منازعات الصفقات العمومية
زايد لمياء

دكتورة في القانون الخاص

شعبة قانون الاعمال و الاستثمار

مقدمة :

تمثل الصفقات العمومية ، الفئة الأكثر تمثيلية للعقود الإدارية ، حيث تحتل مكانة أساسية ضمن هذا الصنف من العقود التي تبرمها الإدارة ، فالعقد الإداري يستمد قواعده إما من نصوص تشريعية او تنظيمية تنظم جانبا أو أكثر من جوانبه ، و إما من أحكام القضاء الإداري التي يمارس القاضي من خلالها دورا بارزا في خلق و استخلاص المبادئ القانونية التي تحكم هذا العقد دون التقيد في ذلك بأحكام القانون المدني[1] .

فلقد استقر الفقه و القضاء الإداري في تعريفه للعقد الإداري بأنه اتفاق يكون احد أطرافه شخصا معنويا عاما بقصد إدارة احد المرافق او تسييرها ، وتظهر فيه النية في الأخذ بأسلوب القانون العام[2] ، وذلك من خلال تضمين العقد شروطا استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص ، و من خلال التعريف القضائي للعقد الإداري ، يستخلص انه يرتكز على ثلاثة عناصر تتمظهر في أن يكون احد طرفي العقد من أشخاص القانون العام ، و أن يتصل العقد بنشاط مرفق عام ، و احتواء العقد على شروط استثنائية [3] .

ومن العقود التي أعطاها المشرع صفة العقود الإدارية بنص القانون ، عقود الصفقات العمومية المنظمة بمقتضى المرسوم عدد 479-76-2 الصادر بتاريخ 14 أكتوبر 1976 بشأن صفقات الأشغال أو الأدوات أو الخدمات المبرمة لحساب الدولة [4] ، المعدل بمرسوم عدد 482-98-2 الصادر في 30 ديسمبر 1998 بتحديد شروط و أشكال إبرام صفقات الدولة[5] ،المعدل بمرسوم 388-06-2 بتاريخ 05 فبراير 2007 المتعلق بتحديد شروط و أشكال إبرام صفقات الدولة ، المعدل بمرسوم 349-12-2 بتاريخ 20 مارس 2013 المتعلق بتحديد شروط و أشكال إبرام صفقات الدولة [6]

ولما كانت الصفقات العمومية كعقود إدارية تبرم بطرق خاصة وتحكمها إجراءات معقدة و تخضع لأنواع كثيرة من الرقابة ، وأنها تتيح لجهة الإدارة ممارسة جملة من الامتيازات و السلطات ،فالعقد الإداري باعتبار طبيعته و ارتباطه بالمصلحة العامة و المال العام يمر بمجموعة من المراحل ابتداء من تكوينه مرورا بتنفيذه و ينتهي بانتهاء موضوع العقد ، و ينتج عنه مجموعة من الالتزامات المتبادلة بين أطراف العقد فالإدارة في ظله باعتبارها سلطة عامة تملك سلطة الرقابة و الإشراف و التوجيه وسلطة توقيع الجزاءات وسلطة تعديل العقد بما يكفل خدمة المرفق العام ، وسلطة إنهاء العقد .

كما ان المتعاقد مع الإدارة يملك حق الحصول على المقابل النقدي لقيمة الأشغال المنجزة وفق إعادة التوازن المالي للعقد في حالة تعديله نتيجة فعل الآمر او الظروف الطارئة و حق التعويض عن كل فسخ تعسفي للعقد من لدن الإدارة، فقد أحاط المشرع تلك السلطات بمجموعة من الضوابط يتعين سلوكها من طرف الإدارة منها ، إنذار المتعاقد مع الإدارة بالمخالفة المرتكبة و الإجراء المنوي اعتماده و أن يكون الفسخ مبني على سبب مشروع ، وام يكون للتعديل دوافعه المشروعة .

