تعريف المركزية الإدارية في الجزائر :

يرجع ظهور مصطلح المركزية الإدارية إلى عام 1971 م حينما استعمله ساسة ورجال الثورة الفرنسية، وكان الشائع قبل ذلك لفظ تمركز أو تركز، ويعني تجمع الخدمات والوحدات الإدارية في العاصمة أو في مركز واحد وعدم توزيعها في مراكز أخرى متفرقة، ولم يدخل اصطلاح “المركزية” في عالم اللغة إلا في سنة 1991 م حينما أشارت إليه بعض القواميس اللغوية، وبعد ذلك بدأ في الانتشار مع كثرة استعماله في المناقشات والخلافات التي ظهرت بين فقهاء الثورة الفرنسية حول الفيدرالية والمركزية وبعد ذلك أصبحت كلمة المركزية تستعمل في الأوساط المختلفة للدلالة على تركيز السلطة التي تفرض على الجميع من مقر واحد أو من مركز واحد دون أن يشاركها أي مركز أخر(1) والمركزية الإدارية لغة: تعني التوحيد والتجميع والتركيز حول نقطة مركزية معينة (المركز) وعدم التشتت والتجزئة أما المركزية الإدارية أو النظام الإداري المركزي فيقصد به توحيد وحصر كل سلطة الوظيفة الإدارية في الدولة، في يد السلطات الإدارية المركزية في أقاليم الدولة حيث يؤدي هذا التركيز والتوحيد والتجمع لمظاهر السلطة الإدارية إلى وحدة أسلوب ونمط النظام الإداري في الدولة وإلى إقامة وبناء الهيكل الإداري في الدولة على هيئة مثلث أو هرم متكون من مجموعة ضخمة من الطبقات والدرجات (فنيا، علميا، قانونيا وبشريا) مترابطة، متناسقة متدرجة يعلو بعضها البعض وهو ما يعرف بالتدرج أو السلم الإداري، وترتبط كل طبقة أو درجة في السلم الإداري بالدرجة أو الطبقة التي تليها مباشرة برابطة وعلاقة السلطة الرئاسية التي تعني حق و إمكانية استعمال قوة الأمر والنهي من أعلى و واجب الطاعة والخضوع والتبعية من أسفل. كما أن المركزية كأسلوب للتنظيم الإداري يقصد بها تجميع وتركيز كل مظاهر النشاط الإداري في أيدي السلطة الإدارية المركزية وفروعها الرئيسية في الدولة، خاصة سلطة البت في الأمور تبقى في يد قمة البناء التنظيمي(2) ويمكن تعريفها أيضا على أنها: جمع الوظيفة الإدارية وحصرها بيد شخص معنوي عام واحد هو “الدولة”، حيث يتولى ويهيمن على النشاط الإداري، وإن تعددت الهيئات والأفراد القائمين به، وفق نظام السلطة الرئاسية(3) ولا تعني المركزية أن تقوم السلطة التنفيذية في العاصمة بجميع الأعمال في أنحاء الدولة، بل تقتض وجود فروع لها لا تتمتع بأي قدر من الاستقلال في مباشرة وظيفتها وتكون تابعة للسلطة المركزية في العاصمة ومرتبطة بها(4) غير أنه لا ينبغي أن يفهم من أن تركيز السلطة يعني عدم تقسيم أراضي الدولة إلى أقسام إدارية على أسس جغرافية أو اجتماعية أو تاريخية، ذلك أنه لا يمكن تصور قيام الدولة بتسيير شؤون كل أجزاء الإقليم عن طريق جهازها المركزي وحده، بل لا مفر من توزيع العمل على إداراتها المختلفة، غاية ما في الأمر أن هذه الوحدات تباشر عملها تحت إشراف مباشر وكامل للسلطة المركزية وليس لها وجود ذاتي وقانوني مستقل(5) .

________________

1- غنام غنام، (المركزية واللامركزية الإدارية)، برنامج ماجستير، الإدارة التربوية، جامعة القدس-أبو ديس، الفصل

الدراسي الأول، 2007 .)موقع وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية.

2- المرجع ذاته، ص 3

3- الأستاذ: محمد الصغير بعلي،( القانون الإداري: التنظيم الإداري- النشاط الإداري)، دار العلوم للنشر والتوزيع، عنابة- الجزائر، 2001 ، ص 14

4- الأستاذ: علاء الدين عشي، (مدخل القانون الإداري: المبادئ العامة للقانون الإداري وتطبيقاته في الجزائر)، الجزء الأول، (التنظيم الإداري)، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، عين ميلة- الجزائر، 2007 ، ص 12

5- الأستاذ الدكتور: عمار بوضياف،(التنظيم الإداري في الجزائر بين النظرية والتطبيق)، جسور للنشر والتوزيع، الجزائر، 2010 ، ص 3

أركان المركزية الإدارية في الجزائر :

تقوم المركزية الإدارية على ثلاثة عناصر أساسية، تتمثل في حصر الوظيفة الإدارية في يد الحكومة، والتبعية الإدارية المتدرجة أو السلم الإداري، والسلطة الرئاسية.(1)

أولا: حصر وتركيز سلطة الوظيفة الإدارية المركزية (الحصرية):

من عناصر ومقومات النظام الإداري المركزي حصر وتجميع سلطة الوظيفة الإدارية وتركيزها في يد سلطات الإدارة المركزية للدولة، أي تجميع وحصر سلطات التقرير والبت النهائي في جميع شؤون ومسائل الوظيفة الإدارية في يد السلطات الإدارية المركزية المتمثلة في رئيس الوزراء والوزراء أصلا في ظل النظام البرلماني،أو في رئيس الجمهورية ثم الوزراء من بعده في ظل النظام الدستوري الرئاسي، وحق إصدار القرارات الإدارية النهائية والباتة في الشؤون والمسائل المتعلقة بالوظيفة الإدارية في الدولة وسلطة تعديل هذه القرارات أو إنهائها وإلغائها هو سلطة وحق مقرر ومحجوز لرجال السلطة الإدارية المركزية، كذلك يدخل في إعداد السلطات الإدارية المركزية ممثلي الإدارة المركزية في أقاليم ومناطق الدولة (الولاة مثلا) حيث يتبع هؤلاء الممثلين للسلطات الإدارية المركزية ويرتبطون بها بعلاقة التبعية والخضوع المباشر لها، وإعطائهم قسطا وقدرا معلوما من سلطة إتخاذ القرارات الإدارية النهائية، إلا أن ذلك لا يعني أنهم أصبحوا مستقلين عن السلطات الإدارية المركزية لأنهم ما زالوا يرتبطون بالسلطات الإدارية المركزية برابطة السلطة الرئاسية والخضوع لها(2) . وتبرز سلطة التقرير النهائي في نظام المركزية الإدارية في تركيز سلطة القوة والإجبار التي تمثل وسيلة الدولة الأساسية لتحقيق الأمن والاستقرار في الدولة وضمن سير المرافق العامة بانتظام ،و اطراد وفي تركيز سلطة إصدار واتخاذ القرارات الإدارية اللازمة لحفظ النظام العام وسير المرافق العامة وفي تركيز مهام إعداد وتحضير الإجراءات الإدارية الفنية التي تفرض على موظفي التنفيذ بالأوامر الإدارية الرئاسية، وفي تركيز واحتكار سلطة إختيار الموظفين العامين وتثبيتهم، وفي تركيز سلطة التقرير لتحصيل وصرف وإنفاق الأموال العامة.(3)

ثانيا:التبعية الإدارية المتدرجة(السلم الإداري):

يقوم النظام المركزي على أساس التدرج السلمي في الجهاز الإداري، ومقتضاه أن يخضع موظفي الحكومة المركزية بشكل متدرج ومتصاعد، تكون الدرجات الدنيا تابعة للدرجات التي تعلوها منها وصولا إلى أعلى السلم الإداري وهو الوزير، تأمينا للتماسك بين درجات الهرم الإداري. وللسلطات العليا حق إصدار الأوامر والتعليمات للجهات الدنيا ويخضع كل مرؤوس خضوعا تاما ويتسع مجال الطاعة في النظام المركزي إلى درجة كبيرة فالرئيس يباشر رقابة سابقة و لاحقة على أعمال المرؤوس كما أن للرئيس صلاحية تعديل القرارات الصادرة من مرؤوسيه وإلغاءها بالشكل الذي يراه مناسبا. وهذه الدرجات تكون ما يسمى بنظام التسلسل الإداري الذي من خلاله يوجد طبقتي الرؤساء والمرؤوسين وتبرز علاقة التبعية والسلطة الرئاسية(4) .وإن أي انعدام أو فقدان للترابط للتدرج والتسلسل الإداري المترابط في هيكل وبناء النظام الإداري على أي مستوى من مستوياته بالنسبة لأية وحدة أو هيئة إدارية من الوحدات والهيئات المكونة لهذا النظام الإداري، يجعل هذه الوحدة أو الهيئة أو الجماعة الإدارية التي تصبح لا تدخل في التدرج الإداري ولا ترتبط بدرجات وطبقات هذا التدرج الإداري برابطة وعلاقة السلطة الرئاسية، يجعل هذه الوحدة منفصلة ومستقلة عن النظام الإداري المركزي للدولة، وهو غالبا ما يتحقق عن طريق منح هذه الوحدة أو الهيئة الإدارية أو المجموعة الإدارية الخارجة عن التدرج الإداري فكرة الشخصية المعنوية مما يجعلها مستقلة عن السلطات الإدارية المركزية استقلالا إداريا ومنفصلة عن تدرج النظام الإداري للإدارة المركزية(5) .

ثالثا : السلطة الرئاسية(الرقابة الرئاسية):

وهي العنصر الأساسي في تحديد الصفة المركزية لأي جهاز إداري، ويكفي النظر إلى العلاقة التي تربطه بالسلطة المركزية، لكي نحدد صفته مركزية هي أم لامركزية، فإذا كانت العلاقة “رئاسية” كان الجهاز مركزيا .(6) وعليه سوف نرى المقصود بالسلطة الرئاسية والأساس القانوني لها وخصائصها ومظاهرها وحدودها.

أ. ا لمقصود بالسلطة الرئاسية:

يقصد بالسلطة الرئاسية مجموعة من الاختصاصات يتمتع بها كل رئيس في مواجهة مرؤوسيه من شأنها أن تجعل هؤلاء يرتبطون به برابطة التبعية والخضوع ،وليست السلطة الرئاسية امتيازا أو حقا مطلقا للرئيس الإداري، وإنما هي اختصاص يمنحه القانون رعاية للمصلحة العامة وحسن سير المرافق العامة(7) وتشمل السلطة الرئاسية لأشخاص المرؤوسين وأعمالهم، وهذا يعني أن للمرؤوسين الحق في التظلم من الأوامر الصادرة إليه إذا رأى أنها مشوبة بعيب من العيوب، وله الحق في الطعن فيها أمام القضاء الإداري إذا لم يجد التظلم الإداري نفعا(8).

