الباحثة/الكاتبة. جميـــلة مــرابــــط

الأســــس القـــانــونـــية المــؤطـــرة والمنـــظـــمة لعـــقــود الطـــاقــة

أدت الطاقة ومازالت تؤدي دوراً حيوياً ومهماً في عجلة التطور الاقتصادي والاجتماعي باعتبارها أحد أهم مستلزمات القطاعات الاقتصادية المختلفة، وركيزة أساسية من ركائز التطور الاجتماعي وارتقاء مستوى الحياة. إن علاقة الطاقة بالقطاعات الاقتصادية المختلفة وبالحياة العامة هي علاقة تكاملية مترابطة، فهي تتأثر بمستويات التطور في المجالات مختلفة وتؤثر في تلك المستويات إيجابياً في حال وفرتها وسلبياً في حال نقصانها أو تدني مواصفاتها.

والتوسع في الوصول للطاقة هو شرط مهم للتنمية البشرية على جميع الأصعدة، وهذا ما أكده مشروع الألفية الخاص بالأمم المتحدة على وجود روابط وثيقة بين استخدام الطاقة والأهداف التنموية للألفية؛ إذ من غير الممكن أن يدار مصنع، أو أن يدار محل، أو أن تزرع محاصيل، أو أن توصل بضاعة للعملاء بدون استخدام بعض الأشكال من الطاقة. لذا يتزايد الطلب العالمي عليها والذي سيستمر لعقود قادمة بشكل كبير طبقا لطلب العروض من وجهة نظر منظمة الطاقة العالمية(WEO)، كما هو مدرج ضمن الدوريات الاستشرافية لمستقبل الطاقة العالمية التي تصدرها الوكالة الطاقة الدولية.

وبالتالي يتوقف مستقبل الاقتصاد العالمي وتطوره وازدهاره على كيفية التعامل مع تحديين أساسيين مرتبطين بالطاقة : تأمين إمدادات ثابتة وآمنة من الطاقة بأسعار معقولة، والتحول نحو مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة لتقليل الدمار الناتج عن التلوث، بكسر الصلة بين استهلاك الطاقة(الهيدروكربونية /الأحفورية) وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. فالتصرف الرشيد لأي دولة يقتضي أن تواكب هذه المتغيرات وأن تسعى بشكل جاد لدعم الجهود الرامية لإدخال نظم الطاقة المتجددة ضمن منظومة إنتاج الطاقة لديها تدريجيا، والتي لم يعد من قبيل الرفاهية المجتمعية بقدر ما هي ضرورة من ضرورات التنمية المعاصرة.

فالدعوة للجوء إلى تشجيع وتنظيم الاستثمار في قطاع الطاقة وخاصة الطاقات المتجددة، يرجع إلى عدة أسباب أهمها فاعليته في تطوير قطاعات انتاجية مختلفة، كما أن الدولة لا تستطيع أن تنهض بها القطاع لوحدها وامكانياتها التي أصبحت محدودة لاسيما من ناحية التمويل والتكنولوجيا المستخدمة فيه والخبرات الفنية… لذا كان لزاما البحث عن أداة لرفع الأعباء عن الميزانية العامة وتنمية الإنتاج وتطوير مرافق الدولة. هذا ما أدى إلى الدخول في عقود متعددة بين الدول صاحبة الثروة الطبيعية أو إحدى هيئاتها أو شركاتها من ناحية، وبين طرف يقوم بالتقنية أو الإنتاج والتسويق من ناحية أخرى، أو الإنتاج والتسويق من ناحية أخرى، وفى الغالب أن يكون هذا الطرف الثاني من الشركات الكبرى المتخصصة .

