دراسة وبحث قانوني هام عن عقد الإئتمان الإيجاري

مقدمـة:

إن حاجة المشروعات الصناعية والتجارية للتمويل، تمثل هاجسا يأرق بال الاقتصاديين والصناعيين. فالتطور التكنولوجي والصناعي أصبح متطورا ومتسارعا والعمر التكنولوجي للآلات والمعدات أصبح قصيرا، وهذا يفرض على المشاريع دائما التزود بالتقنية الحديثة حتى تبقى في دائرة التنافس وهذا لا يتاح لها دائما في مصادر التمويل التقليدية، كالمدخرات الشخصية والقروض، ومن ثم بدأ البحث عن مصادر تمويلية خارجية وبالضبط بالتفكير بوسيلة لانتشال المشاريع من المشاكل التمويلية فظهور ما يسمى بعقد الائتمان الايجاري المشهور ب leasing أو . Bail-crédit أو ما كان يعرف من قبل بالإيجار المالي، وهو عبارة عن عملية ائتمائية تمويلية، حيث تقوم في هذا الإطار شركة مالية متخصصة، ومرخص لها من طرف وزير المالية بشراء ما يحتاج إليه المستثمر أو المقاولة من معدات، آلات، أو أدوات النقل لأغراض مهنية، أو عقار في اسمها مشيدا أو في طور التشييد، بعد اختيار المستفيد في هذه العملية للمورد وما يحتاج إليه، والاتفاق في نفس الوقت مع هذا الأخير على كل المواصفات التي يرغب فيها وتاريخ التسليم وتقوم مؤسسة الإئتمان الايجاري بشراء ما ذكر باسمها، بعدما تتعاقد مع المستعمل على كراء ما اشترته به وهامش الربح ويبقى للمستأجر حق شراء العين المؤجرة إن أراد ذلك.

وقد ظهر هذا النظام لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية خلال سنة 1952 بمبادرة من أحد رجال الأعمال يدعى (بوت جينيور) حيث تبنته بسرعة المؤسسات المالية والأبناك وأعطته دفعة، ضمنت له ازدهارا سريعا وعرف عبر العالم باسم الليزينغ.

وبالنسبة للمغرب فقد ظهرت أول مؤسسة لليزينغ سنة 1965 بمبادرة من الدولة هي “(ماروك ليزيغ) وبعد ذلك تأسست شركات تمويلية بمبادرة على الخصوص من الأبناك وشركات التأمين في مغرب باي Maroc bail– انتر ليزيع، حوجيليز Sogeleasek،وأنيون باي ، وفا باي WAFA BAIL– دياك باي ، وبيمسي ليزينغBMCI Liaising .

وعلى المستوى التشريعي فإن أول تشريع جاء لينظم هذا العقد بعد ثلاثين سنة من الممارسة هو الظهير الشريف المؤرخ في 6/6/1993 المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان (الذي خصص له الفصلين 3 و8) كما جاءت بعد ذلك مدونة التجارة لتخصص له القسم الخامس من الكتاب الرابع المتعلق بالعقود التجارية وذلك من خلال 12 مادة.

ويتشابه عقد الائتمان الايجاري مع بعض العقود، ومن ذلك مثلا عقد البيع الايجاري، حيث أنهما يلتقيان في كونهما ينتهيان بالبيع في انتهاء المدة لكن الائتمان الايجاري يعطي للمكتري الحق في أن يصبح مالكا فيما بعد بمحض اختياره في حين أن عقد البيع الايجاري يحول المكتري إلزاما إلى مالك، كذلك من بين العقود المشابهة لعقد الائتمان الايجاري نجد ما يعرف بالكراء العادي، حيث يتم بمقتضى هذا العقد إكراء الأصول للقيام بعمل محدد، ثم يقوم المكري باسترجاع الأصول التي أكراها ليكرر العملية بعد ذلك مع مكتري آخر.

وموضوع الائتمان الإيجاري تتبين أهميته النظرية من خلال نعت بعض الفقه هذه المؤسسة بكونها إيجار كعقد وائتمان كعملية، لكن النصوص القانونية تكسر هذا الوصف من خلال الطريقة التي اعتمدت في تنظيمها تشريعيا حيث نجد مدونة التجارة قد أفردت لها 12 مادة، كذلك نجد القانون المنظم لمؤسسات الائتمان رقم 03/34 يفرد لها مواد.

إلا أن هذا التنظيم يظل ناقصا وغير كاف، أما الأهمية العملية فتتجلى من خلال تطبيق هذا النوع من الخدمات من خلال تقديم دعم كبير للأنشطة الصناعية وزاد من النشاط التسويقي للآلات والمعدات بل وقد شمل حتى العقار.

وعليه ومن خلال ما سبق يمكننا طرح الإشكالية الجوهرية التالية والمتمثلة في مدى نجاح المشرع المغربي من خلال هذه المؤسسة في رهان الائتمان الإيجاري.

وهل استطاع تحقيق المبدأ الرامي إلى التوازن بين أطراف العلاقة وبمعنى آخر هل كان المشرع موفقا في حماية أطراف هذا النوع من العقود خصوصا الطرف الضعيف في هذه العملية، دون أن ننسى الغير المتعامل مع أحد أطراف هذه العلاقة فهل استطاع المشرع تحقيق تلك الحماية؟

هذا ما سوف نحاول مناقشته خلال هذا العرض سائرين عبر التصميم التالي:

المبحث الأول، تكوين عقد الائتمان الإيجاري

المبحث الثاني: آثر عقد الائتمان الإيجاري وإنقضاؤه

المبحث الأول، تكوين عقد الائتمان الإيجاري.

ككل عقد مسمى فعقد الائتمان الإيجاري له طبيعته الخاصة والتي اختلف الفقه حولها (المطلب الأول) كما أن له شروط خاصة تستوجب خلال مراحل إبرامه (المطلب الثاني).

المطلب الأول: طبيعة عقد الائتمان الإيجاري

تعتبر طبيعة عقد الائتمان الإيجاري من أهم المواضيع التي خلقت نقاشا حادا لدى الباحثين والمختصين من رجال القانون وكل واحد منهم يقوم بتكييف هذا العقد ويقدم الحجج انطلاقا من قناعته بذلك، ويمكن حصر الأوصاف التي خلص إليها بعض الفقه في كونه عقد إيجار مالي، مع وعد انفرادي بالبيع من جانب شركة الائتمان الإيجاري.

وهناك من يعتبر عقد كراء أو عقد شراء أو مشاركة للغير أو عقد ائتمان أو عقد وكالة، أو عقد بيع بالتقسيط أو عقد مسمى، ويرجع الاختلاف الرئيسي حول طبيعة العقد إلى كونه عقد مركب يحتوي على مجموعة من العمليات القانونية التقليدية، تلتحم فيما بينها وتكون جزءا لا يتجزأ، مما يمكن معه القول بأنه عملية مركبة وليس مجرد عقد.

وعليه فمعرفة طبيعة عقد الائتمان الإيجاري تزيل أي خلط في موضوعه وتحول دون إلغاء بعض الشروط المتضمنة في العقد من طرف القضاء، وتسهل الأمر عليه ليتمكن على ضوئها من إعطاء التكييف الحقيقي الذي يعكس النية الحقيقية للأطراف حتى ولو كانت غير واضحة.

مما سبق يمكن لنا أن نستنتج مدى الخلط الذي قد يقع على اعتبار العقد بيعا أو كراء أو عقد الائتمان الإيجاري، بحيث يمكن أن يقع خلط بين الكراء العادي والكراء التجاري، إلا أنه بنظرنا إلى المقابل نجده ذا فرق شاسع بين المؤسستين، ففي الكراء العادي يكون الثمن مناسبا أما في الكراء الإيجاري تكون السومة مرتفعة ومشكلة لرأس المال إضافة إلى هامش الربح.

والطبيعة المركبة لعقد الائتمان الإيجاري يمكن استخلاصها من العلاقة الثلاثية بين 3 أطراف، وهم المورد والمؤسسة الممولة والمستفيد أو المستعمل، فطرفا عقد البيع هما المورد والمؤسسة المالية التي يجب أن تكون حاصلة على ترخيص لممارسة عملية الائتمان الإيجاري، طبقا للمادة 27 من ظهير 14 فبراير 2006 بحيث يتدخل المستعمل بصفته وكيلا عن مؤسسة الائتمان، حيث تكون له صلاحية اختيار الشيء موضوع الائتمان وهو الذي يتسلمه من المورد.

أما طرفا عقد الكراء هما مؤسسة الائتمان والمستعمل والمنقولات المعنوية غير المادية خارجة في إطار هذا العقد، حيث اكتفى المشرع في المادة 43 من م.ت بالإشارة إلى المنقولات المادية دون المعنوية، كذلك العقارات فيمكن أن تخضع لهذا العقد كما سنرى لاحقا.

وخصوصية عقد الائتمان الإيجاري أنه عقد شكلي، بحيث يجب إفراغه في محرر مكتوب حتى يتمكن الطرفان من التنصيص على الشروط الواجب تضمنها فيه والتي تم التنصيص عليها في مدونة التجارة.

