ويقصد بالرؤساء الذين يتولون الإشراف على أعمال مرؤوسيهم وتوجيههم ومراجعة أعمالهم (1) لم يتناول القانون الأساسي اختصاصات الإدارة العامة وكيفية تكوينها وإنما أشارت في مادة 86 ” يكون تعيين الموظفين العموميين وسائر العاملين في الدولة وشروط استخدامهم وفقا لقانون” وبالتالي يلاحظ إن القانون الأساسي لم يأتِ على ذكر أية صلاحيات تأديبية أو غيرها للرؤساء الإداريين واقصد هنا رؤساء الدوائر الحكومية وقد نظم قانون الخدمة المدنية تأديب الموظف العام وهذا ما أوردته المادة 69 من قانون الخدمة المدنية التي منحت الرئيس الإداري حق توقيع عقوبة التنبيه أو لفت النظر للرئيس الإداري حتى لا تطغى العداوات الشخصية على نزاهة توقيع العقوبة التأديبية هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار إن تلك اللجان لها رأي مستقل وملزم إلا إن هذه اللجان كما سيتضح لاحقا دورها استشاري فقط وللرئيس الإداري الدور الأكبر في توقيع العقوبة بخلاف عقوبة التنبيه ولفت النظر التي يمكن للرئيس الإداري توقيعها على الموظف دون حاجة لأخذ رأي لجان التحقيق ” لفت نظر الموظف إلى الخطأ الذي ارتكبه إثناء مباشرة عمله وهي اخف العقوبات التأديبية ” (2).

وكون هذه العقوبة هي اخف هذه العقوبات فيفهم من ذلك إن الموظف الذي تفرض عليه هذه العقوبة لم يقم بمخالفة كبيرة وألا لاستلزم عقوبة اكبر. أما عن سلطة الرئيس في إحالة المرؤوس إلى التحقيق في حالة ارتكابه مخالفة وفي هذا المجال عدة تساؤلات يمكن إن تطرح فالمادة 69 من قانون الخدمة المدنية نصت في فقرتها الأولى على إن من يملك سلطة توقيع العقوبة هو الذي بيده إحالة الموظف للتحقيق وكون الرئيس لا يملك إلا توقيع عقوبة التنبيه ولفت النظر فهو الذي يحقق بالمخالفة التأديبية وهنا لا إحالة على التحقيق، أما إحالة الموظف إلى لجنة تحقيق فلم يرد هناك نص في قانون الخدمة من الذي يملك سلطة الإحالة فسلطة الإحالة للتحقيق منوطة بالرؤساء وان كانت في العادة نصوصًا تنظم هذه السلطة إلا انه يشترط أن تتخذ إجراءات للإحالة إلى التحقيق تنفيذًا لقوانين أو لوائح. لان هذه الإجراءات هي النتيجة الطبيعية للأمر المحتم للعلاقات الوظيفية التي تربط الرئيس بالمرؤوس وان اتخاذ هذه الإجراءات من قبل الرئيس مما تقتضيه طبيعة الأشياء (3)

كما إن للرئيس عند إحالة الموظف للتحقيق سلطة وقف الموظف عن عمله أو نقله إلى وظيفة أخرى في الدائرة نفسها بصفة مؤقتة ريثما ينتهي التحقيق (4) وهذا التوقيف. أي التوقيف الاحتياطي المقرر لمصلحة التحقيق. مجاز للرئيس وله أن يتبع هذا الإجراء أو لا يتبعه، وهذا التوقيف المؤقت منصوص عليه كعقوبة في المادة 68 من قانون الخدمة وان اختلف مفهومه عن التوقيف المذكور مسبقا ويجب إن لا يتجاوز التوقيف كعقوبة مدة 6 اشهر بينما التوقيف في المادة 93 هو لفترة انتهاء التحقيق ويصدره جوازا من قبل الرئيس الإداري أما في المادة 68 فيصدره الرئيس بعد استشارة لجنة التحقيق وفي المادة 68 يعتبر التوقيف هنا عقوبة تأديبية أما في المادة 93 فهو ضمانة لنزاهة التحقيق وأما عن الراتب الذي يتقاضاه الموظف في حالة توقيفه كعقوبة فهو يتقاضى نصف راتبه أما في المادة التي تناولت التوقيف كتدبير احترازي فهو يتقاضى راتبه كاملا هذا بالنسبة لإحالة فئات الموظفين جميعهم إلى التحقيق ما عدا الفئة العليا (5) وإحالة هذه الفئة للتحقيق يكون بقرار مجلس الوزراء بناءا على طلب من رئيس الدائرة المنتمين لها كما إن من يتولى تحقيق لجنة خاصة يكونها مجلس الوزراء واللجنة قراراتها غير ملزمة حيث لها فقط إن ترفع توصياتها إلى مجلس الوزراء الذي له سلطة اتخاذ القرار المناسب أي إن له سلطة قبول قرار لجنة التحقيق أو تعديله أو رفضه (6)

