دراسة وبحث قانوني فى الأسلحة الخفيفة

التعاون العربي في مجال تنسيق التشريعات وتوحيدها :
الكاتب الأستاذ الدكتور / محمد محيي الدين عوض
أستاذ القانون بأكاديمية نايف للعلوم الأمنية – المملكة العربية السعودية

المقدمـة :

السلاح ابتداءً هو كل أداة أو مادة تصلح للهجوم أو الدفاع .

ولكن من الأدوات البريئة التي لم تعد أساساً لكي تكون سلاحاً ما يصلح للهجوم أو الدفاع كسكين الجزار والساطور والمستحد والبلطة التي يستخدمها البستاني لتشذيب الأشجار ، والمقص المعد لتقليم الأشجار وفأس الفلاح … الخ ويطلق على هذه الأدوات إذا ما استعملت في غير ما خصصت من أجله أي في الدفاع والهجوم مصطلح الأسلحة مجازاً تمييزاً لها عن الأسلحة بطبيعتها أي التي أعدت أساساً لكي تكون أداة أو مادة للهجوم أو الدفاع ، والأسلحة بطبيعتها أنواع منها :

1- الأسلحة البيضاء : كالسيوف والشيش والسونكات والخناجر والرماح والسكاكين ذات الحد أو الحدين ونصال الرماح والنبال وأنصالها وعصا الشيش والخشت أو القضبان المدببة أو المصقولةالتي تثبت بالعصي والدبوس ( عصى تنتهي بكرة ذات أشواك ) والمطاوي قرن الغزال والبلط والسكاكين والجنازير والسنج أو أي أداة تستخدم في الاعتداء على الأشخاص دون أن يوجد لإحرازها أو حملها مسوغ من ضرورة شخصية أو حرفية والملكمة الحديدة ( البونية )(1) .

ويلاحظ أن بعض القوانين العربية لا تدرج الأسلحة البيضاء ضمن أنواع الأسلحة ، مثال ذلك قانون الأسلحة والذخائر الكويتي ( مرسوم بقانون رقم 13 لسنة 1991م ) الذي لم يوردها ضمن المادة الأولى الخاصة بالمصطلحات الواردة فيه .

وعرفت المادة الأولى فقرة ( هـ ) من نظام الأسلحة والذخائر السعودي رقـــــم م / 8 في 19 / 2 / 1402هـ (2) السلاح الأبيض بأنه يشمل كل أداة قاطعة أو ثاقبة أو مُهَشِّمَة أو راضّة كالسيوف والخناجر والمدي والحراب والعصي ذات الحربة والقبضات الأمريكيةوغيرها . ونصت المادة 12 من النظام على أنه « لا تخضع عمليات استيراد أو بيع أو حيازة أو حمل الأسلحة البيضاء للترخيص ولوزير الداخلية أن يخضع عمليات الإستيراد أو البيع لتنظيمات خاصة كما أن له أن يحظر حمل هذه الأسلحة في أماكن أو أوقات معينة .

2- الأسلحة النارية : وتشمل البنادق غير المششخنة ( المغلفنة ) (ذات الماسورةالمصقولة من الداخل كبنادق الصيد ) (3) ، والبنادق المششخنة من أي نوع والمسدسات بجميع أنواعها (4) . وقد قصرت المادة الأولى من قانون الأسلحة والذخائر الكويتي لسنة 1991م تعريف الأسلحة على البنادق والمسدسات بجميع أنواعها وأحجامها الصالحة لإطلاق الطلقات التي من شأنها قتل أو جرح من تصيبه .

أما نظام الأسلحة والذخائر السعودي رقم م / 8 لسنة 1402هـ فقد قسم الأسلحة النارية في المادة الأولى / ب ، ج إلى نوعين الأول هو الأسلحة الفردية وعرفها بأنها الأسلحة النارية المعدة للإستعمال من قبل شخص واحد كالمسدسات والبنادق العادية وفقاً لما تحدده اللائحة التنفيذية ، والثاني هو أسلحة الصيد وهي الأسلحة النارية ذات السبطانة الملساء التي صممت أصلاً لأغراض الصيد (5) .