و بالتالي إلى أي حد توفق المشرع المغربي في تنظيم مساطر تسوية منازعات الصفقات العمومية بما يكفل الحفاظ على مصالح كل من الإدارة و المتعاقد معها ؟ وماهو موقف العمل القضائي الإداري المغربي حول منازعات الصفقات العمومية المترتبة عن إختلالات التدبير الإداري و الناجمة كذلك عن غيرها من الخلافات المتعلقة بإبرام و تنفيذ الصفقة العمومية؟”

و في تحريرنا لهذا الموضوع سوف نقوم بتقسيمه إلى مبحثين :

المبحث الأول : المسطرة القضائية المتبعة في فض منازعات الصفقات العمومية

المطلب الأول : الاختصاص النوعي و المحلي للمحاكم الإدارية في مجال الصفقات العمومية

المطلب الثاني : توزيع الاختصاص بين القضاء الشامل و قضاء الإلغاء

المبحث الثاني : المطالبة الإدارية بالتعويض عن الأضرار المترتبة عن توقيف أو فسخ الصفقة

المطلب الأول :الحماية القضائية للمتعاقد مع الإدارة حول فسخ عقد الصفقة

المطلب الثاني : الحماية القضائية للمتعاقد في حالة رفضها أداء مقابل الأشغال

المبحث الأول : المسطرة القضائية المتبعة في فض منازعات الصفقات العمومية

لقد عرفت مرحلة تسوية النزاعات المتعلقة بالصفقات العمومية أمام المحاكم الإدارية انطلاقتها بإنشاء هذه المحاكم من خلال القانون رقم 90-41 الصادر بتاريخ 10 سبتمبر 1993 بعد أن كانت تضطلع بها ، في المراحل السابقة هيئة القضاء العادي فيما يتعلق بدعوى القضاء الشامل منذ أول تنظيم قضائي عصري عرفه المغرب سنة 1913 ، و الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى فيما يخص دعوى إلغاء القرارات الإدارية ابتداء من تاريخ إحداث المجلس المذكور سنة 1957

المطلب الأول : الاختصاص النوعي و المحلي للمحاكم الإدارية في مجال الصفقات العمومية

إذا كان المشرع قد أجاز سواء للمتعاقد أو لغيره اللجوء إلى الطعن لإلغاء القرارات المنفصلة ،عن العملية العقدية ، فإنه مباشرة بعد التعاقد يطرح السؤال عن الجهة المختصة للنظر في المنازعات التي قد تنجم عن عقد الصفقة ، خاصة أن الإدارة ونظرا للامتيازات التي تتمتع بها والمستمدة أساسا من مهمتها المتمثلة في الحفاظ على المصلحة العامة ، قد تعمد إلى إصدار قرارات تضر بمصلحة الطرف المتعاقد.

وتختص المحاكم الإدارية طبقا لما تنص عليه المادة الثامنة من القانون المحدث للمحاكم الادارية مع مراعاة الاستثناءات الواردة في المادتين 9 و 11 من القانون المذكور ، بالبث ابتدائيا في :

طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة و فحض الشرعية
النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية
دعاوي التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام ماعدا الأضرار التي تسببها في الطريق العام مركبات ايا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام .

و استثناءا من أحكام المادة 8 ، ووفقا للمادة 9 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية ،يظل المجلس الأعلى مختصا بالبث ابتدائيا و انتهائيا في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة بالمقررات التنظيمية و الفردية الصادرة عن الوزير الأول و التي يمكن أن تندرج فيها منازعات الصفقات العمومية ، وبقرارات السلطات الإدارية (بصفة عامة و فيما يتعلق بالصفقات العمومية) التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية [7].

كما أن اختصاص المحاكم الإدارية بمنازعات الصفقات العمومية ، اختصاص شامل لكافة ما يتصل بها من أعمال مادية و قانونية ، وهو أمر يترتب عنه تحديد نوع الدعوى التي تباشر أمامها ، هل هي دعوى القضاء الشامل أو دعوى الإلغاء و الولاية الأولى اشمل من الثانية [8].

كما احدث المشرع المغربي محاكم الاستئناف الإدارية بموجب القانون رقم 80-03 الصادر الأمر بتنفيذه بالظهير الشريف رقم 1-06-07 المؤرخ في 14 فبراير 2006 لتحل محل الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى التي مارست اختصاصات هذه المحاكم منذ تأسيس المحاكم الإدارية سنة 1993.

وتعتبر قواعد الاختصاص النوعي من النظام العام في القانون المحدث للمحاكم الإدارية ، حيث يتم إثارة الدفع بعدم الاختصاص النوعي في جميع مراحل الدعوى سواء أمام المحاكم الإدارية أو أمام المجلس الأعلى كجهة استئنافية (محكمة النقض حاليا) ، للأحكام الصادرة عن المحاكم المذكورة ، وتبث المحكمة في الدفع بعدم الاختصاص النوعي بحكم مستقل و لا يجوز لها أن تضمه إلى الموضوع .

أما فيما يتعلق بالاختصاص المكاني ، فنجد المادة العاشرة من القانون المحدث للمحاكم الإدارية تنص على أن قواعد الاختصاص المكاني الواردة في الفصل 27 وما يليه إلى الفصل 30 من قانون المسطرة المدنية هي المعتمدة بالنسبة للمحاكم الإدارية كذلك ، أي أن المحكمة الإدارية المختصة مكانيا هي التي يوجد بدائرتها الموطن الحقيقي او الموطن المختار أو محل الإقامة للمدعى عليه.

كما تكزن المحكمة الإدارية المرفوعة إليها دعوى تدخل في دائرة اختصاصها المحلي مختصة أيضا ، طبقا للمادة 15 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية ، بالنظر في جميع الطلبات التابعة لها أو المرتبطة بها ، وجميع الدفوعات التي تدخل قانونا في الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية أخرى ولكن مع مراعاة الاستثناء المنصوص عليه في المادة 18 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية .

المطلب الثاني : توزيع الاختصاص بين القضاء الشامل و قضاء الإلغاء

الأصل أن جميع المنازعات المترتبة عن العقود الإدارية مما يختص بها القضاء الإداري ، سواء تعلق الأمر بإنهائها أو فسخها أو صحتها على أساس ولايته الكاملة ، فالقضاء الشامل هو الأصل فيما يتعلق بالمنازعات التي تترتب على الصفقات العمومية ، واختصاص المحاكم الإدارية يمتد ليشمل كل ما يتعلق بعملية التعاقد و بجميع الصفقات العمومية و هو اختصاص شامل و مطلق للمنازعات العقدية و ما يتفرع عنها [9].

في حين ، يقصد بقضاء الإلغاء القضاء الذي يخول للقاضي سلطة الحكم بإلغاء قرار إداري معيب دون الحق في توجيه أوامر إلى الإدارة للقيام بعمل أو الامتناع عن القيام به ، وتهدف دعوى الإلغاء إلى احترام مبدأ الشرعية حيث يحق للأفراد الطعن في القرارات إذا كانت غير مشروعة . فإن مجال قضاء الإلغاء في نطاق منازعات الصفقات العمومية يأتي محدودا و مرد ذلك لعنصرين اثنين هما :

أولا : من شروط دعوى الإلغاء أن توجه الدعوى إلى قرار إداري ، ولكنها لا يمكن أن توجه إلى عقد صفقة ، لأن عقد الصفقة هو توافق إرادتين، بينما القرار هو تعبير عن إرادة الإدارة بمفردها .

ثانيا : في مجال قضاء الإلغاء لا يمكن الاستناد إلى مخالفة الجماعة لالتزاماتها التعاقدية كسبب من الأسباب التي تجيز طلب إلغاء القرار الإداري. فدعوى الإلغاء هي جزاء لمبدأ المشروعية و الالتزامات المترتبة على الصفقات العمومية هي التزامات شخصية و لذلك لا تخضع منازعات العقود الإدارية لقضاء المشروعية .

و عموما تختلف دعوى الإلغاء عن دعوى القضاء الشامل من حيث موضوع النزاع ، ومن حيث سلطات القاضي إزاء القضية المعروضة عليه و مميزات الحكم [10]، ففي الدعوى الخاضعة لولاية القضاء الشامل يتمتع القاضي بسلطات واسعة تتفق مع طبيعة النزاع ، فالأمر لا يقتصر على إلغاء القرار المطعون فيه إذا ثبت عدم مشروعيته ، بل يتجاوز ذلك ألى تعديل هذا القرار أو إصلاحه أو إحلال آخر محله ، أو الحكم بتعويض مالي في حالة طلببه ، وهذا ما أكده القضاء الإداري :” وحيث إن القاضي الإداري و هو يبث في الدعوى بصفة قاضي الإلغاء يقتصر دوره على إلغاء القرار ، دون أن يحل محل جهة الإدارة المختصة في إصدار القرار الصحيح قانونيا بخلاف دعوى القضاء الشامل التي يملك فيها القاضي الإداري إضافة إلى إلغاء قرار الإدارة تصحيح المركز القانوني للطاعن وبيان الحل الصحيح في المنازعة إذ لا يكتفي بإلغاء الحل الذي انتهت إليه الإدارة بل يتعدى ذلك إلى إملاء الحل الصحيح على الإدارة و الحكم به ” [11].

المبحث الثاني : المطالبة الإدارية بالتعويض عن الأضرار المترتبة عن توقيف أو فسخ الصفقة

إذا كانت الإدارة تملك سلطة فسخ العقد الإداري مراعاة منها للمصلحة العامة التي تمثلها ، فينبغي مراعاة الإجراءات القانونية المنصوص عليها في اتخاذ قرار الفسخ ، كما يوازيه حق المتعاقد معها في الحصول على التعويض الشامل لمجموع الضرار الناتجة له من جراء الفسخ الذي شمل ما فاته من كسب و ما لحقه من خسارة متى كان الفسخ مبني على إجراءات غير قانونية أو كانت الأسباب التي قام عليها الفسخ غير مشروعة

المطلب الأول :الحماية القضائية للمتعاقد مع الإدارة حول فسخ عقد الصفقة

من مظاهر هذه الحماية تتجلى في فرض رقابة على جميع الإجراءات التي سبق قرار الفسخ ، و ما هي أسبابه ، وكذا مدى التناسب بين المخالفة المنسوبة للمتعاقد مع الإدارة و جزاء الفسخ ، مع ضمان حق المتعاقد مع الإدارة في التعويض الكامل عن الفسخ التعسفي .

إذا كانت الإدارة تملك السلطة التقديرية في فسخ عقد الصفقة بالإستناد إلى المصلحة العامة لسير المرفق أو بناء على إخلال المتعاقد بالتزاماته التعاقدية أو ارتكابه خطأ فادحا يؤثر على مواصلة العلاقة التعاقدية بشكل مرهق ، فيجب عليها دائما أن تعمل على إخطار المتعاقد معها بالأمر و على الإجراء المنوي اتخاذه في حقه ، و إلا يكون جزاء عدم التقيد بذلك إلغاء قرار الفسخ المبني على إجراءات غير قانونية ، مع مطالبة الإدارة بالتعويض عن الأضرار الناتجة له من جراء ذلك .

ولقد قضت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء و هي تقرر عدم مشروعية قرار فسخ عقد الصفقة لإخلال الإدارة بالمسطرة القانونية المنصوص عليها بالفصل 35 من دفتر الشروط الإدارية العامة ” إن المحكمة عاينت أن الإدارة لم تحترم مقتضيات الفصل 35 من المرسوم الملكي المؤرخ في 19 أكتوبر 1965 بشأن كناش الشروط الإدارية العامة المطبق على صفقات الأشغال لوزارة الأشغال العمومية و الذي يلزم الإدارة أن تمنح المقاول إنذارا لمدة عشرة أيام لكي يصلح الإخلالات و الاعطاب التي تسببها الإدارة له و حيث أنه أمام إخلال الإدارة بالمسطرة المنصوص عليها.فإن المحكمة ترى أن الفسخ جاء مشوبا بالشطط في استعمال السلطة و مخالفا للقانون ليتحقق معه المتعاقد تعويضا كاملا عن الأضرار الحاصلة له عما لحقه من خسارة و ما فاته من كسب[12] .

و بناءا على دفتر الشروط الإدارية العامة فإنه يجب سلوك مسطرة المطالبة داخل أجل محدد للإستفادة من التعويض عن الضرر المترتب عن تأجيل أو توقيف الأعمال أو عن فسخ الصفقة تحت طائلة عدم القبول .

و حول هذا المقتضى ، فإن دفع الإدارة بعدم احترام المدعية لمقتضيات المادة 44 من دفتر الشروط الإدارية العامة بشان تقديم طلب التعويض داخل اجل 40 يوما من تاريخ تبليغ الأمر بالخدمة القاضي بتأجيل الأشغال ، ردت المحكمة الإدارية بالرباط الدفع المذكور مصصحة الاستناد القانوني ، بأن المقتضيات النافذة التي تنطبق على النزاع هي تلك المنصوص عليها في المادة 34 من المرسوم رقم 209.65 بتاريخ 19/10/1965 المتعلق بدفتر الشرو الإدارية العامة المطبق على الصفقات المبرمة لحساب وزارة الأشغال العمومية و المواصلات ، حيث ان المحكمة نصت على أن مسطرة مسطرة المطالبة الإدارية المسبقة المنصوص عليها في تلك المادة بشروطها المذكورة تنصرف فقط على طلب الفسخ دون طلب التعويض الذي يمكن تقديمه و لو لأول مرة أمام القضاء حتى من دون أن يسبقه طلب إداري الى رب العمل[13] .

و في نفس المسار ذهبت محكمة الإستئناف الإدارية بالرباط ” لكن ، حيث من جهة ففضلا عن أن الحكم المستأنف سبق أن أجاب على الدفوعات المثارة ابتدائيا بخصوص تقديم الطلب دون سلوك مسطرة التظلم ، و من جهة اخرى فان مرسوم 19 اكتوبر 1965 يندرج ضمن المجال التنظيمي و يتعلق بتنظيم علاقة الإدارة بالمقاولة اثناء تنفيذ الصفقة ، و المقتضيات الاجرائية منه لا تخص سوى تنظيم المنازعة الإدارية بين صاحب المشروع و المقاولة و هي مرحلة تسبق اللجوء الى القضاء ، و لا تتحدث عن سقوط الحق في المنازعة امام القضاء ، فالنص المذكور يتحدث عن سقوط الحق في المطالبة بالتعويض امام الادارة في حالة عدم المنازعة في الاوامر داخل اجل محدد و ليس سقوط حق المنازعة امام القضاء ، الشيء الذي يبقى معه السبب المثار بشانه مردودا [14].

المطلب الثاني : الحماية القضائية للمتعاقد في حالة القيام بأشغال خارج القواعد المنظمة للصفقات العمومية

ان الصفقات العمومية يجب ان تبرم على شكل عقود مكتوبة ، يتم ادراج فيها مجموعة من البيانات منها ما يتعلق بطريقة ابرام عقد الصفقة ، وكذا بيان الأطراف المتعاقدة ، موضوع الصفقة و الثمن و كذا ايضا اجل التنفيذ و تاريخ انتهاء الاشغال و المصادقة عليها .

وتمثل المنازعات المتعلقة بالحكم باداء ثمن الأشغال الإضافية و التغيرات المنجزة خلال تنفيذ الصفقة ، و باداء الفوائد القانونية و بارجاع الضمانات المختلفة حيزا وافرا من منازعات الصفقات العمومية المعروضة على القضاء الاداري .

و حتى يتم الحكم باداء ثمن الأشغال الإضافية و التغييرات اثناء تنفيذ الصفقة العمومية يجب توفر :

اولا : ان تكون بصدد اشغال اضافية ، لم تكن متوقعة في الشروط التعاقدية ، وكذا تغيير في حجم الأعمال .

ثانيا : يمكن ان تكون الاعمال الاضافية موضوع اتفاق ما بين المقاول و صاحب المشروع يتم غالبا في شكل عقد ملحق ، ففي هذه الحالة فان تعويض المقاول لا يطرح اي مشكل و يتم احتسابه اما باتفاق الطرفين و اما على اساس الثمن الاصلي للصفقة .

ثالثا : يمكن للادارة ان تفرض على المقاول اشغال اضافية بواسطة امر بالخدمة و الذي يتعين عليه الالتزام به اذا كان وجوده لا يشكل اي نزاع .

نذكر في هذا الصدد العديد من الاحكام القضائية التي عملت على حماية المتعاقد مع الإدارة بحيث ان عقد الصفقة و ان لم يضبط باتفاق مكتوب فهو ياخذ احكام الصفقة الأصلبة باعتبارها مرتبطة به ، كما ان تكون هناك اوامر بالخدمة و تقارير مكتب الدراسات ، حيث قضى لها القضاء بالتعويضات المستحقة دون اشتراط عقد ملحق .

ولقد أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط حكما قضى :
“لئن كانت الأشغال المنجزة خارج الصفقة لم تنضبط للقواعد القانونية المؤطرة للصفقات العمومية فإن ما يترتب عنها من تحمل منجزها لنفقات وتحقق نفع ثابت لفائدة الجهة المنجزة لفائدتها يشكل إثراء لهذه الأخيرة على حساب منجزة الأشغال بما أنفقته من مال……اسحقاقها لمجموع مقابل الأشغال بما فيها نسبة الربح……..لا.استحقاقها لمقابل تكلفة الأشغال فقط…..نعم”[15]
و في حكم اخر قضى : لكن اعتبارا لكون انجاز الأشغال ترتب عنها تحمل المدعي بنفقات اثبتتها الوثائق المدلى بها و تقرير الخبرة و في المقابل حققت جهة الإدارة المنجزة لهذه الأشغال لفائدتها نفعا ثابتا ، واعنبارا لكون المدعي لم يكم ليقوم بانجاز تلك الأشغال إلا بوافقة جهة الإدارة و تحت إشراف موظفيها فإن مثل هذه الوضعية تشكل اثراء لهذه الإدارة على حساب المدعى بما انفقه في انجاز تلك الأشغال[16] .

