بحث قانوني و دراسة حول التدخل الإنساني و إشكالية السيادة

مقدمة :

أدى الاهتمام الدولي بحقوق الإنسان، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، إلى اهتزاز المبادئ التقليدية الأساسية للقانون الدولي، لكون هذا القانون الذي ينظم العلاقات بين الدول لا يتلائم مع التطورات الجديدة التي أصبح فيها الفرد يتمتع بحماية النظام الدولي. ومن أهم المبادئ التقليدية التي تعرضت للاهتزاز،مبدأ السيادة المطلقة للدولة ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية باعتبار أي تدخل في شؤون الدولة المستقلة ذات السيادة يعد انتهاكاً لسيادتها.
وقد تعرض مبدأ السيادة المطلقة للاهتزاز منذ أن سمحت الدول الغربية لنفسها بالتدخل العسكري الإنساني في العديد من الدول منذ أواخر القرن التاسع عشر، مستندة في ذلك إلى فكرة الحماية الإنسانية والحماية الدبلوماسية. وبعد دخول مسألة حقوق الإنسان إلى نطاق القانون الدولي ثار الخلاف القانوني حول جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول لمنع انتهاك حقوق الإنسان، مما آثار الجدل حول مبدأ السيادة باعتباره مطلقاً أم نسبياُ خصوصاً مع التغيرات الدولية الجديدة.
وانطلاقا مما تقدم نحاول في هذه الدراسة بيان أثر التدخل الإنساني على سيادة الدولة وذلك من خلال الفرضية التي مفادها أن التدخل الإنساني أثر فى مفهوم السيادة المطلقة للدولة نتيجة للتفسير المرن لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مما جعل طبيعة العلاقة بين الاختصاص الداخلي والاختصاص الدولي لصالح الأخير.
وبناء على هذه الفرضية ستقسم الدراسة إلى ثلاثة محاور أساسية يتركز المحور الأول حول تراجع مفهوم السيادة المطلقة،والمحور الثاني يتناول تفسير مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة، أما المحور الثالث فسوف ينصب على بيان جدلية العلاقة بين الاختصاص الداخلي والاختصاص الدولي.

أولا- تراجع مفهوم السيادة المطلقة إلى مفهوم السيادة النسبي:

يعنى مفهوم السيادة المطلقة على الصعيد الدولي، التصميم القادر على رفض التدخل في شؤون الدولة من جانب أية هينة أجنبية عنها،فالدولة لاتخضع عند مباشرتها لخصائص السيادة لأية سلطة خارجية أيا كانت طبيعتها بما في ذلك القيم الأخلاقية إلا برضاها واستجابة لمصالحها الوطنية.ومع التغير الناتج عن انتقال السيادة من الملوك إلى الشعوب باعتبارها مصدر السلطات،أصبحت السيادة تمارس لحساب الأخيرة، الأمر الذي نقل مفهوم السيادة من الجانب السلبي المتمثل برفض الامتثال لأي سلطة خارجية، إلى جانب إيجابي متمثل بإدارة الدولة لشؤونها الداخلية والخارجية وفقاً لمصلحتها الوطنية، حتى لو كان من شأن ذلك تجاوز اختصاصها الإقليمي وبالتالي التسلل إلى اختصاص الدول الأخرى.(1)
والسيادة هي الهيمنة الشرعية داخل إقليم معين، وهناك اختلاف بين السيادة المشروعة بواسطة القانون والسيادة الفعلية القائمة بحكم سيطرة الأمر الواقع، فالأولى مطلقة داخل حدود الدولة باستثناء ما تحد من سلطتها بإرادتها من خلال اتفاق تعقده مع حكومة دولة أخرى، تسمح لها بممارسة بعض النفوذ داخل حدودها، أما السيادة الفعلية بحكم الأمر الواقع، فيندر إيجاد سلطة كاملة لحكومة دولة ما على كل ما يحدث داخل حدودها السياسية، ويعود ذلك إلى زيادة التفاعل والتداخل بين الدول بسبب الاعتماد الاقتصادي المتبادل. فمثلا عندما أراد الحزب الاشتراكي الفرنسي عام 1981 تغيير السياسة الاقتصادية للدولة، هرب رأس المال إلى الخارج،وانخفضت قيمة الفرنك الفرنسي، الأمر الذي دفع الحكومة الفرنسية إلى العودة لتتبنى نفس السياسة المشتركة مع الدول الأوروبية الأخرى، وهكذا لم يؤثر الاعتماد المتبادل فى السياسة القانونية لفرنسا، لكنه حتم سيطرتها على أرض الواقع.(2)

والدولة بصفتها تنظيماً سياسيا ًذا سيادة ،تتميز بخاصية احتكار القوة المادية وتكلف بوظيفة سياسية تهدف إلى حفظ النظام والسلام، ودعم التنظيم الاجتماعي والاقتصادي، ولذلك فإن هناك جانبين للسيادة، الجانب الداخلي الذي يعنى امتلاك الدولة للسلطة الشرعية المطلقة على جميع الأفراد والمجموعات التي يتعين عليها إطاعة الدولة داخل إقليمها، وأي انتهاك لهذه الأوامر يعرضهم للعقاب، أما الجانب الخارجي فيعنى الاستقلال عن كل رقابة وتدخل من أية دولة أخرى أومنظمة دولية، وهنا ينشأ التميز بين دولة كاملة السيادة وأخرى ناقصة السيادة.(3)
وقد اتفقت الدول الأوروبية في مؤتمر وستفاليا عام 1648 على مبدأ السيادة الإقليمية من أجل تحقيق السلام الدولي، وكنتيجة ثانوية لهذا المبدأ، اعتبرت الطريقة التي تعامل بها الدولة الأفراد الذين يقيمون داخل أراضيها مسألة داخلية، ولم تكن حقوق الإنسان جزءاً من السياسة الدولية رغم بعض الاستثناء منذ مؤتمر وستفاليا وحتى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد قبلت الدول هذا المبدأ لأنها رأت فيه إفادة في تحقيق السلام والاستقرار الدوليين.(4)
لكن النظام الويستفالي لسيادة الدولة، أصبح ضعيفاً في نهاية القرن العشرين، حيث لاحظ الاقتصادي الفرنسي فرانسو بيرو( Perroux) أن هناك ظواهر متعددة وبسبب طبيعتها لا تستطيع الحكومات السيطرة عليها ، لأنها تنبثق في وقت واحد في أماكن عديدة وتهم العديد من الدول في نفس الوقت،حيث لا يمكن فهم الاقتصاد العالمي إذا اقتصر الاهتمام على ما يحدث داخل الحدود الجغرافية السياسية فقط، فنفوذ المصارف المركزية ومراكز الاستثمار وبيوت المال التي تهدف إلى إعادة توجيه أو تعميم الاستثمارات يتجاوز حدود الجغرافيا السياسية، كما أن هذا التعاون قد يتم على الرغم مما قد تتخذه الحكومات من ترتيبات لإعاقته، وهكذا تنزع الأنشطة الاقتصادية عن طريق استخدام التقنيات الحديثة نحو اللامكانية.(5)
وعليه تتناقض قدرات الدول تدريجياً بدرجات متفاوتة فيما يتعلق بممارسة سيادتها في ضبط عمليات تدفق المعلومات والأموال والسلع والبشر عبر حدودها، لأن الثورات الهائلة في مجالات الاتصال والإعلام قد حدّت من أهمية حواجز الجغرافيا والحدود. كما حد توظيف التكنولوجيا المتطورة في عمليات التبادل التجاري والمعاملات المالية من قدرة الدولة على ضبط السياسة المالية والضريبية، وقدرتها على محاربة الجرائم الاقتصادية، بل إن القوة الاقتصادية الضخمة للشركات العملاقة تسمح لها بممارسة الضغط على حكومات الدول والتأثير فى قراراتها السيادية، مما دفع إلى التساؤل عن مستقبل الدولة القومية في ظل هذه التحولات.(6)

لقد انعكست التطورات الاجتماعية الدولية على تطور مفهوم السيادة، فالانتقال من العزلة إلى حالة التضامن، الذي أخذ يظهر في شكل علاقات تعاون بين الدول لمواجهة الحاجات والمصالح الوطنية المتزايدة، وهي في معظمها ذات طابع اقتصادي، أدى إلى قيام نظام الاعتماد المتبادل الذي أخذت فيه كل دولة على نفسها المساهمة في تحقيق مصالح المجموعة الدولية، وهو ما لا يتم إلا بالاعتراف بحد أدني من الضوابط الضرورية لاستمرار سلامة العلاقات الدولية،وهذه المعطيات الجديدة للنظام الدولي عملت على ترويض مفهوم السيادة الوطنية المطلقة بحيث يتم التخلي عن بعض الحقوق السيادية وفقاً لما يتطلبه الصالح العام الدولي. وهو ما يعنى إفراغ السيادة من مضمونها الناضج بامتيازات السلطة المطلقة، وإعطائها مضموناً جديداً قائماً على نشاط وظيفي لصالح الهيئة الاجتماعية الدولية، وقد كان هذا التخلي عن بعض حقوق السيادة الوطنية بحكم الضرورة وليس اختياراً بإرادة الدولة، نتيجة للتطور المستمر للجماعة الدولية.(7)
وإذا كانت الدولة ذات السيادة ما هي إلا فكرة قانونية تنعكس عليها آثار التطورات الدولية بالتغيير والتحرير لمختلف خصائصها، فإنه ستظهر مفاهيم وعلاقات جديدة بين الدولة ومواطنيها.حيث تتعرض الدولة في عالمنا المعاصر لعوامل عديدة، أدت إلى فشلها في حماية سيادتها الإقليمية، ومنها التطور الكبير في العلاقات الاقتصادية الدولية وثورة الاتصالات وانتشار الأسلحة الفتاكة التي أدت إلى إحلال سياسة الأمن الجماعي محل الأمن الإقليمي الجامد بسبب ضعف القدرات الدفاعية للطبيعة الإقليمية الدولية، والثورة العلمية الضخمة والسريعة التي جعلت من العسير التخطيط لمواجهة حقائق المستقبل نظراً لعدم ثبات الجديد وقد أضعفت هذه التطورات الحديثة نظام الدولة الوطنية.(8)
وتجدر الإشارة إلى أن دول العالم الثالث تعد الأكثر تأثراً بهذه التطورات نظراً لاعتبارات عديدة منها ضعف الدولة وعدم رسوخ مؤسساتها ولاسيما مع تفاقم حدة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى تدني القدرة التكنولوجية لهذه الدول وضعف أطر التعاون الإقليمي بينها.

إن هذه التطورات الدولية تمس سيادة الدولة على رعاياها، حيث تشهد هذه السلطة جانباً من الانتقاص التدريجي عند دخول الدولة علاقات متعددة مع الدول الأخرى، لأن هذه العلاقات تخضع لبعض الضوابط العامة التي تهز من سلطان الدولة القائم على منطق القوة تخضعه لمنطق الحق والقانون، وذلك يعني أن تغيراً قد أصاب مبدأ السيادة بتحوله من مبدأ سياسي قائم على فكرة الإدارة العامة باعتبار الأمة مصدرا للسلطات يستخدم لإضفاء الشرعية على أية حركة سياسية، إلى مبدأ قانوني يتبع ظهور دولة القانون التي مردها إلى فكرتين تبناهما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: الأولى وهي أن الغاية من كل تنظيم سياسي هي المحافظة على الحقوق الطبيعية التي لا تتقادم، الثانية هي أن هذه الحماية لاتتحقق إلا بالقانون، فتتحول الدولة بأدائها الوظيفة الجديدة إلى مجموعة من المرافق العامة.(9)
ويتغير مضمون مبدأ السيادة تبعاً لتغير العلاقات الدولية التي تتغير وفقاً لتزايد الحاجات المشتركة وتغيرها، وهذا ماعكسه اتجاه تطور التنظيم الدولي من نقطة الفوضى باتجاه مرحلة القبض على جميع السلطات الدولية وبالمقابل ينطلق مفهوم السيادة من نقطة الإطلاقية إلى نقطة انعدام السلطة. بالتالي فإن تحول العلاقات الدولية من حالة العزلة إلى حالة التضامن الدولي، عمل باتجاه تحقيق وحدة العالم، بفعل الثورات التكنولوجية التي قصرت الأبعاد الجغرافية بين الدول وجعلت الوطنية بينها حدوداً واهية، وهو ما وضع حداً لتجزئة الإنسانية إلى أمم متفرقة ووحدها برباط الأخوة الإنسانية الذي أبرز فكرة المصلحة الإنسانية العالمية التي تسمو على المصالح الوطنية للدول. ومن هنا تبرر الصفة الإنسانية للمصلحة الدولية حينما تخضع علاقاتها لمجموعة من المبادئ والمؤسسات القانونية من أجل تحقيق الخير العام الدولي. وهو مايتطلب بالضرورة تغير وظيفة الدولة التقليدية المكلفة بالحراسة والأمن، إلى الوظيفة الجديدة المتمثلة بفكرة الدولة الحانية القائمة على تحقيق الخير لمواطنيها ولجميع البشر، بفعل انتشار أفكار المساواة والعدل والرفاهية التي تخطت الحدود الوطنية إلى النطاق الدولي، ما صاحب ذلك من اعتبار هذه القيم ضرورية لتحقيق السلام والأمن الدوليين.(10)

والسيادة بصفتها مفهوماً قانونياً لايمكن أن تعكس الواقع بطريقة دقيقة تماماً لأنها في أحد معانيها مطلقة في حين أن الوقائع نسبية، لذلك أدت العلاقة بين المفاهيم القانونية والعلاقات الاجتماعية المؤثرة، واستقلالها النسبي إلى انفصال المفاهيم القانونية عن الوقائع كي تصبح مستقلة عنها تماماً، ولذلك تعتبر السيادة مفهوماً شكلياً صرفاً، حيث الحق في التشريع وصك النقود وتحقيق العدالة وغيرها من مضامين السيادة ، وهي تاريخية مشروطة ولايمكن أن تكون ثابتة، كما أنه يستحيل وضع قائمة بالاختصاصات التي ينبغي أن تقوم بها دولة ذات سيادة، وبدون ذلك لن تكون كذلك، فهذه الاختصاصات متغيرة عبر التاريخ، وما ينبغي أن تقوم به سلطة الدولة (أ) لا يعنى بالضرورة أن تقوم به سلطة الدولة (ب) .(11)
لقد استخدم مبدأ السيادة كأداة لتحقيق استقرار نظام الدولة الوطنية ،فبعد معاهدة وستفاليا أصبح لكل دولة الحق في التمتع بسيادتها الإقليمية وتحقيق مصالحها دون أن تدمر كل منها الأخرى أو تتعدى على النظام الدولي الذي تمركز في القارة الأوروبية مسلماً بفكرة الدولة المستقلة ذات السيادة باعتبارها الوحدة الرئيسية في النظام، وأن الدول متساوية أمام القانون وتتولي الحفاظ على النظام المدني داخل أراضيها، وتعمل على إقامة علاقات جيدة مع الدول الأخرى. لكن في التعامل الواقعي بين الدول ظهر عدم المساواة بينها، فنشأت ثلاثة نظم ساعدت على الاستقرار في نظام لامركزي من العلاقات الدولية وزعت فيه الموارد توزيعاً غير عادل، هو توازن القوى لمنع ظهور دولة مسيطرة واحتوائها، ووضع المعايير لقواعد السلوك الدولي ولحل الخلافات، ثم قيام الدول العظمى بمسؤوليتها في حفظ النظام الدولي من خلال مؤسسات متفق عليها، فكان إنشاء عصبة الأمم ثم هيئة الأمم المتحدة وكان للأخيرة دور مهم في ظهور الدولة المستقلة حديثاً جراء تفكك الإمبراطوريات الأوروبية الاستعمارية،هذه الدول هي الأكثر حساسية لتدهور مفهوم السيادة والأكثر تخوفاً من تدخل المجتمع الدولي كذريعة لبسط نفوذ الدول العظمى من جديد.(12)

وبعد الحرب العالمية الثانية، ظهر الفرد كوحدة قانونية يتمتع بحقوق عامة وخاصة،وهو ما شكل تحدياً لمبدأ سيادة الدولة التقليدي.فبعد أن أصبح الفرد يحظى باهتمام القانون الدولي من خلال ظهور قانون الإنسان ومبدأ المسؤولية الدولية عن الجرائم العالمية الموجهة إلى سلامة وأمن البشرية، لم يعد بوسع صانع القرار انتهاك حقوق الإنسان تحت مظلة مبدأ السيادة الوطنية، لانهيار حجته بأنه يمثل الدولة أو يطيع أوامرها العليا،حيث أصبحت حقوق الإنسان مسألة تهم الجماعة الدولية والقانون الدولي، ولم تعد تتعلق بالمجتمعات القومية وتخضع للقانون الداخلي،وهذا ما أكده القاضي الياباني ( تانكا Tanke ) في قضية جنوب غرب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية معلقاً على أهمية حقوق الإنسان (يستمد مبدأ حماية حقوق الإنسان من فكرة أن الإنسان هو شخص، ومن علاقته مع المجتمع التي لا يمكن فصلها عن الطبيعة الإنسانية،وأن وجود حقوق الإنسان لا يعتمد على إرادة الدولة لا من خلال تشريعاتها الداخلية ولا من خلال معاهداتها الدولية، فليس بمقدور الدول خلق حقوق الإنسان وإنما يمكن لها التأكيد على وجودها وحمايتها، ولذلك فإن دور الدولة ليس أكثر من دور إيضاحي، حيث وجدت حقوقه مع وجوده وقبل وجود الدولة. وحتى الأشخاص الأجانب في دولة ما أو الذين لا ينتمون إليها يجب ألاّ يجردوا منها، وقد حظي مبدأ حماية حقوق الإنسان بالاعتراف كقاعدة قانونية بموجب ثلاثة مصادر في القانون الدولي: الاتفاقيات الدولية والعرف الدولي ومبادئ العدالة .(13)
وإذا كان مبدأ السيادة يفترض أن الروابط بين الدولة ورعاياها،لا تدخل ضمن نطاق العلاقات الدولية ، فإن التسليم بوجود حقوق دولية للإنسان يعنى بداهة أن مجالاً من المجالات السياسية للاختصاص المطلق للدولة ، قد أصبح محلاً لتدخل القانون الدولي بالتنظيم والحماية،ومثل هذا الأمر لا يمكن تقبله بسهولة لأن من أساسيات القانون الدولي التسليم بسيادة الدولة،ويلاحظ أن مبدأ السياسة مازال يعوق اضطلاع المنظمات الدولية بإعداد نظام أكثر فعالية للدفاع عن حقوق الإنسان .(14)

