الاستفتاء السياسي :

يعرف الاستفتاء السياسي بأنه استطلاع رأي الشعب بشأن تولي شخص معين لمنصب سياسي معين كانتخابه رئيسا للدولة او ان يبدي الشعب رأيه في السياسة التي ينوي رجل السياسة هذا اتباعها(1).. وعليه فإن موضوع هذا الاستفتاء أو محله هو شخص معين او شخص و موضوع يطرحه ذلك الشخص ، وهذا الموضوع قد يكون مشروع دستور او تعديله او قراراً سياسياً او خطة معينة. كما ولابد من الاشارة الى انه يندرج تحت اطار هذا النوع من الاستفتاء ، الاستفتاء الذي يكون موضوعه امراً من امور السياسة العامة كالاستفتاء على اقرار خطة معينة او تقرير المصير او عقد الاتفاقيات الدولية او المسائل المتعلقة بمصالح البلاد العليا. حيث ان البعض(2). قد عرف الاستفتاء السياسي بأنه الاستفتاء الذي يطلب فيه من المقترعين الفصل في امر يثير الخلاف ولا ينطوي على قاعدة عامة مجردة. من ذلك كله يتبين ان موضوع الاستفتاء السياسي يكون احد ثلاثة هم :

1-شخص معين والذي هو (رئيس الدولة) .

2-شخص وموضوع معين يطرحه ذلك الشخص .

3-موضوع معين يتصل بسياسة الدولة.

ومن امثلة الاستفتاء السياسي او الشخصي (Le Plèbiscite ) استفتاء الشعب العراقي في تولي الامير فيصل ملكا على العراق عام 1921(3).. والاستفتاءات التي تمت في عهد هتلر في المانيا وموسوليني في ايطاليا(4). والاستفتاءات التي شهدتها فرنسا منها استفتاء دستور السنة الثامنة 1799 واستفتاءات (1802 ،1804 ،1851 )(5).. والاستفتاء الشخصي في الواقع هو ليس استفتاء بمحتواه القانوني فهو لا يتعدى ان يكون اقتراعاً بالثقة او اسلوباً سياسياً هدفه تقوية مركز رئيس الدولة(6). ولقد اطلق عليه البعض كلمة المبايعة ولها صورتان(7).

الصورة الاولى : – يتقدم فيها الحاكم الجديد الذي استولى على السلطة بالانقلاب او الثورة الى الشعب لكي يستفتيه حول تنصيبه رئيسا للدولة وحول ما يريد او ينوي اتباعه من سياسة تتمثل بمشروع الدستور.

الصورة الثانية : – تتمثل هذه الصورة بما يعرضه حاكم دكتاتور من قرارات وتصرفات على الشعب من فترة لاخرى مع علمه المؤكد بموافقة الشعب عليها وهدفه في ذلك ان يثبت للعالم الخارجي تأييد ودعم الشعب له.

ونتائج الاستفتاءات الشخصية تأتي مؤيدة بنسبة كبيرة جدا ولم يحدث في التاريخ ان رفض شخص الرئيس في أي استفتاء من هذا النوع(8). والسبب في ذلك يكمن في ثقة الشعب بشخص الحاكم ومحبته له(9). او لسلبية السيادة الشعبية وعدم إيجابيتها نظراً لظروف عدم الاستقرار التي يجري فيها هذا الاستفتاء غالبا. حيث انه قد يجري بعد وقوع انقلاب او ثورة فتصويت الشعب لا يشكل سوى (قاعدة البناء التي لا عمل لها سوى حمل وتثبيت القمة) كما يقول سيز(Sieyes )(10). وهذا ما جعل الاستاذ جورج بيردو (Georges . Burdeau ) يطلق على هذا النوع من الاستفتاء بـ (الاستفتاء الدكتاتوري)(11).كما اطلق عليه البعض (المونقراطية الشعبية)(12). واعتبره البعض نظاماً تنقصه الديمقراطية(13). نشير الى ان وصف هذا الاستفتاء بالاستفتاء الدكتاتوري هو وصف غير صحيح فهذا الاستفتاء يبقى نظاماً ديمقراطياً ولا يصح وصفه بالنظام الدكتاتوري لمجرد ان بعض الحكام المستبدين أساءوا تطبيقه فهذا الاستفتاء يبقى ممارسة ديمقراطية حتى لو أسيء تطبيقه من قبل البعض فهو قد يجري في جو مفعم بالديمقراطية والحرية التامة التي تظهر من خلالها الارادة الشعبية بشكل ايجابي وفعال وهذا ما يتحقق في العديد من الدول العريقة في الديمقراطية وحتى في بعض دول العالم الثالث والدول النامية. ولقد نصت العديد من الدساتير على الاستفتاء الشخصي ومنها دستور سوريا النافذ حاليا الصادر 1973 وفقا للمادة (84) منه التي نصت على ما يأتي : (( يصدر الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية عن مجلس الشعب بناءاً على اقتراح القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي ويعرض المرشح على المواطنين لاستفتائهم فيه)) .ولقد طبقت هذه المادة تطبيقات متعددة اخرها على شخص الرئيس بشار الاسد في العاشر من يوليو. تموز عام 2000 ، حيث شارك ما يزيد عن 8.93 مليون نسمة وجاءت النتيجة بالموافقة على شخص الرئيس بشار الاسد بنسبة 97.29 % من اصوات المقترعين(14).كما اخذ بهذا الاستفتاء الدستور المصري الحالي الصادر 1971 وفقا للمادة (76) منه(15). حيث شهدت هذه المادة تطبيقات متعددة كما سيلاحظ فيما بعد ، واخذ بهذا الاستفتاء كذلك دستور العراق المؤقت الصادر 1970 النافذ حاليا وفقا للمادة (57) مكرره(16).

اما الاستفتاء السياسي الذي محله موضوع من الموضوعات المتصلة بسياسة الدولة وشؤون الحكم فلقد اخذت به هو الاخر العديد من الدساتير ونصت عليه منها :الدستور السوفيتي الصادر 1977وفقا للمادة (5) منه التي نصت على ما يأتي :(( تطرح اهم مسائل حياة الدولة للمناقشة العامة ،وكذلك للتصويت الشعبي العام))(18). كما شهد دستور مصر الحالي الصادر 1971 تطبيقات عديدة لهذا النوع وفقا لعدة مواد ، المادة (152) قررت مبدأ هذا الاستفتاء اذ نصت على أن (( لرئيس الجمهورية ان يستفتي الشعب في المسائل الهامة التي تتصل بمصالح البلاد العليا)). والمادة (74) نصت على استفتاء الشعب فيما يتخذه رئيس الجمهورية من اجراءات لحماية الوحدة الوطنية وسلامة الوطن ، والمــادة (127) نصت على جواز استفتاء الشعب في الخلاف الذي ينشب بين رئيس الجمهورية والبرلمان حول مسؤولية الحكومة ، والمادة (136) نصت على استفتاء الشعب في حالة حل البرلمان(19). ونشير الى أن العديد من دساتير الدول العربية اخذت بهذا النوع من الاستفتاء(20). فضلاً عن أن مشروع دستور العراق لعام 1990 قد اخذ هو الاخر بهذا النوع من الاستفتاء في المادة (98) منه حيث نصت على أن (( لرئيس الجمهورية استفتاء الشعب في مشروعات القوانين والقضايا المهمة المتصلة بمصالح البلاد العليا وتكون نتيجة الاستفتاء بالاغلبية المطلقة ملزمة))(21). وللاستفتاء السياسي عدة صور واشكال تختلف باختلاف موضوع الرأي الذي يطلب من الشعب البت فيه واتخاذ قرار بشانه ومن امثلة ذلك(22).

1-الاستفتاء على اختيار نظام الحكم .

2-استفتاء الانضمام الى المعاهدات الدولية .

3-استفتاء زيادة النفقات العامة .

4-استفتاء التحكيم الشعبي .

4-استفتاء تقرير المصير .

وفيما يلي هذه الانواع بشيء من التفصيل :

1-الاستفتاء على اختيار نظام الحكم :-

قد يكون محل الاستفتاء السياسي تخيير الشعب واخذ رأيه في نظام الحكم الذي يريده، هل هو نظام ملكي أم جمهوري ، مثال ذلك استفتاء الشعب اليوناني في اعادة النظام الملكي عام 1946 ، واستفتاء الشعب الايطالي في انهاء الحكم الملكي واعلان الحكم الجمهوري عام 1947(23).. وكذلك الاستفتاء على بقاء الملكية أو قيام الجمهورية في ايران في أبريل . نيسان 1979 حيث ترتب على هذا الاستفتاء نتيجة لموافقة الشعب باغلبية تقارب الاجماع سقوط النظام الامبراطوري وقيام الجمهورية الاسلامية الايرانية(24).

2-استفتاء الانضمام الى المعاهدات الدولية:-

هنا يكون محل الاستفتاء السياسي اخذ رأي الشعب بخصوص الانضمام الى المعاهدات الدولية كما في استفتاء الشعب الالماني عام 1933 حول الخروج من عصبة الامم(25). وكذلك استفتاء الشعب الفرنسي في 23 أبريل . نيسان 1972 حول قبول كل من بريطانيا والنرويج وايرلندا اعضاء في السوق الاوربية المشتركة(26).وكذلك الاستفتاء الذي تم في مصر في 19 أبريل . نيسان 1979 حول معاهدة السلام بين مصر واسرائيل(27). وكذلك الاستفتاء الذي تم في 13 آب 1984 حول معاهدة الاتحاد العربي الافريقي بين المغرب وليبيا ولقد اثار هذا الاستفتاء جدلا كبيرا بين القانونين المغاربة لعدم تضمن الدستور نصاً يقضي باستفتاء الشعب حول مشاريع معاهدة لذلك وضعت علامة استفهام حول دستورية هذا الاستفتاء(28). ومن الامثلة الحديثة لهذا النوع من الاستفتاء ،استفتاء الشعب الايرلندي بشان المصادقة على معاهدة نيس في 9 تشرين الاول 2002 حيث تضمنت هذه المعاهدة الاسس القانونية لتوسيع نطاق عضوية الاتحاد الاوربي ولقد جاءت نتيجة هذا الاستفتاء بالمصادقة باغلبية واسعة اذ افادت النتائج الرسمية التي اعلنت ان 906292 ناخباً صوتوا بـ (نعم) و534887 ناخباً صوتوا بـ (لا) من اصل 1441179 بطاقة صالحة(29). ونشير اخيرا الى ان الدستور التونسي الحالي الصادر 1959 قد اخذ بهذا النوع من الاستفتاء حيث ان أية معاهدة تبرم في نطاق الفصل الثاني من هذا الدستور يجب ان تطرح لاستفتاء الشعب عليها(30).

3-استفتاء زيادة النفقات العامة:-

محل هذا الاستفتاء ينصب على أي قرار يؤدي الى زيادة النفقات العامة عن اطارها الاعتيادي أو رفع اسعار الضرائب لنسبة معينة أو فرض ضرائب جديدة أو الزيادة في القروض .ولقد اخذ الدستور السويسري بهذا النوع من الاستفتاء وكذلك طبقته بعض الولايات الامريكية على القرارات المنشئة للضرائب أو المصرحة بعقد القروض(31). كما ان فرنسا قد طبقت هذا النوع من الاستفتاء في استفتاء 27 أبريل . نيسان 1969 حيث أنصب هذا الاستفتاء على تعديلات دستورية وبعض مشروعات القوانين المالية(32).

4-استفتاء التحكيم الشعبي :-

محل الاستفتاء هنا هو تحكيم الشعب في النزاع الذي ينشب بين سلطات الدولة أو بين الحكومة والمعارضة ولقد اخذت العديد من الدساتير بهذا النوع من الاستفتاء منها دستور مصر الصادر1971 وفقا للمادة (127) منه كما اشير سابقا ، لحل الخلاف الذي يثار ما بين مجلس الشعب والحكومة . ومن المهم الاشارة الى ان الحكومة بما لها من اغلبية برلمانية تستطيع تنفيذ وجهة نظرها في النزاع الذي يثار بينها وبين المعارضة الا انها تلجأ الى الاستفتاء الشعبي لتلجم المعارضة بصورة ديمقراطية(33). فهي بالاستفتاء تكون قد اقفلت الابواب امام ما يثار من مناقشات واعتراضات من قبل المعارضة فالشعب بالاستفتاء هو سيد الموقف وصاحب الكلمة الاولى والاخيرة بجميع الاحوال.

5-استفتاء تقرير المصير :-

محل هذا الاستفتاء هو اخذ رأي الشعب وتخييره بين الاستقلال والتبعية لدولة ما أو الاتحاد معها . كاستفتاء الشعب النمساوي الذي اجرى بعد الحرب العالمية الاولى بضم النمسا الى المانيا(34). واستفتاء تقرير مصير السودان بالبقاء متحدة مع مصر استناداً الى اتفاق الحكم الثنائي المصري الانكليزي أو باستقلالها عن مصر وقيامها كدولة مستقلة ، ولقد جرى هذا الاستفتاء في عام 1954 وترتب عليه استقلال السودان وقيام جمهورية السودان ، ومن امثلة هذا الاستفتاء كذلك استفتاء الشعبين السوري والمصري على انشاء الوحدة بينهما في فبراير. شباط عام 1958 وكذلك استفتاء قيام اتحاد الجمهوريات العربية في دولة اتحادية بين كل من مصر وسوريا وليبيا في سبتمبر. ايلول عام 1971 ولقد جاءت نتيجة هذا الاستفتاء مؤيدة لانشاء الدولة الاتحادية(35).. وكذلك استفتاء استقلال الجزائر في عام 1962 بموجب الاتفاق المبرم في مدينة ايفيان (Evian ) بين فرنسا وجبهة التحرير الوطني الجزائرية(36).. وكذلك استفتاء مايو. ايار عام 1980 في مقاطعة كوبيك الكندية لتخيير شعبها بين الانفصال عن كندا أو البقاء في الدولة الفدرالية حيث ان اهل هذه المقاطعة يتحدثون اللغة الفرنسية وينتمون الى القومية الفرنسية خلافا لباقي الولايات الكندية ، ولقد جاءت نتيجة هذا الاستفتاء رافضة الانفصال عن كندا الدولة الام (37).

____________________________________

1- د. احسان المفرجي وآخرين ، مصدر سابق ، ص237.

2- د. ماجد راغب الحلو ، الاستفتاء الشعبي والشريعة السلامية ، مصدر سابق ، ص238 وجاء بنفس النص د. كريم يوسف احمد كشاكش ، الحريات العامة في الانظمة السياسية المعاصرة ، منشأة المعارف . الاسكندرية ، 1987 ، ص517 ، د. محمد قدري حسن ، مصدر سابق ، ص30 .

3- د. عثمان خليل عثمان ، مصدر سابق ، ص225 .

4- د. انور الخطيب ، مصدر سابق ، ص19.

5- د. حسان محمد شفيق العاني ، الانظمة السياسية والدستورية المقارنة ، مطبعة جامعة بغداد . بغداد ، 1986 ، ص189 .

6- د. عصمت سيف الدولة ، مصدر سابق ، ص145.

7- د. عبد الحميد متولي ، القانون الدستوري والانظمة السياسية ، (ب.م ) ، (ب.ت ) ، ص ص 533 ، 534 .

8- ولا يستثنى من ذلك الا رفض الشعب الفرنسي لاستفتاء 27 أبريل . نيسان 1969 الذي اسفر عن استقالة الجنرال ديغول من الحكم ، فعلى الرغم من ان هذا الاستفتاء ليس استفتاء شخصي الا ان الجنرال ديغول قد ادخل فيه الاعتبار الشخصي لكونه علق بقاءه في السلطة على موافقة الشعب على موضوع الاستفتاء ، لا لكي يضغط على الشعب الفرنسي لكونه يعلم جيدا ان هذا الشعب لا يستجيب للضغط ولكن لانه شعر ان رفض الشعب لاقتراحه يعني عدم قبوله به ، لذلك يجب عليه ان يترك السلطة استجابة لارادة شعبه ، ولقد ضرب لنا هذا الاستفتاء مثلا لشجاعة كلا الطرفين ، الرئيس لاستقالته والشعب لتمسكه بحقه . راجع في ذلك:-

– د. عبد الكريم غلاب ، سلطة المؤسسات بين الشعب والحكم ، ط1 ، مطبعة النجاج الجديدة . الدار البيضاء ، 1987 ، ص 51.

9- حيث ثبت انه عندما يستفتي الشعب في شخص وموضوع معا كمشروع دستور مثلا تتجه انظار الجماهير نحو الشخص اكثر من الموضوع ، فلقد روي عن دستور السنة الثامنة (1799) الذي وضع بعد الانقلاب الذي قاده نابليون عندما سئل احد الفرنسين عن رأيه في الدستور ، فقيل له ما الذي اعجبك في الدستور؟ ، قال اعجبني ان فيه نابليون ، راجع في ذلك :- د. عصمت سيف الدولة ، مصدر سابق ، ص129.

10-د. اسماعيل الغزال ، مصدر سابق ، ص146.

11-د. زهير المظفر ، مصدر سابق ، ص179.

12- د. منذر الشاوي ، القانون الدستوري ( نظرية الدستور ) ، دار القادسية للطباعة . بغــداد ، 1981 ، ص252.

13- د.ماجد راغب الحلو ، القانون الدستوري، مؤسسة شباب الجامعة . الاسكندرية ، 1976 ، ص159.

14- مصدر مأخوذ من الانترنيت بالعربي في الموقع :-

– سوريا تتجه نحو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الديمقراطية WWW.Google.Com

15- انظر نص المادة (76) من دستور مصر لعام 1971 .

16- د. رعد الجدة ، التشريعات الدستورية في العراق ،دار الكتب والوثائق . بغداد ، 1998 ، ص122.

17- د. قائد محمد طربوش ، مصدر سابق ، ص96.

18- د. كريم يوسف احمد كشاكش ، مصدر سابق ، ص517.

19- د. جورجو شفيق ساري ، مصدر سابق ، ص299.

20- ومنها دستور الجزائر لعام 1976 وفقا للمادة (111/ف14) حيث خولت هذه المادة رئيس الجمهورية حق استشارة الشعب في كل قضية ذات اهمية وطنية عن طريق الاستفتاء . راجع في ذلك : د.سعيد أبو شعير ، النظام السياسي الجزائري ، ط2 ، دار الهدى .الجزائر ، 1993 ، هامش ص262. وكذلك دستور السودان الحالي الصادر 1998 وفقا للمادة (66/ف1) حيث اوضحت ان لرئيس الجمهورية أو للمجلس الوطني بقرار نصف اعضائه استفتاء الشعب في أي امر يعبر عن القيم العليا أو الارادة الوطنية أو المصالح العامة . راجع في ذلك : نص المادة (66) الفقرة (1) من دستور السودان لعام 1998 .

21- د. رعد الجدة ، مصدر سابق ، ص145.

22- د. ماجد راغب الحلو ، الاستفتاء الشعبي والشريعة الاسلامية ، مصدر سابق ، ص238 ، وجاء بنفس المعنى د. محمد قدري حسن ، مصدر سابق ، ص30.

23- د. اسماعيل مرزة ، مصدر سابق ، ص88.

24 دولة احمد عبد الله محمد البريفكاني ، وسائل تولي السلطة وتطبيقاتها في دساتير عربية ، رسالة ماجستير، مقدمة الى كلية القانون . جامعة الموصل ، 2002 ، هامش ص85.

25 د. عثمان خليل و د. سليمان محمد الطماوي ، القانون الدستوري ،ط4 ، دار الفكر العربي. (ب.م) ، 1953-1954، هامش ص145.

26- د. زين بدر فراج ، النظرية العامة للنظم السياسية ، دار النهضة العربية . القاهرة ، 2001، ص289.

27- احمد ثابت ، احمد عبد الحليم عطية ، جلال امين ، حبيب عيسى ، حسن حنفي ، حسين معلوم ، سيف الدين عبد الفتاح ، صفوت حاتم ، عوني فرسخ ، مجدي حماد ، محمد عبد الشفيع عيسى ، محمد عصمت سيف الدولة ، من حملة مشاعل التقدم العربي عصمت سيف الدولة ، ط1 ، مركز دراسات الوحدة العربية . بيروت ، 2001 ، ص218.

28- د. قائد محمد طربوش ، مصدر سابق ، ص98.

29- من المهم الاشارة الى ان هذا الاستفتاء هو الثاني من نوعه حيث استفتي الشعب الايرلندي على هذه المعاهدة بعام 2001 لكن الناخبين الايرلنديين فاجؤوا الدول الاوربية برفضهم لهذا الاستفتاء بأغلبية ضئيلة خاصة وان المعاهدة سينتهي اجلها ان لم تصادق عليها حكومة جمهورية ايرلندا قبل نهاية عام 2002 ، إذ ان ايرلندا هي الدولة الاوربية الوحيدة التي اجرت استفتاء شعبيا بشان هذه المعاهدة لان دول الاتحاد الاخرى صادقت على هذه المعاهدة من خلال برلماناتها ، راجع في ذلك :-

– الناخبون الايرلنديون يصادقون على اتفاقية نيس بغالبية واسعة ، جريدة بابل ، العدد (3483) الصادرة في 22/10/2002 .

30- انظر نص الفصل الثاني من دستور تونس لعام 1959.

31- صبحي محرم ، عمر وصفي عقيلي ، المشاركة الشعبية في الحكم المحلي، (ب.م) ،1974 ، ص75.

32- د. محمد قدري حسن ، مصدر سابق ، ص32.

33- د. محمد قدري حسن ، المصدر نفسه ، ص33.

34- د. عثمان خليل و د. سليمان محمد الطماوي ، مصدر سابق ، هامش ص145.

35- د. قائد محمد طربوش ، مصدر سابق ، ص88.

36- Pierre Avril ، LAV‛ République ، histoire politique et Constitutionnelle ، 1éme édition ، paris ، 1987 .P.54.

37- لمى علي فرج الظاهري ، الديمقراطية شبه المباشرة وتطبيق مظاهرها في بعض الدساتير المعاصرة ، رسالة ماجستير ، مقدمة الى كلية القانون . جامعة بغداد ،2001 ، ص34 .

الاستفتاء التشريعي :

يقصد به أخذ رأي الشعب بقانون او مشروع قانون ما ، سواء كان قانوناً عادياً ام تنظيمياً يتعلق بتنظيم السلطات العامة ، ليدلي الشعب رأيه بالموافقة او الرفض(1).

فالاستفتاء التشريعي يكون على نوعين ، اما ان يكون سابقا على القانون يستهدف استطلاع رأي الشعب حول مشروع القانون قبل اصداره أي على المبدأ فقط ، واما ان يكون لاحقا على القانون يستهدف الحصول على موافقة الشعب(2).وموافقة الشعب بالاستفتاء تضفي الصفة القانونية على مشروع القانون ويصبح قانونا بها ، ولهذا الاستفتاء اهمية كبيرة ، حيث به يشارك الشعب البرلمان في اصدار القوانين ومن ثم يكون له دور كبير في اختيار القوانين التي تنظم حياته لكونه يستطيع رفض أي مشروع لا يلبي رغباته لكونه من يملك حرية الرأي باتخاذ القرار المناسب.

ولقد أخذت العديد من الدساتير بهذا النوع من الاستفتاء منها دستور المغرب الحالي الصادر عام 1996 حيث اشار الى هذا النوع من الاستفتاء في الفصل التاسع والستين منه الذي اعطى الملك الحق في استفتاء شعبه في شان كل مشروع او اقتراح قانون وتعد نتائج الاستفتاء ملزمة للجميع(3). وكذلك الدستور الفرنسي الحالي الصادر 1958 حيث اخذ بهذا النوع من الاستفتاء بصدد كل مشروع قانون له علاقة بتنظيم السلطات العامة او بإقرار اتفاق بين عدة دول او بالسماح بتصديق المعاهدات التي لا تكون متعارضة مع الدستور ولكنها مع ذلك لها تأثير في وظيفة المنظمات العامة أو سيرها(4).

________________________________

1 د. احسان المفرجي وآخرين ، مصدر سابق ، ص237.

2- د. جورجو شفيق ساري ، مصدر سابق ، ص298.

3- انظر نص الفصل (69) من دستور المغرب لعام 1996.

4- Bernard Chontebant ، Droit Constitutionnel et Science Politique ، 3 ème èdition ، Paris ، 1996 ، P.560 .

الاستفتاء الشعبي والديمقراطية :

ينتمي الاستفتاء الشعبي بأصل نشأته الى الديمقراطية شبه المباشرة فهو يعتبر احد مظاهر هذه الديمقراطية التي تقوم على مبدأ المزج بين كل من صورة الديمقراطية النيابية التي تقطع كل صلة لها بالشعب بعد انتخاب أعضاء البرلمان وبين الديمقراطية المباشرة التي تتأتى من مباشرة الشعب لكل شؤون الحكم ، هذا المزج قوامه انه ليس هناك مانع يمنع وجود البرلمان ولكن بنفس الوقت يجب ان لا يحرم الشعب من مشاركة البرلمان في مباشرة سلطات الدولة في القضايا المهمة والأزمات التي تمر بها البلاد(1).ومشاركة الشعب بهذه الديمقراطية تبرز بروزاً واضحاً عند مباشرة سلطة الحكم في بعض المسائل وفي الرقابة على البرلمان بمسائل اخرى . لذلك يقال ان هيئة الناخبين بهذا النظام تكون بمثابة السلطة الرابعة في الدولة الى جانب السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية(2). ويباشر الشعب سلطاته عن طريق عدة وسائل ومظاهر يطلق عليها مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة(3). ويعتبر الاستفتاء الشعبي اهم تلك المظاهر فهو يختص عنها جميعا لان كل مظهر من تلك المظاهر ينتهي به . ففي الاقتراح الشعبي يعرض مشروع القانون محل الاقتراح بعد اعداده على الشعب لاستفتائه فيه وكذلك الحال في الاعتراض الشعبي حيث يعرض القانون محل الاعتراض على الشعب لحسم الامر ، كما ان حل البرلمان لا يتم الا بعد استفتاء الشعب به ، واخيرا في نظام الاقالة والعزل يحسم الامر اما بعرض المسؤول المطلوب اقالته او عزله على الشعب أو باجراء انتخابات جديدة بينه وبين منافسيه(4). وفي جميع الاحوال السابقة تلتزم السلطة بما تسفر عنه نتيجة الاستفتاء وبما ان الخضوع لارادة الشعب هو في حقيقة الامر تجسيد للديمقراطية فما الاستفتاء الا ممارسة ديمقراطية . والديمقراطية تعني لغة حكم الشعب او سلطة الشعب(5). فالشعب اذن هو مالك السلطة وصاحبها الأصيل طبقاً لمبدأ سيادة الشعب الذي يتجلى بوضوح بهذا المظهر حيث ان كل فرد من افراد الشعب يمتلك جزءاً من السيادة واعضاء البرلمان ما هم الا وكلاء عن الشعب يلتزمون بتنفيذ اوامره ورغباته والا فانهم يتعرضون للمحاسبة والاستبدال من قبل الشعب عن طريق الاستفتاء الشعبي(6). القول ان الاستفتاء الشعبي يعتبر مظهراً من مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة لايؤخذ على اطلاقه بتاتاً حيث ان للاستفتاء الشعبي عدة انواع ومنها من لا يعتبر من مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة لا نعدام مشاركة الشعب المباشرة في التشريع فيها حيث تتخذ هذه الاستفتاءات وسيلة لاقرار اعمال للسلطة التنفيذية أو وسيلة لتجديد الثقة بالرئيس وسياسته. فالاستفتاء التشريعي الذي يتم على مشاريع القوانين بانواعه وصوره كافة يعتبر من مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة لكونه يسمح للشعب ممثلاً بالناخبين مشاركة السلطة التشريعية اختصاصاتها(7). اما الاستفتاء الدستوري فان غالبية الفقه يعتبره من مظاهر الديمقراطية شبه المباشره (8). لكن هناك رأياً فقهياً يعتبره من تطبيقات الديمقراطية المباشرة لان الشعب هو الذي يختار دستوره بنفسه دون مشاركة احد حيث ان الكلمة الاولى والاخيرة في اصدار الدستور تعود له وحده ، خلافاً لطريقة الجمعية التأسيسية في نشأة الدستور حيث يضع الشعب الدستور عن طريق هيئة نيابية منتخبة من قبله(9). والراجح في ذلك الرأي الغالب بالفقه فالاستفتاء الدستوري هو مظهر من مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة وليس المباشرة لان الديمقراطية المباشرة تتطلب مباشرة الشعب لسلطاته دون وساطة نواب وهذا ما لا يتحقق في الاستفتاء الدستوري بتاتاً فلا يمكن ان يصنع الشعب مشروع الدستور مباشرة فلم يحصل هذا ابداً في الواقع لذلك نحن لسنا بصدد ديمقراطية مباشرة . اما الاستفتاء السياسي فـلا يعتبر من مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة لكونه لا يقوي سلطة الناخبين على حساب البرلمان فهو لا يعطي الناخبين فرصة مباشرة السلطات الى جانب البرلمان كما انه لا يقصد به سوى اظهار ثقة الشعب بالحكومة أو بالزعيم وسياسته(10).فالاستفتاء الشعبي لا يعتبر مظهراً من مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة لا لشيء إلا لأنه يسمح للشعب بمباشرة السلطة التشريعية وهذا ما لا يتحقق في الاستفتاء السياسي.

_________________________

1- د. نوري لطيف ، القانون الدستوري والنظام الدستوري في العراق ، ط1 ، مطبعة علاء . بغداد ، 1979 ، ص170، وجاء بنفس المعنى د. محمد كاظم المشهداني ، مصدر سابق ، ص25.

2- د. عثمان خليل عثمان ، مصدر سابق ، ص202 ، وجاء بنفس المعنى د. مصطفى كامل ، شرح القانون الدستوري والقانون الاساسي العراقي ، ط5 ، مطبعة السلام . بغداد ، 1947-1948 ، ص29 .

– د. محمد محمد بدران ، النظم السياسية المعاصرة ، دار النهضة العربية . القاهرة ، 1999 ، ص218 .

3- وهذه المظاهر هي :-

1.الاقتراح الشعبي (Línitative-Populaire ) :- ويقصد به حق عدد معين من الناخبين اقتراح مشروع قانون وتقديمه الى البرلمان الذي يلتزم بمناقشته والبت فيه راجع في ذلك :

– د. محسن خليل ، القانون الدستوري والنظم السياسية ،( ب.م ) ، 1987 ، ص509.

2.الاعتراض الشعبي (Le veto – Populaire ) :- ويقصد به حق الناخبين في اظهار عدم الرضا على قانون اقره البرلمان بتقديم عريضة موقعه من عدد منهم في غضون مدة محددة يظل القانون غير نافذ خلالها . راجع في ذلك:

– د. زهير المظفر ، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ، ج1 ، مركز البحوث والدراسات الإدارية . تونس ، 1992 ، ص129.

3.اقالة الناخبين لنائبهم : ويقصد بها انهاء مدة ولاية النائب قبل انقضاء أجلها القانوني بناءاً على طلب عدد من الناخبين محدد في الدستور في حالة استيائهم من تصرف النائب وهذا الحق لا يقتصر على النواب بل يمتد ليشمل الموظفين والقضاة المنتخبين ، راجع في ذلك

– د. إسماعيل الغزال ، القانون الدستوري والنظم السياسية ، ط1 ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع . بيروت ، 1982 ، ص148.

4.حل المجلس النيابي حلا شعبياً (LA Dissolútion ) :- ويقصد به حق عدد معين او نسبة من الناخبين في طلب حل البرلمان كله وليس فقط اقالة النائب ، ويؤخذ بهذا النظام في بعض الولايات السويسرية ، راجع في ذلك :-

– د. جورجو شفيق سارى ، الاسس والمبادئ العامة للنظم السياسية (اركان التنظيم السياسي) ، ط1 ، (ب.م) ، 1997 ، ص360 .

5.عزل رئيس الجمهورية (LA Destitution ) :- يقصد به حق عدد كبير نسبياً من الناخبين في عزل رئيس الجمهورية عند فقدهم الثقة به ، راجع في ذلك : د. فؤاد العطار ، الانظمة السياسية والقانون الدستوري ، ج1 ، (ب.م) ،1965-1966، ص345.

4- د. ماجد راغب الحلو ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، منشأة المعارف . الاسكندرية ، 2000 ، ص524.

5- د. محمد فريد حجاب ، ازمة الديمقراطية الغربية وتحدياتها في العالم الثالث ، مجلة المستقبل العربي ، العدد (164) ، مركز دراسات الوحدة العربية . بيروت ، تشرين الاول . اكتوبر ، 1992 ، ص69 .

6- د. احسان المفرجي ، د. كطران زغير ، د. رعد الجدة ، النظرية العامة في القانون الدستوري والنظام الدستوري في العراق ، دار الحكمة . بغداد ، 1990 ، ص57 .

7- د. محمود حلمي ، المبادئ الدستورية العامة ، دار الفكر العربي . (ب.م) ، 1964 ، ص315.

8-ومنهم د. انور الخطيب ، دستور لبنان ، ج2 ، ط1 ، بيروت ، 1970 ، ص18 ، د. السيد خليل هيكل ، القانون الدستوري والانظمة السياسية ، (ب.م) ، 1983-1984 ، هامش ص300.

9- ومنهم د. ثروت بدوي ، موجز القانون الدستوري ، ط3 ، دار النهضة العربية . القاهرة ، 1973 ، ص37 ، د. عبد الفتاح حسن ، مبادئ النظام الدستوري في الكويت ، دار النهضة العربية . بيروت ، 1968 ، ص62، د. نعمان احمد الخطيب ، مبادئ القانون الدستوري ، ط1 ، (ب.م) ، 1993 ، ص56 د. نعمان احمد الخطيب ، الوجيز في القانون الدستوري ، ط2 ، منشورات جامعة مؤته . عمان ، 1998 ، ص54 .

10- د. شمران حمادي ، النظم السياسية ، ط4 ، مطبعة الارشاد . بغداد ، 1975 ، ص113.

الاستفتاء من حيث قوته الالزامية :

يقسم الاستفتاء من حيث التزام السلطات المختصة بنتيجته الى استفتاء ملزم واستفتاء استشاري . وفيما يأتي هذين النوعين :

الاول :الاستفتاء الملزم (Referendum – Imperatif )

يقصد به ذلك النوع من الاستفتاء الذي تتقيد الجهات المختصة بنتيجته وفقا للدستور فلا تستطيع مخالفتها والا فان ما تتخذه من اجراء يكون باطلا لمخالفته للدستور(1). وعليه فالجهة المختصة تلزم بنتيجة الاستفتاء ودورها يكون مقتصراً على تقريره فقط .ويترتب على ذلك ان نتيجة الاستفتاء هي من يرتب الاثر القانوني لموضوع الاستفتاء، فاذا كان محل الاستفتاء قانوناً معيناً نتيجة الاستفتاء هي من تكسبة الصفة القانونية ولا يستطيع البرلمان ان يصدره لوحده دون ان يكون مقترنا بالموافقة الشعبية التي تبينها نتيجة الاستفتاء ، وعليه فدور البرلمان يقتصر على اعداد هذا القانون دون اقراره فهو يكون كالجهاز او الهيئة التي تعد القانون فقط.

الثاني : الاستفتاء الاستشاري (Referendum- de – Consultation)

يقصد به ذلك النوع من الاستفتاء الذي تجريه احدى السلطات العامة للدولة لغرض استشارة الشعب في موضوع ما ليس الا ، وهي تملك الحق باتباع رأي الشعب أو عدمه دون ان يترتب عليها اية مسؤولية(2). وعليه فهذا الاستفتاء لا يتعدى مجرد استطلاع رأي الشعب قبل الاقدام على اتخاذ اجراء معين حيث ان نتيجته غير ملزمة للجهة التي تجريه ولها مطلق الحرية في ان تأخذ بها او لا تأخذ بها وفقا للدستور .ومن امثلة هذا الاستفتاء ، استفتاء عام 1914 الذي تم في استراليا بمناسبة التجنيد الاجباري في أثناء الحرب العالمية الاولى ، وكذلك الاستشارة الشعبية التي تمت في بلجيكا بخصوص استئناف الملك ليوبولد الثالث(Lè o poldIII ) سلطاته الدستورية(3).. ويرى البعض أن هذا النوع من الاستفتاء لا يعتبر مظهراً من مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة ، لانه لا يمكن ان يكون وسيلة لرقابة الشعب على اعمال ممثليه او نوابه ، حيث ان النواب غير ملزمين بالاخذ برأي الشعب في هذا النوع من الاستفتاء وفقا للدستور(4). لكن الاتجاه الغالب في الفقة يعارض هذا الرأي ويعتبر الاستفتاء الاستشاري من مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة فصحيح ان الدستور لا يلزم الجهة التي اجرت الاستفتاء بنتيجته ، لكن في الواقع تلك الجهة تلزم بالاخذ بتلك النتيجة لان استشارة الامة هي استفتاء ملزم ، فمن غير المعقول وعلى الرغم من ان الكلمة الاخيرة للبرلمان بأن يخالف رأي الشعب(5)..والرأي الراجح هو رأي الاتجاه الغالب في الفقة لان نتيجة الاستفتاء تمثل ارادة الشعب والخروج عنها بمخالفتها وعدم الاخذ بها يعني الخروج عن ارادة الشعب صاحب السلطة و السيادة الاصيل وهذا ما يتنافى مع الديمقراطية التي يقصد بها حكم الشعب او سلطة الشعب ، لذلك لا يمكن الخروج عن تلك الارادة وخصوصا في الدول الديمقراطية ، حيث ان الخروج عن ارادة الشعب له عواقب وخيمة وانعكاسات سلبية على اجهزة نظام الحكم. كما حدث في النرويج في استفتاء 24 سبتمبر. ايلول 1972 عندما ادى رفض الشعب لموضوع الاستفتاء الاستشاري بشأن الانضمام الى السوق الاوربية المشتركة الى الاطاحة بالحكومة الاشتراكية لكونها أصرت على رايها بالانضمام على الرغم من معارضة الشعب(6). لذلك فإن الواقع العملي ينفي هذا التقسيم فالاستفتاء يكون ملزماً بجميع الاحوال ، ولذا نحن نتفق مع رأي البعض بالمطالبة بإلغاء هذا التقسيم لان الديمقراطية تأبى اهمال ارادة الشعب(7).

________________________________________

1- د. ابراهيم عبد العزيز شيحا ، مصدر سابق ، ص221.

2- د. عبد الحميد متولي د. سعد عصفور د. محسن خليل ، القانون الدستوري والنظم السياسية ، منشاة المعارف. الاسكندرية، (ب.ت) ، ص116.

3- د. ماجد راغب الحلو ، الاستفتاء الشعبي والشريعة الاسلامية ، مصدر سابق ، ص342.

4- د. شمران حمادي ، مصدر سابق ، ص114.

5- د. عبد الحميد متولي ، أزمة الانظمة الديمقراطية ، مصدر سابق ، ص129.

6- لمى علي فرج الظاهري ، مصدر سابق ، ص37.

7- د. محمد كاظم المشهداني ، مصدر سابق ، ص28 ، وجاء بنفس المعنى ، د. عصمت سيف الدولة ، مصدر سابق ، ص147.

الاستفتاء من حيث وجوب اجرائه :

ينقسم الاستفتاء الشعبي من حيث وجوب اجرائه الى نوعين هما الاستفتاء الاجباري والاستفتاء الاختياري وفيما يأتي توضيح لهذين النوعين :

الاول : الاستفتاء الإجباري (Referendum-Obligatoire )

يقصد به الاستفتاء الذي يوجب الدستور اجراءه ، فلا تستكمل القاعدة القانونية وجودها او يبت في الامر السياسي من دونه(1).في هذا النوع من الاستفتاء لا يكون لسلطات الدولة أية ارادة في اجراء هذا الاستفتاء او عدم إجرائه فهي تلزم بإجرائه و الا فان أي اجراء او قرار تتخذه يكون باطلاً لمخالفته للدستور .كأن يوجب الدستور مثلاً استفتاء الشعب في تعديل الدستور ففي هذه الحالة لا يمكن اقرار التعديل الا بعد استفتاء الشعب وموافقته عليه والا فان تعديل الدستور يكون باطلا(2). وعليه فالاستفتاء يكون اجبارياً عندما ينص الدستور على ذلك ولكن تجب الاشارة الى ان نص الدستور لا يأتي دائما بشكل صريح ومباشر وانما يمكن ان يأتي بشكل ضمني وغير مباشر ، كما هو الحال في حالتي الاعتراض الشعبي والاقتراح الشعبي ففي الاعتراض يستمر وقف نفاذ القانون المعترض عليه من قبل الناخبين الى ان يعرض على الاستفتاء الشعبي فإجراء الاستفتاء يكون اجباريا وكذلك الحال في الاقتراح الشعبي حيث ان اجراء الاستفتاء يكون النتيجة اللازمة والحتمية لنظام الاقتراح الشعبي(3).ولقد اخذ الدستور المصري الحالي 1971 بهذا النوع من الاستفتاء في خمس حالات كالاتي:-

1-الاستفتاء على الاجراءات السريعة لمواجهة الخطر طبقا لنص المادة (74) من هذا الدستور.

2-الاستفتاء على المرشح لرئاسة الجمهورية طبقا لنص المادة (76) من هذا الدستور .

3-الاستفتاء على حل مجلس الشعب طبقا لنص المادة (136) من هذا الدستور.

4-الاستفتاء على تعديل الدستور طبقا لنص المادة (189) من هذا الدستور .

5-الاستفتاء على الدستور طبقا لنص المادة (193) من هذا الدستور(4).

الثاني : الاستفتاء الاختياري (Referendum – facultaif)

يقصد به الاستفتاء الذي يجعل الدستور اجراءه متروكاً لمشيئة الجهة المنوط بها مهمة القيام به فلها الحق في اجرائه او عدم اجرائه وفقا لسلطتها التقديرية وتلك الجهة قد تكون رئيس الدولة او الحكومة او البرلمان او عدد من اعضائه او عدد من الناخبين(5). وعليه فتلك الجهة غير ملزمة بالقيام بهذا الاستفتاء ولها الخيار في ذلك . ولقد اخذت بهذا النوع من الاستفتاء العديد من الدساتير منها ، الدستور المصري الحالي الصادر 1971 حيث اخذ بهذا النوع من الاستفتاء في حالتين:-

1-الاستفتاء على النزاع بين مجلس الشعب والحكومة طبقا لنص المادة (127) حيث اجازت هذه المادة لرئيس الجمهورية اجراء استفتاء شعبي في النزاع الذي يحدث بين مجلس الشعب والحكومة .

2-الاستفتاء على المسائل المتصلة بمصالح البلاد العليا وفقا للمادة (152) حيث اعطت هذه المادة لرئيس الجمهورية سلطة جوازية في استفتاء الشعب بالمسائل التي يقدر اهميتها ويرى انها تتصل بمصالح البلاد العليا(6). كما ان مشروع دستور العراق الصادر عام 1990 قد اخذ بهذا النوع من الاستفتاء في المادة (98) منه.

ومن المهم الاشارة الى ان البعض يرى ان الاستفتاء الاختياري الذي تجريه السلطة التشريعية لا يعتبر مظهراً من مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة لانه لا يجري الا بناء على رغبة البرلمان ومن ثم لا يستطيع الشعب ان يتدخل بشؤون السلطة التشريعية الا اذا سمحت هي بذلك ، وهي بالتأكيد لا تسمح للشعب التدخل في اختصاصاتها الا عندما يكون رأيه موافقا لرأيها ومن ثم فإن تدخل الشعب في هذه الحالة لا تكون له أية فائدة حقيقية(7). هناك من يرى خلافا لهذا الرأي ان هذا النوع من الاستفتاء يعتبر من مظاهر الديمقراطية شبه مباشرة ، حيث تتجلى بهذا النوع من الاستفتاء الارادة الشعبية دون ان تنقاد وراء ارادة ورغبة السلطة التشريعية كما يؤكد البعض ، فتأتي مخالفة لارادة السلطة التشريعية وما يؤكد قولنا هذا ان هذه الاستفتاءات لا تقابل بالموافقة دائما من قبل الشعب فهناك العديد من الاستفتاءات التي تقابل بالرفض من قبل الشعب. ومنها (استفتاء الشعب السويسري في عام 1978 بشأن اقتراح انشاء قوة بوليسية فيدرالية)(8).

___________________________________

1- د. كمال الغالي ، مصدر سابق ، ص287.

2- د. محسن خليل ، مصدر سابق ، ص513.

3- لمى علي فرج الظاهري ، مصدر سابق ، ص35.

4- د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، منشاة المعارف . الاسكندرية ، 1997 ، ص ص 506 ، 507 .

5- د. محمود عاطف البنا ، مصدر سابق ، ص231.

6- د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، مصدر سابق ، ص508 .

7- د شمران حمادي ، مصدر سابق ، ص104 .

8- د. محمود محمد خلف و د. محمد مصباح عيسى ، الديمقراطية في سويسرا (دراسة تحليلية في اسس الحكم الديمقراطي) ، المركز العالمي للدراسات . الكتاب الاخضر . طرابلس ، 1996 ، ص227.

الاستفتاء من حيث وقت استعماله :

ينقسم الاستفتاء الشعبي على وفق موعد استعمال حق الاستفتاء الى استفتاء سابق واستفتاء لاحق وفيما يأتي بيان لهذين النوعين:-

الاول : الاستفتاء السابق (Referendum- Antérieur )

يقصد به استشارة الشعب بموضوع ما كقضية معينة او قانون قبل المصادقة عليه من قبل الجهة المختصة بقصد التعرف على اتجاهات الرأي العام(1). فاذا كان محل الاستفتاء قانوناً معيناً فهذا القانون في الواقع هو مشروع قانون أي ان الاستفتاء يكون فقط على المبدأ الذي يدور حوله القانون وعندما يقترن بالموافقة الشعبية يتولى البرلمان بعد ذلك صياغة نصوصه واعداده كقانون كامل(2). ومن الدساتير التي اخذت بهذا النوع من الاستفتاء ، الدستور التونسي الحالي الصادر 1959 طبقا للفصل (47) منه المنقح بالقانون الدستوري عدد 65 لسنة 1997 المؤرخ في 27 اكتوبر . تشرين الاول 1997 الذي نص على أن (( لرئيس الجمهورية ان يستفتي الشعب مباشرة في مشاريع القوانين ذات الأهمية الوطنية او في المسائل الهامة التي تتصل بالمصلحة العليا للبلاد دون ان يكون كل ذلك مخالفا للدستور )) .

الثاني : الاستفتاء اللاحق (Referendum- Post – législatif )

يقصد به اخذ رأي الشعب في موضوع ما بعد مصادقة واقرار السلطات المختصة له.فاذا كان محل الاستفتاء مشروع قانون ، فان هذا المشروع يكون قانوناً كامل الصياغة ومقراً من قبل البرلمان ولكن نفاذه معلق على استفتاء الشعب فحق الاستفتاء يشبه حق التصديق المعترف به لرئيس الدولة(3). وعليه فمصادقة الجهات المختصة لوحدها لا تؤدي الى نفاذ القانون ولا بد من اقترانها بالمصادقة الشعبية عن طريق الاستفتاء ليصبح القانون نافذاً . ولهذا يطلق عليه البعض بالاستفتاء التصديقي(4).ولقد اخذت بهذا النوع من الاستفتاء العديد من الدساتير منها دستور المغرب لعام 1972 وفقا للفقرة (68) منه(5). وكذلك دستور المغرب الحالي الصادر عام 1996 وفقا للفقرة (68) منه التي نصت على ما يأتي : (( بانه للملك ان يستفتي شعبه بمقتضى ظهير شريف في شان كل مشروع أو اقتراح قانون بعد ان يكون المشروع أو الاقتراح قد قرىء قراءة جيدة….))والاستفتاء اللاحق في الحقيقة هو افضل من الاستفتاء السابق ، لان الشعب يستفتى بقانون كامل الصياغة خلافا للاستفتاء السابق الذي ينصب على مبدأ أو فكرة القانون فقط وهذا ما يتيح للبرلمان فرصة التلاعب بصياغة القانون بما يحقق رغباته ويعارض رغبات الشعب بالتلاعب بصياغة الالفاظ وتقديم الكلمات وتاخيرها(6). خصوصا ان غالبية الشعب تفتقر للخبرة القانونية التي تؤهلها لتمييز ما يعنيه هذا اللفظ من ذاك .ولذلك يرى الاستاذ فيدل (Vedel ) ان الاستفتاء اللاحق هو يعتبر من تطبيقات الديمقراطية شبه المباشرة فقط اما الاستفتاء السابق فلا يعتبر كذلك لكونه لا يمنع البرلمان من اصدار قانون مخالف لما قرره الشعب في الاستفتاء(7). ويمكن القول بعدم صحة هذا الرأي فيبقى هذا النوع من الاستفتاء من مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة الذي تتجسد فيه الارادة الشعبية بشكل واضح لانه اذا تمكن البرلمان من اصدار قوانين ضد رغبة الشعب وإرادته في الماضي فانه لا يستطيع في الوقت الحاضر ان يقف ضد تلك الارادة واذا كان ذلك قد مر في بعض الدول فهذا لا يعني مروره بجميع الدول خصوصا ان الشعب قد بلغ من النضج والوعي المستوى الذي يؤهله للرفض عند الشعور بالظلم بسبب انتشار التعليم انتشاراً واسعاً فضلاً عن وسائل الاعلام وثورة الاتصالات ما بين الشعوب .

___________________________________

1- د. طعيمة الجرف ، مصدر سابق ، ص59.

2- د. محمود حلمي ، نظام الحكم الاسلامي مقارنا بالنظم المعاصرة ، ط6 ، (ب.م) ، 1981 ، ص158.

3-د. عثمان خليل عثمان ، مصدر سابق ، ص158.

4- د. سالم الكسواني ، مبادئ القانون الدستوري مع دراسة تحليلية للنظام الدستوري الاردني ، ط1 ، مطبعة الكسواني . عمان ، 1983 ، ص139.

5- د قائد محمد طربوش ، مصدر سابق ، ص101.

6- د. شمران حمادي ، مصدر سابق ، ص116.

7- د. طعيمة الجرف ، نظرية الدولة ، الاسس العامة للتنظيم السياسي ، الكتاب الثاني ، مكتبة القاهرة الحديثة . القاهرة ، 1966 ، ص192.

المؤلف : بيداء عبد الجواد العباسي
الكتاب أو المصدر : الاستفتاء الشعبي

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .