بحث قانوني مفصل عن الطبيعة القانونية لعقد الوكالة التجارية في التشريع المغربي

تمهيد

في كنف القانون التجاري الجديد، تعتبر الوكالة التجارية من احدث واهم العقود التي تم تنظيمها مؤخرا،حيث أنها لم تكن منظمة من قبل في القانون التجاري القديم لسنة 1913 الملغى، وككل العقود الأخرى سواء كانت تجارية أم غير تجارية،فان عقد الوكالة يتميز بطبيعة قانونية خاصة، سنحاول الوصول إليها عن طريق التطرق لمفهومه وخصائصه،إضافة إلى تمييزه عن بعض العقود،وبما أن عقد الوكالة التجارية يخضع لقواعد القانون التجاري،فلا بد لنا إطلالة وجيزة على النظام القانوني الذي يخضع له هذا العقد ولكن دون التعمق في ذلك. وستكون هذه الدراسة بين التشريع والفقه والقضاء،علما أن الأحكام والقرارات القضائية المنصبة على هذا العقد قليلة وتكاد تكون منعدمة، نظرا للتنظيم المحكم لهذا العقد، حيث نادرا ما تثور نزاعات تؤول للقضاء بشأنه.

المبحث الأول
رصد الإطار العام للوكالة التجارية

إذا كانت تسجل للفقه محاولاته القليلة في سبل إيجاد تعريف محدد لعقد الوكالة التجارية كما سنرى فان المشرع تحمل عبء هذه المهمة وقام بتعريفها،سيرا على النهج الذي اتخذته مجموعة من المشرعين في عدد من التشريعات المقارنة،إلا أن الحلقة الأهم في هذا المجال تبقى مفتقدة وهي لمسة الاجتهاد القضائي الذي يقوم بدور مهم على هذا المستوى حيث تولى في عدة مناسبات مهمة التكييف القانوني لبعض التصرفات القانونية التي تشهد تضاربا في مفهومها
.
فموضوع هذا البحث كما يقتضي المنطق سيتقاسمه كل من مفهوم عقد الوكالة التجارية في ضوء التشريع والفقه والقضاء، ثم أهم الخصائص التي يتسم بها، مع تمييزه عن بعض المؤسسات القانونية التي ارتأينا ضرورة الإحاطة بها،وسيكون ذلك على المنوال التالي

المطلب الأول
مفهوم عقد الوكالة التجارية

سنحاول من خلال هذا المطلب البحث في مفهوم عقد الوكالة التجارية من المنظور التشريعي إضافة إلى التعاريف التي أتت بها أهم التشريعات المقارنة ثم مقاربتها مع تلك التي وردت في محاولات الفقه لتعريف هذا العقد،ولا باس من الإشارة إلى عدم وجود اجتهادات قضائية في هذا الموضوع من خلال بحثنا المتواضع.

الفقرة الأولى
التعريف التشريعي لعقد الوكالة التجارية

عرف المشرع المغربي عقد الوكالة التجارية بمقتضى المادة 393 من مدونة الشغل التجارة بأنه” عقد يلتزم بمقتضاه شخص ودون أن يكون مرتبطا بعقد عمل بالتفاوض أو بالتعاقد بصفة معتادة بشان عمليات تهم أشرية أو بيوعات وبصفة عامة جميع العمليات التجارية باسم ولحساب تاجر أو منتج أو ممثل تجاري أخر يلتزم من جهته بأداء أجرة عن ذلك”.

إن هذا التعريف يحيلنا إلى المادة الأولى من القانون الفرنسي المنظم للوكلاء التجاريين الصادر في تاريخ 25 يونيو 1991 التي تعرف الوكيل التجاري كما يلي:
”الوكيل التجاري هو الذي يتعامل بصفة مهنية معتادة ومستقلة ودون أن يكون مرتبطا بعقد تأجير الخدمات ويبرم عمليات الشراء والبيع والتأجير وتقديم الخدمات باسم ولحساب المنتجين والصناع والتجار” .

ومن خلال ملامستنا لمقتضيات التشريعين المغربي والفرنسي نلاحظ أن الأول اعتمد في تعريفه للوكالة التجارية على ما أتى به المشرع الفرنسي في تعريف الوكيل التجاري مع بعض الفروق الصغيرة الناتجة عن سوء الترجمة كما هو الحال بالنسبة لعبارة ”ممثل تجاري” التي أدرجها المشرع المغربي ضمن التعريف،في حين أن المشرع الفرنسي لم يستعمل إلا عبارة ”وكيل تجاري”،فالممثل التجاري في المغرب منظم بمقتضى مدونة الشغل،إضافة إلى ما سبق فالمشرع الفرنسي وفي معرض تعريفه للوكيل التجاري حدد طبيعة الشخص القائم بالوكالة التجارية حيث قد يكون شخصا طبيعيا كما قد يكون شخصا معنويا.

أما إذا عدنا إلى التعاريف التي أعطتها بعض التشريعات المقارنة للوكالة التجارية، نجد أن هناك اختلافات من حيث التنظيم أولا ومن حيث التعريف ثانيا،فهناك من عرفها في القانون المدني واكتفى بإضفاء الصفة التجارية عليها متى تعلقت بعمل تجاري كما هو الحال بالنسبة للقانون التجاري الأردني ينص على ما يلي:

“تكون الوكالة التجارية عندما يختص بمعاملات تجارية” مما يمكن معه تعريف الوكالة التجارية بكونها العقد الذي يقيم الموكل بمقتضاه شخصا آخر مقام نفسه للقيام بالأعمال التجارية وبالتالي لا تختلف الوكالة التجارية عن الوكالة المدنية إلا من حيث موضوعها أي محل الالتزام في العقد.

وهناك من التشريعات من أفرد لعقد الوكالة التجارية مقتضيات خاصة في القانون التجاري كما فعل المشرع المصري بمقتضى القانون المنظم لأعمال الوكالة التجارية وبعض أعمال الوساطة التجارية في الفقرة الأولى من المادة الأولى منه التي تقضي بما يلي:

”يقصد بالوكيل التجاري في مجال تطبيق أحكام هذا القانون كل شخص طبيعي آو اعتباري يقوم بصفة معتادة دون أن يكون مرتبطا بعقد عمل أو عقد تأجير خدمات،بتقديم العطاءات أو بإبرام عمليات الشراء أو البيع أو التأجير أو تقديم الخدمات باسم ولحساب المنتجين أو التجار أو الموزعين…”

إن عقد الوكالة التجارية إذا، ينصب على قيام الوكيل التجاري بالتصرفات القانونية المتعلقة بتجارة الموكل،كما نصت على ذلك مختلف التشريعات التي تطرقنا إليها، ولكن ما هو التعريف الذي يقترحه الفقه في هذا المضمار؟

الفقرة الثانية:
التعريف الفقهي والقضائي لعقد الوكالة التجارية

لقد درج الفقه في فرنسا على اعتبار الوكالة التجارية عقد بمقتضاه يمثل الوكيل التجاري موكله حيث يبرم عقودا تلزم الموكل الذي يصبح هو المدين للشخص الذي تعاقد معه الوكيل ،وقد عرف الأستاذ
yves guyon
الوكيل التجاري بانه شخص مستقل يقوم بالتفاوض والتعاقد باسم ولحساب موكل أو عدة موكلين.

أما بالنسبة للفقه المغربي فقد عرفها بأنها عملية وساطة يتولى فيها الوكيل التجاري التفاوض أو التعاقد باسم ولحساب تاجر مقابل اجر كما عرفها الفقه في إطار تمييزه لعقد الوكالة التجارية عن بعض العقود،بأنها عقد يتعاقد بموجبه الوكيل مع الغير باسم موكله فتنصرف الحقوق والالتزامات الناشئة عن العقد مباشرة إلى الموكل وفي نفس الاتجاه ذهب الفقه المصري في تعريفه لهذا العقد بقوله انه ”عقد يلتزم بمقتضاه شخص بان يتولى على وجه الاستمرار في منطقة نشاط معينة،الترويج والتفاوض على إبرام الصفقات باسم الموكل ولحسابه مقابل اجر،ويجوز أن تشمل مهمته إبرام هذه الصفقات وتنفيذها باسم الموكل ولحسابه ” .أما عن تعريف الاجتهاد القضائي لعقد الوكالة التجارية فقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية في قرار صادر بتاريخ 15 ابريل 2008 إلى أن ”الوكيل التجاري،شخص طبيعي أو شركة.وهو تاجر يقوم بالوكالة وبصفة مستقلة بتحقيق التصرفات القانونية لحساب التجار والصناع أو لحساب وكلاء التجاريين آخرين ” .

من خلال مجمل هذه التعاريف نستنتج أن عقد الوكالة التجارية دائما ينصب على قيام الوكيل التجاري بالتصرفات القانونية المتعلقة بتجارة الموكل على وجه الاستقلال ومقابل أجرة يؤديها هذه الأخير إلا أن الملاحظة الأبرز هي ضرورة تخلي المشرع المغربي عن صياغة التعاريف لان من شان أن يجمد حركية المفاهيم القانونية علما أن هذه الأخيرة تعرف تطورا مضطردا باستمرار وتلك هذه المهمة للفقه والاجتهاد القضائي.

المطلب الثاني
مميزات عقد الوكالة التجارية

من خلال هذا المطلب سنعمل إدراج بعض الخصائص الهامة التي تطبع عقد الوكالة التجارية مع تبيان ضرورياتها كما سنقف على معايير تميز عقد الوكالة التجارية عن مجموعة من العقود الأخرى.

الفقرة الأولى
بعض الخصائص الأساسية لعقد النقل الوكالة التجارية

تتمثل هذه الخصائص في السمات الأساسية التي تجعل من الوكالة التجارية عقدا متميزا عن غيره وهي على التوالي تتمثل في خاصيات الاستقلالية والاعتبار الشخصي ثم الصفة التجارية وهي على سبيل المثال لا الحصر.

أولا: الاستقلالية في عقد الوكالة التجارية

إن الوكيل التجاري وكما حددته المادة 393 من مدونة التجارة،شخص مهني مستقل يكلف بصفة اعتيادية ودون أن يكون مرتبطا بعقد عمل بالتفاوض وعند الاقتضاء بإبرام العقود باسم ولحساب الموكل،وهذا الاستقلال هو ما يميز العلاقة بين الوكيل والموكل حيث أن الأول غير مرتبط بعقد عمل بالثاني بل يمارس عمله باستقلال تام ،إضافة إلى ذلك فقد نص المشرع في نفس المادة السابقة على إمكانية تمثيل الوكيل التجاري لعدة موكلين بشرط إن لا تكون مقاولات متنافسة وليس هذا إلا تأكيدا على مبدأ الاستقلالية، الذي نص عليه المشرع الفرنسي هو الآخر في تعريفه للوكيل التجاري بمقتضى المادة الأولى من قانون 25 يونيو 1991 المنظم للوكلاء التجاريين بإدراجه لعبارة”بصفة مستقلة” ودون إن يكون مرتبطا بعقد تأجير الخدمات”
وبذلك فان هذه المبدأ يؤدي إلى ترتيب عدة آثار تتمثل في:

-حق الوكيل في تنظيم أنشطته ومقاولته بالطريقة التي تبدو له أفضل من غيرها ويملك الحرية الكاملة في التصرف في وقته.
-بإمكانه أن يعين أو يشغل بعض العمال ليستعين بهم في ممارسة عمله وهذا التصرف يطلق عليه الوكالة من الباطن.
-ومن حقه كذلك أن يكون وكيلا لعدة موكلين دون أن يلزم بموافقة أي منهم
– يمكن أن يمارس أعمال تجارية أخرى لمصلحته إلى جانب أشغال الوكالة التجارية وذلك أن يفقد صفته كوكيل تجاري.

كذلك تبرز أهمية الاستقلالية في أداء العمل،كما سنرى لاحقا في التمييز بين الوكيل التجاري والممثل التجاري الذي يتمتع بنفس القدر من الاستقلال لأنه يعتبر أجيرا خاضعا لمقتضيات مدونة الشغل، مما يرتب آثارا قانونية مختلفة كما سنرى ذلك.

ثانيا : الاعتبار الشخصي في عقد الوكالة التجارة

يدخل عقد الوكالة التجارية ضمن خانة العقود التي تقوم على الاعتبار الشخصي،بمعنى ان شخص الوكيل التجاري في هذا العقد يكتسي أهمية بالغة،تكمن في مدى الثقة التي يضعها فيها الموكل،بناء على معايير ومواصفات تميزه عن غيره.

إلا أن تطور الحياة التجارية،وظهور مفهوم المقاولة وتقنيات التسيير والتواصل ناهيك عن وسائل التسويق التي أصبحت لها أهمية كبرى في التجارة،أدى إلى ظهور مفهوم جديد للاعتبار الشخصي يكتسي طابعا اقتصاديا،أي أن الشخص القادر على إدارة الأعمال ولديه القدرة على ابتكار الأفكار الجديدة والفعالة،وتحقيق سمعة تجارية قادرة على تكوين الرصيد اللازم من الزبائن. يعتبر متوفرا على ضوابط الاعتبار الشخصي بمفهومه الحديث والتالي يصلح لان يكون وكيلا تجاريا.

ثالثا: الصفة التجارية لعقد الوكالة التجارية

بالرغم من أن المشرع لم ينص صراحة على الوكالة التجارية ضمن الأنشطة التجارية المنصوص عليها في كل من المادتين 6و7 من مدونة التجارة إلا أنها وردت ضمنا في الفقرة 9 من المادة 6،وتبعا لذلك فان الوكيل التجاري الذي يمارس بشكل اعتباري أو احترافي التفاوض والتعاقد باسم ولحساب غيره من التجار،يكتسب صفة تاجر،على اعتبار أن الوكيل التجاري يمارس أعمال الوساطة شانه في ذلك شانه السمسار والوكيل بالعمولة.

وانطلاقا من ذلك فان الخلاف القائم بين الفقه والقضاء في فرنسا،حول ما إذا كانت الوكالات التجارية،تجارية أم لا،ليس له نظير في بلادنا في كنف مدونة التجارة الجديدة، التي حسمت في هذه المسالة باعتبارها الوكالة التجارية تجارية بورودها ضمنا ضمن أعمال الوساطة التجارية،إضافة إلى تنظيمها في الكتاب الرابع من مدونة التجارة الذي يحكم العقود التجارية مما تكون معه الدلالة واضحة عن تجارية هذا العقد

وقد قضت محكمة النقض الفرنسية في احد قراراتها الصادر في 24 أكتوبر 1995،بعدم إضفاء صفة تاجر على الوكيل التجاري ولو احترف هذا الأخير تمثيل التجار في التفاوض بشان العمليات التجارية وفي إبرام الصفقات الضرورية لذلك، وقد عللت المحكمة ما قضت به في هذا الصدد بكون اكتساب صفة التاجر يقتضي أن تتم ممارسة الأعمال التجارية بشكل مستقل وللحساب الخاص، الأمر الذي لا يتوفر في نظرها في الوكيل التجاري،الذي وان كان مستقلا شيئا ما في ممارسة عمله، فانه لا يقوم بهذا العمل لحسابه الخاص وإنما لحساب موكله طبقا لأحكام الوكالة التي تستوجب انصراف آثار الأعمال التجارية المبرمة من طرف الوكيل إلى الموكل وحده.
فالوكيل التجاري إذا ما هو إلا شخص يقوم بتمثيل الأطراف على وجه الاحتراف بكيفية لا تختلف عن الدور الذي يقوم به في هذا الإطار كل من السمسار والوكيل بالعمولة،طبقا لمقتضيات المادة 623 من القانون التجاري الفرنسي بالتالي فهو يكتسب صفة تاجر كباقي الوسطاء التجاريين المنصوص عليهم قانونيا،حيث يتركز نشاطهم على مزاولة الوساطة التجارية التي تعتبر محور النشاط المزاول من قبل كل من الوكيل التجاري والسمسار والوكيل بالعمولة.

رابعا: المصلحة المشتركة في عقد الوكالة التجارية

إن النهج الحديث الذي اتبعه المشرع المغربي في سنه لقواعد الوكالة التجارية، كان سببا أساسيا في ترسيخ بعض المبادئ التي تهدف بالأساس إلى حماية أطراف العلاقة التعاقدية ،وان كان مفهوم المصلحة المشتركة من بين أساسيات هذا العقد الحديث ،فان المفهوم ليس حديثا وإنما يعتبر امتدادا للقواعد الأساسية التي يرتكز عليها القانون التجاري،والمتجلية في قواعد الائتمان التي تهدف إلى السرعة في المعاملات التجارية بما يخدم مصلحة التجار بعضهم في مواجهة البعض الآخر،حيث أن مراعاة كل تاجر لمصلحة التاجر الأخر،تكون بمثابة دافع يؤدي إلى تعزيز الثقة في المعاملات التجارية، وهذه الأخيرة هي إحدى أهم مقومات ميدان الأعمال ولعل المشرع المغربي بنصه على مفهوم المصلحة المشتركة يكون قد حدى حدو المشرع الفرنسي الذي نص عليها في المادة 4 من قانون 25 يونيو 1991 المنظم للوكلاء التجاريين.

ويقصد بالمصلحة المشتركة كل وكالة تجارية تتضمن نوعا من التعاون بين الوكيل التجاري وموكله،بحيث ان الوكيل يقوم بتنفيذ عمليات الوكالة التجارية بشكل يخدم كلا المصلحتين ،ومثال ذلك أنه في عقد البيع تكمن مصلحة الموكل في تنفيذ عملية البيع وبالتالي تصريف منتاجاته وتحقيق الربح،أما مصلحة الوكيل التجاري فتكمن في تنفيذ وكالته وتلقيه أجرا عنها وبالتالي تنمية نشاطه ومقاولته.

إن هذا المبدأ الذي نص عليه المشرع المغربي في الفقرة الأولى من المادة 395من مدونة التجارة ،لا يعدو ان يكون حماية للطرف الضعيف في العلاقة وهو الوكيل التجاري،حيث وضع هذا المبدأ نوعا من التوازن بين الطرفين ستترتب آثاره بالنسبة لمستقبل العقد،أي في حالة إنهاء العقد بالإرادة المنفردة للأطراف وهذا ما سنتطرق اليه فيما بعد بخصوص إنهاء عقد الوكالة تجارية.

الفقرة الثانية:
تمييز عقد الوكالة التجارية عن بعض العقود

ينفرد عقد الوكالة التجارية بمجموعة من العناصر التي تجعل منه عقدا فريدا يختلف عن باقي العقود،لا من حيث المراكز القانونية لأطرافه ولا من حيث الآثار التي يرتبها مقارنة بالعقود الأخرى.

وتكمن أهمية هذا التمييز في معرفة أمهات الأمور التي تمكننا معرفة عقد الوكالة التجارية بشكل دقيق نجتنب معه الخلط الذي قد يقع بينه وبين بعض الأنظمة الأخرى.

أولا:عقد الوكالة بالعمولة

وردت الوكالة بالعمولة صراحة في الفقرة 9 من المادة 6 من مدونة التجارة،ضمن أعمال الوساطة التجارية، وينصب موضوعها حول ربط علاقات بين التجار من جهة والموزعين والصناع أو المستهلكين من جهة أخرى،وقد عرفتها المادة 422 من مدونة التجارة بأنها”عقد يلتزم بموجبه الوكيل بالقيام باسمه الخاص بتصرف قانوني لحساب موكله”،ويكمن وجه الاختلاف بينها وبين الوكالة التجارية من حيث تعاقد الوكيل بالعمولة باسمه الشخصي ولكن لحساب موكله،حيث يعتبر الوكيل بالعمولة طرفا في العقود التي يبرمها،وبالتالي يظهر أمام الغير بمظهر صاحب الشأن الذي يتحمل كافة الالتزامات التي قد تنشا عن العقد كما يستفيد من الحقوق المترتبة عنه،ويسال عن نتائج ما يقوم به من تصرفات مع الغير . أما فيما يخص الوكيل التجاري فيتعامل باسم ولحساب موكله،ومن تم فان هذا الأخير هو من يتحمل بالالتزامات والحقوق المترتبة على العقود والتصرفات القانونية التي يجريها الوكيل.

ثانيا:عقد السمسرة

رف المشرع المغربي عقد السمسرة في الفقرة الأولى من المادة 405 من مدونة التجار كما يلي:”السمسرة عقد يكلف بموجبه السمسار من طرف شخص بالبحث عن شخص أخر لربط علاقة بينهما قصد إبرام العقد”.وانطلاقا من هذه المادة فان عمل السمسار يقتصر على التقريب والتوفيق بين المتعاقدين مقابل اجر ودون أن يمثل أيا منهم. ويتمثل الأجر عادة في نسبة معينة من قيمة الصفقة المراد إبرامها، ويبقى السمسار بمعزل عن العقود التي يتوسط في إبرامها على الوكيل التجاري الذي يكون طرفا في العقد ولو انه يبرم باسم ولحساب موكله.

ثالثا: عقد الوكالة المدنية

يقصد بعقد الوكالة المدنية بمقتضى الفصل 879 من ظهير الالتزامات والعقود ذلك العقد الذي بمقتضاه شخص شخصا آخر بإجراء عمل مشروع لحسابه…فهي إذا تشبه الوكالة التجارية من حيث أن الوكيل يبرم العقد المكلف به باسم ولحساب الموكل،غير أنها تختلف عنها في كون الأولى ذات موضوع مدني والثانية تنصب على عمل تجاري ثم إن الوكالة المدنية تحكمها قواعد القانون المدني أما الوكالة التجارية فتحكمها قواعد مدونة التجارة إضافة إلى الأعراف والعادات في الميدان التجاري،دون أن نغض الطرف عن القانون المدني الذي يعتبر الشريعة العامة لقوانين الموضوع ما لم تتعارض قواعده مع المبادئ الأساسية للقانون التجاري طبقا لما تقضي عليه به المادة2 من مدونة التجارة.

رابعا عقد الشغل:

لم يقم المشرع المغربي بتعريف عقد الشغل في مدونة الشغل كما فعل المشرع في بعض الدول العربية حيث نجد المادة 29 من قانون العمل رقم 137 لسنة 1981 المصري نعرفه بأنه هو ” العقد الذي يتعهد بمقتضاه عامل بان يعمل لدى صاحب العمل وتحت إدارته وإشرافه لقاء اجر أيا كان نوعه” إلا انه ورغم ذلك فإننا نجد المادة 723 من ظهير الالتزامات والعقود تعرفه بما يلي”إجارة الخدمة أو العمل عقد يلتزم بمقتضاه احد طرفيه بان يقدم للآخر خدماته الشخصية لأجل محدد أو من اجل أداء عمل معين في نظير اجر يلتزم هذا الآخر بدفعه…”ويكمن وجه التشابه بين الوكالة التجارية وعقد الشغل في انه هناك شخص يؤدي لحساب ولمصلحة شخص آخر في كلا العقدين، ومع ذلك فان هذين العقدين يختلفان من عدة زوايا. تكمن في اختلاف النظام القانوني لكل من العقدين.فالتنظيم القانوني لعقد الشغل بهدف إلى حماية الأجير وتوفيره الكثير من الضمانات التي يبرزها وضعه الاقتصادي،بينا لا يحضى الوكيل بمثل هذه الحماية.

إضافة إلى ما سبق،يختلف عقد الشغل عن الوكالة التجارية من حيث المقابل وقواعد الإنهاء فإذا كان العمل المؤدى في إطار كل من العقدين نظير مقابل،فان هذا المقابل في عقد الشغل يعتبر عنصرا جوهريا من عناصره، بدونه لا نكون إزاء عقد شغل إما في عقد الوكالة التجارية وان كان بمقابل فهذا المقابل لا يعتبر جوهريا في العقد و لا يؤثر في طبيعته.فالوكالة كما تكون باجر قد تكون مجانية.

أما من حيث قواعد الإنهاء،فالوكالة التجارية قد تنتهي بموت الموكل أو الوكيل، مع حق الموكل في أن ينهي العقد بإرادته المنفردة بعزله للوكيل، أما عقد الشغل له قواعد خاصة به في الإنهاء.

هناك عدة معايير أخرى للتمييز بين هذين العقدين إلا أننا ذكرنا بعضها فقط نظرا لكثرها ويبقى أهمها هو عنصر التبعية في أداء العمل،حيث ذهبت في هذا الصدد محكمة الاستئناف بسطات في قراراتها بتاريخ 25 شتنبر 1984،رقم 744 إلى انه” وحيث أن المستأنفة سواء في المرحلة الابتدائية أو الاستئنافية تنفي علاقة الشغل التي يدعي المستأنف ارتباطه بها، وتصفها بأنها وكالة بالعمولة،وان ما يحصل عليه عبارة عن نسبة مئوية من المداخيل، بالإضافة إلى انه لم يكن يباشر أي عمل عندها،بل كانت توقف بمحل كغيرها حافلاتها لنقل المسافرين. ويقتصر نشاطه على تسليم بطائق السفر للركاب وعند نهاية الشهر يفتح معه الحساب، وتدفع له عمولته بنسبة 10% لا غير.

وحيث إن عنصر التبعية القانونية هو عنصر التمييز في عقد الشغل والأوضاع القانونية الأخرى وهو خضوع الأجير في أداء العمل لإدارة وإشراف المؤاجرين.

وحيث إن المستأنف عليه بحسب طبيعة العمل الذي كان يقوم به ،وهو تسليم بطائق السفر للركاب يعتبر أجيرا للمستأنفة لا وكيلا عنها.رغم قيامه بتصرفات قانونية لحسابها إذ أن تبعيته لها تبعة كاملة مما يتنافى ووصف الوكيل ومركزه.

وحيث إن العلاقة الرابطة بين المستأنفة والمستأنف عليه لا ترتبط بكيفية أداء الأجر،سواء كان محدد بالمدة أو بالقطيعة أو نسبة معينة من الدخل، بل العبرة بمدى تبعية الثاني للأول من حيث الرقابة والإدارة والإشراف
وحيث بات مؤكدا أن العلاقة الرابطة بين طرفي النزاع هي شغل وليس وكالة بالعمولة

خامسا:عقد التمثيل التجاري

عند مقارنتنا للمقتضيات الواردة في مدونة الشغل بالنسبة للممثل التجاري،وبين المقتضيات الواردة في مدونة التجارة بالنسبة للوكيل التجاري نحس بالصعوبات التي تمس إثبات الشروط المميزة لكل عقد عن الآخر.حيث نجد في مدونة في عقد شغل الممثل التجاري ارتباطه بمشغله بالتزامات تحدد طبيعة التمثيل التجاري .وفي عقد الوكيل التجاري يلتزم هذا الأخير بالتفاوض أو بالتعاقد باسم ولحساب تاجر مقابل أجرة عن ذلك.

ومن هنا يتأتى لنا استنتاج بعض الفروق رغم صعوبة الأمر، حيث يكمن الفرق الجوهري بين الوكيل التجاري والممثل التجاري في الطبيعة القانونية لهاتين المهنتين،فالوكيل التجاري يكون مستقلا في مزاولة مهامه ولا يكون مرتبطا بعقد عمل،في يرتبط الممثل التجاري بمشغله بواسطة عقد عمل ويترتب على ذلك خضوعه للالتزامات الأجراء ولرابطة التبعية نحو المشغل،كما يستفيد من الحماية من كل التدابير التي تطبق على كل من يحمل عقد عمل .دون أن الاستفادة من الحماية القانونية التي يوفرها قانون الشغل بصفة عامة للأجراء.

ولا يعتبر الممثل التجاري من التجار حتى إذا احترف نشاط التمثيل التجاري لأنه لا يمارس نشاطا يتحمل عنه المخاطر عنه من جهة، ومن جهة ثانية لكونه يعتبر وسيطا مأجورا يرتكز عمله على زيارة زبناء مشغله المتواجدين بمنطقة جغرافية معينة لعرض منتجات أو خدمات هذا الأخير عليهم وتبليغه أولا بأول بطلبات أو اقتراحات هؤلاء الزبناء.

سادسا: عقد الامتياز التجاري

بدأت أولى خطوات تطبيق هذا النظام في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1860 عن طريق شركة
Senger
لماكينات الخياطة، و التي تتضمن نظاما للامتياز التجاري لزيادة معدلات التوزيع و تطوير خدمة ما بعد البيع (الصيانة و قطع الغيار)، و التي كان من الصعب توفيرها من خلال الفروع الرئيسية، فعمدت إلى منح بعض رجال الأعمال المستقلين ماليا الحق الحصري في بيع إنتاج الشركة و تقديم الخدمات في مناطق محددة لينتشر بعد ذلك و بالتحديد بعد الحرب العالمية الثانية في باقي مناطق العالم، حيث يشمل جميع المجالات كما هم الوجبات السريعة
(Howrd jhonson, mcDonald, Pizza huts, kintaki…)
و كذلك في مجال الألبسة
(ZARA, Celio, Nike…)
إضافات إلى مجالات أخرى كقطاع الخدمات بما في ذلك النقل و الهاتف و كراء السيارات

و يعرف الفقه المصري نظام الامتياز التجاري
contrat de franchise
بأنه “نظام تعاقدي و إداري يلتزم بموجبه أحد أطرافه (المانح) بمنح الطرف الآخر (المتلقي) الحق في ممارسة و استغلال نشاط معين في منطقة معينة، ثبت نجاحه بالتجربة، مع السماح للمتلقي باستعمال جميع مستلزمات و مقومات هذا النشاط، و من اسم و علامة تجارية و خطط إدارية و تسويقية و مالية و إعلانية، مع تقديم المساعدة و التدريب و الإشراف أثناء مدة العقد، نظير مقابل معين إضافة إلى نسبة معينة من إجمالي مداخيل المبيعات، كما أن الفقه الفرنسي في شخص الأستاذ
leloup
يعرف هذا النظام ببساطة بأنه هو “السماح للآخرين بتكرار النجاح الذي سبق تحقيقه”.

و بعد هذه النبذة الوجيزة عن عقد الامتياز التجاري يبقى أن نعطي مكامن التشابه و الاختلاف بينه وبين الوكالة التجارية و التي يسميها بعض الفقه وكالة العقود.

حيث أن الوكالة التجارية قد تتداخل مع الامتياز التجاري نظرا للتشابه الكبير بين طبيعة كل من العقدين خاصة في النشاط التوزيعي للسلع و الخدمات، ناهيك عن أن كلا من العقدين يقوم على الاعتبار الشخصي، إضافة إلى الاستقلال القانوني الذي يتمتع به متلقي الامتياز اتجاه المانح، و كذلك يتمتع به الوكيل التجاري في مواجهة الموكل إضافة إلى أن الاثنين معا (متلقي الامتياز و الوكيل التجاري) يعتبران تاجرين إلا أن الاختلاف الأول يكمن في أن عقد الامتياز التجاري لا يزال بدون تنظيم إلى حدود اليوم في المغرب رغم انتشاره الواسع في الواقع العملي، عكس الوكالة التجارية التي تم تنظيمها ضمن مدونة التجارة منذ سنة 1996 أما عن الاختلاف الثاني فيتمثل في كون الوكيل التجاري يعتبر وسيطا فقط بين موكله و بين التجار أو الصناع أو المستهلكين و بالتالي فإنه لا يتحمل الخسائر المالية التي يتعرض لها الموكل في معاملته، عكس متلقي الامتياز، الذي يتحمل كافة الإخطار التي قد تنشأ عن إدارته للنشاط بالإضافة إلى الأخطار المتعلقة بظروف السوق الذي يعمل به، ثم إن الاختلاف الثالث و الذي يكتسي أهمية كبرى يتمثل في كون متلقي الامتياز تاجرا يتصرف و يزاول التجارة باسمه و لحسابه الخاص في حين أن الوكيل التجاري يتاجر و يتصرف باسم ولحساب موكله.

يخضع عقد الوكالة في الأصل للقواعد العامة التي ينص عليها ظهير الالتزامات والعقود.إلا أن هناك قواعد خاصة-تنطبق على العقود التجارية بصفة عامة وعلى عقد الوكالة التجارية بصفة خاصة-منها ما يتصل بقواعد الإثبات والتقادم كقواعد موضوعية،ومنها ما يتعلق بالتضامن والإخطار كقواعد شكلية.

وتفسر هذه القواعد بتعلقها بطبيعة المادة التجارية فيما يتعلق بالسرعة في المعاملات ودعم الائتمان، وتجب الإشارة إلى أن هناك قواعد أخرى غير تلك التي سنقوم بدراستها إلا أننا اقتصرنا على بعض المبادئ الأساسية فقط.

المطلب الأول
القواعد الموضوعية

هناك العديد من القواعد الموضوعية التي تميز العقود التجارية،وخاصة عقد الوكالة التجارية عن غيره من العقود، ولعل أهم تلك القواعد التي سنتناولها هي المتعلقة بإثبات عقد الوكالة التجارية(الفقرة الأولى)ثم تقادم عقد الوكالة التجارية (الفقرة الثانية

الفقرة الأولى
إثبات عقد الوكالة التجارية

يفرض المشرع قواعد محددة تعتبر بمثابة قيود على مبدأ الإثبات في المادة المدنية ومثال ذلك الفصل 443 من ظهير الالتزامات والعقود ،وعلى عكس ذلك فعل في المادة التجارية حيث اقر مبدأ حرية الإثبات في المادة 334 من مدونة التجارة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كالتالي: هل يخضع عقد الوكالة التجارية كعقد تجاري لمبدأ حرية الإثبات أم أن هناك شكلية معينة يتطلبها المشرع في هذا العقد حتى يكون صحيحا ومنتجا للإثارة؟

قبل الخوض في الحديث عن إثبات هذا العقد لابد من التطرق إلى مفهوم الشكلية في العقد، التي يقصد بها الشكل الذي يتطلبه المشرع في عقد معين، ونقصد هنا مسالة الكتابة.فهذه الأخيرة إذا كانت شرطا لصحة العقد فان عدم توفرها يؤدي إلى انعدام العقد من أساسه،أما إذا كانت غير مطلوبة لصحة العقد وإنما لإثباته فقط،فان انعقاد العقد بدون كتابته يعتبر صحيحا ولا يطرح أي مشكل إلا في حالة حدوث نزاع حيث يجب على الأطراف في هذه الحالة الإدلاء بدليل أو حجة على ما تم التعاقد بشأنه.

ومن خلال النصوص المنهجة لعقد الوكالة التجارية فان المشرع لم يشترط فيما شكلا معينا لصحة العقد،حيث يمكن منح الوكالة شفويا،كما يمكن استنتاجها ضمنيا أو من خلال تنفيذها من طرف الوكيل التجاري ورجوعا إلى المادة 397 من مدونة التجارة نسجل أن المشرع تطلب الكتابة في عقد الوكالة التجارية من اجل إثبات العقد وعند الاقتضاء، إثبات تعديلاته، وليس من اجل صحة العقد.

ويعتبر هذا البند استثناء من القاعدة العامة التي تنص على مبدأ حرية الإثبات بموجب المادة 334 من مدونة التجارة.إلا انه من المنطق أن تتم كتابة العقد حسب نظرنا لأنها هي الوسيلة الفعالة لحماية الوكيل التجاري في مواجهة الموكل من الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها جراء عدم كتابة بنود العقد.

وبالنظر إلى أن المشرع قيد إثبات عقد الوكالة التجارية بالكتابة،فان حماية الوكيل التجاري. تقتضي تفسير الكتابة تفسيرا واسعا،وبالتالي تعتبر الرسائل المتبادلة بين الطرفين بمثابة عقد مكتوب،ولكن يشترط في الوثيقة المحررة أن توضح صفة الأطراف، وهكذا فان الكتابة المطلوبة بمقتضى المادة 397 من مدونة التجارة لا تفرض في الكتابة أن تكون عبارة عن وثيقة واحدة موقع عليها من الطرفين وتحمل اسم ”عقد” وإنما كل كتابة تم التوقيع عليها من طرف الموكل ومن شانها توضيح طبيعة العقد ومحتواه.

فالكتابة إذا هي أداة ذات أهمية كبرى،تمكن أطراف العقد من تجنب أي لبس أو غموض يتعلق بطبيعة العلاقة بينهما،إلا أن المشرع لم يلزم الموكل والوكيل بها كشرط لصحة العقد الرابط بينهما ولكنه جعلها مجرد وسيلة للإثبات تخضع لاتفاق الأطراف.

الفقرة الثانية
تقادم عقد الوكالة التجارية

تبرر السرعة التي تعرفها المعاملات التجارية، إقدام المشرع على اعتماد آجال تقادم قصيرة،فإذا كان الأصل في الآجال هو 15 سنة في المواد المدنية فانه لا يتجاوز خمس سنوات في المادة التجارية وذلك بمقتضى المادة 5 من مدونة التجارة.

وبما أن المشرع لم ينص ضمن النصوص المنظمة للوكالة التجارية عن تقادم الدعاوي الناشئة عن عقد الوكالة التجارية ولا ضمن النصوص المنظمة للوكالة المدنية.إلا أنها تخضع لمقتضيات المادة 5 التي تطبق على المادة التجارية بصفة عامة، ولكن إذا ما رجعنا إلى الفصل 389 من ظهير الالتزامات والعقود نجده ينص على انه تتقادم بسنة ذات ثلاثمائة وخمسة وستين يوما:
1)…
2)دعوى الوسطاء من اجل استيفاء السمسرة،ابتداء من إبرام الصفقة

الإشكال الذي يطرح هنا هو بصدد عبارة ”الوسطاء” حيث أن عقد الوكالة التجارية يدخل ضمن أعمال الوساطة التجارية ولكن المشرع أحسن عندما أكمل العبارة ب”من اجل استيفاء السمسرة”وبذلك يكون قد حدد مجال تطبيق هذه المادة في عقود السمسرة،وتبقى بذلك الوكالة التجارية خاضعة للتقادم الخمسي المنصوص عليه في مدونة التجارة.

إضافة إلى المادة 388 من ظهير الالتزامات والعقود التي تنص على ما يلي:

تتقادم بخمس سنوات دعوى التجار والموردين أو أرباب المصانع من بسبب التوريدات التي يقدمونها لغيرهم من التجار أو الموردين أو أرباب المصانع من اجل حاجات مهنهم

المطلب الثاني
القواعد الإجرائية

إن عقد الوكالة التجارية يستلزم كغيره من العقود التجارية احترام مجموعة من الضوابط الإجرائية المتعلقة بتنفيذ العقد أو انقضاءه.وهي إجراءات يتطلبها العمل التجاري بصفة عامة لحماية السرعة والائتمان في هذا الميدان، وتتنوع هذه الإجراءات حسب مراحل القيام بالتصرفات القانونية.وتشمل على سبيل المثال نظام الفوائد،ونظام المهل القضائية،إلا أننا سنقتصر فقط على مبدأ أي التضامن والإخطار نظرا لأهميتها البالغة في هذا العقد وسيكون ذلك في فقرتين.

الفقرة الأولى:
مبدأ التضامن في عقد الوكالة التجارية

إذا كان التضامن غير مفترض في الميدان المدني طبقا للفصل 164 من ظهير الالتزامات والعقود، فان القاعدة في الميدان التجاري هي افتراض التضامن من بين المدينتين وقد نصت على ذلك المادة 335 من مدونة التجارة فيما يلي:”يفترض التضامن في الالتزامات التجارية” إضافة إلى ما نص عليه الفصل 165 من ظهير الالتزامات حيث جاء بما يلي”يقوم التضامن بحكم القانون في الالتزامات المتعاقد بين التجار لأغراض المعاملات التجارية وذلك ما لم يصرح السند المنشئ للالتزام أو القانون بعكسه.

أما فيما يخص عقد الوكالة التجارية فليس هناك أي نص ضمن القسم الثاني من الكتاب الرابع المنظم له،يقضي بافتراض التضامن بين المدينتين .لكن بما أن هذا العقد يخضع للقواعد الخاصة إضافة للقواعد العامة المنظمة للوكالة المدنية فلا بد من الرجوع إلى هذه الأخيرة في إطار ظهير التزامات والعقود حيث نجد الفصل 912 منه ينص على ما يلي”إذا تعدد الوكلاء فان التضامن لا يقوم بينهم إلا إذا اشترط ومع ذلك فان التضامن يقوم بقوة القانون بين الوكلاء

1)إذا حدث الضرر للموكل بتدليسهم أو بخطئهم المشترك وتعذر تحديد نصيب كل منهم في وقوعه.
2)إذا كانت الوكالة غير قابلة للتجزئة.
3) إذا أعطت الوكالة بين التجار لأعمال التجارة،ما لم يشترط غير ذلك،إلا أن الوكلاء ولو كانوا متضامنين،لا يسألون عما يكون قد أجراه احدهم خارج حدود الوكالة أو بإساءة مباشرتها

لكن هذا النص يبقى غير ملزما،إذ يمكن الاتفاق على عدم التضامن بين المدينتين لان قاعدة افتراض التضامن ليست من النظام وبالتالي يجوز الاتفاق على مخالفتها.

الفقرة الثانية
الإخطار في عقد الوكالة التجارية

إن كل مطالبة بالتعويض عن عدم الوفاء بالالتزامات إما يقتضى في المواد المدنية إعذار المدين وإخطاره بالوفاء،وان كان الأمر يكتسي طابعا شكليا متميزا في المواد المدنية،فان العرف قد جرى في المواد التجارية على حصوله بمجرد خطاب عادي أو شفاهي،وذلك تماشيا مع ما تتطلبه التجارة من سرعة في الإجراءات.

وتتجسد هذه القاعدة في عقد الوكالة فيما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 395 من مدونة التجارة بوجوب”التزام الأطراف بقواعد الصدق والإعلام” وما يهمنا هنا هو عبارة الإعلام التي يقصد بها تبصير كل طرف لآخر وإخطاره وإخباره بما ينوي الإقدام عليه،وقد قام المشرع بالتأكيد على مبدأ الإخطار في المادة 396 في فقرتها الثانية حيث نصت انه”يمكن لكل طرف وضع حد لعقد غير محدد المدة بتوجيه إشعار للطرف الآخر”. ثم حدد المشرع آجال الإخطار وقواعد احتسابه في نفس المادة، هذا ويجب التنبيه إلى أن هذه القاعدة يرد عليها استثناء يتمثل في الحالة التي يقوم فيها الموكل بفسخ العقد دون سابق إنذار إذا ارتكب الوكيل التجاري خطأ جسيما طبقا لنفس المادة.

أما فيما يخص المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي يلحق الوكيل التجاري من جراء إنهاء عقد الوكالة التجارية، فقد جعله المشرع رهينا بتوجيه إشعار إلى الموكل بخبره في بنيته في المطالبة بحقوقه في التعويض داخل اجل سنة من تاريخ إنهاء العقد، طبقا للمادة 402 من مدونة التجارة في فقرتها الأولى.