نفاذ التشريع

يمر وضع القانون بمرحلتين أساسيتين هما سن القانون ثم نفاذه أما في سن. القانون فيبتدئ بالمبادرة بمشروعه فعندما تكون المبادرة من رئيس الجمهورية نكون بصدد مشروع قانون وحن تكون المبادرة من النواب نكون بصدد اقتراح قانون.

لكي يكون القانون ساري النفاذ (المفعول)، لابد من توافر الإجراءين التاليين و هما: الإصدار و النشر.

المطلب الأول الإصدار:

و هو مرحلة (إجراء) تسبق نشر القانون.

– مفهومه: المقصود بالإصدار أن يقوم رئيس الدولة بإصدار أمر إلى رجال السلطة التنفيذية التي يرأسها، يعلمهم فيه بصدور القانون الجديد، و يوجب عليهم فيه تنفيذ ذلك القانون على الوقائع اللاحقة لتاريخ العمل به.

و هكذا أمر طبيعي لأن السلطة التشريعية هي صاحب الحق في وضع القانون و إقراره، إلا أنها لا تملك حق إصدار أوامر إلى رجال السلطة التنفيذية لتنفيذ القوانين، فهذا يدخل في اختصاص رئيس السلطة التنفيذية الذي خصه الدستور بحق إصدار الأوامر بتنفيذ القانون، حيث نصت المادة 126 من دستور 28 نوفمبر 1996 على ما يلي: ” يصدر رئيس الجمهورية القانون في أجل ثلاثين (30) يوما ابتداء من تاريخ تسلمه إياه …….” .

نستخلص مما سبق أن الإصدار هو عمل قانوني متمم للقانون ذاته حيث يوضع موضع التنفيذ، و يتضمن أمرين أولهما شهادة رئيس الدولة (الجمهورية) بأن البرلمان قد سن القانون وفق أحكام الدستور و ثانيهما أمر جميع الهيئات و السلطات بتنفيذ القانون كل حسب اختصاصه و موقعه.

– و الإصدار تأمر بالتنفيذ (تطبيق لمبدأ الفصل بين السلطات) ليس له محل بالنسبة للتشريع الفرعي، لأن هذا الأخير من وضع السلطة التنفيذية، و تتولى بنفسها تنفيذه في نفس الوقت.

– بعد إقرار القانون من السلطة التشريعية، و بعد إصداره من قبل رئيس الجمهورية (بصفته رئيس الجهاز التنفيذي) يتطلب سريانه أن يمر بمرحلة النشر، و هي المرحلة الثانية لنفاذ القانون.

المطلب الثاني النشر:

إن الغرض من البشر هو توفير وسيلة منضبطة يطمئن إليها المخاطبين بالعلم بالقانون.

و في الواقع أن العبرة من نفاذ القانون و سريان أحكامه تكون بتاريخ القانون، لا بتاريخ إصداره.

– مفهوم النشر: يعتبر النشر عملا ماديا، يأتي بعد الإصدار، و يتم بظهور القانون في الجريدة الرسمية للدولة (للجمهورية الجزائرية د.ش).

فالنشر إجراء لازم لكي يكون القانون ساري المفعول في مواجهة كافة الأشخاص، و لن يكون كذلك إلا بإعلانه للعامة و ذلك عن طريق نشره بالجريدة الرسمية، و بمجرد النشر يعتبر العلم به مفروضا، حتى بالنسبة لمن لم يطلع عليه بالجريدة الرسمية، أو بالصحف اليومية أو عن طريق الإذاعة و غيرها من وسائل الإعلام (طبقا لمبدأ لا يعذر أحد يجهل القانون).

– غير أن يعطى الدساتير تحدد بدء سريان القوانين بمهلة محددة من تاريخ نشرها بالجريدة الرسمية، و أحيانا ينص في أوامر إصدار القوانين على النشر أن يسري ابتداء من تاريخ محدد.

أما بالنسبة للجزائر فقد حسم المشرع هذا الأمر في قاعدة عامة أوردها في المادة الرابعة(4) من القانون المدني بقوله: ” تطبق القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الشعبية ابتداء من يوم نشرها في الجريدة الرسمية، تكون نافذة المفعول بالجزائر العاصمة بعد مضي يوم كامل من تاريخ نشرها، و في النواحي الأخرى في نطاق كل دائرة بعد مضي يوم كامل من تاريخ وصول الجريدة الرسمية إلى مقر الدائرة، و يشهد على ذلك ختم الدائرة الموضوع على الجريدة “.

سبق الذكر أنه ينبني على نشر القوانين بالجريدة الرسمية افتراض علم الكافة بها و تصبح سارية في مواجهة المخاطبين بها و لو لم يعملوا بها فعلا، و هذه قاعدة قانونية عامة، لأن يستحيل عمليا أن يحيط كل شخص علما بما يصدر من القوانين كل يوم و باستمرار.

و بمفهوم المخالفة تقابلها قاعدة عامة أخرى مؤداها ” إن الجهل بالقانون ليس عذرا ” و معنى ذلك أنه لا يجوز لأي شخص أن يتذرع عن مخالفته للقوانين بجهلها أو بعدم علمه بصدورها.

و أصل قاعدة عدم قبول الاعتذار أو التذرع بجهل القانون روماني و كان المقصود آنذاك أن المواطنين و الأجانب على السواء لا يجوز لهم الاعتذار يجهل القانون الروماني فيما يتعلق بالقواعد القانونية لقانون العقوبات، و لكن قد يقبل منهم الاعتذار بجهل قواعد القانون الخاص في المواد المدنية.

لقد تضمنت معظم الدساتير هذه القاعدة (عدم جوار الجهل بالقوانين) لأهميتها، و منها الدستور الجزائري الصادر في 1996 (آخر دستور) حيث أوردتها المادة (60) منه بقولها: ” لا يعذر بجهل القانون”.

و بالنشر في الجريدة الرسمية، يكون قد توفرت للمخاطبين بالقانون الوسيلة المنضبطة التي تمكنهم من العلم به.