نظام موظفي الدولة وضع ليحمي حقوقهم ومكتسباتهم

م. عبدالعزيز محمد السحيباني ٭
في كل دولة من الدول نظام لموظفي الدولة يخدمهم ويحمي حقوقهم وفي مقدمتها الرواتب التي هي العمود الفقري في أنظمة خدمة الموظفين، وكل الأنظمة تجمع على ضرورة خدمة الموظف وتوفير حاجاته الضرورية كي يتفرغ لعمله ومع زيادة أعباء الحياة اليومية فإن (سلم رواتب الموظفين) لدينا الذي تم إقراره وبدأ العمل به قبل حوالي ربع قرن من الزمان لم يعد مناسباً لزماننا الحالي حيث الفواتير الباهظة التي تلتهم راتب الموظف والمستخدم على حد سواء ولا تقف شراهة هذه الفواتير عند حد فهذه فاتورة ايجار المنزل الباهظة حيث ان الايجار بدأ يزيد يوماً بعد يوم أما قرض صندوق التنمية العقارية فقد أصبح من الأحلام وهذه فاتورة الكهرباء وهذه فاتورة التليفون وهذه فاتورة المياه وهذه المشتريات التي لا تقف عند حد وهذه الحياة الكفاف فقط.

فليس من المعقول أن يعيش أحد في زماننا الحالي دون مياه أو دون كهرباء وقد أثبتت التقارير ان أقل راتب لأي موظف في أي قطاع ويعيش معه على حد الكفاف الذي يكون ما تحته تابعاً (لخط الفقر) هو 5000 ريال وبأقل من هذا الراتب لأي موظف وأي مستخدم سيعيش تحت خط الفقر خصوصاً مع قرار عدم السماح لأي موظف بممارسة أي عمل آخر، ولهذا فإن (سلم رواتب) الموظفين ومن أساسه سلم رواتب وليس (مراتب) حيث ان الأساس في وصفه هو الراتب الذي يستلمه الموظف في آخر كل شهر وبالطبع تختلف نسبة الانفاق من الراتب من شخص إلى آخر ولكن مع تزايد الأعباء فإن أقل مرتب هو 5000 ريال وسلم (رواتب الموظفين) سلم بحاجة إلى إعادة بناء وبحاجة إلى تفكيك وإعادة تركيب من جديد حتى يمكن الموظف من الوصول إلى هدفه بعدد درجات هذا السلم، وكل سلم على وجه الأرض خشبي أو حديدي أو ألمونيوم لابد ان له عمراً افتراضيا ولي عدد من الرؤى حوله.

1- يعتمد السلم الوظيفي على مراتب من (1 – 15) وكل مرتبة (1 – 10) تمتد 15 درجة ولكل درجة علاوة سنوية وتقل الدرجات في المرتبة (11 – 15) حيث تصل إلى 10 درجات في المرتبة 15 وراتب المرتبة الأولى على سبيل المثال يبدأ من 1500 ريال (أول مربوط) والثاني 15000 ريال، وواضح من بناء السلم ان العلاوة الدورية السنوية ترتبط بدرجات السلم الوظيفي أي ان كل مرتبة هي سلم مستقل ودرجاته هي التي يصعدها الموظف ليصل إلى أي مرتبة يقفز بعدها إلى مرتبة أخرى أو ان يستمر في مرتبته وتزداد علاوته السنوية، فالهدف هو زيادة المرتب بغض النظر عن ما إذا كان بدرجات المرتبة أو في مرتبة أخرى فعلى سبيل المثال نجد ان الدرجة (15) من المرتبة 5 يبلغ راتبها 5990 ريالاً والمرتبة 8 الدرجة 3 يبلغ راتبها 5605 ريالات وهو أقل من راتب آخر درجة في المرتبة 5، وهذا لاشك في صالح الموظف ويظهر مرونة في درجات السلم الوظيفي وهي احدى حسناته، فليس من الضروري توفر وظيفة وليس من الضروري الترقية حتى يحصل الموظف على راتب سيستلمه زميل له في المرتبة 8 وإنما يزيد راتبه بعلاوة دورية سنوية.

2- العلاوة الدورية من اسمها هي دورية أي انها تتكرر كل سنة أو كل فترة زمنية فمن الممكن أن تتكرر كل نصف سنة، ومن الملاحظ أن الفروق في العلاوة الدورية ضئيلة بين كل مرتبة والتي تليها فهي على سبيل المثال (230) للمرتبة 6 و(270) للمرتبة 7 أي ان الفرق بين العلاوتين هو 40 ريالاً فقط وهذا مما يجعل الحماس للترقيات ضئيلاً والتنافس شبه معدوم ولا فرق في الترقية بين موظف مجد وموظف مهمل وكسول، فالجميع سيحصل على حافز مادي قليل اضافة إلى انه ليس هناك حافز للموظف المتميز كأن يكون عند ترقيته من المرتبة 7 إلى المرتبة 8 يعين على المرتبة 8 الدرجة العاشرة بضوابط معينة، ومن الملاحظ ان العلاوة الدورية ثابتة لكل مرتبة من المراتب ومن المفترض ان تتغير في كل سنة وان ترتبط (بدرجات السلم الوظيفي) وليس بالمراتب، فالعلاوة هي الحافز الوحيد لبقاء الموظف في مرتبته خصوصاً إذا كانت ممتدة لسنوات طويلة، وهناك مقترحات لزيادة العلاوة الدورية لكل مرتبة:

أ – علاوة دورية نصف سنوية بدلاً من أن تكون في كل (محرّم).

ب – ان تزداد نسبة العلاوة مع كل درجة من درجات السلم، فعلى سبيل المثال أول مربوط من المرتبة (5) هو 3190 ريالاً وعلاوته الدورية (علاوة محرّم) 200 ريال وهذه ال200 ريال ثابتة لكل ال15 درجة فلماذا لا تزيد هذه العلاوة بنسبة معينة ولنفترض 10٪ من علاوة السنة التي قبلها فإذا ازدادت على سبيل المثال بنسبة 10٪ لعلاوة المرتبة 5 فستصل إلى 690 ريالاً في الدرجة 15 من المرتبة 5 وفي دراسة ذلك مرونة كبيرة لدرجات السلم الوظيفي بدلاً من جمودها على علاوة واحدة وهي لن تشكل إلا نسبة ضئيلة من راتب الموظف في كل سنة وستكون بلاشك حافزا ماديا كبيرا له وخصوصاً موظفي المراتب الدنيا وتشجيعا له على العمل والابداع وتوفيرا لحاجاته النفسية وإشباعا اجتماعيا له.

3- بدل النقل ابتعد كثيراً عن هدفه الأساسي.. فمن البديهي ومن المنطقي ان (بدل النقل) هو بدل يصرف للموظف الذي يبعد مقر سكنه عن وظيفته بدلاً عن توفير وسيلة نقل له وهو 600 ريال ولكن هذا البدل يلاحظ أنه يصرف لمن يبعد مقر سكنه عن عمله 10م أو 100كم أو 1000كم سواء بسواء دون تفريق بين من يأتي من بعيد ويبدأ استعداده ومعاناته من الطريق من ساعات الفجر الأولى أواخر الليل وينفق تكاليف البنزين والسيارة ويذهب بعد عمله مجهداً في طريق شاق قد يصل 100كم أو أكثر وهذا يصرف له بدل نقل مثل البدل الذي يصرف للموظف الذي يقع سكنه أسفل دائرته ويصل إلى مقر عمله على قدميه ولفترة تقل عن دقيقة وهذا المطلب ليس حسداً لمن حصلوا على هذا البدل وهم لا يستحقونه ولكنه محاولة لوضع حافز لمن يأتي من منطقة بعيدة ويتذرّع ببعد المسافة عن مقر عمله، لقد حان الوقت لوضع حافز مناسب لمن يقع سكنهم على بعد كبير من مقر عملهم في ظل تزايد أعباء النقل من بنزين وخلافه.

4- بعض الموظفين الجادين والمميزين ليس هناك فرق بينهم وبين الكسولين والمتنبلين في الترقية، فالضابط واحد وهو اكمال 4 سنوات في المرتبة سواء كانت حافلة بالعمل أو حافلة بالكسل، الكل سواء وليس هناك أي حوافز تشجيعية للمتميزين في أعمالهم.. يجب أن توجد لجنة في كل وزارة أو كل دائرة تدرس عطاء كل موظف بعيداً حتى عن تقويم رئيسه المباشر الذي ربما لا يكون منصفاً أو على أقل الأحوال يكون رأيه فردياً ومبنياً على موقف معين فتقارير الكفاية ودورها في الترقيات ثانوي وليس أساسيا، في احتساب نقاط الترقيات يجب أن يحصل المتميزون على مكافآت وترقيات استثنائية.. شكراً لهم.. وحفزاً للمنافسة وخلق جو تنافسي ممتاز ينتج لنا موظفين اكفاء وأمناء وبالتالي الحصول على نظام اداري متميز ومنتج.

5- لماذا لا تكون الترقية بأثر رجعي للموظف المستحق للترقية والذي ظل على مرتبته لسنوات دون ترقية بحجة عدم وجود وظيفة شاغرة حيث ان بعض الموظفين الجادين في أعمالهم يظل سنوات على مرتبته دون ترقية بينما ترقى زملاؤه إلى مراتب وتجاوزوه في الترقية، فإذا افترضنا أن موظفاً ما أمضى 8 سنوات في المرتبة 7 وتوفرت وظيفة لترقيته فإنه يرقى إلى المرتبة 8 والمدة المقررة للبقاء في الوظيفة هي 4 سنوات بينما من المفترض انه قد وصل إلى المرتبة 9 أي أربع سنوات للسابعة وأربع سنوات أخرى للثامنة، ان الترقية بأثر رجعي تحفظ للموظف حقوقه المادية والمعنوية تماماً كما يحصل في وظائف السلك العسكري، فلا يصاب الموظف بالاحباط والمرارة ولا تجعله يتذمر (ويطارد) وراء ترقيته بل ان حقوقه محفوظة.

6- من المعروف ان هناك لجانا للترقيات في كل وزارة أو جهة حكومية تعد محضراً لترقية المستحقين للترقية من منسوبي كل جهة مرتين كل عام.. وهذه «القتجات» تتطلب انتظار المستحقين للترقية حتى حلول موعد اجتماعاتها، فلو فرضنا أن موظفاً استحق الترقية في شهر صفر من عام 1421ه واجتماع اللجنة في شهر ذي القعدة عام 1421ه فمعنى ذلك ان المستحق للترقية يجب أن ينتظر 10 أشهر أي حوالي سنة كاملة حتى حلول موعد اجتماعها ومن ثم صدور قرار ترقيته الذي يتطلب اجراءات ادارية ربما تزيد عن شهرين بعد قرار اللجنة وربما يكون بعد هذا المترقي موظف آخر يحل في وظيفته الشاغرة ويدخل في دائرة لجان الترقية وانتظار طويل آخر كذلك، فعلى حساب من انتظار المستحق للترقية ولماذا لا تتم ترقيته بأثر رجعي.. مادام ان السبب هو انتظار موعد اجتماع لجنة الترقيات.. ان لجنة الترقيات شيء ايجابي في ظل شح الوظائف وكثرة المستحقين للترقية ولتلافي (الوساطات) والمحاباة ولكن اجراءاتها طويلة واجتماعاتها يجب أن تعقد بمجرد وجود موظفين (3 أو أكثر) مستحقين للترقية.

7- هناك أمر هام غفلت عنه دوائرنا وخصوصاً ادارات شؤون الموظفين وهو لماذا يظل الموظف المستحق للترقية يطالب بترقيته، ولماذا يكون من الضروري ان يطلب الموظف ترقيته، لا أنكر ان هناك ادارات حكومية وخصوصاً ادارات شؤون الموظفين فيها.. هي من أحرص الادارات على ترقية الموظف، ولا يعلم إلا وهو قد رقي.. ولكن الغالب ان الموظف لا يلتفت إليه إلا بعد لأي وبعد أن يستنفد جميع جهوده (ووساطاته) وبعد أن (ينبح حلقه) من المطالبة والمعاريض والشكاوي والصراخ، ومع الأسف ان الكثير من الادارات تعتبر ان الموظف الذي لا يطالب بترقيته لا يستحقها.. فهو موظف (متنيل) ليس لديه أي اهتمام بتطوير قدراته!! كيف جاء هذا الحكم ، في اليابان على سبيل المثال موظفون مختصون يقومون كل فترة بوضع قوائم للمستحقين للترقية وحتى التعيين.. ويتم بحث وضعهم الاجتماعي اضافة إلى الوظيفي.. أين يسكن الموظف ما نوع سكنه كم راتبه.. وسيارته.. ما وضعه الاجتماعي، أي دراسته من جميع الجوانب ومن ثم ترقيته مع تحسين وضعه وبهذا تطورت اليابان، أما نحن فنرجع إلى الخلف خطوات وغيرنا يتقدم للأمام خطوة، لماذا لا تقوم الدوائر الحكومية بوضع قوائم شهرية لكل موظفيها المستحقين للترقية.. وترقية الأجدر والأجدر فقط، وتبقي على الأصلح الذي يعمل وأن لا تكون ترقياتها عشوائية وبناء على (طولة اللسان) و(الوساطات) ومن له (ظهر) ومن له (ضلع).. ويخشى غداً ان ينكسر هذا الضلع وينكسر بعده الظهر.. فلا معين له..

الأمانة أيها الاخوة عظيمة وتعظم حين تكون في تحقيق مصير موظف لسنوات.. يجب أن نرعى الأمانة التي حملناها حق رعايتها.

٭محافظة البدائع

إعادة نشر بواسطة محاماة نت