصة التعاون لضمان الاستفادة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية5 ،وكذا الحصول على المعلومات والمواد من المصادر الوطنية والدولية عن طريق تشجيع التعاون الدولي في إنتاج وتبادل ونشر هذه المعلومات من شتى المصادر الثقافية6
ولدعم وتنفيذ الاتفاقية بشكل فعال وتشجيع التعاون الدولي في مجال حماية الطفولة تنص المادة 45 من اتفاقية حقوق الطفل على حق الوكالات المتخصصة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة وغيرها من أجهزة الأمم المتحدة في أن تكون ممثلة في اللجنة الدولية المعنية بحقوق الطفل لدى النظر في تنفيذ ما يدخل في نطاق ولايتها من أحكام الاتفاقية كما يجوز للجنة دعوة الوكالات المتخصصة والهيئات الدولية الأخرى تقديم مشورتها بشأن تنفيذ الاتفاقية وتقديم تقارير المجالات التي تدخل في نطاق أنشطتها1.
كما أخدت الأمم المتحدة على عاتقها ، تمكين الأطفال من ممارسة حقوقهم وتغذية طاقاتهم وقدراتهم حتى يتمكنوا من المشاركة بكيفية فعالة في تشكيل بيئتهم ومجتمعاتهم والعالم الذي سيرثونه ،وقد خصت الأطفال المحرومين الذين يعيشون وضعية صعبة بعناية متميزة حيث خصتهم بدعم استثنائي من أجل الحصول على خدمات أساسية عن طريق وضع وتنفيذ برامج تعزز مكانة الأطفال عن طريق إشراك الأسر والمؤسسات التعليمية التربوية ، والمنظمات غير الحكومية والمنظمات المجتمعية لتيسير مشاركة المجتمع المدني في كل المسائل التي تتعلق بالأطفال من أجل تشجيع ودعم ورصد السلوك الايجابي، وخلق بيئة مواتية لرفاه الأطفال2.

أما بخصوص منظمة العمل الدولية فإنها قد أطلقت منذ سنة 1992 برنامجا يهدف القضاء التدريجي على عمل الأطفال ( IPEC) يعتمد على استراتيجية متعددة مجالات التدخل، وتدريجية المراحل، تقوم على تقديم الدعم للمنظمات الشريكة من أجل وضع وتنفيذ تدابير ترمي إلى منع عمل الأطفال وانتشالهم من الأعمال المحفوفة بالمخاطر ،وتوفير الحلول البديلة، وتحسين ظروف العمل بوصف ذلك تدبيرا انتقاليا على طريق القضاء على عمل الأطفال3.
أما على المستوى الوطني، فإنه قد عمدت كتابة الدولة المكلفة بالرعاية الاجتماعية للأسرة والطفولة إلى عقد شراكة مع مكتب العمل الدولي منذ سنة 1997 و 1998 حيث قام بمهتمين في المغرب من أجل إبداء الخبرة قبل بداية أي عملية لصالح الأطفال العاملين1 ،حيث تمت صياغة برنامجا وطنيا وقطاعيا حول تشغيل الأطفال، ساهمت في إعداده القطاعات الحكومية، والمنظمات المهنية للمشغلين، والعمال والمنظمات غير الحكومية، إضافة إلى الحكومة الفرنسية، التي مولت المشروع ، وقد تضمن هذا الأخير إنجاز عدة برامج تكوينية استفادت منها سبع مجموعات متعددة الاختصاصات تم تنظيمها على ثلاث مراحل ،إضافة إلى إنجاز بحوث ميدانية في سبع مدن مغربية خلال سنة 1999 ، همت ثلاث آلاف وخمس مائة طفل معظمهم يشتغلون في قطاعات إنتاجية مختلفة وتتجلى أهداف هذا المشروع في

• معرفة حقيقة واقع تشغيل الأطفال.
• تحسين ظروف عمل الأطفال الأجراء.
• منع تشغيل الأطفال في الأعمال الخطيرة والأماكن الصحية.
• العمل على الحد من تشغيل الأطفال من خلال تنفيذ برامج تستهدف القضاء على هذه الظاهرة بكيفية تدريجية على المدى الطويل2.

أما بالنسبة لليونسيف ( UNICEF) فإنها قد استجابت لطلب الحكومة المغربية التي رغبت في المساعدة حيث قامت بتمويل دراسة حول ” الأطفال في الشغل: حالة المغرب نموذجا ” وندوة حول الطفولة المحرومة3 ،ثم بعد ذلك في 2001 قامت بدراسة حول الخادمات صغار السن4 ، وفي سنة 2004 قامت بالعديد من الدراسات همت بالأساس الأطفال العاملين في قطاع الصناعة التقليدية1 إضافة إلى بعض الدراسات الأخرى التي تخص تشغيل الأطفال بصفة عامة بشراكة مع بعض الفعاليات الوطنية أو الدولية2.
كما تصدت منظمات دولية إقليمية لبعض جوانب هذه المشكلة ، مثل اعتماد لجنة وزراء أوروبا التوصية رقم 11/1991 فيما يتعلق بالاستغلال الجنسي للأطفال ،وتشغيلهم في الأعمال الإباحية والدعارة والاتجار بهم3، إضافة إلى المجلس العربي للطفولة والتنمية الذي أعطى الأولوية لمشكلة عمالة الأطفال ترجمت في عقد مؤتمر عربي إقليمي للحد من الظاهرة،آخذا بعين الاعتبار الخصائص المحلية لكل قطر والظروف التي تعانيها المنطقة، مستحضرا الصعوبات التي تحول دون رصد دقيق لحجم الظاهرة ،ومن أجل ذلك خرج المؤتمر بالعديد من التوصيات أهمها الدعوة إلى إنتاج بيانات ومعلومات حديثة عن انتشار عمل الأطفال في البلدان العربية وخصائصه مع توحيد التعريفات والإجراءات 4.
إلا أنه لا ينبغي أن يقتصر الأمر على مجرد المؤسسات الدولية أو الإقليمية وإنما لا بد من إشراك فعاليات المجتمع المدني الوطني والمحلي.

الفقرة الثانية: الشراكة مع المجتمع المدني الوطني:

من المؤكد أن قضية حقوق الطفل بشكل عام والطفل ضحية الاستقلال الاقتصادي بوجه خاص ، أكبر من أي مشروع حكومي ، أو برنامج وزاري ذلك أن قضية هذه الحقوق قضية كل إنسان1 وكل قدرة مؤسسة ،حيث أكدت الاتفاقية رقم 182 على ضرورة التزام الدول الأعضاء بتصميم وتنفيذ برامج عمل من أجل القضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال ، وذلك بالتشاور مع المؤسسات الحكومية المختصة ، ومنظمات أصحاب العمل والعمال ، مع أخد وجهات نظر المجموعات المعنية الأخرى بعين الاعتبار2.
ويعتبر المرصد الوطني لحقوق الطفل، من أوائل المتدخلين لحماية الأطفال الذين يوجدون في وضعية حرجة لذلك فإنه تدخل بعد توجيه من جلالة الملك محمد السادس 3 الذي دعى إلى أهمية معالجة موضوع ” معاملة الأطفال واستغلالهم” من أجل إيجاد الحلول الكفيلة بمحاربة جميع أشكال الاستغلال ووضع إستراتيجية متكاملة حرص على إنجازها أخصائيين قانونيين وحقوقيين وأطباء وإعلاميين على امتداد عدة أسابيع ، حيث تداولوا عناصر الإستراتيجية في مستوياتها الأربع : الإعلامية، الصحية، القانونية، الاجتماعية، التربوية، وكذا تحديد مراحل إنجازها على المدى القصير والمتوسط وترتكز هذه الإستراتيجية على:

• تحيين وتقوية التدابير والإجراءات والمساطر الإدارية والقضائية الكفيلة بتوفير التدخل المستعجل لفائدة الأطفال وإعادة تأهيلهم .
• إحداث شبكة للخدمات ووضع نظام لجمع وتصنيف وتوثيق حالات الأطفال ضحايا الاستغلال والاعتداء.
• وضع برنامج تحسيسي على قاعدة ثقافة حقوق الطفل متدرج ومستمر يتوجه إلى كل المتدخلين من أسر ومربين ومكلفين بتطبيق القوانين وتنفيذها وأطباء يهدف إلى التعريف بهذه الظاهرة وسبل معالجتها على المستوى الوقائي أو الحمائي بغاية الحد من آثارها السلبية على الأطفال ومستقبلهم 1.

واستمرارا على نفس النهج عمل المرصد الوطني لحقوق الطفل بشراكة مع كتابة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة والأشخاص المعاقين، على إعداد ” خطة العمل الوطنية : من أجل المغرب جدير بأطفاله 2005-2015 ” تتأسس على عشر مبادئ2 وترتكز مراحل إعداد الخطة على منهجية تشاركية تدمج كل الفاعلين من جمعيات وطنية ،وهيئات مهتمة بالطفولة ،ومنظمات دولية والأطفال3.
كما يمكن أن تدرج في هذا الإطار مجهودات بعض الجمعيات كجمعية ” ADROS 1 من خلال مشروع أدرس الذي يحاول تقديم نموذج حول كيفية التدخل من أجل المساهمة في تخفيف عناء الأطفال العاملين ،ويمول هذا المشروع من طرف وزارة الشغل الأمريكية وهو ينخرط في إطار ما يسمى ” بمبادرة التربية” وتكمن فلسفة المشروع في كون التربية والتكوين أحسن وسيلة لمحاربة تشغيل الأطفال، حيث أنه كلما أعطيت الفرصة للطفل لولوج فضاءات الدراسة ولو لزمن قصير كل يوم ، كلما انخفضت المدة التي يقضيها في الشغل ، لذلك فالحل الأمثل هو فصله نهائيا عن الشغل وولوجه المدرسة بشكل منتظم.
ومن أجل تركيز جهوده اختار المشروع أن يستهدف أكثر خادمات البيوت والأطفال المشغلين في قطاعات الميكانيك ،والصناعة التقليدية ،والحديد، في مدن الرباط وسلا و تمارة والدار البيضاء ومراكش ،وكذا المناطق القروية وشبه الحضرية ،التي تزود تلك المدن بالأطفال العاملين.

و يرتكز المشروع على أربع محاور هي:
1. التحسيس والتوعية، ويستهدف المشغلين والآباء والأطفال والممدرسين وتتلخص أهداف المشروع في هذا الإطار في توعية هذه الفئات بضرورة تغيير مواقفهم وسلوكا تهم فيما يتعلق بتشغيل الأطفال وكذا محاربة الانقطاع عن المدرسة وصيانة حقوق الأطفال.
2. خلق الفرص للأطفال من أجل ولوج أقسام التربية غير النظامية والتكوين المهني، ويتم ذلك في إطار شراكات مع عدد من الجمعيات الفاعلة في المدن التي يتدخل فيها المشروع.
3. التعبئة الاجتماعية في المناطق القروية والشبه حضرية ” المصدرة” لخدم البيوت من أجل الوقاية ودعم تمدرس الأطفال.
4. المرافعة من أجل حث الحكومة على تفعيل قانون إجبارية التعليم وتطبيق القانون الذي يحرم تشغيل الأطفال ما دون سن الخامسة عشرة، وإخراج قانون خدم البيوت إلى الوجود، ورصد ميزانية من أجل أجرأة الخطة الوطنية لمحاربة تشغيل الأطفال1.
كما تضمن مشروع “أدرس” خطة عمل من 2003 إلى 2007 استلهمت مبادئها من خلال الأهداف المحددة سابقا وتتمثل في:
– القيام بحملة تحسيس على المستوى الوطني.
– وضع برامج التعبئة الاجتماعية
– حصر المناطق المصدرة للظاهرة
– خلق ثلاثة مراكز للاستقبال خادمات البيوت في وضعية صعبة.
– تقديم بدائل مستديمة لممارسات تشغيل الأطفال.
– التنسيق مع برامج التنمية كبرامج محاربة الفقر وغيرها من أجل دفعها لتغطية المناطق المستهدفة.
– العمل مع وزارة التربية الوطنية والشباب من أجل تجاوز العوائق التي تحول دون ولوج الفتيات القرويات إلى المدرسة.
– خلق مناسبات للنقاش والتحاور بين الشركاء ،كالجمعيات، الفاعلين المحليين، السلطات المحلية والمنتخبين…، في المدن والمناطق المستهدفة 2.

كما قامت بعض الجمعيات في إطار إستراتيجية البرنامج الدولي EPEC/MAROC ببعض المنجزات المهمة نوردها باختصار شديد 1.
– برنامج مندمج لمحاربة تشغيل الأطفال بعمالة الخنيفرة، أشرفت عليه جمعية ” واد أسر” يعتني ب 250 طفل مهددون بالتسرب المدرسي، أو عاملون، ووضع حد لتشغيل 61 طفل.
– برنامج وطني للتوعية والتحسين بالأعمال الخطيرة للأطفال أشرفت عليه جمعية ” آفاق ” .
– برنامج محاربة تشغيل الأطفال في حي “ابيات” بسلا، من طرف الجمعية المغربية لمساعدة الأطفال في وضعية صعبة (AMESIP) يستهدف 2100 طفل عامل.
لذلك يبدو أن دور المجتمع المدني سواء الوطني أو الدولي له أهميته الجلية ،حيث يساهم عمليا في التحسيس والرصد والتتبع والمعالجة للآثار الناجمة عن هذه الآفة الاجتماعية ،إلا أنه لن تكتمل هده الجهود إلا إذا تم تفعيل دور المؤسسات التعليمية التربوية من أجل إعداد جيل مؤهل لولوج عالم الشغل وهو مزود بكل المعارف العلمية والتقنية المناسبة.

المبحث الثاني: نهج سياسة تعليمية وتكوينية للتأهيل الجيد للطفل.

ينبغي أن يصحب سحب الأطفال من العمل، دائرة كبيرة من تدابير الدعم، المرتكزة على التعليم ( المطلب الأول) والتأهيل المهني الجيد ( المطلب الثاني ) .

المطلب الأول: تعميم التعليم: مدخل أول لمواجهة عمل الأطفال.

ما يميز عالمنا في الحاضر، إلى جانب شارع الزمن والتاريخ، وضيق الزمان والمكان، مرور المجتمعات من هاجس الإنتاج إلى هاجس المعرفة، وارتفاع قيمة الموارد البشرية المؤهلة في معركة التنافسية بغرض تحقيق أكبر فرص الانخراط في العولمة 1 ،وأيضا في مواجهة الظواهر الشاذة في المجتمع.
ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بتعميم التعليم( الفقرة الأولى) والقضاء على كل أسباب الهدر المدرسي ( الفقرة الثانية ) على اعتبار أن هذين الاجرائين وظيفتهما الأساسية تكمن في الوقاية من ولوج سوق الشغل في سن مبكرة.

الفقرة الأولى: تفعيل مبدأ تعميم التعليم:

إن الحاجة للتعليم تعتبر ضرورة يومية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والحضارية لأية أمة تريد لنفسها الخروج من نفق التخلف المظلم إلى فضاء التقدم الواسع المميز، وبالتالي التخفيف من حدة الهوة بين العالمين الأول والثالث، على اعتبار أن التعليم هو أحد آليات التدخل لتقويم الوضعية المتردية للمجتمع.
ويعد تشغيل الأطفال من أكثر الوضعيات الاجتماعية المثيرة للقلق والشعور العام، لذلك عمد المنتظم الدولي على التأكيد على التعليم وربطه بعمل الأحداث ،حيث نصت الاتفاقية رقم 138 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام ، على أنه لا يجوز أن يكون الحد الأدنى للسن المقررة للاستخدام أدنى من سن إنهاء الدراسة الإلزامية، ولا يجوز في أي حال أن يقل عن خمسة عشرة سنة2.
كما نجد أن مختلف الاتفاقيات والعهود الدولية ، حبلى بالنصوص الخاصة التي تؤكد على التعليم المؤسس على مبادئ المجانية والتعميم والإلزام، حيث نصت جميعا على أنه لكل شخص الحق في التعليم ويجب أن يكون مجانا، علىأن يكون التعليم الأولي إلزاميا1 ومتاحا للجميع بمختلف أشكاله2 كما منعت التمييز على أي أساس يمكن أن ينشأ عنه إلغاء المساواة في المعاملة في مجال التعليم أو الإخلال بها، كما ألزمت الدول الأطراف وضع وتطوير سياسة وطنية تستهدف دعم تكافؤ الفرص للاستفادة من التعليم، وذلك بجعله التعليم الابتدائي مجانيا وإجباريا، وجعل باقي المستويات الأخرى متوفرة وسهلة الولوج3 .
إضافة إلى ذلك شكلت اتفاقية حقوق الطفل دعما مهما للنظام القانوني الدولي الداعم لحق التعليم، عندما أكدت على ضرورة اعتراف الدول الأطراف بالتعليم كحق، وجعله إلزاميا ومجانيا ومتاحا للجميع، وتشجيع وتطوير شتى أشكال التعليم 4 وبمنع وحماية الأطفال من أداء أي عمل يمثل عائقا لتعليمهم5.

وهذا الاهتمام الدولي لم يأت من فراغ وإنما يرجع ذلك إلى أمرين:
الأول: دور التعليم في تقوية شخصية الطفل وتكوينها ومنحها فرصا إضافية لاختيار مستقبل أفضل بدل الارتماء في أحضان ورشة ،أو التسكع في الشوارع وممارسة أحد مهنه ، أو غيرها من المظاهر غير الصحية.
الثاني: يرجع إلى ما تعانيه طفولة العالم من حرمانها من حقها في التعليم، حيث بلغ عدد الأطفال البالغين سن التمدرس ولم يتمكنوا من ولوج المدرسة حوالي 121 مليون طفل، يبلغ عدد الفتيات 65 مليون من مجموع هؤلاء الأطفال، الأمر الذي دفع ببعض المؤسسات الدولية إلى التدخل، منها اليونسيف التي أطلقت حملة دولية لتعليم الفتاة بين الفترة الزمنية المتراوحة بن 25 دجنبر 2003 إلى غاية 2005، حيث ركزت نشاطها في الدول التي يعرف تعليم الفتاة فيها بعض المشاكل 1.
أما بالنسبة للمغرب فإنه قد شكل تعميم التعليم هاجسا حقيقيا للحكومات المتعاقبة في مختلف المراحل التاريخية للمغرب الحديث2 حيث كان وما يزال يسعى إلى ضرورة جعل التطور المجتمعي يمر وجوبا عبر المحيط المدرسي متنقلا بين مختلف فصوله3 ،إلا أن الطموح لم يتحقق لأسباب عديدة4 فكانت النتيجة جيوشا من الأميين، يتضخم رقمها سنة بعد أخرى.
لذلك شهد المغرب في القرن العشرين، وخاصة في عقده الأخير حركية تشريعية مسترسلة تكرس الحق في التعليم 1 وجعله إلزاميا ومجانيا، ويأتي على رأس هذه الترسانة القانونية الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي جعل التعليم إلزاميا ابتداء من السنة السادسة من عمر الطفل إلى نهاية السنة الخامسة عشر من عمره 2 وبذلك يقصد بمبدأ الإلزامية من منظور القانون المغربي ، أن يلزم النشئ بالالتحاق بالمؤسسة التعليمية ابتداء من السنة السادسة. وحتى سن الخامسة عشر، لا يجوز التوقف خلالها عن متابعة التعليم حيث تنعدم حريتهم في عدم التعلم وفي الامتناع عن الاستمرار في التعليم 3.

كما تلزم الدولة بموجب هذا القانون ضمان مجانية التعليم في المدارس العمومية، وفي نفس الوقت إلزام الوالدين والأوصياء بضرورة تسجيل أبنائهم أو أوصيائهم وبالحرص على استمرار تعليمهم إلى غاية خمسة عشر سنة.
وفي هذا الإطار أصدرت الوزارة الوصية المرسوم رقم 62 بتاريخ 21 غشت 2000 دعت فيه كل المصالح الخارجية إلى الالتزام بالمعايير القانونية المحددة من أجل إنجاح وفعالية وتعميم التعليم وخاصة على مستوى تسيير وتبسيط المساطر الإدارية لتسجيل الأطفال في السنة الأولى من التعليم الأساسي.

