المقاربة التشريعية لظاهرة الهجرة غير الشرعية

الأستاذة غالم نجوى

أستاذة باحثة بصف الدكتوراه تخصص القانون العام كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة أبي بكر بلقايد-تلمسان
ملخص البحث:

إن الهجرة في أبسط معانيها هي حركة انتقال الأشخاص فرادى أو جماعات من موقع إلى آخر بحثا عن الأفضل اجتماعيا، اقتصاديا أو أمنيا. ولا تخرج الهجرة غير الشرعية عن هذا المعنى سوى في مخالفتها للنصوص القانونية التي تضعها الدول لضبط إقليمها من حيث الدخول أو الخروج منه.

وفي إطار الحد من هذه الظاهرة نجد خطوتين الردع وإزالة أسباب هذه الهجرة، فبالنسبة للردع يجد تطبيقه في التشريعات الجزائرية بمقتضى قانون العقوبات وقانون شروط دخول الأجانب إلى الجزائر وإقامتهم بها وتنقلهم فيها، فضلا عن القانون البحري الذي يعد أول نص قانوني عالج الظاهرة. وإن كانت النصوص القانونية تؤدي للحد من الظاهرة إلا أن التزامات الجزائر الدولية في مجال احترام حقوق الإنسان تفرض عليها التزامات اضافية تتجلى في إيجاد مقاربة بين الردع الذي توفره النصوص القانونية، وبين ضمانات المهاجر غير الشرعي، وهي المقاربة التي يوفرها حق الدفاع المكفول للمهاجر غير الشرعي اتجاه الاجراءات القضائية المتخذة اتجاهه، فضلا عما توفره مراكز الانتظار من رعاية وأمن للمهاجر إلى حين إعادته لدولته. أما الخطوة الثانية المتعلقة بإزالة أسباب الهجرة غير الشرعية فتعد علاجا تكميليا لا مجال للقضاء على الظاهرة من دونه.

مقدمة:

تعد الهجرة ظاهرة تاريخية ساهمت في عمار الأرض من خلال المجموعات البشرية المختلفة الثقافات التي لها دور كبير في بناء حضارة إنسانية مشتركة. وإن كان ظهورها في البداية يعد من أشكال ردود الفعل الطبيعية للإنسان حفاظا على حياته[1]، إلا أنها أخذت منحى مختلف في الوقت الحالي. حيث أصبحت الهجرة في الوقت الحالي قضية معقدة وملفا شائكا، فبعد أن كان تنقل الإنسان لا مانع له، أدى التطور الذي لحق مفهوم الدولة إلى ضبط إقليمها، ما يجعل التنقل على أرضها بالنسبة للأجانب يخضع لشروط[2]، فكانت هذه أولى الأسباب التي دفعت لظهور ما يعرف بالهجرة غير الشرعية أو التسللية أو غير القانونية.

وتعد حاليا الهجرة غير الشرعية ظاهرة عالمية تؤرق المجتمع الدولي، حيث تعاني منها الدول المتقدمة والأقل تقدما على حد سواء. فالأولى تعاني مما ترتبه هذه الظاهرة من أزمات أمنية واقتصادية، والثانية مما تخلفه من هجرة يد عاملة والذي يؤثر بدوره في اقتصادها. وهو الأمر الذي جعل قضية الهجرة غير الشرعية تستحوذ على أهمية خاصة نظرا للتوجهات الجديدة لسياسات الهجرة. فبعد أن كان مرحبا بظاهرة الهجرة غير الشرعية لما توفره من يد عاملة للاقتصاد الأوربي، أضحى تحقيق هجرة منظمة وقانونية أساس قانون تنظيم الأجانب، والذي كان أول خطواته إغلاق الحدود.

إلا أنه ورغم المجهودات التي تبذلها الدول في مواجهة الظاهرة، إلا أن الاعتماد فقط على المعالجة الأمنية الصارمة لم يحقق النتيجة المرجوة منه بالقضاء على الهجرة غير الشرعية، ومرد ذلك للتفاوت في مستوى التنمية بين دول البحر الأبيض المتوسط وأوربا، فضلا عن النزاعات السياسية أو المسلحة التي تعوق التقدم الاقتصادي لدول الجنوب.

ومن هنا كان البحث عن المقاربة التشريعية لظاهرة الهجرة غير الشرعية في الجزائر من أهم المواضيع التي تطرح إذا أردنا الإلمام بدور الحكومة الجزائرية في التعامل مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية، كونها تتعلق بطريقة المعالجة القانونية للظاهرة في إطار احترام حقوق المهاجر، وهنا يطرح التساؤل عن ماهية التشريعات التي تجرم الهجرة غير الشرعية؟ وما مدى احترامها لحقوق المهاجر غير الشرعي؟

إن الإجابة عن هاذين الإشكالين تتطلب معالجته في إطار مبحثين يتناول الأول تدابير معاقبة المهاجرين غير الشرعيين، أما الثاني فيخصص لتحديد ضمانات المهاجر غير الشرعي.

المبحث الأول: التشريعات التي تجرم الهجرة غير الشرعية

في ظل عدم وجود تشريع جزائري خاص بتجريم الهجرة غير الشرعية، فلا بد من الرجوع للتشريعات التي تعاقب على هذا الفعل باعتباره جريمة، وكذلك التشريعات التي تعاقب على الأفعال المرتبطة بالهجرة غير الشرعية.

المطلب الأول: تدابير معاقبة المهاجرين غير الشرعيين

إثر الزيادة الكبيرة لعدد المهاجرين غير الشرعيين بالجزائر، وفي ظل عدم وجود تشريع قانوني خاص بالهجرة غير الشرعية، فإن المشرع الجزائري تدارك هذا الوضع من خلال التعديل الذي لحق قانون العقوبات الجزائري، إضافة للقانون المتعلق بشروط دخول الأجانب إلى الجزائر وإقامتهم بها وتنقلهم فيها. فمن خلال متابعة الإحصائيات وما تنشره الصحافة الوطنية والدولية عن أخبار الهجرة السرية نجد هذه الظاهرة قد بدأت بالتصاعد في حجمها ابتداء من [3]1998، وبذلك تكون المعالجة القانونية التي قام بها المشرع الجزائري ملائمة للوضع، ذلك أن العقاب على الهجرة غير القانونية في الجزائر عرف أول تنظيم قانوني له بمقتضى القانون البحري الجزائري باعتبار أن أغلب حالات الدخول غير الشرعي للإقليم أو الخروج منه تتم عن طريق البحر.

الفرع الأول: القانون البحري الجزائري

إن أول معالجة قانونية لظاهرة الهجرة غير الشرعية تمت بمقتضى القانون البحري المعدل لسنة 1998، وذلك تماشيا مع ما فرضه الواقع من تزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين ينتقلون عبر البحر. وكان التعامل التشريعي مع هذه الظاهرة صارما بهدف وضع حد لتدفقات المهاجرين غير الشرعيين، فكانت العقوبة المقررة بالنسبة لكل من يتسلل للسفينة خلسة بنية الدخول أو الخروج من الإقليم الجزائري هي الحبس من ستة (6) أشهر إلى خمس (5) سنوات والغرامة من 10.000دج إلى 50.000دج[4].

الفرع الثاني: قانون العقوبات الجزائري

رغم اعتراض بعض النواب على تجريم الهجرة غير الشرعية خلال مناقشة مشروع قانون العقوبات لسنة 2009، على اعتبار أن الحل الأمني وتسليط العقوبات لا يزيد إلا من تفاقم المشكلات، وأن الحل يكون بمعالجة الظاهرة في إطار أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية بمشاركة مؤسسات الدولة[5]. إلا أن التزايد الخطير في أعداد المهاجرين غير الشرعيين من أوساط جل فئات الشباب الجزائري، أو حتى الأجانب من الأفارقة الذين اتخذوا الجزائر كبلد عبور كان أولى بالمعالجة من مراعاة ظروف المهاجرين غير الشرعيين، لما قد يرتبه من خطر على أمن الدولة.

حيث قامت وزارة العدل بإعداد مشروع تعديل تقنين العقوبات والمتضمن تجريم مغادرة الإقليم الوطني بصفة غير مشروعة، ثم أودع لدى مكتب المجلس الشعبي الوطني بتاريخ 13 سبتمبر 2008، ليحال في نفس اليوم على لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات. وبتاريخ 28 ديسمبر من السنة نفسها تم تقديم عرض ممثل الحكومة أمام اللجنة، لتنعقد جلسة علنية بتاريخ 12 جانفي 2009 للمجلس الشعبي الوطني، في الدورة العادية الثالثة من الفترة التشريعية السادسة، بعدها قدم المشروع للتصويت بالبرلمان بتاريخ 21 جانفي 2009 وذلك في جلسة علنية[6].

وبعد مناقشات طويلة، تراوحت بين الرفض للتجريم عامة وبين رفض العقوبة المقررة، انتهت النقاشات بتجريم الهجرة غير الشرعية بموجب المادة 175 مكرر1 وبتقرير عقوبة ال