ب . الأساس القانوني لفكرة السلطة الرئاسية:

عادة ما تعترف القوانين واللوائح للرؤساء بممارسة اختصاصات على المرؤوسين وأعمالهم أيضا وذلك بغرض ضمان عمل إداري أفضل، ومن هنا يتضح أن لفكرة السلطة الرئاسية أساس قانوني إلى جانب أن لها أساس فني وعلمي وسياسي(9).

ج . خصائص السلطة الرئاسية:

تمتاز الرقابة الرئاسية بأنها رقابة إدارية ومفترضة وداخلية وشاملة نعرض لها فيما يلي:

1- أنها رقابة إدارية:

أي أنها تصدر عن سلطة إدارية، وتصدر عن الرئيس الإداري في شأن من الشؤون الإدارية من أجل احترام المشروعية والملائمة، إذ يملك الرئيس الإداري الأعلى إلغاء قرارات مرؤوسيه وتعديلها والحلول محلهم في اتخاذها، وتنتفي عنها الصفة القضائية إذا لم يعد هناك مجال لوجود نظرية الوزيرالقاضي التي أخذت بها فرنسا في المرحلة السابقة على إنشاء مجلس الدولة الفرنسي.فالوزير على عكس القاضي لا يلزم بتسبيب قراراته الرئاسية ، كما يستطيع الرئيس الإداري تعديل قرار المرؤوس لعدم المشروعية أو عدم الملائمة و ذلك من تلقاء نفسه أو بناء على طلب صاحب الشأن، في حين أن وظيفة القاضي تقتصر على إلغاء القرار الإداري غير المشروع بناء على طلب صاحب المصلحة الشخصية المباشرة. ويضاف لذلك أن قرار الوزير الرئاسي لا يتمتع بأي حجية قانونية كما هو الحال في الحجية التي تشكل خاصية أساسية للحكم القضائي.

2- أنها رقابة مفترضة:

تتصف الرقابة الرئاسية بأنها رقابة مفترضة يستطيع الرئيس الإداري ممارستها في جميع المرافق الإدارية العامة المركزية دون حاجة إلى نص يقررها، سواء كانت صورة المركزية الإدارية تركيز إداري أم عدم تركيز إداري، لذلك توصف الرقابة الرئاسية بأنها الشريعة العامة للرقابة على المرافق الإدارية المركزية، وكونها رقابة مفترضة فهي تدل على عدم استقلال هذه المرافق، وأن العاملين في المرافق العامة المركزية يخضعون في ممارستهم لأعمالهم لرؤسائهم الإداريين ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

3- أنها رقابة داخلية:

فهي رقابة داخلية لأن الجهة التي تمارس الرقابة الرئاسية وهم الرؤساء والجهة المشمولة بها وهم المرؤوسون يتبعون لنفس الجهاز الإداري، ويطلق عليها رقابة ذاتية لأن الإدارة تراقب بنفسها دون تدخل سلطة أخرى.

4- أنها رقابة شاملة:

لأنها تمكن الرئيس الإداري من رقابة أشخاص مرؤوسيه وأعمالهم، غير أنها لا تمتد للأعمال ذات الصبغة القضائية. وتمتد الرقابة الرئاسية إلى القرارات التي تصدر عن المرؤوس تمهيدا لإبرام عقد من العقود وإلى سائر الأعمال التحضيرية للتعاقد على أن تتوقف هذه الرقابة بمجرد إبرام العقد بشكل صحيح من المرؤوس ، فلا يجوز لجهة الرقابة الرئاسية التدخل لإلغاء أو تعديل العقد.(10)

د – مظاهر السلطة الرئاسية:

تتمثل أهم السلطات المخولة للرئيس في المكنات والصلاحيات والقدرات القانونية التي يمارسها سواء تجاه: شخص المرؤوس، وأعماله وتصرفاته.

1- بالنسبة لشخص المرؤوس:

تخول النصوص للرئيس الإداري العديد من الصلاحيات والسلطات التي تمس المركز الذاتي والشخصي للمرؤوس، بدءا من سلطة التعيين وانتهاءا بسلطة الفصل أو العزل، مرورا بسلطات الترقية والتأديب(كالتنزيل في الدرجة الوظيفية) وغيرها من الإجراءات التي قد يتعرض لها شخص المرؤوس طيلة مساره الوظيفي والمهني . وجدير بالملاحظة أن السلطة الرئاسية على شخص المرؤوس إنما يمارسها الرئيس طبقا للقواعد والإجراءات المحددة لأنها ليست مطلقة، كما أنها ليست من قبيل الحقوق، فسلطة التعيين المخولة للرئيس – مثلا- يمارسها وفقا للشروط اللازمة للتوظيف، وبإجراء المسابقة إذا كانت النصوص تستلزم ذلك. وسلطة التأديب تكون وفق إجراءات محددة، مثل ضرورة المثول أمام مجلس التأديب أحيانا، وضمان حق الدفاع.

2- بالنسبة لأعمال المرؤوسين:

لما كان الرئيس مسؤولا عن تصرفاته، ومسؤولا أيضا عن كيفية أداء مرؤوسيه لأعمالهم ومهامهم، فقد خوله القانون مجموعة من السلطات تجاه التصرفات والأعمال التي يقوم بها أولئك المرؤوسون من حيث مراقبة تلك الأعمال، وهنالك رقابة سابقة (توجيه) قبل أدائهم لمهامهم، ورقابة لاحقة (تعقيب)إذا ما جاءت بعد ذلك(11)

1.2 – الرقابة السابقة أو القبلية(سلطة توجيه المرؤوس وواجب طاعة الرئيس):

1.1.2 – سلطة التوجيه، الأمر:

ويقصد بها ملاحظة جهود العاملين بغية توجيهها الوجهة السليمة عن طريق الأوامر والتعليمات والإرشادات الشفهية والكتابية، أو كما عرفها الدكتور عمار عوابدي “عملية إدارية تتحقق عن طريق التدخل الدائم والمطرد لمراقبة وملاحظة أعمال العاملين العامين المرؤوسين من قبل رؤسائهم الإداريين وتوجيه جهودهم، ودفعهم نحو التزام الأساليب الصحيحة”. (12) ولا شك أن عميلة التوجيه تلعب دورا بارزا في تقوية العلاقة بين الرؤساء والمرؤوسين، كما تمكن الطائفة الأولى من التحكم في القدرات البشرية للإدارة العامة، والسيطرة على جميع الجهود التي تتوافر عليها المنظمة الإدارية، والحديث عن سلطة التوجيه التي يتمتع بها الرؤساء الإداريين تسوقنا إلى ذكر واجب الطاعة ورسم حدوده القانونية.

2.1.2 – واجب الطاعة:

سبق القول أن الرئيس الإداري يملك سلطة إصدار الأوامر والتوجيهات لمرؤوسيه، ولا يملك هؤلاء إلا تنفيذها. وتنفيذ هذه الأوامر والتوجيهات يطرح إشكالا قانونيا في غاية من العمق يمثل: هل يلزم المرؤوس وفي جميع الحالات بتقديم واجب الطاعة وتنفيذ أوامر الرئيس حتى ولو كانت في متنها وموضوعها مخالفة للقانون أو يلزم باحترام تنفيذ الأوامر القانونية دون غيرها ؟ إن الإجابة على هذا التساؤل تقتضي التمييز بين الأوامر المشروعة والأوامر غير المشروعة.

1.2.1.2 – أوامر الرئيس المشروعة:

إذا كان الأمر صادر من الرئيس الإداري يتماشى في موضوعه مع مقتضيات القانون فلا شك أن طاعة المرؤوس له واجبة ،غير أن ذلك لا يمنع المرؤوس من أن يناقش الرئيس الإداري ويراجعه بشأن مسألة معينة في حدود أخلاقيات الوظيفة، ولقد رأى الفقهاء أن أفضل مرحلة لإبداء الرأي تكون من جانب المرؤوس قبل إصدار القرار أي مرحلة التمهيد أما إذا صدر القرار فإن تنفيذه واجب من جانب المرؤوس وليس له أن يعرقله وأن يقف ضد تنفيذه(13)

2.2.1.2 – أوامر الرئيس المخالفة للقانون:

إذا كانت الفرضية الأولى (الأوامر المشروعة) لم تحدث إشكالا قانونيا كبيرا في الفقه، فإنه على خلاف ذلك أثارت الأوامر غير المشروعة جدلا فقهيا نوجز هذا الخلاف فيما يلي:

1.2.2.1.2- الرأي الأول: الأوامر غير المشروعة ليست ملزمة للمرؤوس:

إذا بادر الرئيس الإداري إلى اتخاذ أوامر منافية في مضمونها للقانون فلا يلزم المرؤوس بتنفيذها لأنه إذا خالف الرئيس القانون فليس للمرؤوس أن يتبعه. وقد تبنى هذا الرأي الفقيه دوجي ” Duguit ” واستثنى فقط طائفة الجنود فرأى أن من واجبهم تنفيذ الأوامر الصادرة إليهم من جانب رؤسائهم دون أن يكون لهم الحق في مناقشتها لأن الجندي هو آلة للإكراه محرومة من التفكير كما يقول دوجي، ولقد تأثر القضاء المصري بهذا الرأي بالنسبة لموظفي الجيش والشرطة إذ ذهبت محكمة القضاء الإداري في حكم لها مصدر في 10 جانفي 1955 ” أنه ليس من الجائز في النظم العسكرية الامتناع من تنفيذ الأوامر متى كانت صادرة ممن يملكها، وإنما يتظلم منها بالطريق الذي رسمه القانون، إذ لو أبيح لكل من يصدر إليه أمر أن يناقش مشروعيته وسببه وأن يمتنع عن تنفيذه متى تراءى له ذلك لأختل النظام وشاعت الفوضى…”، ولا خلاف أن العمل بهذا الرأي ينجم عنه المحافظة عن مبدأ المشروعية والسعي إلى إعدام وإبطال مفعول الأوامر التي تجانب القانون، غير أنه يعاب عنه أن تجسيده في أرض الواقع يؤدي إلى تعطيل الجهاز الإداري وعرقلة سيره وتخويل المرؤوس سلطة فحص وتقدير أوامر الرئيس الإداري والامتناع عن تنفيذها إذا ما اقتنع بعدم مشروعيتها، وهو ما يزعزع مبدأ السلطة الرئاسية ويخل بالتنظيم الإداري(14)

2.2.2.1.2 – الرأي الثاني: الأوامر غير المشروعة ملزمة للمرؤوس:

وذهب مناصروه إلى القول أن المرؤوس ملزم بتنفيذ الأوامر الصادرة عن رئيسه الإداري ولو كانت غير مشروعة فليس له أمر فحصها وتقديرها أو محاولة عرقلة تنفيذها، وقد تبنى هذا الرأي الفقيه “موريس هوريو” الذي أعطى أولوية لعنصر الطاعة على مبدأ المشروعية، ووجه هذا الفقيه انتقادا كبيرا للرأي الأول وقال إن تطبيقه في الواقع العملي ينجر عنه انتشار ظاهرة الفوضى في المرافق والمؤسسات العامة، كما أنه يجعل المرؤوس بمثابة قاض للمشروعية يخول صلاحية فحص أوامر رئيسه.

3.2.2.1.2 – الرأي الثالث: الأوامر غير المشروعة ملزمة في حدود معينة:

ذهب اتجاه وسط تصدره القضاء الفرنسي وتبناه الفقيه الألماني “لابند”، ومقتضاه محاولة التوفيق بين الرأي الأول والثاني، فوضع مبدأ عام يقضي بتنفيذ أوامر الرئيس متى كانت مكتوبة واضحة دقيقة محددة عندها يلزم بتنفيذها. على أن يتأكد من أن الأمر صادر عن سلطة مختصة وأن تنفيذه يدخل في نطاق اختصاصه. وتبعا لهذا الرأي فإن الأضرار التي تنجم عن تطبيق هذا الأمر يتحملها المرفق لا الموظف(15)

4.2.2.1.2- موقف المشرع الجزائري من الآراء الفقهية السابقة:

جاء في المادة 129 من القانون المدني الجزائري(16) : ” لا يكون الموظفون والعمال العاملون مسؤولين شخصيا عن أعمالهم التي أضرت بالغير إذا قاموا بها تنفيذا لأوامر صدرت إليهم من رئيس متى كانت إطاعة هذه الأوامر واجبة عليهم “.

أما المادة 129 بعد التعديل المقرر بموجب القانون 5-10 (17) فجاء فيها: ” لا يكون الموظفون والأعوان العموميون مسؤولين شخصيا عن أفعالهم التي أضرت بالغير إذا قاموا بها تنفيذا لأوامر صدرت إليهم من رئيس متى كانت إطاعة هذه الأوامر واجبة عليهم”. وعند المقابلة بين النص القديم والجديد يتبين لنا أن المشرع في النص الجديد حذف مصطلح عامل لكونه مصطلحا مستعملا في نطاق قانون العمل مقتصرا في التعديل على مصطلح الموظف والعون العمومي لأن الأمر يتعلق بمسؤولية الدولة عن أعمال موظفيها، بينما تخضع المسؤولية في القانون الخاص(مجال تطبيق قانون العمل) لأطر مخالفة تماما عن الأولى (مسؤولية المتبوع عن عمل التابع)، ولقد سجل الدكتور عمار عوابدي على هذه المادة الاقتضاب الشديد الشيء الذي يصعب معه تحديد موقف المشرع، ورغم ذلك ذهب إلى القول: ” إن المشرع يميل إلى ترجيح الخضوع والطاعة لأوامر وتعليمات الرؤساء الإداريين والتقيد بها وتنفيذها وتغليبها على واجب طاعة القانون وحماية شرعية العمل الإداري، أي أنه يعتنق مبدأ ألوية حب طاعة أوامر السلطة الرئاسية على واجب احترام القانون”. واستدل الدكتور عوابدي بنص المادة 17 من القانون الأساسي للوظيفة العامة (القانون القديم). أما الدكتور عمار بوضياف وإن كان يؤيد الدكتور عوابدي ويسجل ما سجله على المادة 129 من اختصار كبير وعدم وضوح إلا أنه لا يؤيده في تحليله خاصة وأن عبارة “من كانت إطالة هذه الأوامر واجبة عليهم “الواردة في النص، وكأن المشرع وضعها لنستدل منها أن الموظف فقط يلزم بإطاعة الأوامر المشروعة لأن الأوامر غير المشروعة ليست ملزمة له، وليس من واجبه تنفيذها، ومن ثم نصل إلى نتيجة مخالفة للتي وصل إليها الدكتور عوابدي وهي أولوية تطبيق القانون على الأوامر غير المشروعة(18)

غير أن بصدور قانون الوظيفة العمومية بموجب الأمر رقم6-3 المؤرخ في 15 جويلية2006 نص صراحة في المادة 47 منه على أنه: “كل موظف مهما كانت رتبته في السلم الإداري مسؤول عن تنفيذ المهام الموكلة إليه، لا يعفى الموظف من المسؤولية المنوطة به بسبب المسؤولية الخاصة بمرؤوسيه(19)

2.2-الرقابة اللاحقة أو البعدية(سلطة التعقيب):

بعد قيام المرؤوس بأداء مهامه بموجب ما يأتيه من تصرفات وأعمال، يمكن للرئيس أن يمارس رقابته على تلك التصرفات سواء من تلقاء نفسه أو بموجب ما يتلقاه من تظلمات وشكاوى من طرف الغير الذي يكون قد تضرر من تلك الأعمال، وهذا الوجه من السلطة الرئاسية يظهر- في الواقع- في عدة صور وأشكال، أهمها: التصديق (الإجازة)، التعديل، الإلغاء، السحب، الحلول.

1.2.2 -التصديق (الإجازة):

بمقتضى هذه السلطة يبقى العمل والتصرف الذي قام به المرؤوس غير منتج لأثره القانوني (غير نافذ) إلا إذا تم إقراره والموافقة عليه من طرف الرئيس صراحة أو ضمنا.(20)

1.1.2.2- التصديق الصريح :

هنا لا يصبح تصرف المرؤوس نافذا إلا بعد موافقة الرئيس عليه متى اشترط القانون ذلك صراحة، وفي هذه الحالة قد ينفذ تصرف المرؤوس من تاريخ موافقة الرئيس عليه، أو يصبح نافذا من تاريخ إتخاذ المرؤوس له طبقا لما ينص عليه القانون.

2.1.2.2 – التصديق الضمني:

وهنا يستفاد بمضي مدة محددة بالقانون دون صدور اعتراض من الرئيس على التصرف الصادر من المرؤوس.(21)

2.2.2 – التعديل:

وهو فرض رقابة الرئيس على عمل المرؤوس بإجراء التغييرات الواجبة على عمله، ويتخذ التعديل إحدى الصور التالية: فقد يحتفظ الرئيس بكامل العمل ويضيف إليه ما يراه مناسبا، أو يلغي جزءا ويعوضه بما يتلاءم والعمل الإداري، أو يلغي جزءا منه ويترك الباقي كحذف بعض بنود قرارا إداري، أي أن التعديل لا يكون كليا و إلا أصبح إلغاءا.(22)

3.2.2 – الإلغاء:

تسمح سلطة الإلغاء المخولة للرئيس حيال أعمال مرؤوسيه بالتدخل ليضع حدا للآثار والنتائج المترتبة على تلك الأعمال مستقبلا، وبهذا الصدد، يميز الفقه بين حالتين أساسيتين .

1.3.2.2 – الحالة الأولى: أعمال المرؤوس مشروعة:

احتراما لمبدأ وقاعدة عدم جواز المساس بالحقوق المكتسبة، فإنه لا يجوز- مبدئيا – للرئيس أن يلغي الأعمال القانونية والمشروعة الصادرة عن مرؤوسيه.

2.3.2.2 – الحالة الثانية: أعمال المرؤوس غير مشروعة:

وفي هذه الحالة يميز الفقه – أيضا- بين وضعين:

الأول: إذا كان عدم المشروعية من الجسامة بمكان، كأن يكون مثلا محل وموضوع قرار المرؤوس لا يدخل أصلا في اختصاصه و صلاحياتها، فإن عمل وقرار المرؤوس يكون هنا منعدما، وكأنه لم يكن، ولا يرتب أي حق، ومن ثم فقد جرت القاعدة على أن القرار الإداري المنعدم لا يتحصن أبدا بحيث يجب على الرئيس أن يقوم بإلغائه في أي وقت.

الثاني: أما إذا كان عدم المشروعية لا يجعل من تصرف المرؤوس قرار منعدما فإنه يمكن للرئيس أن يلغي ذلك التصرف خلال فترة معينة تنتهي –أصلا- بانقضاء المدة المقررة لانتهاء ميعاد الطعن القضائي، بحيث يصبح القرار بعدها متحصنا، ضمانا لاستقرار المراكز القانونية للأشخاص واستتباب الوضع الاجتماعي، ولهذا يجب على الرئيس أن يتقيد بالمدة الزمنية التي تقررها النصوص. وعلى كل، فإن الفقه والقضاء المقارنين (فرنسا، مصر، الجزائر) يذهب إلى أنه إلغاء القرارات الإدارية المعيبة يجب أن يتم خلال المدة نفسها التي يجعلها القانون ميعادا لرفع دعوى الإلغاء أمام القضاء، حيث لا يمكن أن تخول الإدارة ما لا يخول القضاء(23)

4.2.2 . السحب:

ويقصد به إزالة وإنهاء الآثار القانونية للقرارات والتصرفات الإدارية وإعدامها بأثر رجعي بالقضاء على أثارها في الماضي والمستقبل(*). ونظرا لما للسلطة السحب من أثار بالغة الخطورة فقد قيدت ممارسته بتوافر شرطين:

1.4.2.2 – من حيث الموضوع:

يجب أن يشمل السحب فقط القرارات والأعمال غير المشروعة لان هذه الأخيرة لا يمكن أن تولد حقا وان تنشئ مركزا قانونيا مكتسبا. ومثل ذلك أن يصدر القرار عن غير ذي مختص أو أن يحتوي على مخالفة صريحة للقانون أو التنظيم.

2.4.2.2 – من حيث المدة:

يجب أن تمارس سلطة السحب خلال مدة زمنية معينة، فإن تجاوزها اكتسب حصانة ضد السحب والمدة المقررة هي شهرين(24) إلا أن السحب يتميز عن الإلغاء من حيث الأثر: فللإلغاء أثر فوري (يسري على المستقبل فقط) بينما للسحب أثر رجعي، حيث يمحي ويزيل كافة أثار القرار المترتبة من قبل (ماضيا) ويجعله –أيضا- غير نافذ من بعد (مستقبلا).

2.2.2 – الحلول:

في حالة تقاعس أو عدم أداء المرؤوس لمهامه (العمل السلبي)، يمكن لرئيسه أن يتولاها بنفسه بما له من سلطة حلول أي أن يحل محله في القيام بها. وإذا كانت القاعدة العامة تتمثل في تخويل الرئيس سلطة الحلول لضمان استمرار الخدمات العامة وسير المرفق العام بانتظام واطراد، فقد يعمد القانون – أحيانا- إلى إسناد مهام وأعمال معينة إلى المرؤوس على وجه التخصيص والتحديد واعتبارها “سلطات خاصة”، بما يؤدي إلى تقييد سلطة الحلول وإحاطتها بجملة من الشروط ، أهمها:( 25)

– ضرورة إصدار الأمر إلى المرؤوس بالقيام بالعمل.

– وإصرار المرؤوس على الامتناع عن التنفيذ.

ه- حدود السلطة الرئاسية:

وعموما فإن السلطة الرئاسية لا يعيبها أن تكون شاملة كما يرى البعض، وإنما يعيبها أن تكون مطلقة بلا قيود أو حدود، وهي ليست كذاك بالقطع، ومن أهم صور هذه القيود وتلك الحدود ما يلي:(26) .

– إذا كان القانون يعطي المرؤوس اختصاصا نهائيا في تصرف معين فإنه يمتنع على الرئيس الإداري أن يخضع قرارات المرؤوس في هذا التصرف لسلطته الرئاسية لأن تصرف المرؤوس مستمد من القانون نفسه.

– إذا كان قرار المرؤوس قد صدر مشروعا و اكسب حقا فلا يجوز للرئيس الإداري سحب هذا القرار حتى لا يمس الحقوق المكتسبة وإنما له أن يحاسب مرؤوسه على ما يكون قد ارتكبه من خطأ في تقديره.

– إذا كان قرار المرؤوس قد صدر معيبا ولكن مضت عليه المدة لا يجوز بعدها الطعن فيه أمام القضاء بالإلغاء فإنه لا يجوز للرئيس الإداري سحبه، لكن إذا كان القرار الصادر من المرؤوس منعدما فإنه لا يتحصن أبدا ويجوز الطعن فيه في كل وقت ومن ثم يجوز للرئيس الإداري سحبه في كل وقت.

____________________

1- الأستاذ: حسين فريجه، (شرح القانون الإداري- دراسة مقارنة)، الطبعة الثانية، ديوان المطبوعات الجامعية، بن عكنون- الجزائر، 2010 ، ص 110

2- الدكتور: عمار عوابدي، (القانون الإداري: النظام الإداري)، الجزء الأول، ديوان المطبوعات الجامعية، بن عكنون- الجزائر، 2002 ، ص 205

3- الدكتور: عدنان عمرو، (مبادئ القانون الإداري: ماهية القانون الإداري، التنظيم الإداري، المرافق العامة)، الطبعة الثانية، منشأة المعارف، الإسكندرية-مصر، 2004 ، ص 76

4- الدكتور: مازن ليلو راضي،( الوجيز في القانون الإداري ) ، ص 16 ، (كتاب محمل من الإنترنت، من الموقعwww.egypt.man.com).

5- الدكتور: عمار عوابدي، ( القانون الإداري)، المرجع السابق الذكر، ص 206

6- الدكتور: حسن محمد عواضة، (المبادئ الأساسية للقانون الإداري)، الطبعة الأولى، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت-لبنان، 1997، ص 24

8- الأستاذ الدكتور: عمار بوضياف، (الوجيز في القانون الإداري)، الطبعة الثانية، جسور للنشر والتوزيع، الجزائر، 2007 ، ص 157

8- الدكتور: عبد الغني بسيوني عبد الله، )النظرية العامة في القانون الإداري: دراسة مقارنة لأسس ومبادئ القانون الإداري وتطبيقها في مصر(، منشأة المعارف، الإسكندرية- مصر، 2003 ، ص 122

9- الأستاذ الدكتور: عمار بوضياف، (الوجيز في القانون الإداري)، المرجع السابق الذكر، ص 157 و 159

10- الدكتور: عدنان عمرو، المرجع السابق الذكر ، ص 79 و 80

11- الأستاذ: محمد الصغير بعلي، ( القانون الإداري: التنظيم الإداري- النشاط الإداري)، دار العلوم للنشر والتوزيع،

. عنابة- الجزائر، 2004 ، ص 48 و 49

12- الدكتور: عمار عوابدي، (مبدأ تدرج السلطة الرئاسية)، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1987 ، ص 415

13- الأستاذ الدكتور: عمار بوضياف، (الوجيز في القانون الإداري)، المرجع السابق الذكر، ص 160و 161

14- الأستاذ الدكتور: عمار بوضياف،(التنظيم الإداري في الجزائر بين النظرية والتطبيق)،المرجع السابق الذكر، 7 و 8

15- المرجع ذاته، ص 8

16- أنظر الأمر رقم 75- 58 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 ، المتضمن للقانون المدني الجزائري، المعدل والمتمم، (الجريدة الرسمية، العدد 78 ، المؤرخة في 30 سبتمبر 1792 ، المادة 129

17- أنظر القانون رقم 5-10 المؤرخ في 20 جوان 2005 ، المتضمن تعديل الأمر رقم 75-85 المتعلق بالقانون المدني الجزائري، (الجريدة الرسمية، العدد 44 ، المؤرخة في 26جوان 2005 )، المادة 129

18 – الأستاذ الدكتور: عمار بوضياف، (الوجيز في القانون الإداري)، المرجع السابق الذكر، ص 163 و 164

19- أنظر الأمر رقم 6-3 المؤرخ في 15جويلية 2006، المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية (الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 46 المؤرخة في 16 جويلية 2006 )، المادة 47

20- الأستاذ: محمد الصغير بعلي، (القانون الإداري)، المرجع السابق الذكر، ص 52

21- الدكتور: عبد الغني بسيوني عبد الله، (التنظيم الإداري: دراسة مقارنة للتنظيم الإداري الرسمي والتنظيم غير الرسمي)، منشأة المعارف، الإسكندرية-مصر، 2004، ص 81

22- الأستاذ: علاء الدين عشي، (مدخل القانون الإداري: المبادئ العامة للقانون الإداري وتطبيقاته في الجزائر)، الجزء الأول، (التنظيم الإداري)، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، عين ميلة- الجزائر، 2009، ص 50

23- الأستاذ: محمد الصغير بعلي،(القانون الإداري)، المرجع السابق الذكر، ص 53 و 54

(*) – اعتبرت المحكمة العليا في قرار لها صدر بتاريخ 5/11/1988(الغرفة الإدارية) إن إلغاء القرارات الإدارية يجب أن يراعي فيها حقوق مكتسبة وكل قرار لا يراعي فيه هذه الضمانة يشكل صورة من صور تجاوز السلطة،. أنظر ” المجلة القضائية”، (العدد الرابع)، 1991 ، ص 220

24- الأستاذ الدكتور: عمار بوضياف، (الوجيز في القانون الإداري)، المرجع السابق الذكر، ص 166

25- الأستاذ: محمد الصغير بعلي، (القانون الإداري)، المرجع السابق الذكر، ص 54 و 55

26- الدكتور: سامي جمال الدين، (أصول القانون الإداري: تنظيم السلطة الإدارية والإدارة المحلية- التنظيم القانوني للوظيفة العامة- نظرية العمل الإداري)، الجزء الأول، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية- مصر، 1996 ص 177 

اللامركزية الإقليمية المحلية في الجزائر :

إذا كانت الدول تأخذ بصورتي وشكلي اللامركزية(الإقليمية والمرفقية)، فإن اللامركزية الإقليمية(الإدارة المحلية ) تعتبر وتبقى أهم تطبيق لنظرية اللامركزية الإدارية، ونظرا لأهميتها بالنسبة لكيان الدولة و قوامها – أي اللامركزية الإقليمية – عادة ما تبنى على أساس دستوري(1) و بالرجوع إلى الدستور الحالي (1996) المعدل والمتمم نجد المادة 15 منه تنص على: ” الجماعات الإقليمية للدولة هي البلدية والولاية. البلدية هي الجماعة القاعدية ” كما تنص المادة 16 منه على: “يمثل المجلس المنتخب قاعدة اللامركزية، ومكان مشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العمومية”(2) و عليه فالإدارة اللامركزية الإقليمية بالجزائر أو ما يسمى أيضا بالإدارة المحلية أو المجموعات المحلية إنما تقوم على وحدتين إداريتين هما: البلدية والولاية. فاللامركزية الإقليمية هي الصورة الواضحة والكاملة لتطبيق النظام اللامركزي، وتقوم على الأركان الأساسية التي تستند إليها اللامركزية والتي ذكرناها من قبل، ترتكز اللامركزية الإقليمية أو الإدارة المحلية على الاختصاص الإقليمي، حيث تباشر الهيئات اللامركزية صلاحياتها(الشؤون المحلية) في نطاق حيز جغرافي معين، كما هو الشأن بالنسبة لوحدات الإدارة المحلية (البلدية والولاية)، وإلا كانت قراراتها وأعمالها مشوبة بعيب تجاوز الاختصاص الإقليمي، مما يعرضها للإلغاء في حالة الطعن فيها(3) و في اللامركزية الإقليمية لن تستأثر الدولة بكامل السلطات في كافة أنحاء البلاد ولن يكون الوزير هو المهيمن على كافة الإدارات و النشاطات، و إنما ستتوزع السلطات والاختصاصات بينها وبين الوحدات المحلية بحسب تقسيمات الإدارة المحلية التي يقررها القانون، وسيقوم على إدارة هذه الوحدات هيئات ومجالس مستقلة تتمتع باختصاصات ذاتية بحيث تقنع الإدارة المركزية بمهام الرقابة والإشراف وفي الحدود المقررة قانونا. وهذه الصورة من صور التنظيم الإداري فرضها تطور وتزايد مهام الدولة واتساع مسؤولياتها وتزايد السكان والحاجات الاجتماعية، بحيث لم يعد يمكنها إدارة كل الشؤون في كل البقاع مركزيا، هذا فضلا عن تغاير أقاليم الدولة المختلفة في خصوصياتها وحاجاتها وتقاليدها وثقافاتها، مما يتطلب لحسن تنظيمها وتسيير أمورها أن تكون الهيئات القائمة على إدارتها قريبة منها معايشة لواقعها(4) .

___________________

1- الأستاذ: محمد الصغير بعلي، قانون الإدارة المحلية الجزائرية ، دار العلوم للنشر و التوزيع ، عنابة – الجزائر، 2004، ص، 6

2- أنظر دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لسنة 1996 ، المؤرخ في 28 نوفمبر 1996 ، (الجريدة الرسمية، العدد 96 ، المؤرخة في 8 ديسمبر 1996 )، المعدل بالقانون رقم 2-3 03 المؤرخ في 10 أفريل 2002 (الجريدة الرسمية العدد 25 ، المؤرخة في 14 أفريل 2002 ، وبالقانون رقم 8-19 المؤرخ في . نوفمبر 2008 ، (الجريدة الرسمية ، العدد 63، المؤرخة في 16 نوفمبر 2008 )، المادة 15 و 16 ، ص3 .

3- الأستاذ: محمد الصغير بعلي، قانون الإدارة المحلية الجزائرية، المرجع السابق الذكر، ص 7 و 28 و 29

4- الدكتور: محمد فؤاد عبد الباسط، (القانون الإداري: تنظيم الإدارة- نشاط الإدارة-وسائل الإدارة)، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية-مصر، 2005 ، ص 33

اللامركزية المرفقية أو المصلحية :

إن هناك من المشروعات التي تستهدف خدمة عامة، ما لا يصلح لإدارتها الأسلوب الإداري الذي يستخدم في إدارة المرافق العامة الإدارية التقليدية كمرفق الشرطة والدفاع حيث تقوم الدولة بنفسها بإدارة هذه المرافق عن ما لا يصلح لإدارته أسلوب الإستغلال المباشر الذي يستخدم عادة في إدارة المرافق العامة الإدارية نظرا لأن هذا الأسلوب يحكمه الروتين الحكومي الذي يحكم عادة الإدارات الحكومية بما يحد من نشاط هذه المرافق ويعيق عملها وهكذا فقد عرف العالم أسلوبا لإدارة المرفق العامة يمتاز بالتحرر من الروتين الحكومي ويعطي للمرفق العام قدرا كبيرا من حرية الحركة بما يمكنه من أداء مهامه على نحو أفضل، هذا الأسلوب هو أسلوب الهيئات والمؤسسات العامة الذي انتشر بعد الحرب العالمية الثانية، ويعد أكثر أساليب إدارة المرافق العامة انتشرا في الوقت الحاضر، وعلى هذا النحو فالهيئة العامة والمؤسسة العامة هم عبارة عن مرفق عام منح الشخصية القانونية المستقلة تمكينا للمرفق من إدارة شؤونه بنفسه ليحقق الغرض من إنشائه على نحو أفضل، ومن هنا نتبين أن أكثر ما يميز الهيئة العامة والمؤسسة العامة هو تمتعها بالشخصية القانونية المستقلة والمتميزة عن الشخصية القانونية للدولة، بما يعد تطبيقا صحيحا للامركزية الإدارية التي جوهرها هو تعدد الأشخاص القانونية العامة وبالتالي تفتيت الوظيفة العامة.

أولا: أسس اللامركزية المرفقية:

أ. المرفق العام :

تتطلب اللامركزية المرفقية وجود مرفق عام، و هذا مما يميز اللامركزية المرفقية عن اللامركزية الإقليمية، و المرفق العام هو مشروع يستهدف مصلحة عامة تتدخل الدولة في إدارته و المشروع كما هو معروف عبارة عن مجموعة من الاموال و أشخاص تدير المشروع و نظام قانوني يحكمه و في اللامركزية المرفقية قد يوجد المرفق العام سلفا فتكسبه الدولة الشخصية القانونية المستقلة، و فد تنشأ الدولة مرفقا عاما تمنحه في نفس اللحظة الشخصية القانونية المستقلة(1)

ب. التمتع بالشخصية القانونية المستقلة :

في اللامركزية المرفقية يمنح مرفقا عاما الشخصية القانونية المستقلة أي يصبح له أهلية اكتساب الحقوق و التحمل بالالتزامات، و هكذا يكون للمرفق ذاتيته الخاصة المتميزة من ذاتية الدولة بما يعطيه قدرا من الاستقلال الإداري و المالي عن الدولة و مقتضى الاستقلال الإداري أن يكون للمرفق جهاز خاص يتولى اعمال الإدارة متحررا من السلطة الرئاسية للإدارة المركزية و يتولى الشخص المرفقي صناعة القرارات الخاصة به و إصدارها باسمه لا باسم الدولة، كذلك يكون له الحق في رفع الدعاوى القضائية كما و ترفع عليه الدعاوى القضائية ثم أنه يكون له حق التملك باسمه و حق التعاقد لحسابه مع اشخاص القانون الخاص و العام على السواء و من مظاهر استقلاله المالي أن يكون له ذمة مالية مستقلة عن حصة الدولة المالية، بما يترتب على ذلك من أن يكون له ميزانيته المستقلة بإيراداتها و مصروفاتها و التي يتولى هو بنفسه إعدادها طبقا لما تقتضيه مصلحة إدارة المرفق.

ج. الرقابة الوصائية على الأشخاص المرفقية :

كما و انه توجد رقابة وصائية على الاشخاص الاقليمية، على النحو السابق الذكر فإنه لابد بن توافر الرقابة الوصائية بالنسبة للأشخاص المرفقية، فالاشخاص الاقليمية و المرفقية هما صورتان لأصل واحد هو اللامركزية الإدارية، و إن العوامل و الأسباب التي تدعوا إلى فرض رقابة وصائية على الاشخاص المرفقية، و تتناول الرقابة الوصائية الأشخاص القائمين على الأشخاص المرفقية و تتناول نشاطها، و من ذلك قيام الإدارة المركزية بتعيين مديري المؤسسات العامة و أعضاء مجالس إدارتها.

و يجدر بنا أن نشير إلى انه إذا كان من الضروري في المؤسسات العامة تتولى الإدارة المركزية تعيين كبار القائمين على إدارتها فإن مرجع ذلك هو عدم وجود ناخبين كما في اللامركزية الإقليمية و حيث يذهب الرأي الراجح إلى انه يجب انتخاب الاعضاء المسؤولين عن إدارتها و بالاضافة إلى ما سبق فإن الرقابة الوصائية التي تتناول الأشخاص القائمين بإدارة الأشخاص المرفقية قد تأخذ شكل نصائح و تنبيهات و مقترحات و آراء او حضور جلسات مجلس الإدارة للنظر في أمر عاجل كذلك فإن الرقابة على النشاط الشخص المرفقي قد يأخذ شكل تصريح مثل التصريح بقبول الهبات أو الوصايا كذلك فقد يأخذ شكل تصديق الإدارة المركزية على تصرفات الاشخاص المرفقية بما يفيد الملاءمة و المشروعية(2)

ثانيا : المقارنة بين اللامركزية الاقليمية و اللامركزية المرفقية :

على الرغم من عدم التوافر الحقيقي و التام لجميع اركان اللامركزية في شكل اللامركزية المرفقية، و تشكيك جانب الفقه في اعتبارها لا مركزية إدارية يمكن مقارنة اللامركزية المرفقية باللامركزية الاقليمية من عدة جوانب سواء من حيث وجود المصالح المتميزة و استقلال الهيئات و الوصاية الإدارية .

أ. من حيث وجود المصالح المتميزة :

يقوم الشكلان على أساس الاعتراف بوجود مصالح متميزة ذات طابع محلي و إقليمي في اللامركزية الإقليمية (الإدارة المحلية و ذات طابع فني و تقني في اللامركزية المرفقية )المصلحية(3)

ب . من حيث استقلال الهيئات:

تتمتع الهيئات و الأجهزة في شكلي اللامركزية بالشخصية المعنوية بكل ما يترتب على ذلك من نتائج. و إذا كانت طريقة الانتخاب تشكل وسيلة مثلى لدعم و استقلال وحدات الإدارة المحلية اللامركزية الإقليمية بموجب تسييرها و إدارتها من طرف مجالس منتخبة محليا تتكون من سكان الاقليم الإداري بمصالحهم، فإن إدارة الشخص المرفقي المستشفى، الجامعة…. عادة ما يستند إلى فئة الخبراء و الفنيين الأدرى بمصلحة الهيئة اللامركزية المرفقية و الاقدر على تسييرها. كما أن الانتخاب قد يكون مجرد واجهة لاستقلال وهمي إذا لم تزود الهيئات اللامركزية إقليمية كانت أو مرفقية بعد تشكيلها:

* بسلطات و اختصاصات فعلية و تقريرية .

* بالوسائل و الإمكانيات اللازمة لأداء مهامها.

* بالضمانات القانونية التي تحافظ على ذلك الاستقلال.

ج. من حيث الوصاية (الرقابة الإدارية):

يخضع شكلا اللامركزية إلى نظم و صائي و رقابي محفوف باعتبارات سياسية في اللامركزية الإقليمية، وباعتبارات فنية في اللامركزية المرفقية. و على كل فإن الاختلاف بين اللامركزية الاقليمية و اللامركزية المرفقية، يبقى اختلافا في الدرجة لا في الطبيعة، حيث تمثلان تطبيقين للفكرة و مفهوم واحد هو مفهوم اللامركزية الإدارية التي اصبحت تشكل وسيلة و أسلوب تقنيا فعالا في تسيير و إدارة الشؤون العامة بالدولة الحديثة(4) .

___________________

1- الدكتور محمد بكر حسين، الوسيط في القانون الإداري، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية- مصر 2006 ، ص 92و 93

2- المرجع ذاته ، ص 93 و ما يليها.

3- الأستاذ : محمد الصغير بعلي، قانون الإدارة المحلية الجزائرية ، دار العلوم للنشر و التوزيع ، عنابة – الجزائر، 2004 ، ص 29

4- المرجع ذاته، ص 29 و ما يليها.

أساليب ممارسة السلطة في نظام عدم التركيزالاداري في الجزائر :

إن أساليب ممارسة السلطة في نظام عدم التركيز يمكن حصرها في أسلوبين وهما أسلوب إعادة توزيع الصلاحيات والاختصاصات(الأسلوب التشريعي)، وأسلوب التفويض الإداري.

أ. أسلوب إعادة توزيع الصلاحيات والاختصاصات (الأسلوب التشريعي):

وذلك بأن يتولى المشرع منح أكثر من شخص، أو أكثر من جهة اختصاصات سلطة إتخاذ القرارات الإدارية، وهنا يتعين الرجوع إلى النصوص القانونية لتحديد وبيان مراكز اتخاذ القرارات الإدارية النهائية دون الحاجة إلى الرجوع إلى الحكومة المركزية في العاصمة.

ب . أ سلوب التفويض الإداري (تفويض الاختصاص):

فسوف نتناول تعريفه ،أساسه القانوني ،المسؤولية فيه ، شروطه ،أثاره ، تقييمه، أنواعه، و تمييزه عن الأنظمة المشابهة له في القانون العام.

1- تعريفه:

ويقصد بتفويض السلطة الإدارية أو تفويض الاختصاص، هي أن يعهد العضو الإداري ببعض اختصاصاته إلى عضو إداري أخر ليمارسها دون الرجوع إليه، مع بقاء مسؤوليته عن تلك الاختصاصات المفوضة. فالتفويض لا يعني أن يتخلى العضو الإداري عن سلطاته أو مسؤوليته، بل هو مجرد طريقة أفضل لإنجاز الأعمال الإدارية بسرعة وبكافية، ويتبع ذلك أن يكون للمفوض الحق دائما في إلغاء التفويض (أي سحبه) كما يملك أن يعدل من وعائه ضيقا أو اتساعا حسبما تقتضي متطلبات العمل وحسن أدائه في الجهاز الإداري. ويعرف التفويض أيضا بأن يعهد الرئيس الإداري ببعض اختصاصاته التي يستمدها من القانون إلى أحد مرؤوسيه(1) وهو كطريقة لتنفيذ العمل يقبل الإلغاء أو التعديل، وعادة ما يقتصر على القيام بوجبات محددة لا تتضمن اتخاذ القرارات الكبرى التي يحتفظ الرئيس لنفسه بسلطة البت فيها لأهميتها(2)

2- أساسه القانوني:

يستمد التفويض أساسه عادة من الدستور والقوانين واللوائح والأنظمة والتعليمات الداخلية.

2.2- الدستور:

يعتبر الدستور بمثابة المرجع الأساسي وهو الذي ينشأ ويحدد الاختصاصات ويضع القواعد العامة للهيئات. والدستور هو الذي ينظم قواعد الحكم واختصاصات الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية. وعلى هذا يعد الدستور في الجزائر هو مصدر القواعد القانونية التي تحكم توزيع الاختصاص بين الهيئات العامة وتنظيم السلطات وبين المواد التي تحكم السلطة التنفيذية، كما بين الدستور الجزائري نظام الحكم، واختصاصات رئيس الجمهورية بصفته رئيسا للدولة وبين اختصاصات رئيس الحكومة (الوزير الأول حاليا).

2.2- القوانين:

القانون هو الأساس الذي تستمد منه الإدارة سلطتها فهو الذي يبين اختصاصها. وعلى هذا فالقانون هو المصدر الذي تستمد منه الإدارة مبدأ المشروعية في نشاطها، والقانون لا ينفرد بتوزيع الاختصاصات بين الهيئات الإدارية المركزية والفرعية بل تنظمه أيضا الأنظمة والتعليمات المستندة إلى القانون.

3.2- التعليمات واللوائح:

وهذه التعليمات تضعها الإدارة كمصدر محدد لقواعد الاختصاص. وحيث أن تفويض الاختصاص يتناول كيفية ممارسة الهيئة لأعمالها، كما أن مبدأ السلم الإداري يخضع الموظف المرؤوس لأعمال الرئيس ويتجلى ذلك عن طريق:

– طاعة أوامر الرؤساء، فالمرؤوس لا يخضع لأوامر وتعليمات الرئيس فقط وإنما ملزم بتطبيق التعليمات والأوامر التي تصدر إليه من رؤسائه الإداريين.

– للرئيس مراقبة أعمال المرؤوس وتوجيهه، بل وتعديل أعماله، كما يجب أن يكون التفويض جزئيا، أي أنه لا يجوز تفويض كامل الاختصاص(3) .

3- المسؤولية في التفويض:

من القواعد المسلم بها أن السلطة ترتبط بالمسؤولية وجودا وعدما فتوجد إحداهما حيث توجد الأخرى، كما ترتبط بها من حيث الكم أو المقدار، فمقدار إحداهما يتساوى مع مقدار الأخرى. ويقصد بالسلطة المقدرة القانونية على اتخاذ أعمال معينة، أما المسؤولية فيراد بها الالتزام بأداء الواجب طبقا للقانون وإلا حق العقاب. والتفويض لا يتضمن تنازلا عن السلطة وإنما مجرد إشراك فيها مع الرقابة والتوجيه. لذلك يجب على الرئيس الإداري أن يجري مراجعة دورية لنشاط المفوض إليهم حتى يتأكد من سلامة أعمالهم ونجاحهم في القيام بالمهام الموكلة إليهم. فالتفويض لا يعفي الرئيس من المسؤولية عن الأعمال المفوض فيها، وإلا جاز له التهرب من بعض مسؤولياته عن طريق تفويض جانب من اختصاصاته، وإذا كان المفوض يحرم من ممارسة الاختصاصات التي فوض فيها خلال فترة التفويض – توحيدا للاتجاه ومنعا للتضارب في ممارسة هذه الاختصاصات- فإن له في جميع الأحوال أن يلغي التفويض فيسترد سلطاته ويزاول كافة اختصاصاته بنفسه، كما أن له أن يعدل في تفويضه فيرده إلى الوضع الذي يروق له. وبالإضافة إلى ذلك فإن المفوض مسؤول عن حسن إختيار المفوض إليه وتدريبه على القيام بالأعباء المعهود بها إليه بحيث يكون هناك تناسب بين الاختصاصات المفوض فيها وبين كفاءة المفوض إليه. غير أن المفوض إليه يسأل هو الأخر عن سلامة تصرفاته المتصلة بالمسائل المفوض فيها، لأن ما حصل عليه من سلطة بالتفويض لابد وأن يقابله من المسؤولية ما يماثل قدره، ومعنى ذلك أن التفويض ينطوي في حقيقة الأمر على مسؤولية مزدوجة تقع على عاتق كل من المفوض والمفوض إليه بالنسبة للأعمال المفوض فيها.(4)

4- شروط التفويض:

يجب أن تتوفر شروط في التفويض لكي تكون القرارات الصادرة عن المفوض إليه مشروعة وهذه الشروط تتمثل ف

1،4- القانون يسمح بالتفويض:

بمعنى أن القانون يسمح لموظف معين تفويض صلاحياته، فللوزير أن يفوض صلاحياته إلى الأمين العام للوزارة أو إلى المدراء المركزيين أو إلى نواب المديريين في دائرة وزارته والى كبار الموظفين، وإن القرارات الصادرة عن موظف غير مفوض له بتلك الاختصاصات يكون قراره باطلا(5) ويجب أن يكون النص الذي يسمح بالتفويض من نفس مستوى النص القانوني الذي أسند الاختصاص للمفوض، وعليه فلا يجوز تفويض اختصاصات أسندها الدستور لسلطة ما إلا إذا سمح الدستور نفسه بذلك. وينظم المشرع التفويض بأحد أسلوبين، فإما أن يخصص تشريعا مستقلا خاصا بأحكام التفويض وقواعده، أو النص على إجازة التفويض في التشريعات الصادرة بمناسبة تنظيم موضوع معين.(6)

2،4- أن يكون التفويض جزئيا ومؤقتا:

يجب أن يكون التفويض جزئيا، فلا يجوز أن يفوض الرئيس الإداري أحد مرؤوسيه بممارسة جميع اختصاصاته فهذا لا يتصور منطقيا لأنه يتضمن تنصل الرئيس من مزاولة كل أعماله، ولا يتصور أن يسمح أي نص تشريعي بذلك(7) كما يجب أن يحدد صاحب الاختصاص الفترة الزمنية التي يمكن خلالها للمفوض إليه ممارسة الاختصاصات والصلاحيات المفوضة، ويترتب على فوات هذه المدة دون صدور قرار جديد بالتفويض، أو بتجديد مدة التفويض فقدان المفوض إليه سلطته في ممارسة هذا الاختصاص.

3،4- التفويض للسلطة لا للمسؤولية:

إذا كان للرئيس الإداري أن يقوم بتفويض بعض اختصاصاته بصفة مؤقتة، فإنه مع ذلك يبقى مسؤولا عن ممارسة المفوض إليه لهذه الاختصاصات، لأن القاعدة العامة تقضي بجواز التفويض في السلطة فقط دون المسؤولية(8)

4،4- عدم تفويض الاختصاصات المفوضة:

أي لا يجوز لمن فوض إليه الاختصاص أن يفوض غيره في القيام به، ذلك لأن عملية التفويض لا تتم إلا مرة واحدة، فهذا هو الأصل، وذلك طبقا للقاعدة العامة ” لا تفويض في التفويض”.

2.4 . أن تكون حدود التفويض واضحة:

يجب أن يكون التفويض سليما من الناحية القانونية، وأن يتم بالأوضاع التي وضعها القانون، الأمر الذي يجعل من واجب المفوض الإداري أن يعين حدود التفويض بدقة و وضوح تحسبا لأي نزاع أو سوء فهم يمكن أن يقع أثناء ممارسة المفوض له للاختصاص، كما يجب أن يكون المفوض إليه متفهما لطبيعة ومستلزمات السلطات المفوضة، لكي يقوم بها عن دراية و وعي، وبذلك فلا يجوز للمفوض إليه أن يتجاوز نطاق الاختصاصات التي تضمنها قرار التفويض، وهذا يعني بالنتيجة أن التفويض يجب أن يصدر صريحا وليس ضمنيا.

4.4 . أن يصدر التفويض من سلطة مختصة قانونا بإجرائه:

لئن اتسم التفويض بطابع تنظيمي فإنه صورة من صور توزيع المهمات الوظيفية. و وجب أن يكون بقانون أو بناء على قرار له قوة القانون .إن مجرد الإذن التشريعي لا يكفي وإنما يستلزم التعبير الإرادي من جانب الأصيل (المفوض) ويتم ذلك بصدور قرار منه بالتفويض، أي أن يصدر ذلك من السلطة المختصة فإذا صدر عن سلطة لا تملكه قانونا كان قرار التفويض مشوبا بالبطلان، ومما لا شك فيه أن استعمال صاحب الاختصاص الأصيل لصلاحياته القانونية في التفويض الإداري ووقت هذا الاستعمال يندرج ضمن إطار السلطة التقديرية البحتة بحيث يترك أمر تقدير اللجوء لهذه الرخصة المطلق إلى تقدير صاحب الاختصاص الأصيل(9)

4.4 . التفويض لا يكون إلا من أعلى إلى الأسفل:

وهذا شرط بديهي، ينطلق من طبيعة التفويض، لأن التفويض وسيلة للتخلص من التركيز الشديد في السلطات عند قمة السلم الإداري، حيث يلجأ الرئيس إليه، ويعهد إلى من هم أدنى منه جانبا من تلك الاختصاصات التي تعوقه عن ممارسة مهامه الرئاسية. وبطبيعة الحال، فإن لا معنى لأن يحدث العكس، أي أنه من غير المتصور أن يتم التفويض من المرؤوس إلى رئيسه.

4.4 . حق الرئيس في تعديل السلطات المفوضة أو استردادها:

بعد نقل السلطات المفوضة إلى المرؤوس لا يجوز للرئيس أن يمارس هذه السلطات طوال مدة التفويض، لأنها أصبحت من حق المرؤوس من ناحية، ولأنه لو فعل ذلك لأضحت القرارات الصادرة منه باطلة لصدورها من غير المختص بإصدارها، والحكمة من هذا القيد أنه لو أعطى الرئيس الحق في ممارسة الاختصاصات المفوضة، لحدث تعارض في القرارات الصادرة منه ومن المرؤوس المفوض إليه في نفس الاختصاص المتعلقة به هذه القرارات، ولكن هذا القيد لا يمنع الرئيس من مراقبة المرؤوس المفوض إليه، وتوجيهه، وإرشاده إلى الكيفية التي يباشر بها هذه السلطات، وهذا يتطلب توافر وسائل وأساليب الرقابة الفعالة، والمراجعة الدورية لكيفية قيام المفوض إليه بالسلطات المفوضة، وإذا شاء الرئيس أن يعدل في نطاق وحدود السلطات المفوضة بناء على تلك المراقبة، فله الحق في ذلك، كما يستطيع الرئيس سحب السلطات المفوضة، وإلغاء التفويض إذا ما رأى أن مصلحة العمل تتطلب ذلك، وغالبا ما يحث هذا الأمر – أي سحب الرئيس لسلطاته المفوضة – عند إعادة تنظيم الجهاز الإداري، حيث تعود السلطات المفوضة إلى الأصيل، ثم تجرى عملية تفويض جديدة عند إعادة توزيع الاختصاصات، وقد يتم استرداد الرئيس الإداري للسلطات المفوضة إذا وجد أن المرؤوس قد أساء استخدام السلطة المفوضة إليه، أو انه استخدم هذه السلطة بطريقة لا تعود بالنفع على العمل الإداري وهذا أمر طبيعي، لأن التفويض لا يعني التنازل عن السلطات المفوضة بصفة دائمة، وأخيرا، ينتهي التفويض بانتهاء عمل الرئيس المفوض سواء بالاستقالة أو الوفاة، أو الإحالة إلى المعاش، لأن التفويض مرتبط بشخص المفوض، وتنطبق ذات القاعدة على المفوض إليه.(10)

4.4 . كتابة ونشر قرار التفويض:

يقر بعض الفقه بسلامة التفويض حتى ولو تم بصورة غير رسمية، ويبررون ذلك كنتيجة لتوزيع العمل أو احتراما للتقاليد العملية المستقرة.

ويرى بعض الفقه ضرورة كتابة قرار التفويض لأن الأمر يتعلق بركن الاختصاص الذي يجب أن يكون صحيحا و واضحا ومثبتا وإلا عد القرار مخالف للقانون، فلا يلتفت إلى الزعم بوجود تفويض شفوي، بمعنى أن يتم التفويض بصورة رسمية. ولا تكتفي بعض النظم بالكتابة بل تشترط نشر قرار التفويض في الجريدة الرسمية أو في الصحف المحلية لكي يتأتى للعموم تحديد السلطة المختصة بمباشرة الاختصاص.(11)

2. أثار التفويض:

تختلف أثار التفويض بحسب شكله، وكذلك بالنسبة لكل من المفوض والمفوض له، ويمكن إجمال أثار التفويض الإداري في:

ينتج عن التفويض نتائج، لعل أهمها:

– أنه لا يجوز للأصيل (المفوض)ممارسة الاختصاصات محل التفويض طيلة مدة سريان القرار الذي يتضمن التفويض، وإلا كنا أمام جهتان يقومان بنفس الاختصاص، على العكس من تفويض التوقيع الذي لا يحرم فيه المفوض من ممارسة وظيفته في التوقيع.

– تفويض الاختصاص ينظر إلى الجهة الإدارية المفوضة دون أن يكون شخص الموظف الشاغل لهذه الوظيفة محل اعتبار، إذ لا ينتهي هذا التفويض بتغير شاغل المنصب، بخلاف تفويض التوقيع الذي يكون موجها لشخص الموظف بذاته، وينتهي بانتهاء مهام هذا الموظف(12)

– يعد التفويض الإداري وسيلة من وسائل عدم تركيز الاختصاص، أي أن يعهد صاحب الاختصاص بممارسة جانب من اختصاصاته، في مسألة معينة أو نوع من المسائل إلى فرد أخر في الوظيفة العامة، ويتم ذلك وفقا لما يأذن به الدستور أو القانون أو الأنظمة وفي الحدود التي بينها النص.

– إن موضوع توزيع الاختصاص في القانون الإداري من المسائل التي تتصل بالنظام العام، فلا يجوز الاتفاق على خلاف الأساس القانوني للتفويض لأنه ليس أمرا شخصيا. فالعيب في الاختصاص يجعل العمل الإداري باطلا ولا يجوز تصحيحه أو تصديقه بإجراء لاحق من السلطة المختصة قانونا.

– الأصل أن صاحب الاختصاص ملزم بممارسة اختصاصه بنفسه، ولا يجوز تفويض اختصاصه لغيره، إلا إذا أذن المشرع بذلك صراحة وبحدود ذلك النص الآذن.

– إذا حدد النص الذي يجيز التفويض من يفوض إليهم بأسمائهم أو صفاتهم تعين على السلطة الأصلية أن يكون قرارها بالتفويض لهؤلاء الأشخاص دون غيرهم(13)

– إذا حدد النص الذي يجيز التفويض ترتيبا معينا للأشخاص الذين يجوز التفويض إليهم وجب على المفوض احترام هذا الترتيب، وإلا اتسم قراره بعدم المشروعية.

– إذا حدد النص الذي يجيز التفويض التزاما على جانب السلطة الأصلية باستخدام إمكانية التفويض في حالة معينة كأن يتعلق استخدامه بناء على طلب سلطة معينة، فإنه يتعين على السلطة الأصلية استخدم إمكانية التفويض متى طلبت منه الجهة المعنية ذلك. ويمكن للسلطة الأصلية العدول في أي وقت من الأوقات عن التفويض لا لشيء سوى لأنها صاحبة الاختصاص الأصلي، ولأن اختصاصات المفوض إليه في هذا المجال هي اختصاصات مؤقتة يجوز إلغاؤها.

– يجب على المفوض له احترام التفويض والعمل بمقتضاه، وإذا امتنع عن ممارسة التفويض الممنوح له صراحة أو ضمنا، فإن هذا الامتناع يعتبر مخالفة تأديبية وتجوز مساءلته وتوقيع الجزاء عليه، وفي حالة قيامه بالاختصاصات المفوضة إليه، فإنه يتحمل كافة الآثار المترتبة على قراراته. وإذا حدد قرار التفويض النطاق الزمني أو المكاني لممارسة الاختصاصات المفوضة إليه أو وضعت له قيودا أو توجيهات معينة فإنه وجب عليه احترامها وعدم تجاوزها(14)

4. تقييم التفويض:

أصبح التفويض في السلطة ضرورة من ضرورات حسن تنظيم العمل الإداري، من أجل تحقيق الأهداف المنوطة بكل هيئة أو منظمة إدارية، وإنجاز المهام الموكلة إليها، وتعود هذه الأهمية المتزايدة إلى المزايا والفوائد التي تعود على العمل الإداري من تطبيقه والتي تتلخص في:

– سرعة إصدار القرارات، والقضاء على البطئ في الإجراءات.

– تفرغ الرئيس الإداري لمهام القيادة.

– خفض التكاليف المالية للقرارات الإدارية.

– خلق قيادات جديدة قادرة على تحمل المسؤولية(15)

– يعمل التفويض على أكبر قدر من المشاركة في اتخاذ القرار وحسن الأداء الوظيفي وإعطاء المجال للموظف الأقرب المتعامل مع المواطنين لحل مشاكلهم.

– القضاء على المشاكل والتفاني في العمل من أجل تقديم أحسن الخدمات للمواطنين والعمل على أداء الإدارة لعملها من أجل المصلحة العامة.(16)

– يعتبر وسيلة ناجحة لتدريب المرؤوسين من خلال العمل وينمي عنصر الابتكار.

– يوسع ويزيد من مراجع التظلم فيكون هناك مجالين أو أكثر للتظلم في حالة التفويض ومثال ذلك التظلم الرئاسي إضافة إلى التظلم الولائي.

– يعد أسلوب التفويض أكثر مرونة ويسر من أسلوب إعادة توزيع الاختصاص، لأن الأخير قد يتطلب إصدار قوانين وقرارات رئاسية أو وزارية.

– يؤدي إلى رفع الروح المعنوية للمرؤوسين وإلى زيادة الشعور بالثقة في أنفسهم في مجال العمل(17) .

– عادة ما يقوم المفوض إليه بأداء ما فوض فيه بطريقة أفضل مما لو كان مكلفا به بحكم القانون، وذلك ليس فقط لأن اختياره للقيام بالمهمة المفوض فيها غالبا ما يقوم على أساس سليم له ما يبرره في صفات شخص المفوض إليه وحسن استعداده للقيام بهذا العمل.

– غير أن التفويض يفشل في تحقيق مزاياه وتنقلب محاسنه إلى مساوئ إذا لم يحسن المفوض اختيار المفوض إليه الصالح للقيام بموضوع التفويض، فضلا عن بسط رقابته وإشرافه على أدائه للأعمال المفوض فيها(18)

4. أنواع التفويض:

يقسم التفويض إلى أنواع: التفويض من ناحية أداته والتفويض من حيث طبيعته.

1.4 . التفويض من جهة أداته:

وهو يقسم إلى التفويض المباشر وغير المباشر، الاختياري والإجباري، البسيط والمركب.

1.1.4 . التفويض المباشر والتفويض غير المباشر:

ويقصد بالتفويض المباشر هو الذي يصدر ممن هو أعلى في السلطة من صاحب الاختصاص الأصيل، كتفويض رئيس الجمهورية بعض اختصاصات الوزير إلى الأمين العلام للوزارة، أو صدور قرار من الوزير يفوض فيه اختصاصات الأمين العام للوزارة إلى المدير المركزي لمدير الموظفين ومثل هذا التفويض يحقق الغاية من التفويض ويجعل مصالح العاملين والأفراد أكثر استقرارا ويجوز الإذن بالتفويض بمرسوم حتى في الاختصاصات المقررة بقانون فالتفويض في هذه الصورة يتم بعمل واحد هو المرسوم يمثل قرار التفويض. وعندما يصدر المرسوم فلا حاجة إلى قرار يصدر علن الأصيل عندما يكون قرار التفويض قد صدر ممن هو أعلى منه مرتبة في السلم الإداري.

أما التفويض غير المباشر فهو الذي يصدر علن الأصيل نفسله استنادا إلى القانون أو التعليمات، وهنا تتجلى إرادة الأصيل فهو الذي يفوض وفقا لمتطلبات العمل وظروفه وهذا التفويض هو المعتمد في الجزائر(19)

2.1.4 . التفويض الاختياري والتفويض الإجباري:

يصدر التفويض في كلا هذين النوعين بقرار من الأصيل بالاستناد إلى النص القانوني ويكون الأصيل حرا في منح تفويضه أو التمسك به وفقا لظروف العمل المسند إليه، أما في التفويض الإجباري فيكون الأصيل ملزما بتفويض بعض اختصاصاته إذا طلب منه ذلك.

3.1.4 . التفويض البسيط والتفويض المركب:

يعد التفويض بسيطا إذا صدر القرار بقيام مفوض إليه بعينه باختصاص محدد بدلا من الأصيل، وهذا يعني أن التفويض يستلزم تحقيق أمرين:

– تحديد جزء الاختصاص الذي سيفوض به.

– تحديد المفوض إليه.

أما التفويض المركب فهو ذلك النوع من التفويض الذي يتم فيه تفويض جزء من اختصاصات الأصيل إلى عدد من المرؤوسين، ليقوموا بتنفيذه مشتركين معا(20)

2.4 . التفويض من حيث طبيعته:

يثور السؤال دائما عما إذا كان من حق المفوض أن يمارس الاختصاص الذي فوضه إلى غيره، أو بمعنى أخر السؤال عما إذا كان من شأن التفويض أن يجرد المفوض من ممارسة الاختصاص الذي فوضه إلى غيره، وقد سعى الفقه الفرنسي للإجابة على السؤال بتقسيم التفويض من حيث طبيعته إلى نوعين هما: تفويض الاختصاص وتفويض التوقيع.

1.2.4 . تفويض الاختصاص أو السلطة:

و في هذا النوع من التفويض يتم نقل الاختصاص إلى المفوض إليه أو بمعنى ينقل التفويض إلى المفوض إليه جميع السلطات المتعلقة بهذا الاختصاص، ويترتب على ذلك حرمان صاحب الاختصاص الأصيل من ممارسة الاختصاص المفوض طوال مدة التفويض، والحق أن هذا التفويض لا يشكل اعتداء على شرعية الاختصاص كما قد يبدو للوهلة الأولى، بل هو استثناء من القاعدة التي تقضي بوجوب ممارسة الاختصاص من قبل صاحبه، ولا ينتج عنه أي ضرر لأفراد بل يضمن حماية حقوقهم حيث يجدون أنفسهم أمام سلطة إدارية وليس أمام موظف لا يتمتع باختصاصات، ويترتب على ذلك أن يظل التفويض ساريا وقائما حتى ولو تغير الشخص المفوض إليه لأن التفويض للمنصب ذاته وليس لشاغله، وهذا ما لم يصدر قرار صريح بإلغائه، أو لنقل بصيغة أخرى إن تفويض السلطة أو الاختصاص إنما يوجه إلى الشخص بصفته لا بشخصه فهو تفويض لشاغل الوظيفة، وهذا يعني أن التفويض لا يتأثربتغير شاغل الوظيفة أي أنه لا ينقضي بتغير شاغل الوظيفة. ويلاحظ، فيما يتعلق بالتدرج الوظيفي، أن القرار الصادر بالاستناد إلى تفويض الاختصاص إنما ينسب إلى المفوض إليه وهذا يعني أن تكون قوة ذلك القرار مرتبطة بدرجة المفوض إليه في السلم الإداري(21)

2.2.4 . تفويض التوقيع:

و معناه أن يعطي رئيس إداري الحق في التوقيع على بعض الوثائق إلى موظف أقل منه درجة ويكون تابعا له في السلم الإداري وأقل منه مرتبة وتفويض التوقيع يتعلق بشخص المفوض إليه ولذلك فهو ينتهي بتغيير المفوض أو المفوض إليه أو بنقله. و يجوز للمفوض أن يوقع على الوثائق وبعض التصرفات الإدارية إلى جانب المفوض إليه أو بنقله، ويجوز للمفوض أن يوقع على الوثائق وبعض التصرفات الإدارية إلى جانب المفوض إليه. كما أن القرار الصادر بتفويض التوقيع يستمد قوته القانونية من صاحب الاختصاص ويرتبط بدرجته في السلم الإداري والمفوض إليه يتصرف باسم المفوض(22) ويختلف تفويض الاختصاص عن تفويض التوقيع في نقاط ثلاث:

– من ناحية أولى: تفويض الاختصاص يؤدي إلى نقل الاختصاص إلى المفوض إليه بما يمنع الأصيل المفوض من ممارسة اختصاصه أثناء سريان التفويض. أما تفويض التوقيع فلا يتضمن نقلا للاختصاص، فلا يمنع الرئيس المفوض ممارسة ذات الاختصاص رغم التفويض.

– من ناحية ثانية: تفويض الاختصاص يوجه إلى المفوض بصفته لا بشخصه.هذا بينما أن تفويض التوقيع يراعى فيه الاعتبار الشخصي في المفوض إليه، فهو ينطوي على ثقة خاصة في المفوض إليه، ومن ثم فهو ينتهي إذا تغير المفوض أو المفوض إليه.

– ومن ناحية أخيرة، في تفويض الاختصاص تكون قرارات المفوض إليه في نطاق التفويض منسوبة إلى المفوض إليه وتأخذ مرتبة درجته الوظيفية.

أما في التفويض بالتوقيع فالقرارات الصادرة من المفوض إليه لا تسند إليه، وإنما تكون منسوبة إلى الرئيس المفوض وتأخذ مرتبة قراراته(23)

4- تمييز التفويض عن الأنظمة المشابهة له في القانون العام:

حيث سوف نميز بينه وبين الحلول والإنابة في الاختصاص.

1.4 . التمييز بين تفويض الاختصاص والحلول:

يحدث الحلول في الاختصاص في حالة تغيب الأصيل صاحب الاختصاص لمرض أو لغيره، فيحل محله في مباشرة كافة اختصاصاته موظف أخر يكون القانون قد حدده سلفا بنص صريح، ويكون الحال محل الأصيل من نفس درجته أو من الدرجة الأدنى مباشرة، ومن ثم يمكن حصر أوجه الاختلاف بين تفويض الاختصاص وبين الحلول كما يلي:

– في التفويض يكون الموظف حاضرا وليس غائبا وهو ما يتطلبه صدور قرار التفويض، أما في الحلول فالأصل في ممارسة الاختصاص للأصيل أن يكون غائبا لمرضه أو لنقله.

– التفويض في الاختصاص يتحقق بقرار يصدر من الرئيس المفوض إليه، أما الحلول في الاختصاص فيتم بقوة القانون، وبدون قرار، فالقانون يحدد بطريقة مسبقة من يحل محل الموظف عند غيابه.

– ترتبط مرتبة القرارات في تفويض الاختصاص بدرجة المفوض إليه، أما في الحلول فتكون للقرارات الصادرة من الحال مرتبة قرارات الأصيل الغائب.

– ومن ناحية رابعة يكون الرئيس في حالة تفويض الاختصاص مسؤولا عن أخطاء المفوض إليه بحكم الرقابة الرئاسية للمفوض على المفوض إليه، أما في الحلول فإن الأصيل الغائب ليس مسؤولا عن أخطاء الحال الذي حل مكانه في ممارسة الاختصاص.(24)

2.4 . التمييز بين تفويض الاختصاص والإنابة في الاختصاص:

الإنابة تفترض – مثل الحلول- أن الموظف صاحب الاختصاص الأصيل غائب، ولكن يتعذر تطبيق الحلول، إما لأن القانون لم يحدد سلفا من يحل محل الأصيل، وإما لأن الأصيل ليس له نائب يحل محله طبقا لما نص عليه القانون، ففي مثل هذه الحالة تتحقق الإنابة في الاختصاص، بأن يعهد الرئيس الإداري إلى موظف أخر يختاره بكافة اختصاصات الأصيل الغائب.

ويمكن أن نلحظ الفرق بين التفويض والإنابة فيما يلي:

– التفويض يكون دائما في بعض اختصاصات المفوض، أما في الإنابة – مثل الحلول – فالمناب يعهد إليه بجميع اختصاصات الأصيل الغائب.

– في التفويض الرئيس الإداري يفوض بعض اختصاصاته هو إلى أحد مرؤوسيه، أما في الإنابة فإن الرئيس الإداري ينيب أحد مرؤوسيه في ممارسة اختصاصات مرؤوس أخر(25)

– يشترط في التفويض وجود نص يأذن بإجرائه بينما يمكن أن تتم النيابة بدون وجود نص يأذن بها وذلك عندما تستند الإنابة إلى قاعدة غير مكتوبة ولم يوجد نص يحدد السلطة المختصة بإصدار قرار تحديد النائب.

– ينتهي التفويض بإنهائه من المفوض أو بانتهاء مدته بينما لا تنتهي النيابة إلا بعودة الأصيل الغائب أوبتعيين أخر محله.

– يكون للقرارات الصادرة من النائب نفس قوة ومرتبة ومستوى القرارات الصادرة عن الأصيل ومسؤولية النائب مسؤولية كاملة عن القرارات الصادرة عنه، بينما لا تكون لها نفس قوة ومستوى ومرتبة القرارات الصادرة عن المفوض إليه في تفويض الاختصاص(26).

_____________________

1- الدكتور: خالد خليل الظاهر، (القانون الإداري)، الكتاب الأول، الطبعة الأولى، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان- الأردن، 1771 ، ص 101 و 102

2-Andre de laubadère، Traite de droit administratif، septime edition، paris-France،1976، p 535

3- الأستاذ: حسين فريجه، (شرح القانون الإداري- دراسة مقارنة)، الطبعة الثانية، ديوان المطبوعات الجامعية، بن عكنون- الجزائر، 2010 ، ص 121 و 122

4- الأستاذ الدكتور: ماجد راغب الحلو،(القانون الإداري)، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية-مصر، 1774 ، ص 110 و 111

5- الأستاذ: حسين فريجه، المرجع السابق الذكر، ص 123

6- الدكتور: عدنان عمرو، (مبادئ القانون الإداري: ماهية القانون الإداري، التنظيم الإداري، المرافق العامة)، الطبعة الثانية، منشأة المعارف، الإسكندرية-مصر، 200 ، ص 89

7- الدكتور: محمد رفعت عبد الوهاب والدكتور حسين عثمان محمد عثمان ، ( مبادئ القانون الإداري )، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية – مصر، 2001 ، ص 154

8- الدكتور: هاني علي الطهراوي ، (القانون الإداري: ماهية القانون الإداري- التنظيم الإداري- النشاط الإداري)، الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان- الأردن، 2007 ، ص 139

9- الأستاذ الدكتور: علي خطار شطناوي، (الوجيز في القانون الإداري)، الطبعة الأولى، دار وائل للنشر والتوزيع عمان-الأردن، 2003 ، ص 118 و 119

10- الدكتور: عبد الغني بسيوني عبد الله، (التنظيم الإداري: دراسة مقارنة للتنظيم الإداري الرسمي والتنظيم غير الرسمي)، منشأة المعارف، الإسكندرية-مصر، 2001 ، ص 122 و 123 و 124

11- الدكتور: عدنان عمرو، المرجع السابق الذكر، ص 90

12- الأستاذ: علاء الدين عشي، (مدخل القانون الإداري: المبادئ العامة للقانون الإداري وتطبيقاته في الجزائر)، الجزء الأول، (التنظيم الإداري)، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، عين ميلة- الجزائر، 2007 ، ص 54.

13- الدكتور: خالد خليل الظاهر، (القانون الإداري)، الكتاب الأول، الطبعة الأولى، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان- الأردن، 177 ، ص 109 و 110

14- المرجع ذاته، ص 110 و 111

15- الدكتور: عبد الغني بسيوني عبد الله، (التنظيم الإداري)، المرجع السابق الذكر، ص 124

16-الأستاذ: حسين فريجه، المرجع السابق الذكر، ص 120 و 121

17- الدكتور: خالد خليل الظاهر، المرجع السابق الذكر، ص 106 و 107

18- الدكتور: ماجد اغب الحلو، المرجع السابق الذكر، ص 111 و 112

19- الأستاذ: حسين فريجه، المرجع السابق الذكر، ص 123 و 124

20- الدكتور: خالد خليل الظاهر، المرجع السابق الذكر، ص 113

21- المرجع ذاته، ص 114

22- الأستاذ: حسين فريجه ، المرجع السابق الذكر، ص 126

23- الدكتور: محمد رفعت عبد الوهاب والدكتور: حسين عثمان محمد عثمان، المرجع السابق الذكر، ص 155 و 156

24- الدكتور: محمد جمال مطلق الذنيبات، المرجع السابق الذكر، ص 87

25- الدكتور: محمد رفعت عبد الوهاب والدكتور:حسين عثمان محمد عثمان، المرجع السابق الذكر، ص 157

26- الدكتور: عدنان عمرو، المرجع السابق الذكر، ص 96

المؤلف : زهراوي زهرة- رحماني نصيرة
الكتاب أو المصدر : اساليب التنظيم الاداري ( المركزية واللامركزية الادارية )

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .