نبذه عن التقادم

لقد سعت أغلب قوانين الدول إلى عدم ترك حقوق الناس في مهب الريح وتركها لأمر صاحبها يطالب بها متى شاء، طالت المدة عليه أم قصرت. بل سعت إلى تحقيق نوع من استقرار الحقوق والمعاملات بين الناس من خلال التقادم· وقد اختلفت التشريعات حول المدة التي لا يستطيع بعدها الدائن أن يطالب مدينه بالدين الذي له في ذمته؟

غير أن المشرع حين اختار هذه المدة راعى فيها ألا تكون طويلة إلى الحد الذي يرهق المدين ولا أن تكون قصيرة بالقدر الذي يباغت الدائن ويسقط حقه في وقت قصير.

وقد حدد المشرع الفرنسي هذه المدة وجعلها ثلاثين عاما إلا أن المشرع المصري قد جعلها خمسة عشرة سنة وهى مدة مستقاة من أحكام الشريعة الإسلامية فهي المدة التي لا يجوز بعدها سماع الدعوى في الفقه الاسلامى .

فإذا انقضت هذه المدة وادعى المدين براءة ذمته وأصر الدائن على المطالبة بالدين فأن الأولى بالرعاية هنا هو المدين لا الدائن وان لم يكن قد استوفى حقه ولم يكن قد أبرأ ذمة مدينه منه فلا اقل من انه بسكوته هذا قد أهمل إهمالا جسيما لا عذر له فيه بسكوته هذه المدة .

– التقادم نوعان تقادم مكسب للملكية وهو الذي ينتج عن حيازة شخص لعقار أو منقول دون أن يكون مالكاً له إذا استمرت حيازته دون انقطاع لمدة زمنية معينة، والنوع الثاني هو التقادم المسقط ويعني سقوط الحق في المطالبة بالحقوق المالية بمضي مدد أو فترات زمنية محددة دون مطالبة أصحابها بها.

والتقادم المسقط قد يكون قصيراً لا تزيد مدته عن خمس سنوات، وقد يكون طويلاً يسقط الحق في المطالبة به بمضي خمسة عشر سنة.

ومن المبادئ المقررة في التقادم أنه لا يترتب على اكتمال مدته سقوط الالتزام من تلقاء نفسه، بل لابد أن يتمسك به المدين، فالتقادم دفع يدفع به المدين دعوى الدائن، والأصل فيه أنه لا يعتبر من النظام العام، ذلك أن سقوط الالتزام بالتقادم، وإن كان مبيناً على اعتبارات المصلحة العامة والحفاظ على استقرار الأوضاع، وعلى قرينة الوفاء بالدين ، أو على أساس العقوبة والجزاء على إهمال الدائن في المطالبة بحقوقه، إلا أنه يتصل مباشرة بمصلحة المدين الخاصة، كما أنه يتصل اتصالاً مباشراً بضميره، فإذا كان يعلم أن ذمته مشغولة بالدين وتحرج من التذرع بالتقادم، كان له أن ينزل عنه بعدم التمسك به، فلا تستطيع المحكمة أن تقضي بالسقوط من تلقاء نفسها ما لم يرد نص قانوني يخالف هذا الأصل، ومثال لهذا النص ما ورد في المادة (21) من قانون الخدمة المدنية والتي قضت بتقادم حق الجهة الحكومية في استرداد المبالغ المدفوعة منها للموظف بدون وجه حق بانقضاء خمس سنوات من تاريخ الصرف، ولا يسري هذا التقادم إذا كان الصرف قد تم بغش أو تدليس من الموظف، ويتقادم حق الموظف في المطالبة بالحقوق المالية المستحقة له بانقضاء سنة من تاريخ علمه بهذه الحقوق أو خمس سنوات من تاريخ الاستحقاق أي المدتين أقرب، وتعتبر أية مطالبة كتابية بالمبالغ والحقوق السابقة من أسباب قطع التقادم المنصوص عليه في هذه المادة.

ومفاد هذا النص أنه بمجرد انقضاء مدة الخمس سنوات على تاريخ صرف المبالغ المدفوعة للموظف دون وجه حق يسقط حق الجهة الحكومية في استرداد هذه المبالغ ، ما لم يكن هناك غش أو تدليس من الموظف ففي هذه الحالة يحق للجهة الحكومية الاسترداد مهما طال الزمن ، أما بالنسبة للموظف فإن حقه في المطالبة يسقط بمضي سنة من تاريخ علمه ، وبمضي خمس سنوات من تاريخ الاستحقاق في حالة عدم العلم أيهما أقرب، ويعني هذا أنه إذا كان للموظف أية مبالغ مستحقة له قبل الجهة الحكومية ، ولم يعلم بها إلا بعد مدة تزيد عن سنة وتقل عن خمس سنوات ، فإن حقه في المطالبة ينشأ فور هذا العلم مع ملاحظة أن المصادر القـانونية المنشورة والتي تنشئ هذا الحق يفترض علم الموظف بها، وبالتالي تحدث أثرها في مواجهته، ولا يجوز له الاحتجاج بعدم العلم، على أن يراعي بطبيعة الحال حالات قطع التقادم.

أما العلة أو الحكمة من هذا النص فهي اعتبارات تنظيمية تتعلق بالمصلحة العامة وتهدف إلى استقرار الأوضاع الإدارية وعدم تعرض ميزانية الدولة وهي ميزانية سنوية للاضطراب أو للأعباء غير المتوقعة.

هذا بالنسبة للحقوق المالية التي تنشأ للموظف أثناء الخدمة، أما بعد انتهاء الخدمة وزوال صفة الموظف عنه ، فإنه يستحق عند انتهاء خدمته مكافأة نهاية الخدمة والبدل النقدي عن رصيد الإجازة الدورية سواء للكويتي أم غير الكويتي إلا أن مكافأة التقاعد بالنسبة للكويتي فإنها تخضع للأحكام الواردة بقانون التأمينات الاجتماعية فيما يتعلق بالتقادم، أما الحقوق المالية الأخرى سواء للكويتي أو غير الكويتي (المكافأة والبدل) فقد استقر العمل بالديوان على تطبيق أحكام وقواعد التقادم الطويل الواردة بالقانون المدني الصادر بالمرسوم بالقانون رقم (67) لسنة 1980 ، حيث قضت المادة (438) منه بأنه لا تسمع عند الإنكار الدعوى بحق من الحقوق الشخصية بمضي خمس عشرة سنة ، وذلك فيما عدا الأحوال التي يعين فيها القانون مدة أخرى والأحوال المنصوص عليها في المواد التالية.

وعدم سماع الدعوى يقوم على قرينة الوفاء أي أن المدين قد أوفى بما في ذمته للدائن شريطة ألا يصدر منه أي المدين ما يفيد أن ذمته ما زالت مشغولة بالدين كأن يعترف صراحة أو ضمناً بعدم الوفاء، وهو ما سبق أن أشرنا إليه من أن اكتمال مدة التقادم لا يرتب سقوط الالتزام من تلقاء نفسه بل لابد أن يتمسك به المدين، وعلى ذلك فإذا نشأ حق مالي بعد انتهاء خدمة الموظف ومضى عليه أكثر من خمسة عشر سنة وطالب به صاحبه فإن على الجهة الحكومية أن تتأكد مما إذا كان المبلغ محل المطالبة قد تم صرفه لصاحبه أم لا، فإذا ثبت لها سبق الصرف أو لم تتيقن من ذلك عليها التمسك بالتقادم وإنكار الدين وإن ثبت لها العكس بعدم سبق الصرف فإنه يتعين عليها عدم التمسك بالتقادم ، ومن ثم الوفاء بالدين.

بقلم / خالد حسين المطيري

إعادة نشر بواسطة محاماة نت