حدود المسؤولية العشرية في ضوء القانون 11/04 المحدد للقواعد الناظمة لنشاط الترقية العقارية

د.حجاري محمد أستاذ محاضر – أ – بكلية الحقوق والعلوم السياسية- جامعة معسكر/ الجزائر.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
الملخص:
تعد المسؤولية العشرية مسؤولية استثنائية، بالنظر للأضرار الجسيمة المترتبة عن تهدم المباني والمنشآت وعيوب البناء، وهي مسؤولية مفترضة، ولا تحتاج إلى إثبات الخطأ في جانب المرقي العقاري والشركاء المتدخلين معه في عملية البناء، كما أنها مسؤولية تضامنية تقتضي تضامن المسؤولين اتجاه صاحب المشروع، وهو تضامن في الضمان وليس في المسؤولية، بالإضافة إلى اعتبار أحكام المسؤولية العشرية ذات طبيعة آمرة وترتبط بالنظام العام، ومن ثم لا يجوز الاتفاق على الإعفاء أو الحد منها. ولوحظ عدم التناسق بين أحكام المسؤولية العشرية في القانون المدني الذي ضيق من نطاقها الشخصي، وبين أحكامها في قانون رقم 11/04 الذي يحدد القواعد التي تطبق على نشاط الترقية العقارية ونصوصه التطبيقية، حيث وسع من الأشخاص الملزمين بالضمان، في حين ضيٌق من نطاقها الموضوعي، على نحو لا يشمل الضمان تلك العيوب التي تجعل البناء غير صالح للغرض المخصص له، في وقت تشهد فيه العملية المعمارية تطورا في الأساليب والتقنيات، مما يؤدي لاستبعاد منتجو هذه المواد من المسؤولية، وهو ما يقتضي من القاضي توسيع مفهوم الضمان بصدد المنازعات المعروضة عليه.

الكلمات المفتاحية: المسؤولية، الضمان العشري، التضامن، صاحب المشروع، المنشآت. مقدمة:
تعد مهنة المرقي العقاري مهنة حديثة نسبيا بالجزائر تأثرت، كغيرها من المهن، بالمحيط الاقتصادي والاجتماعي السائد بالبلاد، حيث يعد أول قانون نظم مجال الترقية العقارية هو القانون رقم 86/07 ([1])، الذي سمح للقطاع الخاص بولوج هذا المجال، مع استمرار هيمنة الدولة على القطاع العقاري عموما، وكان ذلك إحدى أسباب إلغائه بموجب المرسوم التشريعي رقم 93/03 ([2])، الذي كرّس مبادئ التساوي بين القطاع الخاص والقطاع العام في الترقية العقارية، والتوسيع في مجالها من البيع إلى عملية الإيجار، فضلا عن اعتبار المرقي العقاري تاجرا، إلا أن عدم دقة بعض الأحكام، والنقص المسجل في البعض الآخر منها([3]) أدى إلى صدور قانون رقم 11/04([4]) الذي جاء لتنظيم مجال الترقية العقارية، من خلال تقنين بعض الأحكام الجديدة تتعلق بمهنة المرقي العقاري، تخضع ممارستها إلى ضرورة استيفاء جملة من الشروط القانونية.

وقد عرف المرقي العقاري بأنه:”الشخص الذي يتولى، مقابل أجر متفق عليه، تحقيق العملية المعمارية، التي يعهد بها إليه رب العمل بمقتضى عقد التمويل العقاري، من تمويل وإدارة وإبرام كافة التصرفات القانونية اللازمة باسم رب العمل، حتى يسلم العقار تاما، خاليا من العيوب”([5]) . وقيل بأنه: كل” شخص طبيعي أو معنوي يتولى إنجاز بناية أو جزء من بناية، ويتكفل بجميع العميات القانونية والمالية والإدارية، المرتبطة بعملية الإنجاز، ويلتزم بقيادتها حتى النهاية”([6]).

أمّا المرقي العقاري في مفهوم القانون رقم 11/04 المحدد للقواعد التي تنظم نشاط الترقية العقارية فهو:”كل شخص طبيعي أو معنوي، يبادر بعمليات بناء مشاريع جديدة، أو ترميم أو إعادة تأهيل أو قصد بيعها وتأجيرها”([7]).

ولعلّ من أهم الأحكام التي قررتها نصوص القانون أعلاه، باعتبارها أهم التزامات المرقي بعد التسليم الفعلي للمشروع هو المسؤولية العشرية، ومعناها تقرير المسؤولية العشرية للمرقي العقاري وكل المتدخلين في عملية البناء من مهندسين ومقاولين و مقاولين فرعيين، وكل متدخل بربطه عقد بالمرقي العقاري، في حالة سقوط المباني كليا أو جزئيا بسبب عيوب البناء، بما في ذلك رداءة الأرض، خلال مدة عشر سنوات. وهو ما أوردته المادة 46 من أنه:”تقع المسؤولية العشرية على عاتق مكاتب الدراسات والمقاولين والمتدخلين الآخرين الذين لهم صلة بصاحب المشروع من خلال عقد، في حالة زوال كل بناية أو جزء منها جراء عيوب في البناء، بما في ذلك جرّاء النوعية الرديئة لأرضية الأساس”.

كما قررت المادة 26 في فقرتها الثالثة أن “الحيازة وشهادة المطابقة لا تعفيان من المسؤولية العشرية التي قد يتعرض إليها المرقي العقاري، ولا من ضمان الإنهاء الكامل لأشغال الإنجاز التي يلتزم بها المرقي العقاري طيلة سنة واحدة”. ومعنى ذلك أنه متى تحقق التهدم أو التعيب قامت المسؤولية العشرية للمرقي العقاري، دون أن يكون لحيازة البناء ولشهادة المطابقة أثر إعفائي من المسؤولية.

ولأجل تجسيد النصين السابقين فقد تقرر إلزام المرقي العقاري بالاكتتاب في جميع التأمينات والضمانات القانونية، بموجب المادة 30 من المرسوم التنفيذي رقم 12/84 الذي يحدد كيفيات منح الاعتماد لممارسة مهنة المرقي العقاري، وكذا كيفيات مسك الجدول الوطني للمرقين العقاريين([8]).

والهدف من توسيع النطاق الشخصي للمسؤولية العشرية هو توفير الحماية والضمان الكافيين للمكتتبين والمالكين المتواليين على البناية (فقرة 03 من المادة 49)، في وقت يشهد كثرة انهيار المباني وتعيبها، بالإضافة إلى حماية أكثر للمرقين العقاريين المعتمدين بإلزامهم بالاكتتاب في صندوق الضمان والكفالة المتبادلة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى تم التضييق من نطاق الأعمال التي تغطيها المسؤولية العشرية، من خلال قصرها على البنايات دون المنشآت الأخرى.

إن الأمر الإيجابي في المسؤولية العشرية أن غطاء التأمين لا يقتصر على المسؤولية العشرية للمرقي العقاري الناتجة عن الحوادث التي تحصل في موقع العمل أثناء فترة التشديد، وإنما يغطي التأمين على المسؤولية المدنية المهنية، و يمتد ليشمل مسؤولية المؤمن له التي قد تنشأ عن انهيار أو تضرر هياكل البناء أو الأعمال غير الهيكلية بعد تسليمها، إذا ظهر أن العيب في التصميم أو سوء التنفيذ هو السبب في التهدم. ونتيجة لذلك كان ضمان المسؤولية العشرية من النظام العام، حيث يقع باطلا وغير مكتوب كل شرط في عقد المقاولة يرمي إلى الإعفاء من المسؤولية أو الضمانات المقررة في القانون المحدد للقواعد التي تنظم نشاط الترقية العقارية، ومن ذلك ضمان المسؤولية العشرية، أو الحد منها، من خلال استبعادها أو حصر تضامن المقاولين الثانويين مع المرقي العقاري([9]).

ويطرح الضمان العشري تساؤلات عن حدوده، سواء ما تعلق بالنطاق الزمني لاحتسابه، والأشخاص المستفيدون من هذا الضمان، وحدود تطبيق نظرية الاستخلاف في الحقوق والالتزامات بشأن خلف صاحب المشروع ؟ ويتفرع عن ذلك تساؤل آخر فرعي عن الطبيعة القانونية لمدة الضمان، وهل هي مدة سقوط أم تقادم ؟

هذه الأسئلة وغيرها سنحاول الإجابة عنها في هذه البحث، وفق منهج وصفي تحليلي للنصوص القانونية والتنظيمية، مقسمين ذلك وفق خطة على النحو الآتي:

المحور الأول: خصائص المسؤولية العشرية للمرقي العقاري

المحور الثاني: الأشخاص المستفيدون من الضمان العشري (النطاق الشخصي)

المحور الثالث: النطاق الموضوعي لقواعد المسؤولية العشرية

المحور الأول: الطبيعة القانونية للمسؤولية العشرية وخصائصها

تعد المسؤولية العشرية ذات طبيعة استثنائية، تتميز بها عقود المقاولات الواردة على أشغال البناء عن غيرها من عقود المقاولات الأخرى، فهي ذات طبيعة خاصة تتسم بالتشديد، وهو ما يجعلها تتفق مع خطورة الأضرار المترتبة على عيوب البناء وتعلق سلامة المباني والمنشآت الثابتة ومتانتها بالمصلحة العامة.

كما تتميز المسؤولية العشرية بجملة من الخصائص لابد من تفصيلها، وقبل ذلك يحسن بنا بيان الطبيعة القانونية لأحكام المسؤولية العشرية.

أولا: الطبيعة القانونية للمسؤولية العشرية:

اختلفت وتباينت الاتجاهات في تحديد طبيعة مسؤولية المهندس والمقاول في مواجهة صاحب المشروع، وهذا بالنظر للاختلاف حول تحديد الأثر المترتب على التسليم، هل هو إخلال بواجب قانوني، أو عقدي، أم هو إخلال بواجب ذو طبيعة خاصة ؟

– الاتجاه الأول: الضمان العشري هو ذو طبيعة تقصيرية:

وهو رأي الفقه التقليدي، وتأييد من بعض الشراح المحدثين، في أن دعوى الضمان العشري ذات طبيعة تقصيرية تقوم على أساس الخطأ، لأنها لا تستند على الإخلال بالتزام تعاقدي ناشئ عن عقد المقاولة بين رب العمل والمهندس أو المقاول، والذي يكون قد انتهى بعد تسليم البناء، وإنما يستند إلى الإخلال بواجب قانوني وهو عدم الإضرار بالآخرين([10]).

ثم تم تعديل هذا الرأي واعتبرت مسؤولية المقاول والمهندس مسؤولية قانونية بحتة أو استثنائية بنص غير مألوف في القواعد العامة، نظرا لصعوبة اكتشاف عيوب المباني والمنشآت بالنسبة لغير المختص، كما أن خطرها لا يقتصر على المالك، وإنما يعرض حتى سلامة العامة للخطر أيضا([11]).

