دراسة وبحث قانوني هام عن حقوق المؤلف وحقوق الرقابة

حقوق المؤلف وحقوق الرقابة

إن قضية حقوق المؤلف وحقوق الرقابة قضبان أساسيان في المجتمع المعرفي قد يتنافران أحياناً وقد يتجاذبان أحياناً أخرى. ومن هذا المنطلق سنتعرف على حقوق المؤلف وحقوق الرقابة معاً, حيث إنهما وجهان لعملة واحدة الذي إذا وجد أحدهما لابد أن يوجد الأخر.

أولاً: ما هو حق المؤلف؟

حق المؤلف هو مصطلح قانوني يصف الحقوق الممنوحة للمبدعين بالنسبة لمصنفاتهم الأدبية والفنية, ولطبيعة هذا الحق وجهان: أحدهما أدبي أو معنوي, والآخر مادي مالي وعُبر عن الأول بالحق الأدبي, وعن الثاني بالملكية الأدبية أو حق الاستغلال، وذلك أن حق المؤلف بطبيعته ينطوي على مجموعة متنافرة من الصفات، بعكس أي ملكية مادية، وهذا التنافر بين عناصر الحق الواحد فيما يقول د.شعبان خليفة عن د.محمد علي عرفة هو سر في الخلاف حول طبيعة هذا الحق، فأي كتاب من الكتب يمر بثلاث مراحل: مرحلة يظل فيها الكتاب رهن مشيئة صاحبه، إن شاء حجبه عن الناس وإن شاء نشره عليهم، فإن اختار المؤلف السبيل الثانية انتقل الكتاب إلى المرحلة الثانية، وهى مرحلة يصبح للمؤلف على الكتاب حقوق أدبية وأخرى مالية، ويصبح الكتاب في هذه المرحلة مالاً من أموال المؤلف يدخل في دائرة التعامل، ويصبح محلاًّ لمختلف العقود، فإذا انتقل المؤلف إلى رحاب الله ومضت فترة معينة على وفاته انسلخ الحق المادي عن الكتاب ليبقى الحق الأدبي وحده أبداً مؤبداً وهى المرحلة الثالثة من عمر الكتاب.
أما عن أنواع المصنفات الأدبية والفنية للمؤلفين، فإنها تشمل الأنواع التالية:
المصنفات الأدبية، مثل: الروايات وقصائد الشعر والمسرحيات، والمصنفات المرجعية والصحف وبرامج الحاسوب وقواعد البيانات والأفلام والقطع الموسيقية وتصاميم الرقصات، والمصنفات الفنية مثل اللوحة الزيتية والرسوم والصور الشمسية والمنحوتات ومصنفات الهندسة المعمارية والخرائط الجغرافية والرسوم التقنية.

الحقوق التي يمنحها قانون حق المؤلف:
يتمتع المبدع الأصلي للمصنف المحمي بموجب حق المؤلف وورثته ببعض الحقوق الأساسية. إذ لهم الحق الاستئثارى مع الانتفاع والانتفاع بالمصنف أو التصريح للآخرين بالانتفاع به بشروط متفق عليها. ويمكن لمبدع المصنف أن يمنع ما يلي أو يصرح به:
• استنساخ المصنف بمختلف الأشكال مثل النشر المطبعي أو التسجيل الصوتي.
• أداء المصنف أمام الجمهور كما في المسرحيات أو كالمصنفات الموسيقية.
• إجراء تسجيلات لـه على أقراص مدمجة أو أشرطة سمعية أو أشرطة الفيديو مثلاً.
• بثه بواسطة الإذاعة …. إلخ.
• ترجمته إلى لغات أخرى أو تحويره من قصة روائية إلى فيلم مثلاً .
من الملاحظ في الآونة الأخيرة من عام 1993 منذ بدء اشتراك مصر في شبكة الإنترنت عبر المجلس الأعلى للجامعات ومركز معلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء.
توسيع مجال حق المؤلف والحقوق المجاورة بصورة هائلة بفضل هذا التقدم التكنولوجي الذي أدى إلى استحداث وسائل جديدة لنشر الإبداعات بمختلف طرق الاتصال العالمية، مثل البث عن طريق شبكة الإنترنت أو الأقراص المدمجة، وكان التوضيح للمصنفات عبر شبكة الإنترنت آخر وجه للتطور الذي لا يزال يثير تساؤلات جديدة ذات صلة بحق المؤلف.
وتسعى المنظمات لإرساء معايير جديدة لحماية حق المؤلف في الفضاء الإلكتروني ترمي إلى منع النفاذ إلى المصنفات الإبداعية أو الانتفاع بها على شبكة الإنترنت أو أي شبكات رقمية أخرى دون تصريح بذلك.

خصائص الحق الأدبي والحق المالي للمؤلف:

* خصائص الحق الأدبي للمؤلف:
1) إن للحق الأدبي خصائص متعددة يمكن إجمالها في خاصيتان أساسيتان.

أ) الخاصية الأولى:
الحق الأدبي لا يجوز التعامل فيه أو الحجز عليه ويرجع عدم جواز التعامل في الحق الأدبي للمؤلف لارتباط هذا الحق بشخصية المؤلف وسمعته، وعلى ذلك فلا يجوز حوالة الحق أو بيعه، ويتفرع عن هذه القاعدة الأساسية امتيازين هما الحق في الأبوة أي في نسبة المصنف إلى المؤلف، والحق في تعديل المصنف.
(مادة ن381) من قانون حماية المؤلف رقم 354 لسنة 1954 – والمادة (143) من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية).
أما عن عدم جواز الحجز عليه لأن الحقوق الشخصية لا يجوز الحجز عليها، ولما كان الحق الأدبي من الحقوق اللصيقة بشخصية المؤلف وليس له قيمة مالية في ذاته، فإنه ينأى عن حلول الدائنين محل المؤلف في ممارسته وإلا أدى ذلك إلى المساس بشخصية المؤلف لانتهاكه أحد الحقوق المرتبطة بشخصية المؤلف.
ويمتد هذا الخطر إلى المصنفات غير المنشورة لأنها ليست جزء من الذمة المالية للمؤلف، وإذا مات المؤلف قبل أن يقرر نشر مصنفه ولم توجد أية أدلة على رغبته في النشر فإن المخطوطات التي يتركها تكون خارجة عن دائرة التعامل ولا يمكن للدائنين الحجز عليها.

ب) الخاصية الثانية:

1) الحق الأدبي حق دائم ولا يتقادم.
أي يظل طوال حياة المؤلف ويبقى بعد موته غير متقيد بمدة زمنية وذلك على العكس من الحق المالي للمؤلف الذي يستمر لمدة خمسين سنة بعد وفاته، ولا ينتهي هذا الحق إلا عندما يقع المصنف نهائياً في بئر النسيان فينمحى من الذاكرة. ويباشر ورثة المؤلف حقه الأدبي بعد موته باسم المؤلف ذاته، فهم مجرد ممثلين له مع مباشرته.
وعن أنه حق لا يتقادم فيرجع إلى أنه كحق لصيق بالشخصية لا يمكن أن يرد عليه التقادم، فالحق الأدبي يحمي شخصية المؤلف ومن ثم سمعته الأدبية التي لا تختفي بوفاته بل تظل بعد مماته ويتصور أن يقع اعتداء عليها فيكون الحق الأدبي أساساً للدفاع عنها.
ولا يوجد تعارض بين فكرة عدم قابلية الحق الأدبي للتقادم وسقوط الحق المالي في الملك العام، ذلك أن سقوط الحق المالي في الملك العام لا يعنى تسوية المصنف أو تحريفه، ويحق للورثة – إذا حدث شيء من ذلك– اللجوء إلى الحق الأدبي من أجل وقف التعدي.

