بحث في قانون الإصلاح الزراعي الأراضي البور والضريبة الإضافية

للسيد الأستاذ عبده عبد السلام شرارة المحامي

كان الناس يتهافتون على استثمار أموالهم في الأراضي الزراعية ويتنافسون في الاستحواز عليها لأنها تدر إيرادًا عاجلاً، وقلما كانوا يقبلون على المخاطرة بأموالهم في استصلاح أرضٍ لم تكن مزروعة حتى أصبحت الأرض الزراعية هي مجال الاستثمار الأساسي في البلاد ومن ثم امتنع على الاقتصاد المصري أن يسير قدمًا نحو التنمية الاقتصادية.
ولهذا كان أهم ما استهدفه قانون الإصلاح الزراعي هو تعديل نظام ملكية الأرض الزراعية وتشجيع كل استثمار جديد نحو استصلاح الأراضي.

ولتحقيق ذلك نص المرسوم بقانون (178) سنة 1952 على تحديد ملكية الفرد فحرم عليه أن يمتلك من الأراضي الزراعية أكثر من مائتي فدان كما أوجب الاستيلاء على ما يجاوز ذلك المقدار، وفي ذات الوقت أجاز القانون للشركات والجمعيات أن تمتلك أكثر من مائتي فدان في الأراضي التي تستصلحها لبيعها كما أجاز ذلك للأفراد في الأراضي البور والأراضي الصحراوية لاستصلاحها ونص على أنه لا يسري على هذه الأراضي أحكام التحديد والاستيلاء إلا بعد انقضاء خمس وعشرين سنة من وقت تملكهم.

والأراضي البور كما عرفتها اللجنة العليا للإصلاح الزراعي بجلسة 4/ 11/ 1952 هي الأراضي غير المزروعة على وجه الإطلاق ولم يسبق زراعتها والأراضي التي يقرر المالك أنها بور أو مستصلحة حديثًا ولم يمضِ على تاريخ تملكها أو تاريخ البدء في استصلاحها خمسة وعشرون عامًا.

وقد هدف المشرع من استثناء الأراضي البور من أحكام التحديد والاستيلاء إلى تشجيع قيام نوع جديد من الاستثمار العقاري يؤدي إلى توسيع رقعة الأرض المزروعة باستصلاح أرض جديدة لبيعها لصغار الزراع أو الاحتفاظ بها في حدود ملكية لا تزيد على مائتي فدان للفرد الواحد وفضلاً عن ذلك إتاحة الفرصة للمالك للإفادة من الأرض التي أصلحها بتعويض ما أنفق من مال وبذل من جهد.

وقد حدد المشرع لبقاء تلك الأراضي تحت يد مالكها مدة خمس وعشرين سنة من وقت التملك حسب نص القانون أو من تاريخ أول زرعة استصلاحية، كما جاء في تفسير اللجنة العليا، وبعد انقضاء تلك المدة تعامل الأرض البور معاملة الأرض الزراعية من حيث خضوعها لأحكام التحديد والاستيلاء.

وقد أجاز القانون لمالك الأراضي البور أن يتصرف فيها قبل انقضاء هذه المدة، ولعموم هذا النص فإن الشارع يكون قد أطلق للمالك كل حرية في التصرف في تلك الأراضي بغير أن يقيد ذلك من ناحية شخص المتصرف إليه ولا من ناحية مقدار الأرض المتصرف فيها أو خضوع التصرف لأية رقابة قضائية كما فعل بالنسبة للتصرف في الأراضي الزراعية، وتطبيقًا لذلك يكون للمالك أن يباشر كافة التصرفات القانونية على أرضه البور لمن يشاء وكيف يشاء، فيكون له مثلاً أن يتصرف فيها إلى من يملك مائتي فدان من الأرض الزراعية كما يجوز له أن ينقل ملكيتها لمن يشاء من فروعه وزوجه وأزواج فروعه كما يجوز له أن يجعلها وقفًا على الخيرات.

وعندي أن إطلاق حرية المالك في التصرف في هذه الأراضي لا يخلو من عيوب تناقض حكمة تحديد الملكية وبخاصة إذا تعلق الأمر بملكيات كبيرة تجمعت في يد أسرة أو في يد فرد واحد، ومن هذه العيوب أن يستطيع المالك أن ينقل ملكية هذه الأراضي إلى فروعه وزوجه وأزواج فروعه دون أن يتقيد – في هذا التصرف – بحد محدود ودون أن يكون التصرف خاضعًا لرقابة جهة قضائية تقره أو ترفضه في حين أن هذه الأراضي المعتبرة بورًا من الناحية القانونية بحسب تفسير اللجنة العليا قد تكون أرضًا لا تقل جودة وخصوبة عن الأراضي الزراعية.

ومن ذلك أيضًا أن يستطيع المالك أن يتصرف في تلك الأراضي – بطريق الصورية – إلى من يصطفي من تابعيه، وبهذا يضمن بقاء تلك الأرض في ملكيته الحقيقية وتصرفه المستور.

ونصت المادة (17) من القانون على عقوبة الحبس لمن يتعمد من مالكي الأراضي التي يتناولها حكم القانون أن يحط من معدنها أو يضعف تربتها أو يفسد ملحقاتها بقصد تفويت الانتفاع بها وقت الاستيلاء عليها، ونحسب أن هذا النص قاصر عن أن ينال بالعقاب مالك الأرض البور إذا ترك استصلاحها.

ولم ينظم قانون الإصلاح الزراعي علاقة مستأجر الأرض البور بمالكها كما فعل بالنسبة لمستأجر الأرض الزراعية في المواد (31)، وما بعدها من القانون، ومع هذا فلا شك في سريان هذه القواعد على الأرض البور وأن تنظم علاقة مستأجرها بمالكها على أساس ما قررته من أحكام إذ أن ما جاء بهذه النصوص من تحديد حد أقصى للإيجار وأقل مدة للتأجير يعتبر من النظام العام، ولعل ذلك أن يكون هو اتجاه المشرع نفسه وإن لم ينص عليه صراحةً، ذلك أن اللجنة العليا للإصلاح الزراعي قد وضعت تفسيرًا لتحديد إيجار الأراضي التي تكون ضريبتها جنيهًا واحدًا أو أقل فقررت أن يكون الإيجار مزارعة أو نقدًا – في الحدود المبينة في القانون – بحسب اختيار المالك، ولا شك أن اللجنة العليا كانت تعني – بهذا التفسير – الأراضي البور والمستصلحة.

ونص القانون أيضًا على إعفاء الأراضي البور من الضريبة الإضافية التي فرضها على الأراضي الزراعية وهي خمسة أمثال الضريبة الأصلية.
وقررت اللجنة العليا للإصلاح الزراعي بجلسة 4/ 11/ 1952 أنه لإعفاء الأراضي البور من الضريبة الإضافية يجب على المالك أن يقدم بيانًا شاملاً عن تلك الأراضي ترافقه خرائط مساحية لها وكذلك المستندات الدالة على تاريخ التملك وتاريخ أول زرعة استصلاحية وتاريخ ربط أول ضريبة أموال عليها وتاريخ الإفادة من مشروعات الري والصرف.
وعندما يقدم المالك هذه البيانات والمستندات تؤلف لجنة من ثلاثة أعضاء – تعينهم اللجنة العليا تكون مهمتها معاينة تلك الأراضي والتثبت من كونها أرضًا بورًا فترفع بذلك تقريرًا للجنة العليا لتصدر قرارها في الموضوع.
ويظهر بوضوح أن كل هذه الإجراءات تستغرق وقتًا قد يطول إلى ما يزيد على أربع سنوات حتى تنتهي عمليات المعاينة والتحديد والاستيلاء.

ومع ذلك فقد أصدرت اللجنة العليا قرارًا بأن يبقى ملاك الأراضي البور خاضعين لأحكام القانون الخاصة بالضريبة الإضافية حتى تبت اللجنة في أمر أراضيهم.

وبهذا يلزم مالك الأرض البور بأن يؤدي الضريبة الإضافية – فضلاً عن الضريبة الأصلية – طول تلك المدة ولا يبرر هذا الإلزام أن يكون للمالك بعد ذلك أن يسترد المبالغ المدفوعة أو يخصمها من الأموال الأميرية المستحقة عليه إذا صدر قرار اللجنة باعتبار أرضه بورًا وكيف يستطيع أن يدفع ستة أمثال الضريبة على أراضيه البور إذا لم تدر عليه تلك الأراضي ما يوازي ذلك المقدار، ولو فرضناها تدر عليه حتى سبعة أمثال الضريبة لما بقي في يده ما ينفقه على استصلاحها في الوقت الذي أبقاها القانون في يده ليشجعه على استصلاحها وليمكنه من الإفادة منها، وبهذا يضيع الهدف المقصود من التشجيع على الاستثمار الزراعية وتنمية الثروة الزراعية كما أراد الشارع ونصت عليه المذكرة التفسيرية، وبهذا أيضًا تصبح الأرض البور عبئًا ثقيلاً على كاهل المالك مع أن القانون أراد أن تكون تحت يده.

وعندي أن المشرع جدير بأن يعيد النظر في هذا ليرفع عن ملاك هذه الأراضي عبء الضريبة الإضافية بتفسير يعالج هذه المشكلة – مؤقتًا – وحتى يصدر قرار اللجنة العليا.

واقترح لذلك أن يعتبر المشرع أرضًا بورًا تعفى من الضريبة الإضافية مؤقتًا… كل أرض لا تزيد ضريبتها عن جنيه واحد، وكل أرض ربطت عليها الضريبة لأول مرة في خلال مدة سابقة على صدور قانون تحديد الملكية، ويمكن تحديد هذه المدة بعشر سنوات مثلاً، وكل أرض كانت مملوكة أصلاً لمصلحة الأملاك الأميرية ولم يمضِ على تاريخ تسجيل عقد الشراء منها خمس وعشرون سنة.
ولضمان الحصول على الضريبة الإضافية إذا ما اتضح في النهاية أن بعض هذه الأراضي أو كلها ليس بورًا فليس ثمة ما يمنع قانونًا من النص على تقدير حق امتياز على تلك الأراضي بما يعادل الضريبة الإضافية حتى وقت صدور قرار اللجنة بشأنها، وبهذا تنتقل ملكية الأرض من مالك إلى مالك محملة بحق عيني لوفاء هذه الضريبة.
ولا شك في أن هذا التفسير كفيل بأن يحقق غرض الشارع في تنمية الثروة الزراعية وتعويض ملاك الأراضي البور.