البطلان الإجرائي في التشريع المغربي “رؤية على ضوء القوانين المقارنة

محمد مقور
باحث جامعي
حاصل على ماستر الأسرة والتنمية
كلية الحقوق مكناس

إن البطلان الإجرائي يكون نتيجة خلل إجرائي ينص عليه القانون، و هو عكس البطلان الموضوعي الذي قد يكون جزاء للإخلال بعناصر تكوين العقد كالتراضي و المحل و السبب و الشكل في العقود الشكلية و التسليم في العقود العينية[1].

و المشرع المغربي جعل البطلان الإجرائي يرتبط أساسا بالإخلالات التي تشوب الإجراءات المسطرية. و تثار عدة إشكالات بمناسبة الحديث عن البطلان الإجرائي، وقد اختلفت طرق معالجة هذه الإشكالات من طرف التشريعات الوطنية للدول، و تباينت داخلها معايير و حالات التمسك بالبطلان الإجرائي ، وهو ما يدفع إلى التساؤل عن البطلان الإجرائي في القانون المغربي (المحور الأول)، وكذلك في القانون المقارن (المحور الثاني).

المحور الأول: البطلان الإجرائي في القانون المغربي.

نص المشرع المغربي في الفقرة الأولى من الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية، على أنه ” يجب أن يثار في آن واحد و قبل كل دفاع في الجوهر الدفع بإحالة الدعوى على محكمة أخرى لتقديمها أمام محكمتين مختلفتين أو لارتباط الدعويين و الدفع بعدم القبول و إلا كان الدفعان غير مقبولين “.
ثم أضاف في الفقرة الثانية من نفس الفصل على أنه ” يسري نفس الحكم بالنسبة لحالات البطلان و الإخلالات الشكلية و المسطرية التي لا تقبلها المحكمة إلا إذا كانت مصالح الطرف قد تضررت فعلا “.
و يظهر بشكل جلي من خلال هذه الفقرة الأخيرة، أن المشرع المغربي لا يرتب البطلان إلا إذا كانت مصالح الطرف قد تضررت بشكل فعلي، و هو ما يجعل أساس و معيار البطلان الإجرائي في قانون المسطرة المدنية مرتبطا بوقوع الضرر، لا بوقوع حالاته التي إن توفرت تحكم المحكمة ببطلان الإجراء بغض النظر عن حصول الضرر أو عدمه.

و الواقع أن البطلان في حد ذاته جزاء على الإخلال بالشروط الأساسية للدعوى و هو متصل بالنظام العام، ومن ثم ما ساغ أن تشترط مساسه بمصالح الأطراف لقبول الدفع به، ذلك أنه يضر بالمصلحة العليا للمجتمع، و كما هو معلوم فالمصلحة العليا تجب المصالح الخاصة للأفراد[2]، فلا يمكن مثلا القبول بأن يجرى تبليغ الاستدعاءات من طرف أشخاص لم يسمح لهم القانون القيام بذلك، و ننتظر حصول الضرر للطرف المبلغ إليه، بل ينبغي افتراض حصول الضرر، و ترتيب البطلان لخرق إجراء جوهري يمس بالنظام العام، كون المشرع حدد الأشخاص الذين يحق لهم إجراء تبليغ الاستدعاءات على سبيل الحصر، و أيضا كون هذا الإجراء مرتبط بحسن سير التقاضي و خرقه يسبب ضررا للمصالح العامة للمجتمع، قبل حصول الضرر للمصالح الخاصة للفرد.

المحور الثاني: البطلان الإجرائي في القانون المقارن.

سنحاول التعرف من خلال هذا المحور على البطلان الإجرائي في كل من التشريع الفرنسي (أولا)، و المصري (ثانيا)، ثم (اليمني).
أولا: البطلان الإجرائي في القانون الفرنسي.
نصت المادة 114 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي[3]، على أنه ” لا يحكم ببطلان إجراء من إجراءات التقاضي إلا إذا نص القانون على البطلان صراحة، ما عدا إذا فقد الإجراء بيانا جوهريا أو كان متعلقا بالنظام العام، و لا يحكم بالبطلان إلا إذا أثبت المتمسك به حصول ضرر نتيجة المخالفة، حتى ولو كان البطلان متعلقا بإجراءات جوهرية أو متصلا بالنظام العام”.
و هو ما يجعل البطلان الإجرائي و ضمنه ذلك الذي يترتب عن الخلل الذي يمس إجراءات التبليغ[4] في القانون الفرنسي، لا يحكم به إلا إذا أثبت الخصم الذي يتمسك به أن العيب قد سبب له ضررا، حتى و لو تعلق الأمر بتلك الإجراءات الجوهرية أو المتصلة بالنظام العام.

و بالمقارنة بين المادة 114 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي، و الفقرة الثانية من الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية المغربي[5] المتعلق بالبطلان الإجرائي، نجد أن المعيار الذي يتأسس عليه البطلان الإجرائي في كلا القانونيين متعلق بحصول الضرر للطرف الذي وقعت الإخلالات الإجرائية في حقه، رغم أن القانون الفرنسي كان أكثر وضوحا بتحديد حالات البطلان الذي حصرها في تلك التي ينص عليها القانون صراحة، أو فقدان الإجراء بيانا جوهريا أو كان متعلقا بالنظام العام، عكس المشرع المغربي الذي لم يحدد حالات البطلان بل نص فقط في الفقرة الثانية من الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية على أن المحكمة لا تقبل حالات البطلان إلا إذا كانت مصالح الطرف قد تضررت فعلا، دون تحديد هذه الحالات.

ثانيا: البطلان في القانون المصري.
نصت المادة 20 من قانون المرافعات المدنية و التجارية المصري على أنه: ” يكون الإجراء باطلا إذا نص القانون صراحة على بطلانه أو إذا شابه عيب لم تتحقق بسببه الغاية من الإجراء، ولا يحكم بالبطلان رغم النص عليه إذا ثبت تحقق الغاية منه “.

و من خلال المادة 20 أعلاه، يتبين أن المشرع المصري تناول تنظيم حالات البطلان بسبب العيوب الشكلية التي تصيب الإجراءات، وعمل على التفرقة بين البطلان الذي يقرره القانون بعبارة صريحة منه و حالة عدم النص عليه، فإذا نص القانون على وجوب إتباع شكل معين أو أوجب أن تتضمن الورقة بيانا معينا وقرر البطلان صراحة جزاء على عدم احترامه فإن الإجراء يكون باطلا و ليس على من تقرر الشكل لمصلحته من الخصوم إلا أن يثبت تحقق العيب و يتمسك بالبطلان. إلا أن المشرع المصري قدر أن الشكل ليس سوى وسيلة لتحقيق غاية معينة في الخصومة، و أن توافر الشكل أو البيان في الإجراء المطلوب، إنما يرمي إلى تحقيق غاية يحققها توافر هذا الشكل أو البيان.
و يقع على عاتق من يحصل التمسك ضده بالبطلان عبء إثبات أن الشكل أو البيان رغم تخلفه قد حقق الغاية منه، فإذا أثبت هذا فلا يحكم بالبطلان[6].

وقد ذهبت محكمة النقض المصرية على خطى المشرع المصري إلى ترتيب البطلان عن الخلل الذي يشوب إجراءات التبليغ، حيث جاء في قرار لها[7] على ” أن المادة العاشرة من قانون المرافعات تنص على أن يجري تسلم الأوراق المطلوب إعلانها إلى الشخص نفسه أو في موطنه، و إذا كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن أعلن المطعون ضدهم بصحيفة الدعوى على العنوان الكائن بالمنزل رقم…شارع…فوردت إجابة المحضر أنهم لا يقيمون في هذا العنوان فقام بإعلانهم على ذات العنوان مخاطبا مع مأمور القسم لقيامهم و غلق مسكنهم فيكون إعلانهم قد وقع باطلا عملا بنص المادة العاشرة من قانون المرافعات السالفة الذكر، و إذا انتهى الحكم المطعون فيه إلى بطلان إعلان صحيفة الدعوى و رتب على ذلك قضاءه ببطلان الحكم المستأنف فإنه يكون قد التزم صحيح القانون و يضحى النعي عليه بهذا السبب على غير أساس “.
و تجدر الإشارة إلى أن المشرع المصري باعتماده على معيار تحقق الغاية من التبليغ أو عدمه لقبول دعوى البطلان أو رفضها قد ذهب خلافا للمشرعين المغربي و الفرنسي الذين يعتمدان على معيار الضرر كأساس للحكم بالبطلان الإجرائي.

ثالثا: البطلان في القانون اليمني.
نص الفصل 39 من قانون المرافعات اليمني على أن ” بطلان الإجراءات أو عدمه متعلقا بالنتيجة المطلوبة، فإن تحققت النتيجة من الإجراء فلا بطلان وإن لم تتحقق كان الإجراء باطلا “.

ويظهر من هذا الفصل أن المشرع اليمني ذهب على غرار المشرع المصري إلى اعتبار النتيجة والغاية من الإجراء هما المحددين في حال تحققهما أوعدمهما للحكم بالبطلان من طرف المحكمة أو رفض الحكم به، واعتبار تحقق النتيجة المطلوبة من الإجراء كافية لتصحيح الخلل الذي شاب الإجراء.
وعلى العموم ورغم اختلاف المعايير والحالات التي يتأسس عليها البطلان الإجرائي بين التشريعات الوطنية للدول، إلا أن ترتيب البطلان في حد ذاته سواء كان المعيار الذي يتأسس عليه تحقق الضرر أو الغاية من الإجراء فيه ضمانة قوية لحماية حق الدفاع و مبدأ التواجهية بين الخصوم.

الهوامش

[1]ـ عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزامات، نظرية العقد، الطبعة الثالثة 2013، مطبعة الأمنية ـ الرباط، ص 273.
[2]ـ عبد الكريم الطالب، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، ص 230.
ـ ينص هذا الفصل في أصوله الفرنسية: [3]
« Aucun acte de procédure ne peut être déclaré nul pour vice de forme, si la nullité n’en est pas expressément prévue par la loi, sauf en cas de d’inobservation d’une formalité substantielle où d’ordre public. La nullité ne peut être prononcée qu’a charge pour = l’adversaire qui l’invoque de prouver le grief qui lui cause l’irrégularité même lorsque il s’agit d’une formalité substantielle ou d’ordre public ».
[4] -Olivier Staes, Droit judiciaire privé, achevé d’imprimer en janvier 2006, Nomandi Impression Sas Ellipses Edition Marketing, p 113.

[5]ـ ” يسري نفس الحكم بالنسبة لحالات البطلان و الإخلالات الشكلية و المسطرية التي لا تقبلها المحكمة إلا إذا كانت مصالح الطرف قد تضررت فعلا “.
[6]ـ عبد الحميد الشواربي، البطلان المدني الإجرائي و الموضوعي، الطبعة الأولى 1991، مطبعة راوى للطباعة و الإعلان، الاسكندرية، ص 133.
و أيضا في نفس الموضوع:
ـ فرج علواني هليل، البطلان في قانون المرافعات، طبعة 2002، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، ص 53 و ما يليها.
ـ عبد الحكم فودة، البطلان في قانون المرافعات المدنية و التجارية، الطبعة الثالثة 1999، دار الفكر و القانون، ص 35 ما يليها.
[7]ـ قرار رقم 424، صادر بتاريخ 11/6/1987، بالإضافة إلى قرارات أخرى صادرة عن محكمة النقض المصرية في نقس الموضوع: ـ قرار رقم 595 الصادر في 3/2/1999، و قرار رقم 2049 الصادر في 6/6/2001 ، أشار إلى هذه القرارات مصطفى مجدي هرجة في مؤلفه قانون المرافعات المدنية و التجارية في ضوء الفقه و القضاء، الجزء الأول، المجلد الأول، طبعة 2007، مطبعة منشأة الاسكندرية، ص 253 و ما يليها.