وبخصوص هذه التفرقة ما بين فئات الموظفين جميعا وموظفي الفئة العليا يقول الدكتور عدنان عمرو ” لا نتفق مع المشرع في التمييز بين فئات موظفين في مجال التأديب لان الأصل إن جميع الموظفين يعملون لخدمة المرفق العام والصالح العام بغض النظر عن فئاتهم ودرجاتهم، مما يقتضي معاملتهم على قدم المساواة أمام القانون وخاصة في مجال التأديب، أما إن يعهد المشرع بقرار تأديب موظفي الدرجات الدنيا إلى اللجنة التأديبية وموظفي الفئة الأولى إلى مجلس الوزراء قد ينم ذلك عن المحاباة وعدم المساواة لان مجلس الوزراء لا يمكنه مباشرة هذا الاختصاص بكفاءة وفاعلية وبشكل يحقق المساواة والعدالة لأنه سيعالج الموضوع سياسيا وليس إداريا” (7) . وان كنت اتفق مع الدكتور عدنان في أن تتماثل العقوبات التأديبية لكل من موظفي الفئة العليا والفئات الوظيفية الأخرى إلا أنني اتفق مع المشرع في تحديد جهة تأديبية لتأديب الفئة العليا مختلفة عن الجهة التأديبية التي تختص في تأديب موظفي الفئات الأخرى وذلك لاختلاف المكانة الوظيفية وحساسية المهام المسندة إلى موظفي الفئة العليا. أما الدكتور عبد الغني بسيوني فيعزو التفرقة بين فئات الموظفين بإجراءات تأديبهم إلى ” كون شاغلي الوظائف العليا يخضع لرئاستهم عدد من العاملين، ويملكون مكانة وظيفية مرموقة مما يتطلب توقيع جزاء بسيط إذا كان الخطأ عاديا أو فصله من الخدمة إذا كانت جسامة الجريمة المرتكبة لا تسمح ببقائه مسئولا في منصبه الذي يشغله” (8). مع التنويه إن المشرع الفلسطيني تأثر بهذه التفرقة حول تأديب الموظفين بالمشرع المصري. أما عن التظلم من القرارات التأديبية ويعرفه البعض بأنه ” إن يقدم صاحب الشأن الذي صدر القرار في مواجهته التماسا إلى الإدارة بإعادة النظر في قرارها الذي أحدث أضرارا بمركزه القانوني لكي تقوم بتعديله أو سحبه” (9).

وعرفته المحكمة الإدارية العليا المصرية بأنه ” إن التظلم الإداري يستفاد من كل ما يفيد تمسك المتظلم بحقه ومطالبته باقتضائه” (10) . ولم يشر قانون الخدمة المدنية صراحة إلى القرارات التأديبية والتظلم منها وإنما جاءت المادة 105 من القانون عامة بالنسبة للقرارات ككل ويكون التظلم لرئيس الدائرة الحكومية خلال 20 يومًا من تاريخ علم الموظف به والتظلم هنا اختياري للموظف إن يلجا له أو لا يلجأ وله إن يلجأ للقضاء خلال 60 يومًا من تاريخ إبلاغه رفض تظلمه أو انقضاء 60 يومًا التي منحها القانون لرئيس الدائرة للرد على تظلم الموظفين حيث انه إذا انقضت المدة دون رد خطي على المتظلم اعتبر تظلمه مرفوضًا وهنا يتضح إن الرد على التظلم يجب إن يكون خطيًا وليس شفهيًا هذه هي الملاحظة الأولى على المادة 105 أما الملاحظة الثانية على نفس المادة فهي إن التظلم يكون بعد علم الموظف بالقرار الإداري وليس بعد صدور القرار الإداري التأديبي سواء كان هذا العلم عن طريق الإبلاغ أو غيره من الوسائل التي يمكن للموظف إن يعلم بالقرار الإداري بها فقد يعلم عن طريق النشر” وهي إتباع الإدارة شكليات لكي يعلم الجمهور بالقرار ” (11) وقد يكون عن طريق التبليغ وهو “ الطريق التي تنقل بها الإدارة القرار الإداري إلي علم الفرد بعينه أو إفراد بذواتهم من الجمهور، وهو يوجه إلى صاحب الشأن نفسه، أما شخصيا وأما في موطنه الحقيقي أو المختار” (12) .

وهناك طريق ثالث وان لم تشر إليه القوانين وهو العلم اليقيني أي علم صاحب الشأن بالقرار علما يقينيا لا ظنيا ولا افتراضيا بحيث يكون شاملا لجميع محتويات هذا القرار ومؤداه حتى يتيسر له بمقتضى هذا العلم إن يحدد مركزه القانوني من القرار (13) وأما عن إجراءات التظلم فلم يشر قانون الخدمة لها وإنما ترك تنظيمه لها للائحته التنفيذية (14) وقد نظمته اللائحة التنفيذية في المادة 160 والتي اشترطت بان يكون موضوع القرار الإداري المتظلم منه مرتبطًا بشخصية ووظيفة الموظف وان يكون التظلم كتابة ويقدم إلى رئيس الدائرة الحكومية ويكون ذلك خلال 20 يومًا من علمه به ويشتمل التظلم على بيانات منها اسم المتظلم ووظيفته وعنوانه، وتاريخ صدور القرار المتظلم منه، موضوع القرار المتظلم منه والأسباب التي بنى عليها التظلم. من الملاحظ أن المادة التي تناولت موضوع التظلم لم تفرق ما بين فئات الموظفين في إجراءات التظلم كما هو الحال بالنسبة للإجراءات الخاصة بالمخالفة التأديبية كما أن هذه المادة لم تفرق ما بين إجراءات التظلم من القرارات التأديبية بشكل عام وتلك الخاصة بالقرارات التأديبية. مما سبق يمكن استخلاص إن الموظف الذي يصدر بحقه قرار تأديبي سواء من قبل رئيسه مباشرة أو بعد استشارة لجنة تحقيق يجوز له إن يتظلم من ذلك القرار إلى من أصدر القرار والملاحظة الثانية إن القانون لم يحدد طريقًا أخر للتظلم بالنسبة لموظفي الفئة العليا التي افرد لها نصوصًا خاصة بخصوص تأديبهم وبالتالي جاءت المادة 105 عامة لتشمل الموظفين العموميين بجميع فئاتهم (15) .

وأما عن تفويض الرئيس الإداري لبعض صلاحياته التأديبية لأحد موظفيه فسيتناول الباحث الآراء الفقهية حول هذا الموضوع مبتدأ بتعريف التفويض ” هو إن يعهد صاحب الاختصاص الأصيل إلى شخص أخر أو هيئة أخرى بممارسة جانب من اختصاصاته وفقا للشروط الدستورية أو القانونية أو اللائحية المقررة لذلك، والتفويض بهذا المعنى قد يكون تشريعيا أو إداريا” (16). وما يهم هو التفويض الإداري أي إن يعهد صاحب الاختصاص الأصيل بجزء من اختصاصاته إلى شخص أخر أو هيئة أخرى استنادا إلى نص دستوري أو قانوني أو لائحي يأذن له بذلك (17) وبالتالي يجب إن يستند التفويض في الاختصاص إلى نص يجيزه (18) والنص المجيز للتفويض قد يرد في الدستور أو القانون أو اللائحة لان التفويض استثنائي يجب إن تنظمه النصوص التشريعية أو اللائحية وحدها فالقانون الأساسي الفلسطيني لم يتطرق إلى التفويض إلا بما يخص تفويض الوزير لبعض صلاحياته كما مر سابقا وأما قانون الخدمة المدنية فلم يأتِ على ذكر التفويض وأما عن اللوائح والتفويض فقد نص على ذلك في ” قرار مجلس الوزراء رقم 45 سنة 2005 باللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية المادة 86 لرئيس الدائرة الحكومية المختص أو من يفوضه من قبله من بين الفئة العليا سلطة توقيع عقوبتي التنبيه أو لفت النظر على موظفي الفئة الأولى فما دون ويبلغ الديوان بذلك“. وهنا سيحاول الباحث تحليل هذه المادة ويقصد برئيس الدائرة حسب ما نصت عليه هذه المادة في بند التعريفات هو ” الوزير أو رئيس أية إدارة أو مؤسسة عامة أو سلطة أو أية جهة أخرى تكون موازنتها ضمن الموازنة العامة للسلطة الوطنية الفلسطينية أو ملحقة بها ” (19) . هذا بالنسبة لرئيس الدائرة وهذا برأي الباحث تفسير للمادة 69 من قانون الخدمة المدنية حيث لم توضح هذه المادة من بيده توقيع عقوبة التنبيه ولفت النظر.