ومما لا ريب فيه أن عقود الطاقة من العقود المستحدثة؛ وخاصة عقود الطاقة المتجددة التي تخفف من أضرار البيئة. وكما تمثل مرحلة هامة من حلقات التطور القانوني في رحاب القانون الإداري الاقتصادي، خاصة التطور الهائل الذي لحق بالمرافق الإقتصادية للدولة، وما ألم بها من الخصخصة التي تغل يد الدولة عن مباشرة الكثير من أوجه هذا النشاط، لكي تفسح المجال للقطاع الخاص ونشاط الأفراد في تمويل المشروعات الكبرى وإدارتها، وخاصة في مجال البنية الأساسية والخدمات والمرافق العامة.

لا شك أن إبرام العقود الاستثمارية يختلف عن العقود العادية، فعقود الطاقة تختلف عن العقود العادية ومن ثم توجد العديد من الإجراءات الشاقة التي تحيط بها والتي تبدأ من المفاوضات ثم مرحلة إبرام عقد الطاقة. لذا فمن الضروري في البداية سرد بعد النماذج التي كانت سائدة في السابق في فترات الأولى من استغلال الطاقة الأحفورية، ثم العمل على تبيان التكييف القانوني والأسس المؤطرة لها، ولعل ما يزيد من صعوبة البحث أن عقود الطاقة لا يوجد تنظيم قانوني لها في التشريعات الوطنية، فضلاً عن أن هيئات التحكيم الدولية ليست على وتيرة واحدة في الأحكام التي تصدرها بشأنها، ومن ثم تنوعت أسس المنظمة لهذه عقود.

وبما أن عقود الطاقة تعتبر من العقود الحديثة، لم تظهر إلى حيز الوجود إلا بعد اكتشاف البترول وتطور صناعته وكانت تعرف آنذاك بالاتفاقيات الامتياز البترولية، سنتعرف في (المطلب الأول) البعد التاريخي لهذه العقود، وفي(المطلب الثاني) الاختلافات الفقه حول تحديد الطبيعة القانونية، ثم تحديد القانون الواجب التطبيق بما أن أحد أطرافها في الغالب يكون أجنبيا لذا الدولة المضيفة(المطلب الثالث).

وقبل البدء في عرض هذا الموضوع أود أن أشير في هذا الإطار، أن هناك من يقسم هذه العقود إلى صور ثلاثة حسب تطورها التاريخي إلى عقود المشاركة، وعقود المقاولة وعقود اقتسام الإنتاج… إلا أن اعتماد مثل هذا التقسيم لن يساعدنا في تحديد وبطريقة سهلة ومفصلة الطبيعة القانونية وتنازع القوانين التي تثيرها، لذا ارتأيت اعتماد التقسيم الذي أشرت إليه سابقا.

المطلب الأول: الخلفية التاريخية لاتفاقيات الامتياز الكلاسيكية للطاقة

يحكي لنا التاريخ أنه في فترة الاكتشافات البترولية عبر العالم؛ كان هناك نوع من المنافسة فيما بين الدول من خلال شركاتها عبر الوطنية للحصول على امتيازات التنقيب، أو ما يعرف الاتفاقيات النفطية منذ 1901 إلى 1971 . تعتبر هذه الاتفاقيات من بين اتفاقيات الامتياز الكلاسيكية، هذه الاتفاقيات شكلت نوعا من الاحتكار المطلق على منابع النفط ليس فقط في الشرق الأوسط بل جل مناطق تواجده. وكانت تعرف بامتياز “كونكس دي أركي”، سمت على المليونير البريطاني وليام كونكس دي أركي، الذي حاول تأمين حقوق نفطية في إيران عند بداية القرن، وهذه اتفاقيات هي التي جعلت الدول المنتجة تقع فريسة الاستعمار الاقتصادي.

كانت البداية في إيران، ففي تاريخ 28 مارس 1901 منح كونكس دي أركي امتياز نفطي من الحكومة الإيرانية لفترة ستين عاما، تعطيه الحق في الاستكشاف، والاستخراج واستخدام، وتطوير، وتسويق، ونقل وبيع النفط الخام والغاز الطبيعي والإسفلت في كافة المقاطعات الإيرانية، وفي المقابل كان دي أركي يلزم بدفع مبلغ (20000) إسترليني وحصة من أرباح الشركة التي سيتم تشكيلها في حالة الإنتاج مقدارها 16في المائة.

امتياز آخر ذات أهمية تاريخية في الامتيازات الاحتكارية، ذلك الذي يغطي مناطق بغداد والموصل، الذي وعدت به الحكومة التركية عام 1912 إلى شركة النفط التركية، والتي تشكلت لهذا الغرض… والأمر نفسه مع العربية السعودية ففي عام 1933 منحت الشركة الأمريكية ستناندارد أويل كاليفورنيا حق الامتياز لمساحة (320) ألف ميل مربع لفترة ستين سنة، وعند إعادة النظر بنصوص العقد ثم تمديد فترة الامتياز حتى سنة 2005 أي فترة 72 سنة، وقد نصت على إيجار سنوي مبلغه 5000 (باون استرليني) قبل البدأ بالإنتاج التجاري، وبعدها تدفع ضريبة مبلغها أربع (شلنات) ذهبية لكل طن ينتج، وجاءت بعدها الشركات الأمريكية” أسو وموبيل وتكسيكو” حصلت على مساهمة في الامتياز ولغرض القيام بالعمليات النفطية فقد ثم تشكيل شركة مشتركة تدعى شركة النفط العربية الأمريكية (ARAMCO)… حتى لا أطيل يمكن القول أن غالبية الدول العربية خاصة دول الخليج العربي أبرم نفس الاتفاقيات والعقود مع شركات الدول الغربية خاصة البريطانية والأمريكية والفرنسية والألمان.

وما يمكن ملاحظته في شروط ونصوص اتفاقيات الامتياز الكلاسيكية، أنها تعطي للشركات الحرية الكاملة في اتخاذ القرارات بشأن:

الرقعة والطريقة التي تزاول الشركات فيها عملياتها.
برامج الاستثمار ومتطلبات التشغيل والعمليات.
الإنتاج من دون أي غاية تذكر.
الحرية في كيفية تسويق النفط الخام والغاز الطبيعي وتحديد الأسعار.

أما الملاحظة الثانية، أن هذه الاتفاقيات كانت تعطي في البداية للدول المنتجة الحق في المشاركة في الأرباح، وبعدها تطورت لتصبح الاتفاقيات على أساس المشاركة في العمليات وفي الإنتاج، ثم على أساس عقود الخدمة، وبعد أن حصلت هذه الدول على استقلالها السياسي عملت هذه الدول على تأميم مواردها بعيدا عن الشركات النفطية العالمية الأجنبية.

بناءا على ما تم ذكره، يمكن تعريف عقود الطاقة بأنها : العقود التي تبرم بين الدولة والشركة الأجنبية بقصد منحها الحق المطلق في البحث والتنقيب وانتاج الطاقة داخل إقليمها، مع الحق في استغلال هذه الموارد والتصرف فيها خلال فترة زمنية معينة في مقابل حصول الدولة على مقابل مالي معين. إلا أن هذه العقود في عصرنا الحالي قد تكون وطنية وهى التي تكون داخل دولة واحدة ويتم تنفيذها على إقليم هذه الدولة، وقد تكون أجنبية ومن ثم تكون عقود الطاقة حينئذ من العقود الدولية، وتثير مسألة العقد الدولي تنازع القوانين، وتحديد القانون الواجب التطبيق على عقود الطاقة( ولنا شواهد تاريخية أثارتها هذه العقود إلا أن المقام لا يسمح بعرضها سأكتفي فقط بعرض التأطير والتكييف القانوني لهذه العقود)

المطلب الثاني: الطبيعة القانونية لعقود الطاقة

اختلف الفقه حول تحديد الطبيعة القانونية لعقود الطاقة إلى ثلاثة اتجاهات هل تنتمي إلى العقود الإدارية أم إلى العقود المدنية أم إلى عقود ذات طبيعة خاصة.