و هو نفس الإتجاه الذي كرسته المحكمة الادارية بوجدة حيث جاء فيه :” ان المتعاقد بإنجاز أشغال إضافية يستحق عنها مقابل القيام بها رغم ان كيفية ابرام العقد الملحق قد تمت دون احترام المسطرة القانونية الواجبة التطبيق و ذلك استنادا للقواعد العامة موضحة ان المدعية قد قامت بانجاز اشغال اضافية و لا تتحمل وزر خطأ المجلس بخصوص كيفية ابرام عقد الصفقة معها كما لا يمكن الإثراء على حسابها .

خاتمة

ان موضوع منازعات الصفقات العمومية و مناقشته تمكننا من الوقوف و فهم مجموعة من الاخلالات التي تطبع الممارسة الادارية في تدبير الصفقات العمومية ، كما تلعب القرارات و الاجتهادات القضائية دورا مهما في توضيح المواقف المختلفة للعمل القضائي الاداري المغربي بخصوص بعض عناصر منازعات الصفقات العمومية التي تترتب عن اختلالات التدبير الاداري و عن غيرها من الخلافات المتعلقة بابرام و تنفيذ الصفقة العمومية .

[1] يراجع في ذلك ثروت بدوي :” النظرية العامة في العقود الادارية ” ، دار النهضة العربية ، سنة 1991 ، ص 12

[2] عبد العزيز عبد المنعم خليفة :’ الاسس العامة للعقود الادارية ” منشاة المعارف ، 2004 ص 7

[3] محمد الاعرج :” نظام العقود الادارية و الصفقات العمومية وفق قرارات واحكام القضاء الاداري المغربي ، منشورات المجلة المغربية للادارة المحلية و التنمية ، سلسلة مؤلفات واعمال جامعية ” العدد 88 ، سنة 2011 ص 32 ومايليها.

[4] ج.ر عدد 3339 بتاريخ 27/10/1976 ص 3270

[5] ج ر عدد 4654 بتاريخ 17-12-1991 ص 4

[6] ج ر 6140 بتاريخ 4 ابريل 2013 ص 3032

[7] تنص المادة 9 من القانون المحدث للمحاكم الادارية على انه ” استثناءا من احكام المادة السابقة يضل المجلس الاعلى مختصا باليث ابتدائا و انتهائيا في طلبات الالغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة ب : المقررات التنظيمية و الفردية الصادرة عن الوزير الاول ، قرارات السلطات الادارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة ادارية “.

محمد باهي “منازعات الصفقات العمومية للجماعات الترابية امام المحاكم الادارية ” ج الاول مطبعة النجاح الجديدة ، سنة 2015 ص 212[8]

[9] محمد الأعرج ” الطلبات الإستعجالية في مجال القضاء الإداري ، منازعات العقود الإدارية كنموذج ” منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ، مواضيع الساعة ، عدد 50، 2005، ص125

[10] René Chapus : « droit du contentieux administratif 6 édition Montchrestien ; P 162.

[11] الحكم عدد 19/95 المؤرخ في 23/02/1995 الصادر عن المحكمة الإدارية بأكادير في الملف الإداري عدد 9412 في قضية الوكالة الصناعية و التجارية بأكادير ضد وزارة الشغال العمومية.

[12] حكم عدد 243 بتاريخ 23/2/1996 ملف شركة تنظيف ضد الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي منشوربالدليل للاجتهاد القضائي الإداري 4140.

[13] حكم رقم 120 الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 2-2-2006 في الملف عدد 1388/03 في قضية شركة طنجة ضد الدولة المغربية.

[14] قرار مؤرخ في 30شتنبر 2013 الصادر عن محكمة الإستئناف الادارية الرباط في الملف الاداري عدد 18-7-2010 في قضية الدولة المغربية ضد شركة تافيلالت للاشغال ..

[15] بتاريخ 10 أكتوبر 2013 ،في الملف عـدد : 114-13- 2012
[16] حكم المحكمة الادارية بفاس عدد239 بتاريخ 30/04/2002 في الملف عدد20/00

إعادة نشر بواسطة محاماة نت