بحث قانوني قيم حول المسؤولية المدنية لجرّاح التجميل في الادرن

المسؤولية المدنية لجرّاح التجميل

سيتم التناول في هذا المبحث المسؤولية المدنية لجرّاح التجميل؛ وذلك لوجود اتجاهين يبحثان في هذه المسألة التي تثير عند ارتكاب جرّاح التجميل الأخطاء الطبية أثناء ممارسته عمله جدلاً حول تحديد طبيعتها، هل هي مسؤولية عقدية أم تقصيرية؟ وهذا ما سيتم تناوله في هذا المبحث.

المطلب الأول: تحديد طبيعة المسؤولية:

تعرف المسؤولية لغة:

بأنها حالة أو صفة من يسأل عن أمر تقع عليه تبعته [1]، وقد تكون أدبية أو قانونية، فإذا ما خالف مرتكب الفعل قاعدة من القواعد الأخلاقية كانت المسؤولية أدبية، وهي لا تتعدى سوى استنكار واستهجان المجتمع لهذا الفعل.
أما المسؤولية القانونية فهي الحالة التي يرتكب فيها الشخص فعلاً يسبب ضرراً للغير، فيستوجب محاسبة القانون له، وهي تقسم إلى نوعين مسؤولية جنائية ومسؤولية مدنية، وهذه الأخيرة نطاق بحثنا فسنقتصر دراستنا عليها.

المسؤولية المدنية: التزام شخص بتعويض الضرر الذي سببه لشخص آخر[2]، وإما أن تكون عقدية وهي جزاء عدم تنفيذ العقد علماً بأن تنفيذ العقد واجب[3]، أو تكون تقصيرية[4] والتي سنبينهما لاحقا.
والسؤال الذي يطرح في هذا الميدان هل أن مسؤولية جرّاح التجميل مسؤولية عقدية أم مسؤولية تقصيرية؟
وللإجابة عن ذلك نقول أن الفقه المدني لم يتفق على رأي موحد في هذا الشأن فظهر اتجاهان اتجاه ذهب إلى القول بأنها مسؤولية عقدية، وذهب الآخر للقول بأن مسؤولية جرّاح التجميل مسؤولية تقصيرية.[5]

الفرع الأول: المسؤولية العقدية لجرّاح التجميل:
الطبيب والمريض ينشأ بينهم عقد ومن خلاله تتحد مسؤولية كل منهما[6]، ومن البديهي أن هذه الرابطة العقدية تكون موجودة بين جراح التجميل والمريض في حالة إنشاء العلاقة في العيادة الخاصة حتى ولو أجريت العملية التجميلية في مستشفى حكومي أو خاص ما دام إنشاء العقد حصل بإيجاب صادر من جرّاح التجميل يقابله بعد ذلك قبول المريض، كما تكون الرابطة التعاقدية موجودة وإن كان إبرام العقد قد تم في مستشفى خاص[7] .
وتقوم مسؤولية جرّاح التجميل العقدية إذا ما حدث إخلال بأحد التزاماته تجاه مريضه على نحو سبب الضرر له. ويشترط لقيامها ما يلي:

1- وجود عقد : حيث جرت العادة على قيام عقد ضمني (غير مكتوب) بين جرّاح التجميل والمريض إذ يتم مشافهة بينهما؛ لتحديد الأجر والعمل، تاركين مواصفات العمل وشروطه لأصول وقواعد وأعراف مهنة الطب والجراحة، كما ويجب أن يكون هذا العقد صحيحا؛ لأن العقد الباطل تترتب عليه أحكام المسؤولية التقصيرية[8].
2- عدم تنفيذ جرّاح التجميل للالتزام الواقع عليه، أو تأخر في تنفيذه، أو قام بتنفيذه لكن تنفيذاً معيباً.[9]
3- أن يكون المدعي صاحب حق بالدعوى.[10]
فإذا ما توافرت الشروط السابقة تكون مسؤولية جرّاح التجميل تعاقدية وأي إخلال بأي شرط تنقلب مسؤوليته إلى مسؤولية تقصيرية.

الفرع الثاني: المسؤولية التقصيرية لجرّاح التجميل:
استقر الرأي أن مسؤولية الطبيب المدنية كأصل عام هي مسؤولية عقدية وبالتالي المسؤولية التقصيرية استثناء عن الأصل[11]، وجرّاح التجميل هو في حكم الطبيب فتكون مسؤوليته المدنية هي مسؤولية عقدية من حيث الأصل والمسؤولية التقصيرية استثناء، وتعرف المسؤولية التقصيرية بشكل عام على أنها ” مسؤولية الشخص عن فعله ومسؤوليته عن فعل الغير، وأخيراً مسؤوليته الناشئة عن الأشياء[12].

ويمكن لنا وضع تعريف للمسؤولية التقصيرية لجرّاح التجميل بأنها: الجزاء المترتب على الجرّاح نتيجة إخلاله بالتزام قانوني وهو عدم الإضرار بمريضه، وفي المسؤولية التقصيرية يكون أطراف العلاقة أجنبيان عن بعضهما قبل وقوع الضرر، ومعيار التفرقة بينهما هو وجود الرابطة العقدية أو انتفاؤها، فإذا ما انتفت هذه الأخيرة بين جرّاح التجميل و المريض تترتب المسؤولية التقصيرية.[13]

وعليه سنبين في هذا الفرع حالات قيام المسؤولية التقصيرية:

أولاً:حالة بطلان العقد الطبي: كما ذكرنا سابقاً أنه يتوجب لقيام المسؤولية العقدية لجرّاح التجميل وجود عقد صحيح بين الجرّاح والمريض وإذا ما ثبت بطلان هذا العقد لأي سبب من أسباب البطلان، يدخل الجراح تحت طائل المسؤولية التقصيرية.

ثانياً: حالة جرّاح التجميل الذي يعمل في مستشفى عام: فإن جرّاح التجميل الذي يعمل موظفاً عام؛ يعتبر في مركز تنظيمي ويخضع للقوانين الخاصة بالعاملين في الدولة وبالتالي لا يمكن مساءلته إلا على أساس المسؤولية التقصيرية[14].

ثالثاً: حالة تقديم جرّاح التجميل لخدماته مجاناً: وفي هذا البند ظهر خلاف فمنهم من اعتبر مسؤوليته العقدية قائمة وإن كانت من دون أجر، ومنهم من ذهب إلى نفي الطبيعة العقدية من الخدمات المجانية على اعتبار أن هذا العقد يقتضي من طرفه الالتزام به، فالواعد بخدمة مجانية لا يرتب التزام في ذمته وبالتالي لا يترتب على مثل هذا النوع من الالتزامات سوى مسؤولية تقصيرية.

والقضاء في فرنسا أخذ بالرأي الأول أي أنه اعتبره عقد وإن كان بالمجان، حيث قضت محكمة النقض الفرنسية ” بأن التقليد الذي جرى عليه الأطباء في عدم تقاضي أجر من زملائهم يمكن أن يفسر على انه إبراء اختياري من دين بُني على التبادل، ومن ثم فالعقد الحاصل بين الطبيبين لا يكون من قبيل التبرع”[15].

رابعاً: حالة إصابة الغير بضرر ناجم عن تدخل المريض.

خامساً: حالة مخالفة جرّاح التجميل لالتزامه بحيث تأخذ مخالفته طابعاً جنائياً: وفي هذه الحالة يصيح فعل جرّاح التجميل منضويا تحت لواء التجريم؛ فإن أساس المسؤولية يكون الفعل المكون للجريمة فتقوم المسؤولية الجنائية[16] وهي خارج نطاق بحثنا.
وكانت تلك حالات المسؤولية التقصيرية لجرّاح التجميل، فإذا ما توافرت شروط المسؤولية العقدية ابتداءً يمكن مساءلته على أساس المسؤولية التقصيرية، وبخصوص موقف محكمة التميز الأردنية من نوع المسؤولية فلم أجد قرار تبين المحكمة فيه نوع المسؤولية للطبيب بشكل عام أو لجرّاح التجميل بشكل خاص؛ إلا أن محكمة بداية الزرقاء تصدت للأمر وتوصلت إلى أن مسؤولية الطبيب عقدية[17].

ونخلص أن جرّاح التجميل هو في حكم الطبيب وبالتالي مسؤوليته وفقا لقرار محكمة بداية الزرقاء مسؤولية عقدية إذا ما توافرت شروطها، ونجد في هذا الصدد أن القضاء المصري حذا حذو القضاء الأردني، حيث قضت محكمة النقض المصرية ” بأن مسؤولية الطبيب الذي اختاره المريض أو نائبه للعلاج تكون عقدية[18] “.

[1] – وائل عساف، المسؤولية المدنية للطبيب، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، فلسطين، ص5

[2] – أنور سلطان، مصادر الالتزام في القانون المدني الأردني، دراسة مقارنة، دار الثقافة للنشر، عمان، 2007، ص282 .

[3] – أنظر المادة 331/1 من القانون المدني الأردني.

[4] – تناولها المشرع الأردني في المواد 256 – 292 تحت عنوان الفعل الضار.

[5] – منذر فضل، المسؤولية الطبية في الجراحة التجميلية، دار الثقافة، عمان، ص 34 .

[6] – طلال عجاج، المسؤولية المدنية للطبيب، المؤسسة الحديثة للكتاب، بيروت، ص 34.

[7] – منذر فضل، المسؤولية الطبية، دراسة مقارنة، دار الثقافة، عمان، 2012، ص96 .

[8] – أحمد الحياري، المسؤولية المدنية للطبيب، دار الثقافة ، عمان، ص59 .

[9] – منذر الفضل، المسؤولية الطبية، المرجع السابق، ص97.

[10] – أحمد الحياري، المسؤولية المدنية للطبيب، المرجع السابق، ص60 .

[11] – أحمد الحياري، المسؤولية المدنية للطبيب، مرجع سابق، ص78 .

[12] – أنور سلطان، مصادر الالتزام، مرجع سابق، ص298 .

[13] – محمد حسين منصور، المسؤولية الطبية، دار الجامعة الجديدة للنشر، القاهرة، 1999، ص196.

[14] – طلال عجاج، المسؤولية المدنية للطبيب، مرجع سابق، ص75.

[15] – قرار محكمة النقض الفرنسية 18 / 1/ 1938 ، أشار إليه د.طلال عجاج، المسؤولية المدنية للطبيب، مرجع سابق، ص77 .

[16] – أحمد الحياري، المسؤولية المدنية للطبيب، مرجع سابق، ص84.

[17] – قرار محكمة بداية الزرقاء، رقم 190/1984 ، تاريخ 16/6/1988 وهو غير منشور، أشار إليه طلال عجاج، المسؤولية المدنية للطبيب، مرجع سابق ، ص63

[18] – نقض مدني مصري، 26/9/1969، أشار إليه د.أحمد الحياري، المسؤولية المدنية للطبيب، مرجع سابق، ص38.