وفي هذا المجال اعتبر بطرس غالي الأمين العام المركز للأمم المتحدة ” سابقا” (أن الانتقال من حقبة دولية إلى أخرى، إنما يتمثل في احتلال مجموعة جديدة من الدول الأعضاء مقاعدها في الجمعية العامة، ودخول هذه الدول يعيد تأكيد مفهوم الدولة باعتبارها الكيان الأساسي في العلاقات الدولية ووسيلة الشعوب لتحقيق وحدتها وإسماع صوتها في المجتمع الدولي. ولئن كان احترام سيادة الدولة ووحدة أراضيها لايزال محورياً، فمما لامراء فيه أن المبدأ السائد منذ قرون – مبدأ السيادة المطلقة – لم يعد قائماً، والواقع أنه لم يكن أبداً مبدأ مطلقاً بالدرجة المتصورة له نظرياً، ومن المقتضيات الفكرية الرئيسية لزمننا أن نعيد التفكير في مسألة السيادة لا من أجل إضعاف جوهرها الذي له أهمية حاسمة في الأمن والتعاون الدوليين وإنما بقصد الإقرار أنها يمكن أن تتخذ أكثر من شكل وتؤدى أكثر من وظيفة،وهذه الرؤيا يمكن أن تساعد على حل المشاكل سواء داخل الدول أو فيما بينها، وحقوق الفرد وحقوق الشعوب تستند إلى أبعد من السيادة العالمية التي تملكها البشرية قاطبة والتي تعطى جميع الشعوب حقاً مشروعاً لشغل نفسها بالقضايا التي تمس العالم في مجموعه،هذا المعنى يجد أنعكاسا متزايداً له في التوسع التدريجي للقانون الدولي، ويتصل بذلك الاعتراف بأن الدول وحكوماتها لا تستطيع بمفردها مواجهة أو حل المشاكل القائمة اليوم فالتعاون الدولي لا مناص منه ولا غنى عنه .(15)

ورغم أن مبدأ السيادة مبدأ من المبادئ الأساسية في تكوين الدولة، ومازال يشكل حجر الزاوية في بنية القانون الدولي، فإن التغيرات والتحولات الدولية أدت إلى تغير مفهومه التقليدي، وأبرزت التفرقة بين المفهوم القانوني للسيادة الذي يقوم على المساواة القانونية بين الدول وحقها في الاستقلال وإدارة شؤونها بحرية في المجالين الداخلي والدولي، والمفهوم السياسي للسيادة الذي يقوم على الممارسة الفعلية لمظاهر السيادة بناء على ما تحوز عليه الدولة من إمكانيات يوفرها التقدم العلمي والتكنولوجي، مما يعنى أن هناك دولاً كاملة السيادة وأخرى ناقصة السيادة كما غيرت مفهوم السيادة المطلقة وجعلته نسبياً.(16)
وهذه التطورات الدولية برهنت على أن مبدأ السيادة المطلقة غير قادر على مواجهة الحقائق المعقدة، فقد نضج العالم بحيث أصبح في غنى عن فكرة السيادة، لأنها لا تخلق سلاماً و لا تعطى ضمانات للعدالة أو للحريات ولا تحقق شيئاً لآمال الإنسانية، فأصبحت كما قال ( لينينLennin) فوضى الأطفال أو كما قال(جورج سل Scelle) إذا بقيت السيادة الخارجية دعامة بحيث تحدد كل دولة من خلالها ما تريده، فإنه يجدر بنا أن نقول عندئذ لا أمل وسنبقى على أبواب جهنم إلى الأبد.(17)
ويمكن القول بأنه أمام التطورات الدولية، تراجع مفهوم السيادة من صيغته المطلقة إلى صيغة نسبية، بحيث يصبح وسيلة وليس غاية ،ويعمل على تحقيق الخير العام الداخلي والدولي باعتبار الإنسان الهدف الأسمى له، ولم تعد السيادة مبرراً لانتهاك حقوق الإنسان الأساسية لاسيما أن الدولة ملتزمة في ممارستها لمظاهر سيادتها بالقانون الدولي وما يتضمنه من التزامات تفرض عليها احترام حقوق الإنسان وكرامته .

ثانياً-تحول مبدأ عدم التدخل من التفسير الجامد إلى التفسير المرن

يعد مبدأ عدم التدخل من المبادئ التقليدية الراسخة في القانون الدولي،وقد انبثق عن فكرة السيادة التي ترتب عليها منع أية دولة من التدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى باعتبار أن التدخل يعد انتهاكاً لسيادتها ويعرض النظام الدولي للخطر.وأن التزام الدول باحترام حقوق بعضها البعض يفرض عليها واجب عدم التدخل في الشؤون الخاصة بغيرها ،وقد جعل بعض الفقهاء من مبدأ عدم التدخل مبدأ مطلقاً إلا إذا كانت الدولة في حال دفاع شرعي،كما أخذت لجنة القانون الدولي للأمم المتحدة في مشروعها الخاص بحقوق وواجبات الدول عام 1947، بهذا الرأي عندما نصت المادة (3) على أنه(يجب الامتناع عن أي تدخل في الشؤون الداخلية والخارجية لدولة أخرى ).(18)
وإزاء ماتكشف عنه الحياة الدولية من زيادة التداخل بين مصالح الدول المختلفة، وما تبع ذلك من عدم إمكانية مراعاة مبدأ عدم التدخل بصفة مطلقة واضطرار الدول في بعض الأحيان إلى الخروج عنه لصيانة مصالحها الخاصة أو المصالح العامة للجماعة الدولية، اضطر الفقهاء إلى اعتبار التدخل عملاً غير مشروع في الأصل مع التسليم بأن هناك حالات يجوز فيها التدخل على سبيل الاستثناء إذا وجدت أسباب مشروعة تبرر ذلك.(19)
وبذلك تبني الفقه الدولي مبدأ عدم التدخل كأساس للتفاعلات الدولية ، فهذا المبدأ يقيد سلوك الدولة ويمنع ارتكابها لسلوكا يشكل اعتداء على سيادة دولة أخرى، فعدم التدخل هو الحالة المعبرة عن ظروف عدم المساس بالوحدة الترابية واستقلال دولة أخرى. بذلك يوفر هذا المبدأ الاستقرار للنظام الدولي، يحمي أمن وسلام الدول ومصالحها الوطنية. بالرغم من أن فكرة عدم التدخل ترجع إلى فقه المدرستين الطبيعية والواقعية خلال القرنين السابع والثامن عشر فإنها لم تصبح قاعدة قانونية ملزمة دولياً في القرن العشرين،عندما توصلت دول أمريكا اللاتينية في مؤتمر (مونتيفيديو Montevideo)عام 1973 إلى تبني اتفاقية خاصة بحقوق وواجبات الدول نصت المادة (8) منها على أنه لا يحق لأية دولة التدخل في الشؤون الداخلية أو الخارجية للدول الأخرى، كما شكل مبدأ عدم التدخل المحور المركزي الذي قامت حوله منظمة الدول الأمريكية حيث تضمنت المادة (7)من ميثاقها(أنه لا ينبغي التعدي على حرمة الوحدة الترابية لدولة عضو،ولا يمكن اخضاع أية دولة ولو مؤقتاً لاحتلال عسكري أو لأي شكل من أشكال الأعمال القمعية من طرف دولة أخرى، مهما كانت الأسباب والظروف،باستثناء التدخل الجماعي لدول المنظمة في أزمة داخلية أو حرب أهلية عندما تؤثر حالة الفوضى هذه فى السلم والأمن على المستويين الإقليمي والعالمي).(20)
وأصبح مبدأ عدم التدخل عنصراً قانونياً هاماً في ميثاق الأمم المتحدة عام 1945 وبعد صدور عدد من القرارات عنها في هذا الشأن، فقد أقرت المادة(2/1) صراحة بمبدأ المساواة القانونية بين الدول الأعضاء بقولها (تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها) وقد أقر مؤتمر سان فرانسيسكو تفسير عبارة المساواة في السيادة بأنها تشمل العناصر التالية: الدول متساوية قانونياً بحيث تتمتع كل دولة بالحقوق التى تتضمنها السيادة الكاملة، كما أن شخصية الدولة مصونة وكذلك سلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي، ويلاحظ على أن هذه المساواة تعنى أن الدول متساوية أمام القانون الدولي وتطبق عليها قاعدة قانونية واحدة، ولا تعني أنها متساوية في مركزها الداخلي في الهيئة الدولية ،لأن الميثاق منح بعض الدول العضوية الدائمة في مجلس الأمن وحق النقض.(21)
وبالرغم من عدم إدراج مبدأ عدم التدخل صراحة في الميثاق فإن هناك عددا من الإشارات إليه، فالمادة (2/4) التي تنص على أن (يمنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة) فسرت بأن على الدولة ألاّ تحدث تعديلاً على الاستقلال السياسي والوحدة الإقليمية للدول الأخرى. كما أن المادة (2/7) التي تنص على (ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذا لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع ) ويلاحظ على هذا المبدأ أنه قصد أن يكون عاماً يسري على جميع وجوه نشاط الأمم المتحدة وسائر فروعها وبذلك يقيد من تدخل الهيئة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للدول الأعضاء حتى لا تصبح هذه الهيئة دولة عالمية أو كيانا يعمل لصالح مجموعة من الأعضاء .(22)
وقد حاولت الدول الضعيفة استغلال هذا المبدأ ،لتحوله إلى قاعدة قانونية دولية مطلقة من خلال إصدار الجمعية العامة عددا من الإعلانات منها:إعلان عدم جواز التداخل في الشؤون الداخلية للدول وحماية استقلالها وسيادتها رقم(2131) لعام 1965، وقد نصت الفقرة الأولى منه على (أن الجمعية العامة إذ تدرك أن المراعاة التامة لمبدأ عدم تدخل الدول في الشؤون الداخلية والخارجية للدول الأخرى ،هي ضرورة لتحقيق مقاصد الأمم المتحدة، تعلن رسمياً أنه ليس لأي دولة حق التدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة ولأي سبب كان في الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة أخرى، ويشجب بالتالي كل تدخل مسلح أو غير مسلح أو أي تهديد يستهدف شخصية الدولة أو عناصرها السياسية والاقتصادية والثقافية).(23)
كما أصدرت الجمعية العامة إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة رقم (2625) لعام 1970 الذي تضمن مبدأ خاصاً بواجب عدم التدخل في الشؤون التي تكون من صميم الولاية القومية للدولة الذي نص على أن (ليس لأية دولة أو مجموعة من الدول أن تتدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة ولأي سبب كان في الشؤون الداخلية أو الخارجية لأية دولة أخرى،ولذلك فالتدخل بكافة أشكاله والذي يستهدف شخصية دولة وعناصرها يمثل انتهاكاً للقانون الدولي ، ولا يجوز لأية دولة استخدام التدابير السياسية أو الاقتصادية أو أي نوع آخر من التدابير لإكراه دولة أخرى على النزول عن ممارسة حقوقها السيادية أو للحصول منها على أية مزايا…ولكل دولة حق غير قابل للتصرف في اختيار نظمها السياسية والاقتصادية والثقافية دون أي تدخل من جانب دولة أخرى.(24)

وأصدرت الجمعية العامة إعلان عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية بجميع أنواعه رقم (36/103) لعام 1981، وقد تضمن هذا الإعلان تفاصيل مبدأ عدم التدخل،فحدد حقوق الدول في السيادة والاستقلال وحرية اختيار نظامها السياسي والاجتماعي بالإضافة إلى حقها في تملك المعلومات بحرية، ثم في القسم الثاني حدد الإعلان واجبات الدول في الامتناع عن جميع أشكال التدخل التي تهدد حقوقها السابقة. وقد اعتبر الإعلان في المادة (2/ل) أن على الدول واجبا في الامتناع عن استغلال وتشويه قضايا حقوق الإنسان كوسيلة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول أو لممارسة الضغط عليها أو لخلق الفوضى، وعدم الثقة داخل الدولة أو فيما بين مجموعات الدول، وفي نفس الوقت اعتبرت المادة (3/ب) أن من حق الدول وواجبها أن تدعم حق المصير والاستقلال للشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية أو الاحتلال الأجنبي أو النظم العنصرية فضلاً عن حق هذه الشعوب في خوض كفاح مسلح وسياسي لتحقيق هذه الغاية وفقاً لمقاصد ومبادئ الميثاق، كما اعتبرت المادة (3/ج) أن من حق الدول وواجبها مراعاة جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتعزيرها والدفاع عنها والعمل للقضاء على الانتهاكات الجسيمة والصارخة لحقوق الدول والشعوب وبوجه خاص العمل للقضاء على الفصل العنصري وجميع أشكال التمّيز العنصري.(25)
وتعرض القضاء الدولي لمبدأ عدم التدخل ، ففي قضية كورفو بين بريطانيا وألبانيا ، قررت محكمة العدل الدولية عام 1949 أنه لايمكن اعتبار حق التدخل المزعوم سوى مظهر من مظاهر سياسة القوة التي أسيء استعمالها في الماضي بشكل خطير،وبالتالي لا يمكن أن تحتل أي مكانة في القانون الدولي مهما كانت نواقص القانون الدولي، ولذلك اعتبرت المحكمة الدولية حق التدخل الفردي الذي يتم دون موافقة المنظمة الدولية وسيلة سياسية محظورة وغير مشروعة .(26)
كما اعتبرت محكمة العدل الدولية في قضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها عام 1986، التدخل محظورا عندما يصعب على المسائل التي يسمح مبدأ سيادة الدولة باتخاذ قرار فيها بحرية ومنها اختيار نظامها السياسي والاقتصادي وتقرير سياستها الخارجية،حيث رفضت المحكمة ادعاءات الولايات المتحدة بأن تدخلها كان من أجل إلزام نيكاراغوا على بتنفيذ التزاماتها الداخلية التي تعهدت بها أمام منظمة الدول الأمريكية ولم تنفذها في مجال احترام حقوق الإنسان وإقامة نظام ديمقراطي باعتبار أن المسألة داخلية بحتة تخص نيكاراغوا، وليس للولايات المتحدة أي حق في التدخل لأن ذلك يخرق قاعدة حظر القوة في العلاقات الدولية ويناقض مبدأ احترام سيادة الدول الأخرى ويشكل خرقاً لمبدأ عدم التدخل.(27)

ورغم أن مبدأ عدم التدخل يشكل حجر الزاوية في العلاقات الدولية، فإن الممارسات الدولية تكشف عن عدم تقيد الدولة في سياستها الخارجية، فهي تبرر التدخل إذا اتفق مع مصالحها الدولية، وتستنكره إذا لم يكن لها فيه مصلحة، وبذلك تعرض هذا المبدأ للاهتزاز، وإذا كانت الدول الاشتراكية والنامية قد تمسكت بمبدأ عدم التدخل باعتباره مبدأ عاماً وجامداً يشمل جميع الدول بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي والاقتصادي القائم فيها، وأنه لا يقبل أية استثناء حتى لو كان الأمر متعلقا بحماية حقوق الإنسان، باعتبار أي سلوك دولي لايلتزم بهذا المبدأ يعنى توجيه مسار معين للدولة المعنية وفرض أسلوب محدد عليها، هو مايعد انتهاكاً لسيادتها. فإن الدول الغربية تمسكت بالتفسير المرن لمبدأ عدم التدخل، باعتبار أن للدول والمنظمات الدولية الحق في حماية حقوق الإنسان في أية دولة أخرى، لأنها تهم الإنسانية جمعاء وتفرض واجباً على الدول بحمايتها بغض النظر عن النظام القانوني الذي ينتمي إليه الإنسان بجنسيته. عليه لا يجوز أن تصطدم حقوق الإنسان بمبدأ السيادة،لأنه لا يمكن إعمال مبدأ السيادة إلا إذا كان المتدخل أجنبياً، لأنه لايعد اهتمام أي فرد من أي دولة بانتهاك حقوق الإنسان في أي دولة أخرى أجنبية باعتبار أن فكرة حقوق نفسها تنادي بوحدة الإنسانية بصرف النظر عن الاختلافات الدينية أوالعنصرية، فالإنسانية وحدة تشمل أفراداً لهم نفس الحقوق، وبالتالي على كل عضو فيها واجب احترام هذه الحقوق والعمل على فرض احترامها وحمايتها.(28)
إن مبدأ عدم تدخل الدولة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، شرط أساسي لتحقيق السلام الدولي كما أنه ضمان يقدم الحماية للدول الصغيرة من السياسات الإمبريالية للقوى الكبرى حيث يضمن حرية الضعيف في وجه القوى ،ويحقق الاستقلال الذي هو المضمون الثابت للسيادة .وهكذا يتوخى مبدأ عدم التدخل ، ضمان حرية الدول، في أن تتبع السبيل الأكثر نجاعة لمصالحها الوطنية ويضمن تحريم اللجوء إلى التدابير الإكراهية ضد إرادة الدولة، ويصبح لهذا المبدأ وظيفة اجتماعية سياسية هي تحقيق الحرية للشعوب والحفاظ على السلام الدولي.(29)

ولذلك يقدس القانون الدولي ومواثيق المنظمات الدولية مبدأي سيادة الدولة وعدم التدخل، لأن سلطة الإلزام لهذه الهيئات الدولية ضعيفة، فالدول غير مستعدة لقبول تشريعات ملزمة لها وذلك لتفاوت علاقات القوة بينها على المستوى العالمي، الأمر الذي يعني أن القاعدة القانونية الدولية تفرض بالقوة من قبل الدول العظمى،سواء تبنتها عن طريق العرف أو الاتفاقيات الدولية أو عن طريق فرض القرارات تبعاً للفصل السابع من الميثاق.(30)
ومع تطور العلاقات الدولية تطور مضمون مبدأ عدم التدخل، وانعكست عليه التغيرات التي أصابت مفهوم السيادة، الأمر الذي أحدث تحولاً في تفسيره من الناحية الجامدة إلى الناحية المرنة وهو ما أثر فى جدلية العلاقة بين الاختصاص الداخلي والدولي.

ثالثاً- جدلية العلاقة بين الاختصاص الداخلي والاختصاص الدولي

إن التقارب بين الدول دعم الإحساس بفكرة المصلحة الدولية المشتركة التي أحدثت تغيرات جذرية في بنية القانون الدولي، وبالذات فكرة السيادة، فقد قبلت الدول بموجب المواثيق الدولية تغيرات جوهرية في فكرة السيادة، وأعلت المصلحة الدولية على المصالح الوطنية الفردية، الأمر الذي اقتضى وضع قيود على مبدأ السيادة الوطنية سواء في تحريم اللجوء إلى الحرب أو الاعتراف بالحقوق والحريات الأساسية للأفراد أو بدور المنظمات الدولية في العلاقات الدولية وغيرها.
وتعتبر فكرة التنظيم الدولي شاهدا حقيقيا على محور السيادة المطلقة وغير المسؤولة، فتاريخ تطور التنظيم الدولي هو إلى حد ما تاريخ لتطور القيود الموضوعة على السيادة، ولذلك عند تعارض السلطان الدولي مع السلطان الداخلي يستبعد الأخير، لأن المصلحة الدولية المتمثلة بتحقيق السلم والأمن الدوليين وبتطور التعاون الدولي يتحقق من خلالها المصالح الوطنية للدول، ولذلك كرس حق الرقابة من جانب التنظيم الدولي مبدأ السيادة المقيدة أو السيادة بمفهومها الجديد باعتبارها نشاطا وظيفيا يعمل لخير البشرية،كما دعم هذا المفهوم الجديد للسيادة تحول طبيعة وظيفة الدولة من دولة البوليس إلى دولة الرفاهية.(31)
لقد أصبحت التضحية بجزء من حقوق السيادة الوطنية شرطاً ضرورياً من أجل استمرار الدولة نفسها واستمرار الجماعة الدولية، وإذا كان حسن سير العلاقات الدولية يتطلب وضع حد فاصل بين الحقوق الوطنية والحقوق الدولية منعاً للتناقض،فإن الاعتراف بمنطقة الحقوق الوطنية أخذت تنحسر لصالح منطقة الحقوق الدولية، التي أخذت تتسع تدريجياً بسبب الاعتبارات التي أخذت تضغط على الجماعة الدولية للتدخل في منطقة الصلاحية الوطنية حفاظاً على مصلحة السلام الدولي، وقد ظهرت نتيجة هذا التدخل باتجاهين: الأول اتساع نطاق الحقوق الدولية الذي يعنى النمو التدريجي للسيادة الدولية، والثاني التضييق المطرد لنطاق الحقوق الداخلية بما يعنى الاختفاء التدريجي للسيادة الوطنية.(32)

وقد أدى تماس النطاقين الدولي والوطني عند حدود الدولة المستقلة إلى تقليص دائرة اختصاص وتوسيع دائرة صلاحية الجماعة الدولية، التي أخذت تتحول إلى وحدة كيانية لها مصالحها الخاصة التي تختلف عن مصالح الدول فرادى، وبالفعل بدأت السيادة تضيق إلى الحد الأدنى في ظل المنظمات الدولية المعاصرة لتلبية الاحتياجات الدولية في ظل نظام الاعتماد المتبادل الذي أفقد السيادة مبرر وجودها إذا لم تتم ممارستها في سبيل تحقيق الخير العام للمواطنين داخل الدولة. وعلى الصعيد الدولي تفقد الدولة شرعيتها إذا كان مبعث ممارستها المصالح الوطنية الضيقة ،التي تضحي بمصالح الدول الأخرى أو تصبح عبئاً على حريات أعضاء الجماعة الدولية.وقد أوضح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن مبدأ السيادة أصبح ذا طابع إنساني.(33)
ترتب على اعتبار العلاقات الدولية في حالة الطبيعة، باعتبارها علاقات قوة بين دول ذات سيادة ، واعتبار الأخيرة الفاعل الوحيد في هذه العلاقات دور في إيجاد حاجز مانع يفصل المسائل الخارجية دون أن يكون بينهما اتصال. لكن هذا الفصل لم يعد له ما يبرره في ظل التطورات الهائلة في وسائل الاتصال التي مزجت بين الناس والمصالح والأفكار،كما لم تعد الدولة هي الفاعل الوحيد الأساسي،ولذلك اعتبر المؤرخ (ديروزيل Duroselle) أنه كلما توغلنا في القرن العشرين، وجدنا أن الأحداث الخارجية تمارس نفوذاً على الدول من خلال العقليات الجمعية، حيث لم يكن في بداية القرن للاضطرابات في الهند أو شيلي أية أهمية، ولم يلتفت إليها أحد باعتبارها أحداثا عابرة، أما اليوم فنجد أعداد كبيرة من البشر تنحاز وتتحمس من أجل قضايا تقع في هذه الدول.(34)
ومع ظهور عصبة الأمم برزت مشكلة تحديد الاختصاص الداخلي والاختصاص الدولي، فاختصاصات المنظمة الدولية تمس سيادة الدول الأعضاء، لذلك حاول صانعو عهد العصبة تهدئة روع مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي خشي من تدخل العصبة في الشؤون الأمريكية الخاصة كالهجرة والتعريفة الجمركية،من خلال نص المادة(15/8) على أنه (إذا دعي أحد طرفي النزاع وثبت لمجلس العصبة أن النزاع يتدخل بمسألة تدخل طبقاً للقانون الدولي في الاختصاص الداخلي البحت لأحد طرفي النزاع، فليس للمجلس أن يقدم أية توصيات بشأن تسويته). وبذلك تعامل المجلس مع النزاعات التي تعتبر مسألة داخلية باعتبارها مسألة قانونية أوكل أمر البت فيها إلى مشورة القانونيين الدوليين، مما أدى إلى إيجاد مبدأ قانوني تمثل في رأي المحكمة الدائمة للعدل الدولي بخصوص مراسم الجنسية في تونس ومراكش عام 1923 والقاضي بأن قبول دولة ما لالتزامات تعاهدية فيما يتعلق بمسألة معينة يترتب عليه استبعاد هذه المسألة من النطاق الداخلي البحت.(35)

إن العلاقة بين الاختصاص الداخلي والاختصاص الدولي مسألة ذات أهمية لاتصالها الوثيق بالسيادة الوطنية، ومع التداخل المستمر بين الاختصاصين الداخلي والدولي بفعل تشابك وتداخل المصالح، لم يعد هناك فاصل محدد بين حدود المصلحة الداخلية وحدود المصلحة الدولية، الأمر الذي انعكس على تطور القانون الدولي، فأصبحت الكثير من المسائل التي اعتبرها هذا القانون من أمهات الحقوق الداخلية مسائل دولية صرفة بتطور العلاقات الدولية. وبلور عهد العصبة دور الجماعة الدولية في تحديد نطاق المجالين الداخلي والدولي وفقاً للظروف الاجتماعية الدولية المتطورة والمتغيرة مع اعترافه بوجود منطقة محرمة من الحقوق، تتمتع بها الدولة بالسيادة وتحدد في ضوء القانون الدولي.(36)
وقد أخرج التعامل الدولي جملة من الموضوعات من المجال الداخلي إلى المجال الدولي كلما أثر ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على السلم الدولي ،وبذلك تكون عملية تحديد الاختصاص قد انتقلت من الطابع القانوني إلى الطابع السياسي، وعليه يكون معيار التفرقة للبت في مسألة ما، معيارا فنيا مرنا تمتد جذوره في المعطيات السياسية التي عاقت صائغي الميثاق عن رسم حدود واضحة بين المجالين المتقابلين، وعلى أساس ذلك مكن هذا التماس بينهما إلى أن تحصل هجرة لكثيرة من المسائل الداخلية إلى المجال الدولي، وعملت الأمم المتحدة على ممارسة رقابتها على هذه المسائل وتنظيمها وفقاً لأهدافها .(37)
وهو ما قصدته صياغة المادة (2/7) من الميثاق بحيث تكون قابلة للتطبيق على كل أعمال الأمم المتحدة المنصوص عليها في الميثاق، فيما عدا تلك الأعمال المتعلقة باتخاذ تدابير القسر للمحافظة على الأمن والسلم الدوليين، كما أن الميثاق لم يحدد الجهة التي يرجع إليها للفصل في مسائل الاختصاص الداخلي وتجنب ذكر القانون الدولي كمعيار للحكم، ولذلك عولجت مسألة العلاقة الدستورية بين المنظمة العالمية والدول المكونة ولها كمسألة سياسية، فقد تركت الخبرة العملية للأمم المتحدة اتجاها واضحاً نحو توسيع نطاق الاختصاصات الدولية، وقد دل على هذا الاتجاه قبل حدوثه اتساع دائرة النشاط الوظيفي للميثاق وما فيه من شمول وإحاطة مقارنة بعهد العصبة، فقد نص الميثاق على إنشاء المجلس الاجتماعي والاقتصادي لمعالجة المشكلات ذات العلاقة، كما أن الدول لا تصدق على ميثاق يحتوى نصوصاً تتعلق بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، إذا كانت هذه الدول تؤمن بالسياسة الاستعمارية كمسألة داخلية تهم الدول صاحبة المستعمرات وحدها ولا تلتزم – كذلك – ببذل مجهود تعاوني لإنماء التمتع بحقوق الإنسان والدفع بها قدماً على المستوى العالمي، إذا كانت تتمسك بمبدأ السيادة المطلقة في معاملة رعاياها على أي نحو تعسفي لكن الدول باعتبارها قد صدقت على الميثاق، تكون قد التزمت مقدماً بمفهوم واسع وعريض للمهمة التي يقع على الأمم المتحدة القيام بها.(38)

إن تطور هذا الاتجاه كان عملية سياسية، باعتبار أن الأجهزة السياسية للمنظمة هي المسؤولة عن البت في المسائل المتعلقة بالاختصاص الداخلي أو الدولي، دون الإحالة إلى أية جهة قانونية، فكان معيار الحكم في هذه المسائل معياراً سياسياً، يهتم بخلق نظام دولي قادر على تحقيق الأهداف المثالية لمؤتمر(سان فرانسيسكو). ولقد لعبت اعتبارات المصلحة الوطنية للدول الأعضاء دوراً حاسماً في البت في هذه المسائل، حيث أكدت فروع الأمم المتحدة اختصاصها بالنظر في أية مسألة تعرض عليها، ولم تسلم بحق الدولة في فرض تفسير مقيد للاختصاص الدولي من جانب واحد، واعتبرت أن الصحة الفنية للدفع بالاختصاص الداخلي، لا يمكن أن يمنع الأمم المتحدة من إشغال بالها بقضية ترى أنها تمس المحافظة على السلام العالمي وتحقيق المقاصد الأساسية للميثاق، لاسيما أن أي عضو في المنطقة الدولية يستطيع وضع أية مسألة على جدول أعمال الجمعية العامة، إذا استطاع جمع الأصوات اللازمة لها مهما كانت الاحتجاجات القانونية.(39)
ورغم أن الميثاق قد قصد من المادة ( 2/7) عدم تدخل الأمم المتحدة في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، إلا أنه لم يحدد هذه الشؤون الداخلية. ويجمع الفقهاء على أن الأمم المتحدة هي صاحبة السلطة في معرفة كون مسألة ماتدخل في دائرة الشؤون الداخلية أم الدولية، كما أنه إذا أبرمت معاهدة دولية بشأن مسألة ما مما يدخل في الشؤون الداخلية للدول، فإن هذه المسألة تصبح ذات صفة دولية ولا يعود ممكناً للدولة أن تدعي أنها من صميم الاختصاص الداخلي. بالإضافة إلى أنه يحتج بهذه المادة إذا اتخذ مجلس الأمن ما يراه ضرورياً لحفظ السلم الدولي بموجب الفصل السابع، وهو ما أدى إلى نقل العديد من المسائل الداخلية إلى النطاق الدولي بفعل تشابك المصالح الدولية. ولذلك سيظل تحديد هذه المسائل الداخلية ذا طابع سياسي مادام الميثاق لم يحددها في نطاق معين، وما دامت الدول تفضل التسويات السياسية في الأمم المتحدة، على حساب التسويات القانونية التي تتم في المحكمة الدولية.(40)

وطبقاً للمادة (2/7) فإن الأمم المتحدة لا تتدخل في المسائل التي تدخل بصفة أساسية في نطاق الاختصاص الداخلي لأية دولة، لكن بتفسير وتطبيق أحكام الميثاق التي تفرض التزامات على عاتق الدول الأعضاء، يتم توسيع اختصاصات أجهزة الأمم المتحدة بحيث تشمل مسائل يمكن القول بأنها تدخل في نطاق السلطان الداخلي للدول، ولاسيما أن وجود مسألة معينة تدخل نطاق الاختصاص الداخلي للدولة من عدمه أمر نسبي يتوقف على تطور العلاقات الدولية، فالمسائل التي تدخل في نطاق الاختصاص الداخلي قد تتضمنها معاهدة دولية فتنتقل إلى نطاق الاختصاص الدولي، أما المسائل التي لا توجد بشأنها التزامات دولية صريحة فتدخل تلقائياً في نطاق الاختصاص الداخلي للدول، وعليه تحدد الاهتمامات الدولية نطاق الرقابة الدولية على مسألة ما.(41)
ولذلك يجب أن تأخذ فكرة السلطان الداخلي طابعاً مرناً ومتغيراً طبقاً لتطور الأحداث الدولية، وهذا ما قررته المحكمة الدولية وما جرى عليه العمل في الأجهزة الدولية، بأنه إذ تقيدت حرية الدولة في معالجة إحدى المسائل بما يقع على عاتقها من التزامات دولية سواء بمقتضى القانون الدولي أو المعاهدات الدولية، فإن هذه المسألة لا تعد داخلة في نطاق الاختصاص الداخلي. ويتسم هذا الطابع المرن لفكرة السلطان الداخلي بالتطور المستمر للقانون الدولي بشكل عام، وإن هذه الفكرة تختلف من دولة إلى أخرى تبعاً لما إذا كانت هناك معاهدات تحكم المسألة محل البحث من عدمه، ولذلك لا يجب أن تفسر المادة (2/7) تفسيراً حرفياً أو اعتبار نصها ميتاً جرت العادة على مخالفته.(42)

ويتوقف تفسير المادة (2/7) على مواد الميثاق الأخرى، باعتبار أن أي جزء من المعاهدة يجب ألا يفسر في عزلة عن الأجزاء الأخرى منها، ولذلك يجب عدم الافتراض بأن الدول الأعضاء قصدت إبطال أو التقليل من شأن ما تعاقدت عليه عن طريق الإخلال بالأغراض السياسية للمعاهدة ومنها حقوق الإنسان. وإذا كانت هذه المادة لم تحدد الجهة التي يحق لها الفصل في المسائل المتنازع عليها، فإنه من المتفق عليه أن سلطة الفصل في هذه المسائل وتفسير بعض مواد الميثاق، تثبت للجهاز الدولي نفسه المكلف بتطبيق مثل هذه المواد، فلكل جهاز الحق في تحديد اختصاصاته بنفسه، ولذلك تقوم الأجهزة السياسية للأمم المتحدة بتحديد اختصاصاتها والفصل في المسائل ذات الطابع القانوني التي تعرض عليها، فالجمعية العامة تعتبر مسألة الاختصاص من قبيل المسائل الهامة التي يتعين الفصل فيها بأغلبية ثلثي الأصوات، أما مجلس الأمن فيعتبر تلك المسائل من قبيل المسائل الموضوعية ومن ثم تخضع لحق الفيتو. ولذلك لا تعتبر الأمم المتحدة بحثها مسألة ما تدخلا في نطاق الاختصاص الداخلي، إذا خاطب القرار المتعلق بمسألة داخلية دولاً معينة، ولذلك تشعر أجهزة الأمم المتحدة بحريتها في اتخاذ القرارات التي تتناول المسائل التي تدخل بصفة أساسية في الاختصاص الداخلي للدول، متى كان القرار يوجه من الناحية الشكلية إلى جميع الدول الأعضاء فيخلق مبدأ عاماً ولا يتضمن اتخاذ عمل ما ضد دولة معينة أو في أراضيها، وقد استقر الرأي على أن هذه القرارات لا تشكل تدخلا من جانب الأمم المتحدة.أما العمل من جانب مجلس الأمن ضد إحدى الدول أو في أراضيها والذي يشكل تدخلا في سلطانها الداخلي فإنه قد نص الميثاق على إباحته صراحة متى كان من تدابير القمع بمقتضى الفصل السابع. ولذلك يجب أن تمتنع أجهزة الأمم المتحدة عن إصدار قرارات لدولة معينة أو دول محددة تنطوي على تقييد سلوكها أو تتخذ أعمالاً ضدها، فيما عدا الاستناد إلى الالتزامات الدولية وبوجه خاص الإخلال بها.(43)
إن التسليم بوجود حقوق دولية للإنسان يعنى بداهة أن مجالاً من مجالات الأساسية للاختصاص الداخلي للدولة قد أصبح محلاً لتدخل القانون الدولي بالتنظيم والحماية، وهو ما لاتقبله الدولة بسهولة، لاسيما أن من الدعائم الأساسية للقانون الدولي التسليم بالسيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، لكن مسألة حقوق الإنسان لم يعد يشملها الاختصاص الداخلي للدول شأنها في ذلك شأن مسألتي الاستعمار وتدعيم السلام وهو ما كشفته ممارسات الأمم المتحدة في رقابة سلوك الدول الأعضاء بخصوص حقوق الإنسان في حالتي تهديد السلم والأمن الدوليين.(44)

وحماية حقوق الإنسان بفعل المفاهيم القانونية المعاصرة التي تبنتها الأمم المتحدة،قد جعلت من هذه الحقوق مسألة دولية لا تقتصر على الاختصاص الداخلي للدول فقط ويعتمد ذلك على مجموعة من الاعتبارات التي تستند إلى فكرة المصلحة الدولية، بمعنى أن أساس مسألة حقوق الإنسان وانتقالها من المجال الداخلي إلى مجال العلاقات الدولية، يستند إلى تحقيق كل دولة مصلحتها، وليس إلى أساس قانوني متمثل بطبيعة النصوص القانونية التي تحتويها أو نبل المبادئ التي تسعي إلى تحقيقها. وقد أخذت الأمم المتحدة بمعيار المصلحة الدولية في تناولها مسائل حقوق الإنسان وخاصة مسألة حق تقرير المصير والقضاء على الفصل العنصري، باعتبار هذه المسائل تمس مصلحة الجماعة الدولية وعيشها بسلام وأمن، ومن جانب أخر فإن مناقشة أوضاع حقوق الإنسان في دولة ما يخضع لمعايير الانتقائية والاختيارية، كما أن إخضاع هذه المسائل لاختصاص المنظمات الدولية لا يتم طواعية، وإنما من خلال الضغوط التي تمارسها هذه الدول والمنظمات الدولية.(45)
ويدل الاهتمام الدولي بحقوق الإنسان على المجال الواسع الذي أخذ فيه نطاق الاختصاص الدولي يتزايد تزايداً ملموساً، ويتم ذلك من خلال التوسع في تفسير النصوص القانونية أو في استنباط الصلاحيات الضمنية أو في التوسع بتفسير نظرية السلام الدولي، وقد انعكس تطور اهتمام الجماعة الدولية بحقوق الإنسان تبعاً لتطور العلاقات الدولية، على فكرة السيادة المرتبطة بمبدأ المجال الداخلي الذي لا يمس، فأصبحت القضايا المتروكة للاختصاص الداخلي تتحول بمعاهدة جماعية أو ثنائية إلى قضايا دولية، لاسيما أن هناك ربطا بين الاعتداء على حقوق الإنسان وتهديد السلام العالمي والتعاون الدولي، ولذلك عملت الأمم المتحدة على تضييق المجال المحفوظ، بمقدار ما تكون المسائل المعتبرة داخلياً متعارضة مع أهدافها في حفظ السلام والأمن الدوليين .(46)

وعندما تحدث الميثاق عن حقوق الإنسان، قصد الحقوق القانونية المعترف بها من جانب القانون الدولي بشكل مستقل عن القانون الداخلي لكل دولة، وهذه النصوص الدولية ملزمة للدول والأفراد على حد سواء رغم عدم تفصيلها فيه، وذلك لأن قواعد حقوق الإنسان تعتبر قواعد قانونية دولية آمرة لا يجوز الإخلال بها، ولا يمكن تغييرها إلا بقاعدة قانونية لاحقة من قواعد القانون الدولي ذات الصفة، وهي مضمونة بجزاء حاسم هو بطلان كل تصرف يأتي بانتهاكها مطلقاً بحسب تعريف معاهدة فينا التي نصت في ديباجتها على الاحترام العالمي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، ولذلك لا يجوز الاتفاق على خلافها.(47)
وعندما تمارس الدولة سيادتها، تخضع لأحكام القانون الدولي وتلتزم باحترام الالتزامات الدولية، سواء كان مصدرها العرف أم المعاهدات الدولية، ولايعد الأمر من قبيل الاختصاص الداخلي إلا إذا كانت يد الدولة بصدده حرة من كل قيد مصدره العرف أو الاتفاق الدولي، وسابقاً كان القانون الدولي يأخذ بنظرية ثنائية القانون، وما يترتب على ذلك من عدم الاعتراف بالسريان المباشر لأحكام القانون الدولي إلا بعد مرورها عبر قناة التشريع الوطني، لكن القانون الدولي المعاصر يأخذ بنظرية وحدة القانون سواء من حيث المصادر أو الأشخاص، لأنه يهتم بتنظيم سلوك الأفراد، وقد جرى العمل الدولي والقضاء والفقه الدوليان على مبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي في حالة تنازعهما، وتقرير المسؤولية الدولية في هذا الصدد، وهو ما يجعل الدولة ملزمة بتنسيق قانونها الداخلي مع أحكام القانون الدولي وإلا تعرضت للمسؤولية الدولية.(48)
ولذلك نجد سائر الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان تحرص على إبراز ضرورة إعطاء أولوية التطبيق لأحكامها حتى تكون للرقابة الدولية على احترام هذه المعاهدات فاعلية، فمثلاً نصت الاتفاقية الدولية لإزالة كافة أشكال التمييز والتفرقة العنصرية في المادة (2/ج) على (كل دولة طرف في هذه الاتفاقية اتخاذ الإجراءات الفعالة لمراجعة السياسات الحكومية والوطنية وتعديل أو إلغاء أية قوانين أو لوائح يكون من نتائجها خلق أو إبقاء التمييز العنصري) كما تشير‏13‏‏/‏11‏‏/‏2005‏ المادة (5/2) من الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 إلى أنه (لايجوز تقييد حقوق الإنسان الأساسية المقررة أو القائمة في أي دولة استناداً إلى القانون واللوائح والعرف)، وتنص المادة(2/2) من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 على أن(تتعهد كل دولة طرف في الاتفاقية عند غياب النص في إجراءاتها التشريعية القائمة باتخاذ الخطوات اللازمة من أجل وضع الإجراءات التشريعية اللازمة لتحقيق الحقوق المقررة في هذه الاتفاقية) كما تقرر المادة(5/2)من ذات الاتفاقية أنه (لا يجوز تقييد أي من حقوق الإنسان استناداً إلى القوانين واللوائح أو العرف).(49)

وإذا كان احترام القوانين الوطنية لحقوق الإنسان وعدم مخالفة أحكام الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، يعتبران أحد الضمانات التي تكفل حماية حقوق الإنسان، فإن المنطق يؤدى إلى أن تترك للدول فرصة الرقابة الذاتية على تنفيذ الالتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان، وذلك بأن تحقق التوافق بين قوانينها وهذه الالتزامات، ومن أجل ذلك لا يجوز التوجه إلى وسائل الرقابة الدولية السياسية والقضائية إلا بعد استنفاد الوسائل الداخلية التي يمكن عن طريقها حماية حقوق الإنسان المقررة في القانون الدولي، فإذا ثبت عدم فاعلية الوسائل الوطنية ينشأ حق الدول والأفراد في الالتجاء إلى الوسائل الدولية المقررة في هذه الاتفاقيات الدولية على المستوى الإقليمي أو الدولي.(50)
إن الحماية الدولية لحقوق الإنسان تتوقف على إجراءات التنفيذ،ولذلك تطلب إجراءات وطنية لتنفيذ المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان،والمعايير الدولية للحماية تهدف إلى إكمال وتحسين المعايير الوطنية وليس تحديها،وعلى الدول الأطراف في المعاهدات الدولية الإذعان لالتزاماتها التشريعية الناجمة عن هذه المعاهدات، وإلا فإن المبدأ التقليدي لقانون المسؤولية الدولية يطبق ولاتستطيع أي دولة الاحتجاج بنظامها الداخلي لتفادي الإذعان لالتزاماتها الدولية، وهو مايعنى قيام الدول الأطراف بمعاهدات حقوق الإنسان بالإذعان لالتزاماتها واتخاذ إجراءات إيجابية تهدف إلى تحقيق التوافق بين نظامها القانوني الداخلي ومعايير الحماية الدولية.(51)

ومنذ صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي مهد الطريق لإقرار العديد من معاهدات حقوق الإنسان على المستويين العالمي والإقليمي تشتمل كلها على إشارات إلى الإعلان في مقدماتها الخاصة بها، ويعتبر هذا الإعلان تفسيراً رسمياً لشروط حقوق الإنسان الواردة في ميثاق الأمم المتحدة ،وبذلك يصبح الإعلان جزءاً من اللغة المشتركة للجنس البشرى، أصبحت حقوق الإنسان ضمن الالتزامات الدولية، ولاتعتبر من صميم السلطان الداخلي الذي يمنع الدول والمنظمات الدولية من الرقابة الدولية عليها بحجة مبدأ عدم التدخل لأن الرقابة من صميم التزام الدول بتطبيق هذه المعاهدات.(52)
وانطلاقاً من مبدأ السيادة الذي يرتبط بفكرة الاختصاص الإقليمي ومبدأ عدم التدخل ، تأتي المشكلة الأساسية في زيادة التداخل بين ماهو دولي وماهو وطني، وقد أشار ( بيز Pease) إلى أنه لم يعد هناك فصل دائم وقاطع بين الشؤون الداخلية والشؤون الخارجية، وبين الاختصاص الداخلي والاختصاص الدولي، ولكن مجرد اختلاف نسبي يمكن تمييزه في القانون عندما يتأثر بالسياسة في لحظة معينة من الزمن، وهكذا فما كان سابقاً من باب التدخل غير المسموح به في الشؤون الداخلية، يصبح الآن مسموحاً به ضمن العمل الدولي، وهذا يعنى أن سيادة الدولة لم تعد ذات صيغة مطلقة بل أصبحت تتعرض تدريجياً للتقلص وبالذات أمام حقوق المجتمع الإنساني،حيث يجب أن تتفوق الإنسانية على السيادة.(53)
وتجدر الإشارة إلى أن الحد من سيادة الدولة يكون بإرادتها الحرة ومعبراً عنها ،لأن الدولة عندما تلتزم بالمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان أو غيرها تكون مضطرة بمقتضى التزامها بهذه المعاهدات إلى التنازل عن بعض الاختصاصات الداخلية ،وهذه لاتنتقص من السيادة بقدر ما تعبر عنها ،رغم أن الدولة حينما تفعل ذلك تكون مضطرة بفعل التطورات الدولية الدولية لتحقيق مصالحها.(54)
وهكذا أصبحت حقوق الإنسان من المسائل الدولية التي تهتم بها الأمم المتحدة باعتبار نصوص ميثاقها وأحكام الاتفاقيات الدولية الأخرى، ولذلك يحق لها التدخل لوقف انتهاكات حقوق الإنسان، ولم تعد من صميم الاختصاص الداخلي للدولة.ومن الجدير بالذكر أن تدخل الدولة الفردي دون تفويض الأمم المتحدة تكمن فيه الخطورة لانتهاكات المبادئ القانونية الدولية التي تحمي استقلال الدولة.

والذي نخلص إليه من كل ما تقدم أنه أمام التطورات الدولية، تراجع مفهوم السيادة من صيغته المطلقة إلى صيغة نسبية ،بحيث أصبح هذا المفهوم وسيلة وليس غاية، يعمل على تحقيق الخير العام الداخلي والدولي باعتبار الإنسان الهدف الأسمى له، ولم تعد السيادة مبرراً لانتهاك حقوق الإنسان. ومع تطور العلاقات الدولية تطور مضمون مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وانعكست عليه التغيرات التي أصابت مفهوم السيادة الأمر الذي أحدث تحولا في تفسيره من الناحية الجامدة إلى الناحية المرنة، وهو ما أثر فى جدلية العلاقة بين الاختصاص الداخلي والاختصاص الدولي لصالح الأخير.

الهوامش : –

1.محمد طه بدوي: مدخل إلى علم العلاقات الدولية. بيروت، دار النهضة العربية، 1972، ص65-66 .
2. جوزيف ناي:المنازعات الدولية: مقدمة للنظرية والتاريخ: ترجمة أحمد الجمل ومجدي كامل، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، القاهرة،1997، ص198.
3.بطرس غالي ومحمود خيري عيسى: المدخل إلى علم السياسة.المكتبة الأنجلو مصرية، القاهرة، 1989، ص171 .
4.دافيد فورسايت: حقوق الإنسان والسياسة الدولية: ترجمة محمد مصطفى غنيم، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، القاهرة، 1993، ص17 .
5.مارسيل ميرل: سوسيولوجيا العلاقات الدولية. دار المستقبل العربي، القاهرة، 1986،ص64-65.
6.حسنين توفيق إبراهيم:”العولمة: الأبعاد والانعكاسات السياسية، رؤية أولية من منظور علم السياسة “عالم الفكر، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، المجلد 28، العدد2، أكتوبر – ديسمبر1999، ص194.
7.عدنان نعمـة: السيادة في ضوء التنظيم الدولي المعاصر. بيروت:د.ن، 1978، ص10-12.
8.أحمد صدقي الدجاني: “الدولة التعددية وحق تقرير المصير في عصرنا”، أعمال ندوة: رؤساء الدول أمام حق تقرير المصير وواجب الحفاظ على الوحدة الترابية والوطنية، تحرير عبد الهادي بو طالب، فاس، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، أبريل 1994، ص74-75 .
9.عدنان نعمة، مرجع سابق، ص9-10.
10.المصدر نفسه، ص27-31 .
11.عبدالهادي عباس:”سيادة الدولة”، مجلة المعرفة، دمشق، وزارة الثقافة،السنة 36، العدد ،402آذار 1997، ص57-58.
12.جين لويتر وميشيل باستاندونوا: “التدخل الدولي وسيادة الدولة ومستقبل المجتمع الدولي”. ترجمة محمد جلال عباس، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية، اليونسكو، العدد 138، نوفمبر،1993، ص80-81 .
13.محمد فضة: “الدولة القومية وحقوق الإنسان “. البحث العلمي، الرباط، المعهد الجامعي للبحث العلمي بجامعة محمد الخامس، العدد33، نوفمبر1982، ص214-215 .
14.مصطفي سلامة حسين: محاضرات في العلاقات الدولية. القاهرة، دار الإشعاع للطباعة،1986، ص39-40 .
15.بطرس غالي:”نحو دور أقوى للأمم المتحدة”،السياسة الدولية،القاهرة،مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام،العدد 111،يناير 1993، ص11.
16.ممدوح شوقي:”الأمن القومي والعلاقات الدولية”،السياسة الدولية،القاهرة،مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام،السنة33 ،العدد 127،يناير 1997، ص46.
17. محمد فضة ، مرجع سابق ، ص213 .
18.على صادق أبو هيف:القانون الدولي العام. الإسكندرية، منشأة المعارف،1981، ص210-211 .
19.المصدر نفسه ، ص212.
20.عبدالهادي عباس،مرجع سابق ، ص59.
21.بطرس غالي: التنظيم الدولي: المدخل لدراسة التنظيم الدولي. القاهرة، المطبعة العربية،1959، ص327 .
22. مارسيل ميرل، مرجع سابق، ص66 .
23.الجمعية العامة، الوثائق الرسمية للدورة العشرين 21أيلول –22كانون أول 1965 نيويورك، الأمم المتحدة،1967، ص32.
24.الجمعية العامة، الوثائق الرسمية للدورة الخامسة والعشرين 15أيلول –7كانون الأول 1970نيويورك، الأمم المتحدة، 1972، ص317-318.
25.الجمعية العامة، الوثائق الرسمية للدورة السادسة والثلاثون 15أيلول – 18كانون الأول 1970 نيويورك، الأمم المتحدة، 1983، ص103-105 .
26.سموحي فوق العادة: القانون الدولي العام. دمشق: د.ن، 1960، ص233-234 .
27.على إبراهيم: الحقوق والواجبات الدولية في عالم متغير.القاهرة، دار النهضة العربية،1997، ص416-417 .
28.ماهر عبدالهادي: حقوق الإنسان: قيمتها القانونية وأثرها فى بعض فروع القانون الوضعي. القاهرة، دار النهضة العربية، 1984 ص112-116 .
29.عمر إسماعيل سعد الله: حقوق الإنسان وحقوق الشعوب: العلاقة والمستجدات القانونية الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1991، ص39-41 .
30.جوزيف ناي، مرجع سابق، ص204-205 .
31.عدنان نعمة، مرجع سابق، ص40-42، 174.
32.المصدر نفسه، ص19 .
33.المصدر نفسه، ص177-180 .
34.مارسيل ميرل، مرجع سابق، ص63-64 .
35.اينيس ل.كلود: النظام الدولي والسلام العالمي.ترجمة عبدالله العريان ،القاهرة، دار النهضة العربية، 1964 ص253.
36.عدنان نعمة، مرجع سابق، ص300-301 .
37.المصدر نفسه، ص449-450.
38.اينيس كلود، مرجع سابق، ص254-257 .
39.المصدر نفسه، ص257-260 .
40.بطرس غالي: التنظيم الدولي: المدخل لدراسة التنظيم الدولي. مرجع سابق، ص335-338 .
41.ويصا صالح: “مفهوم السلطان الداخلي واختصاص أجهزة الأمم المتحدة”، المجلة المصرية للقانون الدولي القاهرة، الجمعية المصرية للقانون الدولي، السنة33،المجلد، 33،1977،ص116-117
42.المصدر نفسه، ص133-134 .
43.المصدر نفسه، ص118-121 .
44.مصطفي سلامة حسين، مرجع سابق، ص40-42 .
45.إبراهيم على بدوي الشيخ: “الأمم المتحدة وانتهاكات حقوق الإنسان”، المجلة المصرية للقانون الدولي، القاهرة، الجمعية المصرية للقانون الدولي، المجلد 36، العدد 36 ، 1980، ص42-43 .
46. عدنان نعمة، مرجع السابق ، ص453-455 .
47. محمد سعيد الدقاق:عدم الاعتراف بالأوضاع الإقليمية غير المشروعة: دراسة في نظرية الجزاء في القانون الدولي. الإسكندرية، دار المطبوعات الجامعية،1984، ص92-94.
48.عبدالعزيز سرحان: العودة إلى ممارسة القانون الدولي الأوروبي المسيحي:دراسة في المفهوم الحقيقي لطبيعة القانون الدولي في ظل النظام الجديد وعلى ضوء أحكام المحاكم والتطبيقات المصرية القاهرة، دار النهضة العربية، 1995، ص172-179 .
49.عبدالعزيز سرحان: “العلاقة بين الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والقوانين الداخلية: دراسة “مجلة الحقوق والشريعة، الكويت،جامعة الكويت، كلية الحقوق والشريعة، السنة 4، العدد3،أغسطس1980، ص113 .
50.المصدر نفسه، ص111-112 .
51.أنظوينو ترينداي: “الاتكالية التبادلية لحقوق الإنسان جميعاً. العقبات والتحديات التي تعترض تنفيذها “ترجمة عبدالحميد الجمال، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية، اليونسكو،العدد 158، ديسمبر 1998، ص85-86 .
52.المصدر نفسه، ص75-77 .
53.تاج الدين الحسيني: “إشكالية التعارض بين حق التدخل الدولي وبين سيادة الدول”أعمال ندوة رؤساء الدول أمام حق تقرير المصير وواجب الحفاظ على الوحدة الوطنية والترابية، مرجع سابق، ص123-124 .