الاتجاه الثاني: الضمان العشري يقوم على أساس المسؤولية العقدية:
مؤدى هذا الاتجاه هو اعتبار المقاول والمهندس المعماري عن عيوب البناء مسؤولية عقدية قائمة على أن العقد الذي يربط كل منهما مع رب العمل لا ينتهي بالتسليم، وذلك أن كل العقود التي يكون المدين فيها ملزم بالقيام بعمل تتضمن مرحلتين، هما مرحلة تنفيذ العمل أو الالتزام، ومرحلة ضمان أو التأكد من حسن أداء هذا التنفيذ([12]). وبالتالي كان التزام المقاول أو المهندس قائما لحين التنفيذ الكامل له، ومن ثم لا يعفى التسليم من ضمان العيوب الخفية إلا بالقدر الظاهر والمعلوم، والعبرة بوقت الإخلال بهذا الالتزام، وهو قد تم خلال فترة تنفيذ العقد، وليس وقت تحقق الضرر.

الاتجاه الثالث: الضمان العشري هو إحدى التطبيقات الخاصة للنظرية العامة للالتزام:
حيث يرى أنصار هذا الاتجاه من خلال التعريف للالتزام بالضمان من خلال النظرية العامة للالتزام بأنه التزام يضاف إلى جملة الالتزامات التي تنتج عن العقد، وذلك لضمان النتائج العملية للدائن، بهدف التنفيذ العادي للاتفاق، ويكفل له في نفس الوقت تعويضا يتناسب مع حجم الضرر الذي يصيبه في حالة إذا لم تتحقق النتائج المترتبة عن العمل([13]).

وبالتالي نتج عن هذا الضمان تأينا على المخاطر التي تتعرض لها البيانات، وهو ما يقتضي استمرار الالتزام بالتسليم، لأن في ذلك ضمان بمتانة البناء خلال فترة معينة.

وممّا سبق، نخلص في تحديد الطبيعة القانونية لهذا الضمان بأنها لا تخرج عن اعتبارها إحدى تطبيقات المسؤولية العقدية، فهي لا تنفك عن العقد، ولا يمكن أن تقوم بدونه، حيث قرر لها القانون أحكاما خاصة من خلال قواعد آمرة، حماية لمصلحة عامة تحتاج للرعاية، وبالنظر لطبيعة المخاطر التي تنتج عن تنفيذ عقود المقاولة المتعلقة بإنشاء المباني والمنشآت الثابتة، لتضاف تلك القواعد لمنظومة الطابع العام الحمائي([14]).

ثانيا: خصائص المسؤولية العشرية:

تتلخص أهم خصائص المسؤولية العشرية في أنها مسؤولية معترفة بقوة القانون، ومتعلقة بالنظام العام، كما أنها تضامنية. وتثير هذه الخصائص تساؤلا عن الأساس القانوني لقرينة اعتبارها من النظام العام ومدى هذه القرينة، بالإضافة إلى أسباب الإعفاء منها سيما خطأ رب العمل، ومدى التفرقة بين ما إذا كان هذا الأخير خبيرا بفن البناء أو لا، وخطأ الغير إذا كان متصلا بعملية البناء أو لا، وحكم الاتفاقات المعدّلة لأحكام هذه المسؤولية ؟

المسؤولية العشرية مسؤولية مفترضة:
لم يرد نص صريح عن أساس المسؤولية العشرية، لا في القانون المدني ولا في النصوص الخاصة بالترقية العقارية، إلاّ أن استعمال مصطلح الضمان La garantie في المادة 554 من القانون المدني قد يكون فيه دلالة على افتراض تلك المسؤولية بقوة القانون، وعلى اعتباره نفس المصطلح الذي استعمله فيما يتعلق بضمان البائع والمؤجر في عقدي البيع والإيجار([15])، والمقرر أن كلا من البائع والمؤجر يضمنان التعرض الصادر من الغير، كما يضمنان العيوب الخفية دون حاجة لإثبات الخطأ في حقها.

1- مبدأ افتراض المسؤولية العشرية بقوة القانون وحدوده:

سبق و أن قررنا أن التزام مقاول البناء والمهندس المعماري هو التزام بتحقيق نتيجة، ومن ثمة، يثبت الإخلال بمجرد إثبات عدم تحقق هذه النتيجة، وبمجرد ثبوت حصول تهدم كلي أو جزئي بالمباني والمنشآت الثابتة، اعتبر ذلك إخلال من طرف المهندس ومقاول البناء بالتزامهما، دون حاجة لإثبات الخطأ في جانبهما([16])، لأن حصول التهدم أو وجود العيب يعتبر في حد ذاته خطأ. ومتى حصل ذلك لم يجز لهما نفيها إلا بإثبات السبب الأجنبي. ولا يكفي لنفي المسؤولية العشرية أن يثبت اتخاذ المهندس أو المقاول كل الاحتياطات اللازمة لمنع حصول التهدم أو تعيب المباني، أو لبذله عناية الشخص المعتاد.

وهناك حالة واحدة فقط تنقطع فيها الرابطة السببية بين الضرر الناجم عن التهدم وتعيب المباني، وبين خطأ المهندس المعماري، وهي حالة ما إذا اقتصر دوره في وضع التصاميم والمخططات دون مراقبة ومتابعة الأشغال([17])، لأن التزامه هنا هو التزام ببذل عناية، وبالتالي تنتفي المسؤولية هنا، ما دام أنه تصرف وفقا لتصرف الرجل العادي عند تنفيذه للالتزام.

وتمتد قرينة المسؤولية لتشمل أيضا إعفاء رب العمل من إثبات علاقة السببية بين خطأ المهندس المعماري ومقاول البناء، وبين الضرر اللاحق بالمباني، ويكلف هؤلاء بنفي العلاقة السببية بإثبات السبب الأجنبي.

ويبدو الأمر ظاهرا وبسيطا إذا كان من قام بإنجاز أعمال البناء كاملة مهندس معماري واحد، وأيضا مقاول بناء واحد، ففي هذه الحالة يسهل إثبات العلاقة السببية بين الخطأ في جانبهما وبين الضرر اللاحق بالمباني والمنشآت. أمّا إذا قام بأعمال البناء والتصاميم عدت مقاولين ومهندسين، فقد تعددت الآراء فيما إذا كانت القرينة تشمل افتراض وجود علاقة السببية بين الضرر المدعى به في البناء، وبين خطأ كل مهندس ومقاول ساهم في الأعمال أو لا؟

فذهب البعض إلى مسؤولية كل مقاول في حدود الأعمال المناطة به، فينحصر التزامه بالضمان في حدود تلك الأعمال، وهو في رأيي تطبيق لقاعدة الغرم بالغنم.

وذهب البعض الآخر إلى إلزام رب العمل بإثبات علاقة السببية، بين الضرر وخطأ المقاول كشرط ضروري للتمسك بالقرينة.

وفي المقابل اتجه فريق ثالث إلى الإسراف في حماية مصالح رب العمل في مطالبته بالتعويض، فقرر إعفاءه من إثبات علاقة السببية، دون النظر لعلاقة نشاط المقاول بالضرر الحاصل.

كما حاول البعض التوفيق بين مصالح رب العمل من جهة، وحقوق المقاولين من جهة أخرى، حيث اعتبر القرينة تشمل نسبة الضرر إلى كل مقاول شارك في عملية البناء والتشييد، كما أجاز للمقاولين نفي هذه القرينة بإثبات عكسها بكافة طرق الإثبات دون حاجة لإثبات السبب الأجنبي([18]).

2- أسباب انتفاء المسؤولية العشرية:

تتقرر المسؤولية العشرية نتيجة الإخلال بالتزام تحقيق نتيجة، ولا تنتفي إلا بإثبات السبب الأجنبي، أي بإثبات أن الضرر قد نشأ بسبب لا يد للمهندس أو المقاول فيه، كقوة قاهرة، أو خطأ المضرور(رب العمل)، أو خطأ الغير([19]).

2-1- القوة القاهرة: تعد القوة القاهرة إحدى الأسباب الأساسية التي تقطع رابطة السببية بين الخطأ والضرر، شرط أن تكون الواقعة التي أدت إلى هذا الحادث تمثل أمرا خارجيا، لا يمكن توقعه، ولا دفعه وقت إبرام العقد، وينته مباشرة إلى حصول الضرر.

ومن أمثلة القوة القاهرة حصول خلل في استقرار الأرض المقام عليها البناء، متى كان هذا الخلل قد نشأ عن أسباب خارجة عن إرادة المتعاقدين([20])، ولم يكن في الإمكان توقعه أو دفعه وقت إقامة البناء([21]). وأيضا بعض الكوارث التي، نتيجة لدرجتها وقوتها، يستحيل دفعها ومقاومتها، كالرياح العادية، وارتفع درجة الحرارة لدرجة قياسية، أو هطول أمطار غزيرة، خلافا للمقاييس الطبيعية والعادية.

ومتى نتج عن القوة القاهرة تهدم كلي أو جزئي للبناء، أو تعيب تعيبا خطيرا أثر في سلامته ومتانته، وكان ذلك خلال مدة الضمان العشري، تنتفي خلالها المسؤولية العشرية للمهندس ومقاول البناء.

وقد قضي في العديد من المناسبات بأن عيوب المواد المستخدمة في البناء والتشييد لا تعتبر قوة قاهرة، ولا حدثا خارجيا، تعفي المقاول من المسؤولية الخاصة، حتى لو كانت هذه المواد مقدّمة من طرف رب العمل ذاته، لأن من صميم عمل المقاول في البناء، والذي يفرضه عقد المقاولة، أن يلتزم بحسن اختيار المواد وفحصها جيّدا، والتحقق من صلاحيتها.

كما قضي أيضا بتقرير المسؤولية الخاصة للمهندس المعماري والمقاول عن العيوب المترتبة عن تلف الخشب المستخدم في أرضية البنايات، أو بسبب تعرضه لنوع من الحشرات أفسدته، لأنه كان من الممكن تجنب حدوث هذه الأضرار بمعالجة الخشب ([22]).

وتقدير مدى تحقق عدم إمكان توقع الحادث المفاجئ وعدم التمكن من دفعه هي مسألة نسبية تختلف باختلاف الأحوال والبيئات، وكذا أصول العمران والهندسة المستخدمة، وهو ما يجعلها ضمن مضامين السلطة التقديرية لقاضي الموضوع، مستخدما في ذلك معيارا موضوعيا، فيما إذا كان المهندس والمقاول قد استخدما كافة الأساليب الفنية احتياطا لحصول الحادث أو لا ([23]).

2-2- خطأ رب العمل: إذا قام صاحب المشروع بأي أعمال مخالفا للتصاميم الهندسية، والمطابقات الفنية، وترتب على ذلك أضرارا أو تعيب للمباني، فتنتفي حينها المسؤولية الخاصة للمهندس والمقاول معا.

والأصل أن صاحب المشروع لا علم له بأصول البناء، ولا خبرة له بفن الهندسة([24])، وافتراض هذا الجهل يمنح المهندس ومقاول البناء سلطة في الإشراف والتدخل، ولا يغني عن ذلك الادعاء بتنفيذ تعليمات صاحب المشروع، بل يجب أن تكون تلك التعليمات غير مخالفة لأصول البناء وقواعد الحماية من التهدم وتعيب المباني، وقد تخفف المسؤولية عنهما إذا ما أثبتا تنبيههما لصاحب المشروع بوجود عيوب تهدد متانة وسلامة البناء، أو استخدامه لمواد غير صالحة، ومع ذلك أصرّ على مخالفتهما، فتوزع عليهما المسؤولية بقدر جسامة الخطأ.

ومسألة إثبات خطأ صاحبا المشروع واعتباره سببا منتجا، وأن تدخله بإعطاء تعليمات خاطئة ومراقبة مدى الالتزام بها، واعتباره سبب الضرر، تبقى في الأخير مسألة واقع تخضع لتقدير قاضي الموضوع([25]).

2-3- خطأ الغير: هو شخص أجنبي عن عملية البناء ولا تربطه بالمقاول أو المهندس رابطة عقدية أو قانونية، كأن يقوم بأعمال تعلية، أو ردم أو حفر تسبب أضرارا بأساسات المبنى وتشققات فيه. ويشترط فيه ذات شروط القوة القاهرة، وهي أن يكون فعل الغير خارجيا عن البناية وموادها، ولم يكن في الإمكان توقعه ويستحيل دفعه. ومتى حصل ذلك انتفت المسؤولية العشرية.

أمّا إذا كان هذا الغير تربطه رابطة تعاقدية مع المقاول، كالمقاول من الباطن، أو المهندس الذي يشرف على خبراء وفنيين، ففي هذه الحالة تبقى المسؤولية العشرية قائمة عن أخطاء هؤلاء الغير. وللمقاول الأصلي والمهندس حق الرجوع على هؤلاء الغير بالتعويض الذي يدفعه طبقا للقواعد العامة.

المسؤولية العشرية مسؤولية تضامنية:
جاء في المادة 554 فقرة 01 من القانون المدني :”يضمن المهندس المعماري والمقاول متضامنين ما يحدث خلال عشر سنوات من تهدم كلي أو جزئي فيما شيداه من مبان أو أقاماه من منشآت ثابتة أخرى ولو كان التهدم ناشئا عن عيب في الأرض. ويشمل الضمان المنصوص عليها في الفقرة السابقة ما يوجد في المباني والمنشآت من عيوب يترتب عليها تهديد متانة البناء وسلامته”. معنى هذه الفقرة أنه في حالة اشتراك المهندس المعماري ومقاول البناء أو أكثر في عملية البناء، فهم مسؤولون عمّا قد يصيب المباني أو المنشآت الثابتة من تهدم أو عيوب، خلال مدة عشر سنوات، ولصاحب المشروع الرجوع عليهما معا، أو على أحدهما، للتعويض كاملا، وعلى من يقوم بالتعويض الرجوع على الآخر بما دفعه لصاحب المشروع.

وبالنظر إلى المادة 46 من القانون 11/04 فإن مكاتب الدراسات والمقاولين والمتدخلين الآخرين الذين لهم صلة بصاحب المشروع من خلال عقد تقع على عاتقهم المسؤولية العشرية. ويظهر أن النص قد اشترط ارتباط كل مكاتب الدراسات والمقاولين والمتدخلين مع المرقي العقاري برابطة عقدية، من غير تحديد لطبيعة ذلك العقد، باستثناء عقد المقاولة الذي يربط المرقي العقاري بالمقاول. ولذلك قررت الفقر ة 02 من المادة 30 من المرسوم التنفيذي رقم 12/85 بأنه: “يتحمل المرقي العقاري خلال مدة عشر(10)سنوات مسؤوليته المتضامنة مع مكاتب الدراسات والمقاولين والشركاء والمقاولين الفرعيين وأي متدخل آخر في حالة سقوط البناية كليا أو جزئيا بسبب عيوب في البناء بما في ذلك رداءة الأرض”.

إنّ التضامن في المسؤولية العشرية قرره القانون بنص خاص وصريح ([26])، لم يكن الهدف منه حماية صاحب المشروع فقط ، وإنما بالنظر لما تنشأ عن البنايات والمنشآت الثابتة من مخاطر كبيرة، وأيضا لاعتبارات اجتماعية واقتصادية أخرى([27]).

وتجدر الإشارة إلى أن تضامن مرقي العقاري مع غيره من المتدخلين في المشروع العقاري إنما تتقرر بعد التسليم النهائي للأشغال، أمّا قبل التسليم فجميع الأضرار تتقرر بشأنها القواعد العامة للمسؤولية العقدية.

والتضامن المقرر هو تضامن في الضمان وليس في المسؤولية ([28])، بالنظر لأن هذا الأخير يشترط فيه حصول الخطأ عن كل واحد من المسؤولين المتعددين، وأن يكون هذا الخطأ قد نتج عنه نفس الضرر، وهو أمر متعذر وصعب التقدير، بخلاف التضامن في المسؤولية فهو أسهل وممكن التقدير، فضلا أنه يتوافق مع الهدف من تقرير هذا النوع من الضمان الخاص.

ومتى تقرر حكم التضامن بنص القانون كان لصاحب المشروع أن يحصل على التعويض من المسؤولين جميعا، أو من أحدهما، وفي هذه الحالة لا يجوز للمسؤول، مهندسا كان أو مقاولا الدفع بعدم مسؤوليته لعدم ارتكابه الخطأ، أو أن الخطأ كان مشتركا، وهذا تيسيرا وحماية لصاحب المشروع في الحصول على التعويض، كما يجوز لمن رفعت ضده الدعوى أن يطلب إدخال جميع المسؤولين معه في الخصومة تضامنا معه([29]).

ومتى حصل المستفيد من الضمان على التعويض كاملا من أحد المسؤولين، فقد برئت ذمة المسؤولين الآخرين معه، لعدم أحقيته في الحصول على أكثر من تعويض واحد عن نفس الضرر.

ومتى أدّى أحد الملتزمين بالضمان جاز له الرجوع على المدين الآخر عن طريق رفع دعوى المسؤولية التقصيرية. وفي هذه الحالة ينظر إلى تضمين أحدهما الآخر بالنظر إلى الخطأ المرتكب، فإذا كان التهدم أو العيوب في المباني ناشئا عن خطأ كل من المهندس المعماري ومقاول البناء، فإن المسؤولية العقدية تكون بالنظر لمساهمة خطأ كل منهما في إحداث الضرر، سواء كان خطأ كل منهما مستقلا عن خطأ الآخر، أو كان خطأ مشتركا بينهما.

أمّا إذا كان الخطأ من طرف المقاول وحده، ولم يحصل من المهندس المعماري أي إهمال أو تقصير في أعماله، وكان عمله مقتصرا على وضع التصميم، ففي هذه الحالة إذا قام المقاول بدفع التعويض كاملا، لم يجز له الرجوع على المهندس المعماري بأي شيء، وإذا دفع المهندس التعويض كاملا، أو جزء منه لرب العمل، جاز له الرجوع على المقاول نظرا لانتفاء المسؤولية عنه([30]).

جـ) المسؤولية العشرية من النظام العام:

بالنظر إلى الأهمية الاقتصادية والاجتماعية للمباني والمنشآت، وحجم المخاطر التي تنجم عن تهدمها وتعيبها فقد اعتبرت المسؤولية العشرية ذات طبيعة آمرة وترتبط أحكامها بالنظام العام، وبالتالي لا يجوز الاتفاق على الإعفاء أو الحد منها. ولعلّ السبب في التشديد من أحكام هذا الضمان الخاص هو كفالة عناية لرب العمل، بالنظر لعدم خبرته الفنية، في مقابل ما يتمتع به المهندس المعماري ومقاول البناء من خبرة فنية عالية، قد يتضرر منها صاحب المشروع والمستفيد منه في حالة ما إذا أجيز اشتراط عدم مسؤوليتهما أو التخفيف منها.

وقد قررت المادة 45 من القانون 11/04 بتضامن المرقي العقاري مع المقاولين الفرعيين، واستبعاد كل اتفاق يهدف إلى إقصاء أو حصر التضامن بينهما، أو الضمانات المنصوص عليها في أحكام هذا القانون([31])، وهو بحد ذاته تطبيق للأحكام الواردة في القانون المدني.

وبالنظر إلى الاتفاقات المعدّلة لأحكام المسؤولية العقدية بوجه عام، والمسؤولية العشرية بوجه خاص نجدها لا تعدو عن التشديد في المسؤولية أو التخفيف منها، أو الإعفاء منها([32]).

1- الاتفاق بتشديد المسؤولية: إذا اتفق الأطراف على التشديد في أحكام المسؤولية العشرية؛ كأن تكون مدة الضمان لأكثر من عشر سنوات، أو أن يتحمل المهندس المعماري العيوب التي تنجم عن التنفيذ، مع أن عمله كان مقتصرا على وضع التصميم فقط([33])؛ أو تحمل المهندس مع مقاول البناء تبعة التهدم والعيوب الناجمة عن قوة قاهرة أو خطأ الغير، وغير ذلك من الاتفاقات، فجميعها لا يوجد ما يمنع منها، كما أنها توفر حماية للمستفيد من هذا الضمان الخاص.

مع التنبيه إلى مسألة مهمّة تتعلق بالتعسف في استعمال حق الاشتراط من صاحب المشروع الذي قد يصبح أداة للإضرار بالمهندس ومقاول البناء، سيما إذا كان صاحب المشروع ذو هيمنة اقتصادية واحتكارية، وهو ما يفرض مراعاة متعاقدين معه في الإبراء من التزاماتهم.

2- الاتفاق بتخفيف المسؤولية: قرر القانون المدني في المادة 556 ببطلان كل شرط يقصد به التخفيف أو الحد من المسؤولية العشرية للمهندس المعماري أو مقاول البناء، ومن ثم يبطل اتفاق رب العمل مع المهندس ومقاول البناء على ضمان التهدم الجزئي دون الكلي، أو ضمان العيوب في المباني دون التهدم، وأيضا إنقاص مدة الضمان، أو عدم افترض الخطأ في جانب المهندس ومقاول البناء وإنما يكون واجب الإثبات، فجميع هذه الاتفاقات تنقص من قيمة الضمان العشري، ومن ثم تعد باطلة، ولا تؤثر في استحقاق رب العمل الضمان كاملا.