3- الأسلحة الحربية : عرفتها المادة الأولى من نظام الأسلحة والذخائر السعودي م / 8 لسنة 1402هـ بأنها الأسلحةالنارية والذخائر التجهيزات التي صممت خصيصاً للاستعمال في العمليات الحربية كالرشاشات والمدافع والصواريخ وغيرها . ويدخل في حكم الأسلحة الحربية الأسلحة التي تستخدم الأشعة والغازات والسموم وأي سلاح عدا الأسلحة النارية الفردية وأسلحةالصيد وأسلحة التمرين والسلاح الأبيض والأسلحة الأثرية . وهي محظورة على غير الجهات الحكومية المختصة بصنع أو استيراد أو بيع أو حيازة أو تداول أو اقتناء أو إصلاح هذه الأسلحة وذخائرها أو معداتها أو قطع الغيار الخاصة بها ( م 2 من النظام ) .

ونصت المادة الثانية من قانون الأسلحة والذخائر الكويتي لسنة 1991م على أنه لا يجوز بأي حال حيازة أو إحراز أو استعمال المدافع أو المدافع الرشاشة وكاتمات الصوت . ونصت المادة الأولى في فقرتها الثانية من قانون الأسلحة والذخائر المصري لسنة 1954م على أنه : « لا يجوز بأي حال ترخيص الأسلحة المبينة في القسم الثاني من الجدول الثالث ( وهي المدافع والمدافع الرشاشة » هذا فضلاً عن كاتمات أو مخفضات الصوت والتلسكوبات التي تركب على الأسلحة النارية ، ولا يجوز لوزير الداخلية تعديل الأسلحة المبينة في القسم الثاني من الجدول الثالث إلا عن طريق الإضافـــــة إليهــــا (6) .

ويدخل ضمن الأسلحة الحربية الأسلحة ذات الدمار الشامل من قنابل وصواريخ ذات رؤوس نوية أو جرثومية أو بيولوجية أو كيماوية أو غازية سامة أو تلحق الضرر بالأعصاب (7) . ومن هذه الأسلحة ماهو محظور دولياً استعماله في المنازعات الدولية المسلحة كغاز الخردل ورصاص دمدم وغاز السارين السام سواءً كانت الدولة تجيز استعماله في قوانينها الوطنية أم لا ؛ لأن التشريع الوطني لا يصلح مبرراً لارتكاب الجرائم الدولية لسمو القانون الدولي الجنائي على القانون الجنائي الداخلي . وقد حظر بروتوكول جنيف استخدام المواد الخانقة السامة والجرثومية في الحروب ( 17 يونيو 1925م ) ولم تشهد الحرب العالمية الثانية استخدام الأسلحة الكيماوية ، ولكن إسرائيل استخدمت النابالم الحارق ضد أهداف مدنية وعسكرية سنة 1967م كما استعملت غــــــاز الأعصاب cs في عدوانها على لبنــــــــان (8) .

والأسلحة الجرثومية أو البيولوجية ( الحيوية ) ليست جرثومية فقط ولكن منها الطفيلية والفيروسية والفطرية ، وكذلك مادة الــ lsd وهي ذات تأثير على الأجسام والعقول معاً .

ويلاحظ أن كل أسلحة الحروب مدمرة للبيئة والإنسان، ولكن الأسلحة الكيماوية والبيولوجية تنفرد بأنها لا تؤثر إلا على الأحياء وأنها سهلة التحضير قليلة التكاليف لا يستغرق تجهيزها وقتاً في معامل ومختبرات بسيطة التجهيز ، ولذلك يصعب مراقبتها والسيطرة عليها وتنادي الدول بمنع صنعها واستخدامها في الحروب والمنازعات المسلحة . وكانت الأمم المتحدة قد أصدرت كتاباً عن الأسلحة الكيماوية والجرثومية (البيولوجية ) سنة 1969م قدم له يوثانت الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بقوله إن بإمكان كل الدول تقريباً بما فيها الدول النامية والصغيرة الحصول على هذه الأسلحة نظراً لسهولة تحضير بعضها بتكاليف زهيدة في مختبرات أو معامل بسيطة التجهيزات ، وهذه الحقيقة تجعل أمر السيطرة عليها ومراقبتها بالغة الصعوبة . ولذلك وضعت الدول قواعد ومعايير لحظرها في حين أنها لم تضع مثل هذه القواعد والمعاير لمنع الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة .

4- الأسلحة الحكمية : وتشمل أجزاء الأسلحة التي تصلح عند تركيبها أو تجميعها لكي تكون سلاحاً وكذلك الذخائر . ويدخل في ذلك كاتمات أو مخفضات الصوت والتلسكوبات التي تركب على الأسلحة النارية ( راجع أيضاً للتفصيل الجدول الرابع الملحق بقانون الأسلحة والذخائر المصري ).

وبناءً على ما تقدم تعتبر أسلحة نارية أجزاء الأسلحة النارية المنصوص عليها في الجدولين رقمي 2 ، 3 . ولكن الأجزاء التي لا تصلح بطبيعتها للاستخدام كسلاح وتلك التي تحدث صوتاً فقط فإنها لا تعد سلاحاً أما إذا كانت الأجزاء المستعملة صالحة للإستعمال كأجزاء بندقية أو مسدس يمكن إطلاقها فتعد سلاحاً .

ولكن ماهي الأسلحةالصغيرة والخفيفة ؟ عرف فريق الخبراء الحكـوميين المعني بالأسلحة الصغيرة في تقرير عام 1997م( a/52/298) الذي تضمنت توصياته الأربع والعشرين تقليل تكديس ونقل الأسلحة الصغيرة والخفيفة على نحو مفرط ومزعزع للأمن والاستقرار والذي سيهتدي به المؤتمر الدولي الخاص بالإتجار غير المشروع في الأسلحة من جميع جوانبه والذي عقد بناءً على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 53 / 77 بنيويورك في الفترة من 9 – 20 يوليو 2001م ، والذي طلبت فيه الجمعية إلى الفريق تحديد أهدافه ونطاقه وجدول أعماله .. الخ .

وسنتكلم فيما يلي عن تعريف الأسلحة الصغيرة والخفيفة وأهداف المؤتمر المذكور الذي تعتبر ورشة العمل هذه تمهيداً له ، وعن مجالات التنسيق بين تشريعات الدول العربية فيما يتعلق بالأسلحة الصغيرة والخفيفة

المبحث الأول :

تعريف الأسلحة الصغيرة والخفيفة وأهداف المؤتمر الدولي ونطاقه

سنتكلم في هذا المبحث في مطلبـين :

1- عن تعريف الأسلحة الصغيرة والخفيفة .

2- عن أهداف المؤتمر الخاص بها ونطاقه .

المطلب الأول :

تعريف الأسلحة الصغيرة والخفيفة

جاء في تقرير فريق الخبراء الحكوميين الخاص بالأسلحة الصغيرة المعين من قبل الأمين العام للأمم المتحدة بناءً على قرار الجمعية العامة رقم 52 / 38 في 9 ديسمبر 1997 والذي تم تشكيله عام 1998م تعريفاً للأسلحة الصغيرة وآخر للأسلحة الخفيفة نسوقهما فيما يلــــي (9) :

1- الأسلحة الصغيرة : هي الأسلحة المصممة أساساً للاستعمال الشخصي ، وتشمل هذه الأسلحة المسدسات العادية والمسدسات ذاتية التحميل والبنادق العادية والبنادق القصيرة والرشاشات الصغيرة وبنادق الهجوم والرشاشات الخفيفـــة .

2- الأسلحة الخفيفة : هي المصممة بحيث يستخدمها عدة أشخاص على هيئة طاقم . وتشمل الأسلحة الخفيفة الرشاشات الثقيلة ، وقاذفات القنابل المحمولة باليد والمركبة تحت مواسير البنادق والمحملة على مركبات والمدافع المحمولة المضادة للطائرات ، والمدافع المحمولة المضادة للدبابات ، والبنادق عديمة الارتداد ، والقاذفات المحمولة لإطلاق القذائف ، والمجموعات الصاروخية المضادة للدبابات والقاذفات المحمولة لإطلاق مجموعات القذائف المضادة للطائرات، والهاونات التي يقل عيارها عن 100 ملليمتر .

وتشكل الذخائر والمتفجرات جزءاً لا يتجزأ من الأسلحة الصغيرة والخفيفة ، ولذلك يطلق عليها الأسلحة الحكيمة كما قدمنا ، وتشمل خراطيش ( طلقات ) الأسلحة الصغيرة ومقذوفات وقذائف الأسلحة الخفيفة ، والقنابل اليدوية ، المضادة للأفراد ، والمضادات للدبابات ، والألغام الأرضية ، والمتفجرات والحاويات المتنقلة لقذائف أو مقذوفات منظومات الدفعة الواحدة المضادة للطائرات والمضادة للدبابـــات .

وتعد الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة من المعدات الأساسية للقوات المسلحة وقوات الأمن الداخلي . ولا شك في أن تكدس هذه الأسلحة في دولة من الدول وتسربها إلى المجرمين عن طريق سرقة المخازن أو الفساد أو الإهمال يزعزع الأمن والاستقرار ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بازدياد وتفاقم النزاعات الداخلية ، وارتفاع معدلات الجريمة وأعمال العنف والمعاناة الإنسانية (10) .

وللأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة خصائص تجعلها مفضلة في كثير من الصراعات المعاصرة وبخاصة العمليات التي تقوم بها قوى خارجة على القانون وشبكات الإجرام المنظم والجماعات الإرهابية ، وهي أسلحة فتاكة ورخيصة نسبياً وسهلة النقل والإخفاء ولا تحتاج إلى كثير من الصيانة ، ولذلك يمكن استعمالها دائماً بسهولة كما أنها من السهل الحصول عليها سواءً بطريق مشروع أو غير مشروع .

ويجب أن نبادر هنا إلى تأكيد حق الشعوب في الكفاح ضد الإحتلال الأجنبي والعدوان بمختلف الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح من أجل تحرير أراضيها والحصول على حقها في تقرير مصيرها واستقلالها . وقد نصت على ذلك صراحة اتفاقية الدول العربية لمكافحة الإرهاب الصادرة عن مجلسي وزراء الداخلية والعدل العرب في أبريل/نيسان 1998م في المادة ( 2 / أ ) بقولها : لا تعد جريمة، حالات الكفاح بمختلف الوسائل ، بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الإحتلال الأجنبي والعدوان من أجل التحرير وتقرير المصير وفقاً لمبادئ القانون الدولي ، وهذا ما يعطي المقاومة المسلحة للمحتل من جانب الفلسطينيين صفتها المشروعـــة .

ولا شك في أن الرد على هذه المقاومة من جانب المحتل بجميع الأسلحة من صغيرة وخفيفة وثقيلة ودبابات وطائرات وقطع بحرية بقصد إخمادها دون اللجوء إلى محاولة تلافي ذلك عن طريق المفاوضات والوسائل السلمية إنما هو من قبيل إرهاب الدولة .

ولاحظ أن المقاومة المشروعة خلاف الأعمال الإجرامية الإرهابية الموجهة عادة إلى المواطنين الآمنين وبطرق وحشية للفت النظر إلى مشكلتهم وليس إلى المستعمر أو المحتل وآلياته وأفراده العسكريين . والهدف دائماً من المقاومة هو الوصول إلى التحرر وتقرير المصير والاستقلال ، أما الأعمال الإرهابية فقد يكون هدفها سياسي وقد يكون هدفها الابتزاز أو حماية جماعات الإجرام المنظم في أنشطتها الإجراميـــة .

المطلب الثاني :

أهداف المؤتمر الخاص بالأسلحة الصغيرة والخفيفة ونطاقه

وسنتكلم عن الأهداف في فرع أول وعن نطاقه في فرع ثانٍ .

الفرع الأول : أهداف المؤتمر

أهداف المؤتمر كما رسمها فريق الخبراء الحكوميين الخاص بالأسلحة الصغيرة والخفيفة الذي استعان بالأكاديميين في عمله هي كما وردت في تقرير الفريق المرفوع إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بمذكرة الأمين العام :

« يوصي الفريق بضرورة أن يكون هدف المؤتمر هو تطوير وتعزيز الجهود الدولية المبذولة لمكافحة الإتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة من جميع جوانبه ومنعه والقضاء عليه ، ولهذه الغاية ينبغي أن تشمل أهداف المؤتمر ما يلي :

أ- تعزيز أووضع معايير على الصعيد العالمي والإقليمي والوطني من شأنها تقوية وزيادة تنسيق الجهود المبذولة لمنع ومكافحة الإتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة .

ب- وضع تدابير دولية متفق عليها لمنع ومكافحة الإتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة والأسلحةالخفيفة وصنعها ، وللحد من العمليات المفرطة والمزعزعة للاستقرار لتكدس وتنقل هذه الأسلحة في أنحاء العالم، مع تركيز خاص على مناطق العالم التي تنتهي فيها الصراعات حيث يتعين القيام على وجه الإستعجال بمعالجة المشاكل الخطيرة المتعلقة بانتشار الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة .

ج- تعبئة الإرادةالسياسية على صعيد المجتمع الدولي برمته لمنع ومكافحة عمليات نقل وتصنيع الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، وزيادة الوعي بطابع وخطورة المشاكل المتداخلة المرتبطة بالإتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة وتصنيعها والتكديس والانتشار المفرطين والمزعزعين للاستقرار لهذه الأسلحة.

د- تعزيز مسؤولية الدول فيما يتعلق بتصدير الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة واستيرادها وعبورها وإعادة نقلها (11)