المنافسة غير المشروعة وحماية المتضرر منها

 

بحث مقدم من القاضي //

أحمد سالم سليم البيايضة

وفقاً لإحكام المادة الخامسة من نظام الدورات والبحوث للقضاة النظاميين رقم 57 لسنة 1994 م

وايفاءً لمتطلبات المادة (20) فقرة ( ب) من قانون استقلال القضاء رقم (15) لسنة 2001م

المقدمة 2007
المنافسة لغة: من نافس فيه: بمعنى رغب على وجه المباراة في الكرم* وكذلك تنافسنا ذلك الأمر* بمعنى تحاسدنا وتسابقناً* وفي التنزيل العزيز فليتنافس المتنافسون أي فليتراغب المتراغبون.

وفي الحديث الشريف أخشى أن تبسط الدنيا عليكم* كما بسطت على من كان قبلكم* فتنافسوها كما تنافسوها)؛ وهو من الشيء الجيد في نوعه* والتنافس نزعة فطرية تدعو إلى بذل الجهد في سبيل التشبه بالعظماء واللحوق بهم.

والمنافسة من سنن الفطرة الكونية للبشر* غايتها التفوق في مجالات الأعمال والأنشطة أياً كانت طبيعتها* وقد لازمت المنافسة النشاط الاقتصادي خاصة حتى اتصفت بكونها أحد الشروط اللازمة لاحترافه.

وفي الاصطلاح القانوني المنافسة هي: نوع من الحرية في ممارسة النشاط الإنساني بصفة عامة* والنشاط الاقتصادي بصفة خاصة* والتي يعترف بها القانون ويضع لها ضوابطها

ويعّرف فقهاء الاقتصاد المنافسة بأنها: هي المنظم لآليات جهاز الأسعار* وهي التي تجعل كل من المنتجين والمستهلكين يتركون أسعار وكميات السلع المطروحة للتداول في السوق حتى تتحدد بشكل تلقائي* من خلال تفاعل قوى العرض والطلب بحرية تامة .

ومن خلال ما سبق يتضح لنا أن المنافسة التجارية المتمثلة في تباري التجار من أجل ترويج تجارتهم* واجتذاب أكبر عدد ممكن من العملاء* تؤدي إلى دفع التجار إلى تحسين مستويات إنتاجهم* وخفض الأسعار* مما يسهم في رفاهية المجتمع.

والمنافسة القائمة على وسائل تنافسية مشروعة* تعدّ حقاً يحميه القانون. لذا فإن المنافسة الحرة الشريفة بين التجار هي عمل مشروع حتى وأن ترتب عليها انحسار عملاء محل تجاري أو منتج معين وانجذابهم إلى محل آخر أو منتج آخر* طالما أنها تتم في جو من الشرف والنزاهة والصدق .

وإذا كان الأصل حرية المنافسة المشروعة* القائمة على قواعد الشرف والأمانة ومراعاة القوانين والأعراف والعادات التجارية* فإن خروج المنافسة عن هذا كله يجعلها تصبح منافسة غير مشروعة* وهنا لا بد من حماية المتضرر منها* ووسيلة هذه الحماية هي دعوى المنافسة غير المشروعة.

وقد أثار موضوع تحديد الأساس القانوني لدعوى المنافسة غير المشروعة جدلاً فقهياً سببه عدم تصدي التشريعات إلى تنظيم أحكام المنافسة غير المشروعة في بادىء الأمر* مما دفع بالقضاء أمام قصورا لتشريع * أن يتدخل لسدّ هذا القصور* سواء عن طريق دوره الإنشائي أو التفسيري* ومن قبل الدور الإنشائي للقضاء في هذا المجال* تقريره لدعوى المنافسة غير المشروعة والتي أسسها على المسؤولية المدنية التقصيرية أو التعاقدية.

وفيما بعد تدخل المشرع ووضع القواعد القانونية لضبط المنافسة* وذلك لضمان وجود منافسة مشروعة* وبذات الوقت حماية المستهلك من الغش والتضليل.

ونجد أن تنظيم حماية المنافسة وضبطها في النظام القانوني الأردني قد مر بثلاث مراحل: الأولى* مرحلة النصوص القانونية المتفرقة في العديد من القوانين ذات الصلة* كما في نصوص مواد قانون العقوبات* أرقام(434) والمتعلقة بعرقلة حرية البيوع بالمزايدة* و(435) والمتعلقة بالمضاربات غير المشروعة*و(436)المتعلقة بالتلاعب بأسعار المواد الغذائية*و(469) والمتعلقة برفع أسعار السلع.

وفي حين خلا قانون التجارة الأردني* من النصوص القانونية التي تحمي المحل التجاري من المنافسة غير المشروعة* نجد أن المشرع قد أحال بنص المادة (39) من قانون التجارة إلى القوانين الخاصة بحماية العناصر المختلفة للمحل التجاري.

وقد نظم هذه الحماية من خلال عدة قوانين كقانون العلامات التجارية الأردني رقم(33)لسنة1952* وقانون براءات الاختراع*وقانون الأسماء التجارية …* والتي تشكل في مجموعها قوانين حماية الملكية الصناعية والتجارية.

أما المرحلة الثانية لتنظيم حماية المنافسة* فقد بدأت بصدور قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية رقم(15) لسنة 2000 * والذي أورد فيه المشرع قاعدة حظر عامة يندرج تحت مظلتها كل سلوك تنافسي غير مشروع * والتي تقضي بأن كل عمل تنافسي يتعارض مع الممارسات الشريفة في الشؤون الصناعية أو التجارية* يعتبر عملاً من أعمال المنافسة غير المشروعة* وقد أورد المشرع على سبيل المثال لا الحصر* بعض صور المنافسة غير المشروعة.(وسيكون هذا القانون محور هذا البحث).

والمرحلة الثالثة* وهي مرحلة تنظيم وضبط آليات السوق بوجه عام* وقد بدأت بصدور قانون المنافسة المؤقت رقم(49) لسنة 2002.

وفي هذا القانون نجد أن المشرع قد انتهج آلية ترتكز على ثلاث محاور أساسية هي:

وبما أن هذا البحث يتمحور حول المنافسة غير المشروعة* فإننا سنبحث هذه المسألة من خلال دراسة صور هذه المنافسة وكذلك دعوى المنافسة غير المشروعة من حيث أساسها القانوني وشروطها* والآثار المترتبة عليها.

وعليه سيتم تقسيم هذا البحث إلى ثلاث فصول وعلى النحو التالي:
الفصل الأول/ ونبحث فيه ماهية المنافسة غير المشروعة وصورها.
الفصل الثاني/ ونبحث فيه الأساس القانوني لدعوى المنافسة غير المشروعة* وشروطها.

الفصل الثالث/ ونبحث فيه دعوى المنافسة غير المشروعة وأثارها.
ونختم هذا البحث* بخاتمة تتضمن أهم نتائج هذه الدراسة* وتوصياتها.

1- حظر الاتفاقيات والتحالفات الأفقية الصريحة والضمنية والهادفة إلى الإخلال بالمنافسة.

2- عدم حظر تواجد المؤسسة في وضعية هيمنة مع حظر أي ممارسة تتضمن إساءة استغلال لهذه الوضعية في السوق.

3- الإجازة المشروطة لعمليات التركز الاقتصادي* والتي تشكل صورة من صور الرقابة السابقة على حالات التركز في السوق.

الفصل الأول
ماهية المنافسة غير المشروعة* وصورها
تمهيد وتقسيم:
الأصل- كما سبق لنا القول- أن المنافسة عمل مشروع* وحق يحميه القانون* والتنافس هو تزاحم التجار أو الصناع على ترويج أكبر قدر من منتجاتهم أو خدماتهم من خلال جذب أكبر عدد ممكن من العملاء

* ويجب أن يتم هذا التنافس والتزاحم بشرف وأمانة ووفقاً لقواعد القانون والعادات التجارية* أما إذا خرج التنافس عن هذا الإطار العام فإنه يعد عملاً غير مشروع* ويترتب عليه قيام المسؤولية القانونية.

لذا نجد أن المشرع قد وضع الضوابط العامة التي تكفل بقاء المنافسة ضمن دائرة المشروعية* ومنع أي سلوك من شأنه إخراج المنافسة إلى دائرة عدم المشروعية* وبذات الوقت نجده قد منع السلوك التنافسي بذاته في حالات معينة بحيث تكون مجرد ممارسة المنافسة عمل غير مشروع وترتب المسؤولية القانونية.

وفي هذا الفصل سنحاول تمييز المنافسة غير المشروعة عن المنافسة الممنوعة.

وبما أن المنافسة غير المشروعة هي مدار البحث فسنعمل على بحث أهم صورها.
وعليه سيتم تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين* الأول ونحاول فيه تمييز المنافسة غير المشروعة عن المنافسة الممنوعة. والثاني* نبحث فيه صور المنافسة غير المشروعة.

المبحث الأول
تمييز المنافسة غير المشروعة عن المنافسة الممنوعة
ولتمييز هاتين الصورتين من المنافسة* فإنه لا بد لنا من تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين: ندرس في الأول* المقصود بالمنافسة غير المشروعة* وفي الثاني* المقصود بالمنافسة الممنوعة.

المطلب الأول
المقصود بالمنافسة غير المشروعة
نجد أن المشرع الأردني في قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية* قد تجنب وضع تعريف محدد للمنافسة غير المشروعة* وهذا موقف محمود للمشرع؛ ذلك إن وضع تعريف محدد لهذا المفهوم سيجعله أكثر جموداً بحيث لا ينسجم مع ما يسود مجتمع التجارة من تطور علمي وفني* مما قد يدفع بالتجار إلى ابتكار أساليب جديدة للتنافس غير المشروع قد يصعب إدراجها ضمن التعريف المحدد للمنافسة غير المشروعة إن وجد. مما يخرجها عن إطار النص القانوني الذي يحظر ممارسة السلوك التنافسي غير المشروع.

وقد اكتفى المشرع بوضع قاعدة عامة تحظر القيام بأي عمل من أعمال المنافسة غير المشروعة* مع إيراد وصف لها وأورد صوراً لبعض هذه الأعمال* وذلك على سبيل المثال لا الحصر.

وقد جاءت القاعدة العامة بوصف المنافسة غير المشروعة بأنها كل منافسة تتعارض مع الممارسات الشريفة في الشؤون الصناعية أو التجارية ومنها على سبيل المثال: الأعمال المؤدية إلى إحداث اللبس بين المتنافسين أو أنشطتهم أو منتجاتهم وكذلك الادعاءات المغايرة للحقيقة وقد تسبب نزع الثقة عن منشأة أحد المنافسين أو منتجاته أو نشاطه* وكذلك الممارسات التي تنال من شهرة المنتج أو تحدث لبساً لدى جمهور المستهلكين* وكذلك أي ممارسة غير مشروعة تتعلق بعلامة تجارية مشهورة في المملكة.

وقد شمل المشرع الخدمات بالخضوع لأحكام المادة الثانية من قانون المنافسة غير المشروعة.

أما عن التعريف الفقهي للمنافسة غير المشروعة* فقد تعددت أراء الفقه في هذا الصدد حيث عرفها البعض بأنها:- (اتجاه التاجر حتى ينتصر على منافسيه إلى وسائل غير شريفة تتنافى مع الأمانة والنزاهة والعادات الجارية في التجارة أو الصناعة بغية اكتساب العملاء وتحقيق أكبر ربح ممكن).

نلاحظ أن هذا التعريف قد اعتمد معيار الأمانة والنزاهة والعادات التجارية* وهذا معيار غير دقيق ولا محدد* ذلك أن العادات التجارية النزيهة* قد تكون فكرة نسبية نتيجة مرونتها واختلافها من مكان إلى آخر* إضافة إلى أن ما كان في زمن معين يمكن اعتباره عادة تجارية قد لا تبقى كذلك بعد فترة من الزمن.

وجانب آخر من الفقه اعتمد على مدى توافر قصد التعدي والإضرار بالمنافسين* فعرف المنافسة غير المشروعة بأنها:-

(استخدام الشخص لطرق ووسائل منافية للقانون والعادات المحمية الجارية في التجارة والصناعة* أو مخالفة للشرف والأمانة والاستقامة التجارية تجاه تاجر آخر بهدف الإضرار به) .

ووفقاً لهذا الرأي فإن المنافسة تكون مشروعة* إلا إذا توافر لدى المنافس سوء نية وقصد تعدي.

إلا أن بعض الفقه قد عارض هذا الرأي وقال:- بأنه لا ضرورة لتوافر سوء النية* بل يكفي وجود فعل تعدي* وإن كان ناتج عن إهمال أو عدم حيطة* وبما أنه قد ينتج عن هذا السلوك التنافسي إضراراً بالغير فإنه يشكل منافسة غير مشروعة .

وجانب آخر يرى أن مجرد وجود هدف تحقيق مكاسب مادية على حساب آخر* وبإتباع وسائل يمنعها القانون* يعدّ منافسة غير مشروعة. ويعرفها بأنها:- (كل عمل في مجال التجارة أو الصناعة أو المال أو الخدمات أو غيرها من المجالات يقوم به شخص* ومن شأنه إلحاق ضرر بشخص منافس أو تحقيق مكاسب على حسابه بإتباع وسائل يمنعها القانون) .

ما نلاحظه على الآراء الفقهية السابقة أنها بالرغم من وجود بعض الاختلافات فيما بينها؛ نتيجة اختلاف الزاوية التي ينظر من خلالها كل جانب من الفقه إلى المنافسة غير المشروعة* إلا أنها جميعاً تنفق حول جوهر عدم مشروعية المنافسة غير المشروعة وهو إتباع وسائل غير مشروعة بذاتها في المنافسة؛

وذلك لمخالفتها للقانون أو العرف أو العادات التجارية.

وإذا ما حاولنا مقارنة مركز هذا الإجماع الفقهي (عدم مشروعية الوسيلة بذاتها) فأننا نجده يتفق مع ما جاء في المادة الثانية من قانون المنافسة غير المشروعة الأردني* وأن الصور الواردة على سبيل المثال* في هذه المادة تتيح للقضاء أن يضيف إليها صوراً أخرى لم يرد النص عليها* وذلك بالاستناد إلى منطق القياس أو الاجتهاد الحر في إطار القاعدة العامة الواردة في متن المادة الثانية.

أما عن موقف القضاء من مفهوم المنافسة غير المشروعة * فقد عرّف القضاء الفرنسي في إحدى قراراته المنافسة غير المشروعة بأنها: (اقتراف أفعال تخالف القوانين وتتنافى مع العادات التجارية…فإذا كانت محاولة اجتذاب العملاء هي روح التجارة فإن إساءة استخدام حرية التجارة التي تسبب ضرراً للغير عمداً أو غير عمد يعد عملاً من أعمال المنافسة غير المشروعة) .

في حين عرف القضاء المصري المنافسة غير المشروعة بأنها:- (ارتكاب أعمال مخالفة للقانون أو العادات* أو استخدام وسائل منافية للشرف* والأمانة في المعاملات* إذا قصد بهذه الأعمال إحداث لبس بين تجارتين أو إيجاد اضطراب بأحدهما* متى كان من شأن ذلك صرف عملاء المنشأة عنها  .

المطلب الثاني
المنافسة الممنوعة
أتضح لنا فيما سبق أن المنافسة غير المشروعة قد اكتسبت صفة عدم المشروعية نتيجة كون الوسائل التنافسية المستخدمة فيها وسائل غير مشروعة* ولم يكن سبب عدم المشروعية هو عدم مشروعية المنافسة بذاتها.

أما في المنافسة الممنوعة* فإن المنافسة بذاتها تمتنع سواء تم استخدام أساليب مشروعة أو غير مشروعة* بمعنى أن مرتكب فعل المنافسة الممنوعة لا يمتلك الحق بالمنافسة* وبالتالي ليس هنالك حدود لحرية المنافس* وإنما إلغاء كامل لهذه الحرية* ويكون المنع بمقتضى نص قانوني أو اتفاق بين الطرفين  .

ففي إطار المنافسة الممنوعة* تكون المنافسة غير مشروعة بالأصل؛ ذلك إن محل المنع هو ممارسة النشاط التنافسي بذاته* ومصدر المنع هو القانون أو الاتفاق* لذا لا يطلب من المتضرر من فعل المنافسة الممنوعة سوى أن يثبت أن هذا الفعل قد جاء مخالفاً لنص قانوني أو اتفاق* في حين أنه في حالة المنافسة غير المشروعة والتي يمكن أن تنجم عن مخالفه العادات التجارية فإنه يتوجب على المتضرر في هذه الحالة أن يثبت العادة التجارية التي تم مخالفتها وأيضاً إثبات مدى الزاميتها  .

فالمنافسة الممنوعة* إما أن يكون مصدر منعها هو القانون أو الاتفاق. وفيما يلي نبحث هذين المصدرين للمنع:
أولاً / المنافسة الممنوعة بنص القانون.

ونبحثها وفقاً للتشريعات الأردنية التي حظرت المنافسة في أحوال وظروف معينة خاصة بكل حالة على حده ونذكر منها:
1- منع الموظف العام والقاضي من ممارسة التجارة بشكل عام.

لذا فإن أي عمل تنافسي تجاري يأتيه موظف عام أو قاضي* لا يبحث في مدى مشروعية وسائله أو غايته بل هو ممنوع بالأصل.

2- حظر المشرع ممارسة بعض المهن دون الحصول على درجة علمية معينة كالصيدلة أو المحاماة…. والتي يشترط لمن يرغب بممارستها توافر شروط أولها الحصول على الدرجة العلمية اللازمة لذلك.

3- منع الشريك في شركة التضامن* والشركة ذات المسؤولية المحدودة* والشركة المساهمة العامة* وشركة التوصية بالأسهم* من ممارسة ذات النشاط الذي تزاوله الشركة إلا بموافقة الشركاء في شركة التضامن* وموافقة الهيئة العامة بأغلبية (75%) من مجموع الحصص المكونة لرأس المال في الشركة ذات المسؤولية المحدودة* والشركات المساهمة العامة وشركات المساهمة الخاصة -وفقاً لأخر تعديلات قانون الشركات الأردني- وشركة التوصية بالأسهم.

4- حالة منح المشرع حقوقاً لصالح أشخاص بعينهم سلطة استعمال هذه الحقوق على سبيل الاحتكار* مما يمتنع معه على غير هؤلاء الأشخاص استعمال هذه الحقوق.

ومن ذلك حق استعمال براءة الاختراع لمدة 20 سنة من قبل مالكها* ومنع استعمال الغير لها طوال هذه المدة دون الحصول على موافقة مالك البراءة.

ثانياً / المنافسة الممنوعة اتفاقاً.
المنافسة الممنوعة اتفاقاً هي:- التي تتم بأفعال مخالفة لشروط اتفاقية إرادية* صريحة أو ضمنية سكت عنها اكتفاء بما ورد في القانون من قواعد مكملة دون النص على ما يخالفها* وتكون هذه الشروط محددة من حيث الزمان والمكان ونوع النشاط وإلا كانت باطلة.

وإذا ما قضى العقد بمنع أحد طرفيه من منافسة الطرف الآخر* فإن أي فعل يأتيه الممنوع من المنافسة يشكل فعل منافسة ممنوعة اتفاقاً* ومن أبرز صور هذه الاتفاقات: عقد بيع أو تأجير المحل التجاري* وعقد العمل* واتفاقات التجار على منع المنافسة أو تنظيمها فيما بين أطراف الاتفاق. ونبحث هذه الصور فيما يلي:-

1- التزام بائع أو مؤجر المحل التجاري بعدم منافسة المشتري أو المستأجر. وعقد بيع أو تأجير المحل التجاري يقتضي وفقاً للغاية من العقد توافر شرط عدم المنافسة.

ذلك أن البائع أو المؤجر يضمن عدم تعرض الغير للمشتري أو المستأجر فأنه من باب أولى يضمن عدم التعرض الشخصي منه بمنافسة المشتري أو المستأجر باعتبار أن غاية العقدين هي تحقيق منفعة مادية وترتكز على عنصر أساسي من عناصر المحل التجاري وهو عنصر العملاء.

لذا لا يجوز للبائع أو المؤجر فتح محل مشابه للمحل المباع أو المؤجر لأن ذلك يعد تعرضاً ويتنافى مع القانون ومع مبدأ تنفيذ العقود بحسن نية.

2- التزام العامل بعدم منافسة صاحب العمل وسبب منع المنافسة هنا أن العاملين في متجر ولا سيما من يتولون إدارته أو الاتصال بعملائه* يقفون على هوية العملاء وعلى الموردين لهذا المتجر وأسعارهم* وتنظيم العمل فيه وأسرار الصنع.

وبالتالي عند تركهم للعمل فإن بإمكانهم إنشاء محل أو العمل في محل مماثل له* مما يمكنهم من منافسة صاحب العمل السابق.

وقد نظم المشرع الأردني هذه المسألة – ابتداءً – في القانون المدني* وذلك عندما أجاز اتفاق صاحب العمل والعامل على أنه:– لا يجوز للعامل أن ينافس صاحب العمل أو يشترك في عمل ينافسه بعد انتهاء عقد العمل* واشترط لصحة هذا الاتفاق أن يكون مقيداً من حيث الزمان والمكان ونوع العمل* وذلك بالقدر الضروري لحماية المصالح المشروعة لصاحب العمل.

وكذلك قيدّ شرط ضمان عدم المنافسة بالا يكون مبالغاً فيه حتى لا تكون الغاية منه إجبار العامل على البقاء لدى صاحب العمل وإلا كان هذا الشرط غير صحيح.

ثم عاد المشرع وأكد تنظيم هذه المسألة من خلال قانون العمل الأردني رقم (8) لسنة 1996. وذلك بنص المادة 19/ب حيث جاء فيها: ” على العامل المحافظة على أسرار صاحب العمل الصناعية والتجارية وأن لا يفشيها بأي صورة من الصور ولو بعد انقضاء عقد العمل وفقاً لما يقضيه الاتفاق أو العرف.”

والسر التجاري وفقاً لقانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية هو: ” أي معلومات تعد سراً تجارياً إذا اتسمت بكونها غير معروفة بصورتها النهائية أو مكوناتها الدقيقة* أو أنه ليس من السهل الحصول عليها وسط المتعاملين عادة في هذا النوع من المعلومات* أو إذا كانت ذات قيمة تجارية نظراً لكونها سرية* أو أن صاحب العمل قد أخضعها لتدابير معقولة للمحافظة على سريتها في ظل الظروف الراهنة.

3- الاتفاقات المبرمة فيما بين المنتجين أنفسهم أو الموزعين أو بين المنتجين والموزعين.

وتكتسب هذه الصورة من صور منع المنافسة أهمية خاصة وذلك لخطورتها على حرية التجارة؛ ذلك أن اتفاق المتنافسين على منع المنافسة يكون المنع فيه ذا نطاق أوسع مما هو عليه الحال في الصور السابقة* ويؤثر بشكل سلبي على القوى العامة للسوق من خلال تأثيره في قواعد العرض والطلب.

وقد تأتي هذه الاتفاقات على صورة اتفاقات تقييد أفقي للمنافسة* تتم بين المتنافسين على مستوى واحد في السوق* فقد تكون بين منتجين أو بين موزعين أو بين بائعي جملة أو تجزئة.

وغالباً ما تكون الغاية منها تحديد أسعار السلع أو الخدمات* أو تحديد كميات الإنتاج أو تقاسم الأسواق بهدف رسم حدود النشاط الذي يمارسه أطرافها* بحيث لا يكون لأي منهم تجاوز هذه الحدود* وبذا يضمن الأطراف تنظيم أو تفادي المنافسة القائمة أو المحتملة سواء فيما بينهم أو من الغير.

ويمكن أن تأتي اتفاقات منع المنافسة على صورة اتفاق رأسي (عقد قصر)* يتم بين المنتجين والموزعين أو بين الموزع وبائع الجملة أو بين بائع الجملة وبائع التجزئة. فهي تتم بين تاجر في مستوى أعلى في السوق مع تاجر في مستوى أدنى* وفيه يتم تقييد الطرف الأدنى مرتبة في السوق* بعدم بيع سلعة أخرى غير التي ينتجها أو يبيعها الطرف الأعلى مرتبة* أو يتم تحديد المنطقة التي يجوز للطرف الثاني البيع بها* وهو ما يعرف (بالحصرية الإقليمية) .

وقد تتضمن الاتفاقات الرأسية أو عقد القصر شرطاً يلزم المنتج أو بائع الجملة بعدم البيع لموزع أو بائع تجزئة آخر في ذات منطقة توزيع الطرف الثاني للاتفاق.

ويرى الاتجاه الغالب من الفقه صحة مثل هذه الاتفاقات* وذلك بتوافر شروط معينة هي:-
1- أن لا تؤدي إلى خلق احتكارات فعلية في السوق.

2- أن لا تؤدي إلى إلحاق الضرر بالمستهلكين نتيجة رفع الأسعار أو تدني الجودة.

3- أن تكون هذه الاتفاقات محددة من حيث الزمان والمكان والموضوع.

أما عن موقف المشرع الأردني من هذه الاتفاقات* فقد جاء واضحاً ومفصلاً في أحكام قانون المنافسة الأردني (المؤقت) رقم (49) لسنة 2002.حيث جاء بنص المادة الخامسة منه: ” يحظر تحت طائلة المسؤولية أي ممارسات أو تحالفات أو اتفاقات* صريحة أو ضمنية* تشكل إخلالاً بالمنافسة أو الحد منها أو منعها*…” .

إذاً فالمشرع الأردني قد تنبه لخطورة هذه الاتفاقات* لذا فقد حظرها من خلال إيراد قاعدة حظر عامة* يمكن أن يندرج تحتها اتفاقات منع المنافسة الرأسية والأفقية* والصريحة والضمنية* إذا كانت من حيث موضوعها أو هدفها أو بفعل الآثار المترتبة على تطبيقها* من شأنها الإخلال بالمنافسة أو الحد منها* وذكر بعض الصور التي يمكن أن تكون هدفاً لهذه الاتفاقات – على سبيل المثال لا الحصر – كتحديد الأسعار أو شروط البيع أو تحديد كميات الإنتاج.

إلا أن المشرع قد أورد استثناء على هذا الحظر يتمثل بالاتفاقات ضعيفة الأثر على أن لا تتضمن هذه الاتفاقات أحكاماً بتحديد الأسعار وتقاسم الأسواق* وتكون الاتفاقات ضعيفة الأثر عندما لا تتجاوز الحصة الإجمالية لأطرافها نسبة (10%) من إجمالي معاملات السوق.

المبحث الثاني
صور المنافسة غير المشروعة
لقد عمد الفقه القانوني مبكراً إلى بحث المقصود بالمنافسة غير المشروعة* وبيان الصور التي يمكن أن ترد عليها* واختلفت الآراء الفقهية في إجمال هذه الصور بتصنيفات يمكن أن يندرج تحت مظلتها أي فعل تنافسي غير مشروع. وقد شكلت هذه الآراء تصنيفاً استندت إليه التشريعات فيما بعد لتحديد ما قد يشكل منافسة غير مشروعة من ممارسات تظهر في ميدان التنافس التجاري.

وعليه نبحث ابتداء صور المنافسة غير المشروعة وفقاً لآراء الفقه* وذلك في مطلب أول* ثم نبحث في المطلب الثاني صور المنافسة غير المشروعة في التنظيم القانوني الأردني.

المطلب الأول
صور المنافسة غير المشروعة في الفقه القانوني
لقد استقر الفقه في فرنسا ومصر على تصنيف أعمال المنافسة غير المشروعة* في غيبة أي تنظيم تشريعي* تحت أربعة عناوين رئيسية هي:-

أولاً / خلق نوع من الخلط أو اللبس. يعد من أعمال المنافسة غير المشروعة كل عمل ينطوي على اعتداء على أي عنصر من عناصر المتجر متى كان الزبائن يعولون على هذا العنصر في تعاملهم مع المتجر.

لأن من شأن هذا الاعتداء أن يؤدي إلى الخلط بين المحلات التجارية* ويوقع الزبائن في اللبس.

ومن أبرز صور الأفعال المؤدية إلى خلق نوع من الخلط أو اللبس لدى الجمهور* استخدام الاسم التجاري المملوك لمحل تجاري منافس * أو تقليد العلامات التجارية أو النماذج والرسوم المملوكة لمحل تجاري آخر.

والتعدي على العلامة التجارية لا يتحقق إلا باستعمال أو تقليد العلامة.

ومن قبيل ذلك استخدام العلامة التجارية المملوكة لتاجر آخر دون ترخيص منه* أو في حالة وجود الترخيص أن يتم استخدامها بصورة مخالفة للترخيص بما يلحق الضرر بمالكها. وتقليد العلامة التجارية* قد يكون بوضع علامة قريبة الشبه من علامة أخرى مملوكة لمنافس آخر.

وقد تأخذ أعمال الخلط أو اللبس صورة تقليد المظهر الخارجي والديكورات التي اتخذها محل تجاري سابق لإلهام الجمهور بأن المحل ينتمي لنفس السلعة التي ينتمي إليها المحل المقلد. وكذلك قد يتم تقليد الإعلانات التجارية وطرق الدعاية التي يتبعها محل تجاري معين.

ثانياً / إتباع أساليب تحقير ووسائل تشويه. قد يلجأ أحد التجار إلى إذاعة معلومات الهدف منها التقليل من شأن منافسه أو منافسيه* وبعث عدم الثقة والشك حول شخصه أو حول مشروعه التجاري أو منتجات هذا المشروع.

ومن أمثلة هذه الأعمال التي تعدّ إساءة لشخص التاجر المنافس: الطعن في وطنيته أو انتمائه القومي أو الادعاء على خلاف الحقيقة بأنه على وشك الإفلاس أو أنه لا يجد من يتعامل معه لضعف ائتمانه* أو بث دعاية كاذبة عنه بأنه سييء السلوك كالادعاء بأنه من رواد موائد القمار أو مدمني المخدرات إلى غير ذلك من الإشاعات التي يكون الغرض منها تشويه سمعة التاجر والعمل على صرف عملائه عن التعامل معه.

أما الأعمال التي يكون من شأنها الحط من قيمة منتجات التاجر المنافس* فمثالها وصف منتجاته أو سلعه بأنها رديئة أو ضارة بالصحة بالنسبة للمنتجات الغذائية أو أنها تحتوي على عناصر حيوانية أو نباتية محرمة بالدين* أو أنها غير مأمونة الاستعمال ويمكن أن تعرض مستخدميها لمخاطر* إلى غير ذلك من معلومات كاذبة تؤدي إلى انصراف زبائن التاجر عن بضائعه.

وقد تتخذ المنافسة شكلاً موضوعياً عن طريق إجراء مقارنة بين منتجات المشاريع المتنافسة* من حيث نوعية المنتجات وثمنها وشروط البيع وإظهار مزايا إحداها على الأخرى* وهذا الشكل من المقارنة يعد نوعاً من التشويه.

ثالثاً / إحداث اضطراب داخلي في مشروع منافس. ويكون إحداث الاضطراب في داخل مشروع منافس* بمثابة اعتداء على التنظيم الداخلي لهذا المشروع ويعد من قبيل المنافسة غير المشروعة لأنه يهدف إلى تخلف المشروع عن سد حاجات العملاء* وصرفهم عن استمرار التعامل معه.

والتاجر يعتمد كثيراً على التنظيم الداخلي لمتجره في جذب زبائنه والمحافظة عليهم* فهو يختار العمال والمستخدمين والفنيين والطاقم الإداري وغيرهم من الذين يعتمد عليهم نشاط المتجر* وقد يترتب على اختلال هذا التنظيم اضطراب نشاط المتجر وانصراف زبائنه* وقد يلجأ المنافس إلى إغواء العاملين في متجر منافسه من خلال إعطائهم الحوافز والمغريات لترك العمل لدى منافسه والعمل لديه.

وقد اعتبرت محكمة النقض المصرية أن خروج تسعة عمال من محل خلال شهر واحد ثم التحاقهم بالعمل في محل منافس له* ثم إعلان المنافس الثاني بالصحف أكثر من مرة عن التحاقهم بالعمل لديه* موجهاً النظر إلى أسماءهم وسبق اشتغالهم لدى منافسه* يعد منافسة غير مشروعة.

رابعاً / إشاعة الاضطراب في السوق. اتضح لنا فيما سبق أن أعمال المنافسة غير المشروعة كانت تتمحور حول مساس بشخص المنافس أو بالمنتج أو الخدمة المنافسة* مما يؤدي إلى انصراف عملاء المنافس عنه أو عما يقدمه من منتجات أو خدمات* فأثر المنافسة يقتصر على المنافس المعتدى عليه أو على منتجه أو خدمته* أما في الأعمال التي تؤدي إلى اضطراب عام في السوق* وعدم استقرار فأنه يقصد منها الانتقاص من قدرة المشروعات المنافسة* والتأثير على قوى العرض والطلب في السوق.

ومن أبرز صور هذه الأعمال تلك التي تتمحور حول الأسعار* فقد يقوم التاجر بتخفيض أسعار بضائعه بدرجة كبيرة تتجاوز الحدود المألوفة في التجارة* كأن يبيع بسعر التكلفة أو بخسارة* وبعد أن يتمكن من جذب عملاء منافسيه يعود إلى رفع السعر* وبذلك يكون قد هدم تجارة غيره وتمتع باحتكار فعلي لسوق السلعة.

ذلك أن البيع بخسارة غالباً ما يهدف إلى إقصاء المنافسين من السوق أو تثبيط همة منافسين آخرين يحتمل دخولهم إلى السوق. إلا أنه في بعض الأحيان قد يكون سبب تخفيض المنافس لأسعاره عائد إلى أنه يحصل على المواد الأولية اللازمة للإنتاج بأسعار منخفضة* ويستخدم تكنولوجيا متطورة في إنتاجه تؤدي إلى خفض كلفة الإنتاج* أو ربما يستخدم طرق تسويق أقل كلفة* وينتج كميات أكبر من غيره.

وفي هذه الحالة لا يشكل البيع بأسعار منخفضة منافسة غير مشروعة حتى وأن نجم عنه انجذاب عملاء غيره من المنافسين إليه.

كذلك لا تعد أعمال التصفية التي تتم عادة في نهاية الموسم الخاص بسلعة ما* من أعمال المنافسة غير المشروعة المؤثرة في السوق.

إذاً ومن خلال ما سبق تتضح لنا المعالم الأساسية لأفعال المنافسة غير المشروعة* والتي يمكن أن يندرج تحت مظلتها أي فعل تنافسي غير مشروع. وقد كان للتصنيف الفقهي السابق أثره في تنظيم وسن التشريعات المتعلقة بالمنافسة غير المشروعة

المطلب الثاني
( صور المنافسة غير المشروعة في التنظيم القانوني الأردني )
جاء قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية الأردني* متضمناً أحكاماً كفيلة بالإحاطة بكافة صور المنافسة غير المشروعة* وقادر على حماية جميع عناصر النشاط التجاري والصناعي* تلك العناصر التي سبق للمشرع وأن تصدى لها بالتنظيم والحماية في قوانين عديدة تشكل في مجموعها قوانين الملكية الصناعية والتجارية.

إلا أنه قد شاب هذه القوانين قصور في بعض جوانب الحماية من المنافسة غير المشروعة إلا أن قانون المنافسة غير المشروعة وبالصيغة الواردة في صدر المادة الثانية منه* قد أورد معياراً عاماً يمكن أن ينطبق على أي فعل غير مشروع في مجال التنافس.وفيما يلي نبحث صور المنافسة غير المشروعة وفقاً لنص المادة الثانية من قانون المنافسة غير المشروعة( )* مراعين في ذلك النصوص الواردة في قوانين الملكية الفكرية والتي تشكل نقاط التقاء مع ما جاء في نص هذه المادة .

ووفقاً للقاعدة العامة في قانون المنافسة غير المشروعة الأردني* فأن معيار عدم مشروعية المنافسة هو ارتكاب ممارسة تتعارض مع الممارسات الشريفة في الشؤون الصناعية والتجارية دون اشتراط توافر قصد التعدي أو سوء النية* فمجرد التعارض مع الممارسات الشريفة يدخل المنافسة ضمن إطار عدم المشروعية. وهو معيار واسع وفضفاض يمكّن القضاء من إضافة صور عديدة لتلك التي أوردها المشرع بنص المادة الثانية والتي جاءت على سبيل المثال لا الحصر.

ونبحثها على النحو التالي:-

أولاً / الأعمال التي بحكم طبيعتها تسبب لبساً مع منشأة أحد المنافسين أو منتجاته أو نشاطه الصناعي أو التجاري. وما نلاحظه على هذه الطائفة من الأعمال أنها تتفق مع الطائفة الأولى في التصنيف الفقهي لصور المنافسة غير المشروعة. وهذه الأعمال من شأنها إحداث الخلط أو اللبس حول التاجر أو منتجاته أو نشاطه أو خدماته (ذلك أن المشرع بالفقرة (ج) من المادة (2)* قد أشار إلى سريان الأحكام الواردة بالفقرة (أ) و (ب) على الخدمات بحسب مقتضى الحال).

وأهم تطبيقات الأفعال التي ينتج عنها هذا اللبس أو الخلط هي:-
1- قيام محل تجاري باستعمال اسم تجاري سبق أن استخدمه محلاً آخر يعمل في نفس نطاق نشاط المحل الجديد.

والاسم التجاري هو الاسم الذي يختاره الشخص لتمييز محله التجاري عن غيره من المحلات والذي يتكون من تسمية مبتكرة أو من اسم الشخص أو لقبه أو منها جميعاً ومع أي إضافة تتعلق بنوع التجارة أو النشاط الذي يمارسه.

وقد جاء في قانون الأسماء التجارية الأردني: أنه يشترط لتسجيل الاسم التجاري أن يكون جديداً غير مستعمل وغير مسجل باسم شخص آخر للنوع ذاته من التجارة أو لنوع مشابه قد يثير اللبس لدى الجمهور وكذلك أن يكون مبتكراً غير شائع الاستعمال في نوع التجارة التي يستخدم لها إلا إذ كان الاسم التجاري يتكون من اسم الشخص أو لقبه أو كنيته… .

وكذلك لا يجيز القانون تسجيل الاسم التجاري الذي يمكن أن يثير اللبس لدى الجمهور* وللنوع ذاته من التجارة أو لنوع مشابه قد يثير اللبس.

وما نلاحظه على الحماية القانونية التي وفرها المشرع للاسم التجاري باعتباره أحد عناصر المحل التجاري* أنها تجد أساسها بالأصل في قانون الأسماء التجارية والذي حظر ابتداء تسجيل الاسم التجاري الذي قد ينجم عنه منافسة غير مشروعة* ثم أجاز بعد ذلك لمسجل الأسماء التجارية من تلقاء نفسه أو بناء على طلب يقدمه ذو المصلحة أن يقرر شطب الاسم التجاري من السجل إذا كان تسجيله قد تم خلافاً لأحكام القانون أو صدر قرار من المحكمة بشطبه أو إذا ثبت عدم مزاولة مالكه للتجارة لمدة خمس سنوات متصلة.

كذلك أعطى الحق لمالك الاسم التجاري برفع دعوى مدنيه لمنع التعدي وأن يتقدم بطلبات مستعجلة لوقف التعدي أو الحجز التحفظي على أي بضائع أو مواد ذات صلة بالتعدي أو للمحافظة على الأدلة ذات الصلة بالتعدي.

وبالرغم من وجود هذه الحماية ضمن قانون الأسماء التجارية إلا أنه بالإمكان حماية الاسم التجاري بالاستناد لنص المادة (2) من قانون المنافسة غير المشروعة من أي فعل اعتداء على الاسم التجاري ويشكل منافسة غير مشروعة* ولم يرد النص عليه في قانون الأسماء التجارية.

2- استعمال أو تقليد علامة تجارية مملوكة للغير
العلامة التجارية نوعان: علامة مميزة لمنتجات وعلامة مميزة لخدمات. والعلامة التجارية هي: أي إشارة ظاهرة يستعملها أو يريد استعمالها أي شخص لتمييز بضائعه أو خدماته عن بضائع أو منتجات أو خدمات غيره.

والتعدي على العلامة التجارية لا يتحقق إلا باستعمال أو تقليد العلامة. وتتحقق المنافسة غير المشروعة هنا باستخدام ذات العلامة التجارية أو علامة مشابهة تخص الغير لوضعها على منتجات تاجر آخر دون أذن مالكها* أو استخدام هذه العلامة للإعلان عن منتجات تاجر آخر أو الادعاء الباطل بتسجيل العلامة التجارية.

هذا على المستوى المحلي. أما على المستوى الدولي فقد أصبحت تستخدم بعض العلامات التجارية المشهورة من قبل غير أصحابها* كوسيلة لتسويق منتجاتهم عبر وسائل الاتصال الحديثة وخاصة الإنترنت.

وسوف نبحث ابتداءً في الحماية المدنية للعلامة التجارية في قانون العلامات التجارية الأردني وقد جاءت على النحو التالي:-

أ. تبدأ حماية العلامة التجارية في قانون العلامات التجارية بوسيلة وقائية؛ وذلك من خلال حظر المشرع تسجيل العلامة التجارية التي قد يؤدي تسجيلها واستخدامها إلى اللبس والمنافسة غير المشروعة.

فقد حدد المشرع حالات عديدة لا يجوز فيها تسجيل العلامة ومنها إذا كان من شأن هذه العلامة إحداث لبس أو يترتب عليها منافسة غير مشروعة أو لكونها تدل على غير مصدرها الحقيقي. (ونأتي على تفصيل أكثر في مسألة المصدر غير الحقيقي فيما بعد).

وقرار المسجل برفض تسجيل العلامة التجارية خاضع للطعن به أمام محكمة العدل العليا* وقد جاءت قرارات عديدة للمحكمة مؤيدة قرار المسجل برفض تسجيل العلامة كونها تؤدي إلى لبس ومنافسة غير مشروعة.

وقد تصدت محكمة التمييز لوضع معايير تقرير مدى وجود تشابه بين العلامة المسجلة والعلامة التي يشكل تسجيلها منافسة غير مشروعة وهي.:-

1- الفكرة الأساسية التي تنطوي عليها العلامة التجارية المسجلة.
2- المظاهر الرئيسية للعلامة التجارية وليس تفاصيلها الجزئية.
3- نوع البضاعة التي تحمل العلامة.
4- احتمال وقوع التباس بينها وبين العلامة الأخرى عن طريق النظر إليها أو سماع اسمها.
5- أن العبرة للجزء الرئيسي في العلامة.
6- عدم افتراض أن المستهلك عند شراء البضاعة يفحص علامتها التجارية فحصاً دقيقاً أو يقارنها بالأخرى.

ب. الاعتراض على قرار قبول تسجيل العلامة. فقد منح قانون العلامات التجارية الأردني أي شخص الحق في الاعتراض لدى المسجل على تسجيل أية علامة تجارية وذلك خلال ثلاثة أشهر من تاريخ نشر إعلان تقديم الطلب أو من خلال مدة أخرى تعين لهذا الغرض.

ولا يشترط في مقدم الاعتراض أن يكون له مصلحة شخصية مباشرة في طلب رفض تسجيل العلامة وإنما يجوز لأي شخص من الجمهور أن يعترض على طلب التسجيل حتى لا يؤدي تسجيلها إلى غش الجمهور.

إلا أن هذا لا يمنع من أن يكون طالب رفض التسجيل لديه مصلحة شخصية ومباشرة لامتلاكه علامة تجارية مشابهة للعلامة المطلوب تسجيلها.

ج. شطب (ترقين) العلامة التجارية. حيث يجوز لأي شخص ذي مصلحة أن يطلب من مسجل العلامات التجارية إلغاء تسجيل أية علامة تجارية مسجلة لغيره إذا لم يستعملها فعلياً وبصورة مستمرة خلال السنوات الثلاث التي سبقت الطلب .

وكذلك يجوز تقديم طلب لحذف علامة تجارية من السجل بسبب عدم وجود ما يسوغ تسجيلها بمقتضى أحكام المواد (8*7*6) في هذا القانون أو بسبب أن تسجيل تلك العلامة تنشأ عنه منافسة غير عادلة بالنسبة لحقوق الطالب في المملكة. على أن يقدم الطلب خلال خمس سنوات من تسجيل تلك العلامة.

وجاء في تطبيق طلب الشطب القرار الصادر بالدعوى رقم 118/1992* حيث تقدمت شركة خرفان أخوان (شركة مستوردة للسجائر) بطلب شطب العلامة التجارية (فايسروي) بالاستناد لنص المادة (22) من قانون العلامات التجارية* كون الشركة مالكه العلامة لم تستخدمها لمدة سنتين قبل تقديم الطلب. إلا أن محكمة العدل العليا قد رفضت شطب العلامة لعدم توافر شرط المصلحة المطلوب توافره وفقاً لنص المادة (22) من قانون العلامات لتجارية.

إلا أن حق صاحب المصلحة بطلب شطب العلامة مقيد بمدة خمس سنوات من تاريخ تسجيل العلامة* وإلا سقط حقه بعد ذلك. والسبب في تحديده مدة خمس سنوات هو أنها قد تكون كافية للغير للطعن في تسجيل العلامة * وأن الجمهور ثبت في ذهنه خلال هذه الفترة عائديه العلامة والبضاعة أو الخدمة التي تميزها.

وشطبها بعد ذلك يعد مساساً بثقة الجمهور بها* وتخلق لبساً لدية إذا سجلت باسم غيرة بعد مرور خمس سنوات* وفي حال نجاح دعوى الترقين وشطب العلامة فإن النتيجة تنحصر بشطب العلامة* دون إمكانية طلب التعويض عن استخدام العلامة وفقاً لقانون العلامات التجارية الأردني.

د– طلب منع استعمال العلامة المشهورة. والعلامة المشهورة هي العلامة التجارية ذات الشهرة العالمية التي تجاوزت شهرتها البلد الأصلي الذي سجلت فيه واكتسبت شهرة في القطاع المعني من الجمهور في المملكة الأردنية الهاشمية.

وقد وضع الفقه معايير للاستعانة بها لمعرفة مدى شهرة العلامة التجارية*

وهي: معيار موضوعي ينظر إلى العلامة التجارية بذاتها* ومدى الشهرة التي حققتها من خلال تخطيها لحدود الإقليم الذي تم تسجيلها فيه* إضافة إلى حجم الدعاية والإعلان الذي يتم بمقتضاه ترويج هذه العلامة في السوق الدولية* ومدى تحقيق الانتشار والشيوع لهذه العلامة* الأمر الذي يترتب عليه زيادة حجم توزيع السلع والخدمات التي تحمل هذه العلامة بشكل يفوق العلامات التجارية الأخرى.

أما المعيار الآخر فهو معيار شخصي يقوم على أساس معرفة الجمهور المعنى بالعلامة والذي يتحدد بالمستهلكين الفعليين والمحتملين لنوع السلعة أو الخدمة التي تميزها العلامة إضافة إلى الأوساط التجارية التي تتعامل في نوعية السلع والخدمات التي تميزها العلامة. والمعيار الأخير هو المعيار المكاني والذي يقوم على أن شهرة العلامة تتحدد مكانياً بالدولة التي يطلب فيها حماية هذه العلامة .

وقد أجاز المشرع لمالك العلامة التجارية المشهورة وإن لم تكن مسجلة أن يرفع دعوى منع استعمالها من قبل الغير على منتجات أو خدمات مماثلة أو غير مماثلة شريطة أن يدل الاستعمال لهذه العلامة على صلة بين تلك المنتجات أو الخدمات وبين العلامة المشهورة.

واحتمال أن تتضرر مصالح صاحب هذه العلامة نتيجة هذا الاستعمال. ويفترض احتمال حدوث لبس في حالة استعمال علامة تجارية مشهورة مطابقة على منتجات مماثلة.

وحماية العلامة التجارية المشهورة أخذت اتجاهين: الأول* منع تسجيل العلامة التي تشابه علامة تجارية مشهورة.

والثاني* منع استعمال العلامة التجارية المسجلة والمشابهة لعلامة تجارية مشهورة* بناء على طلب يتقدم به مالك العلامة المشهورة* إلا أن هذه الحماية لا تصل إلى حد إعطاء الحق لمالك العلامة التجارية المشهورة وغير مسجلة بالأردن أن يطالب مستعمل علامته أو العلامة المشابهة لها بالتعويض عما لحقه من ضرر جراء هذا الاستعمال.

هـ– حماية العلامة التجارية المسجلة وإعطاء الحق لمالكها بطلب التعويض. فقد أضفى المشرع الأردني الحماية على العلامة التجارية المسجلة ورتب مسؤولية جزائية على تزوير أو تقليد العلامات المسجلة في الأردن.

وفيما يتعلق بالحماية المدنية(وهي مدار البحث) فقد نظمها المشرع ونظم الإجراءات الوقتية أو التحفظية الكفيلة بحماية العلامة التجارية المسجلة* وأعطى مالك العلامة التجارية المسجلة الحق برفع الدعوى المدنية للمطالبة بالتعويض أو تقديم الطلبات التحفظية سواء عند إقامة الدعوى المدنية أو الجزائية أو أثناء النظر فيها أو تقديم طلب مستقل لوقف التعدي والحجز التحفظي على البضائع التي ارتكب التعدي بشأنها أينما وجدت* والمحافظة على الأدلة ذات الصلة بالتعدي .

إذاً فقانون العلامات التجارية يضمن حماية قانونية شاملة للعلامة التجارية المسجلة.

إلا أنّه يمكن تصور حالة أن تكون العلامة التجارية المسجلة قد حصل اعتداء عليها مصدره استخدام علامة أخرى مسجلة ومستوفية لشرائط الحماية أيضاً* لكنها مشابهة أو يمكن أن تحدث اللبس رغم ذلك* وفي هذه الحالة يمكن أن تصبح العلامة المسجلة دون أي نوع من الحماية أن كانت انقضت السنوات الخمس لترقين العلامة* فلا يعود ثمة وسيلة لمنع الاعتداء من مستخدم العلامة المشابهة(وفقاً لقانون العلامات التجارية).

بعد هذا العرض لوسائل حماية العلامة التجارية في قانون العلامات التجارية* نجد أن قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية* قد تجاوز جميع جوانب النقص التي مرت بنا في قانون العلامات التجارية.

ذلك أنه وبالاستناد لمعيار التشابه وأحداث اللبس الوارد فيه يمكن حماية أية علامة تجارية من أية صورة من صور المنافسة غير المشروعة.

وكذلك تمكن المشرع من تلافي النقص الحاصل بالنسبة لحماية العلامة التجارية غير المسجلة* عندما أضفى الحماية على العلامة التجارية المستعملة في المملكة سواء أكانت مسجلة أم غير مسجلة وأدى الاعتداء عليها إلى تضليل الجمهور والمنافسة غير المشروعة

* وسواء كانت علامة منتجات أو علامة خدمات.

أيضاً يمكن بالاستناد لقانون المنافسة غير المشروعة تلافي النقص الحاصل في وسيلة الحماية المتمثلة بترقين العلامة التجارية حيث يجوز رفع دعوى المنافسة غير المشروعة حتى إذا مر على تسجيل العلامة أكثر من خمس سنوات* وأيضاً ما يتعلق بحق الاعتراض حتى وأن لم يعترض أحد على تسجيل العلامة وتم تسجيلها فإن ذلك لا يمنع من إقامة دعوى المنافسة غير المشروعة في حال قيام أسبابها* أيضاً فيما يتعلق بالعلامة المشهورة فإنه إضافة إلى طلب منع استعمالها* يمكن لمن لحقه ضرر جراء هذا الاستعمال أن يطلب تعويض ضرره.

إضافة إلى ما سبق من أعمال تؤدي إلى أحداث اللبس فإن هنالك أعمال لا تدخل ضمن ما سبق تناوله تؤدي إلى حدوث اللبس والمنافسة غير المشروعة.

ثانياً / الادعاءات المغايرة للحقيقة في مزاولة التجارة والتي قد تسبب نزع الثقة عن منشأة أحد المنافسين أو منتجاته أو نشاطه الصناعي أو التجاري.
والادعاءات هنا موجهة تجاه منشأة المنافس أو منتجاته أو نشاطه التجاري أو الصناعي وهي تتفق مع الطائفة الثانية من أعمال المنافسة غير المشروعة الواردة في التصنيف الفقهي الذي سبق لنا بحثه لذا نحيل بحث هذا المسألة إلى ما سبق لنا تناوله في التصنيف الفقهي.

ثالثا / البيانات أو الادعاءات التي قد يسبب استعمالها في التجارة تضليل الجمهور فيما يتعلق بطبيعة المنتجات أو طريقة تصنيعها أو خصائصها أو كمياتها أو صلاحيتها للاستعمال.

وتدخل أيضاً هذه الطائفة ضمن الطائفة الثالثة من التصنيف الفقهي. والبيانات والادعاءات هنا غير موجهة إلى منشأة منافس أو منتجاته أو نشاطه التجاري أو الصناعي بل تنصب على ما ينتجه التاجر نفسه.

من وضع بيانات أو الادعاء بأمور غير صحيحة حول منتجاته.

وتعد البيانات والمعلومات الخاصة بكل سلعة أو خدمة من بين الأمور ذات الأهمية لدى العملاء* مثل المنشأ والمواصفات* ذلك أن جودة البضائع تختلف بحسب البلد والشركة التي قامت بتصنيعها* وبحسب مواصفاتها.

وقد يلجأ بعض التجار إلى وضع ملصق على المنتجات ينسبها فيه إلى دول صناعية مشهورة في مجالها كما في الساعات بأنها سويسرية والعطور فرنسية أو الأحذية إيطالية*…

وقد يتم وضع بيانات غير صحيحة عن المواد الداخلة في تركيب المنتج* أو حول نسب هذه المواد. مما يؤدي إلى تضليل المستهلك الذي يقوم بالشراء بناء على تلك البيانات.

وقد تأخذ الادعاءات التي تسبب تضليل الجمهور حول طبيعة المنتجات وسيلة انتحال ألقاب أو صفات لا وجود لها* كأن يدعي أنه حاصل على جوائز أو درجات فخرية* أو أن السلعة التي ينتجها ذات مواصفات خاصة على خلاف الواقع* أو أنها حاصلة على علامة جودة عالمية(كالأيزو).

أو قد تأخذ صورة الإعلان المضلل أو الكاذب* ومعيار تحديد ما إذا كانت الإعلان مضللاً أو كاذباً هو مدى مطابقة المعلومات أو البيانات أو الادعاءات التي تضمنها لواقع حال السلعة أو الخدمة المعلن عنها.

وتنبع خطورة استخدام بيانات أو ادعاءات غير صحيحة حول المنتجات من سلع وخدمات في أن أثرها الضار والمضلل لا يقتصر على منافس بعينه* بل يمتد للسوق برمته* فيحدث اضطراب عام في السوق* ويتأثر به المستهلكين والمنافسين كافة .

وقد تناول المشرع الأردني مسألة البيانات والادعاءات السابق تناولها. في كل من قانون علامات البضائع رقم(19) لسنة 1953* وقانون المؤشرات الجغرافية رقم(8) لسنة 2000 .

وقد ركز قانون علامات البضائع على مسألة الوصف التجاري الزائف للبضائع وعرفه بأنه:

كل وصف تجاري غير صحيح من وجهة جوهرية* يتعلق بالبضائع التي أستعمل لها وتشمل كل تغيير في الوصف التجاري سواء أكان ذلك إضافة أو محواً أو غير ذلك إذا أصبح الوصف من جراء ذلك التغيير غير صحيح من وجهة جوهرية* ولا يمنع كون الوصف الزائف علامة تجارية أو جزءاً من علامة تجارية اعتباره وصفاً تجارياً زائفاً حسب مفاد القانون .

وتعني عبارة الوصف التجاري كل وصف أو بيان أو آية إشارة أخرى مما يشير مباشرة أو غير مباشرة إلى: رقم البضائع أو مقدارها أو مقياسها أو وزنها أو المكان أو البلاد التي صنعت أو أنتجت فيها البضائع أو استخرجت منه* أو طريقة صنع البضائع أو إنتاجها أو المواد المؤلفة منها البضائع أو كون البضائع تتمتع بامتياز أو بحق طبع لا يزال معمولاً به.

وتنطبق أحكام الوصف التجاري الزائف على استعمال آيه أرقام أو كلمات أو علامات أو إشارات أو خليط منها سواء أكانت تشمل علامة تجارية أو لم تشمل ومن شأنها أن تحمل على الاعتقاد بأن البضائع هي من مصنوعات أو تجارة شخص غير الشخص الذي يتعاطى صنعها أو الاتجار بها.

وقد تضمن القانون تنظيم للمسؤولية الجزائية عن استعمال الوصف الزائف.

في حين نجد أن المشرع قد عالج مسألة منشأ المنتج وكذلك نظم إقامة الدعوى المدنية لمنع التعدي على المؤشر الجغرافي.

وقد عرف المؤشر الجغرافي بأنه:” أي مؤشر يحدد منشأ منتج ببلد معين أو بمنطقة أو بموقع معين من أراضيه* إذا كانت نوعية المنتج أو شهرته أو خصائصه الأخرى تعود بصورة أساسية إلى ذلك المنشأ.

وقد حظر المشرع على أي شخص استعمال المؤشر الجغرافي بشكل غير حقيقي أو أن يؤدي استعمال هذا المؤشر إلى منافسة غير مشروعة تتعارض مع الممارسات الشريفة في الأنشطة الصناعية والتجارية”.

وقد أعطى المشرع لمسجل العلامات التجارية الحق برفض تسجيل أي علامة تجارية إذا تكونت من مؤشر جغرافي أو احتوت عليه وكانت متعلقة بمنتج من منشئ غير ما يوحي به استعمال ذلك المؤشر.

وأجازت الاعتراض على تسجيل العلامة المكونة من مؤشر جغرافي غير صحيح.

كذلك أجاز المشرع رفع دعوى منع التعدي على المؤشر الجغرافي إضافة إلى إمكانية تقديم طلبات تحفظية مستعجلة* لوقف التعدي أو الحجز التحفظي على المنتجات ذات الصلة بالتعدي.

إلا أن المشرع لم يعطي المتضرر من استخدام مؤشر جغرافي غير صحيح الحق بطلب التعويض.

رابعاً / أي ممارسة قد تنال من شهرة المنتج أو تحدث لبساً فيما يتعلق بمظهرة الخارجي أو طريقة عرضه أو قد تضلل الجمهور من الإعلان عن سعر المنتج أو طريقة احتسابه.

وحقيقة أن الممارسات الواردة بهذه الفقرة لا تخرج عن دائرة ما تم إيراده في الفقرات السابقة. باستثناء ما يتعلق منها بالتضليل حول سعر المنتج وطريقة احتسابه* وكان بإمكان المشرع إن يضيف ذلك إلى أحد الفقرات السابقة* دون حاجة لأفراد فقرة مستقلة له.

و مسألة أن يستخدم الإعلان عن السعر كوسيلة للتنافس غير المشروع وتضليل المستهلك.

يمكن لنا تصور ذلك من خلال عدة حالات منها أن يتم إجراء عروض بيع لمواد عديدة* أو كميات معينة وبصفقة واحدة باعتبار أن بيعها بهذه الصورة ينجم عنه تخفيض السعر. لكن الحقيقة أن السعر قد لا يختلف عما إذا بيعت كل سلعة بشكل منفصل.

وكذلك قد يتم الإعلان عن السلعة بأنها تحتوي على مجموعة ميزات موجودة في أكثر من سلعة أخرى* وعند حساب المستهلك لكلفة كل سلعة بشكل منفصل* يجد أن السلعة المعلن عنها والمشتملة على ميزات عدة سلع تكون كلفتها أقل بالنسبة له* فيقدم على شرائها بالرغم من عدم صحة الإعلان.

خلاصة بحثنا للقوانين ذات الصلة بالحماية من المنافسة غير المشروعة أنها جميعها يكتنفها النقص في بعض جوانب الحماية إلا أن قانون المنافسة غير المشروعة قد جاء وسدّ جوانب النقص هذه.

الفصل الثاني
( الأساس القانوني لدعوى المنافسة غير المشروعة وشروطها)
تمهيد وتقسيم
أتضح لنا في الفصل السابق أن دعوى المنافسة غير المشروعة قد ابتدعها الفقه والقضاء* وقاما بإرساء دعائهما. وقد أقاماها ضمن إطار المسؤولية التقصيرية* باعتبار أن أساسها هو فعل المنافسة غير المشروع* والذي يُعَدُّ خطأ يلزم مرتكبه بالتعويض لمن لحقه ضرر وفقاً للقواعد العامة في المسؤولية عن العمل غير المشروع.

إلا أن الآراء الفقهية لم تتخذ صفة الإجماع على هذا الرأي* فجانب يرى أنها جزاء للتعسف في استعمال الحق* وجانب آخر يرى أنها دعوى عينية غايتها حماية حق الملكية للمنافس.

ومرجع اختلاف الفقه هو خصوصية دعوى المنافسة وخصوصية التعامل مع شروطها.

وعليه سيتم تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين*

نتناول في المبحث الأول:

الأساس القانوني لدعوى المنافسة غير المشروعة بوجه عام*

ثم في المبحث الثاني نبحث: شروط هذه الدعوى.

المبحث الأول
الأساس القانوني لدعوى المنافسة غير المشروعة
أستقر القضاء وغالبية الفقه في كل من فرنسا ومصر على اعتبار دعوى المنافسة غير المشروعة دعوى مسؤولية تقصيرية.

وكذلك الأمر في الأردن حيث لا يختلف الأساس القانوني لدعوى المنافسة غير المشروعة عن الأساس الذي أخذ به الرأي الغالب في الفقه والقضاء فهي دعوى مسؤولية عن الفعل الضار.

ونبحث الآراء الفقهية حول أساس هذه الدعوى في مطلب أول* ونبحث في المطلب الثاني أساس هذه الدعوى في القانون الأردني.

المطلب الأول
موقف الفقه من الأساس القانوني لدعوى المنافسة غير المشروعة

تعددت الآراء الفقهية حول أساس دعوى المنافسة غير المشروعة على النحو التالي:-
أولاً: رأي يرى أنها تقوم على ذات أساس المسؤولية التقصيرية.
وكما هو معلوم بأن المسؤولية التقصيرية تركز على أركان ثلاثة هي الخطأ والضرر والعلاقة السببية* ويرى أيضاً هذا الرأي أن فعل المنافسة غير المشروع يعتبر خطأً يلزم من ارتكبه بتعويض من لحقه ضرر.

إلا أن هذا الرأي قد وجه له النقد* فمن ناحية يرى المعارضون لهذا الرأي أن فكرة الخطأ والتي تعد ركناً أساسياً في المسؤولية التقصيرية* تبدو قاصرة في مجال المنافسة غير المشروعة* وذلك لتعدد الأفعال التي يتعذر فيها معرفة الخطأ* وأن دعوى المنافسة غير المشروعة قد ثبتت رغم عدم وجود خطأ أو ضرر.

وضرورة وجود الخطأ هو مبدأ أنشأه القضاء الفرنسي من خلال المادة (1382) من القانون المدني الفرنسي* وقضت محكمة النقض الفرنسية بذات الأساس بقولها: “إن دعوى المنافسة غير المشروعة أو غير الشريفة لا تستطيع أن تؤسس إلا من خلال النصوص التشريعية للمواد (1382) مدني فرنسي وما بعدها والتي تستلزم خاصة وجود خطأ باشره المدعى عليه” .

أيضاً يرى المعارضون لهذا الرأي أن دعوى المسؤولية التقصيرية تهدف إلى تعويض الضرر فحسب* في حين أن دعوى المنافسة غير المشروعة قد تتجاوز تعويض الضرر إلى اتخاذ المحكمة لإجراءات تمنع وقوع الضرر مستقبلاً* أي أن الدعوى الأولى تعد وسيلة علاجية في حين أن الثانية يمكن أن تشكل إضافة لذلك وسيلة وقائية بالنسبة للمستقبل.

ويضيف المعارضون حجة أخرى مفادها أن التعويض في المسؤولية التقصيرية يتم تقديره بمقدار الضرر المتحقق* في حين أنه في المسؤولية عن المنافسة غير المشروعة ونتيجة لصعوبة تقدير قيمة الضرر* وقد تحكم المحكمة بالتعويض بصورة جزافية دون ربطة بالضرر المتحقق فعلاً* وأن المحكمة لا تشترط لرفع دعوى المنافسة غير المشروعة أن يكون الضرر محققاً* بأن يكون قد وقع فعلاً أو سيقع حتماً* إنما تكتفي بمجرد احتمال وقوع الضرر.

ونتيجة للانتقادات السابقة* فقد حاول المعارضون لها إيجاد نظرية يمكن تأسيس المسؤولية في المنافسة غير المشروعة على أساسها* فذهبوا إلى أن هذه الدعوى تقوم على أساس مبدأ التعسف في استعمال الحق.
ثانياً / التعسف في استعمال الحق.

ويرى القائلون بهذه الفكرة* أن المنافسة هي بحسب الأصل عمل مشروع* فإذا جانب التاجر هذا السلوك المشروع وانحرف عنه* فإنه لا يعتبر مرتكباً لخطأ تقصيري وإنما يعد متعسفاً في استعمال الحق المقرر له والمألوف وفقاً لعادات وأعراف التجارة.

ونظرية التعسف في استعمال الحق تتحدد بأربعة معايير لا بد من توافرها للقول بوجود تعسف في استعمال الحق* وهي:

1- قصد التعدي أو قصد الإضرار بالغير* ويتحقق التعدي إذا كان قصد إحداث الضرر هو العامل الأصلي الذي غلب عند صاحب الحق وهو يستعمل حقه للإضرار بالغير* وإن كان هذا القصد مصحوبا بنية جلب المنفعة لصاحب الحق كعامل ثانوي* سواء تحققت هذه المنفعة أو لم تتحقق.

2- عدم مشروعية المصلحة المرجوة من الفعل* ومعيار عدم مشروعية المصلحة أو الغرض غير المشروع يتلخص في أن صاحب الحق يكون متعسفاً في استعمال حقه إذا كانت المصلحة التي يرمي إليها غير مشروعة؛ فالقانون عند إعطاءه الحقوق لأصحابها يهدف إلى تحقيق أهداف معينة* وإذا انحرف صاحب الحق في استعمال حقه عن هذا الهدف* كان متعسفاً وتحققت مسؤوليته.

والمصلحة لا تكون غير مشروعة إذا كان تحقيقها يخالف حكماً من أحكام القانون فحسب إنما يتصل بها هذا الوصف أيضا إذا كان تحقيقها يتعارض مع النظام العام أو الآداب.

3- عدم التناسب بين المنفعة من استعمال الحق وما يصيب الغير من ضرر* وهنا يكون استعمال الشخص لحقه تعسفاً* إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها* ومن يفعل ذلك* فهو إما عابث مستهتر لا يبالي بما يصيب الناس من ضرر بليغ لقاء منفعة ضئيلة يصيبها لنفسه* وإما منطو على نية خفية يضمر بها الإضرار بالغير تحت ستار من مصلحة غير جدية أو مصلحة محدودة الأهمية يتظاهر أنه يسعى إليها.

4- تجاوز ما جرى عليه العرف والعادة في استعمال الحق* فالمضار العادية التي قد تنجم عن استخدام الشخص لحقوقه لا تعد تعسفاً في استخدام الحق* أما إذا تجاوزت المضار ما جرى عليه العرف والعادة* فإنها تعد تعسفاً.
وقد وجه الفقه النقد لفكرة تأسيس دعوى المنافسة غير المشروعة على أساس أنها جزاء للتعسف في استعمال الحق منطلقين من المعايير التي تقوم عليها بالأصل فكرة التعسف في استعمال الحق.

وحجتهم في ذلك أن أحكام دعوى المنافسة غير المشروعة لا يمكن أن تعتبر تطبيقاً لأي واحد من المعايير المأخوذ بها في نظرية التعسف في استعمال الحق* ولا يمكن أن تصدق عليها أظهر معايير التعسف في استعمال الحق وهو معيار قصد الإضرار* باعتبار أن قصد الإضرار بالغير يكمن في صميم كل منافسة ولو كانت منافسة مشروعة.

وأيضاً أن هنالك تعارض بين التعسف في استعمال الحق المستند على غاية وبين المنافسة غير المشروعة المستندة على الوسائل المستعملة.

ونتيجة لهذا النقد حاول بعض الفقه ابتداع فكرة أن دعوى المنافسة غير المشروعة تقوم على أساس أنها دعوى عينية غايتها حماية ما يتمتع به التاجر من حق ملكية على متجره.

ثالثاً / أن دعوى المنافسة غير المشروعة من الدعاوى العينية.
ويرى أنصار هذا الرأي أن أساس دعوى المنافسة غير المشروعة هو حماية ما يتمتع به التاجر من حق ملكية على متجره* لذا فإن أي اعتداء يقع على عناصر هذا الحق يعتبر منافسة غير مشروعة توجب المساءلة القانونية* لأن من شأن هذا الاعتداء تحويل عملاء المتجر وجذبهم إلى غيره من المتاجر التي تزاول ذات النشاط* وأن هذه الدعوى التي تهدف إلى منع الاعتداء الذي وقع على المتجر في الماضي ومنع استمرار هذا الاعتداء في المستقبل* وبذا تعد أقرب إلى دعوى الملكية منها إلى دعوى المسؤولية المدنية* فهي تقترب من دعوى الاستحقاق التي تحمي حق الملكية على الأشياء المادية.

إلا أن المعارضين لهذا الرأي يرون- وبحق- أن التاجر لا يتمتع بحق ملكية على عملائه بحيث يكون من حقه منعهم من التعامل مع التجار الآخرين أو منع التجار من التعامل معهم.

فالعملاء من حقهم اختيار السلعة التي يرغبون بها* أو التاجر الراغبين في التعامل معه* إضافة إلى احتمالية تغيرّ أذواق العملاء ورغباتهم تجاه سلعة معينة* ويضيف المعارضون حجة أخرى مفادها أن أحكام القضاء لا تكتفي بمجرد انصراف العملاء* بل تستلزم أن يكون المتعدي قد ارتكب خطأ ولو كان غير عمدي.

ومن خلال استعراضنا للآراء السابقة نرى مع الجانب الغالب من الفقه أن أساس دعوى المنافسة غير المشروعة يقوم على أساس دعوى المسؤولية التقصيرية مع مراعاة الطبيعة الخاصة لدعوى المنافسة غير المشروعة* باعتبارها نوعاً خاصاً من دعاوى المسؤولية* وهذه الطبيعة الخاصة ناتجة عن طبيعة الحق الذي تحميه والذي يفترض وجود منافسة بين تاجرين.

وإذا كانت دعوى المنافسة غير المشروعة مثل دعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع تتطلب توافر أركان هذه المسؤولية من حدوث خطأ وضرر وعلاقة سببية* فإن طبيعة الحق الذي تحميه الدعوى الأولى قد يجعل من المتعذر تطبيق بعض هذه الأحكام عليه.

ذلك أن الحق المحمي هو عنصر الاتصال بالعملاء كمنقول معنوي له قيمة مالية.

ويقصد بهذا العنصر مجموعة الأشخاص الذين يتعاملون مع المحل التجاري عادة وبصورة مستمرة ومتجددة* فعدد العملاء قد يزيد وقد ينقص ويترتب على ذلك صعوبة تقرير قيمة الضرر الذي يصيب المتجر* مما يدفع بالمحاكم إلى تقدير التعويض بصورة جزافية لا ترتبط تماماً بمقدار الضرر.

وفي ختام هذا النقاش الفقهي نشير إلى أن معظم التشريعات قد أخذت بفكرة تأسيس دعوى المنافسة غير المشروعة على أساس المسؤولية التقصيرية* ومنها على سبيل المثال القانون الفرنسي فقد جاء نص المادة (1382) من القانون المدني الفرنسي على النحو التالي: ” كل عمل أيا كان يوقع ضرراً بالغير يلزم من وقع بخطئه هذا الضرر أن يقوم بتعويضه”و نصت المادة (1383) على: “كل امرئ يعتبر مسؤولاً عما سببه من ضرر بفعله أو إهماله أو عدم تبصرة” .

وفي القانون المصري تجد هذه الدعوى أساسها في نص المادة (163) من القانون المدني وجاء نصها: “كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض”. أما عن الوضع في القانون الأردني فنبحثه في المطلب التالي.