الجرائم البنكية

تعتبر البنوك إحدى اهم الدعامات التي يقوم عليها الإقتصاد، فهي تلعب دورا كبيرا في تجميع الاموال من المدخرين ووضعها رهن إشارة الإستثمارات الداخلية والخارجية، وهذا الدور الكبير الذي تلعبه البنوك في تجميع الأموال جعلها منذ القدم الأكثر إستهدافا من طرف المجرمين ومحل طمع من قبل الكثيرين، وفي مقابل ذلك ونتيجة لدورها في الإقتصاد الوطني اولاها المشرع عناية خاصة من خلال تنظيم آليات عملها بشكل قانوني محكم ووضع القواعد القانونية الزجرية التي تجرم وتعاقب على المساس بها.

إلا انه رغم ذلك فإن التطورات التي يشهدها العصر الحالي برهنت على ان النصوص القانونية وبالخصوص منها الجنائية والتي تحكم الجرائم البنكية يجب ان تكون محل تحيين متواصل، وأن تجدد باستمرار نتيجة تطور وسائل الجريمة البنكية وتعقدها في بعض الاحيان.

وبالإطلاع على القواعد القانونية الحاكمة للجرائم البنكية، فإن أول ما يلاحظ هو تشتتها بين القانون البنكي والقانون الجنائي، بل إنه في بعض الأحيان قد لا توجد نصوص خاصة تحكم الجرائم البنكية الأمر الذي يدفع إلى اللجوء للقواعد الجنائية العامة.

وبالرجوع للقانون البنكي المغربي يلاحظ أن الجرائم البنكية الواردة فيه يمكن تصنيفها إلى أربعة جرائم رئيسية:
– مخالفة تعليمات البنك المركزي
– القيام ببعض الأعمال المحضورة
– النكول عن تقديم بيانات للبنك المركزي
– إفشاء السر المهني.

وبالتالي فإن الجريمة التي لا تدخل ضمن هذه الانواع الأربعة يرجع بشأنها إلى قواعد القانون الجنائي، غير ان عدم مواكبة القانون الجنائي المغربي للتطورات في ميدان الجريمة أدى إلى بقاء بعض الجرائم خارج ميدان التجريم الشيء الذي دفعنا إلى الإستعانة بالتشريعات المقارنة للبحث عن أساس تجريم تلك الأفعال.
ونتيجة لتنوع الجرائم البنكية وتعدد تقسيماتها من جرائم مرتكبة من طرف المسيرين، وجرائم مرتكبة من طرف الموظفين ومن البنك كشخص معنوي، وجرائم ماسة بالأشخاص، وجرائم ماسة بالإقتصاد الوطني…إلخ، فقد إرتأينا وضع تصميم يجمع بين ثناياه عرضا لأغلب الجرائم البنكية، مع التعرض لمناذج لهذه الجرائم سواء تلك الواردة في القانون البنكي، وتلك الواردة في القانون الجنائي، أو حتى تلك الغير منصوص عليها ضمن نصوص القواعد الجنائية المغربية، لكل هذا فقد إرتاينا أن نتسم العرض كالأتي:

المبحث الأول: الجرائم البنكية المرتكبة ضد الأشخاص.

المبحث الثاني: الجرائم البنكية الماسة بالإقتصاد الوطني.

المبحث الأول: الجرائم البنكية المرتكبة ضد الأشخاص
إن الجرائم التي يمكن يرتكبها موظفي البنك لا تقتصر على تلك الماسة بالأشخاص الطبيعين بل يمكن ان تمس تلك الجرائم بالأشخاص المعنوية التجارية منها وغير التجارية، كما ان تلك الجرائم كما يمكن أن ترتكب في مواجهة أشخاص القانون الخاص يمكن أن تكون واقعة على أشخاص القانون العام، وذلك كله نتيجة الموقع المتميز الذي تحله البنوك في النسيج الإقتصادي والدور الكبير الذي تقوم به في حفظ المال العام والخاص على السواء[1].

لكل ذلك وحتى نستطيع الإلمام بالقواعد الجنائية المنظمة للجرائم البنكية بشكل كافي كان لا بد لنا في البدايةتحديد صفة موظفي البنك، على إعتبار ان تحديد تلك الصفة يؤدي إلى معرفة القواعد الجنائية المطبقة عليهم، وكذلك وجب علينا دراسة الجرائم المرتكبة من طرف هؤلاء الموظفين والتي نص عاقب عليها المشرع المغربي في النصوص العامة للقانون الجنائي (المطلب الاول) وذلك قبل التطرق لأهم نماذج الجرائم البكية المرتبة ضد الأشخاص والتي عاقب عليها المشرع بمقتضى النصوص الواردة في القانون البنكي وهي جريمة إفشاء السر المهني (المطلب الثاني).

المطلب الأول:طبيعة الجرائم البنكية ضد الأشخاص
إرتأينا أن نقوم في هذا المطلب مدى كفاية الحماية الجنائية التي أولاها المشرع لأموال العملاء (الفقرة الثانية)، لكن قبل ذلك إرتأنيا البحث في صفة موظفي البنوك حتى نستطيع معرفة نوعيى الجرائم التي يمكن ان ترتكب من طرفهم ونوعية العقوبات المطبقة على تلك الجرائم(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى:صفة موظفي البنك
تنقسم البنوك إلى بنوك تابعة للقطاع العام وأخرى تابعة للقطاع الخاص، ولا خلاف في أن موظفي النوع الأول من البنوك يعتبرون موظفون عموميون وبالتالي تطبق عليهم القواعد الخاصة بالوظيفة العمومية وهم محكومون بمقتضى القواعد القانونية للجرائم الخاصة بهم، إلا انه يطرح التساؤل بالنسبة لموظفي النوع الثاني من البنوك؟
للإجابة عن هذا التساؤل فإنه يجب علينا بداية تعريف الموظف العمومي، فتعريف هذا الأخير يتنازعه مفهومان أحدهما مضيق ويتعلق بمفهوم الموظف العمومي طبقا للقانون الإداري[2]، والثاني موسع وهو الذي يتعلق بمفهوم الموظف العمومي في القانون الجنائي.

فالموظف العمومي طبقا للفصل 224 من القانون الجنائي المغربي هو “….كل شخص كيفما كانت صفته يعهد إليه في حدود معينة بماشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر او بدون اجروساهم بذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام، وتراعى صفة الموظف في وقت إرتكاب الجريمة ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له بعد إنتهاء خدمته إذا كانت هي التي سهلت له إرتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها”

يستفاد من هذا النص ان موظفي الابناك الخاضعة للقطاع العام يعتبرون موظفون عموميون فعليا، أما موظفي أبناك القطاع الخاص فإن المشرع إعتبرهم بمثابة موظفين عموميون حكما وهو ما يمكن إستفادته من عبارة”….أو مصلحة ذات نفع عام…”.

وبالتالي اعتبر المشرع أن من يمارس عملا تابعا في المؤسسات الخاصة والتي من الممكن ان يكيف نشاطها بأنه نشاط ذو نفع عام موظفا عموميا، على الرغم من خضوع تلك المؤسسات والتي يعملون بها سواء من حيث نشاطها او من حيث علاقتها بمستخدميها لأحكام القانون الخاص، لذلك فإن القاضي الجنائي وهو يبحث عن مفهوم الموظف العمومي عليه ان يرجع لمقتضيات الفصل 224 من القانون الجنائي والاخذ بالمفهوم الواسع للموظف العمومي[3]، وبالتالي تطبيق القواعد الجنائية الخاصة بالجرائم التي يرتكبها الموظف العمومي على جرائم موظفي بنوك القطاع الخاص.

الفقرة الثانية: الجرائم المرتكبة من طرف موظفي البنك
لم ترد نصوص خاصة في القانون الجنائي لحماية أموال البنوك، وأنما تمتد الحماية الواردة في نصوص القانون الجنائي المغربي إلى تلك الاموال، وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى انه طبقا لقواعد القانون الجنائي المغربي فإن الموظف العمومي المرتكب لجريمة ضد المال العام يعاقب بنفس العقوبة على إرتكابه تلك الجريمة ضد المال الخاص.

فعلى سبيل المثال نص الفصل 241 من القانون الجنائي المغربي على انه ” يعاقب بالسجن من 5 ألى 20 سنة وبغرامة من خمسة آلاف إلى مائة الف درهم كل قاض او موظف عمومي بدد او إختلس أو إحتجز بدون حق أو اخفى أموالا عامة أو خاصة أو سندات ……”
ومما يلاحظ من هذا الفصل ان المشرع المغربي ساوى بين المال اعام والخص بصدد معاقبة الموظف العمومي المرتكب لجريمة الإختلاس، على عكس ما فعل المشرع المصري والذي ميز في المعاملة بين الموظف المختلس للأموال العامة وذلك الذي يختلس اموالا خاصة، حيث عاقب الاول بعقوبة الاشغال الشاقة المؤقتة بمقتضى المادة 112 من قانون العقوبات، بينما عاقب الثاني بعقوبة الحبس لمدة لا تزيد عن 5 سنوات بمقتضى المادة 113 مكرر من قانون العقوبات[4].

ومن خلال إستقرائنا لموقف كل من التشريعين المغربي والمصري يمكن القول ان موقف المشرع المغربي اجدر بالتاييد على إعتبار ان الاموال المودعة لدى البنوك سواء كانت عامة او خاصة يجب ان تحضى بنفس الرعاية القانونية لما تلعبه من دور في تنمية الإقتصاد الوطني وتمويل المشروعات المختلفة، والقول بغير ذلك يؤدي إلى عزوف جمهور المتعاملين مع البنوك عن التعامل مع البنوك الخاصة والقضاء بالتالي على على قطاع حيوي من قطاعات الإقتصاد الوطني.

وبعد قيامنا بالتطرق بشكل مقتضب لبعض القواعد العامة الواردة في القانون الجنائي المغربي والتي تهتم بوضع القواعد الخاصة ببعض الجرائم البنكية المرتكبة من طرف موظفي البنك، فإننا إرتأينا القيام بمحاولة لدراسة إفشاء السر المهني والذي يعتبر اهم الجرائم البنكية الماسة بالأشخاص والواردة ضمن نصوص القانون البنكي كنموذج للجرائم البنكي التي نص عليها التشريع المصرفي.

المطلب الثاني : جريمةافشاء السر المهني كنموذج
تتطلب دراستنا في هذا المطلب مناقشة ماهية السر المهني في الفقرة الاولى ثم ننتقل الى الحديث عن المسؤولية الجنائية الناتجة عن افشاء السر المهني و ذلك في الفقرة الثانية.

الفقرة الاولي: ماهية السر المهني
تتمتع البنوك بثقة المتعاملين معها نظرا للخدمات التي تقدمها للعملاء، و للحفاظ على هذه الثقة يجب على البنك الحفاظ على اسرار عملائه من اجل عدم الاضرار بمصالحهم، و كذلك بمصالح المجتمع كاملا، و بالتالى اصبحت المحافظة على هذه الاسرار تشكل وظيفة اساسية للبنك يجب تأديتها بكل أمانة و مصداقية.
و في إطار ماهية السر المهني لابد لنا أن نتطرق الى مفهومه و مضمونه و ذلك كنقطة أولى ثم الى أطرافه و الاستثناءت الواردة على عدم افشاءه كنقطة ثانية.

أولا : مفهوم السر المهني و مضمونه
لقد عرف بعض الفقه السر على انه: ً كل أمر او واقعة تصل الى علم البنك سواء بمناسبة ممارسة نشاطه او بسبب هذا النشاط و سواء إئتمنه الزبون بنفسه عليه أو وصل الى البنك عن طريق الغير، و يكون للزبون مصلحة في كثمانه، و بمعنى أن تكون المعلومات المعطاة من البنك عن زبونه مما يطمئن المستعلم1 عن مركزه المالي او ما من شأنها التخويف من التعامل معه او كسب و تقوية الثقة فيه2 و قد عرفه البعض الآخر على انه: ً التزام يقع على عاتق البنوك و مستخذمهم بحفظ اسرار زبنائهم، فهو التزام قانوني تتحمله البنوك، و هو التزام سلبي لأن قوامه الامتناع عن القيام بشئ ما، و هو افشاء الاسرار المهنية ً3.

1- الاستعلام: ً هو طلب المعلومات عن شخص ملين من مصادر مختلفة، أهمها الجهات التي يتعامل معهاً تعريف لأحمد يدوي، جريمة افشاء الاسرار و الحماية الجنائية لعثمان المصرفي، مطبعة سعد سمك سنة 1999- صفحة 117.
2- مولاي البشير الشرفي- المسؤولية الناتجة عن خرق الالتزام بالسر المهني في القانون البنكي المغربي- مجلة القانون المغربي- العدد1- سنة 2002- الصفحة 21.
3- مولاي البشير- مرجع سابق- صفحة 38.

و في إطار تحديد مضمون السر المهني يمكن لنا دراسته انطلاقا من محل و مدة الالتزام بالسر المهني. فمحل الالتزام به يكون بمثابة الإجابة عن التساؤل حول ماهية الاسرار التي يجب على البنك الا يفضي بها؟
فالأسرار التي يجب الاحتفاظ بها تكون مباشرة او غير مباشرة فهذه الاخيرة تصل الى علم البنك من طرف الغير إلا أن الاولى فهي تصل الى علمه من الزبون نفسه و يذخل ضمنها: حسابات العملاء، و ودائعهم و أمانائهم و خزائنهم و غير ذلك من المعلومات المتعلقة بالزبون.
و بالنظر الى المشرع المغربي نجد أنه لم يقم بتحديد مضمون السر المهني بل تركه الى الفقه الذي اتجه إلى الأخد بنظامين مختلفين و هما: نظاما التعداد و التفرقة1.

أما بخصوص مدة الالتزام بالسر المهني فيمكن النظر إليها إنطلاقا من زاويتين و ذلك في إطار علاقة الموظفين2 و علاقتهم بالبنك نفسه، و بالنسبة للأولى يكون الموظف ملزم بالاحتفاظ بالسر بصفة مستمرة حتى بعد قفل حسابه و انهاء علاقة الزبون مع البنك، أما بالنسبة للعلاقة الثانية فان الموظفين ملزمون بحفظ الاسرار التىأطلعوا عليها بمناسبة عملهم. و هذا التزام يبقى و لو انتهت العلاقة التي تربطهم بالبنك.
إنطلااقا مما سبق نجد أنه يجب على البنك الاحتفاظ بالسر المهني و لا يمكنه إفشاءه لأي سبب من الاسباب و يرد على هذه القاعدة بعض الاستتناءات و هو ما سنقوم بتناوله في النقطة الموالية.

ثانيا : أطراف السر المهني و الإستثناءات التي تتبع إفشاءه
بقرائتنا للمادة 107 من القانون البنكي نجد أنها قد اشتملت على الاشخاص الذين يجب عليهم الالتزام بالسرية داخل المؤسسة البنكية و على الاشخاص الذين يلتزمون به خارجها.

1_ نظامي التعداد و التفرقة: نظام التعداد هو نظام يعتمد على جمع مفصل للوقائع و المعلومات التي لا يمكن أن تعتبر سرا و وضع لائحة تتعلق بوضعية الحساب و حركاته و قد تبناه الفقه الألماني، أما نظام التفرقة فهو يقوم على معيارين معيار موضوعي يرتكز على تحديد الوقائع الخاضعة تحت غطاء السرية. و معيار شخصي يعتمد على إرادة الزبون في إبقاء بعض الأمور و تتضح لنا عند الأخذ بهاذين النظامين أنهما يكملان بعضهما البعض بحيث لا يمكن أخذ احدهما دون الآخر.

2-و هم الرؤساء و أعضاء مجلس الإدارة و الرقابة و المدراء و المستخدمين سواء كانوا دائمين أو مؤقتين.
فالأشخاص الملتزمين داخل المؤسسة البنكية يمكن تعدادهم على الشكل التالي:
– الرؤساء و أعضاء مجلس الإدارة و الرقابة: فهم يطلعون على أسرار الزبناء سواء من أجل تدبير شؤون المؤسسة أو من أجل حساب الخسائر و الأرباح و في إطار هذه السلطات الواسعة التي يتوفر عليها فهم ملزمون بالمحافظة على أسرار الزبناء أكثر من غيرهم.

– المدراء: بالنظر إلى طبيعة العمل المكلفين به نجد أنهم على اتصال دائم و مباشر بالزبناء لدى فهم على إطلاع بما يقوم به الزبناء من عمليات و صفقات1.
و هناك أشخاص يعملون خارج البنك لكن بحكم طبيعة وظيفتهم يطلعون على اسرار العديد من الزبناء داخل المؤسسة و هم:
– أعضاء المجلس الوطني للعملة و الادخار: بالرجوع الى المادة 16 من القانون البنكينجد انطلاقا من الاختصاصات الموكولة إليه يتمكن من معرفة جميع اسرار او معظمها المتعلقة بالبنك التي تدخل في منح الئتمان للزبناء.

– أعضاء لجنة مؤسسات الائتمان2: المادة 20 القانون البنكي تحدد اختصاصات هذه اللجنة حيث أن المشرع يعطي لها هامشا كبيرا للاطلاع على اسرار كثيرة بحكم ابداء رأيها في العديد من المسائل المتعلقة بنشاط المؤسسة البنكية.

– أعضاء اللجنة التأديبية:

يتجلى دور هذه اللجنة في بحث الملفات التأديبية و إقتراح العقوبات التي يمكن أن يصدرها وزير المالية او بنك المغرب، إذ لا يمكن لها أن تقوم بمهمتها دون الاطلاع على الاسرار المتعلقة بالمؤسسات البنكية.
– المجموعة المهنية لبنوك المغرب: إستنادا الى المادة 103 من القانون البنكي. فان المجموعة المهنية لبنوك المغرب تعتبر همزة وصل بين مؤسسات و السلطات النقدية، و بطبيعة هذا العمل فإن تطلع على أسرار متعلقة بالمؤسسات البنكية.
انطلاقا من كل ما رأينا نجد أن كل هؤلاء الاشخاص ملتزمون بكثمان السر المهني انطلاقا من طبيعة المهام الموكولة إليهم و إذا كانت هذه هي القاعدة فهناك بعض الحالات الإستثنائية اباحت إفشاء هذا السر ومنها:

1-د.محمد لفروجي. القانون البنكي و حماية حقوق الزبناء- أطروحة لنيل دكتوراه في القانون الخاص (الجزء الأول)- جامعة الحسن الثاني- الدار البيضاء 1996، ص 103.
2- الظهير الشريف رقم 1-92-1 الصادر في تاريخه 6 ذي الحجة 1413، الجريدة الرسمية، عدد 4210- سنة 1993.
8- مولاي البشير الشرفي – مرجع سابق- ص 56.

 إفشاء السر بناءا على نص قانوني:
هناك العديد من الحالات التي نص القانون على وجوب إفشاء السر المهني فيها و ذلك من أجل المحافظة على المصلحة العامة و كذلك استمرار في عمل العديد من المؤسسات و الادارات بشكلها الفعال دون أي عائق، ومن بين هذه الحالات:
– صدور حكم قضائي اومحكمين.
– الافشاء بناءا على النصوص المتعلقة بالمسائل الضربية.
– الافشاء في حالة الاقرار بما في الذمة(الحجز)1.

 إفشاء السر بناءا على موافقة صاحب السر:
السر هو ً ما يطلب المودع له أن يحافظ عليه فإدارة صاحب السر هي التي تحدد صفته ً بما أن كتمان السر المهني يكون بناءا على ارادة الزبون فله الحق في التنازل عليه و ذلك يكون في الحالات التالية:
– إذن العميل و رضاه.
– إذن ورثة العميل الموصى لهم بكل او بعض الاموال.
– إذن النائب القانوني للشخص المعنوي.
v إفشاء السر بناءا على مصلحة البنك:
كإستثناء على مبدأ السر المهني يمكن للبنك إفشاء السر و ذلك من أجل الحفاظ على مصلحته، و هذا يكون في حالتين:
– الافشاء في حالة وجود نزاع بين البنك و العميل.
– الافشاء كطلب المستفيد من النك.
الفقرة الثانية : المسؤولية الجنائية الناشئة عن إفشاء السر المهني
الالتزام بالسر المهني في القانون البنكي ضروري لاعتباره وسيلة فعالة في حماية حقوق الزبناء ضد اي معتد محتمل، و من أجل الزيادة في هذه الحماية هذه الحقوق عمدت غالبية التشريعات على حماية هذا الفعل،و فرض عقوبات على كل من يقوم بإفشائه، و من بين هذه التشريعات التشريع المغربي حسب المادة 107 من القانون البنكي و التي احالتها الى الفصل 446 من القانون الجنائي.

1- ذ سميحة القيلوبي- الاسس القانونية لعمليات البنوك التجارية- مكتبة عين شمس القاهرة، ص 225.
عند التمعن في الفصل 446 من القانون الجنائي1نجد أنه لتحقق جنحة الافشاء يجب أن يتم الافشاء و أن يكون هناك قصد جنائي من وراء إفشاء السر المهني و في حالة تحقق هذين الركنين نكون أمام جريمة لابد من العقاب عليه و لقد جاء النص صريحا حيث تم التنصيص على عقوبتين و هما الحبس و الغرامة و هذا هو جزاء هذه الجريمة.
في دراستنا لهذه الفقرة سوف نقوم بمناقشة اركان جنحة: إفشاء السر المهني و ذلك كنقطة اولى ثم ننتقل الى النقطة الثانية حيث سنتطرق الى الاجراءات جريمة إفشاء السر المهني.

أولا : أركان جريمة إفشاء بالسر المهني
تعتبر جريمة إفشاء السر المهني من الجرائم ذوي الصفة الشخصية فلا يعتد بارتكابها من اي شخص بل يجب حدوثها من قبل شخص ذو صفة معنية2و هذا بديهي لأننا أمام نوع خاص من الجرائم و هي جرائم بنكية.
لتحقيق جريمة الافشاء لابد من أن يتم افشاء السر المهني و هذا هو الركن المادي و يجب أن يكون هناك قصد جنائي و هذا هو الركن المعنوي.

فيما يتعلق بالركن المادي و هو أن يتم إفشاء السر المهني و هذا ما يطرح لدينا تساؤل عن ماهية الافشاء و طرقه؟ الافشاء هو الانتشار و منه افشاء الاسرار حيث يقصد به كشف الاسرار3 و اطلاع الغير عليها، اذ الجريمة تتحقق و لو كانت الواقعة التي تم افشاءها معروفة ذلك لان هذا الإفشاء يضفي على الواقعة تأكيدا لم يكن لها من قبل. أما فيما يتعلق بالجزء الثاني من التساؤل و هو طرق افشاء السر المهني إذ نجد أن القانون الجنائي و ذلك في الفصل 446 منه لم يشترط وسيلة معينة من وسائل الافشاء إذ أن الجريمة تتحقق بكل الوسائل سواء عن طريق الكتابة او المحادثة الشفوية او عن طريق الهاتف او الفاكس او المراسلة و سواء بناء على طلب او بغير طلب و حتى و لو علم به شخص واحد. و اثبات هذه الوسائل يتم على عائق سلطة الاتهام. فهي تثبته بجميع طرق الاثبات.

1- ينص الفصل 446 على انه ً الأطباء و الجراحين و ملاحظو الصحة و كذا الصيادلة و المولدات، و كل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار بحكم مهنتهم أو ويفته الدائمة أو المؤقتة إذا أفشى سرا أو أودع لديه، و ذلك في غير الأحوال التي يجيز له فيها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة اشهر و غرامة مالية من 120 إلى 1000 درهم ……ً

2_-أسامة أبو صلام، مسؤولية إفشاء السر المهني في البنوك التجارية – بحث لنيل الإجازة في القانون الخاص- جامعة القاضي عياض،مراكش،2003،ص،49.

3- نوفل الريحاني، السر المهني البنكي و مسؤولية البنوك- دراسة و مقارنة- رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة القاضي عياض، مراكش 1996، ص 146.
إلى جانب هذا الركن هناك ركن معنوي حيث اشترط المشرع أن يكون الافشاء صادر عن قصد جنائي اي ان الافشاء يجب ان يكون عمديا. و يتحقق هذا العمد إذا انصرفت إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة بالشروط التي نص عليها القانون و لا عقاب على من يفشي السرالمهني بالاهمال او عدم الاحتياط إذ ان هذا يطرح لنا تساؤل حول امكانية تشبت الجاني بذلك ليبرء نفسه من هذه الجريمة؟

إذا قام الجاني بإفشاء السر بشكل غير عمدي فإنه لا يعاقب عليه، و لكن هل يجب توفر القصد الخاص في هذه الجريمة أم تكفي لتحققها القصد العام؟ فالقصد العام لهذه الجريمة يتم عن طريق توجه الفاعل نحو إحداث النتيجة أي إفشاء سر الزبون، أما القصد الخاص فهو أن تتوافر في الفاعل نية الإضرار بالزبون.
لقد اختلفت الفقهاء و التشريعات بالا خد باحداهما دون الآخر إذ هناك من يؤخذ بالقصد الخاص دون العام و هناك العكس بل هناك من التشريعات من ابتعدت إلى أكثر من هذا حيث تنص على حدوث الجريمة و لو عن طريق الإهمال دون توفر القصدين.

النية و القصد هما أساسا تحمل المسؤولية و لا عبرة للبواعث مطلقا في تحديد عدم المسؤولية، لأنه لا يشكل عنصر من عناصر القصد الجنائي في جريمة إفشاء السر المهني البنكي، و عند توفر هذين الركنين فإن المسؤولية تقع و يجب القيام بفرض العقوبة على المسؤولين و إيقاع الجزاء عليهم.

ثانيا : جزاءات جريمة إفشاء السر المهني
بطبيعة الحال إذا توفرت أركان الجنحة فإن العقوبة لابد من أن تظهر من أجل معاقبة المسؤول عن الإفشاء، و لكن قبل تطبيق هذه العقوبة يجب أن يصدر حكم قضائي بناءا على قيام دعوى ضد المتهم فمن يقوم بتحريك الدعوى العمومية: هل هو صاحب المصلحة أي المتضرر أم البناية العامة؟ و بالتالي الحكم على المتهم بالجزاء.
تحريك الدعوى العمومية:
بالرجوع إلى القانون المغربي نجد أن تحريك الدعوى يجب أن تصدر من صاحب الحق من اجل حماية حقه في الرجوع على البنك، و كذلك لأنها مصلحة خاصة لا يمكن تقدير ما لحق بالزبون من ضرر بسبب الإفشاء إلا من خلاله هو.
بالنسبة إلى القانون المقارن و خصوصا القانون السويسري نجد أن يحسم الأمر و لكن في المقابل نجد أن المشرع اللبناني حدد وجوب صدور الشكاية من قبل الشخص المتضرر و لكي يبقى محافظة على السرية البنكية.
 الجزاء الجنائي:
في القانون المغربي جاء النص واضح حيث جعل عقوبة الحبس وجوبية بجواز غرامة مالية و هما: الحبس من شهر إلى ستة أشهر و غرامة من 120 إلى 1000 درهم و بالتالي إلزام القاضي بالحكم بهما معا دون أن يقوم على التفرقة بينهما و هذا عمل محمود عليه من أجل الحد من الجرائم و التشديد عليها.
تتقادم الدعوى الجنحية كجريمة إفشاء السر المهني كباقي الجنح بمرور 5 سنوات من يوم ارتكاب الفعل، و في الحالة التي يتكرر فيها الإفشاء، فإن الأجل لا يسري إلا ابتداءا من آخر فعل إفشاء، و بالتالي فإن الدعوى التي تحرك شكاية من الزبون لا تنتهي بتنازل هذا الأخير و استرداد شكا يته ما دامت قد وضعت، فالدعوى الجنحية تتابع إلى حين البث في القضية بحكم له قوة الشئ المقضي به.