إذا كان المغزى من خلق قانون جمركي وإخراجه إلى حيز الوجود قائما على تنظيم عبور السلع والبضائع استيراد أو تصديرا عبر التراب الخاضع، كان حريا اعتبار صاحب البضاعة أو الشخص الذي يقوم ماديا بنقل البضاعة هو المعني الأول بالجريمة الجمركية التي من المرتقب تنسيبها إليه بعد فحص الأدلة وإثبات المحظورات.

وهو ما استقرت عليه معظم التشريعات الجمركية المقارنة فناقل البضاعة سواء كانت موجهة للاستيراد أم للتصدير هو الشخص المسؤول عن عدم إخضاعها للتصريح الواجب من أجل رفع اليد عنها، على اعتبار أن النظام الجمركي المغربي نظام تصريحي يقوم على تصريح المعني بالأمر بعدد البضاعة وقيمتها ومصدرها إلى غير ذلك من المعلومات التي قد تفيد رجال الجمارك في تحديد القيمة الواجب دفعها من أجل تسديد الرسوم والواجبات المفروضة عليها.

ما ينبغي الإشارة إليه، أن التشريع المغربي على غرار التشريعات المقارنة لا يميز من حيث تحديد المسؤولية الجمركية بين عدم تقديم التصريح أو تقديمه بشكل غير صحيح أو غير مطابق للواقع (الفصل 281/8 والفصل 285/1 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة)، وبذلك فكلتا الحالتين يعتبر فيهما الشخص مسؤولا.

ويعد الفاعل حسب مفهوم التشريع الجمركي هو كل من أخرج إلى حيز الوجود العناصر المكونة للجريمة، أو ساهم مباشرة في تنفيذها، فمن يرتكب فعلا يعاقب عليه القانون، أو يمتنع عن القيام بعمل يوجبه القانون ، ومن يرتكب شخصيا عملا من أعمال التنفيذ وضمن النطاق اللازم لتبيان عنصر الجريمة المادي، يعتبر فاعلا أصليا ، ويعرف الفصل 128 من القانون الجنائي الفاعل على أنه: “كل من ارتكب شخصيا عملا من أعمال التنفيذ المادي للجريمة”، فالفاعل إما أن يكون ماديا كما جاء في الفصل أي من ساهم مباشرة في الجريمة وإما فاعلا معنويا حرص على ارتكابها، وفي هذا المعنى يقول بعض الفقهاء بأن الفاعل هو: “الجاني الذي ينفرد في تنفيذ الجريمة، أو هو الجاني الذي يقوم بتنفيذ جميع الأفعال المكونة لماديات الجريمة”، غير أن الإشكال الذي يطرح هل المشرع الجمركي المغربي يميز بين فاعل الجريمة وبين من شرع في ارتكابها؟

للإجابة، لابد بداية أن نبين أن الجريمة تمر من ثلاث مراحل:

أولا- مرحلة التفكير في ارتكاب الجريمة:

إذ تبتدئ الجريمة أول الأمر كفكرة تراود الجاني، قد يرتكبها وقد يتخلى عنها حتى الدقائق الأخيرة لزمن الجريمة، لكونها تكون حبيسة مخيلة صاحبها ولا تشكل خطرا على المجتمع، بمعنى أن التفكير في الجريمة هي نية تختلج في نفس الجاني حتى تستقر في ذهنه.

ثانيا- مرحلة التحضير لارتكاب الجريمة:

وهي مرحلة وسطى تتوسط مرحلتين التفكير والتنفيذ، فالجاني هنا تحول من مجرد التفكير في ارتكاب الجريمة إلى العزم والتصميم على ارتكابها دون أن تصل إلى تنفيذها، فعلى سبيل المثال الأشخاص الذين يقومون بتهريب البضائع الأجنبية يقومون بتخبئتها في أماكن غير مرئية بالسيارات وغيرها.

ثالثا- البدء في تنفيذ الجريمة:

 هي المرحلة الأخيرة  وفيها يقوم الجاني بتنفيذ جريمته التي فكر واستعد لها بداية الأمر، وقد يتمكن من ارتكاب الجريمة فتكون تامة وقد لا يتمكن فيكون بصدد القيام بها لتتخذ صورة الجريمة الخائبة أو المستحيلة.

وتعد مرحلة التنفيذ أو البدء في الجريمة بداية التدخل التشريعي في العقاب، حيث تنص المادة 114 من القانون الجنائي، أن “كل محاولة ارتكاب جناية تعتبر كالجناية التامة ويعاقب عليها بهذه الصفة”، ولم يخرج التشريع الجمركي المغربي عن هذا المعنى، إذ باستحضار الفصل 206 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة نجده يؤكد بأن كل محاولة لخرق القوانين والأنظمة الجمركية تعتبر بمثابة الخرق التام لهذه القوانين والأنظمة الجمركية، في تأكيد دال على أن المشرع المغربي عند وضعه القانون الجمركي كان قد اعتمد مبادئ القانون الجنائي، في تحديد المسؤولية الجنائية للأشخاص المخالفين لهذا التشريع، ويبدو أن المشرع الجزائري هو الآخر لم يخرج عن هذا السياق، فقد خص في المادة 318 مكرر على أن محاولة ارتكاب جنحة جمركية تعد كالجنحة ذاتها، في حين سكت عن الشروع في المخالفة مما يحمل على الاعتقاد أنه يتبنى أحكام القانون الجنائي.