دراسة وبحث قانوني عن حماية حقوق الملكية الفكرية في مجال الإنترنت

المقدمة

الإنترنت أو شبكة الاتصالات الدولية أنشأتها الولايات المتحدة الأمريكية في الستينات من القرن الماضي لخدمة عمليات التأهب السريع للقوات المسلحة الأمريكية في حال نشوب حرب نووية أو أي هجوم يهدد أمنها (بهاء شاهين “شبكة الإنترنت، مراجعة مجدي محمد أبو العطا، ص 10 الطبعة الثانية 1996) ومصطلح الشبكات يقصد به في اللغة هي التي تسمح لأجهزة الحاسبات المتواجدة على الشبكة بأن تتصل ببعضها وتتحدث إلى بعضها والمقصود بالتحدث هو تبادل البيانات والمعلومات والملفات والإشارات فيما بينها: وفي بداية الثمانينيات من القرن الماضي استخدمت الشبكة الموجودة المتصلة بروتوكل الاتصال TCP/IP، وبهذا أصبحت الشبكة أبرنت هي العمود الفقري للاتصال بين المواقع، وعند التحول إلى هذا البروتوكول وعلى وجه التحديد في سنة 1983 ولدت الشبكة الدولية الإنترنت (أيمن العشري : المرجع في أساسيات وأسرار الشبكة الدولية إنترنت ص 6 إلى ص 8 القاهرة، مكتبة الفيروز 1998.

“وفي منتصف عام 1993 خرج من معطف الإنترنت أجنحة للوسائط المتعددة وهي عبارة عن مجموعة من مستلزمات البرمجة أو البرامج الخاصة ووسيلة لتجميع الوثائق معاً مما يتيح لمستخدمي هذه الوسائط التجول عبر الشبكة وأن يشاهدوا كل ما فيها بالصوت والصورة والفيديو. وهكذا لم تعد الإنترنت مجرد وسيلة لإرسال واستقبال البريد الإلكتروني ونقل البيانات عبر الشبكة بل أصبحت مكان يعج بالناس والأفكار تستطيع زيارته والتجول في جنباته وهو ما يسمى بالواقع الإفتراضي cyber space، وهي الشبكة التي أضافت بعداً جديداً وهو التفاعل وليس مجرد بث معلومات” (بهاء شاهين: المرجع السابق ص 14).

وتجدر الإشارة إلى ما يسمى بخدمة ويب world wide web وهي إحدى الخدمات المتاحة على شبكة الإنترنت والتي تتيح لأي شخص أو لأي جهة الاطلاع على معلومات تخص جهات أخرى أو أشخاص آخرين قاموا بوضعها على هذه الخدمة لإتاحتها للآخرين. وتحتوي هذه الصفحات على كلمات معينة يمكن بواسطتها الدخول إلى صفحات أخرى وكل صفحة أو موقع على هذه الشبكة له عنوان خاص يتم الدخول على هذا الموقع بواسطته. وتسمى شبكة النسيج العالمي أو الشبكة العنكبوتية (أيمن العشري: المرجع السابق ص 17) وتقوم فكرة الشبكة العنكبوتية على أسلوب تكنولوجي يعلق عليه النص المحوري Hypertext. وهذا النص يقوم بتنظيم البيانات مما يساعد على استعادة هذا النوع من المعلومات. (في تفصيل الجانب الفني لهذا الموضوع. بهاء شاهين: المرجع السابق ص 128 وما بعدها). وهذا التطور التكنولوجي الضخم في مجال المعلوماتية شأنه شأن أي تطور علمي في أي مجال من المجالات يثير تساؤلاً حول ما إذا كان هذا التقدم يجب أن تحكمه ضوابط قانونية فمن جهة يجب أن يتاح المجال للتقدم العلمي لتحقيق تطور الإنسانية، ومن جهة أخرى فإن التقدم العلمي يكون لمصلح الإنسانية وليس على حسابها أي يجب أن يحترم حقوق الإنسان التي تعتبر حجر الزاوية في تقدم الإنسان وإزهاره.

والإنترنت وما يرتبط به من مسائل قانونية أصبح يمثل فصلاً متميزاً من فصول القانون المعاصر. فتبدأ بعقود الاشتراك في الإنترنت وأنواعها وعقد إنشاء موقع وعقود التجارة الإلكترونية أي ما يمكن تسميته بالتنظيم القانوني للتعامل مع الإنترنت وعن طريق الإنترنت. أما الشق الثاني فهو حماية الحقوق في مواجهة الإنترنت، وفي مقدمة ذلك حماية الحياة الخاصة وحماية حقوق المؤلف في مجال الإنترنت.

والواقع أن خطورة الإنترنت على حق المؤلف تتأتى عادة من أن إدخال المعلومة على الشبكة يكون عن طريق ترقيمها وتفاعلها. وهنا قد يحدث تحويراً أو تعديلاً في المصنف، فالتحول إلى شبكة المعلومة الرقمية لا يخلو في حد ذاته من مخاطر بالنسبة لحق المؤلف، كما أن التساؤل يثور حول حماية المصنف الرقمي في حد ذاته وقاعدة البيانات، فهل تعتبر من قبيل المصنفات المشمولة بالحماية.

وقد يذهب غير المتخصص في القانون إلى أن الإنترنت يستوجب استصدار قانون لحماية حق المؤلف إذا تعجز القوانين السابقة عن مواجهة الوضع الذي ترتب على وجود الإنترنت. فهل يوجد فراغ قانوني بصدد حماية حق المؤلف في مجال الإنترنت، أم لا يوجد نظام قانوني يحكم تلك القرية الكونية المعلوماتية، هذا ما سنتناوله بالدراسة في تلك الورقة.

وتنظيم حق المؤلف بصفة عامة يقوم على التوفيق بين مصلحة المؤلف الذي يجب أن يحصل على المقابل المادي المجزي لإنتاجه الذهني وذلك لتشجيع وإثراء الإنتاج الأدبي والثقافي، ومصلحة مستخدمي المصنفات الذين لا يجب أن يتحملوا أعباء كبيرة للحصول على المعلومات.

ويثور التساؤل عما إذا كان الإنترنت يغير من معطيات المشكلة أم يبقى عليها، فالإنترنت يسهل إلى حد كبير النسخ والنشر غير المأذون به، وهذا يدعو إلى القول بضرورة التشدد في حماية المؤلف، كلما ازداد الخطر كلما دعت الحاجة إلى تدعيم الحماية، ولكن مقابل ذلك فإن الإنترنت يساعد على الانتشار بحيث يصل المصنف إلى أعداد ضخمة من المستخدمين، وهنا يثور التساؤل عما إذا كان ذلك يبرر تقييد حق المؤلف لمصلحة المستخدمين، فالانتشار الضخم اللمصنف عبر كافة أنحاء العالم، والذي لم يكن يحلم به أي مؤلف، ألا يستوجب في المقابل تقييد حقوق المؤلف لمصلحة مستخدمي المصنف.

وندرس في مبحث أول شروط الحماية، وفي مبحث ثان أحكام الحماية أو الحقوق التي يقررها القانون لمؤلف المصنف الرقمي.

المبحث الأول
شروط الحماية

يجب لحماية أي مصنف أن يكون مشمولاً بالحماية، وأن يكون مبتكراً، ومؤلف هذا المصنف هو الذي يتمتع بالحماية، فهل تتوافر هذه الشروط وكيف تتوافر بالنسبة للمصنفات عبر الإنترنت.

المطلب الأول
امتداد الحماية القانونية لحق المؤلف إلى المصنفات الرقمية

تنص الماة الرابعة من معاهدة المنظمة العالمية للملكية الفكرية (ويبو) والمعتمدة في سنة 1996 على أنه “تتمتع برامج الحاسوب بالحماية باعتبارها مصنفات أدبية في معنى المادة الثانية من اتفاقية برن، وتطبق تلك الحماية على برامج الحاسوب أياً كانت طريقة التعبير عنها أو شكلها. وتنص المادة الخامسة على أنه تتمتع مجموعات البيانات أو المواد الاخرى بالحماية بصفتها هذه أياً كان شكلها إذا كانت تعتبر ابتكارات فكرية بسبب اختيار محتوياتها أو ترتيبها.

ونصت المادة الثانية من القانون رقم 38 سنة 1992 الصادر في مصر عل أنه تشمل الحماية المنصوص عليها في قانون حق المؤلف “مصنفات الحاسب الآلي من برامج وقواعد بيانات وما يماثلها من مصنفات تحدد بقرار من وزير الثقافة”. ولقد عرف قرار وزير الثقافة رقم 82 لسنة 1993″ برنامج الحاسب بأنه مجموعة تعليمات معبر عنها بأي لغة أو رمز ومتخذة أي شكل من الأشكال يمكن استخدامها بطريق مباشر أو غير مباشر في حاسب لأداء وظيفة أو الوصول إلى نتيجة سواء كانت هذه التعليمات في شكلها الأصلي أو في أي شكل آخر تتحول إليه بواسطة الحاسب”. وينص القرار على أن المقصود بقاعدة البيانات أي تجميع متميز للبيانات يتوافر فيه عنصر الابتكار أو الترتيب و أي مجهود شخصي يستحق الحماية وبأي لغة أو رمز وبأي شكل من الأشكال يكون مخزناً بواسطة حاسب ويمكن استرجاعه بواسطته أيضاً”.

وهكذا فإن المصنفات المبتكرة يحميها القانون أياً كان الشكل الذي اتخذته وأياً كانت وسيلة توصيلها للغير حتى ولو كانت رقمية، فهي جميعاً تدخل في إطار مصنفات الحاسب الآلي. وتمتد الحماية باعتبارها من المصنفات الأدبية.

وفيما يتعلق بالمصنفات التي تتمثل في وسائط متعددة Mut me-dias ويقصد به إمكانية تمثيل المعلومات باستخدام أكثر من نوع من الوسائط مثل الصوت والصورة ويتميز هذا المصنف بمزج عدة عناصر، نص، صورة، صوت وتفاعلها معاً عن طريق برنامج من برامج الحاسب، ويمكن تسويقها تجارياً عن طريق دعامة مادية مثل CD-Rom. أو يتم توزيعها عن طريق خط الاتصال على شبكة الإنترنت. فإن تلك المصنفات تحميها القواعد العامة في حماية المصنفات الأدبية دون حاجة لأن نخوض في تحديد مدى اعتبارها من برامج الحاسب أو من قواعد البيانات (هيو : أي ثقافة في العالم الافتراضي، أي حقوق ذهنية لهذا الافتراض الثقافي. مقالة باللغة الفرنسية منشور في دالوز 1998 ص 185 خصوصاً ص 187) والواقع أن هذا المصنف يتميز بتدخل برنامج من برامج الحاسب ليسمح بالتفاعل بين وسائل التعبير المتعددة. كما يتميز بوجود تعبير سمعي بصري. وهي تستحق الحماية باعتبارها مصنفاً من المصنفات التي يحميها القانون طالما قد توافر لها عنصر الابتكار.

ويذهب بعض الفقه إلى أن المصنفات الرقمية التي تقدمها الإنترنت تقترب كثيراً من قواعد البيانات التي يحميها القا نون بنص صريح ومباشر. ويلاحظ أن العبرة في الحماية أن يكون المصنف قد أفرغ في صورة مادية يبرز فيها إلى الوجود وأن يكون معداً للنشر، لا أن يكون مجرد فكرة يعوزها الإطار الذي تنجسم فيه (السنهوري: الوسيط ج8 ص891 فقرة 170) ولا أهمية للشكل أو التعبيرات الذي تتخذه وهو ما أكدت عليه الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية.

المطلب الثاني
ضرورة أن يكون المصنف مبتكراً

يشترط لحماية المصنف أياً كان شكله أن يكون مبتكراً بحيث يستبين أن المؤلف قد خلع عليه شيئاً من شخصيته، ويكفي أن يضفي المؤلف على فكرة ولو كانت قديمة شخصيته وأن تتميز بطابعه حتى يكون هناك ابتكار يحميه القانون. والحكم في كون المصنف مبتكراً أو غير مبتكر يرجع لتقدير القضاء.

وفي مجال الإنترنت فإن الابتكار قد يتوافر بالنسبة للصفحات التي تظهر على الشاشة وذلك بالنسبة لتصميمها أو ما يوجد بها من رسومات أو ما يصاحبها من موسيقى وذلك بقصد جذب انتباه مستخدمي الإنترنت (جنشار، هاريشو، تودنيه : الإنترنت للقانون ص 19 باريس 1999 منشور لدى مون كريستان).

ونكتفي الآن بالقول أن عنصر الابتكار قد يتوافر بالنسبة للمقالات الصحفية. وتضفي صفة الابتكار على الرسائل الصحفية التي ترد على الإنترنت وتحمل تحقيقات إخبارية.

ويكفي أن يتوافر المصنف المبتكر ليتمتع المؤلف بالحماية بدون أن ترتبط الحماية بالإيداع، ومع هذا فإنه من المفيد الإشارة إلى أن قرار وزير الثقافة المصري رقم 82 لسنة 1993 يلزم بإيداع مصنفات الحاسب في المكان الذي يخصصه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء.

أما فيما يتعلق بقاعدة البيانات فإن التوجيهات الصادرة من الاتحاد الأوروبي في 11 مارس 1993، والقانون الفرنسي الصادر في أول يوليو 1998 قد وفرت حماية تتجاوز القواعد العامة التي تشترط الابتكار.

فطبقاً للقواعد العامة في حق المؤلف والتي ردتها اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية (تربس) في المادة 10/2 تتمتع بالحماية البيانات المجمعة أو المواد الأخرى سواء كانت في شكل مقروء آلياً أو أي شكل آخر. إذا كانت تشكل خلقاً فكرياً نتيجة إنتقاء أو ترتيب محتوياتها.

فلا بد أن يتوافر الابتكار أو الخلق الفكري، وهو ما يأخذ به المشرع المصري من مجرد اعتبار برامج الحاسب الالي وقواعد البيانات مصنفات أدبية تخضع حمايتها لكافة الشروط اللازمة لحماية المصنفات الأدبية وفي مقدمتها شرط الابتكار.

وطابع الابتكار يستمد إما من طبيعة البيانات وإما من طريقة تنظيمها وإخراجها وتجميعها. ولكن محتوى البيانات في حد ذاته لا يعتبر عملاً مبتكراً متى اقتصر على مجرد نصوص أو أرقام، ولا يتوافر الابتكار إلا إذا كانت قاعدة البيانات تحمل بصمات شخصية واضعها، فالحماية لا تكون للتجميع في حد ذاته وإنما للجهد في البناء والتنسيق للبيانات .

فقد قضى بأن الابتكار الذي يتعلق بقاعدة بيانات على الإنترنت يقتضي توافر جهد جاد من البحث، والاختيار، والتحليل والذي عندما يقارن بمجرد التوثيق تظهر أهمية الجهد المبتكر للعمل، (محكمة نانت التجارية 27/1/1998 مشار إليه في مؤلف جينشار وآخرين ص 192).

والواقع أنه طبقاً للقواعد العامة فإن القضاء المصري يتوسع في معنى الابتكار فيكتفي أن يكون عمل واضعه حديثاً في نوعه ويتميز بطابع شخصي خاص، وأنه يعتبر من قبيل الابتكار في الترتيب والتنسيق أو بأي مجهود آخر يتسم بالطابع الشخصي فقد اعتبر أن فهرس إحدى كتب الأحاديث النبوية من قبيل العمل المبتكر (نقض مدني في 7 يوليو 1964 مجموعة النقض المدني سنة 1964، ص 92). وبهذا فإن معنى الابتكار في مجال قاعدة البيانات لا يخرج كثير عن القواعد العامة.

أما الاتحاد الأوروبي والقانون الفرنسي فقد أضافا حماية خاصة إلى قاعدة البيانات حتى ولو لم يتوافر فيها عنصر الابتكار في بعض الحالات وذلك بقصد توفير حماية أفضل لحقوق المؤلف، فأعطت حقاً ذات طبيعة خاصة لمنتج قواعد البيانات في مواجهة أي إعادة استعمال أو نقل كل أو جزء جوهري من محتوى قاعدة البيانات، ويقدر الجزء كماً وكيفاً، وذلك متى كان الحصول أو تحقيق أو تقديم هذا المحتوى قد استلزم استثمارات جوهرية كماً وكيفاً وحدد النقل بأنه كل نقل دائم أو مؤقت لقاعدة البيانات على دعامة بأي وسيلة أو تحت أي شكل، ويقصد بإعادة الاستعمال أي “شكل من وضع كل أو جزء جوهري من محتوى القاعدة عن طريق توزيع نسخ أو الإيجار أو النقل عن طريق خط تحت أي شكل، وهذا الحق مدته خمسة عشرة عاماً. فهذا الاتجاه يستهدف حماية الاستثمارات المالية والمادية والبشرية الضخمة التي بذلت لتكوين أو تقديم قاعدة البيانات، فالعبرة في الحماية الخاصة المتمثلة في هذا الحق الجديد بالجهد المالي والبشري والمادي الذي أنفق في إعداد قاعدة البيانات.

المطلب الثالث
تحديد المؤلف الذي يتمتع بالحماية

لا محل لإعادة توضيح القواعد العامة وإنما يكتفى بالإشارة إلى المشكلات التي ثارت في مجال الإنترنت لنرى كيف تطبق أو تتلاءم القواعد العامة مع المستجدات الحديثة.

ولقد ثار البحث عن مدى مشروعية نشر المقالات الصحفية التي يحررها الصحفي للجريدة التي يعمل بها على شبكة الإنترنت دون إذن الصحفي،، ويكمن جوهر المشكلة في تحديد المؤلف.

لا صعوبة في أن تكون الكتابات الصحفية من المصنفات الأدبية المبتكرة ومن ثم تتمتع بالحماية القانونية، فالصحفي هو المؤلف ويتمتع بالحماية بتلك الصفة.

ولكن ما ينشر في الصحف يعتبر عادة مصنفاً جماعياً ويعرف المصنف الجماعي بأنه المصنف الذي يشترك في وضعه جماعة بتوجيه شخصي طبيعي أو معنوي يتكفل بنشره تحت إدارته وبإسمه ويندمج عمل المشتركين فيه في الهدف العام الذي قصد إليه هذا الشخص بحيث لا يمكن فصل عمل كل من المشتركين وتمييزه على حدة ويعتبر الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي وجه ابتكار المصنف ونظمه مؤلفاً يكون له وحده حق مباشرة حقوق المؤلف. ففي العمل الصحفي يشترك أكثر من شخص في تحرير الصحيفة، واختيار المقالات وتنسيقها للنشر ويقوم به رئيس التحرير ولا يوجد أي تنسيق بين محرري المقالات أنفسهم (كولمبيه: الملكية الأدبية والفنية والقوانين المجاورة فقرة 130 ص 170 مجموعة مختصرات دالوزباريس 1999.

ومع هذا يرى الفقه أن فكرة العمل المشترك تلعب دورها بالنسبة لكاتبي المقالات الذين سمحوا بتقديم مقالاتهم دون أن يأخذوا في اعتبارهم التنسيق العام لمجموع المصنف الجماعي، فالعمل الجماعي ينصرف إلى مجموع الصحيفة، وهذا الحق لا يتعارض أو يمكن تنسيقه مع حقوق من أسهم بعمل منفرد محدد وواضح في حدود عقد النشر (ديريه تعليق في الأسبوع القانوني (الطبعة العامة) 1998-2-10044 العدد رقم 12 الصادر في 15 مارس 1998) وقد يبدو ذلك معقولاً إذا ما كان المقال ممهوراً باسم مؤلفه وقد يقدم بصفة دورية .

والعلاقة بين الصحيفة والكاتب قد تكون إما علاقة عمل، أو اتفاق على تقديم مقالات بمقابل دون وجود علاقة عمل. وفي حالة غياب اتفاق صريح وكتابي ينظم هذه المسألة يجعل التصرف في الحق المالي شاملاً إعادة النشر في أي جهة أخرى، فإنه لا بد من البحث عن حل المسألة من خلال نصوص قانون حق المؤلف.

طبقاً للمادة 14 من قانون حق المؤلف المصري لا يجوز للصحف أو النشرات الدورية أن تنقل المقالات الأدبية التي تنشر في الصحف والدوريات الأخرى دون موافقة مؤلفيها، فهذه المادة تحفظ الحق الأدبي للمؤلف. وبناء عليه لا بد من الحصول على موافقة الصحفي على ترقيم مقالاته وبوضعها على موقع من مواقع الإنترنت.

المبحث الثاني
الحقوق التي يكفلها القانون للمؤلف في مجال الإنترنت

يكفل القانون للمؤلف، ما يسمى بالحق الأدبي في المقام الأول، ثم الحق المالي للمؤلف، وندرس وضع هذه الحقوق في مجال الإنترنت من حيث مدى المخاطر التي تتعرض له وكيفية حمايتها.

المطلب الأول
الحق الأدبي للمؤلف في مجال الإنترنت

الحق الأدبي للمؤلف يشمل حق المؤلف في تقرير نشر مصنفه وفي تعين طريقة النشر، وكذلك حق المؤلف في نسبة مصنفه إليه، وللمؤلف وحده إدخال ما يرى من التعديل أو التحوير على مصنفه ولا يجوز لغيره أن يباشر شيئاً من ذلك إلا بإذن كتابي منه أو من يخلفه، وللمؤلف أخيراً الحق في سحب مصنفه من التداول.

وإذا انتقلنا إلى مجال الإنترنت فإن الاعتداء على الحق الأدبي للمؤلف قد يتمثل في وضع مصنف على الشبكة لا يكون المؤلف قد أذن بنشره أصلاً.

كما أن مجرد ترقيم المصنف لنشره عبر الإنترنت يمثل صعوبة تهدد الحق الأدبي للمؤلف، فالترقيم قد لا يقدم صورة أمينة عن المصنف الأصلي، فالترقيم يحتاج لقدر من المعاجلة المعالجة الفنية والترتيب والتعديل التي قد لا تسمح بالحفاظ على سلامة المصنف وبالصورة التي يريدها المؤلف، فالترقيم ينطوي على قدر من التدخل والتصرف لا يوجد عادة مثلاً في الطباعة.

أما الخطر الأساسي الذي قد يتعرض له المصنف في مجال الإنترنت فينشأ مما يسمى التفاعل I’interactivite وهو من أبرز خصائص الترقيم كإضافة صوت أو صورة أو شكل معين لإخراج المصنف على الإنترنت وهو ما يتعارض مع احترام المصنف مما يمس الحق الأدبي. كما أن المزج والتفاعل بين مصنف أدبي وفني لمؤلفين مختلفين يثير مشكلة ملكية المصنف الناتج من المزج أو التفاعل بين أكثر من مصنف .

ويحمي القانون المصنف الأصلي مما يسمى المصنفات المشتقة إذا قام بعملها مؤلف آخر غير مؤلف المصنف الأصلي ذلك أن اشتقاق مصنف من المصنف الأصلي هو من حق مؤلف المصنف الأصلي وحده ولا يجوز لغيره القيام به دون إذن كتابي منه.

وأهم صور الاشتقاق جمع مختارات من المصنف الأصلي متميزة بسبب أو الترتيب المنطقي أو أي مجهود شخصي، وإعادة إظهار المصنف الأصلي مع شرحه أو التعليق عليه أو بعد مراجعته وتنقيحه، وتلخيص المصنف الأصلي أو تحويله من لون إلى ألوان الآداب أو الفنون أو العلوم إلى لون آخر كتحويل الرواية أو القصة إلى مسرحية أو تحويل المسرحية إلى فيلم سينمائي.

ولقد نظم المشرع حق المؤلف في حالة الاشتقاق بموجب المادة السابعة التي تنص على أن للمؤلف وحده إدخال ما يرى من التعديل أو التحوير على مصنفه، وله وحده الحق في ترجمته إلى لغة أخرى ولا يجوز لغيره أن يباشر شيئاً من ذلك أو أن يباشر صورة أخرى من الصور المنصوص عليها في المادة الثالثة إلا بإذن كتابي منه أو ممن يخلفه”.

وقد يقع المساس من ربط المصنف بصفحة تحتوي على كلمات أو رسومات مما قد يشوه المصنف أو يسيء إليه (Liens Hypertexts) أو وضع المصنف في إطار سياسي أو دعائي يتعارض مع فكرة المؤلف . وهذه المشاكل تكون من مواجهتها بصفة أساسية من خلال إجراءات وقائية ذات طابع عقدي، وذلك كالتحذير من أعمال معينة على أول صحيفة عند الدخول إلى الـ web وكذلك ضرورة نشر اسم المؤلف على الصفحة ويجب الاهتمام بصفة عامة بالعقود المختلفة التي تمكن من الدخول إلى الإنترنت.

(وفي الأنواع المختلفة لهذه العقود، جينشار وآخرين ص 113 إلى ص 150) بحيث يكون بنودها ما يحقق حماية الحق الأدبي للمؤلف (وانظر : براتراند : حق المؤلف والحقوق المجاورة ص 865 الطبعة الثانية 1999).

المطلب الثاني
حماية الحق المالي للمؤلف في مجال الإنترنت

الحقوق المالية للمؤلف أو حق الاستغلال المالي للمصنف يقصد بها أن للمؤلف وحده الحق في استغلال مصنفه مالياً بأية طريقة من طرق الاستغلال، ولا يجوز لغيره مباشرة هذا الحق دون إذن كتابي سابق منه أو ممن يخلفه ويتضمن حق الاستغلال المالي نقل المصنف إلى الجمهور مباشرة بأي صورة وهو ما يسمى الأداء العلني، ونقل المصنف إلى الجمهور بطريقة غير مباشرة بنسخ صور منه تكون في متناول الجمهور، ويرد في التشريعات المختلفة عدة استثناءات على ذلك .

الفرع الأول
حماية حق المؤلف في نشر المصنف وفي أدائه علنياً

ويثور التساؤل عما إذا كان الاعتداء على حق المؤلف يمكن أن يتحقق عن طريق الأداء العلني أي النقل المباشر للجمهور أو حق التمثيل وهو ما يسمى بالفرنسية representation أم يتحقق فقط من خلال النشر reproduction فطبقاً للقواعد العامة في حماية الحق المالي للمؤلف لا يجوز نقل المصنف إلى الجمهور مباشرة إلا بإذن المؤلف، كما لا يجوز نشر المصنف إلا بموافقته كذلك.

ونقل المصنف إلى الجمهور مباشرة قد يتم عن طريق التلاوة العلنية، أو التوقيع الموسيقي، أو التمثيل المسرحي أو العرض العلني أو الإذاعة أو التليفزيون، أو عن طريق نقل الإذاعة بواسطة مكبر الصوت أو بواسطة لوحة للتليفزيون بعد وضعها في مكان عام، فالنقل المباشر يكون إما عن طريق الشخص مباشرة كالصوت وهو ما يسمى بالتوصيل المباشر حيث يتصل علم الجمهور بالمصنف وقت تنفيذه. وإما أن يتم من خلال الآلة، فظهور الوسائل الفنية الحديثة للبث أدى إلى تضخم أو توسع النقل ومن هنا ظهر التوصيل غير المباشر حيث يكون هناك فاصلاً زمنياً بين تنفيذ المصنف ونقله إلى الجمهور مثل بث فيلم أو مسرحية مسجلة أي لا يكون الإرسال على الهواء. فالأداء العلني قد يكون عن طريق النقل أو التوصيل المباشر أو التوصيل غير المباشر.

أما النشر أو النسخ فهو يكون بنقل المصنف إلى الجمهور عن طريق النشر أو النسخ وليس الأداء العلني ذاته مباشرة أو غير مباشرة، فالنسخ هو طبع الكتاب أو طبع الفيلم على أشرطة مسجلة دون إذاعتها أو توصيلها إلى الجمهور، وإنما النسخ فقط هي التي توضع تحت تصرف الجمهور. ولا تنص التشريعات إلا على بعض صور النشر أو النسخ أي على سبيل المثال بحيث يكون المجال مفتوحاً لكافة مستجدات العلم.

ويجب الحصول على إذن المؤلف ليس على النشر فقط وإنما على صورة النشر. والموافقة على النشر عن طريق صورة لا يمتد إلى صورة أخرى، فلا بد من الحصول على موافقة النشر عن طريقة صورة أخرى.

فالإذن ينشر المصنف في صورة كتاب لا يمتد إلى الإذن بترقيم المصنف بل لا بد من إذن خاص بذلك (بتليه لونيسكي: حماية حقوق المؤلف في مجال الإنترنت جازيت دي باليه 25/26 أكتوبر 96 ص 57) فالحق الأدبي للمؤلف يشمل حقه في تعيين طريقة هذا النشر.

ولما كان يحدث فعلاً نقل المصنفات المختلفة مباشرة على شاشة الحاسب الآلي عن طريق الإنترنت، كما تنقل الحوادث المختلفة، فالآن تملك معظم محطات الإذاعة والتليفزيون مواقع على الإنترنت تنقل بواسطتها ما يقع من حوادث ووقائع، فإن مؤدى ذلك أن الاعتداء على حق المؤلف قد يتحقق عن طريق الإنترنت ما لم يتم الحصول على إذن المؤلف فالإنترنت لا يختلف في ذلك عن الأداء بواسطة التليفزيون.

فالاعتداء على حق المؤلف من خلال الإنترنت قد يكون إما عن طريق الأداء العلني، أو النشر دون إذن المؤلف ولا يجوز الأداء العلني كلياً أو جزئياً للمصنف المبتكر عن طريق الإنترنت إلا بموافقة المؤلف (محكمة باريس التجارية 3 مارس، الأسبوع القانوني -2- 22284).

وإذا كان النشر قد يتم عن طريق الطباعة أو الصب أو غير ذلك فإن الترقيم يعتبر وسيلة من وسائل النشر ولقد نصت معاهدة الويبو المعتمدة في سنة 1996 تحت عنوان البيانات المتفق عليها بشأن المادة “1/4 ينطبق حق النسخ انطباقاً كاملاً على المحيط الرقمي ولا سيما على الانتفاع بالمصنفات في شكل رقمي. ومن المفهوم أن خزن مصنف رقمي الشكل في وسيط إلكتروني يعتبر نسخاً بمعنى المادة 9 من اتفاقية برن”. وهذا ما استقر عليه الفقه والقضاء المقارن (باريس الابتدائية 5 مايو 1997 الأسبوع القانوني – 1997-11-22906)، محكمة باريس الابتدائية 4 أغسطس سنة 1996 دالوز 1996 ص 940 تعليق جوتيه).

ومع هذا فإنه في بادئ الأمر قد ثارت الاعتراضات على إمكانية أن يقع الاعتداء على حق المؤلف عن طريق الأداء والنشر. وقد قام الاعتراض على أساس اعتبارات فنية تتعلق بعمل الإنترنت وما يمكن أن يترتب على ذلك من آثار قانونية.

فهناك فارق هام بين تقنية البث عن طريق التليفزيون أو الإذاعة. والبث عن طريق الإنترنت، وهل يعتبر الإنترنت من وسائل التوصيل، فالبث التليفزيوني أو الإذاعة يقوم على عمليتي الإرسال والاستقبال، فعملية الإرسال تكون ذات طابع إيجابي لأن الجهة التي تتولى البث تقوم بالإرسال، أياً كانت وسيلته الفنية، في اتجاه المستقبلين. والملتقي أو المستقبل على جهاز الاستقبال يتلقى الإرسال في نفس لحظة الإرسال. أما في مجال الإنترنت فلا يتم الإرسال عن طريق جهاز إرسال يوجه إلى أجهزة الاستقبال، فمن يقوم بفتح صفحة web على شبكة الإنترنت بمجرد تخزين المعلومة ولا يقوم بعمل إرسال إيجابي تجاه المستخدمين، فمستخدم الإنترنت يدخل إلى الشبكة عن طريق الأجهزة التي توجد لديه وتمكنه من البحث عن المعلومة التي يريدها على صفحة ال web ثم يقوم بتحميلها على جهاز الحاسب الآلي الخاص به.

فجهة الإرسال التليفزيوني تقوم بدور إيجابي بالإرسال تجاه المستخدمين، أما منشئ صفحة الـ web فهو لا يقوم إلا بدور سلبي تجاه المستخدمين. وهل يترتب على ذلك الفارق التقني آثار قانونية؟

عدم توافر البث قد أثار الاعتقاد بأن ذلك يعني أنه لا توجد فكرة التوصيل للجمهور في مجال الإنترنت ومن ثم لا تثور مسألة النسخ أو الأداء العلني. ولقد انتقد ذلك على أساس أن النشر متوافر من الإيجاب الموجه إلى الجمهور بالدخول إلى الموقع، فالتوزيع يتوافر من خلال ذلك العرض وسهولة الدخول إلى الموقع. ولهذا فإن الجزاءات التي توقع على الشركة الناشرة لتلك المواقع هو حظر التوزيع، ونشر في الموقع وعلى العنوان الإلكتروني ما يفيد ما وقع من اعتداء والتوقف عن النشر (محكمة باريس التجارية 3 مارس 1997، الأسبوع القانون -2- 2284تعليق أوليفيه دياربي).

وهذا الفارق التقني يثير تساؤلاً حول تحديد المعتدي على حق المؤلف، هل من قام باتخاذ موقع له على الإنترنت أم من استخدام الإنترنت ودخل على الموقع. وهنا يبدو أثر الفارق التقني بين الإنترنت والبث التليفزيوني، فعادة ما يدعى من اتخذ له موقعاً على الإنترنت أنه لم يبث أو ينشر أي مصنف ومن ثم لم يقم بعمل إيجابي وإنما المستخدم هو الذي قام بدور إيجابي إذا بحث ودخل إلى الموقع وقام بأعمال النسخ، فالموقع في حد ذاته لم يبث شيئاً ولم يقم بأي عمل إيجابي.

ولكن يرد على ذلك بأن من اتخذ الموقع وإن لم يبث مباشرة إلا أنه يعلن في الواقع عن موقعه ويدعو الناس للدخول إليه عن طريق ما يضعه من إعلانات وبيانات في دليل الشبكة أو نشر رقمه الإلكتروني، وهو في ذلك لا يختلف عن استماعه للموسيقى مع الآخرين الذين يدخلون إلى الموقع عمن يستمعون إلى حفلة موسيقية. بل ولا يجب إغفال أن ما يوجد على الموقع قابل للانتشار والعرض عبر العالم بأكمله في ثوان معدودة.

ومما تجدر الإشارة إليه أن ضبط الاعتداء على حق المؤلف يتم بسهولة من جانب رجال الضبطية القضائية، فالفرض أن الاعتداء عن طريق نشر مصنفات رقمية على موقع من مواقع شبكة الإنترنت دون إذن صاحبها. ولهذا ما على رجال الضبطية القضائية إلا الدخول على هذا الموقع في الإنترنت من مكتبة مباشرة دون حاجة للانتقال إلى أي مكان، وإن لم يكن يعرف الموقع بدقة فعليه البدء بالبحث في الدليل الخاص بمحتويات الشبكة ويتبع الخطوات اللازمة للتوصل إلى الموقع المقصود (جوتيه تعليق دالوز 1996 ص493) ويتم ذلك كله من خلال مكالمة تليفونية وحيث تكون هناك التوصيلات اللازمة للدخول على الشبكة. ولكن هل يعتبر الدخول على الموقع مساساً بالحياة الخاصة وحرمة المسكن مما يستوجب الحصول على إذن النيابة أو قاضي التحقيق، فهل يعتبر الموقع من قبيل الموطن غير المادي أو الفعلي لصاحب الموقع على شبكة الإنترنت؟ وهل يجب أن يحصل رجل الضبطية القضائية على إذن بالدخول على قاعدة المعلومات المخزنة على الموقع؟ وبعبارة أخرى هل يعتبر الدليل مشروعاً، فالدليل لا يعتد به إلا إذا تم الحصول عليه بطريق مشروع.

الواقع أن الجانب الفني لاتخاذ موقع على شبكة الإنترنت والدخول عليه يجعل من الصعب الأخذ بفكرة الموطن غير المادي للموقع، فالمسكن يفترض إمكان إغلاقه في مواجهة الغير، وأن الغير لا يمكن دخوله إلا بإذن أو باقتحام الأسوار وكسر الأبواب. فهل هذا يتحقق بالنسبة إلى الإنترنت.

من المعروف أن فتح موقع على الشبكة أمر ميسر يمكن لكل شخص القيام به بإجراءات مبسطة لا تزيد على مجرد الاتصال بمكتب متخصص في تقديم الخدمة ليقوم بدور الوسيط بين طالب الموقع والشبكة فيكفي مجرد توافر الرغبة في تويصل المعلومات التي جمعها الشخص وقام بترقيمها، والخطوات المختلفة التي تتخذ للدخول على الموقع لا تنطوي على اقتحام بل هي في الواقع مجرد فتح أبواب غير مشفرة، فالمسألة مجرد التعرف على الأبواب حيث يجدها مفتوحة أماه. ففي حالة عدم وجود كلمة سر للدخول على الموقع أو عدم وجود شفرة فنية فإننا نكون في الواقع أمام دعوة من صاحب الموقع لأشخاص غير محددين بالدخول إلى موقعه ودون أدنى تمييز ولهذا يصعب القول بأن مثل هذا الموقع يعتبر موطناً أو مسكناً غير مادي لاصحابه. (جوتيه، المرجع السابق).

وبناء على ما سبق كله فإن الترقيم يعتبر وسيلة من وسائل النسخ أو النشر شأنه شأن الكتابة وغيرها وكذلك فإن وضع المصنف على شبكة الإنترنت عن طريق موقع web يعتبر أداء علنياً لهذا المصنف، والنشر والأداء يستلزمان الحصول على إذن المؤلف بالنشر والأداء العلني. ولكن يلاحظ أحياناً أن المؤلف يلجأ إلى وضع المصنف تحت تصرف الجمهور من خلال الإنترنت Free ware، هو بهذا ينزل عن حقه المالي مقابل ما يحصل عليه أدبياً من انتشار مصنفه عبر العالم.

ويجب ملاحظة أن ترقيم المصنف والاطلاع عليه من خلال الإنترنت يثير التساؤل حول التمييز بين النشر أو النسخ من جهة والأداء العلني من جهة أخرى فمستخدم الإنترنت يحصل على المصنف منشوراً ويطلع عليه في نفس الوقت، وهنا يختلف المصنف المرقم عن المصنف المكتوب، فالكتاب يطبع ومن ثم يتحقق النشر، أما الاطلاع من قبل الجمهور، فهو يتحقق في لحظة لاحقة عند الاطلاع على الكتاب وكذلك الفيلم السينمائي يطبع في لحظة ويعرض في لحظة تالية. ولهذا يرى بعض الفقه أن الإنترنت يستوجب إعادة النظر في التفرقة بين حقي النشر والأداء العلني، وتبدو أهمية ذلك في مدى أعمال الاستثناءات التي قد ترد على حق ولا ترد على الآخر (هيو المقالة السابقة ص 187) وهذا ما سندرسه فيما يلي .

الفرع الثاني
مدى امتداد الاستثناءات على حق المؤلف إلى مجال الإنترنت

إذا كانت القواعد العامة تحظر النشر أو النسخ دون إذن المؤلف وإن خزن المصنف بواسطة وسيط إلكتروني CD-Rom يعتبر نشراً أو نسخاً فإن التساؤل يثور حول مدى إمكان أعمال الاستثناءات التي وردت على حق النشر بإجازته في بعض الأحوال دون إذن المؤلف، والاستثناءان الأساسيان هما نشر مقتطفات أو مقتبسات موجزة والنسخ للاستعمال الشخصي، كما يرد على حق الأداء العلني استثناء يتعلق بالأداء في اجتماع عائلي.

فهل يجوز لمستخدم الإنترنت أن يعد لنفسه أرشيفاً يتكون مضمونه من المعلومات التي اطلع عليها من خلال الإنترنت، هل يجوز له أن ينشر المعلومات على من يحتفظ بعناوينهم الإلكترونية لديه أي تراسلاً خاصاً، وهل يجوز له أن يكون مصنفاً عن طريق المزج والتفاعل بين عدة مصنفات سابقة ويبثها بدوره.

وتنص المادة 13 من اتفاقية تريبس على أنه تلتزم البلدان الأعضاء بقصر أو تضيق القيود أو الاستثناءات من الحقوق المطلقة على حالات خاصة معينة لا تتعارض مع الاستغلال المادي للمصنف ولا تلاحق ضرراً غير مبرح بالمصالح المشروعة لصاحب الحق فيه. وتنص المادة 10/2 من اتفاقية ويبو على أنه يجوز للطرف المتعاقد أن ينص في تشريعه الوطني على تقييدات أو استثناءات للحقوق الممنوحة لمؤلفي المصنفات الأدبية والفنية بناء على هذه المعاهدة في بعض الحالات الخاصة التي لا تتعارض واستغلال عادي للمصنف ولا تسبب ضرراً بغير مبرر للمصالح المشروعة للمؤلف.

أولاً: النقل للاستعمال الشخصي دون إذن المؤلف
تنص قوانين حق المؤلف على أنه “إذا قام شخص بعمل نسخة واحدة من مصنف تم نشره. وذلك لاستعماله الشخصي فلا يجوز للمؤلف أن يمنعه من ذلك “ويرى المشرع أن الناقل الذي استنسخ نسخة لنفسه ولاستعماله الشخصي لا يعتدي على حق النشر الثابت للمؤلف فهو لا يقصد نشر النسخة إلى نقلها على الجمهور وإنما قصد أن يقصر هذه النسخة على استعماله الشخصي. وهو بعمله هذا لم يضيع على المؤلف أو الناشر إلا ثمن نسخة واحدة وهذه خسارة هينة إذا ما قورنت بما للمجتمع من حق في تيسير سبل الثقافة والتزود من ثمار العقل البشري فلا تحول دون بلوغ هذه الغاية حقوق مطلقة للمؤلفين ذلك لأن الأجيال الإنسانية المتعاقبة تساهم عادة بما تخلفه من أثر في تكوين المؤلفات.

ولقد ثار النقاش حول مدى ملاءمة امتداد هذا الاستثناء في مجال قواعد البيانات والإنترنت .

فإذا كانت شبكة الإنترنت تسمح بأن يوضع تحت تصرف الكافة الاستخدام الجماعي للمعلومات المخزنة لدى الشبكة، فإن التساؤل يثور حول ما إذا كان من شأن ذلك الخروج عن نطاق الاستثناء الخاص بعمل نسخة واحدة بل وهل من الملائم أصلاً أعمال هذا الاستثناء في مجال الإنترنت؟

ينتقد البعض أعمال هذا الاستثناء من حيث المبدأ في مجال الإنترنت فالنسخة التي تتم تكون في نفس دقة ونوعية الأصل، كما أن الاستنساخ لا يتم على دعامة مادية (جينشار وآخرين: المرجع السابق ص100) كما أن سهولة عمل نسخة وإمكانية تحميل المعلومات لدى المستخدمين من شأنه اتساع النسخ على أوسع نطاق مما يهدد حق المؤلف، ويضاف لذلك أن التفرقة بين النشر العام والخاص أصبحت مهددة غير واضحة المعالم، فعن طريق البريد الإلكتروني وإمكانية الإرسال الفوري لقوائم تضم أكثر من مستخدم يتسع النشر، ولو لم يعتبر نسخاً محظوراً لانحسر إلى مدى ضيق التقليد على حساب مصلحة المؤلف (بل ويعتبر البعض أن هذا الاستثناء يتعارض مع المادة 13 من اتفاقية تريبس حيث يتعارض مع الاستغلال العادي للمصنفات (لبنى صقر أحمد الحمود : أثر انضمام الأردن لاتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية على قوانين الملكية الفكرية الأردنية النافذة من 196 رسالة مكملة للماجستير: الجامعة الأردنية أغسطس 1999).

وبناء عليه لا يمكن الادعاء من الاستفادة باستثناء الاستعمال الشخصي، أو في دائرة عائلية محدودة. فلا يجب إغفال أن الموقع يوجه إلى جمهور غير محدد شأنه في ذلك باصطلاحات نظرية الالتزام بالإيجاب الموجه للجمهور (جوتيه، المرجع السابق ص495).

فإذا كان أهم ما يميز شبكة الإنترنت أنها شبكة عنكبوتية عبر العالم فإن عبارات الاستعمال الفردي أو الشخصي تكون غريبة عن طبيعة الشبكة في ذاتها وما يوجد عليها من مواقع.

وهبت إحدى المحاكم الفرنسية، إلى أن السماح للغير بالدخول على المواقع الخاصة واحتمال الحصول على نسخ، ومن حيث أن شبكة الإنترنت تشجع الاستخدام الجماعي، فإنه من غير المنتج الدفع بأن من اتخذ موقعاً لم يقم بأي عمل إيجابي في الإرسال، بل أن السماح بالحصول على نسخ يتوافر ضمنياً من حق الدخول على الصفحات أو المواقع الخاصة مما مؤداه أن الحصول على النسخ يتم دون موافقة المؤلف وينطوي على استخدام جماعي مما يخرجه عن نطاق الاستعمال الشخصي (محكمة باريس الابتدائية 16 أغسطس 1996 (قاضي الاستعمال) دالوز ص490 تعليق جوتيه).

وفي مجال قواعد البيانات وبرامج الحاسب الآلي فإن المادة 122-ل من قانون الملكية الأدبية والفنية الفرنسي قد نصت على أن الاستثناء الخاص باستنساخ نسخة واحدة للاستعمال الشخصي لا يسري على نسخ قواعد البيانات الإلكترونية، وبرامج الحاسب الآلي، بمعنى أنه يجوز عمل نسخة واحدة من هذه المصنفات إلا بإذن المؤلف، لكن يجوز لمن له حق استعمال البرنامج أن يعمل لنفسه نسخة للحفظ sauvegard إذا كانت ضرورية لاستخدام البرنامج.

وفي مواجهة ذلك الاتجاه، ومن حيث المبدأ يذهب اتجاه آخر إلا أنه لا يمكن المساس بحق استنساخ نسخة للاستعمال الشخصي فقد أصبح حقاً غير قابل للمساس به باعتباره من الحقوق الأساسية للجمهور أو للمستخدمين.

وينطبق الاستثناء على مواقع web، فهو باعتباره من المصنفات المحمية فإنه يمكن عمل نسخة منه للاستعمال الشخصي متى كانت زيارة الموقع غير مباحة دون قيود أو ضوابط أو شفرة أو كلمة السر.

ومن الغريب أنه في ظل التقدم العلمي الضخم الذي ترتب عليه نقل المصنفات ونشرها عبر العالم ولجمهور ضخم لم يكن يحلم المؤلف بالوصول إليه وتحقيق مصلحة المؤلف، أن تتعالى الصيحات بأن يكون مقابل ذلك الحد من حرية المستخدم في الحصول على الثقافة في ظل القواعد العامة، ألا يجب أن يعم الخير. (هيو : المقالة السابقة ص 193) بل أن التوازن بين مصلحة المؤلف ومصلحة مستخدم المصنف يقتضي القول بتدعيم وتوسيع حقوق المستخدم متى اتسعت دائرة الجمهور الذي وصل إليه المؤلف.

ويمكن القول أنه من حيث المبدأ فإن النقل للاستخدام الشخصي يظل قائماً في مجال الإنترنت، وإنما المشكلة تثور حول توافر النسخة الشخصية أم أننا بصدد استخدام جماعي.

ثانياً: نشر المختصرات والمقتبسات الموجزة دون إذن المؤلف :

تضع المادة 14 من قانون حق المؤلف المصري استثناء، مؤداه جواز نشر مقتبسان أو مختصرات عن المصنفات دون إذن مؤلفيها، فهذه المقتبسات الموجزة لا تغني عن قراءة الأصل بل هي تحفز على قراءة الأصل وتروج للمصنف بالتالي. وبهذا فإن إعادة نشر المقال كاملاً يستوجب الحصول على إذن المؤلف ما لم ينص على خلاف ذلك في العقد المبرم بين المؤلف ومن ثم له التصرف في الحق المالي، وبهذا فإنه من حيث المبدأ نشر المقالة على موقع الإنترنت دون إذن الصحفي مساساً بحق المؤلف طالما أن النشر المأذون به لا يمتد إلى عموم النشر ويقتصر على الصحيفة المتعاقد معها، خصوصاً أن النشر عن طريق الإنترنت يصل إلى جمهور عريض ومتنوع ويختلف عن ذلك الذي توجد له الجريدة أصلاً اي القراء (في هذا المعنى محكمة الأمور المستعجلة في ستراسبورج 8 فبراير 1998، الأسبوع القانوني 19598-2-10044).

ولقد اثيرت مسألة نشر المختصرات عن المصنفات والكتب والروايات ودواوين الشعر في مجال الإنترنت بمناسبة نشر أجزاء من أشعار أحد الشعراء حيث اعتبر نشر المصنف الرقمي في هذه الحالة متجاوزاً لمجرد نشر مختصرات أو مقتطفات (محكمة باريس الابتدائية 5 مايو 1990).
وكذلك لا يجوز أن يعرض في موقع من مواقع الإنترنت المصنفات الفنية دون رضاء الفنان طالما أن نشرها لم يتم عَرَضَاً إعمالاً لقاعدة أن الفرع يتبع الأصل. وفي مجال قواعد البيانات إذا كانت تلك القواعد مستمدة من بعض ما نشر في إحدى الصحف دون أي إضافة لا يعتبر نشرها مساساً بحق المؤلف إذا كان ما نشر لا يغني عن ضرورة الاطلاع على المصنف الأصلي والمزج بين المختصرات وفهرس أبجدي يكون مصنفاً من مصنفات المعلومات (نقض فرنسي – الدوائر مجتمعة 30 أكتوبر 1987 – دالوز – 1988 ص 21). وطبقاً للقواعد العامة لا يسري هذا الاستثناء إلا على المصنفات الأدبية دون المصنفات الفنية الموسيقية.

ثالثاً: أداء المصنف في اجتماع خاص
بالنسبة للاستثناء الوارد في المادة 11 من قانون حق المؤلف من أنه ليس للمؤلف بعد نشر مصنفه أن يمنع إيقاعه أو تمثيله أو إلغاءه في اجتماع عائلي أو في جمعية أو منتدى خاص أو مدرسة، ما دام لا يحصل في نظير ذلك رسم، ومقابل مالي. ويؤصل الفقه هذا الاستثناء بأن استعمال المصنف في اجتماعات خاصة هو من قبيل الاستعمال الشخصي مع شيء من التوسع في مفهوم هذا الاستعمال (السنهوري ج8 ص366) ويلاحظ أن الرخصة هنا تتناول الأداء العلني representation وليس reproduction.

ولقد قضت محكمة النقض المصرية بأن لا تلازم بين صفة المكان وصفة الاجتماع من حيث الخصوصية والعمومية، إذ قد يقام حفل عام في مكان خاص كما قد يحصل العكس فيوجز مكان عام لعقد اجتماع خاص (نقض مدني 25 فبراير 1965 مجموعة المكتب الفني السنة 16 رقم 26 ص 227). ولا صعوبة في ان هذه الأحكام تسري على الإنترنت إذا توافرت كافة الشروط المشار إليها.
ولكن تطبيق هذا الاستثناء يثير صعوبة في مجال المقصود بالعمومية والخصوصية، ويمكن أن تثار هذه المسألة بصدد الدخول على شبكة الإنترنت من حجرة الفندق، وقياساً على ما تقرر في القضاء الفرنسي بشأن الإرسال التلفزيوني لإحدى المحطات الفضائية فإنه يمكن القول بأن النزيل بالرغم من أنه في حجرته وفي حالة الخصوصية إلا أنه يعتبر جمهوراً ينقل إليه الفندق برامج التليفزيون ومن ثم لا تتوافر شروط الاستثناء إليها (نقض مدني 16 أبريل 1994 دالوز 1994 ص 450 تعليق وفر له الفندق تلك الخدمة، فالنقل إلى الجمهور عن طريق الأجهزة لاغراض رواج أعمال الفندق التجارية، يعتبر أداء مباشراً للجمهور لهذا المصنف، فمجموع العملاء يكون جمهوراً بالرغم من أن كل واحد منهم وعلى انفراد يوجد في مكان خاص وهو حجرته بالفندق. ففكرة الجمهور في مجال الاتصالات لا تستلزم الاجتماع أو التجمع المادي لعدد من الأشخاص في مكان واحد، فالاداء العلني للمصنف لا يستلزم الاجتماع المادي للجمهور.

فالجمهور يتوافر من تجمع عدد متفرق من الأشخاص حول وسيلة النقل أو التواصل التي قد توجد لكل واحد في أماكن متفرقة، ومن ثم يعتبرون جمهوراً. فمجموع المشتركين في قناة من قنوات الإرسال الفضائي يعتبرون جمهوراً بالرغم من مشاهدة كل منهم للبرامج في منزله.

الخاتمــة

بعد هذا العرض لا يسعنا في الخاتمة إلا أن تعرض لمسألة مدى ملاءمة القواعد العامة في حماية حق المؤلف للمستجدات الحديثة والتي تمثلت بوجه خاص في الإنترنت. فعادة عندما يأتي لنا العلم بجديد، سرعان ما تتعالى الصيحات بضرورة إصدار تشريعات خاصة لمواجهة المستجدات لتفادي الفراغ القانوني الذي يترتب على ظهور المستجدات.

من العرض السابق يتضح لنا أن القواعد العامة في خطوطها العريضة تواجد بكفاءة المشكلات القانونية التي تنشأ عن الإنترنت. ولكن الأمر يحتاج إلى إتقان كامل لأصول قانون حق المؤلف لتطويعها فهي تحتوي على المرونة الملائمة والتي تستمد من تجريد القاعدة القانونية، فالأمر يحتاج إلى رياضة ذهنية قانونية متقدمة، مع أنه لا بد من معرفة جيدة للأصول الفنية والتقنية التي تحكم المستجدات. فمعرفة كيفية عمل الإنترنت تلعب دوراً رئيسياً في التوصل إلى الحلول القانونية الملائمة. ولا نرى اتخاذ الطريق السهل وهو التشريع الخاص لأن ذلك يهدد بخطرين الخطر الأول احتمال التضارب وعدم التناسق بين التشريعات ولا يخفى تدني مستوى الصياغة التشريعية عن ذي قبل. والخطر الثاني وهو لا ينقطع الصلة بالأول وهو الإخلال بالاستقرار القانوني فالتعديل قد لا يكون كافياً ويستتبع سلسلة من التعديلات التي تهدد الاستقرار… وانتظار التعديل التشريعي يضعف قوة الخلق ويؤدي إلى التقاعس عن قدح الذهن لتطويع النصوص .

ولكن الاستقرار لا يجب أن يكون عائقاً في سبيل التطور، بل لا بد عندما تدعو الحاجة من الإقدام على التعديل ليس فقط لمواجهة المستجدات بل استجابة لما قد يفرضه التقدم من إعادة النظر في القواعد العامة، فقد رأينا الانتقاد الموجه لأعمال الاستثناء الاص بعمل نسخة من المصنف للاستعمال الشخصي في مجال الإنترنت، ولكن هذا النقاش يعكس في الواقع ضرورة إعادة بحث الموضوع في ظل التقدم في مجال ماكينات تصوير المستندات على وجه الخصوص وما يترتب على ظهورها من تهديد لحق المؤلف، فقانون حق المؤلف المصري صدر في سنة 1954، وأصبحت الآن معطيات المشكلة مختلفة.

فالمستجدات قد لا تحتاج إلى نصوص للتوافق معها بل قد تفتح الباب أمام إعادة النظر في بعض القواعد العامة التقليدية. ولقد اتضح من هذه الدراسة أن التقدم الضخم في مجال المعلوماتية لا يجب أن يكون على حساب حق المؤلف، فلا يخفى الصلة حق المؤلف وحقوق الإنسان والحقوق اللصيقة بالشخصية. ولهذا يجب على القانون أن يقف إلى جانب التقدم، ويضع له الإطار الذي يكفل تحققه دون المساس بحقوق الإنسان التي تستهدف ازدهار الإنسان وتقدمه. وأخيراً فإن القرية الكونية التي نتجول فيها من خلال الإنترنت والتي لا تعرف حدود الدول أصبحت تستوجب أن يكون التنظيم التشريعي على مستوى دولي سواء باتفاقيات دولية أو باتفاقيات إطار تأخذ بأحكامها التشريعات الوطنية. (الأوجه القانونية للإنترنت، مؤلف تحت إدارة نيومان، الطبعة الثانية ص 91 باريس 1998، دار النشر هرمس).
ويجب الاهتمام بتنظيم عقود ذات طابع دولي تواجه المشاكل الحالة لحقوق المؤلف حتى نرى ما سيسفر عنه الوضع في الدول المختلفة (في هذا المعنى سيرينللي تقرير مقدم إلى وزارة الثقافة الفرنسية حول الصناعة الثقافية والمستجدات الفنية، منشور في الوثائق الفرنسية يونيه 1994