أ)- الاتجاه الأول

يرى أصحاب هذا الرأي، أن عقود الطاقة لا تكتسب الصفة الإدارية نظرا لكونها لا تنطوي على شروط استثنائية غير مألوفة. تأسيسا على أنها لا تتصل بمرفق عام لأن استغلال الطاقة بواسطة الشركة لا يعد مشروعاً يعمل بشكل منتظم ومستمر بقصد أداء خدمات عامة للجمهور، ومن ثم فهي أقرب للعقود المدنية تخضع منازعاتها للقانون الخاص. وقد استند هذا الرأي على ما يلي :

أن مصلحة الدولة تتطلب نزولها إلى مستوى الأفراد العاديين، بما أنها لجأت للشركات الإستثمارية الأجنبية للحصول على عائد مرتفع نتيجة إبرام عقود
أن عقود الطاقة تبرم وفقا لمبدأ سلطان الإرادة نتيجة تخلى الإدارة عن الامتيازات التي تستمدها من القانون العام، ومن ثم لم تضمن عقودها شروط استثنائية غير مألوفة.
أن معظم عقود الطاقة تنص على أن جهة حل النزاع الناتج عنها تكون هيئة تحكيم أو القضاء العادي، ويمكن الإتفاق على إحالة النزاع إلى غرفة التجارة الدولية للتحكيم…
ب) الاتجاه الثاني:

يرى البعض من فقهاء القانون العام أن عقود الطاقة تعتبر عقود إدارية، بل هي صورة حديثة وجديدة لعقود الإمتياز. فضلاً عن أنها تعد عقود الالتزام المرافق عامة فالأصل أن تطبق قواعد العقود الإدارية عليها عند إبرامها ومن ثم تعد عقود إدارية. نظرا لأن صور عقود استغلال الثروات الطبيعية والتي تمنح الدولة من خلالها الشركة الأجنبية الحق المطلق في البحث والتنقيب عن الطاقة وكافة مصادرها واستغلالها والتصرف فيها، وذلك خلال فترة زمنية معينة في مقابل حصول الدولة على مقابل مالي يتفق عليه.

ويتجه البعض إلى وصف عقود الطاقة بأنها عقد امتياز الهدف منه إدارة مرفق له طابع اقتصادي على أن يتم بين جهة الإدارة المختصة بتنظيم هذا المرفق، وبين فرد أو شركة يعهد إليها باستغلال المرفق فترة معينة من الزمن، تأسيساً على توافر شروط العقد الإداري، من حيث أن أحد أطراف العقد شخص عام، فضلا عن أن عقد الطاقة يتعلق بتسيير مرفق عام إذ يتطلب موافقة الدولة على استغلال المرفق وتشغيله، فضلاً عن وجود شروط استثنائية غير مألوفة في مجال القانون الخاص سواء بالنسبة للدولة مثل التفتيش على نشاط الشركة…

ج)- الاتجاه الثالث: عقود الطاقة ذات طبيعة خاصة

يرى البعض أن عقود الطاقة يتم عقدها من خلال آليات متعددة، ولكل عقد ظروفه الخاصة بحيث يصعب وضع قاعدة عامة مجردة في هذا الصدد يمكن معها القول بأنها عقد إداري أو عقد مدني، ومن ثم يلزم البعد عن محاولة وضع تكييف واحد ينطبق على هذه العقود أياً كانت الشروط والعناصر والملابسات المحيطة بكل عقد، ويكون من الأفضل تكييف كل عقد على حده في ضوء شروطه وعناصره والظروف والملابسات المحيطة، وعليه يختلف العقد من حالة إلى أخرى وهكذا فإن عقود الطاقة التي تبرمها الدولة مع المستثمر أو شركة المشروع ليست ذات طبيعة واحدة ولا تخضع لنظام قانوني واحد فتارة قد تكون عقود إدارية وتارة تكون من عقود القانون الخاص.

د)- الرأي الراجح

تعتبر عقود الطاقة من العقود الإدارية إذ تعد صورة حديثة لعقود الإمتياز، وتتوافر فيها أركان العقد الإداري وهى:

– أن يكون أحد أطراف عقود الطاقة من أشخاص القانون العام

– أن يهدف المشروع إلى تسيير وإدارة أحد الم ا رفق العامة

– أن يتضمن العقد شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص

وبتطبيق هذه الشروط على عقود الطاقة يتضح أن عقد الطاقة يتضمن شروطاً استثنائية غير مألوفة في مجال القانون الخاص كتلك التي تتمتع بها الشركة المتعاقدة مثل حقها في شغل أراضي واستخدام عمال أجانب، فضلاً عما تتمتع به من الإعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية. وهو ما تم التنصيص عليه مثلا في قانون المغربي رقم 32 – 39 لعام 1994 والذي ينص علي إعفاء معدات الطاقة المتجددة المستوردة وقطع غيارها من الرسوم والضرائب، وأيضا ما جاء مثلا في المادة 17 من القانون الإطار رقم 18-95 بمثابة ميثاق للاستثمارات المغربي الإعفاء الجزئي من نفقات اقتناء الأرض اللازمة لإنجاز الاستثمار ونفقات البنيات الأساسية الخارجية ومصاريف التكوين المهني.

وأيضا تلك التي تخول جهة الإدارة الوطنية المتعاقدة بعض الامتيازات في مواجهة المتعاقدة معها من ذلك حقها في التفتيش على نشاط الشركة المتعاقدة، وفحص دفاترها وسجلاتها، وحقها في فسخ العقد في حالات معينة، لأن الإدارة تملك سلطة التدخل بتعديل العقد دون حاجة إلى موافقة المتعاقد، فمثل هذه الإجراءات نجدها منصوصا عليها في” قانون الطاقات المتجددة المغربي الصادر بظهير شريف رقم 16-10-1 صادر في 26 صفر1431(11فبراير2010 ) بتنفيذ القانون رقم 09-13 المتعلق بالطاقات المتجددة (ج.ر. عدد 5884 بتاريخ 18 مارس 2010 )، فحسب الفصل الثالث من هذا القانون المتعلق بأنظمة الترخيص والتصريح التي يجب على المستغل أو المستثمر الحصول عليها من طرف الإدارة لإنجاز مشروع لإنتاج الطاقة الكهربائية، توجب توفره على مجموعة من الشروط سواء تعلق الأمر بالنسبة للشخص الذاتي أو الشخص المعنوي… بالإضافة إلى ذلك فإنه لا يمكن إقامة المشاريع المذكورة والخاضعة لنظام الرخصة إلا بالمواقع التي تحددها السلطة الحكومية المكلفة بالطاقة بعد اقتراح الوكالة الوطنية للطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية…”

فضلاً عن أن هذه العقود تتعلق بتنظيم وتسيير مرفق عام، ويتم التأكد من طابع المرفق العام في استغلال الثروة من عدة قرائن مستمدة من العقد ذاته، حيث يشترط موافقة الدولة على المشروع فيصعب تطبيق قواعد القانون الخاص، لأن ذلك يخلق نوعاً من المساواة بين المصلحة العامة والخاصة، بما يؤثر في النهاية على توقف المرفق العام عن أداء خدماته تطبيقا لنظرية العقد، بالإضافة إلى أن الدولة هي الطرف الأول في هذه العقود، كما أنها تتصل بمرفق عام، فضلاً عن أنها تضمن شروط استثنائية غير مألوفة، إذ تملك الإدارة سلطة تعديل العقد دون موافقة المتعاقد معها، مع حفظ حقه في التعويض متى كان له مبرر معقول. نسوق هنا وعلى سبيل التوضيح ما جاء في مقتضيات المادة 13 من المرسوم المؤرخ في 11 أبريل 2011 المتعلق بقانون الطاقات المتجددة الذي أشرت إليه سابق(13-09 )، أنه في حالة عدم تشغيل المنشأة خلال السنة التي تلي تاريخ تسليم الترخيص النهائي أو في حالة إيقاف المستغل أنشطة الاستغلال لمدة تتجاوز سنتين متواليتين بدون أسباب مقبولة و مبررة على النحو المطلوب وبدون أن يخبر الإدارة بذلك مسبقا، يصبح الترخيص لاغيا ماعدا إذا أخبر المستغل الإدارة مسبقا برغبته في تعليق أنشطة الإنتاج لأسباب مقبولة و مبررة على نحو المطلوب عندها يجوز للإدارة أن تمدد له مدة صلاحية الترخيص بالاستغلال لفترة إضافية تعادل فترة التوقيف… كما تجدر الإشارة أنه بعد انتهاء مدة الترخيص وانقضاء مدة صلاحيته تصبح منشأة إنتاج الكهرباء انطلاق من مصادر الطاقات المتجددة وموقع الإنتاج في ملكية الدولة، حرة و خالصة من كل عبء، كما يلزم المستغل، عندما تطلب الإدارة ذلك، بتفكيك المنشأة المذكورة و إعادة الموقع إلى حالته الأولى على نفقته.

المطلب الثالث: تنازع القوانين والقانون الواجد تطبيقه

بما أن عقود الطاقة صنفت ضمن العقود الإدارية، إلا أنه يمكن للعقد الإداري أن يكون وطنيا أبرم داخل دولة واحدة ويتم تنفيذها على إقليم هذه الدولة، وقد يكون أجنبيا ومن ثم تكون عقود الطاقة حينئذ من العقود الدولية. وتثير مسألة العقد الدولي تنازع القوانين، وتحديد القانون الواجب التطبيق على عقود الطاقة(ب)، وقبل ذلك فقد اختلف الفقه حول معيار اعتبار العقد دولياً(أ) :

أ)- المعيار اللازم توافره لتحديد دولية العقد

يمكن تعريف العقد الإداري الدولي، بالعقد الذي يبرمه شخص معنوي من أشخاص القانون العام بقصد إدارة مرفق أو بمناسبة تسييره مستخدماً وسائل القانون العام، وتتصل عناصره بأكثر من دولة واحدة ويحكمه القانون الداخلي بغض النظر عن الظروف المحيطة به. وفي هذا الإطار نجد اتجاهين مختلفين في تحديد دولية العقد بين الأخذ بالمعيار الإقتصادى: والذي يربط العقد بمصالح التجارة الدولية بحيث تكون هذه الغاية متضمنة في أهداف العملية التعاقدية أو أن مصلحة التجارة الدولية محل اعتبار فيها، ولا ريب أن ذلك يساعد على تحقيق المرونة في المعيار الاقتصادي لدولية العقد.

أو المعيار القانوني لدولية العقد، ويعتمد هذا المعيار على ارتباط العقد بأنظمة قانونية لدول مختلفة، فمتى كان سبب إبرام عقود الطاقة أو تنفيذها يرتبط بأكثر من نظام قانوني، غير أنه يتعين أن يتوافر العنصر الأجنبي في العقد حتى يتصف العقد بكونه ذا طابع دولي، ويعد انتفاء هذا العنصر نفى للصفة الدولية عن العقد.

ومن الملاحظ أن اتفاقية لاهاي سنة 1987 بشأن القانون الواجب التطبيق على عقود البيع الدولي قد نصت في مادتها الأولى على الأخذ بالمعيار القانوني لتحديد دولية العقد، كما أخذت به اتفاقية فيبنا سنة1980 بشأن البيع الدولي للبضائع في مادتها الأولى وغلبت المعيار القانوني في تحديد دولية العقد، فضلاً عن تطبيق اتفاقية روما سنة 1980 بشأن القانون الواجب التطبيق على الإلتزامات التعاقدية لهذا

المعيار.

وأياً ما كان وجه الرأي بشأن المعيار اللازم توافره لتحديد دولية العقد فإن المعيار الذي عول عليه بعض الفقهاء هو المعيار الاقتصادي الذي يعبر عن مدى اتصال الرابطة العقدية بمصالح التجارة الدولية، في حين رجح البعض المعيار القانوني نظرا لمرونة هذا المعيار وشموله للعلاقات ذات العنصر الأجنبي التي ترتبط بأكثر من نظام قانوني

ب)- القانون الواجب التطبيق

من المسلم به في مجال المعاملات الدولية الخاصة أن أطراف التعاقد الحق في اختيار القانون الواجب التطبيق على علاقاتهم التعاقدية، ويتعين على المحكمة التي تنظر النزاع تطبيق القانون الذي اختاره أطراف، طالما أن ذلك لا يتعارض مع النظام العام في الدولة ذات الشأن أو غير مشوب بالغش. إعمالا لمبدأ سلطان الإرادة في تحديد القانون الواجب التطبيق على العقود بصفة عامة، ومن الأفضل أن يكون قانون دولة مقر المشروع إعمالا لمبدأ الحفاظ على سيادتها.

ولقد أكد ذلك المعنى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1803 الذي ركز علي عدم إنكار سيادة الدولة علي مواردها الطبيعية وعلي تأثير الوظيفة الاقتصادية للسيادة كوسيلة لزيادة التنمية الاقتصادية الوطنية والتعاون الدولي. ولقد أعادت الجمعية العامة تأكيد ذلك المعنى في قرارها رقم 2158 الذي نص على أن استغلال الموارد الطبيعية في كل دولة يجب أن يجرى وفقا لقوانينها وأنظمتها الوطنية. ولقد كررت الجمعية العامة ذلك الاتجاه في تاريخ لاحق وأشارت إلى ضرورة خضوع نشاط رؤوس الأموال الأجنبية إلى إشراف حكومي يهدف إلى ضمان استخدامها لمصلحة التنمية القومية للبلد المعن.

كما أكدت أيضا على ضرورة الحفاظ على التوازن المالي في عقود الطاقة، تقوم هذه الفكرة على أن جهة الإدارة وان كان يحق لها تعديل عقود الطاقة، إلا أنه يتعين الحفاظ على حق الشركة التي تقوم بتنفيذ مشروع الطاقة، خاصة متى كان الدافع إلى التعديل أسباب خارجة عن إرادة الشركة المتعاقدة، مثل تغير الظروف الإقتصادية أو تغيير في القوانين أو وجود ظروف استثنائية غير متوقعة الحدوث، في كل هذه الحالات يجب تعويض المتعاقد مع الإدارة عما لحقه من أضرار بما يعيد التوازن المالي للعقد إلى حالته الأولى.

وقد تبنت معظم الاتفاقيات الأوربية هذا المبدأ ومن ذلك ما نصت عليه الاتفاقية الأوربية لسنة 1961 في المادة 7 منها على أنه )للأطراف حرية تحديد القانون الذي يتعين على المحكمين تطبيقه على موضوع النزاع). كما نجد هذا المبدأ أيدا منصوص عليه في قانون المغربي رقم09-13 للطاقات المتجددة فمن خلال مادة 24 قد منحت مستغلي منشآت الإنتاج الكهربائي الاستفادة من حق الولوج إلى الشبكة الكهربائية الوطنية وتحدد كيفيات الاستفادة من هذا الحق بموجب اتفاقية، حيث يجب أن تنص هذه الاتفاقية على الخصوص على مدة صلاحية الاتفاقية والشروط التقنية للربط بالشبكة الكهربائية الوطنية والشروط التجارية لنقل الطاقة الكهربائية من قبل مسير الشبكة المعني من مواقع الإنتاج إلى مواقع الاستهلاك وكذا على مسطرة حل النزاعات.

وأحب أن أشير في الأخير، وحتى يتم إبرام عقود الطاقة وبطريقة جيدة يتعين أداء المفاوضات بمهارة والتي تعد خير ضمان لوجود عقد لا تشوبه المنازعات فيما بعد، ويؤكد البعض على أهمية التفاوض يقال بأن مصير العقد يتوقف على مدى نجاح عملية التفاوض.

