بحث في حقوق المؤلفين

للدكتور محمد كامل أمين ملش القاضي بمحكمة مصر المختلطة

إن تنظيم الملكية الأدبية وحقوق المؤلفين من أهم ما تعنى به المؤتمرات الدولية منذ أكثر من نصف قرن فقد عقدت من أجل ذلك عدة مؤتمرات في برن وباريس والقاهرة (ديسمبر سنة 1925) ولوجان وروما وغيرها.

وتنقسم شرائع العالم إلى ثلاثة أقسام فيما يختص بالمدة التي يجوز بعدها لكل إنسان الانتفاع بالمصنفات بعد موت مؤلفيها.

فالقسم الأول: يضم الدول التي انضمت إلى اتفاقية برن الخاصة بحقوق الملكية الأدبية، والقسم الثاني: ويضم الدول التي لم تنضم إلى هذه الاتفاقية ولكن يوجد فيها قوانين تنظم هذه الملكية، والقسم الثالث: يضم الدول التي لم تنضم إلى هذه الاتفاقية ولا يوجد فيها قوانين تنظم الملكية الأدبية.
أما القسم الأول: وقد بلغ في 15 يناير سنة 1928 تسعًا وعشرين دولة (دون أن يحسب فيها المستعمرات والبلاد المحمية أو الخاضعة للانتداب) فيبلغ عدد سكانها 960 مليون نسمة وينقسم هذا القسم إلى طائفتين فالطائفة الأولى وهي الطائفة الفرنسية البلجيكية وتحدد المدة فيها بخمسين عامًا أما الطائفة النمساوية الجرمانية فتحدد المدة فيها بثلاثين عامًا.
أما القسم الثاني: فيحدد المدة بين عشر سنوات وثمانين عامًا ويضم هذا القسم أغلب ممالك أمريكا الجنوبية والروسية والصين وتركيا أما الولايات المتحدة فتحدد المدة المذكورة بثمانية وعشرين عامًا. أما القسم الثالث: فيضم لفونيا ولوتيانا وإيران وبرجواي وهندراس ومصر.

ثم إن هذه القوانين جميعها وإن اختلفت في تحديد المدة التي يحمي فيها حق المؤلف إلا أنها اتفقت جميعها على أنه حق مؤقت droit temporaire يزول بمضي سنين معينة بعد وفاة المؤلف.
فوظيفة الحكومة في الدول الحديثة هو توفر السعادة المادية والمعنوية للأفراد وقد اتفق في ذلك الانفراديون والاشتراكيون ولم يقل أحد إن للحكومة وظيفة أخرى هي الاتجار فإذا نظمت مثلاً وسائل النقل برًا وبحرًا فهي لا تقصد من وراء القيام بهذه الأعمال الربح والفائدة بل الغرض منها عمران البلاد وتقريب مواصلاتها وبهذا المعنى تحكم المحاكم المختلطة وإذا تداخلت في سوق القطن فهي لا تقصد من وراء ذلك المضاربة وإنما غرضها حماية الأسعار من التدهور.
وقد بلغ من تقاليد حكومة البرازيل أنها إذا تدخلت لحماية محصول البن (وهو المحصول الرئيسي في تلك البلاد) من تدهور سعره فإنها تقوم بإحراق الجزء الذي تشتريه حتى لا يتأثر السوق بأي حال من الأحوال بهذا الجزء الذي اشترته الحكومة (يراجع في ذلك كتاب العلامة Truchy في الاقتصاد السياسي).

يرى من جميع ذلك أن الحكومة لا تعتبر تاجرة وأن وظيفتها العمل على تحقيق النفع المادي والأدبي للأفراد فإذا عمل فرد على زيادة نشر الثقافة بين الناس وجب عليها معاونته كما هو الحاصل في البلاد الأوربية التي تتجه شرائعنا للأخذ بمبادئها السليمة.

إن القوانين الألمانية التي تنظم حق المؤلف والناشر ترجع إلى عامي 1901 و1907 وتعتبر هذه القوانين بحق من خير ما يحتذى به وقد بلغ من عناية القوم هناك بالنشر والتأليف أنه توجد هناك بورصة خاصة بتجارة الكتب، مقرها مدينة لبزيج وقد مضى على تأسيسها أكثر من عشر سنين فوق المائة ويهمنا في هذا المقام أن نذكر أنه يجوز لكل إنسان نشر المصنفات إذا كان قد مضى ثلاثون سنة على وفاة مؤلفيها والتشريع الألماني في هذا الصدد تشريع مطلق من القيود التي تحد من نشر الثقافة في أنحاء البلاد وتشجيع من يعمل على نشر هذه الثقافة (يراجع بهذا المعنى تقرير الدكتور Gustav kirstein ممثل ألمانيا في المؤتمر الدولي للناشرين والمقدم في الدور التاسع لانعقاد المؤتمر في باريس من 21 إلى 25 يونيه سنة 1931).

والولايات المتحدة الأمريكية حكومة وأفرادًا تعمل على نشر الثقافة بمختلف الوسائل وتحبب إلى الجمهور الاطلاع والاستزادة من العلم فهناك تنشر الكتب ويعاد نشرها ونذكر على سبيل التمثيل أن جمعية ناشري الكتب المسماة National association of Bookpublickers أنفقت من ميزانيتها الخاصة في عشر سنين (1921 – 1931) نصف مليون دولار وتعمل هذه الجمعية على زيادة دور الكتب العامة ويروي أستاذنا الكبير سعادة أحمد برادة بك كبير مفتشي وزارة المعارف المصرية سابقًا أنه من تقاليد هذه المكاتب العامة في تلك البلاد الناشئة إذا استعار أحد المترددين عليها كتابًا أو أكثر ولم يرده إلى المكتبة فإن قوانين هذه المكتبات تمنع المطالبة بهذه الكتب بل زيادة في نشر الثقافة تبعث إليه أحد مندوبيها يعرض عليه استعدادها المستمر أن تمده بكل كتاب قد يحتاج إليه مستقبلاً ويطول بنا المقام إذا شرحنا جميع تقاليد هذه البلاد وأنظمتها المقدسة في نشر الثقافة فالحكومة هناك تتعاون مع الشعب على نشر العلم والعرفان فإذا نشر أحد أفراد الجمهوري بعض ما نشرته الحكومة من مطبوعاتها فإنه لا يقاضي بل تشد أزره في هذا السبيل (يراجع تقرير الأستاذ Fréderic G. Melcher ممثل الولايات المتحدة في المؤتمر الدولي للناشرين والمقدم أثناء انعقاده التاسع بباريس في المدة ما بين 21 و25 يونيه سنة 1931).

إن لمصر مشروع قانون ينظم الملكية وضع منذ عشر سنين (يراجع في ذلك جريدة المحاكم [(1)] الملكي التي ألقاها بجمعية الاقتصاد والإحصاء والتشريع في 3 مارس سنة 1927 ورسالة الأستاذ الإمام عبد السلام ذهني بك المستشار بمحكمة الاستئناف المختلطة).
وتنص المادة (23) من المشروع المذكور على تحديد المدة التي يحمي فيها حق التأليف بثلاثين عامًا ومن مستحدثات هذا المشروع أنه إذا مضى عشر سنوات ولم يترجم المؤلف مصنفاته فإنه يجوز لكل إنسان أن يترجمها ليعم نفعها (دون أن يقاضي) لأن المشرع افترض أن المؤلف لا يرغب في تحقيق نفع اقتصادي من وراء مؤلفه ولهذا أباح لكل إنسان ترجمتها ويكفي الرجوع إلى مشروع القانون المذكور ليتبين أن نصوصه وأحكامه يراد بها تعميم الثقافة والتعاون على نشرها.
لم يوضع هذا المشروع المصري المجيد موضع التنفيذ بعد لينظم حقوق الملكية الأدبية ويضع حدًا لما يرفع من الدعاوى بسبب قصور التشريع ورغم وعد المشرع المدني الأهلي في المادة (12) من القانون المدني بوضعه وهذه المادة لا مقابل لها بالتشريع المختلط ولما كان لا يوجد أيضًا قانون مختلط ينظم حقوق المؤلفين فقد رجعت المحاكم المختلطة في هذا الأمر إلى قواعد العدل والإنصاف طبقًا لحكم المادة (11) من القانون المدني المختلط، والمادة (34) من لائحة ترتيب المحاكم المختلطة القديمة، والمادة (52) من اللائحة الجديدة لعام 1937 وأخذت بما هو جار عليه العمل في ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها (يراجع في هذا مقال البارون إبمان رئيس شرف محكمة الاستئناف المختلطة المنشور بجازيت المحاكم المختلطة عدد 274 صـ 23).
وقد تأثرت محكمة الاستئناف المختلطة بالمبادئ المشار إليها فحكمت في 21 يناير سنة 1891 بأن من يجاري الحكومة في طبع مطبوعاتها ويساعد على نشرها فلا مسؤولية عليه ونورد هنا المبدأ الذي قررته هذه المحكمة العليا في صدد ذلك.

(L’Etat, en faisant préparer, pour les promulguer et les rendre ainsi obligatoires pour tous, les lois, décrets, ordonnances, ou tous autres actcs publics, quelle que soit la dénomination qu’ ils revêtent, agit comme pouvoir public et non dans sa manifcstation de personne morale, régie dans ses droits et obligatins, par les prcscriptions du roit commun à l’egal de toute pcrsonne privée).
(En consequence, le fait de la rcproduction par un particulier de la loi ne porte atteinte à aucun droit de L’Etat placé sous la sauvegrade du droit commun privé, que les tribunaux sont apples à appliduer.

(يراجع الحكم المذكور في مجموعة التشريع والقضاء المختلط سنة ثالثة صحيفة 127).
ونرى أنه إذا كان ما يراد نشره يعتبر من وثائق وزارة الخارجية السرية أو خطة من الخطط العسكرية المحفوظة بوزارة الدفاع فهذا عمل غير مشروع كذلك إذا وكلت الحكومة لأحد موظفيها وضع كتاب لحسابها فلا يجوز لهذا الموظف إعادة طبعه ونشره إنما لا مانع مطلقًا يمنع الأفراد من نشر الكتب القديمة المتوارثة من الأجيال السابقة لأنه لا يوجد في مصر قانون يقابل المرسوم الصادر في فرنسا في 20 فبراير سنة 1809، ويقضي بمنع نشر هذه المطبوعات، فأمثال هذه الكتب قد أصبحت بمرور الزمان في عداد الأموال العامة التي يباح لكل شخص الانتفاع بها طبقًا للنظرية الحديثة القائلة:

La théorie du Domaine public lobre et gratuit
يراجع بهذا المعنى كتاب الأستاذ Jean vielois وعنوانه Du domaine public payant en matiere de droit d’auteur صـ 374 طبعة باريس عام 1929).

ونذكر على سبيل المقارنة أنه إذا مات مؤلف ولم يعقب وورثته الدولة فإنه طبقًا للمادة (2) من القانون الفرنسي الصادر في 14 يوليه سنة 1866 ينتهي حق الملكية مباشرةً قبل مرور الخمسين عامًا المقررة لزوال حق الملكية وإنا نورد هنا ما جاء بدالوز العملي جزء 10 صـ 84 بند 140:

(Quand la succession est devolue à l’Etat, le droit exculsif s’eteint, à moins que l’auteur ne laisse des créanciers ou des cessionnaires, au profit dcsquels le droit exclsuif subsiste alors)

وجاء في دالوز العملي أيضًا جزء 10 صـ 78 بند (60) أن حق الملكية الأدبية يتركز في شخص المؤلف وحده ما لم يكن قد تنازل عنه بمقابل أو بغير مقابل للغير:

(Le régle générale est que le droit de propriété ittéraire et artistique repose sur la tête de l’autéur, à moins qu’il nel’ ait céde, soit à tihe gratuit, soit à titre onereux. L’auteur d’une oeuvre d’art en devient propriétaire par le seul fait de sa création. Il s’insuit que peu importe la capacité civile dudit auteur).