2) انتهاء الحق الأدبي للورثة .
وفضلت كلمة “انتهاء” بدلاً من “انتقال” كما فضلها د.شعبان خليفة لأن الحق الأدبي عندما يستعمله الورثة نيابة عن المؤلف فإنهم يستعملون عناصره السلبية فقط أما العناصر الإيجابية فمن حق المؤلف وحده، فالحق الأدبي عندما ينتهي إلى الورثة فإنهم يكونون بمثابة حراس عليه فقط إلى الأبد على الرغم من استغلالهم الحق المالي لمدة خمسين سنة فحسب بعد وفاة المؤلف. وكلمة انتقال قد توحي باستخدام العناصر الإيجابية من حق المؤلف، وهو ما يتنافر مع المبادئ التي قدمها قانون حق المؤلف.
فانتهاء هذا الحق إلى الورثة يكون وظيفته حماية فكرة المؤلف في جوهرها وفى الشكل الذي أراده لها أن تكون بحيث يحافظون على الكتاب من كل تشويه أو تغيير أو انتحال، وليس للورثة أن يقرروا النشر أو إدخال تغيير أو تعديله أو سحب الكتاب من التداول، وهى الحقوق الأدبية التي كانت للمؤلف. وإذا قام الورثة بشيء من هذا فيجب أن يكون مطابقاً لإرادة المؤلف أو على الأقل غير منافٍ لإرادة المؤلف.
وقد أعطت المادة 19 من القانون المذكور للورثة الحق في أنه ” إذا مات المؤلف قبل أن يقرر نشر مصنفه انتقل حق تقرير النشر إلى من يخلفونه وفقاً لأحكام المادة السابقة ولهؤلاء وحدهم مباشرة حقوق المؤلف الأخرى المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 7 والمادة 9،على أنه إذا كان المؤلف قد أوصى بمنع النشر أو بتعيين موعد له أو بأي أمر آخر وجب تنفذ ما أوصى به”.

3) حق تقرير نشر المصنف أو إذاعته لأول مرة.
للمؤلف وحده تحديد لحظة ووسيلة النشر الأولى لمصنفه وذلك تبعاً (للمادة 354 لسنة 1954والمادة 143 من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية).

4) الحق في الأبوة ونسبة المصنف إلى المؤلف.
إذ للمؤلف وحده الحق في أن ينسب إليه مصنفه وفى أن يدفع أي اعتداء على هذا الحق. فالمؤلف يرتبط بمؤلفه برابطة معنوية وهى رابطة الأبوة التي تعنى نسبة المصنف إليه بحيث يكتب اسمه ولقبه عليه، وكذلك مؤهلاته العلمية وكل ما يعرفه للناس، سواء نشر المصنف بنفسه أم بواسطة غيره، وهذه الأبوة تعنى عدم جواز نسبة المصنف إلى غيره على نحو يحول دون اقتباسه كله أو بعضه. وحق الأبوة من الحقوق التي لا يجوز النزول عنها أو التصرف فيها بحيث يعد أي تعرض في هذا الخصوص تعهداً باطلاً لمخالفته للنظام العام، وذلك على عكس الحقوق المالية.

5) الحق والرجوع والسحب (الندم)

إن للمؤلف حق سحب المصنف من التداول أو تعديله تعديلاً جوهرياً رغم تصرفه في حقوق الاستغلال المالي، وذلك إذا طرأت أسباب خطيرة تدعو إلى ذلك، فقد يصنع المؤلف مصنفه متأثراً برأي استحوذ عليه ثم يبدو لـه بعد البحث والتقصي والإطلاع أنه قد جانبه الصواب في رأيه هذا، ففي مثل هذه الحالة فتقطع الصلة بين المصنف وواضعه فلم يعد معبراً عن حقيقة آرائه بل لعل وجود المصنف على هذه الصورة يغص من شخصيته ويؤذي سمعته، ولمواجهة مثل هذه الحالات قرر المشرع حق المؤلف في سحب هذا المصنف من التداول، ولم يغفل العقد المبرم بين المؤلف والناشر، فنص إلى جانب حقوق المؤلف في سحب المصنف من التداول على تعويض الناشر تعويضاً عادلاً وهو كل ما يبغيه من وراء هذا العقد.
وقد أخضع المشروع المصري الأمر كله للقضاء (مادة 42 من القانون 354 لسنة 1954 – والمادة 144 من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية). وذلك على عكس المشروع الفرنسي الذي لم يخضع الأمر للقضاء وترك السحب لمطلق إرادة المؤلف.

6) الحق في احترام المصنف وعدم الاعتداء عليه
الحق في احترام المصنف هو حق دائم لا يقبل التصرف فيه ويخول صاحبه معارضة أية تعديلات يتم إجراؤها على مصنفه، وعلى ذلك فلا يجوز إحداث أي تعديلات على المصنف دون موافقة مبدعه الذي لـه الحق في أن يدافع عن تكامل مصنفه والحيلولة دون وقوع أي تشويه أو تحريف لـه، فمؤدى هذا الحق هو إسباغ الحماية على المصنف بالشكل الذي أخرجه فيه مؤلفه.
وفى حالة الحذف أو التغيير في ترجمة المصنف مع ذكر ذلك فلا يكون للمؤلف الحق في منعه، إلا إذا أغفل المترجم الإشارة إلى مواطن الحذف أو التغيير، أو ترتب على الترجمة مساس بسمعة المؤلف ومكانته وعلى ذلك فإن المترجم يمكن أن يتصرف في الترجمة عنه الاقتضاء ليجعل السياق متسقاً في اللغة المترجم إليها، بيد أنه لا يجوز له في كل الأحوال الخروج على إطار النص حتى لا تصبح الترجمة مسخاً وتشويهاً للمصنف المترجم.

خصائص الحق المالي للمؤلف:
أ ) أنه حق مؤقت مرتبط بمدة معينة على الرغم من أن الملكية ملكية مؤبدة لا ترتبط بمدة معينة، حيث تقضي المصلحة العامة بتيسير الإفادة من الأعمال الفكرية، ولكي تتحقق الاستفادة لا بد من أن يقتصر احتكار المؤلف لاستغلال كتابه على مدة محدودة، وهذا الاحتكار إنما جعل مكافأة للمؤلف مقابل الجهد الذهني الذي يبذلـه في إنتاج هذا الكتاب، وحتى يكون هذا الجزاء المادي حافزاً للمؤلف على مزيد من الإنتاج الفكري. ووجد أنه يكفي جزاء لـه أن يكون الجزاء للمؤلف طيلة حياته، وللورثة المستحقين من بعده لفترة محددة. وبعد هذه الفترة يصبح الكتاب ملكاً للمجتمع كله ينشره من يريد نشره دون إذن من ورثة المؤلف ودون دفع مقابل، وهو ما يعبر عنه رجال القانون بسقوط الكتاب في الملك العام.
ب) قابليته للتصرف فيه،أي إنه يجوز للمؤلف أن ينقل إلى الناشر مباشرة حقوق الاستغلال كما يستدل على ذلك من المادة 37 من القانون المذكور: “للمؤلف أن ينقل إلى الغير الحق في مباشرة حقوق الاستغلال المنصوص عليها في المواد 5، 6، 7 من هذا القانون على أن نقل أحد الحقوق لا يترتب عليه مباشرة حق آخر.
ويستخلص من هذا أن الحق المالي يجوز التنازل عنه للغير ويجوز التوصية به لأحد أو التبرع به حسبما يراه المؤلف فلا يمنعه من ذلك أحد حسب نص المادة 18 فقرة 2 من القانون.
جـ ) قابلية الحق المالي للتوريث أي يظل الحق المالي للمؤلف طيلة حياته ثم ينتقل إلى ورثته كما ينتقل أي مال آخر كما نصت على ذلك المادة 10 من القانون فقرة أولى حيث نصت على أنه “بعد وفاة المؤلف يكون لورثته وحدهم الحق في مباشرة حقوق الاستغلال المالي المنصوص عليها في المواد 5، 6 ،7”.
وفى حالة إذا كان الكتاب عملاً مشترك التأليف مع مؤلفين آخرين ومات أحد المؤلفين المشاركين دون وريث فإن نصيبه يئول إلى المشتركين معه في التأليف أو ورثتهم ما لم يوجد اتفاق غير ذلك بينهم عملاً بنص المادة 18 فقرة أولى أيضاً: “إذا كان المصنف عملاً مشتركاً وفقاً لأحكام هذا القانون ومات أحد المؤلفين بلا وارث فإن نصيبه يئول إلى المؤلفين المشتركين وخلفهم، ما لم يوجد اتفاق يخالف ذلك”.
د) قابليتـه للحجز عليـه: حيث تنص المادة العاشرة من قانون حق المؤلف على أنه: ” لا يجوز الحجز على حق المؤلف وإنما يجوز الحجز على نسخ المصنف الذي تم نشره، ولا يجوز الحجز على المصنفات التي يموت صاحبها قبل نشرها ما لم يثبت بصفة قاطعة أنه استهدف نشرها قبل وفاته”.
أي إنه لا يجوز لدائني المؤلف القيام بنشر كتاب المؤلف بهدف استغلاله لـه استيفاء لدينهم وذلك أثناء حياة المؤلف وإن أجازت المادة المنصوص عليها للدائنين بأن يحجزوا على نسخ كتاب منشور بالفعل، لأن هذه النسخ في نظر القانون مجرد أشياء مادية يجري عليها ما يجري على سائر الممتلكات.
ولكن بفرض أن النسخ ليست ملكاً للمؤلف بل ملكاً للناشر أو العكس أو ملكهما معاً، كيف يمكن الفصل بين نصيب المؤلف والناشر ؟
هنا القانون يصمت وإن كان الأرجح أن الحجز ينصب على نصيب المؤلف والنسخ، وهنا إما أن تباع النسخ في المزاد العلني شأنها شأن أي ممتلكات أخرى، وإن في ذلك إجحاف بحق الناشر وحق المؤلف فمن المعروف أن العبرة في الكتاب ليست بورقه وإنما بما يحويه من مادة علمية، فإذا بيع بالمزاد فلن يساوي خمس ثمنه الأصلي، وهنا نستطيع القول بأن القانون المذكور قد خانه التوفيق في عبارة: “ويجوز الحجز على نسخ المصنف الذي تم نشره”.
وحين يموت المؤلف قبل أن ينشر عمله فلا يجوز للدائنين أيضاً الحجز على حق استغلال العمل، لأن حق تقرير النشر في هذه الحالة ينتقل إلى الورثة الذين لا يستطيعون في هذه الحالة نشر المصنف إلا إذا كانت نية المؤلف قد اتجهت من قبل إلى النشر ومن هنا إذا استطاع الدائنون إثبات ذلك يمكنهم توقيع الحجز على حق الاستغلال المالي وبيعه إلى أحد الناشرين بالمزاد العلني استيفاء لديونهم من ثمرته.

ثانياً: وبعد أن تناولنا بالدراسة حقوق المؤلف وكل ما يرتبط به يبقى أمامنا القطب الثاني في فلك المجتمع المعرفي، وهو حقوق الرقابة، أو ما أحب أن أسميه بيروقراطية الرقابة، وعندما أقول الرقابة Consorhsip فإني أتحدث عن سلطة دينية أو علمانية تراقب الكلمة فإما أن تمنحها الحياة أو أن تبقيها في بئر النسيان.
إن دور الرقابة على الإنتاج الفكري ينحصر في ثلاث مجالات أساسية، وهى: الدين والأخلاق العامة، والسياسة.

أولاً: الرقابة على الدين:
لا يجوز لأي مؤلف في عرف الرقابة أن ينشر كتاباً أو جزءاً من كتاب أو حتى فقرة يحمل فيها على الدين بالسخرية أو التسفيه أو التجريح أو الغمز واللمز، أو يلحد أو ينكر وجود الله أو يحتقر فيها رجال الدين. وإن كان في الدولة أكثر من دين أو عقيدة أو مذهب فإنه لا يجوز لكاتب من دين ما أو مذهب ما أن يحمل على الدين أو المذهب الآخر، لأن ذلك يؤدي إلى إثارة مشاعر الناس وتكدير السلم العام في المجتمع وتحدث فتنة دينية أو فتنة طائفية كما حدث بالنسبة لكتابة آيات شيطانية للمؤلف البريطاني الهندي الأصل سلمان رشدي، أما المؤلفات التي تتناول الدين بالتحليل والتبسيط والشرح والمقارنة البناءة الهادفة فهى مطلوبة ولا بأس بها ولا يتعرض لها الرقيب.

ثانياً: الرقابة على الآداب والأخلاق العامة:
إن أي مجتمع يتمتع بعاداته وتقاليده التي يعتبر الخروج عليها طعناً في جسده، لذلك لا يجوز لأي مؤلف أن ينشر كتباً أو أجزاء من كتب أو حتى فقرات يدعو فيها إلى الرذيلة أو الإباحية أو مجرد معلومات جنسية مثيرة للشهوات مهيجة للغرائز أو تدعو إلى البدع والتبرج.
أما إذا كانت الكتب أو أجزاء منها تتبادل التقاليد والعادات بالتحليل والنقد البناء فلا بأس بها إطلاقاً كذلك فإن المعلومات الجنسية إذا قصد بها التعليم كما هو الحال في كتب التشريح والكتب الطبية فهى مرغوبة ومطلوبة.
إن العادات والتقاليد والأخلاق العامة تختلف ليس فقط من زمان إلى زمان داخل الدولة الواحدة، ولكن تختلف من مكان إلى مكان في الزمن الواحد بالدولة الواحدة،أي إنه ما هو أخلاق وآداب عامة في المدن هو خلاف ذلك في الريف، وما يخدش الحياء العام في القرى قد يكون أمراً عادياً في العواصم.
إذن ليس هناك معيار مطلق يمكن تطبيقه في هذا المجال وتخضع المسألة برمتها للتقدير الشخصي من جانب الرقيب نفسه.

ثالثاً: الرقابة على السياسة:
إن بيروقراطية الرقابة في هذا المجال تكون أكثر وضوحاً وظهوراً إلا أنه من الطريف أن هذا المجال لا ينص عليه صراحة في كثير من تشريعات الرقابة على المطبوعات على اعتبار أن ممارسة الرقابة السياسية في الدولة هو عمل ضد الديمقراطية في دول العالم الثالث. بينما في حقيقة الأمر تعتبر السياسة هى أخطر مجالات الرقابة في تلك الدول حرصاً من السلطة على بقائها واستمرارها وحرصاً من النظام على مكاسبه ومغانمه.
وتعمل الرقابة في المجال السياسي في أربعة اتجاهات:
1- أشخاص رموز النظام، فلا يجوز لكاتب أن يعرض بالحاكم (رئيس جمهورية – ملك – سلطان – أمير – إمبراطور ) أو يجرحه تجريحاً شخصياً ويشكك في نزاهته وأمانته وذمته وينسحب هذا أيضاً على زوجة الحاكم، وتخف الرقابة كلما انحدرنا بعد ذلك من رئيس الوزراء إلى الوزراء ورئيس مجلس النواب …إلخ، وذلك على عكس ما نراه دائماً في بلاد الرقي والعالم المتقدم حيث من الممكن أن يرفع دعوى قضائية ضد رئيس الدولة لا مجرد أن نعبر عن آرائنا بحرية ومنطقية. كما حدث مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق بيل كلينتون.
2- السياسة الداخلية. حيث لا يجوز لكاتب أن يتعرض بالتسفيه أو النقد والهدم للسياسة الداخلية سواء تلك المتعلقة بالأمن والإنتاج والضرائب والجمارك ومواكب الرئيس ومخصصاته.
3- السياسة الخارجية. إذ لا يجوز لكاتب أن ينتقد انتقاداً سلبياً أسلوب إدارة العلاقات الخارجية للدولة أو ينتقد الدولة الصديقة للدولة والمتحالفة معها أو يجرح الزعماء الأصدقاء لرئيس الدولة.
4- الجوانب العسكرية. فلا يجوز لكاتب أن ينشر معلومات عسكرية غير مصرح بها من الجهات العسكرية المسئولة، أو يعرض بالنظام العسكري المعمول به في الدولة، أو تحركات القوات المسلحة.

– حدود الرقابة:

مخولة للرقيب سلطات واسعة لمراقبة الإنتاج الفكري متمثلة في :

1- منع النشر كلية :
إذ إن من سلطة الرقيب إذا قرأ الكتاب ورأى أنه من أولـه إلى آخره أو أن معظمه مخالف لاتجاهات الرقابة،أي إنه ضد الدين أو الآداب العامة أو سياسة الدولة، يكون من سلطته حينئذ أن يؤشر على الكتاب بمنع النشر، وفعلاً يمنع في السوق وإذا ظهر يقع المؤلف تحت طائلة القانون.
وفى بعض الدول النامية تكون الكتب الممنوعة من النشر أكثر في بعض السنوات من الكتب المسموح بنشرها، ومن أمثلة الكتب التي منع نشرها في مصر كتاب ” صياد الوهم” للدكتور كمال نشأت، ويدور حول حياة الرئيس الثاني للجمهورية.

2- حذف قطع من النص ثم السماح بالنشر :
وقد تكون القطعة فصلاً كاملاً أو عدة صفحات متفرقة أو فقرات أو مجرد سطور أو عبارات، يرى الرقيب أنها مخالفة لقواعد الرقابة، بينما بقية الكتاب يتمشى مع القواعد ولا بأس من نشرها.
ولو أن المؤلف لم يمتثل لهذا الحذف ونشر الكتاب برمته فإنه يقع تحت طائلة القانون.

3- تغيير عنوان الكتاب:
قد يرى الرقيب أن النص كله صالح للنشر وليس به ما يخالف قواعد الرقابة، بينما العنوان نفسه يوحي بشيء مثل كتاب (ملعون أبوك بلد ) لمؤلفه سيد أحمد الحردل الذي طلبت إليه الرقابة تغيير عنوانه إلى “قصص سودانية”.

4- مصادرة الكتاب من السوق بعد نشره:
قد لا يقدر الرقيب خطورة كتاب معين قبل نشره وقد لا ينتبه إلى التأثير الذي يمكن أن يحدثه وهو يقرؤه قراءة رقابية ويسمح بنشره، ولكن بعد أن يطرح في السوق يظهر تأثيره على الجماهير، ومن ثم يأمر الرقيب بجمع نسخ الكتاب من السوق ومصادرتها، وقد تقتصر المصادرة في بعض العهود على جمع النسخ من متاجر الكتب ومنافذ التسويق المختلفة ولكنها قد تمتد في عهود أخرى إلى جمع النسخ من المكتبات الرسمية بل امتدت إلى المكتبات الشخصية في بعض عهود القهر.

5- مراقبة الإنتاج الفكري الوارد من الخارج :
حيث تخول التشريعات للرقيب منع دخول تلك المواد إذا رأى ذلك، أو حذف قطع من نصوص أو صور تلك المواد ويكون الحذف بالقص أو الطمس بالحبر أو اللون كما قد تكون مراقبة هذا الإنتاج الفكري عن طريق مصادرته إذا دخل إلى الدولة واستقر واتضحت خطورته.

* جزاءات المخالفة للرقابة:

تتفاوت الدول فيما بينها في العقوبات وتتدرج حسب جسامة المخالفة حيث تقع أربع فئات أساسية هي:

1- الحــــبس:
لمدة تتفاوت حسب نوع المخالفة، مثلاً لمدة أسبوع إذا تعمد الطابع عدم ذكر بيانات الطبع أو النشر على الكتاب. أما إذا كان الكتاب المطبوع بدون تصريح من الرقابة فيه اعتداء على الدين أو الآداب العامة أو السياسة فإن العقوبة تصل إلى 10 سنوات.

2- الغــرامة:
فقد يكتفي القاضي رأفة ببعض المؤلفين خاصة والطابعين أحياناً، إذا كانت المخالفة بسيطة مثل عدم الإبلاغ في حينه عن التغييرات التي تحدث بالمطبعة، وعدم الإيداع بعد الطبع، فقد يكتفي بالغرامة التي تتدرج هى الأخرى من بضع عشرات الجنيهات إلى بضعة آلاف.

3- الحبس والغرامة معاً:
وذلك في حالة المخالفات الجسيمة في ظل قانون الطوارئ كأن يتعمد الطابع طبع منشورات أو مطبوعات مثيرة للرأي العام أو تدعو إلى قلب نظام الحكم بالقوة المسلحة أو تتضمن قذفاً في بعض الشخصيات العامة.

5- مصادرة الأدوات:
التي استخدمت في طباعة الكتاب، إذ قد تضاف هذه العقوبة القاسية إلى كل العقوبات السابقة، وهذه العقوبة هي الذروة في جزاءات المخالفة وتكون في حالة إذا تسبب الكتاب المنشور في تكدير السلم العام وتهييج الرأي العام وتخريب المنشآت.
وامتداداً لهذه الحقوق واستمراراً واستكمالاً للتكنولوجيا الحديثة وحقوق الملكية الفكرية الرقمية منها نتناول المصنفات الرقمية, وأنواعها, والمصنفات الرقمية التي تحتاج الى حماية في بيئة الإنترنت, والاداءات التشريعية لتنظيم وتوفير الحماية للمصنفات الرقمية في بعض الدول .

أولاً : ما هي المصنفات الرقمية ؟
لقد أثير جدلاً طويلاً حول تعريف هذه المصنفات الرقمية, ولكن نستطيع أن نعرفها بأنها المصنفات الإبداعية العقلية التي تنتمي الى بيئة تقنية المعلومات, والتي يتم التعامل معها بشكل رقمي .

ثانياً : أنواع المصنفات الرقمية :
توجد ثلاثة أنواع للمصنفات الرقمية .
1. برامج الكمبيوتر .
2. قواعد البيانات . Database
3. طوبوغرافيا الدوائر المتكاملة . Topographies of integrated Circuits

1. برامج الكمبيوتر .
تعد برامج الكمبيوتر أول وأهم المصنفات الرقمية التي حظيت باهتمام كبير من حيث وجوب الاعتراف بها وتوفير الحماية القانونية لها ، والبرمجيات هي الكيان المعنوي لنظام الكمبيوتر دونها لا يكون ثمة أي فائدة للمكونات المادية من الأجهزة والوسائط, لذلك فإن مطلع السبعينات شهد جدلا واسعا حول موقع حماية برامج الكمبيوتر ، أهي قوانين براءات الاختراع بوصف البرنامـج مــن المصنفات القابلة للاستثمار في حقل صناعات الكمبيوتر أم أنها تشريعات حق المؤلف باعتبار البرنامج فـي الأساس ترتيب منطقي لأوامر كتابية ، هذا الجدل ربما لم يمنع من أن يتفــق الجميع على وجوب الحماية لكن الخلاف كان في موضعها, وفي هذه البيئة الجدلية بدأت تظهر التدابير التشريعية في حقل حماية البرمجيات اعتبارا من 1973 (في الفليبين) مع أن موجة هذه التشريعات يتم إرجاعها للثمانينات(16) لأنها شهدت تدابير تشريعية وطنية واسعة في حقل حماية البرمجيات بسبب الأثر الذي تركته القواعد النموذجية لحماية برامج الكمبيوتر الموضوعة من خبراء المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الوايبو) عام 1978.
وقد حسمت الجدل المنظمة العالمية للملكية الفكرية ( الوايبو ), ليكون موضع حماية البرمجيات ضمن قوانين حق المؤلف لا قوانين براءة الاختراع ، أي الحماية عبر نظام الملكية الأدبية الفكرية وليس الملكية الصناعية الفكرية .
النطاق القانوني لحماية برامج الكمبيوتر, تحمى وفقاً لقوانين حق المؤلف, أي طيلة حياة المؤلف ولمدة خمسين عاماً من وفاته, ولكن وجه خبراء التقنية والقانون الدوليين انتقادا لمدة الحماية هذه باعتبارها طويلة لا تتناسب مع الطبيعة المتغيرة والمتسارعة للبرمجيات واستغلالها لمدد قصيرة ، أما إذ كان مالك حقوق المؤلف شخصا معنويا – وهو الفرض الغالب بالنسبة للبرمجيات ، فان مدة الحماية تقل عن مدة حماية حقوق الأشخاص الطبيعيين كما في عدد من قوانين الدول العربية .
وتشمل الحماية الحقوق المعنوية للمؤلف والحقوق المالية لاستغلال المصنف وهي حماية استئثارية للمؤلف وحده يمنع بموجبها أي استغلال أو استعمال يضر بمصلحة المؤلف ، وتعطي للمؤلف وحده الحق في استنساخ مصنفه واجازة استعماله ، وفقا لشرائط تقررها القوانين العربية في هذا الحقل تتصل بمباشرة حقوق المؤلف ونطاق الاستغلال ومحتواه ،
وتنص القوانين أيضاً على تباين بينها على استثناءات معينة ترد على مباشرة حقوق المؤلف ، ولا تعد من قبيل التعدي ، مثالها إجازة استخدام المصنف دون إذن المؤلف أو مالك الحق في معرض تقديم المصنف عرضا أو إلقاء خلال اجتماع عائلي أو في مؤسسة تعليمية أو ثقافية أو اجتماعية على سبيل التوضيح أو الاستعانة بالمصنف لأغراض شخصية بعمل نسخة واحدة دون تعارض مع الاستغلال العادي ، واستعماله في الإيضاح التعليمي والاستشهاد بفقرات منه في انتاج ووضع مصنف آخر .
ومن أكثر التحديات في حقل الاستثناءات مفهوم الاستعمال الشخصي للمصنف ومداه ونطاقه إضافة الى الإشكاليات المتصلة بمدى ونطاق الاستثناء الخاص باستخدام المصنفات لغايات علمية أو بحثيه .
ومن أهم الدول العربية التي اهتمت بحماية الملكية الفكرية لهذا المصنف الرقمي ( برامج الكمبيوتر ). الكويت, السعودية, ومصر, حيث كانت السعودية أول دولة في العالم تضع معايير تقضي بعدم قبول أي شركة تعمل في السوق السعودي إلا إذا توافرت لديها تراخيص برامج الكمبيوتر التي تستخدمها .
وفي مسقط يهتم مكتب الملكية الفكرية الصناعية بمتابعة قضايا تطوير أجهزة وتشريعات الملكية الفكرية في الدول العربية . وبحسب تقرير ” اتحاد منتجي برامج الكمبيوتر التجارية ” وصل معدل قرصنة البرامج الى 62.9% خلال عام 2002 بعد أن بلغ 66.6% نهاية عام 2001, وتحتل الإمارات المركز الأول في مجال مكافحة القرصنة عربياً تليها السعودية ثم مصر(17) .

2. قواعد البيانات . Database
قواعد البيانات هي تجميع مميز للبيانات يتوافر فيه عنصر الابتكار أو الترتيب أو التبويب عبر مجهود شخصي بأي لغة أو رمز ويكون مخزنا بواسطة الكمبيوتر ويمكن استرجاعه بواسطتها أيضا .
ومناط حماية قواعد البيانات – بوجه عام – هو الابتكار كما عبرت عنه الاتفاقيات الدولية في هذا الحقل ، فالمادة 10/2 من اتفاقية تربس نصت على انه :- تتمتع بحماية البيانات المجمعة أو المواد الأخرى سواء كانت في شكل مقروء آليا أو أي شكل آخر إذا كانت تشكل خلقا فكريا نتيجة انتفاء وترتيب محتواها ، كما نصت المادة 5 من الاتفاقية العالمية للملكية الفكرية لسنة 1996 – غير نافذة – على انه :- تتمتع مجموعات البيانات أو المواد الأخرى بالحماية بصفتها هذه أياً كان شكلها إذا كانت تعتبر ابتكارات فكرية بسبب محتواها أو ترتيبها . لكن لا تجرى كافة النظم القانونية والقوانين على هذا النهج ، فالتوجيهات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي في 11/3/1996 والقانون الفرنسي الصادر في عام 1998 لا يشترطان شرط الابتكار لحماية قواعد البيانات ، بل يكفي ما بذل من جهد مالي أو بشري أو مادي وما انفق من اجل إعداد قاعدة البيانات وسندا لذلك فان القانون الفرنسي المشار إليه يحمي قواعد البيانات لمدة خمس عشرة سنة ويحظر أي إعادة استعمال سواء لجزء أو لمادة كلية من قاعدة البيانات عن طريق توزيع نسخ أو الإيجار أو النقل على الخط ويحظر النقل الكلي أو الجزئي – الجوهري – من محتوى قاعدة البيانات بأي شكل ، متى كان الحصول أو تقديم هذا المحتوى فد استلزم استثمارات جوهرية كما وكيفا ، وسواء أكان النقل دائما أم مؤقتا على دعامة بأي وسيلة أو تحت أي شكل .

والابتكار يستمد إما من طبيعة البيانات نفسها وإما من طريقة ترتيبها أو إخراجها أو تجميعها أو استرجاعها ، ومحتوى البيانات في حد ذاته لا يعتبر عملا ابتكاري ، ومن هنا فان الابتكار لا يتحقق إلا إذا عكست قاعدة البيانات سمات شخصية لواضعها ، وقد قضت محكمة ( نانت ) التجارية الفرنسية في عام 1998 بان الابتكار الذي يتعلق بقاعدة بيانات على الإنترنت يقتضي توافر جهد جاد في البحث والاختيار والتحليل والذي عندما يقارن بمجرد التوثيق تظهر أهمية الجهد المبتكر للعمل .

أما قضاء محكمة النقض المصرية فانه يتوسع في مفهوم الابتكار ، فقد قضت محكمة النقض المصرية عام 1964 بان فهرسة إحدى كتب الأحاديث النبوية يعد عملا ابتكارياً لأنه يكفي أن يكون عمل واضعه حديثا في نوعه ويتميز بطابع شخصي خاص وانه يعتبر من قبيل الابتكار في الترتيب أو التنسيق أو بأي مجهود آخر أن يتسم بالطابع الشخصي.
وبناءاً على ما سبق فإن البيانات أو المعلومات المخزنة في نظم الكمبيوتر ( بشكل مجرد) ليست محل حماية ، كما بالنسبة للقوانين والأنظمة وقرارات القضاء مثلا ، لكنها متى ما أفرغت ضمن قاعدة بيانات وفق تصنيف معين وبآلية استرجاع معين ومتى ما خضعت لعملية معالجة تتيح ذلك فإنها تتحول من مجرد بيانات الى قاعدة معطيات ، وينطوي إنجازها بهذا الوصف على جهد ابتكاري وإبداعي يستوجب الحماية ، وبتزايد أهمية المعلومات ، ولما حققته بنوك المعلومات من أهمية قصوى في الأعمال والنشاط الإنساني بوصفها أمست ذات قيمة مالية كبيرة بما تمثله ، وباعتماد المشروعات عليها ، ولتحول المعلومة الى محدد استراتيجي لرأس المال ، بل إن البعض يراه مرتكزا لا محددا فقط ، نشط الاتجاه التشريعي في العديد من الدول لتوفير الحماية القانونية لقواعد البيانات, والاعتراف لقواعد البيانات بالحماية جاء وليد جهد واسع لمنظمة الوايبو ولمجلس أوروبا الذي وضع عام 1996 قواعد إرشادية وقرارا يقضي بالنص على حماية قواعد البيانات ضمن قوانين حق المؤلف(18).

3. طوبوغرافيا الدوائر المتكاملة . Topographies of integrated Circuits
وهي أشباه الموصلات التي مثلت فتحاً جديداً ومميزا في حقل صناعة الإلكترونيات وتطوير وظائف التقنية العالية اعتبارا من منتصف القرن المنصرم ، ومع تطور عمليات دمج الدارات الإلكترونية على الشريحة للقيام بمهام ووظائف إلكترونية اصبح التميز والخلق الإبداعي يتمثل بآليات ترتيب وتنظيم الدوائر المدمجة على شريحة شبه الموصل ، بمعنى أن طوبوغرافيا الشريحة انطوى على جهد إبداعي مكن من تطوير أداء نظم الكمبيوتر بشكل متسارع وهائل وبالاعتماد على مشروع قانون الحماية التي أعدته اللجنة الأوروبية اصدر مجلس أوروبا عام 1986 دليلا لحماية الدوائر المتكاملة بغرض توفير الانسجام التشريعي بين دول أوروبا بهذا الخصوص ، وفي عام 1989 أبرمت اتفاقية واشنطن بشان الدوائر المتكاملة ( أي المنتجات التي يكون غرضها أداء وظيفة إلكترونية ) ووفقا لإحصاء 1999 فان عدد الدول الموقعة على هذه الاتفاقية 8 دول ليس من بينها سوى دولة عربية واحدة هي مصر ، ولم تدخل هذه الاتفاقية حيز التنفيذ بعد ، لكن تنظيم اتفاقية تربس لقواعد حماية الدوائر المتكاملة( المواد 35 – 38 ) ساهم في تزايد الجهد التشريعي في هذا الحقل باعتبار أن من متطلبات العضوية إنفاذ موجبات اتفاقية تربس التي من بينها اتخاذ التدابير التشريعية المتفقة مع قواعدها ومن بينها طبعا قواعد حماية الدوائر المتكاملة .

ثالثاً : والمصنفات الرقمية التي تحتاج الى حماية في بيئة الإنترنت .

إن الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية في بيئة الإنترنت تثير التساؤل ابتداء بشان تحديد حقوق الملكية الفكرية في تلك البيئة، وتحديد المصنفات محل الحماية ، واستقصاء الحماية اللازمة لمواجهة الاعتداءات والمخاطر التي تعترض هذه الحقوق ، وتقييم ما إذا كانت القواعد القائمة ضمن تشريعات الملكية الفكرية أو غيرها من التشريعات كافية لتوفير الحماية لهذه الحقوق أم أن هناك ثمة حاجة لتشريعات خاصة بالمصنفات محل الحماية في بيئة الإنترنت ، وهذه المسائل لما تزل مثار جدال ومحل بحث ، ونعرض فيما يلي لأبرز المسائل المتصلة بأسماء مواقع الإنترنت Domain names , والنشر الإلكتروني ( محتوى المواقع )

1. أسماء مواقع الإنترنت. Domain names
إن اسم الموقع هو في الحقيقة عنوان إنترنت ، فالهاتف له رقم معين ( مثل 2580006-0202) والعنوان البريدي له رقم صندوق مميز ورمز منطقة مميز ( وسط البلد ص.ب 2692 رمز 55555 ) وللإنترنت أيضا عنوان مميز مثل ( http://www.arado.org.eg )
ويتكون الدومين نيم من أجزاء متعددة . الجزء الأكثر أهمية ومعرفة من قبل المستخدمين هو ما يعرف باسم الموقع الأعلى( top-level Domains ) وهو الجزء الأخير من العنوان ( com) وتدل على الشركات التجارية ، (edu) وتدل على مؤسسات التعليم ، (gov) وتدل على المواقع الحكومية ، ( net ) وهي الشبكات وعادة ما تقدم خدمات عامة ، (mil) وهي للجيش الأمريكي (org) وهي للمنظمات .
أما الجزء الثاني من اسم النطاق ، وهو على يسار اسم النطاق الأعلى ( أو الجزء المتوسط بين ثلاثة أجزاء ) فهو اسم أو رمز أو اختصار المؤسسة أو الشخص أو الجهة صاحبة الموقع ( CNN ) مثلا أو ( ARADO ) …الخ
وقد احتدم النزاع حول أسماء مواقع الإنترنت ، ومعمارية شبكة الإنترنت والجهات التي تسيطر عليها ، وستكون مسائل أسماء المواقع اكثر المسائل إثارة للجدل التنظيمي والقانوني في الفترة القريبة القادمة ، وقد حسم جانب من الجدل مؤخرا حول إضافة مميزات جديدة للميزات المشهورة (com,net,org,gov,edu ) وذلك بإقرار إضافة سبعة مميزات أخرى [INFO BIZ , PRO, NAME, AERO, COOP, MUSEUM, ] ، ويرجع الخبراء مشكلات أسماء المواقع في بيئة الإنترنت الى استراتيجيات الشركات الكبرى في هذا الشأن ، فهي التي قادت لواء معارضة توسيع أسماء المواقع ، حماية لأسمائها التجارية ، بل وتشكو في الوقت ذاته ، من صعوبة السيطرة على النظام الحالي فهذه الشركات تخشى من أن تضطر لتسجيل مئات من عناوين المواقع على شبكة ويب ، تفاديا للوقوع فريسة ” المتوقعين الفضائيين” .cyber squatters
لقد أوجدت الحكومة الأمريكية في عام 1998 ، مؤسسة تسجيل أسماء وأرقام إنترنت Internet Corporation for Assigned Names and Numbers ((ICANN ، وهي منظمة غير ربحية ، مقرها في لوس أنجلوس ، للإشراف على نظام أسماء المواقع على الإنترنت، غير أن ICANN تورطت منذ إنشائها ، في نزاع مكلف ومرير ، حول ميثاقها ، بشأن السماح لشركات جديدة ببيع أسماء المواقع شبكة ويب ذات الامتداد .com و .net و .org وهي عملية مدرة للأرباح كانت مقيدة حصرا بشركة Network Solutions Inc ، بموجب عقد لها مع الحكومة الأمريكية . وقد توصلت شركة Network Solutions ، ومنظمة ICANN ، الى تسوية خلافاتهما ، بموجب اتفاقية ، تحتفظ بموجبها Network Solutions ، بقائمة أساسية لأسماء المواقع التجارية الحالية على شبكة ويب ، مدة أربع سنوات أخرى مقابل دفع مبلغ لمنظمة ICANN .
إن السنوات القليلة القادمة ستشهد حربا طاحنة بشان سياسات التعامل مع عناوين المواقع على الإنترنت وكما تذهب المعالجات والدراسات الاستراتيجية التي تنشر يشكل مكثف على شبكة الإنترنت ، فان من يسيطر على مقدرات هذا الموضوع سيسيطر على طريق المعلومات السريع .
وتعمل شركات عالمية في حقل تسجيل المواقع إضافة الى خدمات استضافتها وتصميمها ، أما المواقع التي تنتهي باسم الدولة فتختص بها جهة واحدة إضافة الى هيئة معنية في الدولة ، ونشارك البعض اعتقادهم أن تأسيس هيئة ICANN خطوة للتمهيد الى خلق ما يسمى حكومة الإنترنت التي ستسيطر على مقدرات طريق المعلومات السريع وتتحكم بمصادر المعلومات في العالم .
وحتى الآن لا توجد ثمة تشريعات شاملة ناظمة لمسائل أسماء المواقع وما أثارته من إشكاليات قانونية خاصة عندما يكون الاسم مطابقا أو مقاربا أو مشابها لاسم تجاري أو علامة تجارية – طبعا إذا ما استثنينا القواعد التشريعية التنظيمية للخدمات التقنية على الخط ومعايير تقديمها وقواعد حماية المستخدم من مخاطر المحتوى الضار التي سنتها العديد من الدول الغربية – إلا أن القضاء الأوروبي وتحديدا في فرنسا تصدى لنظر عدد من الدعاوى بهذا الخصوص، لكن مناط التطبيق بشأنها كان قوانين العلامات التجارية وقواعد حماية العلامات التجارية وليس قواعد قانونية خاصة بأسماء المواقع، وقد أتثير في هذه الدعاوى مسائل التشابه بين اسم الموقع والعلامة التجارية للغير أو الاسم التجاري للغير ، وظهر جليا من هذه الدعاوى أن التحدي القريب القادم سيكون في حقل إيجاد قواعد قانونية تنظم تسجيل أسماء المواقع وتصنيفها وعلاقتها بالعلامات والأسماء التجارية . وتعد الاستراتيجية التي أنجزتها منظمة الوايبو في حقل أسماء المواقع، وما تقوم به من نظر مثل هذه المنازعات عبر مركز التحكيم والوساطة التابع للمنظمة الجهد الأميز نحو بناء نظام قانوني لأسماء المواقع .

2. النشر الإلكتروني ( محتوى مواقع الإنترنت ).
الإنترنت ، بوصفها طريقة اتصال تتيح تبادل المعلومات ونقلها بكافة صورها ، مكتوبة ومرئية ومسموعة ، وباعتبارها ليست مجرد صفحات للمعلومات بل مكانا للتسوق وموضعا للأعمال والخدمات ، وفضاء غير متناه من الصفحات لنشر الأخبار والمعالجات والمؤلفات والأبحاث والمواد ، فان محتوى مواقعها يتضمن الإعلان التجاري والمادة المؤلفة والبث المرئي ، والتسجيل الصوتي و…. الخ ، وهذا يثير التساؤلات حول مدى القدرة على حماية حقوق الملكية الفكرية على ما تتضمنه المواقع ، والذي قد يكون علامة تجارية أو اسما أو نموذجا صناعيا أو مادة تأليفية أو مادة إعلان فنية أو رسما أو صورة أو … الخ .
ليس ثمة أشكال يثار في حالة كان محتوى الموقع مصنفا أو عنصرا من عناصر الملكية الفكرية التي يحظى بالحماية بشكل مجرد بعيدا عن موقع الإنترنت ، كعلامة تجارية لمنتجات شركة ما تتمتع بالحماية استخدمتها الشركة على موقعها على الإنترنت ، فما ينشر على الموقع هو بالأساس محل حماية بواحد أو اكثر من تشريعات الحماية في حقل الملكية الفكرية ، لكن الأشكال يثور بالنسبة للمواد والعلامات والأشكال والرسومات التي لا يكون ثمة وجود لها إلا عبر الموقع ، وبشكل خاص عناصر وشكل تصميم الموقع والمواد المكتوبة التي لا تجد طريقا للنشر إلا عبر الخط ( أي على الإنترنت ) ، إن هذه الإشكاليات لما تزل في مرحلة بحث وتقصي واسعين من قبل خبراء القانون والملكية الفكرية في مختلف الدول ، سيما بعد شيوع التجارة الإلكترونية وإنجاز العديد من الدول قوانين تنظمها ، باعتبار إن أحد تحديات التجارة الإلكترونية مسائل الملكية الفكرية ، وفي هذا الصدد فانه من المفيد الإشارة الى أن لجنة التجارة الدولية في هيئة الأمم المتحدة (اليونسترال) قد وضعت مشروع قانون نموذجي للتجارة الإلكترونية عام 1996 اعتمد أساسا لصياغة ووضع العديد من التشريعات الأجنبية المنظمة للتجارة الإلكترونية ، لكن هذا القانون النموذجي لم يتعرض لمسائل الملكية الفكرية المثارة في بيئة التجارة الإلكترونية لما تنطوي عليه من إشكاليات وتناقضات حادة .

أما بالنسبة للوسائط المتعددة المستخدمة على نحو متنام في ميدان بناء ومحتوى مواقع الإنترنت ، فانه يقصد بها وسائل تمثيل المعلومات باستخدام اكثر من نوع من الوسائط مثل الصوت والصورة والحركة والمؤثر ويتميز هذا المصنف – إن جاز اعتباره كذلك – بمزج عدة عناصر :- نص ، صورة ،صوت ، وتفاعلها معا ،عن طريق برنامج من برامج الكمبيوتر ، وتسوق تجاريا عن طريق دعامة مادية مثل الدسك أو السي دي ( CD) أو يتم توزيعها أو إنزالها عن طريق خط الاتصال بشبكة الإنترنت ، ويرى جانب من الفقه أن هذه المصنفات محمية بموجب القواعد العامة لحماية المصنفات الأدبية دون حاجة لإفراد قواعد جديدة ، باعتبارها – لدى البعض – تتميز بتدخل برنامج كمبيوتر يسمح بالتفاعل بين وسائل التعبير المتعددة ( وبرنامج الكمبيوتر محل حماية ) أو لأنها بمفرداتها محل حماية باعتبار هذه المفردات من المصنفات الأدبية أصلا :- المواد المكتوبة ، المواد السمعية والمرئية ، الأداء .. الخ . وكلما توفر فيها عنصر الابتكار تحقق شرط الحماية المطلوب لحماية المصنفات الأدبية . أو باعتبارها من قبيل قواعد البيانات المحمية بموجب نصوص صريحة .
والابتكار في ميدان الإنترنت ليس شرط حماية فقط ، بل عنصرا رئيسا في وجود الموقع وتحقيق النجاح والقدرة على المنافسة ، ويظهر الابتكار في تصميم صفحة الويب (الموقع) وما تتضمنه من رسومات أو ما يصاحبه من موسيقى أو عناصر حركية كما يتوفر الابتكار في المواد الصحفية والتقارير الإخبارية المنشورة عبر الإنترنت
إن موضوع حق المؤلف والبيانات الرقمية Copyright and Digital Data لا يزال في نطاق البحث والتقصي ، ومع ذلك فقد أنجز الكثير منه في الوقت الحاضر سواء على المستوى الدولي أم الوطني ، وتهيئ اتفقيتا المنظمة العالمية للملكية الفكرية بشان حق المؤلف والحقوق المجاورة لعام 1996 الى الانطلاق نحو بناء نظام قانوني لحماية المحتوى الرقمي(19).

رابعاً : الاداءات التشريعية لتنظيم وتوفير الحماية للمصنفات الرقمية في بعض الدول .
على الرغم من الجهد المبذول على الصعيدين الوطني والعالمي, اتجاه المصنفات الرقمية لوضع التشريعات المنظمة لها, ولحمايتها, إلا أن السيطرة عليها يعتبر غاية في الصعوبة, وفي بيئة الورلد وايد ويب (World Wide Web)*, درباً من دروب المستحيل.
“فمنذ اتفاقية برن لحماية الأعمال الفكرية في 9 / 9 / 1866 وموضوع امتداد هذه الحماية الى الحقوق الرقمية يصنف على أساس أأهمية الموضوع. وقلد حسمت اتفاقية الجات/التريبس عام 1994 هذا الموضوع تماما كأول اتفاقية دولية تقوم بفرض التزام على الدول كافة في ضرورة شمول منتجات الحوسبة والرقمية بحقوق الملكية الفكرية، ومن ذلك مثلا برامج الكمبيوتر وقواعد البيانات (انظر المادة 10 والملحق الأول / ثالثا).

ونتعرض لبعض أدوار الدول من أجل المحافظة على التطور العلمي .

q الولايات المتحدة الأمريكية :
ويعد قانون النسخ الأمريكي لسنة 1976 Copyright act The من التشريعات التي أخذت في الاعتبار موضوع التقنية الحديثة للاتصالات. فقد توقع الكونجرس في عام إصداره كل التغيرات التي سوف تحدثها التكنولوجيا وكحد أدنى أخذ في الاعتبار المستجدات التكنولوجية والإعلام ولقد تضمن النص في القسم (201/C ) التعامل مع الأعمال الجماعية Collective works بحيث لم يضع أية قيود على الإعلام والنشر Media وهو ما جعل المحاكم الأمريكية ترى في هذا النص إمكانية واسعة للانطباق على قواعد البيانات عبر الإنترنت وكذلك الأقراص المضغوطة. إلا أن التفعيل الأكثر حدة لحقوق الملكية الفكرية الرقمية كان بعد ظهور تشريع Digital Millennium Copyright Act DMCA في عام 1998 ومعه تشريع منع العدوان الإلكتروني The Non – E Theft Act .

* لقد ظهرت هذه الشبكة على يد مهندس الاتصالات الإنجليزي Tim Burners Lee في عام 1991.

ولقد ترتب على دخول حقوق الملكية الفكرية في دائرة الحقوق الرقمية أن اتسعت دائرة عقود التأليف والنشر لتشمل حقوقا جديدة مثلما هو الحال في شرط منح الحقوق The grant right clause وشرط مستقبل التكنولوجياThe future technology clause وبمقتضاها يمنح المؤلف الناشر الحق في التداول الإلكتروني لمؤلفه.

ففي قضية Tasini V. NewyorkTimes Co. عرض على المحكمة الفيدرالية سؤالا مقتضاه هل يجوز للناشر القيام بالتداول الإلكتروني لأعمال الصحفيين المستقلين Freelance كوضعها على الإنترنت أو في اسطوانات مضغوطة CD-ROM ؟

كان القضاء الأمريكي قبل هذه القضية يعتبر وضع المقالات والمؤلفات عبر الإنترنت أو على أأقراص مضغوطة نوعا من الحفظ لها Archiving the articles ولكن بعد هذه القضية أخذ القضاء اتجاها جديدا : فقد ذهب القضاء الى إن الناشرين لا يكونون منتهكين لحقوق النسخ إذا أعادوا نشر مقالات الصحافيين المستقلين عبر الإنترنت حتى على الرغم من إن هؤلاء الصحفيين لم يمنحوا الناشرين حقوقا إلكترونية، ولا يكون من حق الصحفيين منع الناشرين من القيام بهذا العمل وانما يكون لهم الحق في مقابل مالي فقط. ولقد برر القضاء الأمريكي هذا الحكم بأن إعادة نشر مثل هذه المقالات إلكترونيا إنما هو ممارسة لحق قانوني للناشرين في المراجعة الشاملة لمجموعة الأعمال *Collective works التي قاموا بنشرها في الوقت الذي لا يجوز فيه حجب حقوق هؤلاء الصحفيين. ولقد كان أهم مرتكزات هذا الحكم هو ما قرره قانون النسخ الأمريكي في القسم (201 / D – 1) من “أن مالك حقوق النسخ يجوز له نقل ملكيتها كليا أو جزئيا وبأي شكل من أشكال نقل الملكية أو بطريق عملي قانوني”. كذلك ما قرره القسم (201 / D – 2) من أن “أيا من حقوق النسخ ، بما في ذلك تسويات حقوق النسخ، بما في ذلك تقسيم أي من هذه الحقوق … يمكن نقلها … ويمكن أن تكون محلا لملكية منفصلة عن بعضها البعض يُعد من قبل الحقوق المطلقة للناشرين Exclusive rights والذي قررته المحكمة حق العرض Display right دون حاجة الى موافقة مسبقة من قبل المؤلف ، إذ إن حق العرض التكنولوجي ليس منفصلا عن العرض العادي وذلك وفقا لما هو مقرر في قانون النسخ .

q فرنسا :
وفي فرنسا قضت المحكمة الابتدائية العليا / باريس في 14 / 8 / 1996 بعدم جواز وضع أغنية على صفحة طالبين دون الحصول على موافقة مسبقة على ذلك من قبل مالكي الأغنية (قضية BREL ET SARDOU).

وفي إطار النشر الصحفي فقد قررت المحكمة الابتدائية/باريس في 14/4/1999 (في قضية جريدة الفيجارو LE FIGARO) أن النشر الجماعي Une oeuvre collective من حق
الجريدة. على أنه لا يمتد هذا الحق الى النشر الفردي عبر الإنترنت مميزة بذلك العمل الجماعي وبين النشر الفردي الذي يستلزم الحصول على الموافقة المسبقة من الصحفي . ولقد
أيدت محكمة استئناف باريس هذا الحكم في حكمها الصادر بتاريخ 10 / 5 / 2000 مقررة
لزوم الحصول على موافقة الصحفي حال وجود نشر فردي عبر الإنترنت كما لو كان النشر عبر شبكة Minitel . وان كانت المحكمة قد جانبها الصواب في تشبيه الإنترنت بالميناتل لكون الأخير شبكة خاصة بفرنسا فقط وتعمل بنظام الخطوط المغلقة وليست كالإنترنت مفتوحة وتتصف بالعالمية.

q مصر :
وفي مصر وضع المشرع تعديلين للقانون رقم 35 لسنة 1954 بشأن حقوق المؤلف
(القانون رقم 38 لسنة 1992 والقانون رقم 29 لسنة 1994) فالقانون المصري في تعديل 1992 أضاف برمجيات الكمبيوتر لتأخذ حظها من الحماية متجها في ذلك الاتجاه التقني الإنساني ومتخذا سلوك المعلوماتية كهدف إنساني. على أن الأمر كان متعلقا ببرمجيات الكمبيوتر آنذاك ولم يكن يقصد الإنترنت وسوف تبرز المفارقة بين الاثنين حال تعرضنا لجرائم العدوان على الملكية الفكرية فيما بعد وما يهمنا هنا أن المشرع المصري أصدر القانون رقم 82 لسنة 2002 بشأن حماية الملكية الفكرية والقانون رقم 10 لسنة 2003 بشأن تنظيم الاتصالات في محاولة أولية لتطوير آليات التعامل مع الإنترنت والمجتمع المعلوماتي ككل.

*هذا ولقد عرفت المادة ( 27 ) م قانون القانون رقم 9 لسنة 1968 بشأن حماية حق المؤلف في ليبيا ( ج . ر . ع .10 في 30 / 3 / 1968 ) المصنف الجماعي بأنه ” المصنف الجماعي هو المصنف الذي يشترك في وضعه جماعة بتوجيه شخص طبيعي أو اعتباري يتكفل بنشره تحت إدارته ويندمج عمل المشتركين فيه في الهدف العام الذي قصد إليه هذا الشخص الطبيعي أو المعنوي بحيث لا يمكن فصل عمل كل من المشتركين وتمييزه على حده. ويعتبر الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي وجه الى ابتكار هذا المصنف ونظمه مؤلفا ويكون له وحده الحق في مباشرة حقوق المؤلف ” . ( موسوعة التشريعات العربية – محمد أبو بكر بن يونس – ليبيا ، ملكية فكرية ) .

q ليبيا :
إن التشريع السابق لا ينطبق على التشريع الليبي الذي تحوي موسوعته التشريعية تشريعا قديما هو القانون رقم 9 لسنة 1968 بشأن حماية حق المؤلف الذي لم يتطرق الى فكرة المصنفات الرقمية على الإطلاق حتى الآن.

والحقيقة التي لا مناص من الاعتراف بها هي أن النظام الدولي للنسخ وحقوق المؤلف هو الآن محل مراجعة شاملة وجادة من قبل الأنظمة الوطنية في جميع أنحاء العالم، والسبب الحقيقي وراء هذه المراجعة الشاملة هو قوة الحقوق الرقمية التي تبشرنا بها ثورة تكنولوجيا المعلومات، حتى أنه يصح القول أن علماء تكنولوجيا المعلومات قادوا التغيير العالمي الحادث الآن. ولذلك فإن الدعوة من قبل رجال القانون ملحة الى النهوض ومجاراة الحضارة في تناولها للموضوعات الإنسانية وفي هذا الإطار فإن الدول تحتاج الى الإجابة على السؤال التالي : كيف يمكن تأمين أعمال الفنانين والكتاب والناشرين والموسوعيين وشركات التسجيل ومبرمجي الحاسوب والإنترنت من انتهاك أعمالهم في كل مكان، وليس في بلدانهم فقط؟

ومثل هذا التساؤل يشمل أيضا الموقف المعاصر الممثل في الاتفاقيات الجديدة التي دخلت الى حيز النفاذ مع بداية العام 2001 في العديد من بلدان العالم كبرنامج دولي لحماية حقوق الملكية الفكرية وهي كل من اتفاقية العرض واتفاقية حقوق المؤلف”(20).