3- الاتفاق بالإعفاء من المسؤولية: إذا تقرر بطلان التخفيف أو الحد من الضمان الخاص، كان من باب أولى النص على بطلان كل اتفاق من شأنه الإعفاء منه. وبالتالي كل عقد مقاولة يتضمن الإعفاء من المسؤولية العشرية نتيجة تهدم البناء أو تعيبه خلال مدة عشر سنوات كان الشرط الوارد فيه باطلا لمخالفته صريح القانون.

وبالنظر أن المرقي العقاري هو من يتولى مسؤولية تنسيق جميع العمليات التي تدخل في إطار الدراسات والأبحاث وتعبئة التمويل الخاصة بالمشروع العقاري، وكذا تنفيذ أشغال وإنجاز البناء، بالإضافة إلى مسؤوليته في تسيير مشروعه العقاري، فإنه يتحمل المسؤولية العشرية من غير إعفاء([34])، ودون أن يكون للحيازة وشهادة المطابقة أثر إعفائي من المسؤولية([35]).

المحور الثاني: الأشخاص المستفيدون من الضمان العشري (النطاق الشخصي)

بالإطلاع على القانون الإطار للترقية العقارية ونصوصه التنفيذية لا نجد نصا واضحا في تحديد الأشخاص المستفيدين من أحكام الضمان العشري، لكن بالنظر في النصوص التي تحدد الأشخاص الملتزمون بالضمان يمكن تحديد الإطار الشخصي لقواعد هذا النوع من المسؤولية، من خلال صاحب المشروع، وخلفه، فضلا عن المالكين المشتركين للبناء. وهو ما يطرح انشغال عن اقتصار دعوى الضمان على صاحب المشروع بصفته المالك ضد المهندس المعماري ومقاول البناء، نظرا لاعتبار رب العمل غير خبير، أم يمكن للمهندس المعماري والمقاول ممارسة تلك الدعوى أيضا ضد المقاول من الباطن، ومن ثم جواز تمتعهما بأحكام تلك المسؤولية الاستثنائية؟

أولا: صاحب المشروع:

يحسن بنا في بداية ضبط مصطلح صاحب المشروع Le maître de l’ouvrage الذي يختلف عن صاحب العمل Le maitre d’oeuvre وهو المشرف على العمل، الذي يتولى إدارة العمل والإشراف عليه، وقد يكون ممثلا في المهندس المعماري أو غيره من المتدخلين في عملية البناء، ممّن يوكل له رب العمل هذه المهمة.

ويعرف صاحب المشروع بأنه كل شخص طبيعي أو معنوي عاما كان أو خاصا يربطه بالمقاول والمهندس عقد مقاولة، مضمونه إنجاز بناية أو تشييد منشأة، ويستوي أن يكون صاحب العمل هو من أبرم عقد المقاولة الواردة على البناء بنفسه أو بواسطة من ينوب عنه ويمثله([36]). وقد ورد تعريفه في المرسوم التشريعي رقم 94/07 المتعلق بتنظيم مهنة المهندس المعماري([37]) بأنه: “كل شخص طبيعي أو معنوي يتحمل بنفسه مسؤولية تكليف من ينجز أو يحول بناء ما يقع على قطعة أرضية يكون مالكها أو يكون حائزا حقوق البناء عليها طبقا للتنظيم والتشريع المعمول به”.

يظهر ممّا سلف أن صاحب المشروع الذي يستفيد من الضمان العشري هو شخص طبيعي، أو شخص اعتباري خاص أو عام، على اعتبار أن النص ورد عاما. ويمكن أن يكون صاحب المشروع، كأصل عام، مالكا للأرض التي يقام المشروع عليها، أو حائز لحق البناء عليه لحسابه الخاص. وسواء أبرم صاحب المشروع عقد الوكالة بنفسه، أو بواسطة وكيل أو ممثل عنه، بموجب وكالة خاصة، وبالتالي كان له الخيار في ممارسة دعوى الضمان من طرفه، أو عن طريق نائبه([38]).

وقد قرر القانون أحكام الضمان العشري أساسا لمصلحة صاحب المشروع، باعتباره مالكا للبناء والشخص المتضرر نتيجة تهدمه أو تعيبه، فغالبا ما يصاب رب العمل بالضرر جراء العيوب التي تصيب المنشأة، هو من يتعاقد مع المهندس المعماري ومقاول البناء، اللذين يلتزمان اتجاهه، بتسليم بناية سليمة خالية من العيوب، ومن ثم كانت دعوى الضمان العشري من أهم آثار عقد المقاولة الوارد على البناء، وعلى هذا فهي تخص رب العمل الذي يكون طرفا في هذا العقد، كما أنها من مستلزمات البناء وملحقاته، ومن شأنها تقويته، ومن هنا فهي ترتبط بالبناء وتنتقل إلى المالك مع انتقال ملكيته([39]) . غير أن صاحب المشروع قد يفقد هذا الحق بالتسلم النهائي للأعمال، أو بأي تصرف من التصرفات الناقلة للملكية، كأن يبيع عقاره للغير، أو يهبه، أو يتنازل عنه، وبالتالي فلا يجوز له عندئذ مباشرة حقه في الضمان العشري([40]).

ونتيجة لذلك إذا تعاقد صاحب المشروع، وليكن شخصا اعتباريا ممثلا في مؤسسة ترقوية، وقام لإنجاز مباني بالتعاقد مع مهندس معماري ومقاول، فيكون له الحق، قبل تسلم المباني، في رفع دعوى الضمان على هذا الأخير إذا لحقت المباني عيوبا تهدد متانتها وسلامتها، أو نتج عن ذلك تهدم جزئي أو كلي للبناء، أمّا ابتداء من التسلم النهائي للمشروع، فإن المؤسسة الترقوية تفقد صفة رب العمل، وبالتالي لا تستطيع مباشرة دعوى الضمان الخاص ضد المهندس المعماري ومقاول البناء، حيث ينتقل هذا الحق للمالكين الجدد لهذه المباني، كما يمكن لهؤلاء المالكين رفع دعوى ضمان العيوب الخفية ضد مؤسسة الترقية العقارية باعتبارها بائعة، طبقا لأحكام عقد البيع، ويمكن لهذه الأخيرة أن ترجع على المهندس المعماري ومقاول البناء بما دفعته للملاك من تعويض.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الضمان الخاص لا يمتد إلى ما يكون للمقاول من حق الرجوع على ما أبرمه من عقود باطنية مع مقاولين متخصصين أو باطنيين([41])، حيث تنص الفقرة 03 من المادة 554 القانون المدني: “ولا تسري هذه المادة على ما قد يكون للمقاول من حق الرجوع على المقاولين الفرعيين”، فالمقاول الأصلي وإن كان يعتبر رب عمل بالنسبة للمقاولين من الباطن والمشرف على أعمالهم، بموجب عقد المقاولة من الباطن، إلاّ أنه لا يكتسب صفة رب العمل بالمفهوم الحقيقي، باعتباره ليس مالكا لهذه المباني التي يتم إنجازها، على أن يبقى له حق الرجوع على المقاولين الفرعيين، طبقا للقواعد العامة في المسؤولية العقدية.

ولنا أن نتساءل عن سبب التشديد في الاستفادة من هذا الضمان الخاص وقصره على صاحب المشروع دون غيره من المهندسين المعماريين ومقاولي البناء ضد المقاولين من الباطن مثلا، مع أنهم مشاركين لصاحب لمشروع في الإنجاز وهم أداته في تنفيذه ؟

لعلّ السبب الظاهر في قصر هذا الضمان الخاص على صاحب المشروع، باعتباره في الغالب، رجل غير فني ولا خبرة له، بخلاف المهندس المعماري والمقاول سواء كان أصليا أو باطنيا، فلا يحتاج الأمر لأحكام جديدة واستثنائية([42]).

ثانيا: خلف صاحب المشروع:

إن دعوى الضمان العشري إنما قررت حماية لمال معيّن، وهو المبنى، فهي ترتبط بملكية المبنى وليس بشخص صاحب العمل، ولذلك فهي تتبع ملكية البناء في أي يد تكون فيها. وقد تنتقل ملكية المباني والمنشآت الثابتة من صاحب المشروع إلى شخص آخر، إمّا خلفا عاما أو خلفا خاصا له.

1- الخلف العام:([43])

ينتقل هذا الضمان الخاص إلى الخلف الخاص لصاحب المشروع، كالورثة والموصى لهم بنصيب معيّن في التركة من غير تعيين ذلك النصيب طبقا لأحكام الاستخلاف الواردة في المادة 108 من القانون المدني. ومعنى ذلك إذا توفي صاحب المشروع، ينتقل حقه في مباشرة دعوى الضمان العشري إلى من يخلفه في ذمته المالية أو في جزء منها، وهم الورثة و الموصي لهم ([44]).

وعلى اعتبار أن أحكام الضمان العشري من النظام العام، فإن ذلك يحفظ للخلف العام حقه في مباشرة دعوى الضمان، حتى ولو اتفق المتعاقدون في عقد المقاولة على انتقال هذا الحق إلى الخلف العام، كان اتفاقهم باطلا، وهو ما قررته المادة 556 من القانون المدني بنصها: “يكون باطلا كل شرط يقصد به إعفاء المهندس المعماري والمقاول من الضمان أو الحد منه”.

2- الخلف الخاص: ([45])

طبقا لنظرية الاستخلاف في الحقوق والالتزامات في الحقوق والالتزامات([46]) فإن الشخص الذي آلت إليه ملكية البناء المعيب سواء بالشراء أو الهبة أو المقايضة، أو كان مستفيدا من المشروع العقاري أو شاغلا له طبقا للقوانين المعمول بها، كان له الحق في مباشرة دعوى الضمان العشري إذا ما حصل هدم كلي أو جزئي في العقار موضوع عقد المقاولة، أو ظهر فيه عيبا يهدد متانته وسلامته طيلة مدة الضمان.

وللخلف الخاص إذا كان مشتريا ومن في حكمه الحق في رفع دعوى مزدوجة:([47])

دعوى أولى ضد البائع طبقا للقواعد العامة في ضمان العيوب الخفية للبناء. وللبائع باعتباره رب العمل أن يرجع على المهندس المعماري والمقاول بالضمان، وله أن يدخلهما ضامنين في دعوى العيب.
أمّا الدعوى الثانية فتكون ضد المهندس والمقاول تطبيقا للقواعد الخاصة بالضمان العشري([48]).
كما يمكن لدائني صاحب المشروع رفع دعوى غير مباشرة باسمه للمطالبة بالضمان الخاص، باعتباره حقا من حقوق مدينهم إذا أهمل أو قصّر في استعمال هذه الدعوى([49]).

أمّا المستأجر فلا يستفيد من هذا الضمان، باعتباره منتفعا ولا يملك حق عيني أصلي على العقار المبنى، باستثناء حالة البيع الإيجاري شريطة سداده لآخر قسط إيجاري، وقبل مرور مدة الضمان، فيصير مالكا. أمّا الإيجار العادي، أو البيع بالإيجار الذي لم يسدد فيه المستأجر جميع الأقساط([50])، فلا يستفيد كل منهم من أحكام الضمان الخاص، وإنما غاية ما يستفيد منه المستأجر هو رفع دعوى الضمان باسم رب العمل، عن طريق الدعوى غير لمباشرة متى قصّر أو أهمل هذا الأخير في مباشرتها.

كما لا يستفيد من هذا الضمان، من باب أولى، الحائز للعقار لعدم تحقق شرط الملكية فيه([51]).

ثالثا: المالكون المشتركون للبناء:

الملكية العقارية المشتركة هي ملكية عقارات مبنية تكون مقسمة وموزعة بين عدّة أشخاص، ويكون لكل شخص حصته الخاصة، بحيث يملك جزءها الخاص ملكية مفرزة، أمّا الجزء المشترك فيكون ملكية شائعة([52]). ومن أثلة هذه الأجزاء المشتركة الأرض والأفنية والبساتين والمداخل، والجدران الأساسية في البناء، وممرات الدخول، والدرج والمصاعد، وغيرها.

ويبقى بالتالي لكل شريك الحق في أن يتمتع بالأجزاء الخاصة التابعة لحصته، ويكون له أيضا أن يستعمل وينتفع بحرية بالأجزاء الخاصة المشتركة، بشرط أن لا يكون في ذلك مساس بحقوق الشركاء الآخرين في الملكية، أو يلحق ضررا بما أعدّ له العقار([53]).

وإذا وقع ضرر بالأجزاء الخاصة من العقار، والتي يستقل بها كل واحد من الملاك، فإنه يمكن لكل مالك لهذا الجزء أن يباشر دعوى الضمان العشري، أمّا إذا تعلق السبب الموجب للضمان بالأجزاء المشتركة في البناء، فأن الدعوى يباشرها ممثل إتحاد المالكين. أمّا في حالة غياب جمعية الشركاء أو تقصير ممثليها في رفع هذه الدعوى، فيمكن للملاك المشتركين أو فرادى أن يرفعوا دعوى الضمان العشري نظرا لتوافر شروطها من صفة ومصلحة.

المحور الثالث: النطاق الموضوعي للمسؤولية العشرية

يتحدد النطاق الموضوعي للمسؤولية العشرية من خلال أعمال قام بها كل من المهندس المعماري ومقاول البناء نتج عنها أضرار في المباني والمنشآت الثابتة، من خلال تهدمها كليا أو جزئيا طيلة مدة الضمان، لذلك كانت الأحكام الموضوعية للضمان العشري متمثلة في الأعمال والأضرار.

أولا: الأعمال باعتبارها محلا لأحكام المسؤولية الخاصة:

ينحصر مجال المسؤولية العشرية في الأشغال المتعلقة بالعقارات بطبيعتها، فيخرج بذلك عن نطاقها الأعمال التي يكون محلها منقولات، والتي تبقى مشمولة بالحماية من الضمان العام للعيوب الخفية.

طبيعة الأشياء محل الأعمال:
يشترط لقيام المسؤولية العشرية توفر من الشروط، وفي مقدمتها ضرورة وجود عقد مقاولة محله تشييد مباني أو إقامة منشآت ثابتة من طرف المهندس المعماري ومقاول البناء، ومن ثم كان تطبيق الأحكام الخاصة بالمسؤولية العشرية مشروطا بتشييد مبنى أو إقامة منشآت ثابتة.

1- المباني:

المبنى هو كل شيء متماسك من صنع الانسان واتصل بالأرض اتصال قرار([54]). ويلحق بالمبنى ما اتصل به كالنوافذ والأبواب ونحوها. كما عرفه القانون رقم 08/15 المتعلق بقواعد مطابقة البنايات وإتمام إنجازها([55]) بأنه :”كل بناية أو منشأة يوجه استعمالها للسكن أو التجهيز أو النشاط التجاري أو الإنتاج الصناعي والتقليدي أو الإنتاج الفلاحي أو الخدمات. كما يدخل في مفهوم البناء البنايات والمنشآت والتجهيزات العمومية”.

ويستوي في ذلك أن يكون البناء قد شيد فوق الأرض أو في باطنها، فجميعها يدخل في نطاق المسؤولية الخاصة للمهندس المعماري ومقاول البناء، وجميع المتدخلين في المشروع العقاري متى لحقها الضرر من تهدم وتعيب.

وبهدف توفير حماية أكثر لرب العمل والملاك من بعده، فقد تم التوسيع في مفهوم المباني من خلال إدخال الأضرار الناتجة عن بعض التجهيزات للبناية للضمان الخاص، متى اعتبرت جزء لا يتجزأ من البناء، متى لم يمكن نزعه أو تفكيكه دون تلف. وهي في الأصل منقولات لكن تم تخصيصها لخدمة العقار، صارت غير قابلة للانفصال عنه([56]). ولعلّ التوسع في نطاق المباني هو حمل المقاولين والمهندسين لبذل عناية أكبر، بهدف التقليل من الحوادث التي قد تنتج عن إهمالهم وتقصيرهم في بعض أعمال البناء ([57]) .

2- المنشآت الثابتة:

طبقا للمادة 554 من القانون المدني فإن أعمال البناء التي تغطيها المسؤولية العشرية للمهندس والمقاول يمكن أن تتعلق بغير المباني لتشمل المنشآت الثابتة الأخرى. و مفهوم المنشأة أوسع من مفهوم المبنى، فالأول ينصرف إلى الثاني وإلى غيره من الأعمال الإنشائية الأخرى، أيا كانت طبيعتها أو الغرض منها، كالجسور والقناطر، والسكك الحديدية، والآبار، وأجهزة التكييف المركزية والسدود ومحطات المترو والأنفاق([58]).

ويشمل الضمان العشري جميع المنشآت الثابتة المتصلة بالأرض اتصال قرار، سواء كانت تحت الأرض، أو في مستواها، أو كانت تحت الأرض([59]).

ب) طبيعة الأعمال ذاتها:

جرى الفقه على الأخذ بالتفسير الواسع لما يسمى بأعمال التشييد، فلا يقتصر الضمان على التشييد بمعنى إنشاء بناء جديد وإقامته لأول مرة، وإنما يشمل أيضا أعمال أخرى كالتعلية، والتوسيع، والتعديل، من خلال تغيير المعالم، وعمليات الترميم والتدعيم من خلال استبدال وتقويم الأجزاء المتداعية، والتجديد والتوسعة([60]).

وفي المقابل تستبعد بعض الأعمال من نطاق الضمان الخاص، كأعمال الهدم وأعمال الصيانة البسيطة، وأعمال الدهان والزخرفة، والديكور([61]). ويرجع السبب في استبعادها من دائرة الضمان الخاص كونها لا تستغرق مدة الضمان الطويلة، فضلا عن قابليتها للتلف والتغيير من طرف المالكين، وأيضا لقلّة أهميتها مقارنة مع الأعمال العقارية الأخرى، ومن ثم تظهر العيوب بها بصورة أسرع.

ثانيا: الأضرار باعتبارها سببا لقيام المسؤولية الخاص:

إن أحكام الضمان العشري لا تغطي جميع الأضرار الناتجة عن عمليات البناء والتشييد، إنما تغطي الأضرار التي تؤدي إلى تهدم البناء كليا أو جزئيا، أو تعيبه بعيب يهدد متانته وسلامته.

تهدم المباني والمنشآت الثابتة:
إن التزام المهندس المعماري ومقاول البناء هو التزام بتحقيق نتيجة، هي بقاء البناء الذي تم تشييده بشكل أكثر سلامة ومتانة طيلة مدة عشر سنوات بعد تسليمه، ومتى حصل تهدم للبناء دلّ ذلك على عدم تحقق تلك النتيجة، دون حاجة لإثبات الخطأ في حق المهندس المعماري ومقاول البناء.

والمقصود من تهدم البناء تفككه وانفصاله عن الأرض وانحلاله التي تربط أجزاؤه بعضها ببعض([62]). ويستوي في ذلك أن يكون التهدم كليا أو جزئيا، وحاصله أن يكون التهدم قد حدث بطريقة غير إرادية، بأن يكون راجع إمّا إلى عيب في عملية التشييد والبناء، أو عيب في المواد المستعملة بأن تكون غير صالحة أو مخالفة للمواصفات والشروط المتفق عليها، أو عيب في التصميم ذاته، أو عيب في الأرض([63])، المقام عليها البناء، بأن تكون الأرض غير صالحة للبناء، أو تتخذ بشأنها الاجراءات التي تقتضيها أصول البناء([64]).

وتجدر الإشارة إلى أن مسؤولية المهندس والمقاول عن تهدم البناء هي مسؤولية مفترضة تثبت بمجرد حصول التهدم دون حاجة للبحث عن السبب الذي نتج عنه التهدم، لأنها مسؤولية تقوم على أساس الخطأ المفترض الذي لا يقبل إثبات العكس إلا بإثبات السبب الأجنبي.

ولا يشترط أن يكون التهدم الكلي أو الجزئي حالا، لتقرير أحكام المسؤولية العشرية، بل يكفي أن يكون محقق الوقوع في المستقبل، ممّا قد يعرض سلامة المبنى للخطر. ومن أمثلة ذلك حصول تشققات في البناء يكون معها التهدم مسألة وقت فقط، ويمكن الاستعانة في ذلك بخبرة فنية.

ب) العيوب التي تهدد سلامة البناء ومتانته:

لا يقتصر لتطبيق أحكام الضمان العشري حصول تهدم في البناء كليا أو جزئيا، وإنما يشمل أيضا وجود عيوب تصيب البناء، تهدد سلامته ومتانته، أو تمنع من الاستغلال الأنسب واللائق بالمبنى، حتى ولو بقي المبنى ثابتا. ويقصد بالعيب هنا الخلل الذي يحدث بالمبنى أو المنشأة الثابتة، والذي تقتضي أصول الصنعة وقواعد الفن خلوّه منه([65]).

1- شروط العيوب الموجبة لتطبيق أحكام المسؤولية العشرية:

تشترط جملة من الشروط في العيوب التي تصيب البناء وتوجب الضمان العشري، وتتمثل في:

1-1- أن يكون العيب حقيقيا وخطيرا: بأن يهدد متانة وسلامة البناء([66])، ويجعله غير صالح للغرض المخصص له. وقد يمس العيب صلابة العناصر الخاصة بتجهيز بناية عندما تكون هذه العناصر جزء لا يتجزأ من منجزات التهيئة ووضع الأساس والإحاطة والتغطية([67]).

ومن أمثلة العيوب التي تهدد متانة البناء وسلامته العيوب التي تمس أساسات البناء وجدرانه أو أسقفه وهياكله، ولا يشترط أن يعيب المبنى كله بل يكفي أن يصيب جزء منه([68]).

أما العيوب غير الخطيرة كالتي تكون في الدهان أو الزخرفة، أو الأبواب والنوافذ والزجاج، فهي لا تهدد متانة البناء وسلامته، ومن ثم لا توجب الضمان الخاص([69]).

ويندرج ضمن الضمان الخاص تلك العناصر المجهزة للبناء وأساساته، وهي في الأصل عقارات بالتخصيص، بحيث لا يمكن فصلها عن البناء دون تلف، كالأسقف المثبتة على البناء، والسلالم الحديدية المثبتة في البناء، بحيث لا يمكن فصلها عن البناء دون تلف. أمّا إذا تم فصلها عن العقار دون تلف، فتعود إلى طبيعتها المنقولة ولا يسري عليها هذا الضمان.

ويجري الرأي في القضاء المقارن إلى شمول الضمان العشري تلك العيوب التي تجعل المبنى غير صالح للغرض المخصص له، بهدف توفير حماية أكبر لصاحب المشروع، فبالرغم من أنها لا تبلغ درجة من الخطورة، إلا أنها تجعل من المشروع غير قابل للاستفادة وفق الغرض المخصص له، وهذا نقص الأولى إدراج ذلك ضمن مشمولات الضمان العشري. وتبقى في الأخير، مسألة تقدير مدى توفر الخطورة في هذا العيب أم لا، خاضعة لتقدير قاضي الموضوع([70]).

وتشمل هذه العيوب حتى ما يهدد حفظ البناء وإن لم تهدد البناء مباشرة، ومثال ذلك العيوب المتعلقة بتوصيل المياه والصرف أو الكهرباء، بل توسع البعض في مضمون العيب ليشمل حتى العيب القانوني كتشييد مبنى تعديا على أرض الغير، أو مخالفة للقوانين والتنظيمات([71]).

1- 2- أن يكون العيب خفيا: ومعنى خفاء العيب أنه لا يمكن كشفه وتبينه بالفحص المعتاد من قبل الشخص العادي، أو من الصعب اكتشافه من الشخص الخبير المحترف، أو أن البائع تعمد إخفاءه غشا منه([72]). وهذا الشرط لم ينص عليه القانون الجزائري لا في النصوص التشريعية أو التنظيمية المتعلقة بنشاط الترقية العقارية، إلا أن القضاء الجزائري والمقارن استقر على ضرورة اشتراط ضرورة خفاء العيب لإعمال المسؤولية العشرية، نظرا لأن عملية تسليم الأعمال تنهي الرابطة العقدية بين صاحب المشروع والمهندس المعماري ومقاول البناء، وبذلك تبرأ ذمتهم اتجاه رب العمل من قبل تسلم الأعمال دون تحفظات([73]).

ويبقى أمر تقير مسألة خفاء العيب أو ظهوره هي مسألة واقع يستقل قاضي الموضوع في تقديرها وفقا لظروف وواقع كل حالة على حدى.

1-3- أن تحصل العيوب خلال مدة الضمان: قررت الفقرة 02 من المادة 554 من القانون المدني بأنه: “تبدأ مدة السنوات العشر من وقت تسلم العمل نهائيا من طرف رب العمل”، أمّا إذا امتنع هذا الأخير عن تسلم المشروع بالرغم من دعوته رسميا من طرف المقاول ووضعه تحت تصرفه، ولم يكن هناك سبب مشروع لامتناعه، فتحتسب مدة الضمان من تاريخ الإنذار، اعتبر العمل قد سلم إليه حكما([74]).

والهدف من تقرير هذه المدة هو اختبار لمدى سلامة ومتانة البناء وحسن تنفي الأعمال، ومدى صلاحيته للغرض الذي أعد له. وهي مدة سقوط وليست مدة تقادم، وبالتالي لا يرد عليها وقف ولا انقطاع([75])، وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بالتقادم. ومتى انقضت العشر سنوات ولم يحصل فيها تهدم ولا تعيب للبنايات برأت ذمة المهندس المعماري والمقاول اتجاه المستفيدين من الضمان

الخاص.

والأصل هو بقاء مدة الضمان الخاص، ومن يدعي انقضائها يتحمل عبء إثبات ذلك، ولا يجوز لقاضي الموضوع إثارة انقضائها من تلقاء نفسه، بل يجب على كل من له مصلحة التمسك بانقضائه([76]).

وتجدر الملاحظة أن مدة العشر سنوات هي مدة ضمان، وهي تختلف عن مدة رفع دعوى الضمان التي يرفعها رب العمل ضد كل من المهندس والمقاول، والتي تتقادم بعد مرور ثلاث سنوات يبدأ سريانها من حصول واقعة التهدم، أو وقت اكتشاف العيب، ومتى انقضت هذه المدة ولم ترفع دعوى الضمان، فإنها تسقط بالتقادم([77]).

وبالرغم من أهمية مدة الضمان كشرط شكلي لاستحقاق الضمان، إلا أن القانون رقم 11/04 أوردها على استحياء في المادة 46 ولم يذكرها بتفصيل([78])، ولا مدة سريانها وهو ما تطلب الرجوع لأحكام القانون المدني، طبقا للمادة 554 من القانون المدني، ومن ثم تطبيق أي الأحكام العامة في المسؤولية العشرية، بالرغم من عدم وجود أي إحالة.

الخاتمة:

تمثل المسؤولية العشرية مسؤولية مدنية استثنائية تميز عقود المقاولات الواردة على أشغال البناء عن غيرها من عقود المقاولات الأخرى، حيث بالنظر لخطورة الأضرار الناجمة عن عيوب البناء وتهدم المباني والمنشآت، وتعلق سلامتها بالمصلحة العامة فقد روعي التشديد في بعض أحكامها، وتميزها بأحكام خلافا للقواعد العامة، ويظهر ذلك من خلال تحديد مدة بدء آجال الضمان من تاريخ التسلم النهائي من طرف صاحب المشروع، كمّا وسع القانون من النطاق الشخصي لقواعدها، حيث ألزم بها إلى جانب المهندس المعماري ومقاول البناء، كلا من المراقب التقني والمرقي العقاري، بهدف توفير حماية أكبر لصاحب المشروع، فضلا عن المستفيد منه والذي يخلفه.

بالإضافة إلى اعتبار المسؤولية العشرية مفترضة بقوة القانون، ولا حاجة بالتالي لإثبات الخطأ، لأن وجود الضرر يفترض حصول خطأ في حق المسؤول، لأن التزامه بتحقيق نتيجة. فضلا عن افتراض التضامن فيها بين كل متدخل في عملية البناء، وهي ذات طبيعة آمرة لارتباط أحكامها بالنظام العام، وبالتالي لا يجوز الاتفاق على الإعفاء أو الحد منها.

ومن أجل تحقيق ضمانة أكبر تتفق مع الإلزام القانوني بهذا النوع من الضمان من جهة، ولتتوافق الأحكام القانونية مع التطور الذي تشهده الهندسة المعمارية وأساليب البناء من جهة أخرى، نقترح:

– توسيع دائرة المسؤولين في المسؤولية العشرية، بحيث تمتد إلى الذين يساهمون بدور هندسي ولم تكن لهم صفة المهندس المعماري. وتشمل أيضا الصناع لمكونات البناء وعناصرها التجهيزية التي تندمج فيه، وبخاصة إذا ما تم بمواصفات خاصة لرب العمل، وذلك حتى يلتزم بالضمان كل من له صفة متدخل في عملية البناء.

– توسيع دائرة الأضرار التي توجبها دعوى المسؤولية، فلا تقتصر على التهدم الكلي والجزئي للمباني والمنشآت، وأيضا العيوب التي يترتب عليها تهديد متانتها وسلامتها، وإنما تمتد إلى العيوب التي تجعل أيا منها غير صالح للغرض الذي شيّدت من أجله، ولو لم تصل في خطورتها إلى حد تهديد متانة المباني والمنشآت وسلامتها.

– توسيع مدة الضمان، على اعتبار أن مدة عشر سنوات أصبحت غير كافية نتيجة لضخامة المشروعات والتقنيات المتطورة في الهندسة المعمارية، فضلا عن الإضافات العديدة لبعض مواد البناء، التي يفترض جهل صاحب المشروع بها.

– إخضاع المقاول من الباطن لأحكام المسؤولية الخاصة بالتضامن مع المقاول الأصلي في مواجهة رب العمل، كونه يحقق ضمانة وطمأنينة أكر لرب العمل.

قائمة المراجع:

أولا: باللغة العربية:

المؤلفات العامة و المتخصصة:
ابراهيم سيد أحمد، مسؤولية المهندس والمقاول عن عيوب البناء فقها وقضاء، المكتب الجامعي الحديث،ط1، الاسكندرية، 2003.
عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، العقود الواردة على العمل، المجلد السابع، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، ط3.
عبد الرزاق حسين ياسين، المسؤولية لخاصة بالمهندس المعماري ومقاول البناء، شروطها- نطاق تطبيقها- الضمانات المستحدثة فيها، دراسة مقارنة في القانون المدني، ط1، دار الفكر العربي، القاهرة، 1987.
عبد الناصر توفيق العطار، التشريعات التي تنظم المباني ومسؤولية المهندس والمقاول، مطبعة السعادة، دون سنة نشر.
محمد ناجي ياقوت، مسؤولية المعماريين بعد إتمام الأعمال وتسلمها مقبولة من رب العمل، دراسة مقارنة في القانونين المصري والفرنسي، منشأة المعارف، الإسكندرية، دون سنة طبع.
محمد حسين منصور، المسؤولية المعمارية، دار الجامعة الجديدة، 2003.
محمد شكري سرور، مسؤولية مهندسي ومقاولي البناء والمنشآت الثابتة الأخرى، دار الفكر العربي، القاهرة، 1985.
المقالات:
بوقرة أم الخير ، المسؤولية العشرية للمرقي العقاري، دراسة تحليلية، مجلة الحقوق والحريات، عدد تجريبي، كلية الحقوق، جامعة بسكرة، 2013.
صبايحي ربيعة، خصوصيات المسؤولية المدنية للمهندس المعماري والمقاول بعد تسليم المباني في القانون الجزائري، مجلة الحقوق والحريات، عدد تجريبي، كلية الحقوق، جامعة بسكرة، 2013.
يعيش تمام آمال، حاحة عبد العالي، المسؤولية العشرية كآلية قانونية لحماية الملكية العقارية وفقا للقانون رقم 11/04، مجلة الحقوق والحريات، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة بسكرة، عدد تجريبي، سبتمبر 2013.
جـ) المذكرات والرسائل:

بلمختار سعاد، المسؤولية المدنية للمهندس المعماري ومقتول البناء، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق،جامعة تلمسان، 2009.
توفيق زيداني، التنظيم القانوني لعقد المقاولة على ضوء أحكام القانون المدني الجزائري، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة باتنة، 2010.
شيخ نسيمة، المسؤولية المدنية للمهندس المعماري ومقاول البناء، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة وهران، 2016.
كامل فؤاد، المسؤولية المدنية عن تهدم البناء في التشريع الجزائري، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2002.
النصوص القانونية:
القانون رقم 75/58 المؤرخ في 26/09/1975 المتضمن القانون المدني المعدل والمتمم.
القانون رقم 86/07 المؤرخ في 04/03/1986 المتعلق بالترقية العقارية.
القانون رقم 04/06 المتضمن إلغاء بعض أحكام المرسوم التشريعي رقم 94/07 المؤرخ في 28/05/1994 المتعلق بشروط الإنتاج المعماري وممارسة مهنة المهندس المعماري.
القانون رقم 06/04 المؤرخ في 20/02/2006 المعدل والمتمم للأمر رقم 95/07 المؤرخ في 25/01/1995 المتعلق بالتأمينات.
القانون رقم 11/04 المؤرخ في 17/02/2011 المتعلق بتحديد القواعد التي تنظم نشاط الترقية العقارية.
الأمر رقم 95/07 المؤرخ في 25/01/1995 المتعلق بالتأمينات.
المرسوم التشريعي رقم 93/03 المؤرخ في 01/03/1993 المتعلق بالنشاط العقاري.
المرسوم التشريعي رقم 94/07 المؤرخ في 18/05/1994 المتعلق بشروط الإنتاج المعماري وممارسة مهنة المهندس المعماري.
المرسوم التنفيذي رقم 94/59 المؤرخ في 07/03/1994 المعدل والمتمم للمرسوم رقم 83/666 الذي يحدد القواعد المتعلقة بالملكية المشتركة وتسيير البنايات الجماعية.
المرسوم التنفيذي رقم 99/95 المؤرخ في 19/04/1999 المتعلق بالوقاية من الأخطار المتصلة بمادة الأميانت.
ثانيا: باللغة الفرنسية:

-Roger Saint-Alary & Corine Saint –Alary Hourin, droit de la construction, 5 ème éd, Dalloz, Paris, 1998

[1] ) قانون رقم 86/07 المؤرخ في 04/03/1986، الجريدة الرسمية، عدد 10، السنة 23 الصادرة في 05/03/1986.

[2] ) المرسوم التشريعي رقم 93/03 المتعلق بالنشاط العقاري المؤرخ في 01/03/1993، ج ر، عدد 14، السنة 30 الصادرة في 03/03/1993.

[3] ) ومن ذلك عدم التمييز بين الترقية العقارية التي هي جزء من النشاط العقاري، والنشاط العقاري الذي يشمل الترقية العقارية والاستثمار العقاري، وغير ذلك من العمليات المرتبطة بالبناء والتعمير. فضلا عن عدم توضيحه لأسس المسؤولية للمتعامل في الترقية العقارية مع المتدخلين الآخرين فيها، سواء كانت مدنية أو جنائية.

[4] ) الذي يحدد القواعد التي تنظم نشاط الترقية العقارية، المؤرخ في 17/02/2011، ج ر، عدد 14، السنة 48 الصادرة في 06/03/2011.

[5] ) عبد الرزاق حسين يس،1987 المسؤولية لخاصة بالمهندس المعماري ومقاول البناء، شروطها- نطاق تطبيقها- الضمانات المستحدثة فيها، دراسة مقارنة في القانون المدني، ط1، دار الفكر العربي، القاهرة، ص 542 .

[6] ) Roger Saint-Alary & Corine Saint –Alary Hourin, droit de la construction, 5 ème éd, Dalloz, Paris, 1998, p 84.

[7] ) المادة 03 من القانون. في حين لم يرد أي تعريف للمرقي العقاري في القانون رقم 86/07، ولا في المرسوم رقم 93/03، حيث اكتفي في الأول بتسمية “المكتتب” Souscripteur ، وفي الثاني “المتعامل في الترقية العقارية” L’opérateur .

[8] ) المرسوم التنفيذي رقم 12/84 المؤرخ في 20/ 02/2012، ج ر، عدد11، السنة 49 الصادرة في 26/02/2012.

[9] ) حيث تنص المادة 45 من القانون 11/04 الذي يحدد القواعد التي تنظم نشاط الترقية العقارية بأنه:”دون الإخلال بالأحكام السارية في القانون المدني وقانون العقوبات والمتعلقة بتطبيق الأحكام المتضمنة في هذا الفصل، يعد باطلا وغير مكتوب كل بند من العقد يهدف إلى إقصاء أو حصر المسؤولية أو الضمانات المنصوص عليها في أحكام هذا القانون، وتلك المنصوص عليها في التشريع والتنظيم المعمول بهما أو تقييد مداها، سواء باستبعاد أو بحصر تضامن المقاولين الثانويين مع المرقي العقاري”.

[10] ) محمد حسين منصور، المسؤولية المعمارية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2003، ص 123.

[11] ) عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، العقود الواردة على العمل ،المجلد السابع، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان،ط3، ص 113.

[12] ) عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص 143.

[13] ) محمد شكري سرور، مسؤولية مهندسي ومقاولي البناء والمنشآت الثابتة الأخرى، دار الفكر العربي، القاهرة، 1985، ص 288.

[14] ) وتندرج ضمن هذه المنظومة عدد من القواعد القانونية كتلك المتعلقة بحماية المستهلك، والطرف المذعن في عقود الإذعان، وغير ذلك من ممّن يحتاج للرعاية بسبب ضعفه الاقتصادي والاجتماعي، والتقني.. وانضمامه في علاقات عقدية يحتاج معها للحماية بصورها المختلفة..

[15] ) أنظر المواد من 373 إلى 379 فيما يتعلق بعقد البيع، والمواد 483، 484، 486 إلى 490 من القانون المدني.

[16] ) شيخ نسيمة، المسؤولية المدنية للمهندس المعماري ومقاول البناء، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة وهران، 2016، ص 230.

[17] ) حيث جاء في المادة 555 من القانون المدني أنه: “إذا اقتصر المهندس المعماري على وضع التصميم دون أن يكلف بالرقابة على التنفيذ لم يكن مسؤولا إلا عن العيوب التي أتت من التصميم”.

[18] ) أنظر في هذه الآراء عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص 110. محمد ناجي ياقوت، دون سنة طبع، مسؤولية المعماريين بعد إتمام الأعمال وتسلمها مقبولة من رب العمل، دراسة مقارنة في القانونين المصري والفرنسي، منشأة المعارف، الإسكندرية، ص 220، 221. شيخ نسيمة، المرجع السابق، ص 232، 233.

[19] ) جاء في المادة 127 من القانون المدني: “إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب لا يد له فيه كحادث مفاجئ، أو قوة قاهرة، أو خطأ صدر من المضرور أو خطأ من الغير كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر، ما لم يوجد نص قانوني أو اتفاق يخالف ذلك”.

[20] ) وذلك حتى تخرج عن عيوب الأرض تلك العيوب الذاتية التي يتحقق في شأنها الضمان، حيث اعتبرها القانون المدني الجزائري في المادة 554 فقرة 01 أن المسؤولية العشرية متحققة “ولو كان التهدم ناشئا عن عيب في الأرض”، لأن من صميم التزامات المقاول والمهندس معاينة الأرض وكشف عيوبها وفحصها قبل البناء.

[21] ) شيخ نسيمة، المرجع السابق، ص 235.

[22] ) محمد ناجي ياقوت، المرجع السابق، ص 221، 223. شيخ نسيمة، المرجع السابق، ص 237.

[23] ) محمد ناجي ياقوت، المرجع السابق، ص 227.

[24] ) أمّا ما يذهب إليه البعض في التفرقة بين رب العمل غير الخبير في فن البناء، وبين رب العمل الخبير بفن البناء فتبقى مسألة نظرية بحتة، ما دام أنهما يشتركان في ذات الأحكام، وأن الأمر في الأخير يخضع لتقدير قاض الموضوع.

[25] ) شيخ نسيمة، المرجع السابق، ص 244.

[26] ) جاء في المادة 126 من القانون المدني: إذا تعدد المسؤولون عن فعل ضار كانوا متضامنين في التزامهم بتعويض الضرر، وتكون المسؤولية فيما بينهم بالتساوي إلا إذا عين القاضي نصيب كل منهم في الالتزام بالتعويض”.

[27] ) راجع ما ذكرناه سابقا في المقصد من تقنين هذا النوع من المسؤولية، وانتمائها إلى الطابع الحمائي للنظام العام.

[28] ) كامل فؤاد، المسؤولية المدنية عن تهدم البناء في التشريع الجزائري، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2002، ص 154. صبايحي ربيعة، خصوصيات المسؤولية المدنية للمهندس المعماري والمقاول بعد تسليم المباني في القانون الجزائري، مجلة الحقوق والحريات، عدد تجريبي، كلية الحقوق، جامعة بسكرة، 2013، ص345.

[29] ) توفيق زيداني، التنظيم القانوني لعقد المقاولة على ضوء أحكام القانون المدني الجزائري، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة باتنة، 2010، ص 112. بلمختار سعاد، المسؤولية المدنية للمهندس المعماري ومقتول البناء، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة تلمسان، 2009، ص 186.

[30] ) والحكم نفسه إذا كان الخطأ ناشئا عن المهندس المعماري دون المقاول ولم يصدر عن هذا الأخير أي تقصير أو إهمال في أعماله.

[31] ) جاء في المادة 45 من القانون 11/04 أنه: “..يعد باطلا وغير مكتوب كل بند من العقد يهدف إلى إقصاء أو حصر المسؤولية أو الضمانات المنصوص عليها في أحكام هذا القانون، وتلك المنصوص عليها في التشريع والتنظيم المعمول بهما أو تقييد مداها، سواء بـاستبعاد أو بحصر تضامن المقاولين الثانويين مع المرقي العقاري”.

[32] ) محمد حسين منصور، المرجع السابق، ص 179. .

[33] ) أنظر المادة 555 من القانون المدني.

[34] ) أنظر المادة 17 من القانون 11/04.

[35] ) أنظر الفقرة 03 من المادة 26 من القانون 11/ 04.

[36] ) محمد شكري سرور، المرجع السابق، ص 199.

[37] ) المادة 07 من المرسوم التشريعي رقم 94/07 المؤرخ في 18/05/1994 المتعلق بشروط الإنتاج المعماري وممارسة مهنة المهندس المعماري، ج ر، العدد 32، السنة 31 الصادرة في 25/05/1994.

[38] ) شيخ نسيمة، المرجع السابق، ص185.

[39] ) محمد حسين منصور، المرجع السابق، ص83.

[40] ) محمد شكري سرور، المرجع السابق، ص 197.

[41] ) محمد شكري سرور، المرجع السابق، ص 198، 199.

[42] ) شيخ نسيمة، المرجع السابق، ص187.

[43] ) يعرف الخلف العام بأنه الشخص الذي يخلف سلفه في ذمته المالية من حقوق والتزامات، كالوارث، أو في جزء منها باعتبارها مجموعا من المال كالموصي له بجزء من التركة في مجموعها، من غير تعيين لذلك الجزء. والخلافة العامة تكون بعد الموت، وتتحقق من طريق الميراث أو الوصية. بلحاج العربي، 1995، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، ص 206.

[44] ) حيث تنص المادة 108 مدني بأنه: “ينصرف العقد إلى المتعاقدين والخلف العام، ما لم يتبين من طبيعة التعامل، أو من نص القانون، أن هذا الأثر لا ينصرف إلى الخلف العام كل ذلك مع مراعاة القواعد المتعلقة بالميراث”. وأكّد هذا الانتقال قانون التأمينات رقم 95/207 في الفقرة 02 من المادة 178، والتي جاء فيها أنه يستفيد من هذا الضمان فضلا عن صاحب المشروع الملاك المتتاليين، ومن ضمن هؤلاء الملاك الورثة الذين تنتقل إليهم ملكية البناء محل عقد المقاولة بوفاة رب العمل. والمقرر أن “الحقوق الميراثية تنتقل إلى الورثة بمجرد الوفاة طبقا للمادة 91 من المرسوم 76/63 المؤرخ في 25/03/1976″.م.ع، غ م، ملف رقم 572702 الصادر بتاريخ 17/02/2011، م.ق، ع1، 2011، ص 92.

[45] ) الخلف الخاص هو من يتلقى من سلفه حقا معينا كان قائما في ذمته، كالبائع والموهوب له بمال معين، و الموصي له بعين معينة من التركة. ولا تنتقل إلى الخلف الخاص سوى العقود التي تتعلق بالشيء المعين الذي انتقل إليه من سلفه. بلحاج العربي، المرجع السابق، ص 209.

[46] ) جاء في المادة 109 مدني بأنه: “إذا أنشأ العقد التزامات وحقوقا شخصية تتصل بشيء انتقل بعد ذلك إلى خلف خاص، فإن هذه الالتزامات والحقوق تنتقل إلى الخلف في الوقت الذي ينتقل فيه الشيء، إذا كانت من مستلزماته وكان الخلف الخاص يعلم بها وقت انتقال الشيء إليه”، وهو ما قررته نصوص خاصة، ومنها المادة 178 فقرة 02 من قانون التأمينات رقم 95/07 المشار إليها أعلاه.

[47] ) ومعنى ذلك أن له الحق في رفع الدعويين معا وليس له الخيار في رفع إحداهما، على أن لا يتجاوز مقدار التعويض حجم الضرر الذي أصابه من جراء تهدم البناء أو تعيبه. وقد يسعف المشتري دعوى الضمان الخاص نظرا لأنها تقوم على أساس الخطأ في حراسة الشيء، والخطأ هنا مفترض بقوة القانون ولا يقبل إثبات العكس، حيث يفترض أن تهدم البناء أو تعيبه كان بخطأ من المهندس المعماري أو مقاول البناء.

[48] ) محمد شكري سرور، المرجع السابق، ص 201. يعيش تمام آمال ، حاحة عبد العالي، المسؤولية العشرية كآلية قانونية لحماية الملكية العقارية وفقا للقانون رقم 11/04، مجلة الحقوق والحريات، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة بسكرة، عدد تجريبي، سبتمبر 2013، ص 525، 526.

[49] ) محمد شكري سرور، المرجع السابق، ص 204.

[50] ) بل حتى في حالة تسديده لجميع أقساط الكراء، لكن لم تتم إجراءات التسجيل والإشهار وفقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما فإنه يبقى صاحب المشروع مالكا للعقار، ومن ثم محتفظا بجميع حقوقه، ومنها الحق في الضمان الخاص، حيث تنص المادة 07 من المرسوم التنفيذي رقم 97/351 المؤرخ في 14/01/1997 المحدد لشروط وكيفيات بيع الأملاك ذات الاستعمال السكني وإيجارها وبيعها بالإيجار وشروط بيع الأملاك ذات الاستعمال التجاري والمهني وغيرها، التي أنجزتها دواوين الترقية والتسيير العقاري بتمويل قابل للسداد من حسابات الخزينة العامة أو بتمويل مضمون منها والمسلمة بعد شهر أكتوبر 1992، بأن:”عقد البيع بالإيجار هو العقد الذي يلتزم بموجبه ديوان الترقية والتسيير العقاري باعتباره المالك المؤجر، أن يحول ملكا عقاريا ذا استعمال سكني، لأيّ مشتر إثر فترة تحدد باتفاق مشترك وحسب الشكل الرسمي. ويخضع لإجراءات التسجيل والإشهار وفقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما، وخلال الفترة المتفق عليها. يحتفظ ديوان الترقية والتسيير العقاري بصفته مالك العقار بكل حقوقه والتزاماته، أم المستأجر المشتري فيحتفظ بكل الالتزامات المرتبطة بالمستأجرين لا سيما في مجال الأعباء المشتركة”.

[51] ) يعيش تمام آمال، حاحة عبد العالي، المرجع السابق، ص 526.

[52] ) وردت أحكام الملكية المشتركة في العقارات المبنية في المواد من 743 إلى 772 من القانون المدني. مع إلغاء بعض المواد بموجب القانون رقم 83/01 المؤرخ في 29/01/1983.

[53] ) أنظر المادة 749 من القانون المدني..

[54] ) عبد الناصر توفيق العطار، دون سنة نشر، التشريعات التي تنظم المباني ومسؤولية المهندس والمقاول، مطبعة السعادة، ص 9.

[55] ) المؤرخ في 20/07/2008، ج ر ، العدد44، السنة 45، الصادرة بتاريخ 03/08/2008، ص 19.

[56] ) عبّر عن ذلك الأمر رقم 95/07 المتعلق بالتأمينات في المادة 181 بأنها: “جزء لا يتجزأ من منجزات التهيئة ووضع الأساس والهيكل والإحاطة والتغطية، على أنه يعتبر جزء لا يتجزأ من الانجاز كل عنصر خاص بالتجهيز لا يمكن القيام بنزعه أو تفكيكه أو استبداله دون إتلاف أو حذف مادة من مواد هذا الإنجاز”.

[57] ) شيخ نسيمة، المرجع السابق، ص 204.

[58] ) محمد شكري سرور، المرجع السابق، ص 219.

[59] ) ويدل لذلك الإطلاق الوارد في المادة 554 من القانون المدني من خلال عبارة “منشآت ثابتة أخرى”، فحسم بذلك الخلاف بخصوص بعض المنشآت الثابتة، كتلك التي تنشأ في مستوى سطح الأرض، أو تحت مستواها، ومدى اعتبارها منشآت ثابتة تنطبق عليها أحكام الضمان الخاص أم لا.

[60] ) محمد حسين منصور، المرجع السابق، ص 120.

[61] ) عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص 117.

[62] ) محمد حسين منصور، المسؤولية المعمارية، ص 123.

[63] ) حيث أكدت المادة 554 من القانون المدني بأنه:”ولو كان التهدم ناشئا عن عيب في الأرض”.

[64] ) عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص114.

[65] ) عبد الرزاق حسين ياسين، المرجع السابق، ص 698.

[66] ) أنظر المادة 554 من القانون المدني.

[67] ) حيث جاء في المادة 181 من قانون التأمينات رقم 95/07 بأنه:”يغطي الضمان المشار ليه في المادة 178 أعلاه أيضا الأضرار المخلة بصلابة العناصر الخاصة بتجهيز بناية عندما تكون هذه العناصر جزء لا يتجزأ من منجزات التهيئة ووضع الأساس والإحاطة والتغطية، ويعتبر جزء لا يتجزأ من الإنجاز كل عنصر خاص بالتجهيز لا يمكن القيام بنزعه وبتفكيكه أو استبداله دون إتلاف أو حذف من مواد هذا الإنجاز” . .

[68] ) محمد حسين منصور، المسؤولية المعمارية، ص125.

[69] ) عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص 117. وتنطبق عليها أحكام المسؤولية عن العيوب الخفية طبقا للقواعد العامة، أمّا إذا صارت تلك العيوب خطيرة، كبعض الدهانات التي تسبب أمراض السرطان، أو ما ينتج عن استعمال مواد البناء التي تحتوي على مادة الأميونت Amiante من أمراض خطيرة، فتطبق عليه أحكام المسؤولية العشرية. وقد حظر القانون الجزائري صراحة استعمال مواد تحتوي على مادة الأميونت في المرسوم التنفيذي رقم 99/95 المؤرخ في 19/04/1999 والذي يتعلق بالوقاية من الأخطار المتصلة بمادة الأميونت.

[70] ) محمد شكري سرور، المرجع السابق، ص 121. بن عبد القادر زهرة، المرجع السابق، ص 176.

[71] ) محمد شكري سرور، المرجع السابق، ص 222.

[72] ) بن عبد القادر زهرة، المرجع السابق، ص 177.

[73] ) فالتحفظات ترد على العيوب الخفية دون العيوب الظاهرة، وهي التي يمكن كشفها وفحصها من قبل الشخص المعتاد، ومتى وقع رب العمل على محضر التسليم مع إخطاره بوجود عيب، اعتبر ذلك العيب ظاهرا، ولا يستفيد من الضمان الخاص. ولذلك قد يلجأ رب العمل لكشف العيب الخفي إلى خبراء وفنيين لفحص البناء وكشف ما فيه من عيوب.

[74] ) المادة 558 من القانون المدني.

[75] ) محمد حسين منصور، المرجع السابق، ص131.

[76] ) محمد شكري سرور، المرجع السابق، ص 285. يعيش تمام آمال، حاحة عبد العالي، المرجع السابق، ص 535.

[77] ) تنص المادة 557 من القانون المدني بأنه: “تتقادم دعاوى الضمان المذكورة أعلاه بانقضاء ثلاث سنوات من وقت حصول التهدم أو اكتشاف العيب”.

[78] ) حيث لم يبين القانون تاريخ بدء احتساب سريان مدة عشر سنوات، فهل يكون المرقي العقاري مسؤولا من وقت التسلم النهائي للأعمال طبقا للمادة 554 من القانون المدني، ومن ثم تطبيق أي الأحكام العامة في المسؤولية العشرية، أم يكون من تاريخ تسليم شهادة المطابقة أو شهادة الحيازة ؟ وهل يجب أن يظهر العيب خلال مدة الضمان من تاريخ تسلم صاحب المشروع العمل، أم يكفي إثبات وجوده خلال هذه المدة، حتى ولو لم ينكشف إلا بعد انقضائها للاستفادة من أحكام هذه المسؤولية الخاصة ؟ هذه الأسئلة كان الأولى أن نجد لها جوابا ضمن القانون الإطار المتعلق بالترقية العقارية بالنظر لأنها مسؤولية خاصة واستثنائية، بدل تطبيق الأحكام العامة الواردة في القانون المدني.