ضمانات الوفاء بالكمبيالة

الدكتور نبيــل العبيــدي

كلية الحقوق – جامعة البحرين

لقد اختلف الفقهاء حول تاريخ ظهور الكمبيالة وذلك راجع إلى قدمها. لكن ما هو متفق عليه الآن هو أن تسميتها “كمبيالة” مأخوذة من اللغة الإيطالية Cambiale أي وسيلة لصرف النقود باعتبارها كانت تشكل أداة وفاء فقد كانت تقوم مقام النقود.

لم يضع المشرع التونسي تعريفا للكمبيالة إلا أنه استنادا إلى خصائصها يمكن تعريفها بأنها: “ورقة تجارية محررة وفق شكلية حددها القانون تتضمن أمرا من شخص يسمى الساحب Tireur إلى شخص آخر يسمى المسحوب عليه Tiré بأداء مبلغ من النقود لفائدة شخص ثالث يسمى المستفيد Bénéficiaire وذلك في تاريخ الاستحقاق” (1) . يتضح من هذا التعريف أن الأطراف الرئيسيين في الكمبيالة هم ثلاثة: الساحب والمسحوب عليه ثم المستفيد. لكن في الحياة الواقعية نجد في أغلب الأحيان الساحب نفسه هو نفسه المسحوب عليه ومع ذلك تسمى الورقة التجارية بالكمبيالة . إلا أنه قد يدخل أشخاص آخرون في إطار هذه العلاقات الصرفية الناجمة عن هذه الكمبيالة إما كمظهرين أو كفلاء أو قابلين بالتدخل …الخ وكـل شخص وقع على هذه الكمبيالة يلتزم مع كافة الموقعين الآخرين بضمان أداء مبلغها وبصفة تضامنية لآخر حامل لها. فالالتزام الصرفي أي الالتزام بالكمبيالة ينشأ بمجرد التوقيع عليها والمسؤولية هي مسؤولية تنافسية في أداء مبلغها .

أ‌. أهميـة الكمبيالـــــة

إن الهدف من وراء سحب الكمبيالة هو تسوية حسابين:
– الأول، افتراض كون الساحب مدين للمستفيد.
– الثاني، افتراض كون الساحب دائن للمسحوب عليه.
وبهذه الصورة فان الكمبيالة تنشأ عنها 3 علاقات رئيسية:
– العلاقة بين الساحب والمسحوب عليه (أساسها المؤونة La provision )
– العلاقة بين الساحب والمستفيد (أساسها وصول القيمة La valeur fournie)
– العلاقة بين المستفيد والمسحوب عليه.

Christian LARROUMET, Les opérations juridiques à trois personnes en droit privé, thèse pour1 . انظر: le Doctorat, Toulouse 1968, p.76., V. aussi Ago MARTHE, Théorie générale des titres, thèse de Doctorat
du 3éme cycle, Toulouse I , 1981, p. 34.

ب. وظائــف الكمبيالـــــة

لقد عرفت الكمبيالة منذ نشأتها والى وقتنا الحاضر 3 وظائف وهي كالآتي :
1. الكمبيالة وسيلة لتفادي خطر نقل النقود
هذا هو الدور التقليدي الذي كانت تلعبه الكمبيالة . فقد كانت التجارة محفوفة بالمخاطر بحيث كان التجار تعترضهم مخاطر أثناء رحلا تهم وذلك لما كانوا يتعرضون له من سرقة أو ضياع أو تلف تلك الكميات الهائلة من النقود . لكن هذا الدور الذي يمكن أن تلعبه الكمبيالة اخذ طريقة إلى الزوال وذلك بعد انتشار التعامل بالشيكات و الحوالات البريدية بحيث أصبحت هذه الوسائل هي الأخرى تقوم بهذا الدور أي كأداة لنقل النقود وتلافي خطر الطريق .

2. الكمبيالة أداة وفاء. Instrument de paiement
لقد اكتسبت الكمبيالة هذا الدور ابتداءا من القرن 17 بعد أن تم اكتشاف ” شرط الأمر ” وبالتالي أصبحت الكمبيالة قابلة للتظهير أي قابلة للانتقال من يد المستفيد إلى أيادي أشخاص آخرين وبانتقالها هذا أصبحت تساهم في سداد عدة ديون (2). فمثلا المستفيد قد يكون مدينا لشخص ما فيسدد له عن طريق تظهير الكمبيالة لفائدته ، وهذا المظهر إليه أي الحامل الجديد قد يكون هو الآخر مدينا لشخص آخر ولسداد هذا الدين يقوم هذا الحامل بتظهير الكمبيالة كذلك لفائدة دائنه وهكذا إلى أن يحين موعد الاستحقاق أي موعد الأداء فيتقدم آخر حامل لها إلى المسحوب عليه مطالبا إياه بوفاء مبلغها .
وهكذا نلاحظ أن عدة وفاءات قد تمت وان عدة ديون قد سددت بموجب هذه الكمبيالة.

. 3 الكمبيالة أداة ائتمان. Instrument de crédit
الائتمان هو منح الثقة Faire crédit c’est faire confiance ، هذا وباعتبار الكمبيالة أداة ائتمان فإن ذلك يعتبر أهم دور وأهم وظيفة تقوم بها هذه الورقة التجارية حاليا . فإذا كان قد اضمحل دورها كأداة نقل النقود و أداة وفاء ، فإنها قد احتفظت بدورها الأساسي باعتبارها أداة ائتمان خاصة بعد عجز الوسائل الأخرى كالشيك مثلا عن القيام بهذا الدور . دور الكمبيالة هنا هو خدمة هذا الائتمان وتسهيل المعاملات التجارية بين الأشخاص . فهكذا مثلا يقوم تاجر بالتقسيط بشراء بضاعة من تاجر بالجملة (البائع) وهذا الأخير قد يقدم فيما بعد على شراء سلع من المصنع مقابل تظهير هذه الكمبيالة لفائدة دائنه أيضا (صاحب المصنع) وهكذا… إلى أن يحين موعد استحقاق الكمبيالة فيعود حاملها الأخير على المسحوب عليه ويستوفي دينه.

حماية لهذه الثقة وهذا الائتمان فقد وضع المشرع قواعد تؤمن ذلك بالنسبة للمتعاملين بالكمبيالة مثل: تضامن الموقعين ، عدم التمسك بالدفوعات الشخصية ، منع منح آجال من طرف المحاكم … إلى غيرها من القواعد ، ومما زاد في أهمية الكمبيالة كأداة ائتمان هو ظهور عاملين :
– الخـصـــــم . Escompte
لقد تم اكتشافه في خلال القرن 17 على يد Paterson مؤسس بنك أنجلترا ومعناه أن حامل هذه الكمبيالة المستحقة الوفاء بعد مدة معينة يمكن لحاملها عدم انتظار حلول أجل الاستحقاق فيتقدم إلى أحد البنوك ويتنازل له عن هذه الكمبيالة ، فيسلمه البنك مبلغها حالا مقابل خصم نسبة مائوية من مبلغها . وعندما يحين أجل الاستحقاق يعود البنك على المسحوب عليه لاستيفاء مبلغها . كما أن هذا البنك الذي قام بعملية الخصم قد تعوزه السيولة النقدية فيضطر إلى إعادة خصم Réescompte هذه الكمبيالات لدى البنك المركزي ، وهذا ما شجع الأشخاص على التعامل بالكمبيالة بالرغم من كونها أداة ائتمان أي أنها لن تستحق إلا بعد مدة زمنية، ما دام أن هؤلاء الأشخاص لديهم وسيلة للحصول على مبالغ هذه الكمبيالات ولو قبل حلول أجل الاستحقاق وذلك عن طريق خصمها . والبنوك هي الأخرى لا تتردد في عملية خصم هذه الكمبيالات ما دامت مربحة بالنسبة لها وما دام يمكنها إعادة خصمها متى اضطرت لذلك .

A. BEN DHIA & B. BEL HADJ YAHIA , Droit commercial et bancaire tunisien, Tunis 1978, p .64:2. انظر

– تعبئة الإعتمادات المصرفية Mobilisation des créances .
لقد اكتشفت في القرن 19 على يد Henri Germain مؤسس بنك الاعتماد الليوني Crédit Lyonnais مضمون هذه العملية هو أنه لوحظ بأن البنوك تمنح لزبائنها قروضا لأجل معين ، فعوض أن تبقى ديون البنك على زبائنه مجمدة تم التفكير في تعبئتها وذلك بأن يقوم البنك بسحب كمبيالات على زبائنه ويقوم بعملية خصمها أو إعادة خصمها وبذلك يحصل هذا البنك المقرض على المبالغ المالية التي أقرضها وعند حلول أجل رد القرض يقوم الزبون المقرض بسداد هذه المبالغ إلى البنك الذي قام بعملية خصم أو إعادة خصم للكمبيالات والتي تستحق الوفاء بحلول رد القرض .

ج. الضمانات الخاصة بالوفاء بالكمبيالة

لاغرو أن المشرع التونسي أقر ضمانات تشريعية وإتفاقية بهدف حماية الحامل حسن النية كالتضامن بين الممضيين وعدم المعارضة بالدفوعات الشخصية والتأمينات العينية والتأمينات الشخصية… الخ ، ولعل الضمانات الخاصة بالوفـاء بالكمبيالة تتمـثـل فــي المؤونة (1) القبــول (2) والكفالة (3).

1. المـــــؤونـــــــة
إن المؤونة هي دين بمبلغ من النقود مساو على الأقل لمبلغ الكمبيالة في ذمة المسحوب عليه للساحب يكون موجودا أو مستحق الأداء في تاريخ حلول أجل الوفاء بالكمبيالة. فإذا باع الساحب للمسحوب عليه بضاعة فإن ثمن تلك البضاعة هي مؤونة الكمبيالة التي يحررها الساحب على المسحوب عليه (3) .

ولا بد هنا من التفرقة بين المؤونة ووصول القيمة Valeur fournie إذ الأولى هي دين الساحب على المسحوب عليه بينما وصول القيمة هو دين المستفيد أو الحامل بذمة الساحب أو المظهر والذي من أجله تم تحرير الكمبيالة فوصول القيمة يكون بضاعة أو مالا نقدا بينما المؤونة لا تكون إلا مالا نقدا لذلك أوجب المشرع ذكر مبلغ الكمبيالة مالا نقدا محدد المقدار . المؤونة تنتقل ملكيتها للحامل وفي حالة وجودها لدى المسحوب عليه هي ضمان من ضمانات الوفاء بالكمبيالة ولو أنها لم تتواجد لديه إلا يوم الاستحقاق (الفصل 275 م.ت.) كما أن المسحوب عليه القابل للكمبيالة ملزم بأداء قيمتها أي مؤونتها للحامل ولو لم تكن موجودة لديه (الفصل 287 م.ت.) يوم وجوب الخلاص .

2 . القبـــــــــول
ينص الفصل 287 م.ت. على ” أن القبــــــــول يلزم المسحوب عليه بأن يدفع ما بالكمبيالة عند الحلول”. إن القبول ليس شرط صحة للكمبيالة . فالفصل 269 م.ت. يفترض فقط ذكر إسم المسحوب عليه وليس قبوله . فالقبول لم يرد ضمن البيانات الإلزامية الواردة بالفصل 269 م.ت. القبول إذا هو التزام المسحوب عليه بخلاص قيمة الكمبيالة عند حلول أجل استحقاقها.

فهو بالتالي قرينة على وجود المؤونة على معنى الفصل 275/4 م.ت. إذ يمثل لحامل الكمبيالة ضمانا جديا ليدفع له مبلغها عند حلول أجلها (4) .
القبول إذن له أهمية عملية من حيث أنه يمثل ضمانا إضافيا لفائدة الحامل. أما إذا ما رفض المسحوب عليه قبول الكمبيالة فإنها لن تقدم للحامل أي ضمان إذ يخشى عدم خلاصه من طرف المسحوب عليه.
Mohamed GHOUTHI , La provision en matière de lettre de change, mémoire de D.E.S.S. en Droit 3 . انظر :

privé, F.D.S.P.E. de Tunis, 1978 .
4 . انظر :DEJUGLARD & IPPOLITO, Droit commercial, effets de commerce et chèques, 1er vol, T.II , 2éme ed. 1970

3 . الكفــــالـــــة
لا غرو أن المشرع أقر ضمانات تشريعية للوفاء بالكمبيالة بغـرض حماية الحامل حسن النية من ذلك مثلا نظرية ملكية المؤونة والقبول من المسحوب عليه والتضامن بين الممضين وعدم المعارضة بالدفوعات الشخصية … غير أن هذه الضمانات تبدو أحيانا قاصرة عن تحقيق غايتها ولذلك كان من الممكن دعمها بضمانات اتفاقية وهي إما تأمينات شخصية ” كالكفالة ” أو تأمينات عينية . فيمكن أن يضمن الوفاء بالكمبيالة من خلال توفير تأمين عيني فيقع مثلا إنشاء رهن عقاري ضمانا للوفاء ويتم تداول التأمين مع الكمبيالة عند تداولها. إلا أن اللجوء إلى مثل هذا الحل نادر فهو غير مشجع عمليا إذ يكبد مصاريف إنشاء رهن عقاري لضمان الوفاء بدين غالبا ما يكون قصير الأجل. ولعل التأمين الأكثر اعتمادا هو الرهن المحمل على البضاعة المبيعة والمنقولة بحرا فالكمبيالة الموثقة مستعملة بكثافة في ميدان النقل البحري.

الجــــزء الأول

الـمـــؤونـــــــة
LA PROVISION
(الفصل 275 م.ت.)
المؤونة لا تعتبر شرطا من شروط صحة الكمبيالة بدليل أنه لم يقع التعرض لها من طرف المشرع في الفصل 269 م.ت. عند تنصيصه على الشروط الوجوبية الشكلية للكمبيالة . فالساحب يمكنه أن ينشىء الكمبيالة ويلتزم بها التزاما صرفيا دون أن تكون المؤونة موجودة فالمهم عليه (أي على الساحب) إحضارها في تاريخ حلول أجل الوفاء وإن هي (المؤونة) وجدت لدى المسحوب عليه يوم إنشاء الكمبيالة تكون لها أهمية بالنسبة للعلاقة بين كافة أطراف الكمبيالة .

لا غرو أن مفهوم الكمبيالة في القانون التونسي يختلف عن مفهومها في القانون الألماني الذي يكرس بشدة الصبغة التجريدية والشكلية للكمبيالة Caractère abstrait et formaliste ويرفض إنشاء أي علاقة بين الكمبيالة والمؤونة (5) فهو لا يلزم الساحب بإيجاد المؤونة لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار سوى السند Titre والإمضاءات المضمنة به. على عكس ذلك فالتشريع التونسي الذي نقل أحكام التشريع الفرنسي في هذا المجال يشترط أن يكون الساحب دائنا للمسحوب عليه عند حلول الأجل (الفصل 275 م.ت.) ، الأمر الذي يلح علينا معرفة الطبيعة القانونية للمؤونة (محور I) والنظام القانوني لها (محور II).

Léon DABIN , Fondements du droit cambiaire allemand, 19595. أنظر :
مـحــــور I . الطبيعة القانونية للمؤونة

لا غرو أن المؤونة هي دين الساحب على المسحوب عليه (قسم 1) إلا أنها لا تظل ملكا للساحب بل إن ملكيتها تنتقل إلى المستفيد والحملة على التعاقب وفقا لسحب الكمبيالة ثم تظهيرها الأمر الذي يترتب عليه انتقال ملكية المؤونة (قسم 2) .

قسم 1 . مفهوم المؤونة أو دين الساحب على المسحوب عليه

المؤونة هي دين الساحب على المسحوب عليه ، ولعل هذا المفهوم يتبين أكثر من خلال شروط وجودها (فقرة 1) .

فقرة 1 . شروط وجود المؤونة

تنقسم شروط وجود المؤونة إلى قسمين ، شروط تتعلق بالدين ( أ ) وشروط تتعلق بشخص الساحب (ب) .

أ . شروط تتعلق بالدين

حتى يمثل الدين مؤونة يجب أن يكون سببه مشروعا وأن يكون محله مبلغا من المال وأن يكون مستوجب الدفع عند حلول أجل الكمبيالة .
– السبب ، يجب أن يكون مشروعا حسب الفصل 2 و67 م.ا.ع. فالتصرف يكون باطلا إذا كان بدون سبب أو كان السبب مخالفا للنظام العام والأخلاق الحميدة . الفصل 67 م.ا.ع ينص على أن “الالتزام المبني على غير سبب أو على سبب غير جائز لا عمل عليه” .

– المحل ، حسب الفصل 275 /2 م.ت. يجب أن يكون محل الدين مبلغا من المال يساوي على الأقل مبلغ الكمبيالة ، حسب الفصل 274 /1 م.ت. فإن الساحب يضمن خلاص مبلغ الكمبيالة وتبعا لذلك فعليه ضمان تنفيذ الخلاص . ولكن ما هو الحل في صورة المؤونة المجزئةPartielle Provision ؟ . الفصل 285 /4 م.ت . “يجب أن يكون القبول مجردا ومطلقا لكنه يمكن للمسحوب عليه أن يحصره في جزء من مبلغ الكمبيالة ” إن الفصل 285 /4 م.ت. يمنح للمسحوب عليه إمكانية للقبول الجزئي وهو ما يجر إلى القول بإمكانية القيام بدفع جزئي Payement partiel لأنه من غير المنطقي رفض أي ضمان لفائدة الحامل بحجة أن الكمبيالة تقوم على مؤونة غير كافية . إضافة إلى أن الفصل 295 /2 م.ت . نص صراحة على أنه “لا يمكن للحامل أن يرفض قبول دفع جزئي ” .
السؤال المطروح هو أنه في صورة المؤونة الجزئية حين يجد الساحب نفسه أمام حامل مهمل Porteur négligent ، فهل يمكنه الاستفادة ضد الحامل بسقوط الحق المنصوص عليه بالفصل 315 م.ت ؟ في الواقع لا يكون الساحب مخطئا إلا في صورة عدم توفير المؤونة ، وعليه إثبات إهمال الحامل ، وتسقط حقوق الحامل في حدود المؤونة الجزئية .

– حلول الدين ، يجب أن يكون الدين حالا أي مستوجب الدفع عند حلول أجل الكمبيالة، ولا يهم وجوده من عدمه وقت إصدارها (أي الكمبيالة).

1 . يجب أن لا يكون الدين مشروطا لأن الشرط يحول دون خلاص الدين .
2 . يجب أن لا يكون أجل الدين أبعد من أجل حلول الكمبيالة .
3 . يجب أن لا تتلاشى المؤونة بين السحب وأجل الحلول .

ب . شروط تتعلق بشخص الساحب

ينص الفصل 275 /1 م.ت. على أن “المؤونة على الساحب” ، فالساحب هو الذي يضمن الدفع على معنى الفصل 274 م.ت. بما أنه ملتزم تجاه الحامل بتمكينه من الحصول على مبلغ الكمبيالة (لذلك اعتبرت المؤونة ضمانا من ضمانات الوفاء وجعل حق الحامل عليها قبل أي شخص آخر ملتزم بالكمبيالة موضوع تلك المؤونة) .

قسم 2 . انتقال ملكية المؤونة

ينص الفصل 275 /3 م.ت . على ” أن ملكية المؤونة تنتقل قانونا إلى حملة الكمبيالة على التعـاقب ، المشرع في هذه الفقرة اكتفى بذكر عبارة “كمبيالة ” فحسب دون أن يوضح إن كان هذا الانتقال يتم في حالة كمبيالة مقبولة أم في حالة كمبيالة غير مقبولة نظرا إلى أن حق الحامل يختلف في كلا الحالتين الأمر، الذي يلح علينا في مرحلة أولى معرفة انتقال ملكية المؤونة في حالة قبول الكمبيالة ( فقرة 1) ليتسنى في مرحلة ثانية بيان هذا الانتقال في حالة عدم قبول الكمبيالة ( فقرة 2) .

فقرة 1 . انتقال ملكية المؤونة في حالة قبول الكمبيالة

إن القبول يلزم المسحوب عليه بان يدفع مبلغ الكمبيالة لحاملها عند حلول اجل الخلاص، فالمسحوب عليه بمجرد قبوله الكمبيالة أصبح ملتزما صرفيا إذ أن قبوله منح للحامل حقا مطلقا ومؤكدا يمكن له استعماله تجاه الساحب (أ) كما يمكن أن يستعمله تجاه المسحوب عليه (ب) .

أ . حق الحامل تجاه الساحب

لحامل الكمبيالة حق مطلق لا يشاركه فيه أي دائن آخر . أما المسحوب عليه فيصبح مدينا للحامل بعد أن كان مدينا للساحب. وهو (أي المسحوب عليه ) ملتزم صرفيا وبذلك يكون قد دخل في علاقة ثلاثيةCircuit triangulaire بعـد أن كان خاضعا للعلاقة الأساسية Rapport fondamental
إن القبول يدعم ويقوي حق الحامل ويجعله غير مردود Irrévocable . إن المؤونة بمجرد توفيرها فهي تخرج نهائيا من الذمة المالية للساحب لتصبح منذ هذه اللحظة منتمية إلى الحامل بما انه صاحب السند وحامله . وهذا ما أكده فقه قضاء محكمة التعقيب في قرار لها صادر بتاريخ 21 ديسمبر 1966 ، “كل حامل لكمبيالة مالكا لمؤونتها” إن القبول ليس شرطا لانتقال ملكية المؤونة ، والمؤونة بدورها ليست شرط صحة للكمبيالة . بربط الفقرتين 3 و4 للفصل 275 م.ت. يتبين وان القبول يدعم حق الحامل ويجعله متؤكدا من الخلاص عند حلول اجل الكمبيالة . إن القبول يجعل من الحامل ، الدائن الحقيقي للمسحوب عليه ومتيقنا من الخلاص عند حلول الأجل وبذلك تمثل المؤونة ضمانا من ضمانات الوفاء .

حسب فقه القضاء لا يمكن للساحب بعد حصول القبول أن يطالب المسحوب عليه بخلاص دينه بما أن المؤونة خرجت نهائيا من ذمته وأصبحت ملكا للحامل ، كما لا يمكنه أن يعارض المسحوب عليه بذلك الدين في مقاصة. كما لا يمكن لدائني الساحب القيام بعقلة توقيفية على الدين المتخلد بذمة المسحوب عليه طالما أن هذا الأخير أصبح مدينا للحامل فحسب . إذا أفلس الساحب فلا يمكن لأمين الفلسة القيام ضد المسحوب عليه على أساس المؤونة لاسترجاع قيمتها وضمها لذمة (أو مال L’actif) المفلس فالحامل هو مالك المؤونة وصاحب الحق في توظيفها . ولكن إذا ما توفرت المؤونة في فترة الريبة فالحامل لا يمكنه أن يتمتع بأي حق ملكية على المؤونة ، فهو يصبح كدائن عادي .

ب . حق الحامل تجاه المسحوب عليه

حسب الفصل 287 /1 م.ت. ،فإن المسحوب عليه بمقتضى قبوله للكمبيالة يصبح ملتزما صرفيا ومدينا للحامل بصفة مباشرة وغير رجعية . “فالقبول يلزم المسحوب عليه بأن يدفع ما بالكمبيالة عند الحلول” كما لا يمكنه أن يعارض الحامل بدفوعات مبنية على علاقاته الشخصية بالساحب (الفصل 280 م.ت.) وأن قبوله للكمبيالة كان للتغطية وعلى أساس مده بالمؤونة لاحقا . وكل دفع يقوم به المسحوب عليه لأي شخص غير الحامل هو غير مبرئ إزاء هذا الأخير وهذا ما قررته محكمة التعقيب التونسية في قرار لها صادر بتاريخ 03 فيفري 1983 (6).

فقرة 2 . انتقال ملكية المؤونة في حالة عدم قبول الكمبيالة

الفقرة 2 من الفصل 275 م.ت. تحدد وقت وجود المؤونة وذلك عند حلول أجل دفع الكمبيالة وذلك يعني أن حق الحامل في انتقال ملكية المؤونة لا يترتب إلا عند حلول أجل الخلاص أما قبل هذا التاريخ فله حق احتمالي Droit éventuel ( أ ) إلا أن هذا الحق الاحتمالي الممنوح للحامل قد وقع تدعيمه من طرف ملطفات Palliatifs فقه قضائية (ب) .

أ . حق احتمالي للحامل على مؤونة الكمبيالة

الفقرة 2 من الفصل 275 م.ت. تحدد وقت وجود المؤونة عند حلول أجل الدفع ، قبل هذا الأجل ليس للحامل سوى حق احتمالي . إن الحامل لا يكتسب حقا على الدين الحالي للمسحوب عليه وإنما على الدين القابل للوجود بين يدي المسحوب عليه عند الحلول . المؤونة في هذه الحالة لا تنتقل إلى الحامل ، إذ يظل الساحب مخولا له أن يطلب دينه من المسحوب عليه وأن يسترجع المؤونة ما لم يحن أجل الحلول . كما يمكن للمسحوب عليه أن يرفض خلاص قيمة الكمبيالة لحاملها عند الحلول إذا كان قد اعتمدها في مقاصة أو لاسترجاع المؤونة من طرف الساحب . لذلك فإن حق الحامل لا ينطوي إلا على دين محتمل إذ أنه حتى وإن وجد حاليا، فهو مهدد بالاضمحلال في الفترة الفاصلة ما بين إصدار الكمبيالة وحلول أجل خلاصها . لذلك أقر فقه القضاء الفرنسي جملة من الملطفات لتدعيم حق الحامل ومنحه ضمانا قويا ليكون متيقنا من خلاصه عند حلول الأجل .

ب . تدعيم حق الحامل من طرف فقه القضاء

إن الحامل يخشى أن يتخلص المسحوب عليه (غير القابل) من المؤونة قبل حلول أجل خلاص الكمبيالة، لذلك مكنه فقه القضاء من ضمان قوي ليدعم حقه على المؤونة ويحفظها وذلك بتمكينه من منع المسحوب عليه من التنازل عن المؤونة الموجودة بين يديه كما يمكنه إجراء عقلة توقيفية ، أو توجيه تنبيه للمسحوب عليه بأن لا يقوم بالخلاص بين يدي الساحب . وبحلول الأجل يصبح الحامل صاحب المؤونة النهائي بحكم القانون (وذلك إن وجدت المؤونة) ولن يكون للساحب أي حق عليها منذ ذلك التاريخ . كما أن الامتناع عن قبول الكمبيالة يترتب عليه قانونا سقوط الأجل (283/10 م.ت.) فيمكن للحامل القيام ضد الممضين الآخرين للكمبيالةSignataires قبل الحلول بشرط أن لا يكون مهملا Négligent وهم ملزمون إزاءه بالتضامن .

6. قرار تعقيبي مدني عدد 6200 مؤرخ في 03/02/1983، نشرية محكمة التعقيب، القسم المدني، ج . I ، ص . 84، مادة تجارية. أنظر الملحق.

محــــور II . النظــــام القـــانوني للمؤونـــــة

الفصل 275 م.ت. حدد فيه المشرع أحكام المؤونة ونظامها القانوني، ولعل من أهم العناصر في دراسة النظام القانوني للمؤونة هو إثبات وجودها (قسم 1) (الذي تعرضت إليه الفقرات 4 ،5 و6 من الفصل 275 م.ت.) ، و الآثار المترتبة في صورة عدم وجودها (قسم 2) .

قسم 1 . إثبــات وجـــود المؤونـــة

الفقرات 4 ،5 و6 من الفصل 275 م.ت. هي التي تتحدث عن إثبات وجود المؤونة في الكمبيالة، فسيكون البحث أولا في إثبات وجود المؤونة في حالة قبول الكمبيالة (فقرة1) وثانيا إثبات وجود المؤونة في حالة عدم قبول الكمبيالة (فقرة 2) .

فقرة 1 . إثبات وجود المؤونة في حالة قبول الكمبيالة

الإثبات هنا يختلف حسب العلاقة بين الأطراف ، علاقة المسحوب عليه بالساحب (والساحب هنا يمكن أن يكون هو حامل الكمبيالة) وذلك في إطار علاقة ثنائية ( أ ) وكذلك يمكن إثبات وجودها في علاقة المسحوب عليه بالحامل وذلك في إطار علاقة ثلاثية (ب) .

أ . اثبات وجود المؤونة في العلاقة بين المسحوب عليه والساحب في إطار علاقة ثنائية
(الساحب هنا يمكن أن يكون هو الحامل نفسه ) ( المسحوب عليه/والساحب الحامل)

ينص الف275 /4 م.ت. على ” أن القبول قرينه على وجود المؤونة و هذا القبول مثبت لوجودها بالنظر للمظهرين ” . الإشكال هنا يكمن في معرفة طبيعة هذه القرينة ، هل هي قرينة بسيطة أم قرينة قاطعة ؟
القرينة في إطار هذه العلاقة هي قرينة بسيطة قابلة للدحض باثبات العكس(7) ، فالمبدأ أن المسحوب عليه يبقى تجاه الساحب في إطار العلاقة الأساسية Rapport fondamental . فمـن الممكن أن يقبل المسحوب عليه الكمبيالة برغم عدم حصوله على المؤونة ولكن على أمل الحصول عليها عند الحلول(8) ، ولذلك فمن غير العدل افتراض حصوله على المؤونة في حين أنها لم تصله يوم حلول أجل خلاص الكمبيالة أو أنها وصلته في حالة سيئة (مثلا بالنسبة للبضائع ) . لذلك يمكنه (المسحوب عليه) دحض قرينة وجود المؤونة باثبات عدم توفير الساحب للمؤونة له. وبالتالي فان قرينة وجود المؤونة تكون دائما بسيطة في إطار علاقة الساحب بالمسحوب عليه فحسب ، ويمكن للمسحوب عليه تبعا لذلك دحضها بإثبات العكس وذلك في حالتين :

حالة 1 : إذا كان الساحب هو الحامل (علاقة ثنائية ) فيطلب من المسحوب عليه القابل خلاص ما بالكمبيالة . في هذه الحالة يمكن للمسحوب عليه رفض الوفاء للساحب شرط أن يثبت انه لم يتلق المؤونة .

G. TOUJAS,” Théorie de la provision”, J.C. droit com., art. 147 à 165, p. 83. 7.انظر :
JESTAZ, ” Le tireur conserve t-il la propriété de la provision après l’émission d’une lettre de8.انظر :
change ou d’un chèque”, R.T.D. com. , 1966 .

حالة 2 : إذا أصدرت الكمبيالة في إطار علاقة ثلاثية ، وقام المسحوب عليه بخلاص الحامل ثم رجع على الساحب لاسترجاع ما دفعه ، يكون المسحوب عليه في هذه الحالة مطالبا بإثبات عدم توفير الساحب للمؤونة ذلك أن قبوله يفترض دائما وجودها – القرينة إذا هنا بسيطة يمكن دحضها .
المسحوب عليه برغم قبوله يمكنه أن يثبت أن سبب قبوله يرجع إلى علاقة الصداقة التي تربطه بالساحب وان قبوله كان ” للتغطية ” وأن يثبت أنه وضع إلى جانب إمضاء قبوله كلمة ” للتغطية ” وان قبوله كان على أمل الحصول على المؤونة عند حلول أجل خلاص الكمبيالة وأنه لم يحصل عليها في هذا التاريخ .

الإثبات المحمول على المسحوب عليه (إثبات عدم تلقي المؤونة ) هو إثبات يتعلق بأمر سلبي لذلك يصعب تحقيقه خاصة بين غير التجار . محكمة التعقيب في قرار لها صادر بتاريخ 1967.11.29 أكدت أن ” قبول الكمبيالة قرينة على وجود المؤونة إلا انه يمكن دحض هاته القرينة” .

ب. إثبات وجود المؤونة في العلاقة بين المسحوب عليه والحامل في إطار علاقة ثلاثية
(المسحوب عليه – الساحب – الحامل)

العلاقة بين المسحوب عليه والحامل أو المظهر هي علاقة ثلاثية والقرينة في إطار هذه العلاقة هي قرينة قاطعة غير قابـلــة للـدحــض بـإثــبــات الــعـكـس وذلــك عــلى أســاس مـبـدأ عـــدم الاحـتـجـــــاج بالــدفــوعـــات الـشـخــصــيــــة d’inopposabilité des exceptions Principe
الذي اعتمده فقه القضاء التونسي على أساس الفصل 280 م.ت. إذن فقرينة الفصل 275/4 م.ت. في هذا الإطار هي قرينة قاطعة غير قابلة للدحض بإثبات العكس ولكن لهذه القرينة القاطعة حد وهو الفصل 280 م.ت. (إذا كان الحامل سيء النية ) (9) .

الفصل 275/4-5 م.ت. يضع بوضوح قرينة قاطعة لفائدة الحامل أو المظهر في صورة قبول المسحوب عليه الكمبيالة ، فهذا الأخير يكون ملزما إزاء الحامل لمجرد قبوله ولا يمكنه الاعتراض عند حلول أجل خلاصها بحجة عدم حصوله على المؤونة أو لأي حجة أخرى مبنية على علاقته الشخصية بالساحب . وطالما أن قرينة وجود المؤونة في إطار هذه العلاقة هي قرينة قاطعة فانه لا حاجة للحامل أن يثبت وجود المؤونة من جهة ، ولا حاجة للمسحوب عليه أن يثبت عدم توفر المؤونة من جهة أخرى طالما انه يكون ملزما تجاه الحامل بمجرد قبوله للكمبيالة سواء توفرت لديه المؤونة أم لم تتوفر . ويمكن هنا اعتماد الفصل 485 م.ا.ع. الذي له الصبغة القطعية على القرائن القانونية وحتى في صورة ما إذا كان قبول المسحوب عليه ” للتغطية ” فان القرينة القانونية القاطعة تبقى لصالح الحامل أو المظهر . إن مصدر هذا التفسير ليس الفصل 275 م.ت. وإنما الفصل 287 م.ت. الذي يفترض أن قبول المسحوب عليه هو التزام صرفي تجاه الحامل أو المظهر أي إن القبول بمثابة التزام بالدفع فهو إلتزام صرفي تجاه الحامل أو المظهر ، ينص الفصل 287 م.ت . ” إن القبول يلزم المسحوب عليه بان يدفع ما بالكمبيالة عند الحلول وعند عدم الدفع يمكن للحامل وان كان الساحب نفسه القيام مباشرة على القابل بالدعوى الناجمة على الكمبيالة للمطالبة بكل ما يحق طلبه على مقتضى الفصلين 311 و312 ” .

إذن فالمسحوب عليه ملزم بالدفع للحامل ، ولا يمكنه الامتناع عن ذلك بحجة عدم حصوله على المؤونة لأنه ملتزم صرفيا بفعل قبوله الكمبيالة ، ويمكنه بعد خلاص الحامل القيام على الساحب على أساس الإثراء بدون سبب وفي هذه الحالة فان عبء الإثبات يكون محمولا على الساحب وهذا ما صرحت به محكمة التعقيب في قرار لها صادر بتاريخ 9 ديسمبر 1985 (10) . لكن ولئن كانت القرينة في هذه العلاقة قرينة قاطعة فلها حد والمتمثل فـــــــــــــــــي :
9. سليمان جلاصي ،” خواطر حول الفصل 280 م.ت.” ، م.ق.ت.، 1985 .
Jean BOUTERON,” De l’inopposabilité des exceptions à l’action directe du tireur d’une lettre deأنظر : 10.
change acceptée”, Gaz. Pal. , 1955.

– الفصل 280 م .ت . الذي ينص على ” إن الأشخاص المدعى عليهم بمقتضى الكمبيالة لا يمكن لهم أن يتمسكوا ضد الحامل بوسائل المعارضة المبنية على علاقاتهم الشخصية بالساحب أو بحامليها السابقين ما لم يكن الحامل قد تعمد عند اكتسابه الكمبيالة الأضرار بالمدين ” . يجوز للمسحوب عليه القابل أن يتمسك بغياب أو بعدم كفاية المؤونة في مواجهة الحامل سيء النية الذي لا يمكنه أن يتمسك بمبدأ عدم الاحتجاج بالدفوعات الشخصية (11) .

إذن يمكن للمسحوب عليه أن يثبت عدم وجود المؤونة أو عدم كفايتها ضد الحامل إذا كان سيء النية (12) ، وهذا ما أكده فقه القضاء التونسي الذي اتفق على أن الحامل سيء النية لا يمكنه التمتع بمبدأ عدم الاحتجاج بالدفوعات الشخصية .

فقرة 2 . اثبات وجود المؤونة في حالة عدم قبول الكمبيالة

وسنرى هذه الحالة تباعا حسب علاقة المسحوب عليه بالساحب (والساحب يمكن أن يكون هو الحامل ) وذلك في إطار علاقة ثنائية ( أ ) وكذلك إثبات وجودها في العلاقة بين الساحب والحامل (ب) وأيضا بين المسحوب عليه والحامل و ذلك في إطار علاقة ثلاثية (ج).

أ . إثبات وجود المؤونة في العلاقة بين المسحوب عليه والساحب ( والساحب هنا يمكن ان يكون هو الحامل)

إن العلاقة بين الساحب والمسحوب عليه في هذه الحالة تبقى خـارجــة عــن الالـتـزام الـصـرفي Extra cambiaire أي أنها تقوم على الالتزام الأصلي . وعلى الساحب إثبات وجود المؤونة تجاه المسحوب عليه الذي يعتبر غير ملتزم صرفيا .

ب . إثبات وجود المؤونة في العلاقة بين الساحب والحامل

في حالة عدم قبول الكمبيالة يرجع الحامل الذي لم يقع خلاصه على الساحب الذي يضمن القبول والدفع حسب أحكام الفقرة 1 من الفصل 274 م . ت. وعبء الإثبات محمول على الساحب إذ ينص الفصل 275 /6 م .ت. على أن “على الساحب وحده سواء حصل القبول أو لم يحصل أن يثبت في حالة الإنكار أن المسحوب عليه كان لديه المؤونة عند الحلول و إلا لزمه ضمانها “. وقد اعتبرت محكمة التعقيب إن عبارة “ضمانها” الواردة بهذا الفصل لا معنى لها إلا في العلاقات الثلاثية (ساحب ومسحوب عليه وحامل ) أي في الحالة التي يقوم فيها الحامل الذي لم يقع خلاصه ضد الساحب كضامن للدفع على مقتضى الفصل 274 م.ت. وهذا ما أكدته محكمة التعقيب في قرار لها صادر بتاريخ 17 فيفري 1987 (13). أما إذا كانت العلاقة ثنائية فضمان الساحب لا معنى له باعتباره هو من يطالب بالدفع .
Charles DUGUET,” Les critères d’appréciation de la mouvais foi du tiers porteur d’une lettre de11. انظر :
change”, Gaz . Pal., 2éme Sem. , 1979.
12. قرار تعقيبي مدني عدد 11249 مؤرخ في 9/12/1985، نشرية محكمة التعقيب، القسم المدني، ج . II، ص. 86، مادة تجارية. أنظر الملحق.
13. قرار تعقيبي مدني عدد 16273 مؤرخ في 17 فيفري 1987، م.ق.ت. 1989، عدد 10 ، ص . 41. أنظر الملحق.

– في حالة الحامل المهمل
الحامل المهمل هو الذي لم يحترم الآجال والشكليات التي أوجبها القانون لعرض الكمبيالة للخلاص وهو ما يترتب عليه سقوط حقوقه حتى إزاء الساحب حسب الفصل 315 م.ت. وبالتالي لا يمكنه الرجوع على الساحب في صورة عدم خلاصه من طرف المسحوب عليه ، وعلى الساحب إثبات توفر المؤونة . أما إذا ما لم يوفر الـساحب المؤونة فان الحامل حتى وان كان مهملا يحتفظ بحقه في الرجوع على الساحب ليطالبه بالخلاص وعبء الإثبات محمول دائما على الساحب (إثبات وجود المؤونة ) .

ج . إثبات وجود المؤونة في العلاقة بين المسحوب عليه والحامل

إذا طالب الحامل ــ غير الساحب ــ المسحوب عليه بخلاص الكمبيالة فانه مطالب بإثبات توفر المؤونة لدى المسحوب عليه الذي وان كان غير متحمل لالتزام صرفي فانه يكون ملزما بالدفع بصفته مدينا للمؤونة ( والأكيد أن الساحب هو من يقدم وسائل إثبات توفر المؤونة للحامل ) فهو يبقى خاضعا للعلاقة الأصلية أي مدينا للساحب ، ولم يدخل في إطار علاقة ثلاثية تلزمه صرفيا تجاه الحامل . عبء الإثبات محمول دائما على الساحب عند عدم قبول الكمبيال (14) .

قسم 2 . آثـــــار عـــدم وجــــود المؤونـــــة

يمكن حصر آثار عدم وجود المؤونة في سندات للمجاملة التي سـنـتـبـيـنها تباعا من خلال الـمـفهوم (فقرة 1) و الجزاء (فقرة2) .

فقرة 1 . مفهـــــوم سنــــدات المجاملـــــة

تتجسد العملية في اتفاق بين الساحب والمسحوب عليه يتولى بموجبه الساحب إنشاء كمبيالة يقوم المسحوب عليه بالإمضاء عليها بالقبول مجاملة ثم يعمد الساحب بعد ذلك غالبا إلى خصمها لدى البنك متعهدا بتوفير قيمتها بين يدي المسحوب عليه قبل حلول اجلها. فإذا توفرت الاعتمادات اللازمة لدى الساحب قبل ذلك الأجل فانه يوفي بالتزامه فلا يطرح عند حلول الأجل أي إشكــال . أما إذا ما لم تتوفر الاعتمادات المطلوبة لدى الساحب فان ذلك يؤدي الى ظهور الصعوبات اذ يتمسك المسحوب عليه بعدم الوفاء. فهل يتسنى له ذلك ؟ . لا بد قبل ذلك من التفرقة بين سندات المجاملة الطيبة (1) والسيئة (2).
1 . سندات المجاملة الطيبة لا تنطوي على نية المغالطة ، ضف إلى انه قبل الحلول تنظم الأمور من جديد فلا يترك أي إشكال وهي بالتالي عملية مشروعة .

2. سندات المجاملة السيئة تكون المجاملة سيئة وغير مشروعة حين تتفق إرادة الطرفين منذ إصدار الكمبيالة على عدم الخلاص ذلك ان المسحوب عليه لا يملك نية تقديم المبالغ الواجب دفعها لحامل الكمبيالة عند حلول اجلها ، بل انه لا يقبل الكمبيالة إلا لكون الساحب قد وعده بتوفـيــر المبالـغ اللازمة قبل اجل الحلول . فالمسحوب عليه يوافق على لعب دور المدين الظاهر بالسند ، فالتزامه صوري أو وهمي . التطبيق أدى إلى حصر عبارة سندات المجاملة فيما كان سيئا منها .

Jacques DAIGRE, “De la preuve des exceptions opposables par le débiteur d’une traite” , 14.انظر:
R.T.D. com . , oct. déc ., 1974.
يعرف الفقهاء سندات المجاملة على أنها السندات المجعولة لمغالطة الغير بشان العلاقات القائمة بين الممضين أو بين هؤلاء وغيرهم من الأشخاص المعـيـنـيـن في السند والتي ليس في نية الأطراف إجبار المجامل بمقتضاها بالدفع الفعلي للمبالغ المعينة بالسند . لم يتعرض المشرع التونسي إلى سندات المجاملة ، لذلك كانت كل التعاريف التي أسندت لها صادرة إما عن الفقه أو فقه القضاء. وقد عرفها بعضهم بأنها الكمبيالة التي تسحب بقصد الحصول على ائتمان وهمي ولا تتضمن مطلقا من جانب الموقعين عليها نية الإلتزام بدفع قيمتها .

فقرة 2 . جــــزاء سنـــدات المجــاملــــة : البطــــــلان

لا غرو أن جزاء سندات المجاملة هو البطلان فما هو أساسه ( أ ) و ما هو آثاره (ب) .

أ . أســـــــاس الـبـــــطـــلان

إن أساس بطلان سندات المجاملة ليس انعدام المؤونة لأنها ليست بشرط صحة للكمبيالة ، ولا انعدام السبب لان السبب موجود في جانب كل من الطرفين فسبب التزام المسحوب عليه هو أداء خدمة للساحب وسبب التزام الساحب هو الحصول على قرض . وإنما أساس البطلان هو عدم مشروعية السبب ومخالفته للأخلاق الحميدة لأنه ينصرف بالآليات الصرفية عن دورها الأصلي ليعتمدها كوسائل احتيال إزاء الغير بغية الحصول على اعتماد استنادا إلى عملية وهمية ، فهدف إنشاءها هو مغالطة الغير حول العلاقة القائمة بين الساحب والمسحوب عليه .

ب . آثـــــــــار الــبــــــــطــلان

لا بد من تـبـيـن آثار البطلان تباعا في علاقة الساحب بالمسحوب عليه (1) و تجاه الحامل حسن النية وسيء النية (2) .
1. آثــار البطلان في العلاقة بين الســاحب والمسحوب عليــه
من المسلم به أن الساحب إذا كان هو الحامل للسند عند حلول اجله فلا يستطيع أن يطالب المسحوب عليه بالوفاء لأنه يمكنه أن يعارضه بانعدام المؤونة . لكن الصعوبة تكمن في إطار العلاقة الثلاثية ، إذا قام المسحوب عليه بالوفاء بين يدي الحامل فهل يمكنه الرجوع على الساحب لاسترجاع ما دفعه للحامل ؟ . الجواب يكون على أساس الفصل 77 م.ا.ع . ” يجوز استرداد ما دفع لسبب يخل بالقانون أو بالنظام العام أو الأخلاق الحميدة “. ولذلك فمن الجائز القول أن المسحوب عليه الذي وفي للحامل له حظوظ وافرة في استرداد ما دفعه على أساس القيام بدعوى رجوع على الساحب استنادا إلى مبدأ الإثراء بدون سبب . وهو الحل الذي اعتمده كل من فقه القضاء التونسي (1963.10.23) والفرنسي ، لكن إثبات الإثراء أمر صعب .

2 . آثـــــار البطــــلان تجـــاه الحامــــل
يختلف الأمر هنا حسب الحامل حسن النية أو الحامل سيء النية :
– الحامل حسن النية هو الذي لا علم له بالمجاملة . ولذلك يكون المسحوب عليه ملتزما إزاءه بمجرد قبوله استنادا لمبدأ عدم الاحتجاج بالدفوعات الشخصية (15) ولأن المجاملة غير ظاهرة على السند .
15 . علي سليمان الـعـبـيــــــدي ، “عدم التمسك بالدفع في قانون الصرف المغربي،”، المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد ، عـدد 2، سنة 1978.

– الحامل سيء النية هو الذي كان على علم بالمجاملة. ولذلك فالمسحوب عليه غير ملزم بالوفاء له.
والمقصود بسوء النية هنا هو غير ما جاء بالفصل 280 م . ت . الذي يحصر سوء النية في تعمد الحامل عند اكتسابه الكمبيالة الأضرار بالمدين ، وإنما تعمد الأضرار غير مشروط في سوء نية حامل الكمبيالة المجاملة بل يكفي مجرد علمه بصبغة المجاملة (16) . البطلان هنا غير ذي جدوى إلا إزاء الحامل سيء النية .

16 . المختار بـكــــور ،” تبعية التزام الضامن الاحتياطي وقاعدة عدم التمسك بالدفوع” ، المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد، عدد 81 ، ديسمبر 1985 .

الجــزء الثـانـــي

الـقــبــــــــــول
L’ACCEPTATION
(الفصل 283 – 288 م.ت.)

المسحوب عليه هو الطرف الثالث في الكمبيالة ، فهو ذلك الشخص الذي يصدر إليه الساحب أمرا بأداء مبلغ للمستفيد. ولكي يصبح هذا المسحوب عليه ملتزما بالكمبيالة فلا بد من وضع توقيعه على الكمبيالة . فتوقيع المسحوب عليه هذا هو ما يسمى بالقبول فمناط الالتزام الصرفي هو التوقيع على الكمبيالة . أما ذكر اسم هذا المسحوب عليه على هذه الكمبيالة لا يكفي لإلزام هذا الأخير بهذه الورقة التجارية . فالقبول هو ذلك التعهد الحاصل على الكمبيالة والذي يلتزم بمقتضاه المسحوب عليه بأداء مبلغ الكمبيالة إلى المستفيد عند تقديمها له في أجل الاستحقاق .

هـذا وليس هناك سبيل لإلزام المسحوب عليه على قبول الكمبيالة حتى وإن كان مدينا فعلا للساحب ، لأنه أحيانا يفضل هذا المسحوب عليه تسوية دينه بطريقة عادية ولا يريد الدخول في نطاق الالتزامات الصرفية . ولكن متى قبل هذا المسحوب عليه الكمبيالة أي وقع عليها فإنه يلتزم بأداء مبلغها لحامها وبذلك يكون قد أضيف ضمان إلى هذه الكمبيالة لأنه أضيف ملتزم ثان بعد أن كان هناك فقط ملتزم واحد هو الساحب .

يمكن لأي شخص يحوز الكمبيالة أن يقدمها للمسحوب عليه قصد التوقيع عليها بالقبول . لا يهم فيما إذا كان هذا الشخص حاملا شرعيا لها أو غير شرعي ، لأن القبول يعني التزام المسحوب عليه بأداء مبلغ الكمبيالة لحاملها الشرعي . إذا فالحامل الشرعي متطلب عند الوفاء وليس عند تقديم الكمبيالة للقبول ، وهذا ما يستفاد من الفصل 283/1 م.ت. ” يمكن أن يعرض قبول الكمبيالة على المسحوب عليه بمقره إلى تاريخ الحلول سواء من قبل الحامل أو من أي شخص آخر ماسك لها ” . في هذه الفقرة عبارة الحامل جاءت مطلقة بمعنى سواء كان حاملا شرعيا أو غير شرعي أي و كذلك أي شخص آخر ماسك لها أي واضع اليد عليها بأية صفة كانت (سارقها أو شخص عثر عليها) . وعلى معنى نفس الفصل يتم القبول على مستويين ، مستوى أول عرض الكمبيالة للقبول (محور I) ، مستوى ثـــان موقف المسحوب عليه من القبول ( في حالة القبول / وفي حالة رفض القبول) (محور II) . مع أن هناك نوع آخر من القبول يسمى القبول بالتدخل و المقصود بهذا النوع هو ذلك القبول الذي يتم تلقائيا من طرف شخص وذلك بعد رفض المسحوب عليه قبولها ، فيسمى هذا الشخص المتدخل قابلا بالتدخل . وهناك نوع آخر من القبول وهو ما يسمى بالقبول بالواسطة و مفاده هو أن يعين شخص لقبول الكمبيالة عند الإقتضاء أي عند رفض المسحوب عليه قبولها و يسمى هذا الشخص المعين قابلا بالواسطة . هذا و أن الهدف من هذين النوعين من القبول هو منع الرجوع المبكر . فما هي شروط القبول بالتدخل و الآثار التي يرتبها (محورIII) .

محـــور I . عـــرض الكمبيالـــة للقبـــــول

لعرض الكمبيالة للقبول هناك مبدأ (قسم 1) واستثناء (قسم2) .

قسم 1 . المبدأ : عرض الكمبيالة للقبول ، عرض اختياري

سـنـتـبيـن تباعا نطاق مبدأ العرض (فقرة 1) ، شكلية العرض (فقرة2) و تاريخ العرض (فقرة3) .

فقـــرة 1 . نـطــــــاق الـمـبـــــدأ

على معنى الفصل 283/1 م.ت. فإن عرض الكمبيالة للقبول ليس إجباريا. فالحامل غير ملزم بعرض الكمبيالة للقبول . وهذا العرض للقبول يمكن أن يصدر عن الحامل أو عن أي شخص آخر ماسك للكمبيالة بمقر المسحوب عليه وفي أي تاريخ قبل الحلول ويبقى العرض للقبول أمرا اختياريا بالنسبة للحامل.

فقــرة 2 . شـكــليـــــــة العــــــــرض

لم ينص المشرع على أي شكلية خاصة لعرض القبول، وإنما يؤكد حسب منطوق الفصل 283/1 م.ت. على أن قبول الكمبيالة يمكن أن يعرض على المسحوب عليه بمقره إلى تاريخ الحلول وذلك بقطع النظر عن مكان الوفاء بها. ويمكن أن يعرض هذا من قبل الحامل أو من أي شخص ماسك لها. وينص الفصل 284 م.ت. على أنه يمكن للمسحوب عليه أن يطلب عرض القبول عليه مرة ثانية في اليوم الذي يلي العرض الأول .

فقــرة 3 . تـــــــاريخ العـــــــــرض

إن تاريخ تقديم الكمبيالة للقبول يختلف بحسب أجل الاستحقاق المحدد في الكمبيالة . الفصل 290 م.ت . ينص ” يمكن سحب الكمبيالة على الوجوه الآتية:
– لدى الاطلاع
– أو لأجل ما بعد الاطلاع
– أو لأجل يبتدئ من تاريخ معين
– أو ليوم معلوم
أما الكمبيالات التي يعلق سحبها على آجال أخرى أو آجال متعاقبة فهي باطلة”.
– فـــــبالنسبة للكمبيالة المستحقة الوفاء بمجرد الإطلاع ، فإن هذا النوع من الكمبيالات لا يحتاج إلى قبول لأنه بمجرد الإطلاع عليها تكون مستحقة الوفاء .
– بــــــالنسبة للكمبيالة المستحقة الوفاء لأجل ما بعد الاطلاع ، هنا يجب أن تقدم للمسحوب عليه داخل سنة من إنشائها ، الفصل 283/6 م.ت . ينص على ” إن الكمبيالات التي تدفع بعد أجل الاطلاع يجب أن تعرض للقبول في خلال سنة من تاريخها ” . ويضيف الفصل 283/7 م.ت. على أنه ” يجوز للساحب أن يعين أجلا أقصر أو أطول من الأجل المذكور بمعنى أن للساحب عند سحب الكمبيالة المستحقة الوفاء بعد مدة من الإطلاع أن يشترط فيها أن تقدم للقبول خلال مدة أقل أو أكثر من سنة فالساحب وحده له حق تقصير أو إطالة أجل السنة المحدد قانونا في حين أن المظهرين لهم فقط حق تقصير هذه المدة (الفصل 283/8 م.ت .) .

– أمــــــــا بالنسبة للكمبيالة المستحقة الوفاء من تاريخ معين أو ليوم معلوم ففي هاتين الحالتين (وهو الأصل) فالكمبيالة يمكن أن تقدم للقبول حتى أجل إستحقاقها أي أن مدة العرض للقبول تمتد من تاريخ إنشاء الكمبيالة إلى حين حلول أجل إستحقاقها . الفصل 283م.ت. ينص على أنه ” يمكن أن يعرض قبول الكمبيالة للمسحوب عليه بمقره إلى تاريخ الحلول”.

قسم 2 . الاسـتـثـنــــاء: عــرض الكمبيالــة للقبـــول

لمبدأ العرض الاختياري لقبول الكمبيالة استثناءين اثنين فأحيانا يكون العرض المقبول إجباريا (فقرة 1) وأحيانا أخرى يشترط عدم العرض للقبول (فقرة2) .

فقــرة 1 . عــرض الكمبيالــة للقبــول عــرض إجبـــــــاري

إن تقديم الكمبيالة للمسحوب عليه من أجل قبولها هو مسألة اختيارية بحيث من حق الحامل أن يقدمها للقبول أو ينتظر حلول أجل الاستحقاق ويعود مطالبا بالوفاء، إلا أن تقديم الكمبيالة للقبول يصير أمرا إلزاميا في حالتين ، الحالة الأولى قانونية ( أ ) والحالة الثانية اتفاقية (ب) .

أ . عندما تكون الكمبيالة مستحقة الوفاء بعد أجل من الإطــــلاع

هنـــا أوجب المشرع أن تقدم هذه الكمبيالة للقبول وذلك خلال سنة من إنشائها على معنى الفصل 283/6 م.ت. ذلك أن تقديم الكمبيالة للقبول في هذه الحالة أمر ضروري لأن من تاريخ تقديمها للقبول يبدأ احتساب المدة لمعرفة أجل الاستحقاق .

ب . إجازة المشرع للساحب أن يورد شرط التقديم الإلزامي للقبــول

أي بمقتضى هذا الشرط يلزم الساحب حامل الكمبيالة أن يقدمها للمسحوب عليه قصد القبول مع تعيين أجل لذلك أو بدونه (الفصل 283/2 م.ت.) . في هذه الحالة أيضا يجب على الحامل أن يتقيد بهذا الشرط أي عليه أن يعرض الكمبيالة للقبول وفي الأجل المحدد لذلك إذا كان الساحب قد عين أجلا لهذا العرض . فإذا لم يتقيد الحامل بهذا الشرط اعتبر حاملا مهملا وبالتالي فقد حقه في الرجوع على بقية الموقعين . كما أن الشرط يمكن أن يضعه أحد المظهرين مع تعيين أجل لذلك أو بدونه ( الفصل 283/5 م.ت.) ما لم يكن الساحب قد منع عرضها للقبول. أما إذا كان الساحب قد أورد شرط عدم العرض للقبول فإنه يعمل بهذا الشرط ولا يحق بعد ذلك للمظهر أن يورد شرط التقديم الإلزامي للقبول.

فقــرة 2 . شـرط عــدم العـــرض للقبــــــول

كما سبق بيانه فإنه يحق للساحب (الفصل 283/2 م.ت. ) وكذلك المظهر (الفصل283/5 م.ت.) أن يضع شرط العرض الإلزامي للقبول . إلا أن شرط عدم العرض للقبول هو من حق الساحب وحده (العبارة الأخيرة فقرة 5 الفصل 283 م.ت.) . وهكذا يمكن للساحب أن يمنع عرض الكمبيالة للقبول ، ففي هذه الحالة لا يمكن للحامل أن يقدمها للمسحوب عليه من أجل قبولها بل عليه أن ينتظر حلول ميعاد الاستحقاق ومطالبته بالوفاء وذلــــــــك :
1- عندما تكون الكمبيالة مستحقة بعد أجل من الاطلاع .
2- عندما تكون الكمبيالة مستحقة عند شخص ثالث غير المسحوب عليه.
3- عندما تكون الكمبيالة مستحقة في بلدة غير موطن المسحوب عليه .
وهي حالات نص عليها الفصل 283/3 م.ت .
محــور II . موقـف المسحــوب عليــه مــن القبــــــول

يختلف موقف المسحوب عليه من القبول بحسب قبوله الكمبيالة (قسم 1) أو رفضه لها (قسم 2) .

قسم 1. في حالة قبول المسحوب عليه للكمبيالة (الفصول 283 و 285 و 288 م.ت.)

في حالة ما إذا قبل المسحوب عليه الكمبيالة فإن هذا القبول يخضع لشروط (فقرة1) ويرتب آثارا (فقرة2) .

فقـــرة 1 . شــــروط القبـــــول

لا شك أن القبول يخضع لشروط موضوعية ( أ ) و شروط شكلية (ب) .

أ . شـــــروط موضوعيــة

باعتبار أن القبول هو تصرف قانوني كبقية التصرفات القانونية الأخرى وخاصة منها تلك التصرفات الصرفية فإن الشروط الموضوعية المتطلبة هي الأهلية والرضى والمحل والسبب و هي بالتالي نفس الشروط المطلوبة في القانون العام .

ب . شـــــروط شـكـليــــة

في الشروط الشكلية لقبول الكمبيالة سـنـتـبـيـن تباعا شرط الكتابة (1) و التاريخ (2) والتشطيب (4) مع بيان القبول الشرطي و القبول الجزئي و القبول المعدل (3) .

1. شكليـــة القبــــول ( الكتــابـــة )
إن القبول في الكمبيالة لكي ينشأ صحيحا وينتج آثاره يجب أن يحصل كتابة ، والكتابة في القبول هو شكلية نشوء إضافة إلى كونها شكلية إثبات. هذا وأن مفهوم الكتابة في القبول يختلف حسب ما إذا ورد القبول على وجه الكمبيالة أو على ظهرها.

القبــــول عـــلى وجــــه الكمبيـــالـــة ، في هذه الحالة يكفي أن تشمل هذه الكتابة التوقيع المجرد . ذلك أن التوقيع المجرد على وجه الكمبيالة يعتبر قبولا على معنى الفصل 288 م.ت . ” إن مجرد إمضاء المسحوب عليه بصدر الكمبيالة يعتبر منه قبولا”.
القبــــول عـــلى ظهــــر الكمبيــالــة ، أمـا إذا أراد المسحوب عليه أن يضع قبوله على ظهر الكمبيالة فهنا لا بد من التوقيع ثم صيغة تفيد القبول كعبارة “مقبول” مثلا ، الفصل 285/1 م.ت. ينص على أن ” تكتب علامة القبول على الكمبيالة ويعبر عنه بكلمة “مقبول” أو بكلمة أخرى تماثلها وتكون ممضاة من المسحوب عليه وإن مجرد إمضاء المسحوب عليه بصدر الكمبيالة يعتبر منه مقبولا ” .

فالكتابة هنا يجب أن تشمل التوقيع ثم الصيغة وذلك حتى لا يختلط الأمر بالتظهير لأن التوقيع المجرد على ظهر الكمبيالة يعتبر تظهيرا . هذا وسواء حصل القبول على وجه الكمبيالة أو ظهرها فلا بد من توقيع المسحوب عليه كما هو الشأن في توقيع الساحب . والقبول يجب أن يحصل على الكمبيالة نفسها ، ولا يقبل في ورقة مستقلة أو مضافة (عكس التظهير الذي قد يحصل على مضافة) وإن حصل القبول على غير الكمبيالة فإنه لا يعد قبولا بمفهوم قانون الصرف . وهو ما يستفاد من الفصل 285/1 م.ت. وذلك تطبيقا لمبدأ الكفاية الذاتية للكمبيالة.

2. تـــاريـــــخ القبــــــول
إن المسحوب عليه عند قبوله الكمبيالة ليس ملزما بوضع تاريخ لهذا القبول إلا أن ذلك يصبح ضروريا في حالتين :
– في حالة أولى الكمبيالة المستحقة الوفاء بعد مدة من الاطلاع ، هنا لابد من وضع تاريخ للقبول لأنه ابتداء من هذا التاريخ يبدأ احتساب المدة للوصول إلى معرفة اجل الاستحقاق .
– في حالة ثانية اشتراط تقديم الكمبيالة للقبول في اجل معلوم ، وهنا أيضا يصبح تاريخ القبول أمرا ضروريا بمعرفة ما إذا كانت الكمبيالة قد قدمت فعلا خلال هذا الأجل أم لا .

3 . الـقبــــول الشرطي والقبول الجزئي والقبول المعدل
– الـقبـــــول الشرطي الفصل 285 /3 م.ت . إن القبول في الكمبيالة يجب أن يكون ناجزا غير معلق على شـرط ، ذلك أن القبول الشرطي يعتبر بمثابة رفض للقبول لأنه بهذا الشرط يكون المسحوب عليه قد رفض قبول الكمبيالة كما هي ، وبالتالي قبوله الشرطي هذا يعتبر باطلا .
– الـقبـــــول الجزئي الفصل 285/3 م.ت. وأما بالنسبة لهذا النوع من القبول فقد قبله المشرع واعتبره قبولا صحيحا . هكذا يعود للمسحوب عليه الحق في ألا يقبل كل مبلغ الكمبيالة ولكن يقتصر قبوله على جزء منها فقط . وعليه عندئذ أن يصرح بذلك في الكمبيالة أما إذا سكت عن ذلك فيعتبر قابلا لكامل مبلغ الكمبيالة.

– الـقبــــول المعدل الفصل 285/ فقرة أخيرة م.ت. يقصد بالقبول المعدل ذلك القبول الذي يصدره المسحوب عليه ولكن مع إدخال تغيير على بيانات الكمبيالة ، كأن يغـيـر تاريخ استحقاقها أو اسم المستفيد …الخ . هذا القبول المعدل اعتبره المشرع بمثابة رفض القبول إذ نص الفصل 285/فقرة أخيرة ” كل تغـييـر آخر يحدثه الـقبـول في البيانات الواردة في نص الكمبيالة يعتبر بمثابة رفض للـقبـول ” . وبالتالي فان رفض القبول من طرف المسحوب عليه يخول لحامل الكمبيالة تحرير الاحتجاج والرجوع على بقية الملتزمين .

4. شــــطب الــقبــــــول
فكما خول المشرع للمظهر شطب تظهيره، كذلك خول للمسحوب عليه الذي قبل الكمبيالة أن يعود ويشطب هذا القبـول ، الفصل 288 /1 م.ت. ينص على أنه ” إذا وضع المسحوب عليه صيغة القبول على الكمبيالة ثم شطبها قبل ترجيع الكمبيالة يحمل على امتناعه من القبول ويعد التشطيب واقعا قبل ترجيع حجة الدين ما لم يثبت خلافه ” . هذا ويتم الشطب بأي شكل ككتابة صيغة تـفـيـد الـشـطـب ” ملغى ” أو “مشطوب ” أو عن طريق إزالة ذلك القبول بمحوه . إلا أن المشرع لا يعتد بهذا الشطب إلا إذا حصل قبل إرجاع الكمبيالة لحاملها (أي عندما تكون بين يدي المسحوب عليه ) أما إذا قام المسحوب عليه بشطب قبوله بعد إرجاعه الكمبيالة فإنه لا يعتد بهذا الشطب ويبقى ملزما بقبوله هذا ويعتبر كأن لم يشطب.
ومتى كان شطب القبول صحيحا فإننا لا نكون بصدد كمبيالة مقبولة بل أمام رفض للقبول وبالتالي فإن ذلك يخول للحامل حق الرجوع فورا على بقية الملتزمين.