وعليه فعقود الائتمان الإيجاري يجب أن يتم التنصيص داخلها تحت طائلة بطلانها على الشروط التي يمكن فيها الفسخ والتجديد بطلب من المستعمل، كما تنص تلك الشروط على كيفية التسوية الودية للنزاعات الممكن حدوثها (م 433).

وما يميز عقد الائتمان الإيجاري هو أنه يخلق حالة قانونية يكون فيها الحائز أو المنتفع هو غير المالك، ونظرا لأن القاعدة الفقهية في المنقول (العبرة بالحيازة) = (الحيازة سند الملكية).

فقد يؤدي هذا الوضع إلى تصور الغير عكس ما هو موجود وذلك بتصور هذا الغير أن المنقول هو ملك للمستعمل الشيء الذي قد يدفعهم إلى منح قروض له وفي تصورهم أن المنقول هو الضمان.

كما أن مؤسسة الائتمان قد تكون في وضعية صعبة إذا ما أفلس المكتري أو قام دائنه بالحجز على التجهيزات المملوكة لها، لعدم علمهم بذلك، سعيا منه لحماية مصالح مؤسس الائتمان ومصالح الغير الحسن النية أوجب المشرع على المستعمل أن يخضع العقد لعملية الشهر فإذا كان العقد مرتبطا بالمنقول فبناء على طلب من مؤسسة الائتمان الإيجاري يتم شهر ذلك العقد في سجل مفتوح لهذه الغاية بكتابة الضبط التي تمسك السجل التجاري، أما إذا تعلق الأمر بعقار فتطبق عليه مقتضيات ظهير 12 غشت 1913، وذلك بشهره في المحافظة العقارية عن طريق التقييد في الرسم العقاري.

وعليه يمكن لنا أن نستخلص أن هذا العقد هو من العقود المسماة، والشكلية إلزامية فيه للإثبات كذلك أوجب المشرع إخضاعه لعمليات الشهر ومن كل هذه الخصوصيات نجد أن الهدف هو حماية مصالح مؤسسة الائتمان وكذلك مصالح الغير الحسن النية المتعامل مع المستعمل وذلك كله قصد تشجيع هذا النوع من العقود.

فإذا كان ما سبق يوضح مدى الحماية المقررة لأطراف العقد وكذا الغير فماذا عن مراحل هذا العقد، هل تخضع بدورها لشروط ومقتضيات محددة بالقانون وهل فيها ما يحمي حقوق الأطراف، هذا ما سنتناوله في المطلب الثاني من هذا المبحث.

المطلب الثاني: مراحل إبرام عقد الائتمان الإيجاري.

يمر عقد الائتمان الإيجاري بثلاثة مراحل أساسية لابد منها حتى يكون العقد متكاملا وصحيحا، وهذه المراحل هي:

الفقرة الأولى: المرحلة الأولى.

وتكون بين طالب الائتمان والمورد حيث يقوم الأول بالاتصال بالثاني (المورد_الممول_المنتج) قصد تزويده بالسلع التجهيزية أو المعدات أو الآلات التي تحتاج إليها مقاولته ويحدد معه المواصفات التقنية التي يرغب في توفرها فيما سيقوم باقتنائه ويتفق معه على الآجال المحددة للتسليم وكذلك الثمن ويقوم المستعمل بهذه العملية كما لو أنه هو الذي سيشتري من ماله، بحيث لا تتدخل مؤسسة الائتمان الإيجاري في هذه المرحلة لا بخصوص اختيار المورد أو المواد أو السلع موضوع عقد الائتمان الإيجاري.

وهنا يكون المورد هو البائع والمستعمل هو المشتري أما مؤسسة الائتمان الإيجاري فتكون بصدد انتظار نتائج المفاوضات لتقرر قبول أو رفض التمويل.

الفقرة الثانية: المرحلة الثانية.

بعد الاتفاق الذي نتج عن المرحلة الأولى السابقة الذكر ينتقل أطراف العلاقة إلى مرحلة ثانية وتنحصر هذه المرحلة بين المستفيد _طالب الائتمان_ ومؤسسة الائتمان، حيث يتصل بها ويعرض عليها ما يرغب في شرائه من سلع أو تجهيزات أو غير ذلك، وبعد المناقشة يتم تهييئ ملف يتضمن في أغلب الأحيان نوعين من المعلومات تكون الأولى منصبة على ما يراد اقتناؤه من طرف طالب الائتمان ومدى المزايا التي يمكنه أن يحصل عليها من هذه العملية.

أما الثانية فتنصب على شخص طالب الائتمان ومؤهلاته المالية بالإضافة إلى مراجعة بنكية وتصميم التمويل والحسابات الواجب عليه تقديمها عن السنوات الثلاث الأخيرة لميزانيته، وذلك كله قصد التأكد من جدوى العملية المطلوبة. فإذا رفضت فإن طالب الائتمان لا يسأل في مواجهة المورد (البائع) أما إذا وافقت فيتم إبرام العقد بعد إطلاع كل الطرفين على الشروط المضمنة به وهذه الشروط لم تحددها مدونة التجارة واكتفت بتنصيصها على أنه في حالة عدم ذكر الشروط التي يمكن فيها فسخ هذا العقد أو تجديده بطلب من المتعاقد المكتري من شأنه أن يؤدي إلى بطلان العقد المادة 433 وعدم ورود الشروط في المدونة يفهم منه ، المشرع قد ترك الحرية للأطراف في تلك الشروط تطبيقا لمبدأ الحرية التعاقدية، لكن مع مراعاة عدم التعسف في تلك الشروط لصالح أحد الطرفين وعدم مخالفتها للنظام العام.

لكن ما هو ملاحظ على أرض الواقع وخصوصا إذا ما نظرنا إلى مجموعة من العقود المبرمة في هذا الإطار والتي غالبا ما تكون عقود نموذجية انفردت مؤسسة الائتمان في وضعها، وتضمنها شروطا تهدف إلى حماية مصالحها، مخالفة بذلك الثوابت المعروفة في القانون المدني وضاربة مبدأ التوازن العقدي لطرفي العلاقة.

ومن جملة هذه الشروط نذكر ما يلي:

1- إن مؤسسة الائتمان تتعهد بشراء ما يحتاج إليه المستعمل من تجهيزات وآليات بالثمن الذي وقع الاتفاق عليه مع الممول وبالمواصفات التي يطلبها المستعمل، وهنا تبقى كامل الصلاحية للمستعمل باعتباره وكيلا عن مؤسسة الائتمان في اختيار نوع ونموذج الشيء المراد اقتناؤه، وتراعى في هذه الوكالة معرفة وكفاءة المستعمل في اختيار المورد والمعطيات التقنية التي تهم الشيء المقتنى ويكون التزامه هنا التزام بنتيجة.

2- اشتراط مؤسسة الائتمان على المستعمل عدم توقفه عن أداء الكراء في الأجل المتفق عليه إذا لم يضع المورد رهن إشارته الشيء موضوع الائتمان أو لم يتسلمه منه طبق الشروط والآجال والمكان المحدد، أو إذا وضع المورد الشيء رهن إشارته جزئيا أو كانت هذه الأشياء موضوع الإيجار لا تتناسب ومتطلباته كمستعمل، بل أكثر من ذلك فيمكن المطالبة بأداء واجب الكراء عن المدة المتبقية في العقد رغم عدم حلول أجله كشرط جزائي مع التعويض تخول للمستعمل ثلاث خيارات وهي شراء الشيء أو تجديد عقد الكراء أو إرجاع الشيء موضوع العقد.

3- التزام المستعمل أمام مؤسسة الائتمان الإيجاري بضرورة إشهار هذا العقد سواء تعلق الأمر بالائتمان الإيجاري على المنقولات أو العقارات.

4- تحمل المستعمل كل المخاطر المرتبطة بالشيء موضوع الائتمان وبالتالي يكون ملزما بالتأمين عليه.

5- التزام المستعمل ببذل عناية الرجل المعتاد في استعمال الشيء المؤجر له لإعادته صالح للاستعمال بعد نهاية المدة.

6- يمنع على المستعمل تفويت الشيء موضوع الائتمان أو إكراؤه إلا بعد موافقة المؤسسة.

7- لمؤسسة الائتمان حق المراقبة في أي وقت طوال مدة العقد واسترجاع الشيء في حالة تغير وضعيته المادية وكان هذا التغيير من شأنه أن يهدد مصالحها في إطار العقد كالخضوع للتسوية أو التصفية القضائية أو تناقصت الضمانات التي كانت متوفرة فيه.

إلزام المستعمل بوضع إعلان يشير من خلاله على أن الشيء موضوع ائتمان إيجاري طيلة مدة العقد وعلى نفقته الخاصة.

ومن خلال مل سبق يتضح لنا أن هذه الشروط التي يتم تضمينها في عقد الائتمان الإيجاري هي في غالبها شروط يمكن أن تصل إلى حد التعسف وذلك بغية حماية مصالح المؤسسة وعدم تدخل المشرع لوضع لائحة للشروط على سبيل الحصر يجعل الباب مفتوحا على مصراعيه أمام مؤسسات الائتمان لاستغلال الحاجة الملحة لطالب الائتمان وبالتالي غياب مبدأ التوازن العقدي في إطار هذا العقد الشيء الذي يجعله يدخل في خانة عقود الإذعان.

الفقرة الثالثة: المرحلة الثالثة.

وهذه المرحلة تنصب حول تنفيذ العقد وذلك بتوجيه مؤسسة الائتمان الإيجاري وصل طلب إلى الممول، تبدي رغبتها فيه بشراء ما تم الاتفاق بشأنه بين طالب الائتمان والممول وتضمنه تسليم الآلات إلى طالب الائتمان بصفته وكيلا عنها وبمجرد توصل هذا الأخير بوصل الطلب يجب عليه إرسال التجهيزات للمستعمل الذي يوقع على محضر التسليم بوصولها إليه إلى جانب الممول كما يجب على المستعمل أن يتأكد من جودتها ومطابقتها للمواصفات المطلوبة وإخباره للشركة الممولة بذلك، وتوجه الفاتورة من الممول إلى مؤسسة الائتمان الإيجاري التي تقوم بتحويل الثمن لحساب الممول دفعة واحدة أو على أقساط تبعا لما هو منصوص عليه في العقد.

وإذا تعلق الأمر ببضائع أجنبية فإن المستفيد أو المستعمل هو الذي يتكلف بأداء صوائر الإجراءات الجمركية والإدارية ونقلها وترجع إليه من طرف مؤسسة الائتمان بعد أن يدلى لها بالوثائق وفواتير الأداء المثبت لذلك

المبحث الثاني: آثر عقد الائتمان الإيجاري وإنقضاؤه

سنتطرق في هذا المبحث من جهة إلى علاقة أطراف عقد الائتمان الإيجاري بحيث سنرى علاقة المستعمل أو المكتري بالمورد أو المزود، وعلاقته بمؤسسة الائتمان الإيجاري وعلاقته بالغير (المطلب الأول) سنرى من جهة ثانية كيفية انقضاء عقد الائتمان الإيجاري (المطلب الثاني).

المطلب الأول: علاقة أطراف عقد الائتمان الإيجاري

لم تتعرض مدونة التجارة لتنظيم جوانب هذه العلاقة سواء ما يتعلق بتكوينها أو ما يتعلق بالحقوق والالتزامات الناتجة عنها، وكل ما فعلته هو أنه حددت المنقولات والعقارات موضوع هذا الائتمان (م431) وأحالت صراحة في المادة 433 إلى الشروط التي ينبغي أن يتضمنها العقد تحت طائلة البطلان والمتعلقة بالفسخ والتجديد.

ولتوضيح العلاقة بين الأطراف المتعاقدة في ظل هذا العقد فإننا سنتطرق إلى علاقة المستعمل أو المكتري بالمورد (الفقرة الأولى) وعلاقته بمؤسسة الائتمان (الفقرة الثانية) وعلاقته بالغير (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: علاقة المستعمل بالمورد في عقد الائتمان الإيجاري

يتبين من خلال العلاقة القائمة بين المستعمل والمورد أن هناك استقلال من الناحية القانونية بينهما وإن كان بينهما ارتباط مباشر واقعي اقتصادي رغم أن المستفيد لم يكن طرفا في العلاقة التي تربط مؤسسة الائتمان الإيجاري بالمورد من خلال عقد الشراء لأن العمل يجري على أن المستعمل هو الذي يعين لشركة الائتمان الإيجاري الشيء المطلوب والبائع الذي يرغب شراؤه منه بالإضافة إلى تسلم الشيء من البائع والتأكد من مواصفاته في الوقت المتفق عليه.

ويطرح في هذه العلاقة استفسار حول سند المستعمل في تحركه ضد الممول في علاقة لا يدخل فيها إلا للتأكد من مواصفات الشيء المسلم في الوقت المتفق عليه، إلا أنه قد يتحرك ضد البائع إذا أخل بالتزاماته ويطالبه بفسخ عقد البيع ففسر البعض هذه العلاقة بالوكالة[1] والتي تقوم على أساس أن شركة التأجير باعتبارها دائنة للبائع بالضمان فإنها توكل عنها المكتري في الرجوع على البائع بجميع الدعاوى الناتجة عن الالتزام بالضمان، وذك أن شركة الائتمان الإيجاري لا ترغب الدخول في مسلسل النزعات، التي قد تنشأ عن عقد البيع مع الممول أو المزود لأي سبب كان، ومن هنا نجد أن هذه الأخيرة غالبا ما تُضمن بعقد الائتمان الإيجاري شرطا يعفيها من الضمان، كما سبق وأشرنا إلى ذلك.

وقد وجهت انتقادات إلى هذه النظرية نظرا لعدم شمولها مرحلة ما قبل التعاقد كذا لتعارضها مع الهدف الذي يتوخاه الأطراف، وأيضا لكون الوكالة العامة للتحرك ضد الممول ستكون أكثر خطورة بالنسبة لمؤسسة الائتمان الإيجاري، وبالتالي تتهدد مصالحها بتصرفات المستعمل، وقال فريق آخر من الفقه أن هذا التحرك يكون في إطار الدعوة غير المباشرة الذي يستأثر فيها المكتري بالحق بمؤسسة الائتمان الإيجاري في ذمة الممول ويتحول إلى دائن له بامتياز يتقدم على سائر الدائنين. إلا أن هذا يعتبر خروجا عن القواعد العامة التي تفيد بأن العقد لا يكون ساريا، إلا في حق أطرافه فلا يتعدى أثره إلى الغير. وهكذا توالت النظريات وتتالت الانتقادات فظهرت فكرة التفويض والتجديد، والمسؤولية التقصيرية والاشتراط لمصلحة الغير، إلا أن حقيقة العلاقة بين المستعمل والمورد، هي نتيجة مباشرة لعقد الائتمان الإيجاري.

فقد حسمت المادة 10 من اتفاقية أوطاوا عندما اعتبرت أنه يمكن للمستأجر المالي أن يثير في مواجهة المورد كل الالتزامات الملقاة على عاتق هذا الأخير والناتجة عن عقد التوريد كما لو أن المعدات كانت ستسلم له مباشرة.

الفقرة الثانية: علاقة المستعمل بمؤسسة الائتمان الإيجاري

يمكن القول بأن عقد الائتمان الإيجاري يدخل ضمن عقود الإذعان لكون المؤسسة هي التي تقوم بتحرير المضمون الاتفاقي، وتتضح العلاقة من خلال مراجعة بعض نماذج عقود الائتمان الإيجاري على أنها متبادلة بين طرفي العقد التجاري حيث تضمن المؤسسة للمستعمل الانتفاع من الشيء المكتري في صورة صالحة للاستعمال دون تعرض الدائنين له على هذا الاستعمال في إطار الضمان المستحق للمكتري والمنصوص عليه في الفصول 643 إلى 642 ق.ل.ع كما أن المستعمل ملزم بأداء الكراء وبالتالي تُنقل التزامات المكري إلى المكتري بما فيها التقنية التي تهم الشيء موضوع الكراء. وتجعل من المكتري كما لو كان هو المالك للشيء المكرى، ويتحمل كل الأخطار المرتبطة بضياعه أو تلفه أو هلاكه. كما يلتزم أيضا بأداء أقساط الكراء في الوقت المتفق عليه وأي إخلال بهذه الالتزامات قد يدفع الشركة إلى فسخ العقد بتقديم طلب أمام رئيس المحكمة([2]) بعد فشل محاولة التسوية الودية طبقا للفصل 433 م.ت.

الفقرة الثالثة: علاقة المستعمل بالغير

إن آثار العقد لا تسري على أطرافه فقط بل تشمل حتى الغير الذين يتعاملون مع المستعمل، لدى نص المشرع في المادة 436م.ت، على ضرورة شهر عقد الائتمان الإيجاري لمعرفة الغير بوجوده وبالتالي فإن كل العقود التي تتضمن خصائص الائتمان بمفهومه القانوني يجب تضمينها بالسجل الخاص لذلك بغض النظر عما إذا كان العقد بهم نشاطا على وجه الاعتياد أو يتم على إبرامه بصفة عرضية، ويقع الالتزام بطلب شهر عقود الائتمان على عاتق مؤسسة الائتمان م436م.ت. إلا أن المشرع لم يحدد تاريخا معينا الإيجاري بهدف إبلاغ الجمهور والأطراف المتعاقدة بهذه الوضعية مع إمكانية الحصول على شهادات بهذا القيد وهذا ما نصت عليه م439م.ت. وتكون للبيانات المسجلة الحجية القطعية، والقيد في السجل المخصص للعملية لا يتم إلا بالمكان المسجل به في السجل التجاري للمستفيد، أما بالنسبة لغير المسجلين بالسجل التجاري فيتم القيد في المحكمة التي يمارسون فيها نشاطهم م436م.ت. ويجب على الشركة تسجيل أي تعديل طرأ على الشيء موضوع الائتمان الإيجاري أمام الجهة المختصة ترابيا م437م.ت.

وتجنبا لكل التباس لدى الغير الذي يتعامل مع المستعمل فإن عقود الائتمان الإيجاري تشير إلى إلزام المستعمل بوضع لافتة، أو علاقة متميزة عن الشيء موضوع الائتمان الإيجاري ليتأتى بسهولة إثبات سوء النية.

المطلب الثاني: انقضاء عقد الائتمان الإيجاري

لا يشكل إبرام عقد الائتمان الإيجاري في غالب الأحيان مشاكل عديدة نظرا لسعي كل طرف في العقد إلى الدفاع عن موقفه وحقوقه. ويلح على إدراج الشروط التي يراها ضرورية للحفاظ على مصالحه. إلا أن إنهاء هذا العقد يطرح مشاكل عدة لكونه ملزم للطرفين سواء كان هذا الإنهاء طبيعيا أي بانتهاء المدة المتفق عليها (أولا)، أو كان نتيجة إخلال أحد الطرفين بالتزاماته التعاقدية وبالتالي ينتهي قبل انتهاء المدة المتفق عليها أي بالفسخ (ثانيا).

الفقرة الأولى: القضاء عقد الائتمان الإيجاري بنهاية مدته

إن إنهاء عقد الائتمان الإيجاري يقتضي إما إرجاع الشيء لمؤسسة الائتمان أن الإيجاري أو تجديد عقد الكراء أو بشراء الشيء لرفع خيار الشراء.

أولا: رفع خيار الشراء

إن أهم الخصائص التي تميز عقد الائتمان الإيجاري عن عقد الكراء العادي هو أنه يكون مشفوعا من جانب المكري بالبيع في نهاية مدة العقد، وهكذا يمكن للمكتري أن يشتري الشيء محل الكراء وبالتالي تنتقل إليه ملكية الأشياء المؤجرة، إلا أنه يتعين على المكتري إذا أراد ممارسة هذا الحق أن يعلم المكري بذلك بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل شهرين قبل انقضاء مدة الكراء.

ثانيا: إرجاع الأشياء المستأجرة.

في حالة إذا لم يرغب المكتري في إعمال خيار الشراء فإنه يكون ملزم بإرجاع الأشياء المكتراة عند نهاية المدة الأولى من الكراء. وإذا اتضح أن الآلات والمعدات في حالة سيئة نتيجة الاستخدام المفرط فإن المكتري ملزم بتعويض مؤسسة الائتمان في حالة التأخير فإن المكتري ملزم حسب عقود الائتمان الإيجاري بأن يؤدي المكري عن كل شهر تأخير قيمة شهر كراء كشرط جزائي.

ولاشك أن خيار الإرجاع يعتبر هو الخيار الأكثر سواء بالنسبة للطرفين معا، فغالبا ما يتم شراء هذه المعدات.

ثالثا: تجديد عقد الكراء

إذا قرر المكتري إعمال هذا الخيار فإن المكري يكون ملزما بتجديد عقد الكراء، فقد لا يكون المكتري متوفر على الأموال اللازمة لإعمال خيار الشراء، وأثناء مدة الكراء الجديد يؤدي أقساط الكراء سنويا، حيث تصبح من حفظة بالمقارنة مع تلك التي كانت تؤدي عن الفقرة السابقة.

الفقرة الثانية: إنهاء عقد الائتمان الإيجاري قبل انتهاء المدة المتفق عليها

إن عقد الائتمان الإيجاري من العقود الملزمة لجانبين،ومن أهم خصائص هذه العقود أنها تعطي للمتعاقدين طلب فسخ العقد إذا امتنع المتعاقد الآخر عن تنفيذ التزامه،وعليه فقد يفسخ عقد الائتمان الإيجاري بناء على طلب المكتري أن المستفيد أو بفسخه من طرف مؤسسة الائتمان.

أولا: إنهاء العقد قبل انتهاء مدته من طرف المستفيد

طبقا للمادة 433 من مدونة التجارة فإن عقود الائتمان الإيجاري تنص تحت طائلة البطلان على الشروط التي يمكن فيها فسخها وتجديدها بطلب من المتعاقد المكتري بحيث قد يرد في العقد شرط التقابل في العقد. وأحيانا أخرى حق فسخ العقد بسبب إخلال الشركة مقدمة الائتمان الإيجاري بالتزاماتها التعاقدية كعدم إبرام عقد البيع أو تنفيذه بخطأ منها، وهذا ما يخول حق المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه إلا ن مؤسسة الائتمان الإيجاري غالبا ما تقيد هذا الحق بمجموعة من الشروط كاشتراط مرور مدة زمنية معينة على إبرام العقد، وتلزمه بإشعارها خلال الأجل المتفق عليه في العقد أو تفرض عليه أن يقدم مستفيدا جديدا يحل محله في كل الالتزامات بالإضافة إلى إلزامه على الاستمرار على أداء الكراء المستحق إلى حين إبرام شركة الائتمان الإيجاري العقد مع المستفيد الجديد الذي حل محل القديم أي أن استعمال المستفيد لهذا الحق يكاد يستحيل عليه لكثرة هذه الشروط المعرقلة لتنفيذ الخيار، ويمكنه أيضا إنهاء العقد بعد أداء الكراء الذي يدفع بالمؤسسة إلى طلب فسخ العقد للإخلال بأحد الالتزامات.

ثانيا: إنهاء عقد الائتمان الإيجاري من طرف مؤسسة الائتمان

يتضمن عقد الائتمان الإيجاري غالبا شرطا يخول للمؤسسة حق فسخ العقد في حالة إخلال المستفيد بتنفيذ الالتزامات المتفق عليها في العقد وكعدم أداء أقساط الكراء المتفق عليها أو أحد توابعها([3]). وذلك تنفيذا للشرط الفاسخ الوارد في العقد دون حاجة إلى رفع الدعوى أمام القضاء ولا يصبح الفسخ نافذا إلا بعد استنفاذ كل الوسائل الودية لإيجاد حل للنزاع وإرسال إشعار إلى المكتري بضرورة تنفيذ إلزامه دال أجل 8 أيام.

كما قد يكون الفسخ ناتج عن فتح مساطر المعالجة فإذا كانت عقود الائتمان الإيجاري تنص على فسخ العقد بمجرد إفلاس المكتري فإن إعمال هذا الشرط لم يعد مقترنا بإرادة المكري أي مؤسسة الائتمان وذلك طبقا للفقرة الأولى من المادة 573 من م.ت. ومقابل هذا فإن مؤسسة الائتمان تستفيد من مقتضيات المادة 575 من م.ت التي تعطي للديون الناشئة بعد صدور الحكم أولوية في السداد على كل الديون الأخرى، أما الديون السابقة عن تاريخ فتح المسطرة فإنها غير مشمولة بامتياز المادة المذكورة.

خاتمة:

رغم الأهمية التي يلعبها الائتمان الإيجاري في المجال الاقتصادي، فإن المشرع في مدونة التجارة لم يتناول تنظيم العلاقة بين أطراف هذا العقد بخلاف ما سارت عليه اتفاقية أوطاوا Ottawa حيث خصصت له سبع مواد (من 7 إلى 14) لتنظيم حقوق والتزامات الأطراف، وذلك درءا لكل ما يمكن أن يقع بين الأطراف المكري والمكتري من مشاكل ونزاعات في انتظار أن يسير المشرع المغربي في نفس الاتجاه-خاصة وأنه كما ذكرنا سابقا من الموقعين الأوائل على هذه الاتفاقية- هذا بالإضافة على تغاضيه عن الإشارة إلى بعض الإجراءات المتعلقة بإبرام هذا العقد والتي ترد عادة في العقود النموذجية: عدم قابلية مدة الإيجار للإلغاء أو الكيفية التي يتم بها تحديد مبلغ الإيجار على غرار باقي التشريعات، وإغفاله تحديد الآثار التي تترتب عن امتناع شركة الائتمان الإيجاري عن تنفيذ وعدها بتحويل الشيء المكتري إلى ملكية المكتري في الوقت الذي يعرب فيه هذا الأخير عن رغبته في ذلك. كما أنه ضيق من السلع التي يكون موضوع الائتمان الإيجاري للمنقولات وقصرها على السلع ذات الغرض المهني السلع التجهيزية أو المعدات أو الآلات… دون السلع الاستهلاكية.

وفي انتظار أن يحدو المشرع المغربي حذو نظيره الفرنسي ينبغي التأكيد على أن تكييف المشرع المغربي للعلاقة الناشئة بين شركة الائتمان الإيجاري والمستفيد بأنها علاقة إيجار وهو اعتراف ضمني منه على صحة ما تشترطه عقود الائتمان الإيجاري من شروط ثقافية لتلك العلاقة من خلال العقود المعتمدة في هذا المجال.

[1] – عبد السلام الوهابي م. س. ص: 377-378
[2] – في هذا الإطار سنورد ملخصا لأمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء حيث أن شركة وفاسلف أبرمت مع السيدة بوعزاوي نصيرة عقد ائتمان إيجاري انصب على منقول أي ناقلة من نوع فياط رقمها 6ب 4587 إلا أن السيدة المذكورة توقفت عن أداء الأقساط الحالة، مما دفع بشركة وفاسلف إلى اللجوء للقضاء لاستيفاء حقها بعدما قامت هذه الأخيرة بإنذار السيدة المذكورة ولكن بدون جدوى وقد صدر حكم عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء يقضي باسترجاع الناقلة وبيعها بالمزاد العلني بتاريخ 2006/12/05 وبتمكين المدعية من دينها أصلا وفوائد ومصاريف وإن بقي زائد يسلم المدعية عليها.

[3] – كعدم أداء أقساط التأمين أو استعمال التجهيزات في غير العرض المخصص لها.