ومن أجل ضمان استمرار الطفل في التعليم إلى غاية السن الإلزامي، فإن الوزارة الوصية عدلت قرار وزير التربية الوطنية رقم 93- 1001 . الصادر في 18 أبريل 1994 الذي كان لا يسمح بالرسوب إلا مرتين خلال السلك الأول من التعليم الأساسي، ومرة واحدة خلال السلك الثاني أساسي، أو مرتين في حالة عدم رسوب التلميذ خلال السلك الأول، وذلك بموجب القرار رقم 98 – 1896 بتاريخ 24 دجنبر 1998 الذي يسمح بالتكرار ثلاث مرات خلال مرحلة التعليم الأساسي لمن لم يبلغوا سن خمسة عشرة سنة، وحتى في حالة ما إذا كرر التلميذ للمرة الثالثة فإنه يمكنه الاستمرار في التعليم إذا ما رأى مجلس الأساتذة الفائدة في ذلك.
إضافة إلى ذلك فإن الميثاق الوطني حدد برنامجا زمنيا مؤ طر بمبادئ تحدد مجالات التدخل على المستوى التعليمي التربوي.
فأما البرنامج الزمني فهو يركز على التعليم الأساسي، والثانوي حيث قلص من سن التسجيل في المدارس العمومية إلى ست سنوات بدل سبع، لكل الأطفال دون استثناء ابتداء من سنة 2002 وفي نفس الآن أتاح الفرصة للتعليم الأولي ابتداء من سنة 2004، كما دعى إلى تحقيق نسبة الاستفادة من التعليم الأساسي إلى 90% سنة 2005 بالنسبة للسلك الأول وكذا 80 % سنة 2008 بالنسبة للسك الثاني.

وكذلك الأمر بالنسبة للتعليم الثانوي، حيث انه تم تقرير تعميم الاستفادة لحوالي 60% من التلاميذ، على أن يحصل على شهادة التعليم الثانوي 40 % في أفق 2001.
أما بالنسبة للمبادئ المؤطرة للميثاق الوطني فهي محددة في سنة:
– تعميم التعليم ولاءمته مع المحيط الاقتصادي.
– التنظيم البيداغوجي المحكم.
ما يكفي لمحو صفة الأمية عنهن1 ، وإجمالا فإنه يوجد حوالي 600000 طفل يتراوح عمرهم في سبع وأربعة عشرة سنة يبقون خارج المدرسة2 .
كما يبدو من خلال المؤشرات العامة حول فئة العاملين في القطاع غير المهيكل، أن نسبة مهمة جدا منهم يمكن وصفهم بالأمين وبلغ عددهم 1336480، 54% منهم غادروا المدرسة مبكرا، يوجد 61.5% في العالم القروي و 57.8% من الرجال3.
وتتعدد أسباب الهدر المدرسي إلا أنه يمكن إجمالها في:
1 – ضعف البنية التحتية: حيث نجد أن ربع التجمعات السكنية القروية غير مجهزة بمدارس تعليمية ابتدائية 5 ، إضافة إلى المساكن المعزولة أو الأسر التي تعيش نظام الترحال الدائم لأسباب البحث عن المرتع الخصب لمواشيها.
وحتى في حالة وجود المدرسة بالقرب من المسكن فإنه عادة ما تعاني من الضغط الذي يشكله الوافدون الجدد، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع نسبة التلاميذ في القسم الواحد حيث تبرز مشكلات وعوائق تربوية خاصة على مستوى التواصل داخل الفصل الدراسي ،وبالتالي التأثير سلبا على التأطير التربوي الجيد والأداء التعليمي الفعال.
ويشكل البعد عن المدرسة أحد أهم عوامل الهذر المدرسي، حيث نجد أن 20.5% من خادمات المنازل لم يستمرن في التعليم لهذا السبب 1 إذ عادة ما يتطلب قطع المسافة بين البيت بالنسبة ل
– تحسين جودة التعليم.
– العنصر البشري المؤهل.
– الحكامة الرشيدة.
– الشراكة والتمويل.

وعموما فإنه لم يسجل سنة 2000 إلا مليون وثلاث مائة طفل، يتراوح عمرهم بين سبع و أربعة عشرة سنة، ومن المثير للانتباه أن أعلى النسب المسجلة في صفوف الأطفال الذين أعيد دمجهم في النظام التربوي همت الأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل، حيث نجد أن 61 % من الأطفال العاملين في قطاع النسيج والزرابي تم إدماجهم في المدرسة، إضافة إلى 59 %من العاملين في قطاع الفلاحة، و 41 % بالنسبة للأطفال العاملين في ورشات إصلاح السيارات، و 8.5 % بالنسبة للأطفال العاملين في التجارة2.
إلا أنه على الرغم من تلك المجهودات المبذولة فإنه مازال أمام الجهات المعنية الكثير من العمل من أجل تجاوز أسباب الهذر المدرسي، التي تعد من أهم معيقات النظام التعليمي التربوي في المغرب.

الفقرة الثانية: تجاوز أسباب الهذر المدرسي

تشير الإحصاءات الوطنية أن 88.6% من الأطفال العاملين في صناعة الزرابي التقليدية لم يتجاوزوا مستو ى السنة الثالثة من التعليم الابتدائي في أحسن الأحوال كما أن 69 % منهم لم يلجوا المدرسة قط 1 إضافة إلى أن 82.2 % من خادمات المنازل اللواتي يقل سنهن عن 18 سنة لم يتلقين من التعليم 22% من الأطفال مدة ساعتين حسب وسيلة النقل المستعملة، وكذلك المسافات الواجب قطعها وحالة الطرق والممرات والحمولات الواجب نقلها، أضف إلى ذلك احتمال التعرض لحوادث السير ولاعتداءات الغير 2.
2 – غياب المرافقة والدعم النفسي للطفل خاصة عند الانتقال من محيطه الأسري الضيق إلى المحيط التعليمي الواسع، وكذلك عند تغيير المؤسسة التعليمية، حيث يجد صعوبة في الاندماج في هذا المناخ الجماعي الجديد 3 اد يلاحظ أن نسبة التسرب المدرسي ترتفع خلال السنوات الثلاث الأولى4 .
3 – الفشل الدراسي حيث تبين أن هذا العامل كان السبب في ترك 18.9 % من الفتيات للمدرسة، في حين بلغ لدى الذكور 52.6% 5.
4 – إشكالية محدودية دخل الأسرة وارتفاع تكلفة التمدرس إذ نمثل 84.5%من عوائق التمدرس، و 81.5 % من أسباب الانقطاع6،ويعاني من هذا الإشكال الفتيات بنسبة 66% في مقابل 43.3% بالنسبة للذكور 7.

5 – 25% من الأطفال الذين يغادرون المدرسة يرجع لأسباب بيداغوجية 1 حيث أن أول مشكل تعاني منه المؤسسات التعليمية ينبع من عجز هذه الأخيرة عن تكييف نفسها مع واقع الحياة الموجودة خارج أسوارها 2 ولتجاوز هذه الأسباب مجتمعة لا بد من البحث عن حلول ناجعة تعالج المسألة التربوية التعليمية من أجل تحقيق مغرب بدون أمية 3 ;ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بإيجاد بنية تحتية ملائمة تستجيب لحاجات وانتظارات المجتمع المغربي، إضافة إلى توفير الأطر التربوية باعتبارها وسيلة المدرسة في تحقيق أهدافها ، وبشكل خاص يجب التركيز على أمرين أساسين:
الأول: يتمثل في تقديم المساعدات المادية للطفل والأسرة المعوزة، من أجل تسجيل أبنائها في مختلف المؤسسات التعليمية الوطنية، وقد بلغت سنة 2004 قيمة المساعدات الرسمية ما يناهز 14 مليون درهم، تم بموجبها اقتناء الأدوات المدرسية لفائدة الأطفال خاصة أطفال القرى، حيث بلغ العدد الإجمالي للمستفيدين 230000 طفل ممن سجلوا في السنة الأولى من التعليم الأساسي الابتدائي4.
غير أن التطبيق السائد في المغرب لتقديم المعونات مشوب بالقصور حيث نجد أن التقديمات المحفزة على التعليم تمنح للطفل مباشرة ، دون الأخذ بعين الاعتبار المحيط الأصلي أو الخاص للطفل الذي يعيش فيه ،والذي يحتاج بدوره إلى تأهيل اقتصادي وثقافي مدعم للعملية التربوية والتعليمية بدل الخيارات الأخرى المتاحة،خاصة الدفع بهم إلى سوق الشغل .
بل إن تلك التقديمات غالبا ما تكون موسمية 1 وحتى في حالة ما إذا اتسمت بالديمومة المواكبة لفترة التعليم كما هو الشأن بالنسبة لتقديم التغذية للأطفال المتمدرسين فإنه عادة ما يطال تلك المساعدات خر وقات عديدة2.
أما الأمر الثاني فيتمثل في تفعيل مبدأ ” الشراكة” المقرر في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، حيث تم في إطاره عقد شركات متعددة مع فاعلين دوليين ووطنين. ويمكن أن نشير على سبيل المثال الاتفاق المبرم مع مؤسسة اليونسف. الذي تم بموجبه إعادة دمج 102 طفل عامل في قطاع الصناعة التقليدية بمدينة فاس في النظام التعليمي الرسمي، سنة 2002 وقد ارتفع هذا العدد إلى 184 في السنة الموالية، إضافة إلى 47 طفل عامل تم دمجهم في إطار التربية غير النظامية ،وذلك تنفيذا لعقد الشراكة الذي نص على منح فرص التعليم النظامي لفائدة 500 طفل عامل في الصناعة التقليدية بمدينة فاس خلال الفترة الممتدة بين 2002 و2006 3 .
أضف إلى ذلك 6500 طفل عامل تم دمجهم في التعليم النظامي في إطار برنامج”أدرس”4وكذلك 3500 من الأطفال العاملين في الو رشات الحرفية الدين استفادوا من برنامج محاربة تشغيل الأطفال الذي اعتمدته النقابة الوطنية للتعليم بشراكة مع النقابة العامة للتعليم الهولندية1.

أما بخصوص الأطفال العاملين الذين لا يمكنهم الاستفادة من خدمات التعليم النظامي بحكم سنهم، فإنه يمكنهم أن يدمجوا في إطار التربية غير النظامية، من أجل استدراك ما فاتهم، خاصة وأن الوزارة الوصية قد أطلقت حملة وطنية للتعليم غير النظامي منذ سنة 1997، حيث استفاد من هذه العملية حوالي 113545 طفل إلى غاية سنة 20042 وقد تم تدعيم هذه المبادرة بمجموعة من الإجراءات التحسيسية بأهمية التعليم3.
لذلك فإن العلاقة بين التعليم وبين عمل الأطفال علاقة وثيقة ومعقدة في نفس الآن، إلا انه قد لا تنجح الحلول الواضحة دائما، وفي بعض الحالات قد يكون للحلول الظاهرة أثر مضلل فالنواقص التي يعاني منها نظام التعليم العام يمكن أن تؤدي إلى تشجيع تدفق الأطفال إلى مكان العمل4. إذ لا يكفي مجرد توفير المدارس ودعم السياسات التعليمية، وإنما لا بد من خلق بديل احتياطي يمتص المتسربين من المؤسسات التعليمية، وإعادة دمجهم في محيط جديد يؤهلهم مهنيا لولوج الحياة الاجتماعية والاقتصادية دون أي مركب نقص.