خــــــلاصــــــــة:

تمثل عقود الطاقة أهمية كبرى بالنسبة لكافة دول العالم، فهي تهدف إلى تقديم خدمات للدولة من خلال استثمار الثروات الطبيعية والتي لا تستطيع الدولة القيام بتنفيذها، ومن ثم يكتفي بإشراف جهة الإدارة على الخدمات والمشروعات العامة من خلال هذا العقد. ويتعين على شركة المشروع أن تقوم بتقديم خدمات عامة، طوال مدة العقد على أن تلتزم جهة الإدارة أو متلقي الخدمة أو الاثنين معا، سداد مقابل هذه الخدمات، وتقوم الوزارات المختصة بتحديد متطلبات المشروع، بينما يقوم القطاع الخاص بإتاحة المواصفات اللازمة للوصول لهذه المتطلبات، في حين تقوم الحكومة بالإشراف والسيطرة الإستراتيجية على الخدمات، وتضمن تنفيذ مشاريع استغلال الثروات الطبيعية، وتضمن تنفيذ هذه المشاريع التي تؤول ملكيتها إلى الدولة في نهاية مدة التعاقد، وتوزع مخاطر المشروع على الطرف الأقدر على إدارة المشروع وتحمل المخاطر الناجمة عنه.

للتذكير في الأخير، وفيما يخص ضوابط وشروط إبرام عقد الطاقة. يتعين توافر عدة إجراءات، منها الإعداد الفني والقانوني للمشروع، الذي تقوم الشركة بتنفيذه، ثم الكيفية التي يتم بها اختيار شركة تنفيذ المشروع والضوابط الواجب توافرها لإتمامه، بالإضافة إلى العديد من الشروط والضوابط التي يجب أن تتضمنها عقود الطاقة سواء من حيث تحديد حقوق والتزامات طرفي العقد، وكذلك ما يتعلق بتسوية المنازعات الناتجة عن العقد، وأيضا تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، غير أنه يعد من أهم الشروط ما يتعلق بتوفير الضمانات للشركة وهو ما يسمى بالثبات النسبي وعدم المساس بالعقد، فضلا عن ضرورة تضمين عقد الطاقة التوازن المالي بين طرفي العقد، وتقييد سلطة الإدارة في المساس بالعقد وعدم تعديله إلا لضرورة شديدة.

الــهــــــوامــــش:

صمت الشيخ : التحكيم في العقود الإدارية ذات الطابع الدولي دار النهضة العربية
أحمد سلامة بدر : العقود الإدارية وعقود البوت دار النهضة العربية 2003
يتميز عقد الامتياز بأن السلطة المانحة فيه تكون شخص عام، أنه عقد إداري وفقاً للرأي الغالب فقهاً ، أسلوب لإدارة المرفق العام الإقتصادى يخضع إعداد المرفق لرقابة السلطة مانحة الالتزام يرتب العقد امتيازات في مواجهة الغير مثل الاستفادة من إجراءات نزع الملكية والإستيلاء المؤقت على الملكية الخاصة… للمزيد راجع محمد محمد عبد اللطيف : الاتجاهات الحديثة في إدارة المرافق الإقتصادية دار النهضة العربية 1996
محمد انس جعفر :العقود الإدارية دار النهضة العربية طبعة 2002
جميلة مرابط: فقه البيئة والوجه الحضاري في رعايتها، دار النشر الدولية نور، 2017.
جمال عثمان جبريل:الطبيعة القانونية لعقود البوت: بحوث منشور في مركز بحوث أكاديمية السادات للعلوم الإدارية القاهرة الإصدار الرابع.
. المجلس العالمي للطاقة، الموقع الرسمي https://www.worldenergy.org/about wec/brochure/ar/
التقرير الصادر عن الهيئة المعنية بتغير المناخ( IPCC) 2014 “تغير المناخ: التأثيرات والتكيف وسرعة التأثر”،الصادر في مدينة يوكوهاما اليابانية، في 30 مارس 2014 ، الجزء الثاني من التقرير الدوري الخامس ، دار النشر combridge university priss
إعادة نشر بواسطة محاماة نت