بحث فى حالات بطلان العقود

توثيق و اعادة نشر محاماة نت – تم الحصول عليه من مواقع عبر فيس بوك

مقدمه

ان العقد أحد مصادر الإلتزام ، وهو توافق إرادتين او اكثر ، على تحقيق أثر قانوني معين ، هذا الأثر قد يكون انشاء إلتزام او نقله او تعديله او إنهائه

ويقوم العقد على ثلاثة أمور أساسيه

أولها تواجد إرادتين او اكثر لا إرادة واحدة وثانيهما وجود توافق بين ارادات أطراف العقد على الأثر القانوني المقصود وثالثهما توجه هذا التوافق لأحداث أثر قانوني معين اي انشاء رابطة قانونية موضوعها انشاء إلتزام او نقله او تعديله.

ولما كان للعقد أركان أساسيه يقوم عليها حتى ينتج الأثر القانوني المبتغى من إبرامه كان من الضروري ان تكون هذه الأركان متواجده وقائمة بصورة صحيحة لاسيما تطلب القانون وجودها بشكل معين يراعي وجوبا .

وما يشوب العقد فى أركان وطريقة إبرامه من عوار يسمى بالبطلان من حيث آثار تواجد خلل فى أحد أركان العقد والبطلان كأثر مترتب على وجود خلل أصاب العقد فى أحد أركانه مختلف باختلاف نوع الخلل الذي أصاب اي من أركان العقد ، فالعقد له أركان انعقاد تخلف أحدها أصابه بخلل يولد ذلك حالة من حالات البطلان المطلق الذي يلغي ويمحو اي وجود للعقد ، وكذلك فى حالة وجود خلل فى شروط صحة العقد والتي يترتب عليها بطلان اقل شدة من سابقة وهو نسبي الآثار حيث يمكن التغلب عليه .
لما كان للعقد من اهمية بالغه كمصدر للإلتزامات كان حري بنا ان نتعرض اهم صور البطلان التي تشوب العقود وحالاته وآثار وجود البطلان فى العقد .

خطة البحث

نتناول فى بحثنا هذا مفهوم البطلان وآثاره المتولدة عن الخلل والعوار الذي يصيب العقد فى أركان انعقاده وشروط صحيته ، سيتعين بما سبق واكده الفقه واستقر عليه القانون والقضاء من تعريف للبطلان وصوره وآثاره .
ويتكون البحث من مبحثين رئيسين جعلنا اولهما لإيضاح مفهوم البطلان وتعريفه والفرق بينه وبين بعض الصور المتشابهه من حيث آثارها وكان ذلك فى مطلب اول والشق الآخر من المبحث الأول كان لإيضاح أنواع البطلان التي تصيب العقد والفرق بينهم بعض الآثار الناتجه من عيوب اشابه التعاقد المبحث الثاني لتوضيح آثار البطلان فى ثلاث مطالب الأول نتناول فيه آثار البطلان فيما بين المتعاقدين والثاني آثاره بالنسبة للغير والمطلب الأخير لإيضاح البطلان الجزئي.

المبحث الأول / ما هية البطلان وأنواعه

المطلب الأول : التعريف بالبطلان

( أ ) تعريف :-
البطلان هو الجزاء الذي قرره القانون عند تخلف ركن من أركان العقد ( التراضي ، المحل ، السبب ، الشكل فى العقود الشكلية ) أوشرط من شروط صحته ( الأهلية ، سلامه الاداره ) العقد الباطل هو العقد الذي لا تتوافر فيه إلا إذا استجمع أركان انعقاده من رضى ومحل وسبب للانعقاد . ويبطل العقد إذا لم يستوف شرائط صحته (،)1) وذلك مثل وجود نقص الأهلية أو عيب من عيوب الإدارة ( غلط ، تدليس ، استغلال ، إكراه ) .
ويترتب على البطلان إعتبار العقد أو التصرف القانوني غير موجود ، وأنه لم يقم منذ البداية ولا يترتب أى أثر سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبه للغير .

( ب ) البطلان وعدم النفاذ .
العقد غير النافذ هو عقد صحيح فيما بين طرفيه وينتج آثاره بينهما ، ولكنه لا ينفذ فى حق الغير ، وهو الأجنبي عن العقد ، وذلك أعمال لمبدأ سببية آثار العقود ، فالعقد لا يسرى فى مواجهة شخص لا يشترك فيه . معنى وذلك أن عدم النفاذ ام عدم السريان يعني أن العقد الصحيح المنتج لآثاره بين طرفه لا يمكن الاجتماع به فى مواجهة غير عاقديه
مثال ذلك : إيجار ملك الغير ، فهو عقد صحيح وينتج أثره فيما بين عاقديه ، لكنه لا ينفذ فى مواجهة المالك الحقيقي .

( جـ ) البطلان والفسخ
الفسخ هو جزاء يرتبه القانون على عدم تنفيذ طرفى العقد لإلتزامه . فالعقد ينشأ صحيح ، وينتج آثاره فيما بين طرفيه ، إلا أن أحدهما لا يقوم بتنفيذ إلتزامه ، فيكون للعاقد الآخر طلب فالفسخ لا يكون إلا فى العقود الملزمة للجانبين . والفسخ مثلا البطلان من حيث ترتيب الأثر الناتج عنه كقاعدة عامة زوال العقد بأثر رجعى أى منذ وقت إبرامه .

يترتب البطلان بوجود خلل فى تكوين العقد عند إبرامه ، فإذا توافرت أركان العقد وشروط صحته ، فإنه ينشأ صحيحا ويترتب آثار ، ولا يبطل إذا حدث بعد ذلك خلل فى أركان العقد أو شروطه ، بل يمكن أن يؤدى ذلك إلى الفسخ . فالبطلان مرجعيته عيب فى تكون العقد ، أما الفسخ فمرجعه خلل فى تنفيذ العقد أى لا حق لنشأئه . فالعقد ينشأ صحيح ولا يحكم ببطلانه إذا فقد المتعاقد أهليته بعد إبرام العقد ، أو إذا تغير الباحث كما لو استخدام المستأجر العين المؤجرة فى غرض غير مشروع ، أو أصبح المحل مستحيل ، كما لو هلك الشئ المبيع بعد العقد ، فذلك لا يؤدى إلى بطلان وإنما يعتبر سببأ من أسباب الفسخ (1

المطلب الثاني ( أنواع البطلان )

البطلان المطلق والبطلان النسبى

( أ ) معيار التفرقة
يستقر الفقة التقليدى على تقسيم البطلان إلى نوعين : مطلق و نسبى ، وذلك بالنظر إلى أركان العقد من جهة وشروط صحته من جهة آخرى ، فإذا تخلف أحد أركان العقد كان البطلان مطلق لخطورة العيب الذى لحق العقد . وإذا تخلف شرط من شروط صحه العقد كان البطلان نسبيأ لأن العيب أقل خطورة ويكون العقد قابلا للأصلاح .
والعقد الباطل بطلان مطلق يعتبر غير موجود قانوناً ، فهو والعدم سواء ، لتخلف ركن أو اكثر من أركان انعقاده ، ويتم ذلك إذا انعدم الرضاء ، او تخلف المحل أو السبب ، أوكانا غير مشروعين ، او تخلف شكل العقد إذا اشترط القانون أو الاتفاق شكلاً لا نعقاده . (2)
والعقد الباطل بطلان نسبى يعتبر صحيح وتترتب عليه آثاره إلا أنه معيب يمكن أن يقضى ببطلانه ، لذا يقال بأنه عقد قابل للإبطال.

فإذا ما تقرر البطلان فا لآثار واحدة فى كل من البطلان المطلق والنسبى حيث يزول العقد فى الحالتين بأثر رجعى . ويكون البطلان نسبى فى حالة تخلف شرط من شروط صحة العقد ، وذلك مثل وجود عيب من عيوب الإدارة أو نقص فى أهليه أحد الطرفين
وينظر البعض حديثاً إلى البطلان النسبى من وجهة نظر مغايره هى طبيعية المصلحة محل الحماية ، فالبطلان المطلق يتقرر إذا انطوى إبرام العقد على مخالفة قاعدة تستهدف حماية مصلحه عامة ويتقرر البطلان النسبى إذا انطوى إبرام العقد على مخالفة قاعدة تستهدف مصلحه خاصه .

( ب ) حكم العقد الباطل والعقد القابل للإبطال :-
يقع العقد باطلا إذا تخلف ركن من أركانه ، فهو لا يقوم لأنه لم ينعقد أصلاً ولا وجود له شرعاً ، ولهذا لا يترتب آثاره في الحال أو المستقبل .
ويجوز أن يتمسك كلا الطرفين ولكل ذي مصلحه بالبطلان والامتناع عن تنفيذه ، وللمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها في أي وقت ولا يقبل الأجازة .
العقد القابل للإبطال بطلان نسبى هو عقد توافرت له كل أركان ولكن تخلف منه شرط من شروط الصحة ، كما لو صدر من شخص ناقص الأهلية أو شاب الرضاء غلط أو تدليس أو أكراه أو استغلال ، أن مثل هذا العقد ينشأ ويلزم أطرافه ويترتب آثاره . ولكن يجوز للمتعاقد الذي تقرر البطلان لمصلحته ، بسبب نقص أهلية أو تعيب إرادته أن يطلب إبطاله أو أن يجيزه . وإذا سكت مدة معينه سقط حقه في طلب الإبطال بالتقادم ، فالعقد ينشأ صحيح ويظل كذلك حتى يقضى ببطلانه ، فهو صحيح في الحال وواجب النفاذ ، وإلا أنه يكون فهدد بالإبطال، ويحن لم تقرر بالبطلان لمصلحته أن يطلب إبطاله وله أن يجيزه ويطلب إلزامه الطرف الآخر تنفيذ إلتزامته .

( جـ ) حالات البطلان المطلق :-
يقرر البطلان المطلق في حالة تخلف أحد أركان العقد وذلك في الحالات الآتية :-
1. إذا انعدم الرضاء ، كما لو تم إبرام العقد عن طريق شخصي عدم الأهلية غير مميز أو مجنون أو تحت تأثير الغلط المانع أو الإكراه المادي ، وفى حالة عدم تطابق القبول مع الإيجاب .
2. إذا كان المحل غير موجود أو مستحيل أو غير مشروع أو غير معين أو غير قابل للتعيين .
3. إذا تخلف السبب أو اتسم بعدم المشروعية .
4. إذا تخلف الشكل الذي يتطلبه القانون كركن في العقد كما هو الحال في اشتراط الرسمية لإبرام الرهن الرسمي وهبة العقار .
5. إذا ورد في القانون نص خاص يقضى ببطلان العقد بطلان مطلق ، مثال ذلك اشتراط تحديد مدة معينه لانعقاد الوعد بالتقاعد قد وبيع الوفاء ، وبيع أموال الدولة الخاصة يعتبر طريق المزاد عند اشتراط القانون ذلك .
6. استقر القضاء على الحكم بإبطال التصرف المبنى على الغش نحو القانون ، أي إذا كان الغرض منه الاحتيال على تطبيق القانون ( الغلط في القانون ) للتهرب من حكم يتعلق بالنظام العام .

( د ) حالات البطلان النسبي :-
يكون العقد للإبطال أو باطلاً نسبيا في عدة حالات
1. إذا كان أحد المتعاقدين ناقص الأهلية .
2. إذا شاب أحد المتعاقدين عيب من عيوب الإرادة .
3. إذا ورد نص في القانون يقضى بالبطلان النسبي للعقد كبيع ملك الغير حيث يكون للمشترى طلب إبطال العقد .

المبحث الثاني ( آثار البطلان )

المطلب الأول : آثار البطلان فيما بين المتعاقدين

أثر البطلان فيما بين المتعاقدين

يترتب على بطلان العقد عدم جواز المطالبة بتنفيذه ، وزواله بأثر رجعي بحق يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد .

( أ ) عدم جواز المطالبة بالتنفيذ :
يترتب على بطلان العقد زواله ، ولا تتولد عنه الآثار المقصودة من إبرامه فإذا كان العقد الذي تقرر بطلان لم يبدأ تنفيذه بعد من أي من الطرفين ، فلا يلتزم أي من المتعاقدين بشىء نحو الآخر . لا يجوز لأي منهما أن يطالب الآخر بتنفيذ إلتزاماته التي يرتبها العقد فيما لو كان صحيحاً . فإذا طالب أحد العاقدين بشي من ذلك كان للطرف الآخر أن يدفع هذه المطالبة بالبطلان . فإذا كنا بصدد بيع باطل أو تم إبطاله وطالب المشتري البائع بتسليم المبيع كان للبائع أن يدفع هذه المطالبة بالبطلان . ونفس الشئ عند المطالبة بالثمن يحوز للمشتري توقي ذلك بالدفع بالبطلان . ( 1)

( ب ) الإلتزام بالرد .
يترتب على صدور حكم بإبطال العقد أو ببطلانه زواله بأثر رجعى . يبطل العقد بأثر رجعى ويعتبر كأن لم يكن ويزول كل أثر له . فالحكم القضائي يكون كاشفاً وليس منشئاً لحالة البطلان أو الإبطال .
ويعني الأثر الرجعى عودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد . ويلتزم كل منها بأن يرد للآخر ما حصل عليه بموجب العقد الذي تم إبطاله ويستوي في ذلك العقد الباطل و العقد القابل للإبطال .

ويثور ذلك في حالة ما إذا تم تنفيذ العقد الباطل كلياً أو جزئياً من أحد الطرفين أو منهما معاً ثم يتقرر البطلان بعد ذلك هنا يتعين ، إعمالا للأثر للرجعى للبطلان ، إعادة المتعاقدين للحالة التي كانا عليها قبل التعاقد . فإذا تنفيذ عقد بيع باطل وجب رد المبيع للبائع ورد الثمن للمشتري .

وأساس الإلتزام بالرد هو دفع غير المستحق . فمن المقرر أنه استرداد غير المستحق إذا كان الوفاء قد تم تنفيذاً لالتزام لم يتحقق سببه أو لالتزام زال سببه بعد أن تحقق . فنتيجة للأثر الرجعى لبطلان العقد أو لإبطاله يعتبر كل متعاقد أخذ ما أعطاه إليه المتعاقد الآخر من غير أن يكون له حق فيه ، ومن ثم يلتزم برده إليه .

( جـ ) نطاق الإلتزام بالرد .

إن قاعدة الإلتزام بالرد ليست مطلقة بل ترد عليها بعض القيود التي ترجع لاعتبارات الواقع واستقرار المعاملات ومراعاة بعض المصالح الجديرة بالحماية .
أولا : الأصل أن يكون الرد عيناً بحيث يرد كل متعاقد للآخر ما حصل عليه بموجب العقد ، إلا إنه قد يتعذر على المتعاقد ، أحياناً ، رد عين ما حصل عليه ، كما إذا كان الشئ قد هلك أو تلف . هنا يمكن إلزام المتعاقد الذي بحسب قيمة الشئ المبيع مثلاً. وذلك أن التعويض المعادلة بقوم مقام الرد العيني . ولا يعتبر هذا التعويض من قبيل الثمن ولا يخضع لأحكامه ، وإنما يخضع لأحكام التعويض وحدها .

ثانيا: إذا ترتب علي تنفيذ العقد الباطل انتقال حيازة شئ إلى أحد الطرفين ، هذا يتعين حمايته إذا كان حسن النية لا يعلم بسبب البطلان وتتمثل الحماية فى عدة وجوه .
يعامل معاملة الحائز حسن النية فيما يتعلق بالثمار فهو يلتزم برد الشئ الذي تسلمه ويحتفظ لنفسه بالثمار سواء استهلكها أم لا . ويلتزم برد الفوائد والثمرات من يوم رفع دعوى البطلان .
يعامل المتعاقد معاملة الحائز الذي يلتزم برد ما يحوزه وذلك بالنسبة للمصروفات التي قد يكون أنفقها عليه .
إذا كان المتعاقد الحائز حسن النية فلا يلتزم بدفع أي تعويض مقابل الانتفاع بالشئ الذي يلتزم برده إلى الطرف الآخر . زمن ثم لا محل لأي تعويض معادل عن الاستهلاك في الفترة ما بين تسلم الشئ وإبطال العقد .
لا يلتزم المتعاقد حسن النية ، في حالة الهلاك الكلي للشئ الذي يحوزه ، إلا بدفع مقدار ما عاد عليه من فائدة ترتبت على هذا الهلاك مثل أنقاض المنزل . وفى حالة سوء النية فإنه يكون مسئولا عن الهلاك أو تلفه ، ولو كان ذلك ناشئاً عن حادث مفاجئ إلا إذا أثبت أن الشئ أو يتلف ولو كان باقياً في يد صاحبه .

ثالثا : يستحيل إعمال الأثر الرجعى لبطلان عيناً في العقود الزمنية ، مثل عقد الإيجار وعقد العمل ، حيث يستحيل ماديا إزالة بعض الآثار التي ترتبت عليها في الماضي ، فلا يمكن رد المنفعة التي حصل عليها المستأجر أورد العمل الذي أداه العامل هنا يلتزم المستأجر بأن يدفع تعويضا عن الانتفاع الذي حصل عليه ، ويتم تقدير هذا التعويض ، في الغالب ، بمقدار الأجرة ، لكنه لا يعد أجرة ، ولا تضمنه ضمانات الأجرة ، فلا يكفله امتياز المؤجر ، ولا يتقادم بمدة الأجرة . ويلتزم صاحب العمل بأن يرد للعامل تعويضا معادلا لما أداه من عمل وبذل من جهد . يقدر القاضي غالبا ، هذا التعويض يما يعادل ما كان يستحقه العامل من أجر ، إلا أن ذلك التعويض لا يعد أجرا ولا يخضع لحكامه .

رابعا : إذا تم إبطال العقد بسبب نقص الأهلية ، فإن المتعاقد ناقص الأهلية يلتزم فقط برد ما عاد عليه من منفعة بسبب العقد . قرر المسرع هذا المبدأ لحماية ناقصي الأهلية واستثناهم من قاعدة الإلتزام بالرد . فناقص الأهلية لا يلتزم برد ما حصل عليه بموجب العقد الباطل إلا في حدود ما عاد عليه من منفعة ماديه كانت أو معنوية . فإذا باع القاصر عقارا وقبض ثمنه وأنفق أغلبه في اللهو وأنفق جزءا يسيرا منه في ضروريات الحياة ، فهو لا يلتزم ، في حالة إبطال العقد ، إلا برد هذا اليسير من الثمن للمشتري .
وبالرغم من أن النص يتكلم عن ناقص الأهلية إلا إن حكمه واجب التطبيق ، من باب أولى ، على عديم الأهلية لأنه أجدر بالحماية ويعد ذلك أعمالا للقاعدة العامة التي قررها المشرع بقوله إذا لم تتوافر أهلية التعاقد فمين تسلم غير المستحق فلا يكون ملتزما إلا بالقدر الذي أثري بت .
والأصل في الإنسان اكتمال الأهلية وعلى من يدعى نقص الأهلية لإثبات ذلك . فمتى ثبت نقص الأهلية كان الحكم هو عدم إلتزامه برد ما حصل عليه من العقد الباطل . ويقع على الطرف الآخر الذي يريد استرداد ما لدى ناقص الأهلية ، عبء الإثبات ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد ، أي ينبغي على المتعاقد الآخر إقامة الدليل على أن ناقص الأهلية قد استفاد مما أخده منه . وتعبر محكمة النقض عن ذلك قبولها أن عبء الإثبات في بيان أن ناقص الأهلية قد أثري وفى تقدير مدي أثرائه يقع على عاتق الدافع الذي يطلب رد ما دفع فإذا عجز عن الإثبات كان ذلك موجباً في ذاته لرفض طلبه .

خامساً : قضت القاعدة الرومانية الشهيرة بأنه لا يحوز للطرف الملوث أن يتمسك بتلوثه . وأعمالا لتلك القاعدة تضمن المشروع التمهيدي للقانون المدني نصا يقضى بأنه لا يجوز لمن وفى بالتزام مخالف للآداب أن يسترد ما دفعه إلا إذا كان هو فى التزامه لم يخالف الآداب . بمعنى ذلك إن حق المطالبة بالرد قاصر على الطرف الذي لم يخالف الآداب . فمستأجر الأرض لزراعتها مخدرات لا يجوز له استرداد ما دفعه .

ولكن هذه القاعدة لقيت معارضه حيث تتعارض مع منطق البطلان . إذ يمكن تنفيذ العقد بالنسبة لطرف دون الآخر . وإذا كان كلا الطرفين ملوثاً ونفذ أحدهما إلتزامه فإن تطبيق القاعدة يؤدي إلى مكافأة المتعاقد الآخر رغم أنه هو الآخر ملوث . لذلك تم حذف هذه القاعدة وعدن الأخذ بها .
وبناء عليه إذا كان العقد باطل بسبب عدم مشروعيه المحل أو السبب فإن لكل طرف أن يسترد ما أداه ولو كان البطلان يرجع إلى عدم المشروعية من ناحية هو .

المطلب الثاني ( أثر البطلان بالنسبة للغير )

نعرض للقاعدة العامة ، ثم للاستثناءات الواردة عليها .

( أ ) القاعدة العامة :
إذا تم إبطال العقد فإنه يعتبر كأن لم يكن ويزول كل أثر له سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير .
والغير هنا هو كل من تلقى حقاً من أحد المتعاقدين على الشئ الذي ورد عليه العقد الباطل ، حيث يتعاقد الغير مع المتصرف إليه في العقد الباطل بقصد اكتساب حق متعلق بالشئ موضوع هذا العقد . يقوم المتصرف إليه في العقد الباطل بترتيب حق للغير علي الشئ موضوع هذا العقد ، كأن يبيعه أو يرهنه أو يؤجره أو يرتب عليه حق ارتفاق .
يؤدي منطق البطلان إلى زوال هذه الحقوق ، فإذا رتب المشتري على العين التي اشتراها بعقد باطل أو قابل للإبطال رهنا أو حق ارتفاق مثلا ، ثم تقرر بطلان البيع ، فإن البائع يسترد العين خالية من الحقوق العينية التي رتبها المشترى . وكذلك لو باع المشترى العين إلى آخر ، فإن البائع يستردها من المشترى الثاني ، مؤدي ذلك أن الحق الذي يتلقاه الغير على الشئ الذي ورد عليه العقد الباطل يزول بالتبعية لبطلان هذا العقد . فبطلان سند المتصرف يستتبع زوال سند المتصرف إلية ، أن الشخص لا يستطيع أن ينقل إلى غيره أكثر مما يملك .
فإذا كان أحد الطرفين في العقد الباطل قد تصرف فلا حقه إلى الغير ، فإن حق الغير يزول بالتبعية لزوال هذا العقد بالبطلان . فلو أن محمداً اشترى قطعة أرض من محمود بعقد باطل أو قابل للإبطال ثم باعها لأحمد ، وبعد ذلك تقرر بطلان العقد فإن محمود البائع يسترد الأرض من المشترى ( أحمد ) . وإذا كان قد رتب على الأرض رهناً أو حق ارتفاق أو حق انتفاع فانه يسترد الأرض خالية من الرهن أو الارتفاق أو الانتفاع .
وزوال العقد بالبطلان لا يحتج به فقط على الغير أو الخلف الخاص بالمعنى السابق ، بل يحتج به من باب أولى على الدائنين . ويعتبر محكمة النقض عن ذلك بقولها أن الحكم بإبطال العقد الصادر من المدين يكون حجة على دائنة لأن المدين يعتبر ممثلا لدائنه في الخصومات التي يكون هذا المدين طرفا فيها ، ويستتبع الحكم إلغاء الآثار المترتبة على هذا العقد وقت انعقاده بالنسبة للمتعاقدين والغير حتي ولو لم يصدر الحكم في مواجهة الدائن . ( 1)

( ب ) الإستثناء الواردة على القاعدة .
إن اعمال القاعدة السابقة على إطلاقها أن يؤدي إلى المساس بالمعاملات ، فقد يترتب على تطبيق مبدأ الأثر الرجعى للبطلان على إطلاق غلى الأضرار الفادح بالغير حسن النية الذي استند إلى الوضع الظاهر ورتب معاملات على أساس قيام العقد الباطل . ويقضى الصالح العام يوجب مراعاة استقرار التعامل برعاية الإئتمان العام والاعتداد بالثقة المشروعة التي يركن الناس إليها في معاملاتهم .

لكل هذه الاعتبارات أورد المشرع بعض الإستثناءات التي بمقتضاها تظل الحقوق التي يكتسبها الغير على الشئ المتصل بالعقد الباطل وذلك في حالات معينه ، ويمكن التمييز في هذا الصدد بين عقود التصرف ، وعقود الإدارة والاعتداد بالأوضاع الواقعية .
أولا : عقود التصرف وهنا يقرر المشرع حماية الغير المتصرف إلية في الحالات الآتية :

1. يستطيع الغير حسن النية حماية حقه بالاستناد إلى قاعدة في المنقول سند الملكية . فإذا كان محل التعامل منقولا وحازه الغير بسبب صحيح وحسن نية ، فيصبح مالكاً ، ولا يمكن مطالبته برده . فلو أن محمد باع منقولا لحمد ، ثم باع أحمد المنقول لمحمود أو رهنه له وانتقلت حيازة المنقول لمحمد خالصا من الحقوق التي رتبها أحمد لمحمود ، ولكن محمود الذي تسلم المنقول بحسن النية وهو يجهل ما يشوب سند أحمد من أسباب البطلان ، يمكنه الاستناد إلى قاعدة الحيازة في المنقول ليكسب على أساسها ملكية المنقول أو الحق العيني عليه رغم أنه تعاقد مع غير مالك .

2. إذا كان محل التعامل عقاراً كان للغير حسن النية أن يكتسب ملكيته بالتقادم الخمسي دون أن يتأثر بإبطال سند من تصرف إلية في العقار فلو باع محمد عقاراً لأحمد ، ثم باع أحمد العقار لمحمود الذي حازه بحسن نية ، ثم تم إبطال البيع الأول ، هذا الإبطال لا يؤثر على حق محمود إذا حاز العقار مدة خمس عشرة سنة حيث يكتسب ملكيته بالتقادم الطويل ، أو إذا سجل عقده وحاز العقار مدة خمس سنوات بحسن نية حيث يكتسب ملكيته بالتقادم الخمسي . هنا يشترط لأعمال التقادم الخمسي أن يكون سند ملكية المتصرف باطلاً بطلاناً نسيباً أي أن يكون بيع محمد لأحمد قابلا للإبطال ، ذلك أن العقد الباطل بطلاناً مطلقاً لا يعد سبباً صحيحاً يجيز التملك بالتقادم الخمسي .

3. إذا اكتسب الغير حسن النية حقاً عينياُ على العقار الذي ورد عليه العقد الباطل وذلك قبل تسجيل دعوى البطلان أو التأشير بالحكم الصادر فيها في هامش تسجيل العقد الباطل ،فإن هذا الحق يظل قائماً لا يؤثر فيه البطلان . مؤدي ذلك أن الحق الذي كسبه الغير بحسن نية لا يسقط بالرغم من إبطال سند ملكية من قرر له هذا الحق . وإذا كسب الغير حقاً عينياً بعد تسجيل دعوى البطلان أو التأشير بها فإن هذا الحق يزول نتيجة لبطلان سند من تصرف إليه ، أما إذا كان الغير قد كسب حقه قبل تسجيل دعوى البطلان أو التأشير بها فإن هذا الحق يبقي إذا كان حسن النية . مثال بيع محمد قطعة أرض لمحمود الذي يبيعها بدوره لأحمد ، ثم يرفع محمد دعوى لإبطال عقد البيع ويسجلها ويحكم ببطلان العقد . هنا يحتفظ احمد بالأرض ولا يتأثر ببطلان سند محمود الذي باع له ، ذلك أن احمد سجل عقده وهو حسن النية ولم يكن يعلم عند شرائه للأرض بسبب البطلان . لذلك فإن محمود لا يستطيع . رغم الحكم بالإبطال ، رد الأرض لمحمود فإنه يلتزم بدفع تعويض معادل .

4. لم يكتف المشرع بالمبدأ السابق بل أورد تطبيقاً خاصاً له بالنسبة للدائن المرتهن وهناً رسمياً إذا كان حسن النية . يبقى قائماً لمصلحة الدائن المرتهن الصادر من المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته أو فسخه أو زواله لأي سبب آخر ، إذا كان هذا الدائن حسن النية في الوقت الذي أبرم فيه الرهن . إذا رهن محمد الأرض التي اشتراها لأحمد ثم تثرر بطلان العقد الذي اشترى به ، فإن الرهن يبقى قائماً طالما تم شهره قبل تسجيل صحيفة دعوى البطلان وكان أحمد حسن النية لا يعلم بسبب البطلان . ويترتب على البطلان أن البائع يسترد الأرض من محمد إلا أنها تظل تحمله بالرهن لصالح أحمد ، ويلتزم محمد بتعويض البائع عما يصيبه من ضرر بسبب وجود هذا الرهن .

ثانيا : عقود الإدارة : بالنسبة لأعمال الإدارة الصادرة من المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته ، تضل قائمة لصالح من تعامل معه إذا كان حسن النية . فإذا كسب الغير حقاً يتعلق بالشئ الذي ورد عليه العقد الباطل ، وذلك بمقتضى عقد من عقود الإدارة ، فإن هذا الحق يبقى بالرغم من البطلان . فلو اشترى شخص شقة بعقد قابل للإبطال ثم أجرها ، فإن إبطال العقد لا يؤدي إلى زوال الإيجار ، حيث يظل قائماً لصالح المستأجر ، ويسترد البائع الصفقة محملة بحق الإيجار .
ويشترط لبقاء عقود الإدارة بالرغم من البطلان إلا تكون مشوبة بغض من جانب من أبرمها ، وأن يكون الغير حسن النية ، وأن يكون ثابتة التاريخ قبل دعوى البطلان فيشترط لبقاء عقد الإيجار مثلاً أن يكون بشروط مألوفة كأجرة المثل والمدة المعقولة ، وأن يكون ثابت التاريخ قبل دعوى البطلان ، وأن يكون المستأجر حسن النية ، أي يجهل ما يشوب سند المتصرف من أسباب البطلان .

ثالثا : الاعتداد بالأوضاع الواقعية : حرص المشرع على حماية الغير حسن النية الذي يرتكن إلى وضع ظاهر واقعي ، من نتائج بطلان العقود التي يكون من حقهم التعويل على قيامها ، فبطلان العقد لا يمنع من وجوده كواقعة مادية قد توهم بوجوده القانوني ، ويتولد عن ذلك مظهر يوهم بأن العقد صحيح ، ويكون الشخص العادي معذورا في اعتقاده بصحة العقد وتعامله مع ذلك الوضع ، هنا ينبغي حماية تلك الثقة المشروعة تشجيعاً للائتمان العام . ومن أمثلة الحالات التي احترم فيها المشرع تلك الثقة .

1. الشركة الفعلية : اشترط القانون أن يكون عقد الشركة مكتوباُ وإلا كان باطلا ، وإلا أن هذا البطلان لا يحتج به في مواجهة الغير.
2. صورية العقد : إذا أبرم عقد صوري فلدائنى المتعاقدين وللخلف الخاص متي كانوا حسن النية ، أن يتمسكوا بالعقد الصوري ، كما أن لهم أن يتمسكوا بالعقد المستتر ويثبتوا بجميع الوسائل صورية العقد الذي أضر بهم . وإذا تعارضت مصالح ذوى الشأن ، فتمسك بعضهم بالعقد الظاهر وتمسك الآخرون بالعقد المستتر ، كانت الأفضلية للأولين .

فإذا تم إبرام بيع صوري صورية مطلقة ، وهنا لا يوجد في الحقيقة أي عقد ومع ذلك يجوز لدائن المشترى ولمن كسب منه حقا عينيا على الشئ محل التصرف الصوري ، إذا كان حسن النية ، أ، يعتبر أن العقد الصوري هو عقد حقيقي ، أو يرتب أموره على هذا الأساس

المطلب الثالث ( مجال تطبيق نظرية تحول العقد وإنقاصه )

أولا : البطلان الجزئي ( إنتقاص وتصحيح العقد )
هناك حالات لا يقتصر سبب البطلان فيها على جزء من العقد دون إن يصيب كل العقد ، إي إن مخالفة القانون لا تشمل العقد بأكمله بل تنحصر في شق أو شرط منه ، هنا يلجأ المشرع إلى أحد أسلوبين : –
أولا : البطلان الجزئي أو إنتقاص العقد ، حيث يتم إستبعاد الجزء الباطل ، ويظل الباقي صحيح باعتباره عقد مستقل ويتحقق ذلك في الغرض الذي لا يكون العقد فيها باطلا بأكمله ، وإنما يكون باطلا أو قابلا للبطلان في جزء منه وصحيح في الجزء الآخر .
الثاني : تصحيح البطلان ، حيث يتم إبطال الحكم المخالف للقانون في العقد وتصحيحه بما يتفق مع الحكم الأمر الذي نص عليه المشرع.

(أ ) – البطلان الجزئي أو الانتقاص .
إذا كان العقد في شق منه باطلا أو قابلا للإبطال ، فهذا الشق وحده هو الذي يبطل إلا إذا تبين إن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلا ، أو قابلا للإبطال فيبطل العقد كله ..
يعتبر ذلك الحكم عن فكره البطلان الجزئي أو إنتقاص العقد فالبطلان هو جزءا على مخالفة القانون ، ومن ثم يتعين إكماله في إطار الهدف ، ويجب بالتالي إن يقتصر البطلان على الشق المخالف للقانون في التصرف القانوني ، فإذا تضمن التصرف أو العقد شقا أو شرط غير مشروع ، فإن ذلك الجزء هو الذي يبطل ويظل الباقي منه صحيح ويرتب آثاره .

والهدف من ذلك هو الرغبة في إنقاذ العقد وتفادي البطلان الكلي بقدر الإمكان ، فإبقاء العقد خير من إبطاله ويساهم ذلك في استقرار المعاملات واقتصاد الجهد والنفقات ولكن يشترط لأعمال تلك النظرية شرطان.
أولا : قابلية العقد أو التصرف للتجزئة :
يشترط لإبطال العقد في شق منه مع بقائه قائم ثم قي باقي أجزائه . أن يكون المحل مما يقبل القسمة أو الانقسام بطبيعته ومعنى ذلك إذا كان محل العقد لا يقبل للانقسام بطبيعته فانه يترتب على بطلان جزء منه بطلان لعقد بأكمله .
يتضح مما سبق إن يشترط لإكمال نظرية البطلان الجزئي إن يكون الجزء المتبقي من العقد باطلا للوجود المستقل ، فيجب إن تتوافر آخر فيه العناصر القانونية الأساسية اللازمة لوجوده ويجب إلا يترتب على إستبعاد الجزء الباطل حدوث تغيير في تكيف العقد ، فإذا حدث مثل هذا التغيير نكون بصدد تحول العقد..

ثانيا : عدم تعارض الإنقاص مع إرادة المتعاقدين :

يقوم البطلان الجزئي على أساس تفسير إرادة المتعاقدين بمعنى عدم وجود مانع لديها مع الإبقاء على الجزء الصحيح في العقد ،إن انتقاص العقد مشروط بألا يتعارض مع قصد الطرفين ، حتى لا يتعارض مع مبدأ حرية التعاقد ، فإذا تبين إن أحد المتعاقدين لم يكن ليرضي إبرام العقد بغير الشق المعيب امتد البطلان إلى العقد بأكمله ..
ويتحقق ذلك في الحالات التي يكون الشق الباطل هو الباعث الدافع إلى التعاقد ولا يشترط إن يكون الشق الباطل دافعا لكل من المتعاقدين ، بل يكفي إن يتضح إن أيا من العاقدين ما كان ليقبل بغير الشق المصيب ، فإذا تبين إن الجزء أو الشرط الباطل هو الباعث الدافع لأحد المتعاقدين فإن العقد يبطل بكامله بشرط إن يكون في إمكان المتعاقد الآخر إدراك ذلك وذلك إكمالا لمبدأ الثقة المشروعة كأساس لمقتضيات استقرار التعامل .
ويجب على القاضي إن يتحرى إرادة الأطراف ليتبين عما إذا كان سيتم إبرام العقد لو لم يوجد الشق الباطل ، والإرادة المقصودة هي الإرادة المحتملة لأنه في الغالب لا يدور بذهن المتعاقدين توقع البطلان ، فإذا تبين علم الأطراف ساعة إبرام العقد ببطلان شق أو شرط منه كان قرينه على ارتضاء البطلان الجزئي ..
ويقع عبء الإثبات : على من يتمسك ببطلان العقد بأكمله ، فإذا تبين للقاضي إن سبب البطلان قاصر على شرط أو شق منه فإن على القاضي إن يعمل إحكام البطلان الجزئي .

( ب ) تصحيح البطلان أو تصحيح العقد : –
يضع المشرع ، أحيانا ، بعض القواعد القانونية التي تتعلق بالنظام العام الحمائي ويرمي هذا النظام إلى توفير الحماية لبعض الفئات الضعيفة التي يقتضى مركزها الاقتصادي غير المتوازن مع الطرف الآخر وضع شروط وضمانات معينة تكفل حمايتها ، مثل العامل والمستأجر ، فإذا تم إبرام العقد بالمخالفة لتلك الضمانات والشروط تعرض للبطلان ، ولكن البطلان هنا يقتصر على الأجزاء المخالفة ، وتحل النصوص الآمرة محل الشروط الباطلة ، ومن ثم يتم تصحيح العقد واستبقائه ، ولا يجوز الإبطال الكلي للعقد لان ذلك يؤدي إلى تفويت المصلحة المقصودة .
فإذا تم إبرام عقد عمل باجر يقل عن الحد الأدنى الذي فرضه المشرع ، هنا يتم إبطال بند الاتفاق على تحديد الأجرة ، والبطلان هنا مطلق لتعلق الأمر بالنظام العام الحمائي ، ويظل عقد العمل صحيحا قائما بشرط تصحيح ذلك الشق بما يتفق مع إحكام القانون ، إي رفع الأجر إلى القدر الذي يتمشى وصحيح القانون وكذلك الحال إذا تضمن عقد إيجار الشقة شروطا أو تحديدا للأجرة بالمخالفة للنصوص الآمرة التي قررها المشرع في قانون إيجار الإمكان ، هنا يتم تصحيح العقد بما يتفق وصحيح القانون

وكذلك الحال عندما يضع المشرع حدا أقصى لأحد الالتزامات الناشئة عن العقد . ويوجب تخفيض الاتفاق المخالف إلى هذا الحد وإعادة ما دفع زائدا عليه ، كوضع حد أقصى لسعر الفائدة ، فإذا اتفق على فوائد تزيد عن هذا الحد وجب تخفيضها ورد ما دفع زائدا على هذا القدر ، وإذا اتفق على البقاء في الشيوع مدة تزيد على خمس سنوات أنقصت المدة إلى خمس سنوات . وإذا اتفق على إنشاء ملكية الأسرة لمدة تزيد على خمس عشر سنة أنقصت المدة إلى خمس عشر سنة ..
يتضح مما سبق إن تصحيح العقد يختلف عن الانتقاص أو البطلان الجزئي من عدة وجوه : –

1. يتم التصحيح في بعض حالات البطلان المطلق لشرط في العقد لمخالفته للنظام العام ، إما الأنقاض أو البطلان الجزئي فيتحقق غالبا في حالات القابلية للإبطال ( البطلان النسبي ) بالإضافة إلى بعض حالات البطلان المطلق .
2. يقتصر البطلان الجزئي على إستبعاد الشق الباطل مع بقاء الشق الآخر صحيحا ، إما تصحيح العقد فيتم عن طريق التعديل إي استبدال الشروط الباطلة بشروط صحيحة متفقة مع نصوص القانون وليس مجرد الإنقاص ، هذا بالإضافة إلى إعادة ما تم دفعه بالمخالفة للقاعدة الأمرة التي وضعها المشرع .
3. يشترط لإعمال البطلان الجزئي إلا يكون متعارضا مع قصد إي من المتعاقدين ، إما التصحيح فيقع بقوة القانون دون النظر إلى ما كانت ستتجه إليه إرادة المتعاقدين ، ويجب على القاضي إجراء التصحيح حتى لو تبين إن المتعاقد ما كان ليبرم العقد بغير الشق أو الشرط الذي وقع باطلا وتم تعديله ..

ثانيا : تحول العقد

المقصود بتحول العقد .
إذا كان هناك تصرف باطل ، ويتضمن عناصر تصرف آخر صحيح ، هذا يتحول التصرف الباطل إلى هذا التصرف الصحيح ، إذا تبين إن إرادة المتعاقدين كانت تنصرف إلى إبرام هذا العقد ، وبعبارة آخرى إذا لحق البطلان العقد ، إما لأنه نشأ باطلا ، أو قابلا للإبطال ثم تقرر إبطاله وتبين إن هذا العقد يتضمن عناصر عقد آخر صحيح لم يقصده المتعاقدان ، هنا يقوم هذا العقد على إنقاص العقد الباطل ، أو أن العقد الباطل يتحول إلى العقد الصحيح مثال ذلك :بطلان الكمبيالة التي لا تستوفي شروطها الشكلية حيث تتحول إلى سند دين عادي ، كذلك إذا لم تتوافر شروط المحرر الرسمي في ورقة ، فإنها تتحول من محرر رسمي باطل إلى ورقة عرفية متى استوفت شروطها ، وبصفة خاصة إذا توافر لها شرط التوقيع وتظهير الكمبيالة لنقل ملكيتها إذا وقع بطلان لنقص بياناته فانه يتحول إلى تظهير توكيلي بقبض قيمة الكمبيالة . وإذا تم إبطال القسمة التي ترد على التمليك بسبب نقص أهلية أحد الشركاء ، فان هذه القسمة تتحول إلى قسمة مهيأة ، أي قسمة انتفاع إذا كان المتقاسم ناقص الأهلية مأذونا له في الإدارة ، وإذا كان هناك عقد بيع مدون في ورقة رسمية وكان الثمن فيه تافها إلى الحد الذي يجعل البيع باطلا لتخلف ركن الثمن ، ففي هذه الحالة يتحول البيع إلى هبه صحيحة لتوفر عناصرها .

ولا يتم إعمال فكرة تحول العقد إلا في حالة وجود مجال لإعمال البطلان الجزئي ، ويتم ذلك في حالتين :
الأولى : إذا كان البطلان قد شمل العقد بأكمله ، والثانية : إذا كان هناك شق باطل في العقد ويترتب على إستبعاده عدم توافر أركان العقد المقصود أصلا ، أو كان من شأن إستبعاد هذا الشق الباطل تغيير طبيعة العقد أو تكييفه .
والواقع إن التحول وسيلة فنية تستهدف الإبقاء على الرابطة العقدية الباطلة في ثوب جديد مختلف عن العقد المقصود أصلا ، فالتحول يرد على وصف العقد أو تكييفه وطبيعته إما البطلان الجزئي فيرد على كم العقد دون المساس بطبيعته

(أ ) – يلزم لتحول العقد توافر الشروط الثلاثة الآتية : –

بطلان التصرف الأصلي : يجب إن يكون التصرف باطلا أو قابلا للإبطال ثم يقضي ببطلانه فالتحول لا يرد على العقد الصحيح ، فإذا كان التصرف صحيحا فلا يجوز إن يتحول إلى تصرف آخر ولو تضمن أركانه ، حتى لو تبين ان العاقدين كانا يفضلانه على العقد الأصلي لو تبينا حقيقة امره ، فالهبه الصحيحة لا تتحول الى وصية حتى لو تضمنت فى نفس الوقت شروط الوصية ، ولو تبين ان المتعاقدين يفضلان الوصية على الهبه.
ويجب ان ينصب البطلان على كل العقد او على شق منه لا يقبل الانفصال عن جملة التصرف ، فإذا كان من الممكن فصل الشق الباطل دون تغيير طبيعه العقد فإنه يتم إنتقاص العقد اي اعمال البطلان الجزئي وليس التحول.
تضمن التصرف الأصلي لجميع عناصر تصرف آخر : يجب ان يشتمل التصرف الأصلي على جميع العناصر اللازمة لقيام التصرف الآخر . فالتصرف الباطل يضم بين طياته أركان تصرف آخر صحيح.

يجب استيفاء أركان العقد الجديد من خلال العقد الباطل وليس من خارجه ، فلا يجوز إجراء التحول إذا كان العقد الجديد يقتضي ادخال عنصر خارجي غير موجود بالعقد الأصلي ، فالعقد الباطل يجب ان يتضمن جميع عناصر التصرف الآخر الذي يتحول اليه فلو اشترى شخص منزلا تبين انه تهدم ووقع البيع باطلا لانعدام المحل ، فلا يجوز تحول العقد الى منزل آخر يملكه البائع حتى لو تبين ان ذلك يتفق مع قصد المتعاقدين لو تبينا ذلك ..
ويشترط فى التحول عدم إجراء اي تغيير فى المتعاقدين ، ذلك ان فكرة تحول العقد الباطل الى عقد صحيح تفترض قيام العقد الجديد بين نفس العاقدين بصفاتهما التي اتصفا بها فى العقد القديم ، فليس فى سلطة القاضي إجراء اي تغيير فى هذه الصفات لخروج ذلك عن نطاق التحول ، لذلك فان تحول العقد يكون ممتنعا إذا كان ذلك يستلزم ادخال متعاقد جديد لينعقد العقد …
يؤدي التحول الى ظهور تصرف آخر مغاير للتصرف الأصلي فى الطبيعه والآثار ، فالبيع فى مرض الموت يمكن ان يتحول الى وصية ، والرهن الباطل يمكن ان يتحول الى حق حبس .

إتجاه نية المتعاقدين المحتلمة إلى التصرف الجديد : لا يتم التحول إلا إذا قام الدليل على أن نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى الارتباط بالعقد الجديد لو تبينا ما بالعقد الاصلى من أسباب البطلان .
وليس المقصود هنا الإدارة الحقيقة لأن هذه الإدارة انصرفت فى واقع الأمر إلى العقد الأصلى الباطل . ولكن يكفي هنا الإدارة المحتملة أى نية الطرفين الاحتمالية ، أى أنه يكفي ممجرد احتمال هذا الرضاء ، فالقاضى يستخلص من ظروف الحال أنه كان من المحتمل رضا الطرفين بالعقد الجديد إذ كان التصرف الجديد محققاً للغاية العملية التى يهدف إليها المتعاقدان .
والتعرف على هذه الإدارة الاحتمالية يعد من مسائل الواقع التى بتقديرها قاضى الموضوع ولا معقب عليه فى ذلك متي أقام قضاءه على أسباب سائغه

الخاتمة

العقد احد مصادر الالتزام الإرادية والتي تتم باردة اطرافه والتي اوجب القانون توافر شروط محددة على وجه الخصوص حتى يرتب العقد آثاره المرجوة منه ،ومما لاشك فيه واستقر عليه العمل فقها وقاء انه لا خلاف حول ضرورة توافر شروط الانعقاد والتي اوجب القانون وجوب توافرها ، والتي إن تخلف احدها ترتب البطلان المطلق والذي يعتبر جزاء لتخلف احد أركان العقد ، وتماشيا مع فكرة النظام العام جعل المشرع من حق كل ذي مصلحة التمسك بتوقيع هذا الجزاء على العقد المعيب بتخلف احد أركان انعقاده ، وخفف المشرع من شدة جزاءه في حالة تخلف احد شروط الصحة والتي تؤثر على العقد نسبيا وحصر من له حق التمسك بالبطلان على طرف العقد والذي قرر لمصلحته البطلان ،بل الأكثر من ذلك أجاز المشرع لمن تقرر لمصلحته البطلان النسبي حق النزول عن حقه وإجازة العقد الذي هو نشأ صحيح منتج لآثاره ، ليؤكد بالإجازة أو بالتقادم في التمسك بالحق تحصين العقد القابل للبطلان من خطر توقيع جزاء البطلان .

تم بحمد الله

المراجــــع
1) الوجيز فى مصادر الإلتزامات د / عبد الرسول عبد الرضا – طــ 2012 م
2) الوجيز فى مصادر الإلتزام د / محمد حسين منصور دار الجامعه الجديدة الاسكندرية – طــ 2000 م
3) الوسيط فى مصادر الإلتزام – د / رمضان أبو السعود – طــ 2002 م
4) الوسيط مصادر الإلتزام – د/ رمضان أبو السعود – طــ 1994 م
5) الوجيز فى مصار الإلتزام – د/ مصطفى الجمال – طــ 1992 م

تم اعادة نشر البحث بواسطة محاماة نت – بعد الحصول عليه من مراجع و صفحات قانونية

 

بحث فى حالات بطلان العقودمقدمهان العقد أحد مصادر الإلتزام ، وهو توافق إرادتين او اكثر ، على تحقيق أثر قانوني معين ، …

Posted by ‎مذكرات وتش الجامعية‎ on Saturday, December 29, 2012