أن المشرع التجاري اكتفى بسرد الأعمال التجارية دون أن يحدد ماهيتها تاركا ذلك للفقه ليعمل فكره بالبحث عن المعيار الذي يميز العمل التجاري عن العمل المدني. و يمكن رد محاولات الفقه في هذا الصدد إلي أربعة معايير وهم معيار المضاربة ، ومعيار التداول و معيار المقاولة ، و معيار الحرفة التجارية .

المبحث الأول : معيار المضاربة

يستند الفقهاء (١) القائلين بهذا المعيار إلي الموقف النفسي لمن يقوم بممارسة العمل التجاري فإذا كان يستهدف تحقيق الربح عن طريق المضاربة وقت إتمام العمل اتصف هذا الأخير بالتجارية وخضع لإحكام القانون التجاري . وان كان غير ذلك كان العمل مدنيا ويخضع لإحكام القانون المدني . ولعل السبب في القول بهذا المعيار يرجع إلي أن المضاربة من أهم خصائص النشاط التجاري وعلى ذلك فكل عمل يستهدف القائم به تحقيق الربح يعد عملا تجاريا . بيد أن معيار المضاربة و إن كان يصدق على معظم الأعمال التجارية (2) إلا إنه لم يمنع دخول أعمال غير تجارية (3) . فهناك أعمالا استقر الفقه على اعتبارها مدنية كالمهن الحرة ( المهندس- الطبيب- المحاسب ) و يستهدف القائمين بها تحقيق الربح . وفضلا عما تقدم فإن اعتماد معيار المضاربة على العامل النفسي للقائم بالعمل يضعف من هذا المعيار فكيف لنا أن نستند في تحديد تجارية العمل إلي عوامل نفسية تتغير من حين إلي آخر؟ .

المبحث الثاني : معيار التداول

يرى أنصار (4) هذا المعيار أن العمل يتصف بالتجارية إذا انصب على تداول الثروات ( السلع – البضائع – النقود – الصكوك ………….الخ ) فجميع الأعمال التي تقع بين مرحلتي الإنتاج و الاستهلاك تعد أعمالا تجارية . وعلى ذلك الأعمال التي تتناول تداول السلع و البضائع و النقود و الصكوك و الوساطة فيها ، تعد أعمالا تجارية فهي تنصب على السلع وهى في حالة حركة .أما الأعمال التي تتناول السلع وهي في حالة سكون فهي أعمالا مدنية . فحيث يبدأ دفع المنتج إلي السوق يبدأ العمل التجاري وحيث تتجمد هذه الحركة ينتهي العمل التجاري (5) . وعلى ذلك يخرج من نطاق الأعمال التجارية – طبقا لهذا المعيار – جميع الأعمال التي ترد على العقارات ذلك أن هذه الأخيرة غير قابلة للتداول وإنما يتم التصرف فيها وفق إجراءات معينة حددها القانون (6) وعلى الرغم من منطقية معيار التداول إلا أنه لم يسلم من النقد ،على أساس أن هذا المعيار لا يفسر اختفاء الصفة التجارية على بعض الأعمال على الرغم من أنها لا تتضمن معنى التداول ، مثال ذلك النشاط الصناعي و النقل . فلاشك في تجارية كل منهما طبقا للنصوص التشريعية و لا يعتبر أي منهما سلع يمكن أن تكون محلا للتداول . وفضلا عن ذلك فأن هناك أعمالا تعتبر وساطة في تداول السلع دون أن تتصف بالتجارية ، مثال ذلك نشاط الجمعيات التعاونية التي لا تستهدف تحقيق الربح (7)

المبحث الثالث : معيار المقاولة

يستند أنصار (8) هذا المعيار في إضفاء وصف التجارية على العمل بالنظر إلي إطار النشاط الذي يتم من خلاله . وعلى ذلك يعتبر العمل تجاريا إذا تم من خلال مشروع و يقصد بالمشروع ممارسة العمل على سبيل التكرار المنتظم من خلال تنظيم مسبق تتوافر له مظاهر خارجية ومادية ملموسة وواضحة (فتح مكاتب و محال تجارية – توظيف العمال و المستخدمين …………..الخ ) وعلى ذلك تعتبر الأعمال تجارية إذا اتخذت شكل المقاولة التجارية أما إذا وقعت مرة واحدة فلا تعتبر أعمالا تجاريا . وهذا هو الذي يفسر خضوع نشاط الجمعيات التعاونية لأحكام القانون التجاري . بيد أن معيار المقاولة وأن كان يجد له سند في النصوص التشريعية. فالمشرع المصري يعتبر أعمال الصناعة و النقل و التوريد

……..الخ. أعمالا تجارية إذا اتخذت شكل مقاولة . إلا أنه يأخذ عليه أنه يعجز عن تفسير تجارية الأعمال إذا المنفردة كالشراء لأجل البيع والتي اعتبرها المشرع أعمالا تجارية ولو وقعت مرة واحدة أي تعتبر أعمالا تجارية و لم تتم من خلال مشروع ” مقاولة ” . فضلا عن ذلك فأن معيار المقاولة من شأنه الاعتراف بتجارية بعض المشروعات رغم الاعتراف بمدنيتها كمشروعات الزراعة و المشروعات الحرفية (9)

المبحث الرابع : معيار الحرفة التجارية

يرى أنصار (10) هذا المعيار أن العمل يعد تجاريا إذا تم من خلال الحرفة التجارية للشخص ، أما إذا تعلق العمل بحرفة الشخص المدنية فإنه يعد عملا مدنيا . وعلى ذلك وطبقا لهذا المعيار فإن التفرقة التقليدية بين الأعمال التجارية بطبيعتها والأعمال التجارية بالتبعية تكون غير ضرورية وذلك استنادا إلي أن الأعمال التجارية التي وردت في القانون التجاري قد وردت على سبيل الحصر وكل عمل آخر يقوم به التاجر بمناسبة مزاولة حرفته التجارية يعد عملا تجاريا بالتبعية . وعلى ذلك تكون نظرية الأعمال التجارية بطبيعتها غير ذي جدوى لأن العمل التجاري يقع بالضرورة بمناسبة مزاولة حرفة تجارية . و معيار الحرفة التجارية بهذا المعنى يقترب من معيار المقاولة إذ أن كلاهما يستلزم لإضفاء صفة التجارية على العمل أن يتم هذا الأخير على سيبل التكرار و بصفة منتظمة و مستمرة . كما أن الحرفة التجارية تحاط بمظاهر خارجية و مادية شأنها في ذلك شأن معيار المقاولة ( فتح مكاتب ومحال تجارية – توظيف العمال و المستخدمين………. الخ ) . بيد أن معيار الحرفة التجارية قد تعرض للنقد فهو ليس كافي وحدة كمعيار لتمييز العمل التجاري عن العمل المدني . ذلك أنه يواجه صعوبة في تحديد مفهوم الحرفة التجارية وما إذا كان من الممكن الاعتماد على العرف التجاري وحده لتحديد مضمون هذا المفهوم في حالة غياب النص القانوني أم لا ؟ (11) وفضلا عن ذلك فان هذا المعيار لا يفسر لنا إضفاء وصف التجارية على الأعمال المنفردة التي أوردتها النصوص التشريعية و التي تعتبر أعمالا تجارية و لو كان القائم بها غير تاجر . فهذه الأعمال تظل تجارية بغض النظر عن صفة القائم بها (12) و مجمل القول أنه ليس هناك معيار كافي وحده لتمييز العمل التجاري عن العمل المدني ذلك أن كل من هذه المعايير ينطوي على قدر من الحقيقة و يكشف بعض جوانب الأعمال التجارية دون أن يفسرها جميعا . فالمضاربة أي القيام بالعمل بهدف تحقيق الربح هي أساس الحياة التجارية. والتداول هو جوهر الحياة التجارية وهو الذي يفسر لنا تجارية الأعمال المنفردة . وأخيرا معياري المقاولة و الحرفة التجارية لهما بالغ الأثر في تحديد بعض الأعمال التجارية لذلك فأن الفقه و القضاء يستعين بهذه المعايير في صورة العناصر المميزة للعمل التجاري و التي تفرقه عن العمل المدني .

_____________

1- Lyon – Caen et Renault : Traité élémentaire de droit commercial ، Tome I ، 1972 ، P120 .

2- فهناك أعمالا لا تستهدف تحقيق الربح و تتصف بالتجارية ، مثال ذلك قيام التاجر بمنافسة تاجر آخر بهدف جذب العملاء فلا شك في تجارية هذا العمل رغم أن القائم به لا يستهدف تحقيق الربح .

. د. محمود مختار بريري : قانون المعاملات التجارية ،الجزء الأول ، دار النهضة العربية ، ٢٠٠٠، ص ١٠٦ .

4- Thaller et Percerou : Traité élémentaire de droit commercial ،Tome I، 1931 ، Paris no6 ets

5- د. محمود مختار بريري : المرجع السابق ، ص ١٠٧ .

63. 6- د. سميحة القليوبي : الوسيط في شرح القانون التجاري المصري ، الجزء الأول – دار النهضة العربية ،ص ص٢٠05 .

Hamel et lagarde : Op.cit ، no 147 . 7-

8- Escarra : Manvel de droit commercial ، Paris ، ١٩٤٧ no. ٩١ et s

9- د.محمد فريد العريني د. هاني دو يدار : مبادئ القانون التجاري و البحري ، دار الجامعة الجديدة للنشر ،03 ٢٠ ، ص 31.

Ripert at Roblot : op.cit ، no. 300 10-

11- على حسن يونس : القانون التجاري ١٩٨٣ ، ص ١٤٢

12- د. محسن شفيق : الوسيط في القانون التجاري ،الجزء الأول ١٩٦٢ ،ص 52.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .