أولا – مقدمــــة :

انه من مبدأ الغاية تبرر الوسيلة ، يتضح أن مصلحة المجتمع هي في إرساء قواعد النظام و استقرار الأمن فيه ، و تحقيق العدالة يمثل قدرا هاما يجب عدم إغفاله بل يجب تغليبه على مصلحة الفرد، طالما تمت تلك الإجراءات من طرف فئة من المختصين تلتزم بآداب المهنة ، وإن أصعب ما تواجهه المصالح الأمنية من جرائم، في الوقت الراهن هي جرائم المخدرات أو الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية أو الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات أو جرائم تبييض الأموال أو الإرهاب أو الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف وكذا جرائم الفساد, هذه الجرائم الهادئة، الخفية و المعقدة التي لا تستدرج دائما إليها المحقق كالجريمة العادية , حيث يظهر جليا ضحاياها و يبقى فقط البحث عن مقترفيها ، بل هي جريمة تتم في الخفاء و يسعى المتحري الماهر إلى إظهارها و تحديد ضحاياها و مرتكبيها.

ثانيا -خصوصيات ميدان التحري حول الجرائم والعراقيل المصادفة:
العلاقــــة بين التقنيـة والتحـري :
مفهـوم التقنيـة:
تعني التقنية استخدام وسائل مفيدة ناتجة عن تطبيق المعرفة العلمية في ميادين مختلفة وتشمل المنتوج الإنساني المادي كالسيارات والطائرات والإنارة والحوا سيب و الإنترنت وبنك المعلومات ……..الخ.

مفهـوم التحـري:
لغويا نجد أن اصل عبارة ” التحريات” في كلمة “حري”وهي تعني تحرّيت الشيء أي قصدته ، وتحرّيت في الأمر أي طلبت أحد الأمرين ، أولهما بمعنى التماس حقيقة أمر ما، وثانيهما تحرّى الشيء أي توخّاه واجتهد في طلبه ودققه، وفي القرآن الكريم قال تعالى ” فأولئك تحرّوا رشدا ” ( الآية 14 من سورة الجن) أي حرصوا على الرّشد . و يستفاد من هذا العرض اللّغوي لمعنى مصطلح التحرّي ، انه يعني تعمّد وقصد البحث عن حقيقة أمر ما. ما علاقة التقنية بالتحري ؟

إن التطور التقني السريع و ثورة المعلومات و الاتصالات لعب الدور الأساسي في تسهيل ظروف استفحال الإجرام المستحدث ، أوجب على المحقق في أغوار ها ته الظواهر الاستعانة في إنجاز تحرياته بالعديد من الأجهزة الفنية الحديثة التي كشف عنها التقدم العملي و التقني.

وعليه نجد وأن الإجرام المستحدث يتطلب لمنعه وضبطه وسائل حديثة ومتطورة تتناسب مع الأجهزة والمعدات والآليات المستخدمة من طرف الجناة ، ولكي يكون جهاز الأمن عصريّا ، وجب تزويده بآليات وأجهزة ، معدات ووسائل إسناد حديثة ، من شأنها أن تكون قادرة على كشف الأساليب الإجرامية المستحدثة و منع ارتكابها ، و كذلك تشخيص وضبط فاعليها. هذه الأجهزة والمعدات ووسائل الإسناد عديدة ، أبرزها تلك التي تتسم بتقنيات متطورة ، كمعدات المراقبة السرية ومنظومات الإنذار المبكر ، أجهزة التفتيش ذات التقنيات العالية ، أجهزة الاتصال المستحدثة و كذلك معدات البحث ذات الكشف الحديث والمتطور.

ثالثا – الأساليب والتقنيات المنتهجة في التحري والبحث عن الجرائم :

لقد ظلت الأجهزة الأمنية و مند زمن بعيد عبر جميع أنحاء المعمورة لا تنشـط إلا بعد وقوع الجرائـم أو بصدد التحضير لارتكابها ، و هذا بنـاء علـى المعلومات ، التبليغات، الشكاوي المعاينات و الآثار المبنية على أبحاث بخصوص مجرم أو عدد من المجرمين المعروفين ، غير أن الأمر تغير في زماننا الحالي أين ظهرت أشكالا عديدة للإجرام ، تتميز بصفة الإتقان بين أعضائها ، بشكل يدفع بالضحية إلى عدم التبليغ نظرا لما له من صلة ببقية عناصر المنظمة الإجرامية ، إن لم نقل أنه عنصرا منها و تمس على العموم جرائم المتاجرة بالمخدرات، المتاجرة بالأسلحـــة و تبييض الأموال …الخ.
ومن الأساليب والتقنيات الفعالة في التحري وجمع الأدلة في الجرائم ما يلي :

ـ المراقبـة الإلكترونيـة:
يقصد بالمراقبة الإلكترونية مراقبة وسائل الاتصالات المختلفة بين الجناة بقصد كشفهم ، وهي من أقدم التقنيات التكنولوجية المستخدمة في مجال جمع الأدلة ، و أن استخدامها يتطلب الموازنة بين حق الفرد في خصوصيته من جهة والحاجة إلى تنفيذ القوانين في تعقب أثر المجرمين من جهة أخرى.

ـ اعتراض المراسلات و تسجيل الأصوات و التقاط الصور
هي تتبع سري و متواصل للمجرم أو المشتبه به قبل و بعد ارتكابه للجريمة ، ثم القبض عليه متلبسا بها على انه لا يجوز انتهاك حرمة حياة المواطن الخاصة و حرمة شرفه ويحميها القانون وسرية المراسلات و الاتصالات الخاصة بكل أشكالها مضمونة

ـ التســــــــــــــــــــــــرب :
إن عملية التسرب اجراء خطير يتطلب اتخاذ كثيرا من الحيطة و الحذر و اختيار أفضل العناصر التي تقوم به في ظل السرية التامة حتى على اقرب الأشخاص و على ضابط الشرطة القضائية الذي تجري تحت مسؤوليته عملية التسرب اخذ كل الاحتياطات اللازمة لإنجاح العملية في سرية مطلقة

ـ الاستعانــة بالمرشديـن:
يعتمد المتحري في الكثير من الأحيان على أشخاص من المواطنين البعيدين عن الحقل الوظيفي لمرفق الأمن ، لكي يمدونه بالمعلومات التي يتحرى عنها وخاصة في المواقف التي يصعب على المحقق فيها التسرب ضمن الوسط الإجتماعى الذي يحوي المعلومات بسبب شخصيته الوظيفية وعوامل الهيبة والرهبة التي يشعر بها من يتعامل معه ، الأمر الذي يمنعه من حصوله على المعلومات المطلوبة.

رابعا – أهمية استعمال تقنيات البحث والتحري في الجريمة :

إن الهدف من سن التشريع بخصوص استعمال بعض أساليب التحرّي الخاصة ، يكمن في توفير أمن قضائي بالنسبة لمن يقومون باستخدام هذه الأساليب وحتى بالنسبة لموظفي مصالح الأمن المكلفين بتطبيقها ، حيث نجد وان هذا التشريع من شأنه أن يعطي الشفافية لهذا الإجراء و التي غلب عليها التجاهل في السابق ويمنح لتدخل السلطات (مصالح أمن ، نيابة وقضاة) قاعدة قانونية صلبة .

خامسا- الضمانات القانونية لإجراءات البحث و التحري:
لتفادي جميع مخاطر الخروقات و التجاوزات ، فأنه من الضروري والمؤكد أن تساير الشرعية القانونية و ما تنص عليه هيئات حماية حقوق الإنسان وبصورة تلقائية المعايير المحددة والمستجيبة للبحث المستبق للحدث وكذا تقنيات البحث والتحري وهي:

الشرعية: بمعنى إضفاء طابع الشرعية في تنفيذ هذه الإجراءات أي بسنّ قوانين تبرز من خلالها وبأكثر دقة تفاصيل الاستعمال.

المشروعية: أي الاستعمال الضروري لتقنيات البحث والتحري للحفاظ على الأمن و النظام العموميين مع مراعاة احترام حقوق الإنسان .

الاستعانة: إن مجال الاستعانة بتقنيات البحث والتحري المتطورة أصبح من الواجب تطبيقه، كون وسائل التحري الكلاسيكية أثبتت عجزها في كشف ووضع حد للفعل الإجرامي.

التناسب:لا يمكن استخدام تقنيات البحث والتحري إلا إذا كانت فعاليتها أهم من الخرق و الاعتداء على الحريات الخاصة ، حتى و لو مست بالأمن و النظام العموميين.

سادسا – الإطار القانوني لميدان استعمال تقنيات البحث و التحري:
في الجزائر فان المشرع قد تنبه إلى مواكبة تطور الجريمة و ذلك بسن قوانين تتماشى و التقنيات التي تستعمل في مكافحتها :
_ اعتراض المراسلات التي تتم عن طريق وسائل الاتصال السلكية و اللاسلكية.
_التسليــم المراقــــب
_ تقنية المراقبة الإلكترونيـة
_ تقنية الملاحظة و المتابعـة
_ التســــــــــرب
_ الاستعـانـة بالمـرشديـن

سابعا – السلطات المؤهلة لتفعيل الاستعمال القانوني لتقنيات البحث و التحري:
تلعب التحريات دورا فعالا في مكافحة جرائم المخدرات والتي تخوّل هيئاتها المختصة بتنفيذ القوانين بعض الصلاحيات الخطيرة التي تعتبر خرقا للحقوق و الحريات في نطاق الجرائم العادية ، حيث أن اتخاذ إجراءات فعالة ضد جرائم المخدرات يتطلب من سلطات تنفيذ القوانين أن تكون قادرة على جمع وتحليل المعلومات المتحصل عليها من مختلف المصادر المشروعة وبهدف توظيف هذه المعلومات في مكافحة الجريمة.

فالأساليب و التحريات المستعملة في مثل هذا الميدان كالتسرب المراقبة الإليكترونية الملاحظة والمتابعة و الاستعانة بالمرشدين يمكن اللجوء إليها من طرف منفذي القانون ( أفراد الضبطية القضائية من ضباط و أعوان ) بناءا على معلومات أو تعليمات النيابة تحت مراقبة وكيل الجمهورية المختص إقليما أو قاضي التحقيق في حالة فتح تحقيق قضائي تحضيري و ذلك حسب الحالة من أجل البحث والتحري.

ثامنا – التأهيل المادي والإجرائي لتشكيلات الدرك الوطني المكلفة بمكافحة جرائم المخدرات:
إن الهدف من التأهيل هو تمكين الأجهزة الأمنية من المواجهة والتصدي للأشكال المستحدثة للإجرام المنظم وعلى غرارها جرائم المخدرات وذلك بوعي عال، إدراك ناصح ، قدرة عالية و كفاءة رفيعة المستوى من خلال إعداد ، تأهيل وتدريب عناصرها وفقا لأحدث الأساليب ، أدقها وبتقنيات تأهيلية متطورة ،تنسجم وتتقدم على الأساليب الجنائية وتفوقها في القدرة على كبحها ، كشفها وتشخيص مرتكبيها،وبهذا فإن مفهوم التأهيل في مجال الإجرام المنظم بالخصوص ، ينطوي على مفهوم شامل وعميق في التصدي لهذه الجرائم ، بحيث تشمل الإعداد ،التعليم والتدريب .

إن تأهيل العناصر البشرية للأجهزة الأمنية عامة وتشكيلات سلاح الدرك الوطني خاصة في غاية الأهمية ، تمليه الظروف الأمنية المعاصرة فالساحة الدولية تشهد حاليا أزمات سياسية واقتصادية تولدت على غرارها نشاطات وأفعال جنائية بالغة في التعقيد ، بحيث ظهرت أنشطة لشبكات اجرامية منظمة ومدربة تدريبا متقدما على احدث و أعلى التقنيات الحديثة في أساليبها ووسائلها .

استخدام الكلاب البوليسية
لقد أثبتت العمليات التي استخدمت فيها الكلاب من هذا الحال نجاحا كبيرا الأمر الذي دعى الجهات المعنية بمكافحة المخدرات أو زراعتها إلى طلب الاهتمام بالاستمرار بالتدريب في هذا المجال على الأنواع المختلفة من المخدرات و استخدام كلاب الشرطة في مجال البحث عن المواد المخدرة أسلوب مستحدث و فعال لمكافحة مثل هذا النوع من الجرائم .

تنسيق التعـــــــــــاون:
تنسيق التعاون بين المصالح الأمنية المكلفة بالمكافحة: إن الدرك الوطني هو جزء لا يتجزأ من الجيش الشعبي الوطني و هو كذلك جهاز أمني مثله مثل الأمن الوطني، فهما يمثلان قوة العدالة في تطبيق قوانين الجمهورية
فالدرك الوطني و الأمن الوطني جهازان أمنيان متكاملان حتى و لو اختلفا في تنظيمهما و طرق عملهما و الوسائل المتوفرة لكل منهما .

إن التنسيق بين مختلف أجهزة الأمن ( درك وطني ، أمن وطني و جمارك )لا توجهه مبادئ و لا قوانين، و يبقى رهن تقدير المسؤولين، و الميدان أثبت أن التعاون و التنسيق ما بين أجهزة الأمن بدأ محتشما إلا أنه أصبح في تقدم مستمر و أكثر فعالية.

تاسـعا : الخــــاتمة
أن عملية مكافحة الجريمة الاقتصادية في المجتمع تمثل إحدى عمليات الضبط الاجتماعي و التي يضمن بها المجتمع أمتثال جميع أفراده أو جماعاته للقيم التي يأخذ بها والنظم التي يسير عليها حفاظا لكيانه واستقراره .

وتعمل هيئات مكافحة جرائم المخدرات على استخدام وسائل وإجراءات خاصة تهدف إلى تقييد وحصر والحد من نفوذ النشاط الإجرامي و الحيلولة دون امتداده إلى مجالات أو أماكن أخرى وانتشاره في محيط أوسع و حماية المجتمع من شبكات الإجرام الخطيرة .

وعليه وجب تضافر الجهود من أجل مكافحة هذا النوع من الإجرام ، وذلك بتحضير كفاءات مهنية عالية لأفراد الضبط القضائي بغية تقفي أثر هذا الإجرام بالوسائل الحديثة، وباتخاذ الإجراءات المشروعة المنصوص عليها قانونا ، التي تعطي الحماية الكافية للمكلفين بالتحقيق وذلك لاعتبارات تتعلق بالصالح العام للمجتمع وحمايته من الجريمة.

من خلال قراءة إحصائيات الدرك الوطني لسنة 2008 يتجلى لنا بوضوح أن انتشار المخدرات في الجزائر في تزايد ملحوظ بحجز كمية إجمالية مقدرة ب 30335,405 كغ حيث أن جنوب البلاد احتل الصدارة بكمية قدرت ب 25851,51 كغ، تليها الجهة الغربية ب2866,35 كغ ، ثم وسط البلاد و الولايات الداخلية ب 629,36 كغ وأخيرا الولايات الشرقية التي لم يحجز بها إلا 299,17 كغ .

بينما احتلت الجهة الشرقية للوطن المرتبة الأولى في محجوزات الأقراص المهلوسة بكمية بلغت 7677 قرص ، يليها وسط البلاد ب 2453 قرص ثم الولايات الغربية التي حجز بها 2210 قرص و أخيرا الولايات الجنوبية التي لم يحجز بها إلا 48 قرص فقط.