المطلب الثاني: توفير خدمات التوجيه والتدريب المهنيين للطفل.

اهتم المنتظم الدولي بقضايا التوجيه والتدريب المهنيين غاية الاهتمام، حيث أوجب على الدول اتخاذ تدابير تهدف إلى تأمين الممارسة الكاملة للحق في العمل، منها توفير برامج التوجيه والتدريب التقنين والمهنيين والأخذ بسياسات وتقنيات من شأنها تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية مطردة، وعمالة كاملة ومنتجة1 .
لذلك على الدولة والمجتمع أن يتيحا إمكانات التوجيه والتدريب المهني للجميع باعتباره التزاما يخص حقا من حقوق الإنسان المتمثل في الحق في العمل في ظروف مناسبة تضمن للأجير تطوير كفاءته، في إطار مؤسسات التكوين المهني النظامي ( الفقرة الأولى ) أو غير النظامي ( الفقرة الثاني ).

الفقرة الأول: التوجيه والتدريب المهني النظامي.

التوجيه المهني هو خدمة التلميذ عن طريق تبصيره بمختلف الأنشطة المهنية السائدة في مجتمعه، وطبيعة كل نشاط مهني ومتطلباته من الكفاءات والاستعدادات والقدرات، حتى يحقق اختيارا مناسبا 2، وقد حظيت عملية التوجيه والاختيار المهني في السنين الأخيرة باهتمام كبير من قبل مختلف الباحثين3 الذين انتقلوا بها من مجرد عملية تعتمد على الحدس والتخمين إلى عملية تستند على بحوث وتجارب علمية تساعد على التأكد من العديد من الفروض، وذلك راجع إلى أن اختيار المهنة يعد مطلبا هاما من مطالب النمو الأساسية في الفترة العمرية التي يبدأ فيها الإنسان الوعي بمحيطه العام، حيث يبدأ الميل لاختيار مهنة معينة ويلعب هذا الميل أو الاختيار النظري دورا كبيرا في تحفيز الطفل على اكتساب المعارف والمهارات التي تمكنه من أن يفي بمتطلبات القيام بها بكفاءة واقتدار، غير أن غياب التوجيه والإرشاد المهنيين يمكن أن يدفع بالطفل إلى اختصار المسافة الزمنية، وحرق مراحل التدرج المهني التعليمي ليدفع بنفسه إلى امتهان حرفة أو تجارة، أو خدمة أيا كانت طبيعتها، وفي أي مجال مكاني مورست فيه.

ولا يمكن أن يقوم بمهمة التوجيه المهني المناسب إلا مؤسسة المدرسة، بالتعاون مع بعض المؤسسات الاجتماعية الأخرى خاصة الأسرة ،وذلك من أجل إرشاد مهني يتلاءم مع التكوين المعرفي للطفل واستعداداته الجسمية وقدراته العقلية، مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانات الشغل المتاحة ، والوضع الاجتماعي والظرف الاقتصادي للبلاد، وكذلك إشباع الميل المهني للطفل ، حتى يشعر بالرضى في حياته ووجوده المهني1.
والهدف من ذلك هو محاولة تجاوز الفجوات الزمنية الفارغة في حياة الطفل عن طريق ايجاد قنوات مرنة تيسر عملية الانتقال من الوسط التعليمي التربوي إلى الوسط التعليمي المهني.
وما ييسر أكثر عملية التوجيه المهني، هو الاستعداد النفسي المسبق لقبول تعلم أصول المهنة في إطار نظام رسمي تتوفر فيه كل الضمانات القانونية للتكوين الجيد، حيث نجد أن 96.4% من الأطفال العاملين في الصناعة التقليدية يؤكدون على رغبتهم في تعلم مهنة عن طريق التأهيل داخل المؤسسات الحكومية بدل الو رشات الحرفية 2.
كما أن 48.7% خادمات المنازل حلمهن تعلم مهنة أخرى 1 تمنحهن فرصا إضافية للترقي الاجتماعي وتحسين وضعية معيشتهن.
لكن ما يبدو هو أن إعادة تأهيل الأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل لا يحظى بالاهتمام الكافي حيث تبث أن 5 % من إجمالي العاملين في هدا القطاع قد تلقوا تكوينا مهنيا 2 منهم 4% من الأطفال3 في حين يمارس الباقين منهم أنشطة لا يكتسبون منها أي تكوين يمكن أن يعطي معنى ايجابيا لحياتهم.
لذلك يبدو أن الهدف الذي من أجله وضعت سياسة التكوين المهني والمثمتلة في انقاد الأطفال الذين لم تسفعهم مقومات الدراسة من استكمال أسلاك التعليم، قد باءت بالفشل4 خاصة إذا علمنا أن القدرة الاستيعابية لمجموع مؤسسات التأهيل المهني لم تتجاوز 77321 متدرب. 44.5 % منهم من الفتيات بزيادة إجمالية لعدد المسجلين سنويا تقدر ب 3%5 في حين يبقى عدد المتسربين من المدرسة يضاعف الرقم السابق، حيث تبقى نسبة مهمة من هؤلاء المتسربين غير قادرين على ولوج مؤسسات التكوين المهني6
أضف إلى ذلك أن القانون لا يسمح بتسجيل الأطفال الذين يقل سنهم عن خمسة عشرة سنة في المؤسسات التكوينية حيث يضاف عائق آخر يمنع الأطفال الدين لم تسعفهم الظروف في استكمال أسلاك التعليم من الاستفادة من خدمات التكوين المهني، الأمر الذي يدفعهم مكرهين إلى سلوك خيار العمل في أحد الو رشات الحرفية، أو مزاولة أي نشاط اقتصادي آخر.
لذلك ينبغي التخفيض من هذا السن، أو إيجاد مؤسسات جديدة تأخذ بعين الاعتبار وضعية الأطفال الصغار، تعتمد على الازدواجية في التكوين حيث يجب أن تعطى الأولوية لاستكمال التكوين المعرفي من أجل استدراك ما لم يستطع الطفل استيعابه داخل المؤسسات التعليمية، وكذلك التكوين التقني حتى يتمكن الطفل من إشباع ميله المهني.
وفي هذا الإطار أحدثت وزارة الشبيبة والرياضة شبكة وطنية مكونة من مائتين وثمانين ناديا نسويا يستقبل الفتيات اللواتي يتراوح سنهن بين عشر وثمانية عشرة سنة من أجل تأمين تكوينهن في مجالات الطبخ، الخياطة، المعلوميات، …وتستوعب هذه الشبكة 25740 فتاة منهن 8605من العالم القروي1.

وإذا كنا نثمن إيجابا هذه الخطوة، فإننا لا نقبل مقاربة النوع المعتمدة في تنفيذها، وذلك من منطلق أنه عندما يتعلق الأمر بالطفولة فإن أي تمييز في الاستفادة من خدمات المؤسسات الحكومية هو أمر غير مقبول مطلقا، على اعتبار أنه يكفي أن يوجد إنسان في وضع عمري معين يوجب حمايته أن تقرر له الحماية القانونية والمؤسساتية، خاصة أن الأطفال الذكور غير مخصص لهم مؤسسات مهنية مماثلة، ما تبع فإن هذا التمييز غير مقبول قانونا أو عقلا.
كما أن واقع التكوين المهني النظامي لا يسمح بالتأهيل الجيد، حيث يستوجب مراجعة شاملة لآلياته وأهدافه ليستجيب للانتظارات المواطن المغربي، وكذا لحاجات المقاولة المتمثلة في عمال مؤهلين نظريا وتقنيا، الأمر الذي دفع بالإدارة الوصية، إلى اعتماد صيغة جديدة للتكوين تعرف بالتدرج المهني داخل المقاولة الخاصة.

الفقرة الثانية: التكوين المهني داخل المقاولة الخاصة.

فرضت احتياجات الصناعات الحديثة ايجاد كفاءات تقنية مؤهلة قادرة على الاستجابة لمتطلبات سوق الشغل، لذلك عملت الدولة على إنشاء المؤسسات التعليمية المهنية التي بلغ عددها إلى 1715 مؤسسة، 90% منها تابعة للدولة تضم حوالي77321 1 متدرب والباقي ينتمي إلى القطاع الخاص ، الذي يشكل استمرارا حديثا لما كان يسمى” بالتكوين العرفي”2.
وقد شكلت سنة 1984 تحولا نوعيا في سياسة الدولة في مجال التكوين، وذلك عندما أحدثت مشروعا يهدف إلى البحث عن صيغة من أجل تقوية العلاقات مع الجمعيات المهنية واعتمادها في إعداد برامج التكوين ،من منطلق مبدأ خلق توافق ما بين التعليم والتكوين المهني وما بين التكوين والتشغيل من أجل عقلنة تدبير التكوين بجعله يندمج بصورة كاملة في الحقل الإنتاجي.
ويستوعب القطاع الخاص حوالي 22% من مجموع المتدربين الذين يبلغ عددهم 98177 سنة2004 1 و يجسد ذلك انفتاح الدولة على بدائل بيداغوجية تبتت فاعليتها في عدد من البلدان، إن الأمر يتعلق بالأساس بالتمرس المهني والتدرج المهني .
بخصوص التمرس المهني ( La formation professionnelle alternée ) الذي تم تنظيمه بموجب القانون رقم 96 – 362 ، فإنه يتميز هذا النمط من التكوين داخل المقاولة بنسبة النصف على الأقل من مدته الإجمالية، وذلك من أجل تمكين المتمرسين من متابعة الجزء الأكبر من تكوينهم في الوسط الفعلي للمقاولة، وتلقين المؤهلات الملائمة لحاجات وخصوصيات المؤسسة الصناعية، ويمكن أن تعتبر أن التجربة قد لاقت إقبالا من قبل المستفيدين حيث ارتفع عددهم من 3650 سنة 1998 إلى 14237 سنة2004 3.
أما بخصوص التدرج المهني ( La formation par apprentissage) فإنه قد نظم بموجب القانون رقم 00 – 124 الذي يركز على التكوين داخل المقاولة بنسبة 80% من المدة الإجمالية للتكوين قد تمتد إلى ثلاث سنوات و10% على الأقل من هاته المدة تخصص لتكوين تكميلي عام وتكنولوجي منظم ويهدف هذا النظام إلى :
– منح المستفيدين ممارسة تطبيقية لمهن حرفية أو صناعية تسهل اندماجهم المهني.
– المساهمة في حماية المهن التقليدية .
– التركيز على الشباب القرويين من أجل الاستفادة من تكوين يلائم وسطهم وحاجاتهم1 وقد شكل القطاع الفلاحي الوجهة الأكثر استقطابا للمرشحين حيث استوعبت المقاولات الفلاحية عشرة آلاف متدرج سنة 2004.في حين بلغ عددهم في الصناعة التقليدية حوالي خمسة آلاف متدرج 2.
غير أنه لا بد من الإشارة إلى أنه لا يمكن أن يتم هذا التكوين إلا في إطار عقد مكتوب بين صاحب الورشة أو المقاولة، وبين المتعلم ووليه أو وصيه، ويجب أن يتضمن العقد حقوق وواجبات كل طرف على حدة3، على أن تتم المصادقة عليه من طرف مركز التكوين عن طريق التعلم المهني.
وتجدر الإشارة إلى أن المقتضيات الواردة في ظهير 19 ماي 2000 المتعلق بالتدرج المهني قد جاءت مطابقة لما نصت عليه المادة 11 من الاتفاقية العربية لسنة 1966 بشأن مستويات العمل العربية، حيث أكدت على أنه يجب أن يحكم تدريب المتدربين عقد كتابي ، وهو نفس المقتضى الذي اعتمدته منظمة العمل العربية أيضا في الاتفاقية رقم 6 لسنة 1976 بشأن مستويات العمل العربي المعدلة للاتفاقية رقم لسنة 19664.
ومن أجل تشجيع قبول الأحداث داخل المنشآت الحرفية والصناعية فإن القانون رقم 12.00 قد منح المقاولة عدة امتيازات نجملها في:
– إعفاء المقاولة من التصريح بالمتعلمين لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
– إعفاء جزئي من الضريبة على الدخل.
– تكفل الدولة بمصاريف المؤطرين داخل المقاولة .
– منح الدول مساهمة مالية لمقاولات الصناعة التقليدية المستقبلة للمتدربين في الحرف ،والتأهيلات المحددة من طرف قطاع التكوين المهني معفاة من كل رسم أو ضريبة.
وعموما فإنه حسب الإحصاءات الرسمية للمستفيدين من هذا النظام التأهيلي تبين أن كل المستفيدين هم الأطفال عاملون في القطاع غير المهيكل حيث بلغ عددهم 9730 طفل تطبيقا لستة عشرة اتفاقية مع بعض المقاولات ، على أن تتم الاستفادة من هذا التكوين مستقبلا حوالي 60ألف طفل في أفق 2009/ 2010 1
كما تم إبرام عدة اتفاقيات أخرى بين الوزارة الوصية وغرف الصناعة التقليدية وبين مائة وخمسين مقاولة تستقبل متدرجين مهنيين في مختلف الحرف، كالنجارة الفنية ،والحدادة، الزليج، صياغة الحلي، والمصنوعات الجلدية2.
ونعتقد أن التكوين الذي يتم داخل المقاولة هو الأسلوب الأنجع لمواجهة ظاهرة تشغيل الأطفال بصفة عامة وعملهم في القطاع غير المهيكل بصفة خاصة، على اعتبار أن التكوين الذي يتم داخل المؤسسات التابعة للدولة، يتطلب مستوى معين من التعليم يستطيع معه الطفل استيعاب الدروس النظرية والتطبيقية بشكل جيد، بيد أن هذا الأمر يتعذر تحققه بالنسبة لجل الأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل إذا علمنا أن نسبة مهمة منهم لم يدخلوا المدرسة قط ، إذ نجد أن 14% من الذكور و8% من الإناث العاملين هم فقط الذين سبق لهم التمدرس كما أن 41% منهم غادروا المدرسة في السنة الأولى من التعليم الابتدائي1.
لذلك فإن التكوين بالتدرج أو بالتمرس سيكون أكثر ملاءمة لانتشال الأطفال العاملين من الوسط الذي يعملون فيه ،كما أنه يمكنه أن يكون البديل المستقطب للأطفال الذين لم يلجوا المدرسة قط ،أو الذين فاتتهم نسبيا فرص التمدرس إذ يقدر عددهم ب 783600 طفل، منهم 64.4% من الفتيات2 ،وبالتالي فإنهم عوض الارتماء في أحضان الشارع لممارسة أحد حرفه، أو الانحراف فإنه من الأفضل إعادة إدماجهم في السياق الاقتصادي، عن طريق توجيههم نحو اكتساب أحد المهن التقنية المعاصرة، التي ستعود عليهم بالنفع وعلى أسرتهم وعلى المجتمع في كليته.
وإجمالا فإنه قد بلغ عدد الأطفال العاملين الذين استفادوا من هذا النظام التكويني حوالي 100442 منذ سنة 1997 إلى غاية 2004 وفي سنة 2005 وحدها استفاد من هذه العملية 50000 طفل3.

خاتمة

إن مختلف الجهود التي بذلها المشرع المغربي، والتي مست مجالات قانونية عديدة خاصة بالطفل، وعلى رأسها قانون الشغل المغربي ، سواء بالإلغاء أو الإصلاح ، أو تتميم ما نقص منها ، أو تمديد العمل ببعضها في مجالات ومهن أخرى ، تبقى عاجزة عن تحقيق المناط لأسباب هي:
أولا: نقص آليات تفعيل النص القانوني، وعجز الموجود منها في ضمان تطبيق سليم للنص الموجود.
ثانيا: عجز المؤسسات الاجتماعية في القيام بوظائفها الوقائية والتربوية لمنع الطفل من ولوج سوق الشغل، وذلك راجع لفقدانها لبعض آليات التدخل الذاتي.
ثالثا: عجز النظام التربوي التعليمي ضمان استمرارية الأطفال في متابعة تمدرسهم حيث يغادر المدرسة سنويا حوالي 240 ألف طفل قبل بلوغهم السن الإجباري للتعليم.
رابعا: عدم قدرة مؤسسات التكوين المهني، سواء النظامي أو غير النظامي استقطاب الأطفال المتسربين من المدرسة، حيث لا تتعدى الطاقة الاستيعابية حدود مائة ألف طفل متدرب، في حين يبقى حوالي 140 ألف طفل متسرب من المدرسة غير قادرين على ولوج المؤسسات المهنية، الأمر الذي يدفعهم لممارسة أحد مهن القطاع غير المهيكل أو أية مهنة تسمح باعتبارهم عاملين.
لذلك فإن أي تدخل حمائي للطفل لا بد وأن يأخذ بعين الاعتبار هذه المحددات التي تتشكل منها ظاهرة عمل الأطفال بصفة عامة، وفي القطاع غير المهيكل بصفة خاصة، على اعتبار أن العمل في المجالات غير المنظمة هو جزء من ظاهرة كلية، إلا أنه الغالب كما سبق بيانه في فصول هذا البحث.
ومن تم لا بد من ايجاد حلول لهذه الإشكالات الواقعية والقانونية في إطار استراتيجية وطنية تَتَغَيى توفير مؤسسات قادرة على التدخل الفعال للحد من الظاهرة، وكذلك ايجاد الإطار القانوني الحمائي الذي من شأنه أن يعيد الاعتبار للطفولة المغربية.
بيان مرتكزات خطة عمل وطنية :
من خلال هذا البحث المتواضع يتبين أن جوانب القصور عديدة، لذلك فإن التدخل العملي أصبح ضرورة ملحة، ويجب أن ترتكز على:
1. توفير رصيد قانوني من شأنه حماية الطفل ضد أي استغلال، خاصة في المجالات غير المهيكلة.
2. تعديل نص المادة الرابعة من قانون الشغل ليشمل بعض المهن المستبعدة خاصة العاملين في الصناعة التقليدية الصرفة .
3. التطبيق الجزئي لمدونة الشغل على خادمات المنازل فيما لا يتعارض مع خصوصية المكان الذي تزاول فيه عملها، خاصة تطبيق الأحكام المتعلقة بظروف العمل ( السن، الأجر، الراحة الأسبوعية السنوية، مدة العمل اليومية).
4. توفير حماية اجتماعية لفئة الأجراء العاملين في القطاع غير المهيكل بما فيهم الأطفال.
5. دعم آليات الرقابة خاصة مفتشية الشغل باعتبارها الجهة الإدارية الأولى المسؤولة عن نفاذ القانون .
6. خلق وسائل رقابية بديلة لمراقبة عمل الأطفال في بعض مهن القطاع غير المهيكل خاصة الرقابة على عمل خدم المنازل، وعمال الصناعة التقليدية الصرفة.
7. معرفة حقيقة واقع تشغيل الأطفال، عن طريق تنفيذ دراسات مسحية عن مختلف أشكال استغلال الطفل في المجتمع وذلك اعتبارا لكون جل الأنشطة خفية يصعب رصدها.
8. توفير التعليم الرفيع النوعية لكل الأطفال، وبخاصة الأطفال المحرومين، مع القضاء على أوجه التفاوت بين الجنسين في التعليم، مع التركيز على ضرورة تيسير التكلفة لجميع الأسر المغربية.
9. وضع تدابير خاصة لمنع التسرب المدرسي والحد منه.
10. العمل على تنمية بدائل مستديمة لعرض وطلب تشغيل الأطفال منها العمل على تحسين الطاقة الاستيعابية لمؤسسات التكوين المهني.
11. إعداد مشاريع تعنى بالتطوير المؤسساتي من أجل تعزيز بنية المنظمات الحكومية وغير الحكومية قصد تحسين قدراتها، حتى تتمكن من تقديم خدماتها بشكل أفضل للفئة المستهدفة.
12. الدعوة إلى إنشاء ائتلاف وطني للمنظمات غير الحكومية المهتمة بمنع استخدام الأطفال في السن الإجباري للتمدرس، من أجل تأسيس جبهة موحدة لمحاربة عمل الأطفال.
13. اتخاذ خطوات ملائمة للتكاتف من أجل القضاء على عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل، عن طريق تعزيز التعاون الدولي أو زيادة المساعدات الدولية.
14. جعل الأطفال أولا: الاستثمار في الأطفال، وإحقاق حقوقهم.
15. اتخاذ تدابير فورية لضمان إعادة تأهيل الأطفال وإدماجهم في المجتمع من أجل تخليصهم من رواسب مختلف أشكال الاستغلال.
16. تقديم الحوافز الاقتصادية والمادية للأسر المعوزة بغية التصدي لقضايا الفقر والاستجابة لحاجيات الأطفال.
17. وفي جميع الأحوال لا بد من معالجة قضايا الطفولة بصفة عامة في إطار البناء الحضاري للمجتمع المغربي،و لا يمكن أن يتم ذلك إلا بتفادي تطبيق النماذج الجاهزة المستوحاة من تجارب مجتمعات أخرى.

النصوص القانونية*:

I – القوانين الدولية:

1. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في دجنبر 1948.
2. الاتفاقية الخاصة بمكافحة التمييز في مجال التعليم اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة في 14 دسمبر في دورته 11، التي دخلت حيز التنفيذ في 22 ماي 1962.
3. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الصادر في 16 دجنبر 1966..
4. العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر في 16 دجنبر 1966 .
5. الاتفاقية رقم 129 لسنة 1969 بشأن تفتيش العمل في الزراعة الصادرة عن مؤتمر العمل الدولي في دورته 53 في يونيو 1969.
6. الاتفاقية رقم 138 لسنة 1973 بشأن الحد الأدنى للاستخدام.
7. التوصية رقم 146 الصادرة سنة 1973 عن منظمة العمل الدولية.
8. الاتفاقية 81 الخاصة بتفتيش العمل في الصناعة والتجارة ، الصادرة عن المؤتمر العام لهيئة العمل الدولية المنعقد في دورته 30 في 19 يونيو 1974 .
9. اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979
10. قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا للإدارة شؤون قضاء الأحداث، قواعد بكين، اعتمدتها الجمعية العامة في قرارها 40 /33 لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المؤرخ في نونبر 1985.
11. اعلان الحق قي التنمية لسنة 1986 الذي اعتمد ونشر على الملأ بموجب القرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 41 / 128 المؤرخ في 4 دجنبر 1986.
12. اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989.
13. الاتفاقية رقم 182 المتعلقة بخطر أسوأ أشكال عمل الأطفال، المعتمدة من طرف المؤتمر العام الدولي للشغل في دورته 87 المنعقد بجنيف قي 17 يونيو 1999.
14. التوصية رقم 190. بشأن خطر أسوأ أشكال عمل الأطفال، المعتمدة من طرف المؤتمر العام الدولي للشغل في دورته 87 المنعقد بجنيف في 17 يونيو 1999.
15. البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية المعتمد من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 ماي 2000 قرار 263/ 54.

II – القوانين الوطنية:

16. قانون الالتزامات والعقود المغربي لسنة 1913.
17. قانون العمل البرازيلي لسنة 1943.
18. ظهير 29 أكتوبر 1952 المتعلق بالأمراض المهنية.
19. ظهير 6 فبراير 1963 المتعلق بحوادث الشغل والأمراض المهنية.
20. القانون الإماراتي للعمل لسنة 1971.
21. قانون العمل المصري رقم 137 لسنة 1981.
22. قانون رقم 02.82 المتعلق باختصاصات المحتسب وأمناء الحرف، ظهير شريف رقم 1.82.70.
23. دستور المملكة المغربية لسنة 1996 .
24. قانون رقم 36.96 المتعلق بالتمرس المهني.
25. ظهير رقم 1.00.200 الصادر في ماي 2000 المتعلق بتنفيذ القانون رقم 14.00 الخاص بإجبارية التعليم.
26. ظهير 19 ماي 2000 بمثابة قانون رقم 12.00 بشأن إحداث وتنظيم التدرج المهني.
27. قانون المسطرة الجنائية رقم 22.01 .
28. مدونة الأسرة قانون رقم 70.03 .
29. قانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل.
 الكتب
I – بالعربية:
الكتب العامة
30. إدريس الكراوي: ” الاقتصاد المغربي التحولات والرهانات” 1997 دار النشر للمعرفة.
31. البرنامج الدولي للدورات التدريبية في مجال حقوق الإنسان، المنتدى الأسيوي لحقوق الإنسان والتنمية 2000 ” دائرة الحقوق، دليل تدريبي لدعاة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
32. خضير عباس المهر: الأجر والإستخدام والتوازن الاقتصادي . الطبعة الأولى. 1409 هـ. عمادة شؤون المكتبات. جامعة الملك سعود.
33. عز سعيد: العمل القضائي المغربي في مجال نزاعات الشغل الفردية الطبعة الأولى 1414 هـ / 1994 م . مطبعة النجاح الجديدة.
34. عبد العزيز العتيقي: مختصر القانون الاجتماعي المغربي. 2002 . مكتبة المعارف الجامعية.
35. عبد الكريم غالي: في القانون الاجتماعي المغربي 1421هـ/ 2001م منشورات دار القلم بالرباط .
36. عبد اللطيف خالفي: الوسيط في علاقات الشغل الفردية الطبعة الأولى 2001.المنارة كتب مراكش.
37. عبد اللطيف خالقي الوسيط في مدونة الشغل. الجزء الأول. علاقات الشغل الفردية، الطبعة الأولى 2004. المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش.
38. عادل سيد فهيم: القانون الاجتماعي المغربي في ضوء تشريع العمل المقارن ومستويات العمل الدولية والعربية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس. السنة الجامعية 1979 / 1978.
39. عبد اللطيف الشادلي: التربية والتعليم في خطب وكلمات جلالة الملك الحسن II . منشورات جامعة المولى إسماعيل.
40. علي الحواث: ” الضمان الاجتماعي ودوره الاقتصادي والاجتماعي” الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع، سنة 1990.
41. عمر سليمان عبد المالك: التأمين الاجتماعي في الدول العربية. دار العلم للملاين. الطبعة الأولى 1990.
42. فاطمة مصطفى الحاروني. خدمة الفرد في محيط الخدمات الاجتماعية الجزء الأول. الطبعة السابعة. دار الفكر العربي.
43. محروس محمد خليفة: ممارسة الخدمة الاجتماعية ، قراءة جديدة في قضايا الرعاية الاجتماعية. ط 1 1989 . دار المعرفية الجامعية الاسكندرية.
44. محمد برادة عزيول: الأمراض المهنية في التشريع المغربي دراسة وتطبيق ،الطبعة الأولى 1991 . مطبعة مكتبة الأمنية.
45. محمد سعيد بناني: قانون الشغل بالمغرب ف ضوء مدونة الشغل علاقات الشغل الفردية . ج 1 . مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع.
46. محمد عبد الجابري: أضواء على مشكلة التعليم بالمغرب. 1986 دار النشر المغربية. الدار البيضاء.
47. محمد عبد الجواد محمد: حماية الطفولة في الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام والسوداني والسعودي. منشأة المعارف الإسكندرية.
48. محمد الكشيور: حوادث الشغل والأمراض المهنية، المسؤولية والتعويض، الطبعة الأولى 1415هـ/ 1995م . مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء.
49. محمد الكشيور: نظام تفتيش الشغل الواقع الحالي وآفاق المستقبل، الطبعة الأولى 1417هـ/ 1997م. مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء.
50. محمد علي عمران: الوسيط في شرح أحكام قانون العمل 1979 . 1980 . مطبعة جامعة عين شمس.
51. المهدي المنجرة: من المهد إلى اللحد : التعلم وتحديات المستقبل: دار اشتوكي للنشر.
52. همام محمد محمود: قانون العمل عقد العمل الفردي . دار المعرفة الجامعية سنة 1986.
53. وزارة الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي: واقع الصناعة التقليدية وأفاقها على المستوى المحلي والجهوي وثيقة مرجعية 2003.

الكتب الخاصة:

54. إليك فايف: ” عمل الأطفال : دليل لتصميم المشاريع” منشورات مكتب العمل الدولي، 2001.
55. محمد أحمد إسماعيل: تنظيم العمل للأحداث في تشريعات العمل العربية 1993. دار النهضة العربية. القاهرة.
56. محمد أمزيان ” الحماية القانونية لخادمات المنازل” الطبعة الأولى 2000 . الأحمدية للنشر.

II – بالفرنسية:

57. ABDELLAH Boudahrain : le droit de travail au Maroc embouche et condition de travail 2004/ 2005 édition ALMdariss. Casablanca.
58. AHMED BOUZIANE : le travaille des enfant dans l’artisanat du tapis à fez. Publié par l’UNICEF 2004.
59. BENIDICTE. Manier : le travailles des enfant dans le monde 1999. édition la découverte. Paris.
60. BIT : Comprendre le travail domestique des enfants pour mieux intervenir : coup de main ou vie brisé ? 1er édition 2004.
61. BOMMET MICHEL : regard sur les enfant travaillent cahiers libres édition page deux lausan 1998.
62. CLAIRE Brisset : le travail des enfant 26 Mai 2000.N° 839. Direction de la documentation Française.
63. Commission Nationale pour la préparation du Sommet Mondial pour l’enfant au Maroc. Mai 2002.
64. EMBARAK MOGHLI : le travail des enfants dans l’agriculture province d’alhouz.UNECEF 2004.
65. Mohamed Sallah eddine : l’emploi invisible au Maghrib sur l’économie parallèle 1er édition 1991. Société Marocaine des editions Réunis Rabat.
66. Rajaa Mejjati Alaoui : les enfants au travail Recherche qualitative auprès des artisanats et des enfants dans le secteur de l’artisanat à fes Maroc Janvier 204. UNICEF.

 الرسائل والأطروحات:
I – الأطروحات:
67. جليل الغرباوي: التعليم والتنمية: المقاولة الصناعية والتعلم المهني . أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه. السنة الجامعية 2004/ 2005 . جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس.
68. محمد الهيلوش: القطاع غير المهيكل بمدينة صفرو، أطروحة لنيل دبلوم الدكتوراه في الجغرافيا السنة الجامعية 2001/ 2002 . جامعة سيدي محمد بن عبد الله ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس.
69. نعيمة البالي: ملاءمة التشريع المغربي لاتفاقيات حقوق الطفل، أطروحة لنيل دبلوم الدكتوراه في الحقوق فرع القانون العام. السنة الجامعية 203/ 2002 م جامعة محمد الأول ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة
II – الرسائل:
70. أحمد يعقوبي: حق الطفل في التعليم: أية حماية؟ المغرب نموذجا لبحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص. السنة الجامعية 2002/ 2003م. دامعة سيدي محمد بن عبد الله ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس.
71. أحمد الغازي الحسيني: طوائف الصناعة التقليدية وأنظمتها المهنية بمدينة فاس. رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص. 1976. جامعة محمد الخامس . كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية . الرباط.
72. رشيد بالمهدي : الاستغلال الاقتصادي للأطفال . أية حماية؟ بحت لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص السنة الجامعية 2002/ 2003. جامعة سيدي محمد بن عبد الله ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس.
73. سعاد قلالي الطفل العامل بين المواثيق الدولية والتشريع الاجتماعي المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، السنة الجامعية 2002/2003. جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية. فاس.
74. عبد اللطيف قرياني: تشغيل الأطفال اشكالية ملاءمة التشريع المغربي للاتفاقيات الدولية، بحت لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص السنة الجامعية 2002/2003. جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس
75. CHIFAE EL MOUADDEN :Les politiques d’intégration de l’économie informelle au Maroc :Aspects juridiques et institutionnels.D.E.S.A.en droit privé année universitaire 2004/2005.Université Sidi Mohamed Ben Abdellah .Faculté de droit.
76. Driss BAHIJ : le travail des enfants dans le secteur de l’artisanat en droit et en pratique mémoire de des 1985/1986 université Mohamed 5 rabat.
 التقارير والبحوث:
I – بالعربية:

77. أحمد شوقي بنيوب/ مصطفى دانيال: حماية أطفال سوء المعاملة والاستغلال: تصور مقاربة” وثيقة داخلية غير منشورة، حصلنا عليها من المرصد الوطني لحقوق الطفل في مارس 2005.
78. الأمم المتحدة: تقرير اللجنة الجامعة المخصصة للدورة الاستثنائية السابعة والعشرين للجمعية العامة نيويورك 2002.
79. جمعية ” أدرس”: ” مشروع أدرس: الحد من تشغيل الأطفال عن طريق التربية والتكوين والتأهيل” وثيقة داخلية غير منشورة حصلنا عليها من مقر الجمعية بالرباط، في مارس 2005.
80. كتابة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة والأشخاص المعاقين: خطة العمل الوطنية من أجل مغرب جدير بأطفاله. أوريكة 24525 ماي2005.
81. محمد المناصف، عبد الرحيم مولاطو، إدريس بنغبريط: عمل الأطفال في المغرب تشخيص واقتراح مخططات عمل وطنية وقطاعية في إطار البرنامج الدولي للقضاء على عمل الأطفال (IPEC ) سنة 1999.
82. مكتب العمل الدولي: عمل الأطفال نحو إزالة الوصمة، التقرير السادس حول مؤتمر العمل الدولي، الدورة 76 سنة 1998.
83. المرصد الوطني لحقوق الطفل: الأطفال ضحايا سوء المعاملة ملخص عن تقرير المرصد الوطني لحقوق الطفل ، وثيقة داخلية غير منشورة ،مارس 2005.
84. المندوبية السامية للتخطيط: تقرير التنمية البشرية 2003. ” الحكامة وتسريع التنمية”
II – بالفرنسية:

85. Association ADROS : ” ADROS.info.comprendre et agir Mars 2004 N°2.(Document interne non publie Association ADROS 104 Avenue FAL Oueld Omeir AP 11 ،4 étage) agdal-RABAT .
86. Association ADROS : ADROS info .comprendre et agir Juin 2004 N°3 (document interne non publié).
87. Association ADROS :ADROS info.comprendre et agir Septembre 2004.N°4 document nom publié)
88. Association ADROS :ADROS info.comprendre et agir.Novembre 2004 N°5 (document interne.nom publié)
89. Association ADROS .ADROS info.comprendre et agir Fevrie 2005 N°6 (document interne nom publié).
90. Direction de la statistique :Enquête Nationale sur le secteur informel nom agricol 1999/2000.Rapport des premiers resultats.
91. Direction du travail.UNISEF.OIT (IPEC) le travail des enfants en bref.2004
92. Haut Commissariat au plan .Le Maroc en chiffres 2001
93. Haut Commissariat au plan .Le Maroc en chiffres 2003
94. Haut Commissariat au plan .Le Maroc en chiffres 2004
95. Ministère des droit de l’homme . Rapports de Synthèse sur le travail domestique des enfants au Maroc. Rabat le 23 Avril 2002(document interne nom publié).
96. NAIMA CHIKHAOUI “plaidoyer pour la prévention,la protection et lutte contre le travail domestique des enfants a Casablanca ” Juillet 2004 publié par L’UNICEF.
97. OIT (IPEC),UNICEF .Banque Mondiale :”comprendre le travail des enfants au Maroc .Mai 2004.
98. UNICEF et FNUP ;Ministère de la prévention économique et du plan. Etude sur les filles domestique agées de moins de 18 ans dans la village de Casablanca.”2001.
99. UNICEF :Diagnostic de la main d’œuvre infantile dans le secteur de l’artisanat a FES.Mars 2004 ,dans le cadre de la programme pour la prévention de l’élimination du travail des enfants dans le secteur de l’artisanat a Fés.
100. YOUNESS SBAI :”Le service social au sein de la protection civil de Fés”Rapport de stage. Institut National de l’action social. Tanger. 2004/2005
101. Observation National des droit de l’enfants .Statistiques Situation du 1 Janvier au 21 Mai 2004.Centre d’écoute et de protection des enfants maltraités.
 اللقاءات العلمية:
( ندوات، مؤتمرات، أيام دراسية)
102. مؤتمر: نحو بيئة خالية من العنف ضد الأطفال العرب. عمان 2001.دار النشر والتوزيع. عمان الأردن.
103. ندوة سوء المعاملة الأطفال واستغلالهم غير المشروع، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية. بالرباط 1422هـ/2001م.
104. ندوة الحماية القانونية للمرأة، نموذج خادمات البيوت . نظمت من طرف منظمة العفو الدولية بشراكة مع جامعة الحسن الأول بالسطات بتاريخ 20 مايو 2000.
105. المؤتمر العربي لوضع استراتيجية للحد من ظاهرة عمل الأطفال أيام 12 إلى 16 أكتوبر 2003.
106. أكاديمية المملكة المغربية : سلسلة الدورات ” أزمة القيم ودور الأسرة في تطوير المجتمع المعاصر” الدورة الربيعية لسنة 2001. 26 . 28 . أبريل.

107. Chaise UNISCO. Série Colloques N° 1 « femme et Etat de choit » actes du colloque International organisé le 17 20 Avril 2002. à la faculté de droit Souissi Rabat.
108. La ligue Marocaine pour la protection de l’enfance ;journée d’étude es de la réflexion sur petites filles “Bonnes”travaillant dans les familles.19 janvier 1996.Rabat.

 المقالات

109. أحمد اليازجي: عمالة الأطفال في فلسطين : تأثير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على عمالة الأطفال في فلسطين. مجلة الطفولة والتنمية عدد 5. مجلد2. ربيع 2002.
110. عبد العزيز العتيقي: “مفتشيه الشغل ودورها في علاقات الشغل” مجلة الشعاع، عدد 4 . السنة 2 دجنبر 1990.
111. عبد العزيز عبد الهادي مخيمر: اتفاقية حقوق الطفل خطوة إلى الأمام أم إلى الوراء. مجلة الحقوق. عدد 3 ربيع I السنة 17. 1414هـ/ 1993م .
112. عبد اللطيف خالفي: مفتشيه الشغل بين جسامة المسؤوليات ومحدودية الإمكانيات المجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن. جامعة القاضي عياض. كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية. عدد 22 1994.
113. عبد الرحمن المالكي، عبد السلام فراعي، الطفولة في الوسط الاجتماعي شبه الحضري بفاس، مجلة دفاتر: الطفولة بفاس معطيات وتساؤلات ، العدد الثاني أبريل 1999. مختبر الأبحاث والدراسات النفسية والاجتماعية . جامعة سيدي محمد بن عبد الله ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز فاس.
114. لحبيب معمري: دراسة ظاهرة تشغيل الأطفال في علاقتها بالوسط شبه الحضري” مجلة دفاتر. الطفولة بفاس، معطيات وتساؤلات العدد II أبريل 1999 مختبر الأبحاث والدراسات النفسية والاجتماعية جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس.
115. حماني سعيد: مفتشيه الشغل الحصيلة والآفاق: المحلية المغربية للاقتصاد والقانون المقارن عدد 22 1994. جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية . مراكش.
116. محمد الدريج:” الأطفال في وضعية صعبة” مجلة المعرفة للجميع العدد 25 غشت / شتنبر 2002.
117. محمد سعيد بناني : القضاء الاجتماعي حماية للأجير أم لرب العمل، مجلة الإشعاع ، العدد الرابع، السنة II دجنبر 1990.
118. محمد عباس نورالدين: تشغيل الأطفال وصمة بين جبين الحضارة المعاصرة. مجلة الطفولة والتنمية. عدد 3 مجلد I خريف 2001.
119. محمد الشرقاوي: الملاحظات والاقتراحات المطروحة بشأن إصلاح نظام تفتيش مؤسسات الشغل المجلة. المغربية للاقتصاد والقانون المقارن جامعة القاضي عياض. كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مراكش. عدد 22. 1994.
120. محمد الكشبور: وضعية الطفل القاصر في القانون الاجتماعي. مجلة الإشعاع عدد 12 السنة 7 يونيو 1995.
121. ناهد رمزي: حماية صغار الفتيات في سوق العمل في البلدان العربية، مجلة الطفولة والتنمية. العدد 5. مجلد 2.ربيع 2002.
122. هيوفي بارشو ميشال: عدم قابلية تطبيق التشريع الاجتماعي على خادمات المنازل. المجلة المغربية للقانون عدد 12 أبريل/ ماي 1987.

123. konglo LOMBA :Population et emploi a kinshassa. Secteur Formel-Secteur Informel. Simple dichotomie ou Doualisme ? Revenue de droit et d’economie N°8 1992.Université Sidi Mohamed Ben Abdellah.Faculte de droit Fés.

 الجرائد:
I – بالعربية:

124. جريدة الأحداث المغربية عدد 2519 الجمعة 23 دجنبر 2005.
125. جريدة الأحداث المغربية. الخميس. صفر 1427 . الموافق 2 مارس 2006 عدد 2587.
126. جريدة الاتحاد الاشتراكي الأربعاء 30 يونيو 2004 عدد 7627.
127. جريدة الاتحاد الإشتراكي: الاثنين ربيع I 1426. الموافق 2 مارس 2005 عدد 7883..
128. جريدة الصباح 22 أبريل 2002. عدد 632.
129. جريدة العلم السبت 18 رجب 1425 الموافق 4 شتنبر 2004 عدد 19827
II – بالفرنسية:
130. Le Matin .Mercredi 22 décembre 2004 N°12298
131. Le Matin Mardi 26 avril 2005 N°12514
132. L’opinion lundi 23 août 2004 N° 14333.

مقدمة: …………………………………………………………………………………………………………………………………………………………1
الفصل التمهيدي
الوسط السوسيو- اقتصادي لعمل الأطفال في القطاع غير المهيكل:…………………………………………………… …………12

المبحث الأول: قياس حجم ظاهرة عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل……………………………………………………….12
المطلب الأول: القياس الكمي لظاهرة عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل…………………………………………………..12
الفقرة الأولى: حجم ظاهرة عمل الأطفال على المستوى الدولي……………………………………………………………………..13
الفقرة الثانية: حجم ظاهرة عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل في المغرب………………………………………………….14
المطلب الثاني: القياس النوعي لعمل الأطفال في القطاع غير المهيكل………………………………………………………………16
الفقرة الأولى: نوعية الأنشطة المؤذاة من قبل الأطفال…………………………………………………………………………………..16
الفقرة الثانية: انتماء الأطفال لوسط قروي أو شبه حضري……………………………………………………………………………20

المبحث الثاني: أسباب عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل………………………………………………………………………….22
المطلب الأول: الأسباب الاجتماعية لعمل الأطفال في القطاع غير المهيكل…………………………………………………….22
الفقرة الأولى: تفشي الفقر: السبب الأول لعمل الأطفال………………………………………………………………………………23
الفقرة الثانية: ارتفاع عدد أفراد أسرة الطفل العامل……………………………………………………………………………………..25
المطلب الثاني: الأسباب الاقتصادية والثقافية………………………………………………………………………………………………….26
الفقرة الأولى: عجز الاقتصاد المنظم عن توفير مناصب شغل مناسبة……………………………………………………………….26
الفقرة الثانية: دعم الموروث الثقافي لعمل الأطفال ……………………………………………………………………………………….28
حاتمة الفصل التمهيدي………………………………………………………………………………………………………………………………..31
الباب الأول:
محدودية الحماية القانونية للأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل………………………………………………………………….33
الفصل الأول:
تباين حماية الأطفال العاملين بين القانون الدولي والقانون الوطني…………………………………………………………………….35
المبحث الأول: حماية الأطفال العاملين في إطار القانون الدولي:……………………………………………………………………..35
المطلب الأول: حماية الأطفال العاملين من خلال الاتفاقيات الدولية العامة……………………………………………………..36
الفقرة الأولى: حماية الأطفال العاملين في إطار بنود الشرعة الدولية…………………………………………………………………36
الفقرة الثانية: حماية الأحداث العاملين من خلال القوانين الدولية الخاصة بالأطفال…………………………………………38
المطلب الثاني: حماية الأطفال العاملين في إطار قوانين منظمة العمل الدولية……………………………………………………..41
الفقرة الأولى: حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال …………………………………………………………………………………………..41
الفقرة الثانية: تنظيم عمل الأحداث في المجالات الخفيفة…………………………………………………………………………………43

المبحث الثاني: تجليات غياب حماية الأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل من خلال مدونة الشغل……………….44
المطلب الأول: استبعاد خدم المنازل من نطاق قانون الشغل…………………………………………………………………………..44
الفقرة الأولى : استبعاد خدم المنازل من نطاق مدونة الشغل بصريح النص القانوني…………………………………………44
الفقرة الثانية: مسايرة الفقه والقضاء لموقف المشرع……………………………………………………………………………………….47
الفقرة الثالثة: تعليق على استبعاد خدم المنازل من نطاق قانون الشغل…………………………………………………………….49
المطلب الثاني: عدم شمول نطاق قانون الشغل لبعض مهن القطاع غير المهيكل ………………………………………………53
الفقرة الأولى: استبعاد العاملين في قطاع الصناعة التقليدية الصرفة من نطاق قانون الشغل……………………………….54
الفقرة الثانية: عدم قابلية تطبيق مدونة الشغل على بعض مهن القطاع غير المهيكل………………………………………..56
الفصل الثاني:
ظروف عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل ……………………………………………………………………………58
المبحث الأول: مظاهر استغلال الأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل………………………………………………………..58
المطلب الأول: تشغيل الأطفال في سن مبكرة لمدة طويلة……………………………………………………………………………….58
الفقرة الأولى: تشغيل الأطفال في سن مبكرة ……………………………………………………………………………………………….59
الفقرة الثانية: عمل الأطفال لمدة طويلة…………………………………………………………………………………………………………64
أولا: المدة اليومية لعمل الأطفال في القطاع غير المهيكل…………………………………………………………………………………64
ثانيا: عدم استفادة الطفل من أيام الراحة والعطل……………………………………………………………………………………………67
المطلب الثاني: هدر حقوق الطفل في الاستفادة من الأجر العادل……………………………………………………………………70
الفقرة الأولى: ضعف أجور الأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل……………………………………………………………..70
الفقرة الثانية: تنظيم الأجر في مسودة قانون خدم البيوت كرس الوضع غير العادل…………………………………………72

المبحث الثاني: المخاطر المحيطة بعمل الأطفال في القطاع غير المهيكل:…………………………………………………………….75
المطلب الأول: التعرض لحوادث الشغل والأمراض المهنية……………………………………………………………………………….75
الفقرة الأولى: تنامي تعرض الأطفال لحوادث الشغل……………………………………………………………………………………..75
الفقرة الثانية: إصابة الأطفال بالأمراض المهنية ……………………………………………………………………………………………..80
المطلب الثاني: تعنيف الأطفال العاملين في القطاع غير المهيكل……………………………………………………………………….81
الفقرة الأولى: الإبداء الجسدي للطفل العامل في القطاع غير المهيكل……………………………………………………………..81
الفقرة الثانية: الإيذاء النفسي للطفل العامل في القطاع غير المهيكل………………………………………………………………..82

خاتمة الباب الأول:…………………………………………………………………………………………………………………………………….87
الباب الثاني:
الآليات المساعدة على الحد من تشغيل الأطفال في القطاع غير المهيكل……………………………………………………………88
الفصل الأول:
دعم آليات الرقابة على عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل:……………………………………………………………………….90
المبحث الأول: مد مفتشية الشغل بمُكُونات الرقابة الفاعلة……………………………………………………………………………..90
المطلب الأول: الرقابة الإدارية على عمل الأطفال ………………………………………………………………………………………..91
الفقرة الأولى: الالتزامات الدولية في مجال الرقابة على عمل الأحداث…………………………………………………………….91
الفقرة الثانية: الرقابة على عمل الأطفال على المستوى الوطني ………………………………………………………………………93
المطلب الثاني: تجاوز معيقات تدخل جهاز تفتيش الشغل……………………………………………………………………………….97
الفقرة الأولى: المعيقات المادية……………………………………………………………………………………………………………………….97
الفقرة الثانية: المعيقات القانونية………………………………………………………………………………………………………………….101

المبحث الثاني: ضرورة خلق مؤسسات بدبلة لمراقبة عمل الأطفال في بعض مهن القطاع غير المهيكل…………….104
المطلب الأول: إسناد مهمة الرقابة على ظروف عمل الأطفال كخدم للباحثين الاجتماعيين…………………………104
الفقرة الأولى: الأساس القانوني لتدخل الباحث الاجتماعي…………………………………………………………………………104
الفقرة الثانية: نطاق البحث الاجتماعي وأهدافه…………………………………………………………………………………………108
المطلب الثاني: تفعيل الأحكام الخاصة بأمين الحرفة في مجال الرقابة……………………………………………………………….112
الفصل الثاني
إشراك المؤسسات الاجتماعية والتربوية في مواجهة عمل الأطفال في القطاع غير المهيكل………………………………114
المبحث الأول: ضرورة إشراك المؤسسات الاجتماعية في مواجهة الظاهرة …………………………………………………..114
المطلب الأول: تمكين الأسرة من آليات التدخل الذاتي…………………………………………………………………………………114
الفقرة الأولى: دعوة المنتظم الدولي إلى أولوية التدخل عبر الأسرة………………………………………………………………..115
الفقرة الثانية: الرقي بالوضع الاجتماعي والثقافي للأسرة ……………………………………………………………………………118
المطلب الثاني: إشراك المجتمع المدني في مواجهة ظاهرة تشغيل الأطفال………………………………………………………….121
الفقرة الأولى: الاستعانة بخبرات المؤسسات المدنية الدولية المهتمة بالطفل……………………………………………………121
الفقرة الثانية: الشراكة مع المجتمع المدني الوطني…………………………………………………………………………………………..126

المبحث الثاني: نهج سياسة تعليمية وتكوينية للتأهيل الجيد للطفل…………………………………………………………………130
المطلب الأول: تعميم التعليم: مدخل أول لمواجهة عمل الأطفال…………………………………………………………………130
الفقرة الأولى: تفعيل مبدأ تعميم التعليم …………………………………………………………………………………………………….131
الفقرة الثانية: تجاوز أسباب الهذر المدرسي…………………………………………………………………………………………………137
المطلب الثاني: توفير خدمات التوجيه والتدريب المهنيين للطفل…………………………………………………………………….141
الفقرة الأولى: التوجيه والتدريب المهني النظامي…………………………………………………………………………………………..142
الفقرة الثانية: التكوين المهني داخل المقاولة الخاصة……………………………………………………………………………………..146
خاتمة…………………………………………………………………………………………………………………………………………………………151
بيان مرتكزات خطة عمل وطنية:……………………………………………………………………………………………………………..152
قائمة المراجع…………………………………………………………………………………………………………………………………………….154
الفهرس…………………………………………………………………………………………………………………………………………………….164

شارك المقالة

1 تعليق

  1. يا صديقي
    1.اقد تعدبت كثيرا لكتابة هدا المقال و لكنه طويييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييل جدا

    2.لم وخر الصفحة لكي يعلق
    لن يعلق أحد على هده الصفحة أ.ب.د.ا ابدا ابدا النه ان يستطيع حتى الوصول الى اخر الصفحة
    3.فيها اكثر من 10000 سطر احد000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000 مليار كلمة
    4.اي احد عندما سيبدا القراءة سيرى ان الصفحة سوبر طويلة و سيغادر الموقع ف.و.ر.ا فورا لانه سيمل و لا احدسيقرا كل هدا؟؟؟؟
    5.هدا مممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.