أما عن التفويض المذكور من المادة 86 من اللائحة التنفيذية فهو لأول مرة يذكر بهذه اللائحة وله قيود كما هو واضح من نص المادة السابقة حيث يتم التفويض من قبل رئيس الدائرة وليس من غيره كما انه أي رئيس الدائرة لا يسمح له إن يفوض إلا شخصًا من الفئة العليا وأما الشرط الثالث هو إن توقع هذه العقوبة على موظفي الفئة الأولى (20) فما دون حيث إن الفئة العليا لها طريق أخر لتوقيع العقوبة التأديبية على الموظفين المنتسبين لها سيأتي الباحث على ذكرها فيما بعد والشرط الأخير هو إن يبلغ ديوان الموظفين عن هذه العقوبات. وهذا تعارض ما بين نص المادة 86 من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية وحكم محكمة العدل العليا المشار إليه سابقا حول عدم قانونية التفويض في التأديب. هذا بخصوص دور رئيس الدائرة الإدارية التأديبي بالنسبة لموظفي الفئة الأولى فما دون أما دوره بالنسبة لموظفي الفئة العليا فيقتصر على طلب تقدمه إلى مجلس الوزراء والذي يقوم بدوره بإحالة الموظفين إلى لجنة تحقيق مشكلة من قبل مجلس الوزراء وتكون قراراتها عبارة عن توصيات.

______________________

1- صالح، محمود. شرح قانون نظام العاملين المدنين في الدولة، د.ط، منشاة المعارف، الإسكندرية، 1995 ، ص 49

2- الطباخ، شريف. التحقيق الإداري والدعوة التأديبية ودفوعها، الطبعة الأولى دار الفكر والقانون، المنصور ة، 2008 ص 126

3- الطعن رقم 1307، 32ق 19/1/ 1991 منقول عن كتاب التحقيق الإداري والدعوة التأديبية ودفوعها للدكتور الطباخ، شريف. التحقيق الإداري والدعوة التأديبية ودفوعها، الطبعة الأولى دار الفكر والقانون، المنصور ة، 2008 ، ص 172

4- مادة 93 من قانون الخدمة المدنية.

5- الفئة العليا وتشمل الوظائف التخطيطية والإشرافية العليا وتكون مسؤوليات موظفي هذه الفئة للإشراف على تنفيذ أهداف الدولة الحكومية في المجالات التخطيطية المختلفة ووضع الخطط والبرامج واتخاذ القرارات لتنفيذها.

6- مادة 71 من قانون الخدمة.

7- عمرو، عدنان. مبادئ القانون الإداري الفلسطيني، د.ط، المطبعة العربية الحديثة، القدس 2002 ، ص256

8- بسيوني، عبد الغني. القانون الإداري، د. ط ، منشاة المعارف، الإسكندرية 1991 ، ص 337

9- وصفي، مصطفى كمال. أصول إجراءات القضاء الإداري، الطبعة الثانية ، مطبع ة الامانه، 1978 ، ص 170 انظر الدكتور القباني، بكر. الرقابة الإدارية، د.ط، دار النهضة العربية، القاهرة، 1978 ، ص 193

10- حكم المحكمة الإدارية العليا الدعوى رقم 389 لسنة 8 قضائية عليا جلسة 27/6/1965

انظر في موضوع التظلم كتاب التظلم الإداري ومسلك الإدارة الايجابي، للدكتور الوكيل، محمد إبراهيم. د.ط، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2008

11- الطماوي، سليمان. القضاء الإداري، الكتاب الثالث، قضاء التأديب (دراسة مقارنة) د.ط، دار الفكر العربي، 1995 ، ص571

12- الجرف، طعيمي. رقابة القضاء لأعمال الإدارة العامة، قضاء الإلغاء ص 204

13- المرجع السابق ، ص 206

14- الفقرة 4 من المادة 105 من قانون الخدمة المدنية.

15- أنظر في هذا الشأن د. خليفة، عبد العزيز. إجراءات تأديب الموظف العام، طبعة أولى، المركز القومي للإصدارات الوظيفية 2008 ، ص90

16- عبد الهادي، بشار. التفويض في الاختصاص دراسة مقارنة، طبعة أولى، دار الفرقان 1982 ، ص 49

17- المرجع السابق، ص 143

18- انظر في ذلك الدكتور الطماوي، سليمان. الوجيز في القانون الإداري، دار الفكر العربي، القاهرة، 1982 ص 409 ، وانظر الدكتور العطار، فؤاد. مبادئ علم الإدارة العامة، طبعة أولى، دار النهضة العربية، القاهرة سنة 1974 ، ص 166

19- المادة الأولى من قرار مجلس الوزراء رقم 45 لسنة 2005 باللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية

20- حيث قسمت فئات الموظفين حسب المادة التاسعة من قانون الخدمة المدنية إلى الفئة الخامسة، الفئة العليا ، الفئة الأولى إلى الفئة الخامس

المؤلف : عبير توفيق محمد ابو كشك .
الكتاب أو المصدر : سلطة التأديب بين الادارة والقضاء

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .