التنمية المجالية في اختصاصات مجلس الجهة

الرشدي الحسن

طالب باحث

حاصل على الماستر في القانون العام الداخلي وتنظيم الجماعات الترابية

المقدمة:

قبل ان يدخل مفهوم المجال في التحليل الاقتصادي خلال النصف الاخير من القرن العشرين، كان اهتماما محضا لعلماء الجغرافيا من خلال النظر اليه على انه مجرد عائق يمكن تجاوزه عبر النقل ووسائله، ودلك قبل ان يتطور في الوقت المعاصر الى ما هو اهم من دلك، حيث اصبح يرتبط بتمركز الاشخاص والشركات والثروات والمصانع والاسواق وغيرها تمركزا متوازنا مبنيا على اسس وقواعد اضحت تسمى قواعد اعداد التراب الوطني التي تعتبر الجهة احدى مرتكزاته.[1] ومما لا شك فيه فان قطاع التنمية المجالية يشكل نقطة تلاق بين جميع السياسات القطاعية في سياق نظرة شمولية بهدف الحد من التفاوت الجهوي، وإبراز المؤهلات التنموية الكفيلة بإنتاج الثروات الجديدة ومن تم توفير التشغيل، كما يعتبر أمثل طريقة للتوفيق بين النجاعة الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية مع الحفاظ على البيئة في إطار نهج تنمية مجالية مستدامة. فالمجال هو دالك الاطار الذي يجمع الانسان والثقافة والتاريخ والارض والهوية، فالمجال اذا يأخد بالمقاربة الشمولية.

وادا كان تنظيم المجال بالمغرب عرف في فترة ما قبل الحماية نوع من التوازن سواء من الناحية البشرية او من الناحية الاقتصادية،[2] فان في فترة الحماية عملت السلطات الفرنسية على توفير شروط الهيمنة الاستعمارية مما اثر على التنمية المجالية بشكل كبير وافرز لنا عدة اختلالات، حيث عملت على تحويل المراكز السياسية والاقتصادية بطريقة سلطوية من وسط البلاد في اتجاه الساحل الاطلسي، وهو ما ادا بظهور اطروحة المغرب النافع والمغرب غير النافع، اما بعد الاستقلال حاول المغرب معالجة الاختلالات المجالية التي تركها المستعمر ودلك عبر مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بداية بالمخطط الخماسي 1960-1964 الدي حاول من خلاله تقليص التبعية الاقتصادية للبلاد وتوحيد مجموع المغرب اقتصاديا، كما خصص هدا المخطط تحليلات واسعة للمعطيات الجهوية للاقتصاد المغربي، وللبعد المجالي الدي اراد ان يطبعه به،[3]

هكدا وعملت السلطات المغربية عبر المخططات الاتية فيما بعد على تنمية المجال لكن بشكل متفاوت، وكان المخطط الخماسي 1968-1972 اهم هده المخططات حيث ركز على البعد المجالي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال تخصيصه للجزء الثالث بكامله للتنمية الاقتصادية الجهوية، واهمية الاعتبارات المجالية في هدا المخطط تتجسد اساسا في كونه اول مخطط يتطرق بشكل مباشر الى اعداد التراب. وكان اخر هده المخططات المخطط الخماسي 2000-2004 وقد احتل اعداد التراب موقعا متميزا ضمن توجهات هدا المخطط، فمن بين ستة محاور التي تشكل استراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحددة من طرف المخطط، هناك محوران يهمان اعداد التراب وهما محور اعداد التراب الوطني وتنظيم النسيج العمراني، ومحور التنمية القروية وتقليص الفوارق الجهوية.[4]

ولكن الملاحظ ان تدبير المجال يهيمن عليه الطابع المركزي خصوصا بعد الاستقلال، وكان يغلب على هدا التدبير البعد الامني من اجل التحكم في المجال وضبطه، عوض الاعتماد على المقاربة الشمولية لجميع القطاعات، والتركيز على التنمية بمفهومها الشمولي، ومع اعتماد الجهوية كوحدة ادارية لتدبير الشان الجهوي وتطورها[5] نتساءل هل للمجالس الجهوية دور في التنمية المجالية؟ هل منحت لها اختصاصات كافية للتنمية المجالية؟ وهل مشروع الجهوية المتقدمة سيتجاوز تلك النظرة الضيقة لتدبير المجال التي كانت ترتكز على البعد الامني اكثر من أي شيء اخر؟ وهل سيمنح تدبير تنمية المجال للمجالس الجهوية، ام انه سيظل تدبيرا مركزيا فقط؟

الفقرة الاولى: تدبير التنمية المجالية على ضوء اختصاصات مجلس الجهة

إن انتشار أفكار التنمية المجالية والمحلية تزامن مع تداعيات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتنامي الفوارق المجالية بتعاظم هجرة القرويين نحو المدن التي شهدت بدورها نمو أحياء السكن غير اللائق مع ما يطرح ذلك من مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية (التشغيل، الجريمة، والاحتجاجات الشعبية…) ولمواجهة هذه التحديات، يبدو أن تقريب المجتمع من نفسه هو الدواء الملائم لمواجهة انخفاض فعالية الدولة، وهدا لن يتأتى بطبعة الحال الا بتطبيق لامركزية ادارية تمكن المواطنين من تدبير شؤونهم عن طريق ممثلين منتخبون بشكل ديموقراطي، وتعتبر الجهة اهم وحدة ترابية من بين الوحدات الترابية اللامركزية الاخرى.
وادا كانت الجهة بهدا القدر من الاهمية فهل منح لها المشرع دور مركزي في التنمية المجالية على الصعيد الجهوي في ظل قانون الجهات لسنة 1997؟ وهل لها دور فعال في مجال اعداد التراب والتعمير والتخطيط الاقتصادي والاجتماعي؟

اولا: اختصاصات مجلس الجهة في ميدان اعداد التراب

لا بد ان نشير في البداية الى ان الجهة قبل صدور هدا القانون كانت منظمة بقانون 1971 كأول قانون ينظم عمل الجهات، وفي اطاره تم اعتماد سبع جهات اقتصادية اساسية، وكان دور الجهة انداك محصورا في الاستشارة فقط، أي دور استشاري في بعض الميادين الاقتصادية، وبالتالي في هده الفترة لا يمكن التكلم عن تنمية مجالية مدبرة من طرف مجالس الجهات، وبعد الاصلاح الدستوري لسنة 1992 الدي ارقى بالجهة كمؤسسة دستورية لها شخصيتها المعنوية، واستقلالها المالي والاداري وكرسه دستور 1996 وعززها دستور 2011، وعلى اثر كل هدا كان لابد من اعادة النظر في القانون المنظم للجهات والاختصاصات، وهدا ما كان فعلا بصدور قانون 2 ابريل 1997 المنظم للجهات.[6]
وبالعودة الى مقتضيات هدا القانون وخصوصا الى اختصاصات مجلس الجهة نجدها مقسمة على الشكل التالي حسب المادة 6: هناك اختصاصات خاصة به واختصاصات تنقلها اليه الدولة، كما يمكنه علاوة على دلك تقديم اقتراحات وابداء اراء حول الاعمال دات المصلحة العامة التي تهم الجهة والداخلة في نطاق اختصاص الدولة او أي شخص معنوي اخر من اشخاص القانون العام.

وادا كان الصنف الاول من الاختصاصات أي الخاصة بالمجلس يمكن من حيث المبدأ ان يمارسها بكل حرية، فاننا نجد ان دور المجلس في ميدان اعداد التراب يظل مرتبطا بموافقة السلطات المركزية، حيث تنص المادة 7 على ان من بين الاختصاصات الذاتية للمجلس هي :” اعداد التصميم الجهوي لتهيئة التراب وفقا للتوجهات والاهداف المعتمدة على المستوى الوطني، ويحيل المجلس الجهوي هدا التصميم الى اللجنة الوزارية لتهيئة التراب الوطني قصد الموافقة عليه”، وهدا التصميم كما هو معلوم جاء ليحل محل تصميم التنمية والتهيئة الجهوية، وتكمن اهميته انه يحدد التوجهات المجالية على المستوى الجهوي، ويعبرعن التوجهات الاساسية للتنمية الجهوية ويحدد البنيات التحتية والتجهيزات الكبرى دات الاهمية الجهوية، فهو بالنسبة للجهة بمثابة دليل لتوطين وانجاز العمليات الكبرى واداة للتنسيق والانسجام،[7]

الا انه بالعودة الى المادة 7 اعلاه نجد ان التصميم الجهوي لتهيئة التراب مقرون بشرطين اساسيين اولهما ان يكون هدا وفق التوجهات والاهداف المعتمدة على المستوى الوطني أي ان ياتي مطابقا لتصميم الوطني لاعداد التراب، والشرط الثاني هو الموافقة الالزامية للجنة الوزارية لتهيئة التراب الوطني،[8] لكن الملاحظ ان هده اللجنة لم يكن لها الا وجود نظري حيث لم تجتمع الا مرة واحدة بداية 1971 الدي انعقد للتقرير في التدابير الاولى التي يتعين اتخادها في مجال الجهوية،[9] وابتداء من دجنبر 2001 تم احداث المجلس الاعلى لاعداد التراب الدي حل محل هده اللجنة.

وادا كان المجلس الجهوي هو المختص باعداد التصميم الجهوي، فانه يتعين التدكير بان هدا المجلس لا يتوفر على ادارة جهوية خاصة به، الامر الدي لا يمكن الا ان ينال من القيمة الفعلية للامركزية التصميم الجهوي، مادام ان رئيس المجلس الجهوي سيكون مفروضا عليه اللجوء، بواسطة والي الجهة، الى الاستعانة بالمصالح اللاممركزة للدولة في نطاق التراب الجهوي من اجل اعداد التصميم الجهوي.
ومن خلال ما سبق يتضح انه رغم الارتقاء الدي عرفته الجهوية الى مؤسسة دستورية، ورغم منحها اختصاصات خاصة بها في القانون المنظم لها، الا ان تدبير التنمية المجالية ظل حبيس السياسيات المركزية، بل حتى الحق الممنوح لمجالس الجهة في هدا الباب ظل حبيس مجموعة من الشروط اهمها الموافقة النهائية للسلطة المركزية، ومنه يتضح ان البعد الامني مازال حاضرا بشكل او باخر في تدبير التنمية المجالية.

ثانيا: اختصاصات مجلس الجهة في ميدان التعمير

سنبدأ من حيث انتهينا في الفقرة السابقة، أي داخل القانون المتعلق بتنظيم الجهات، وهده المرة سنبحث عن دور المجلس الجهوي في رسم سياسات التعمير، وبالعودة الى المادة 9 والمتعلقة بالاختصاصات الاستشارية نجد ان مجلس الجهة “يبدي رايه في السياسات المتعلقة باعداد التراب الوطني والتعمير ووسائلها”، أي ان المجلس الجهوي ليس له دور تقريري في هده السياسات بل يبدي رايه فقط، وهدا يعني ان رايه غير ملزم يمكن الاخد به كما يمكن العكس.
وبالعودة الى مدونة التعمير نجد ان دور المجلس الجهوي غائب تماما في مسطرة وضع وثائق التعمير بداية من مخطط توجيه التهيئة العمرانية، ثم تصميم التنطيق، وكدلك تصميم التهيئة، فرغم ان المادة 9 اعلاه اشارة بشكل واضح ان المجلس يستشار في سياسات التعمير الا ان مدونة التعمير لم تشير الى هده الاستشارة.

والجدير بالذكر ان جميع وثائق التعمير يتم اعدادها من طرف السلطات المركزية سواء من طرف الوزارة المكلفة بالتعمير بالنسبة لمخطط توجيه التهيئة العمرانية، اواللجنة المركزية بالنسبة لتصميم التنطيق وتصميم التهيئة، وبعد دلك يتم ارسالها الى اللجنة المحلية التي يراسها الوالي او العامل قصد ابداء الراي فيها في اجل لا يتعدى 15 يوم، وفي الاخير يتم استشارة الجماعات المعنية في اجل 3 اشهر وبالنسبة لتصميم التنطيق شهرين.[10] ادا فمجلس الجهة لا يتدخل في وضع السياسة التعميرية للجماعات التابعة له، بل اكثر من دلك لا يستشار فيها.

ان غياب دور الجهة عموما ومجلس الجهة خصوصا في اعداد وثائق التعمير ولو بإبداء الرأي فيها يعود بالأساس الى ان قانون التعمير صدر سنة 1992 أي قبل صدور قانون تنظيم الجهات سنة 1997، وأنداك كانت الجهات لا تتمتع بالشخصية المعنوية كما سبقت الاشارة وبالتالي كان دورها محدود جدا، لكن وبعد صدور القانون 47.96 لمادا لم يتم تحيين مدونة التعمير خصوصا الشق المتعلق بمسطرة اعداد وثائق التعمير؟ لمادا لم يتم ابراز دور الجهة في اعداد ودراسة هده الوثائق ولو بالاستشارة، ونكون حينها امام تطابق المادة 9 من قانون تنظيم الجهات و مدونة التعمير، فرغم مرور ازيد من 15 سنة من صدور هدا القانون فان الوضع ما زال كما كان عليه، وهنا يجرنا للتسائل هل فعلا هناك نية حقيقية للمشرع في استشارة هذه المجالس فيما يخص اعداد وثائق التعمير.

ثالثا: اختصاصات مجلس الجهة في ميدان التخطيط الاقتصادي والاجتماعي

تنص المادة 7 من القانون المنظم للجهات على ان مجلس الجهة يقوم بـ :”…- اعداد مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجهة وفقا للتوجهات والاهداف المعتمدة في المخطط الوطني للتنمية وفي حدود الوسائل الخاصة بالجهة وتلك الموضوعة رهن تصرفها، ويحيل المجلس الجهوي مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجهة الى المجلس الاعلى للانعاش الوطني والتخطيط قصد الموافقة عليه”، هدا الفصل يعطي للمجلس حق اعداد مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجهة لكن هدا الحق مرتبط بثلاثة شروط اساسية وهي؛ ان يكون هدا المخطط وفقا للتوجهات والاهداف المعتمدة في المخطط الوطني للتنمية، بمعنى انه لا يجب ان ياتي هدا المخطط بامور خارجة عن التوجهات الكبرى للسياسات العامة المتخدة من طرف السلطات المركزية في مخططاتها التنموية، والشرط الثاني هو ان يكون في حدود الوسائل الخاصة بالجهة وتلك الموضوعة تحت تصرفها، وبالعودة الى وسائل الجهة نجدها ضعيفة جدا وهزيلة، فمواردها تظل ضعيفة وتتكون اساسا من الرسوم والضرائب الجهوية وضرائب الدولة اما باقي الموارد فتبقى غير مهمة، وهدا سيؤثر على وضع مخططات ناجعة دات مردودية وفعالية، اما الشرط الثالث فهو مرتبط بموافقة المجلس الاعلى للانعاش الوطني والتخطيط الدي كان يترأسه الملك حسب الفصل 25 من دستور 1996.

كما ان هده المخططات يتم البث فيها من طرف اللجنة الجهوية لإعداد التراب، تحت رئاسة والي الجهة، وهدا يبين ضعف اللامركزية على مستوى الجهة، ودلك للحضور القوي لمؤسسة الوالي مركز الجهة، لتبقى اختصاصات مجلس الجهة ضعيفة جدا خصوصا على مستوى التنمية المجالية.
وبالاضافة الى الدور الضعيف لمجلس الجهة في وضع مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، نتسائل عن قيمتها القانونية؟ خصوصا وان المجالس الجماعية تضع ايضا مخططاتها لكن لا يجبرها القانون مراعاة مقتضيات مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية الدي تضعه الجهة، مما يجعل هده المخططات غير ناجعة.

الفقرة الثانية: افاق تدبير التنمية المجالية في اطار مشروع الجهوية المتقدمة

ان التطور الدي يعرفه المغرب على مختلف الاصعدة والمستويات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ومع تطور عدد السكان وتنوع حاجياتهم وبالنظر لاستفحال الفوارق التنموية بين جهات متعددة داخل الدولة، اصبح من الضروري اعادة النظر في الجهوية القائمة واعطائها نفسا جديدا والعمل على تفعيلها للنهوض بالاقتصاد الوطني وتحقيق التوازن بين الجهات المختلفة وجعل الجهة فعلا قاطرة للتنمية المحلية، لان الجهة لم تسهم مند تاريخ انشائها في تحقيق الأهداف المتوخاة منها، فرغم من تمتع المجالس الجهوية باختصاصات واسعة في تدبير الشان العام الجهوي، لكن عدم تفعيلها باخراجها الى حيز الوجود من الناحية العلمية.[11]

وتقتضي الجهوية المتقدمة اولا تحقيق ديموقراطية محلية وجهوية باعطاء كل مؤسسة دورها في التسيير ودلك بالانتقال من المركز الى المحور مع التاكيد على ضرورة تكامل جهود الفاعلين الجهويين في وقت اصبحت تتداعى فيه مركزية القرارات ومركزية التسيير والتدبير وتتاكد فيه اليات التدبير المحلي. وبالتالي فما هو افاق تدبير المجال في مشروع الجهوية المتقدمة؟ سواء في مستجدات دستور 2011 او في تقرير اللجنة الاستشارية حول الجهوية المتقدمة.

اولا: افاق تدبير التنمية المجالية على ضوء مستجدات دستور
2011[12]

يجب اولا ان نقف عند المكانة المهمة التي حضيت بها الجهوية في ظل دستور 2011، وتتجلى هده المكانة المهمة من خلال عنونت الباب التاسع بـ “الجهات والجماعات الترابية الاخرى”، وهدا ما لم يكون في الدساتير السابقة حيث كان يعنون الباب المتعلق بالجماعات المحلية بـ “الجماعات المحلية”، وهدا جاء كما سبقت الاشارة لتعزيز مكانة الجهة كوحدة ترابية تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال الاداري والمالي.
اما فيما يتعلق بالتنمية المجالية، فقد نص الفصل 143 على ان الجهة تتبوأ تحت اشراف رئيس مجلسها، مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الاخرى، في عمليات اعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لاعداد التراب في نطاق احترام الاختصاصات الداتية لهده الجماعات الترابية، ان اهم ما يمكن استنتاجه في هدا الفصل هو:

اول مرة يتم التنصيص في الدستور على وسائل التنمية المجالية والمتمثلة اساسا في برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لاعداد التراب، بحيث ان الدساتير السابقة لم تكن تنص على هده الوسائل.
مكانة الصدارة التي تتبوأ بها الجهة في اعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية لاعداد التراب، بمعنى ان المخططات التي ستتخدها الجماعات الترابية الاخرى في الميدان الاقتصادي والاجتماعي وغيرها من الميادين يجب ان تكون مطابقة لتلك المتخدة من طرف الجهة، ودلك من اجل ضمان نوع من التنسيق والحد من الفوارق والاختلالات التي قد تكون داخل الجهة.

المكانة المهمة لرئيس مجلس الجهة في الاشراف على هده البرامج والتصاميم، عكس ما كان عليه الامر في السابق، حيث ان مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية كانت تبث فيها اللجنة الجهوية لإعداد التراب تحت رئاسة والي الجهة، بالاضافة الى الدور المنوط برئيس الجهة حسب الفصل 138 بتنفيد مداولات مجلس الجهة ومقرراتها.
ان الدور الدي ستلعبه الجهة في ظل دستور 2011 قد يمكنها من تدبير مجالها بشكل فعال وبشكل لا ممركز عكس ما كان في السابق، وحتى الامكانيات المالية سيتم تطويرها من اجل تفعيل هده البرامج والتصاميم لتصبح اكثر نجاعة وفعالية، فبالإضافة الى الموارد الداتية والموارد المرصودة من قبل الدولة ينص الفصل 142 من دستور 2011 على انه يحدث لفترة معينة ولفائدة الجهات صندوق للتاهيل الاجتماعي، يهدف الى سد العجز في مجالات التنمية البشرية، والبنيات التحتية الاساسية والتجهيزات، ويحدث ايضا صندوق للتضامن بين الجهات، بهدف التوزيع المتكافئ للموارد، قصد التقليص من التفاوتات بينها، ان كل هده الموارد والامكانيات المالية التي ستتاح للجهة سيمكنها من تفعيل وتنزيل كل مخططاتها ومن اجل تنمية مجالها بشكل فعال، ويبقى الرهان على النخبة التي ستقوم بهدا التدبير، كما نتمنى تفعيل هذه الصناديق وتنزيلها على ارض الواقع، وحتى لا تبقى حبرا على ورق.

ثانيا: افاق تدبير التنمية المجالية على ضوء تقرير اللجنة الاستشارية حول الجهوية المتقدمة

من بين اهم ما جاء به هدا التقرير فيما يتعلق بالتنمية المجالية، ان الحكومة تستشير المجلس الجهوي كلما كان الامر يعنيه في الاستراتيجية الوطنية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والمخططات القطاعية الوطنية والجهوية، والتصميم الوطني لاعداد التراب والتصميم الجهوي للتنمية الحضرية، كما يستشار بشأن كل مشروع تعتزم الدولة انجازه في الجهة، كلها امور جديدة لم تكون موجودة ما عدا ابداء الراي في التصميم الوطني لاعداد التراب، لكن المهم هنا هو في حالة رفض الحكومة كليا او جزئيا مقترحات المجلس الجهوي فلا بد من تعليل الرفض، وهدا يبين إلزامية الاستشارة وجديتها، وبالتالي يكون للمجلس الجهوي دور شبه فعال في رسم سياسات التنمية المجالية، عكس ما هو موجود مثلا في المادة 9 من قانون المنظم للجهات التي لم تشر لا من بعيد ولا من قريب الى الزامية تعليل الرفض، بل اكتفت بتقديم الراي والاقتراحات ويقوم عامل العمالة او الاقليم مركز الجهة بارسالها الى السلطات الحكومية المختصة.

هدا بالاضافة الى ان المجلس الجهوي يتصدر الجماعات الترابية الأخرى في حدود اختصاصه بتجميع وتنسيق مقترحات تلك الجماعات وجعلها تنسجم وتندمج في تصور التنمية الجهوية، وذلك مع احترام الاختصاصات المخولة لتلك الجماعات. وهو ما تم التنصيص عليه في الفصل 143 السالف الدكر من الدستور، كما انه يقوم، في حدود اختصاصاته ووسائله، بإعداد وتبني وإنجاز خطط العمل وبرامج التجهيز الخاصة به في مجالات الاستثمار والتشغيل و قطاعات الماء والطاقة والبيئة والتربية والتكوين والثقافة والصحة.

في انسجام مع توجهات الدولة وبعد الاستشارات والمشاورات والمصادقات المنصوص عليها في القانون، الا ان هده الاختصاصات وكما جاءت في التقرير تظهر جليا انها فضفاضة مما قد يؤدي بالجهة والجماعات الترابية الاخرى الى تنازع الاختصاص ادا لم يتم التدقيق فيها، وتوضيح اختصاص كل جهة على حدى.
ومن بين اهم ما جاء به التقرير اقتراح احداث وكالة جهوية لتنفيد المشاريع، توضع تحت اشراف رئيس مجلس الجهة، وتقوم اساسا بمد المجلس الجهوي، كلما طلب رئيسه ذلك، بكل أشكال المساعدة في مجالات القانون والهندسة التقنية-المالية عند دراسة وإعداد المشاريع وبرامج التنمية؛ كما تقوم لحساب المجلس، بتنفيذ مشاريع وبرامج التنمية التي يقرها، وتدبير الميزانيات المرصودة لها من قبله، والأمر بصرفها وفق ما فوضه لها المجلس، كما تتولى الوكالة تدبير مواردها البشرية وميزانيتها الذاتية في حدود الغلاف المالي الذي يضعه المجلس رهن إشارتها.[13]

وباعتبار ان الموارد المالية تعتبر أساسية من اجل التنزيل وتطبيق المخططات التي يتم إعدادها فان التقرير وضع اليات لرفع الموارد المالية للجهات، ومن اهمها الرفع من الحصة المرصودة لها من الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل من % 1 إلى 5%، وكذلك الاقتسام المتساوي بين الدولة والمجالس الجهوية لعائدات رسوم التسجيل والضريبة السنوية الخاصة على العربات ذات المحرك، بالاضافة الى صندوق التضامن بين الجهات، لكن لمادا لم يتم مثلا اقتراح ضرائب جهوية تقوم المجالس الجهوية باستخلاصها مباشرة.

خاتمة:

ان التجربة المغربية في اطار اللامركزية بينت النقص المروع الذي تعاني منه الجماعات المحلية في تدبير مجالاتها وعدم القدرة على التمفصل فيما بينها قصد التمكن من مواجهة المشاكل البنيوية او الطارئة، فالجماعات المحلية عبارة عن سلسلة متقطعة الحلقات وغير كاملة البنيان بالمقارنة مع التنظيم الادراي للتراب. ومع مشروع الجهوية المتقدمة سواء ما جاء به النص الدستوري او ما هو موجود في قرار اللجنة الاستشارية حول الجهوية المتقدمة، قد يعالج بعض الاشكالات العالقة لكن يبقى دور النخب المحلية في تطبيق روح هده القوانين كما يجب وتنزيلها تنزيلا سليما.

المقدمة: 1
الفقرة الاولى: تدبير التنمية المجالية على ضوء اختصاصات مجلس الجهة 3
اولا: اختصاصات مجلس الجهة في ميدان اعداد التراب.. 3
ثانيا: اختصاصات مجلس الجهة في ميدان التعمير. 5
ثالثا: اختصاصات مجلس الجهة في ميدان التخطيط الاقتصادي والاجتماعي. 6
الفقرة الثانية: افاق تدبير التنمية المجالية في اطار مشروع الجهوية المتقدمة 7
اولا: افاق تدبير التنمية المجالية على ضوء مستجدات دستور2011. 8
ثانيا: افاق تدبير التنمية المجالية على ضوء تقرير اللجنة الاستشارية حول الجهوية المتقدمة 10
خاتمة: 11

الهوامش
[1] احمد مالك، “الجهة واعداد التراب بالمغرب: الاكراهات وسبل التجاوز”، مداخلة بمناسبة اليوم الدراسي المنظم من قبل جمعية متصرفي وزارة الداخلية باقليمي خنيفرة وميدلت والمجلس الاقليمي وجمعية الاعمال الاجتماعية لموظفي وزارة الداخلية باقليم خنيفرة واخرون، 24-25 دجنبر 2010 بمقر عمالة خنيفرة.
[2] حيث كانت هناك 10 مدن رئيسية فيها ما يقارب 70 و 100 الف ساكنة، اما على المستوى الاقتصادي فهناك ثلاثة عواصم اقتصادية “الرباط، فاس، مراكش”
[3] على الرغم من الاعتبارات المجالية التي تضمنها هدا المخطط خصوصا اهتمامه بالمجال الجهوي، فان حصيلة الانجازات في ميدان الجهوية هي حصيلة متواضعة، تجسدت اساسا في الشروع بانجاز بعض الدراسات في مجال التهيئة الجهوية، كان اهمها مشروع التنمية الاقتصادية المندمجة للريف الغربي، وكدا مشروع تهيئة منطقة حوض سبو. عبد الخالق علاوي، “محاضرات في المدخل لدراسة اعداد التراب”، جامعة الحسن الاول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، سطات، 2007-2008

[4] عبد الخالق علاوي، المرجع السابق
[5] عرفت الجهوية بالمغرب تطورا مهما، وكانت البدايات الاولى سنة 1971 بخلق سبع جهات اقتصادية، الا ان دورها يقى محصورا في الاستشارة فقط، ولم تكن لها الشخصية المعنوية العامة، حيث لا تتوفر على الاستقلال المالي ولا الاداري، وفي دستور سنة 1992 ارتقت الجهة الى جماعة محلية تتوفر على هده الشخصية، وفي سنة 1997 بصدور قانون الجهات وفق تقسيم جديد منح لها اختصاصات داتية واخرى استشارية واختصاصات منقولة اليها من طرف الدولة، وفي سنة 2011 بصدور دستور جديد تم منح الجهة مكانة متقدمة في هدا الدستور حيث تم عنونة الباب التاسع بالجهات والجماعات الترابية الاخرى، وقبل دلك تم تكوين لجنة استشارية حول الجهوية المتقدمة، من اجل دعم اللامركزية الادارية الترابية ومنح الجهة الصدارة في هدا الاطار.
[6] ظهير شريف رقم 1.97.84 صادر في 23 من دي القعدة 1417 الموافق ل 2 ابريل 1997 بتنفيد القانون رقم 47.96 المتعلق بتنظيم الجهات
[7] “الحوار الوطني حول اعداد التراب” مديرية اعداد التراب الوطني، وزارة اعداد التراب الوطني والبيئة والتعمير والاسكان، 2000
[8] تم احداث هده اللجنة بموجب المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 5 غشت 1968 وتتشكل تحت رئاسة الملك من عدد من الوزراء الدين حددهم الفصل الثاني من المرسوم، وحسب نفس المرسوم فان اللجنة ينبغي ان تحدد عمليات ووسائل التدخل في ميدان اعداد التراب سواء على مستوى الوطني او على مستوى الجهات الاقتصادية، كما تعمل على ضمان التنسيق الفعال بين مختلف القطاعات فيما بينها بالحصول على المعلومات وتنفيد المشاريع،
[9] عبد الخالق علاوي، المرجع السابق
[10] انظر المرسوم رقم 2.92.832 بتنفيد القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير الصادر في الجريدة الرسمية عدد 4225، بتاريخ 20 اكتوبر 1993
[11] منية بلمليح، “الجهوية المتقدمة ورهان التغيير بالمغرب”، المجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 90-91 2010، ص 43
[12] ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 الموافق لـ 29 يوليو 2011 بتنفيد الدستور، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر
[13] للمزيد من المعلومات عن هده الوكالة انظر “تقرير حول الجهوية المتقدمة”، الكتاب الاول، ص34-36