د / العربي محمد مياد : رئيس مرصد الأنظمة العقارية والتعمير والبيئة.

اعتدنا منذ عقود سواء على مستوى أمواج الإذاعة أو شاشة التلفزة أن نسمع أو نشاهد عقب كل نشرة إخبارية ، النشرة الجوية، وهي مناسبة للتعرف على أحوال الطقس خلال ما يستقبل من الساعات أو الأيام ، حتى أولا نكون على بينة من أمرنا وكذا لاتخاذ الاحتياطات اللازمة أو المفروض كذلك.

وهذا الأمر لا يدخل في الرجم بالغيب أو البدع المنهى عليها دينيا، كما قد يدعي بعض الغلاة من المحافظين، بل هي صورة من صور علم الشهادة.
وقد جاء في “موطأ الإمام مالك” (1/ 192): (أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت: فتلك عين غديقة).
كما جاء في “تنوير الحوالك” للسيوطي: “إذا أنشأت بحرية -أي ظهرت سحابة من ناحية البحر-، ثم تشامت -أي أخذت نحو الشام-، فتلك عين غديقة -أي ماء كثير-“.
وقد قال ابن عبد البر رحمه الله -في التعليق على الحديث السابق في الموطأ-: “وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خرج على العادة المعهودة من حكم الله وفضله؛ لأنه يعلم نزول الغيث حقيقة بشيء من الأشياء قبل ظهور السحاب”. والله تعالى أعلم.

ومما ينبغي التذكير به، أنه في البدء كانت التنبؤات الجوية تعتمد على الحدس والممارسة إلى أن تحولت إلى علم قائم الذات يفرض الالمام على الخصوص بالميكنيزمات الطبيعية المؤثرة في أحوال الجو، ناهيك عن المعادلات الرياضية. وبالتالي أصبحت التنبؤات الجوية تعتمد على أحدث الوسائل الحديثة، ولاسيما الاقمار الصناعية وما يرافقها من محطات المراقبة فضلا عن تقارير الطائرات التجارية والتي تكون في مجملها شبكات الأرصاد الجوية.

ودون الدخول في التفاصيل التقنية للأرصاد الجوية التي لها مختصوها وعلماؤها، يكفينا نحن كرجال قانون ان نتساءل هل بقيام الدولة ومعها باقي الاشخاص العامة من قبيل الجماعات الترابية وغيرها بايداعة النشرة الدوية ونشرها بالصحف المكتوبة والالكترونية تكون قد قامت بما يلزم وبالتالي يحق لها دفع المسؤولية المدنية عنها متى حصل ضرر ناجم عن سوء أحوال الطقس الذي أفادت به النشرة الجوية؟

كلنا يعلم أنه في بعض فصول السنة ولا سيما فصلي الخريف والشتاء قد تحدث حوادث طبيعية من شأنها التسبب في ضرر جسيم للبلاد والعباد ، نتيجة نشاط الرياح القوية ، وغيوم الأمطار المصحوبة بالرياح التي تحد من الرؤية الأفقية ، أو سيلان المياه المؤدية إلى قطع الطريق أو الفيضانات المؤدية إلى اتلاف الممتلكات الشخصية والعامة .

و نلاحظ من خلال بعض التقارير الصحفية ولا سيما المرئية أن السكان يشتكون أمام الكاميرات مما لحقهم من ضرر سواء بسبب انقطاع حركة الملاحة الجوية أو البحرية أو انقطاع المواصلات أو غرق سياراتهم في المناطق الحضرية نتيجة الفيضانات أو المنسوب المائي غير المتوقع، أو تغيبهم عن العمل، ويعتبرون هذا الوضع بمثابة تقصير من الدولة.

وفي هذا الاطار قد تلتجئ الدولة في بعض الأمصار إلى اشعار مواطنيها بسوء الأحوال الجوية ويتم تعليق الدراسة والعمل خلال مدة زمنية محددة بناء على تقرير من مديرية الأرصاد الجوية وذلك حفاظا على سلامة مواطنيها.

أما في المغرب ففي جل الأحيان يتم الإعلان عن أحوال الطقس دون أن يرفق ببلاغ من الوزارات المعنية يفيد بالتوقف عن العمل أو الدراسة، باستثناء التبصير بمخاطر الخسوف أو الكسوف أو غيرها مما يرتبط بأشعة الشمس الحارقة، وفي بعض الأحيان تنبيه الصيادين من مخاطر الصيد في البحار والويديان.

غير أنه طبقا للمادة 51 من المرسوم رقم 2.10.420 صادر في 20 من شوال 1431 (29 سبتمبر 2010) بتطبيق أحكام القانون رقم 52.05 المتعلق بمدونة السير على الطرق بشأن قواعد السير على الطرق. فإنه ” يجب لزوما إطفاء أضواء الطريق واستبدالها بأضواء التقابل، وعدم الاكتفاء باستبدالها بأضواء الوضع وحدها في حالة نقص ملحوظ في الرؤية بسبب أحوال الطقس وخاصة الضباب أو الأمطار أو سقوط الثلج…”

وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل ماذا لو التجأ بعض المواطنين إلى القضاء من أجل المطالبة بالحصول على التعويض عن الضرر الناجم عن سوء الأحوال الجوية، فهل يستجيب القضاء العادي أو الإداري لطلبهم؟ ثم فهل من حق مصالح الدولة سواء الوكالة القضائية للمملكة أو باقي ممثلي الإدارات لدى القضاء وخاصة قطاع التجهيز والنقل واللوجيستيك والماء التمسك بأنهم لا ينسب إليهم أي تقصير، وأنهم قاموا بما ينبغي القيام به وأن الضرر جاء نتيجة خطأ المضرور الذي بحكم تهور وعدم حيطته وتقصيره لحقه الضرر؟

أكيد أنه في المغرب لا يعتبر الاصغاء إلى النشرة الجوية ثقافة لدى المواطن، لذلك في السنوات التي خلت كان يعهد بتقديمها إلى بعض رجال الفن والمسرح ولا سيما الكوميديين منهم، لعل المواطن يرى فيها تسلية ثم تنوير وثقافة، ولكن من الناحية الواقعية لم ينظر إليها كواقعة أو حجة قانونية يمكن التمسك بها لدفع المسؤولية.

وفي اعتقادنا فإنه لا يوجد ما يمنع محامو الدولة والأشخاص العامة من الدفع بها كلما حاج المتضرر بسوء الأحوال الطقس من أجل الاثراء على حساب ميزانية الدولة، لأن النشرة الجوية تعتبر وسيلة قانونية وتقنية لتبصير المواطنين بسوء أحوال الطقس من أجل أخذ الحيطة والحذر، وكل معاكسة للطقس أو الجو يدخل في باب التهلكة، التي نهى عليها الدين والقانون. ولا مجال للتمسك بمقتضيات الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود لأنه إذا كانت القوة القاهرة هي كل أمر لا يمكن توقعه ويجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا ، فإن السلطات العمومية في هذه الحالة بصرت المتضرر بالظاهرة الطبيعية وبالتالي أصبحت في حكم المؤكد وليس المتوقع .