فقـــرة 2 . آثــــــار الــقـبـــــــول

إن توقيع المسحوب عليه على الكمبيالة أي قبولها يرتب آثارا هامة. لكن المسحوب عليه ليس ملزما بقبول الكمبيالة وهكذا فرفضه قبولها هو الآخر تترتب عليه نتائج هامة سواء بالنسبة للحامل أو بالنسبة لبقية الـمـوقـعـيــن . وتختلف آثار القبول بحسب علاقة المسحوب عليه القابل بالحامل ( أ ) أو علاقة المسحوب عليه القابل بالساحب (ب) أو علاقة الساحب بالحامل (ج) .

أ . علاقة المسحوب عليه القابل بالحامل (الفصول 275 و 280 و 287 و 310 م.ت.)

تترتب عن هذه العلاقة ثلاث آثــــــار :
– أولا: الفصل 275/4 م.ت. سبق بيان أن هناك افتراض مديونية المسحوب عليه للساحب ولذلك قام هذا الأخير بسحب الكمبيالة على المسحوب عليه لفائدة المستفيد . إلا أن هذا مجرد افتراض فقد لا يكون مدينا له أصلا . ولكن بوضع توقيعه أي القبول فإن المسحوب عليه يقر بهذه المديونية ويعترف بوجود المؤونة بذمته. و بتوقيعه هذا أيضا يصبح ملزما بالأداء للـمـسـتــفـيـد أو لآخر حـامــل لـلـكـمـبـيــالـــــة عند أجل الاستحـقــــاق . الفصل 275/4 م.ت. ينص على ” إن القبول قرينة على وجود المؤونة”. وهكذا فإن حامل الكمبيالة يكون هو مالك المؤونة . ويحق له مطالبة هذا المسحوب عليه القابل عند حلول أجل الاستحقاق .

ثـانـيــــا: الفصل 287/1 م.ت . ” إن القبول يلزم المسحوب عليه أن يدفع ما بالكمبيالة عند الـحــلـــــــول”. بتوقيع المسحوب عليه على الكمبيالة يدخل في حلقة الالتزام الصرفي فهو بذلك يلتزم بأداء مبلغ هذه الورقة إلى حاملها الشرعي ، الفصل 310 م.ت. يبين ذلك بتضمنه ” مبدأ التضامن بين الموقعين” . فالتزامه هو التزام صرفي وبالتالي هو التزام تضامني بمعنى أن المسحوب عليه القابل يلتزم بأداء مبلغ الكمبيالة وبصفة تضامنية مع كافة الموقعين. بل الأكثر من هذا هو أن المسحوب عليه بقبوله يصبح الملتزم الرئيسي في الكمبيالة والحامل يكتسب حقا صرفيا ناتجا مباشرة عن اكتسابه لهذه الورقة التجارية .

– ثــالـثــا: قبول المسحوب عليه يطهر جميع الدفوع الشخصية التي من الممكن أن يعارض بها (المسحوب عليه ) لرفض خلاص دينه فلا يستطيع رفض خلاص الحامل حسن النيـــــة (17). وبالتالي فلا يحق لهذا المسحوب عليه القابل أن يثير في مواجهة هذا الحامل تلك الدفوع المبنية على علاقته بالساحب أو أحد المظهرين ما دام أن هذا الحامل هو حسن النية . الفصل 280 م.ت. الذي يتضمن مبدأ عدم المعارضة بالدفوعات الشخصية ينص على ” إن الأشخاص المدعى عليهم بمقتضى الكمبيالة لا يمكن لهم أن يتمسكوا ضد الحامل بوسائل المعارضة المبنية على علاقاتهم الشخصية بالساحب أو بحامليها السابقين ما لم يكن الحامل قد تعمد عند اكتسابه الكمبيالة الأضرار بالمدين” .

Ahmed MIKOU, ” Le principe de l’inopposabilité des exceptions entre le droit et17. أنظر :
la pratique bancaire” , Revue marocaine de droit , d’économie et de développement ,
n° 16, 1988., cf. aussi Georges FRIEDEL, De l’inopposabilité des exceptions en matière
d’effets de commerce, thèse de Doctorat, librairie Arthur Rousseau, Paris 1951.
ب . علاقــــة المسحوب عليه القابل بالساحب
(مديونية وعدم مديونية المسحوب عليه القابل بالساحب)

سبق بيان أن القبول يفترض وجود المؤونة ( الفصل 275/4 م.ت.) أي تقوم قرينة على أن المسحوب عليه لم يقبل الكمبيالة إلا لكونه مدين للساحب إلا أن هذه القرينة بسيطة أي قابلة لإثبات العكس . فقد يكون المسحوب عليه غير مدين للساحب عند سحب الكمبيالة وأن هذا الأخير لم يقدم له المؤونة وإنما قبل المسحوب عليه هذه الـكـمـبيـالــة مجاملة . لــذا فإذا اضطر هذا المسحوب عليه للأداء رغم أنه لم يتلق المؤونة فعليه أن يثبت ذلك ، أي يثبت أن الساحب لم يقدم له المؤونة ولم يكن مدينا له في يوم من الأيام . فلو أثبت المسحوب عليه ذلك أمكنه الرجوع بما دفع للحامل على الساحب.

ج . علاقة المسحوب عليه القابل بالساحب الحامل

في هذه الحالة يكون الساحب هو حامل في نفس الوقت،فقد يكون سحب الكمبيالة لفائدته أول مرة أو سحبها لفائدة شخص آخر و تداولت وآلت إليه عن طريق التظهير . هذا وباعتبار هذا الساحب حامل للكمبيالة وذلك لكونه أيضا ساحب وباعتباره ساحبا فإن هناك علاقة أصلية تربطه بهذا المسحوب عليه القابل الذي يعود عليه على أساس تلك العلاقة الأصلية التي أدت إلى نشوء الكمبيالة . وهكذا كما سبق بيانه يفترض بأن المسحوب عليه مدين للساحب سحبت الكمبيالة عليه لتسوية هذا الدين . لكن هذا افتراض فقد لا يكون هذا المسحوب عليه مدينا لهذا الساحب ومع ذلك قبل الكمبيالة . لكن بالرغم من قبوله هذا فإنه يبقى من حق المسحوب عليه القابل التمسك ضد الساحب الحامل بأنه قبل الكمبيالة دون أن يتلقى المؤونة ، بمعنى أنه لم يكن مدينا أصلا لهذا الساحب الحامل الذي يطالبه بالوفاء بمبلغ الكمبيالة بمعنى المسحوب عليه قبل الكمبيالة ولكنه لم يتلق المؤونة فهو قبلها على أساس المجاملة ، فإذا ما رجع عليه الساحب الحامل عند حلول أجل الاستحقاق ، أمكن للمسحوب عليه التمسك ضده بأنه لم يكن أصلا مدينا لهذا الساحب الحامل Tireur/Porteur الذي يطالبه بالوفاء وإن قبوله للكمبيالة كان أساسا مجاملة .

وهكذا فإن إثبات وجود المؤونة أو عدم وجودها يقع إما على الساحب أو على المسحوب عليه وفق الحالتين التاليتين :

أولا: سبق القول بأنه يفترض وجود المؤونة إلا أن ذلك لا يلعب دوره فيما بين المسحوب عليه القابل والحامل لذلك فإنه بالرغم من قبول المسحوب عليه للكمبيالة فإن الساحب الحامل إذا رفض المسحوب عليه الأداء له وتمسك هذا الأخير بعدم تلقيه المؤونة فإنه على الساحب إذا أراد استيفاء مبلغ الكمبيالة أن يثبت أنه فعلا قدم المؤونة للمسحوب عليه القابل و الحامل لذلك فإنه بالرغم من قبول المسحوب عليه وأنه لا مبرر لرفضه الأداء (الفصل 275/ فقرة أخيرة م.ت.) . وهكذا فإذا أثبت الساحب بأنه فعلا قدم المؤونة لهذا المسحوب عليه يلتزم هذا الأخير بالوفاء لهذا الساحب الحامل .
ثانيـــا: أما إذا عاد الساحب الحامل على هذا المسحوب عليه القابل وتم الوفاء له بمبلغ الكمبيالة ثم تبين لهذا الأخير أن هذا الساحب لم يقدم له المؤونة فعلى هذا المسحوب عليه عبء إثبات ذلك فإن أثبت ذلك يمكن استرجاع ما دفع إلى هذا الساحب الحامل الذي لم يقدم له المؤونة .
خلاصة القول أنه في علاقة المسحوب عليه القابل بالساحب الحامل فإنه :
– قبل الأداء فإن عبء إثبات وجود المؤونة على الساحب الحامل إذا امتنع المسحوب عليه عن الوفاء له.
– بعد الأداء فإن عبء الإثبات عدم تسليم المؤونة يقع على المسحوب عليه الذي أدى لهذا الساحب الحامل إذا أراد استرداد ما دفــــع .

قسم 2. في حالة رفض المسحوب عليه قبول الكمبيالة

يجب التعرض في مرحلة أولى إلى إثبات رفض القبول (فقرة 1) لنتخلص فيما بعد إلى البحث في آثار رفض القبول (فقرة2) .

فقرة 1 . إثبات رفض الـقبـــــول . Constatation de refus d’acceptation

إن رفض القبول يرتب آثارا خطيرة وهامة ، لذلك فقد كان من الضروري معارضته رسميا
( أ ) وإعلام كل الممضيــــن بحصوله (ب) طالبا أنهم يتحملون التزاما بالتضامن .

أ . الاحتجاج برفض الـقبـــــول Protêt faute d’acceptation .

رفض المسحوب عليه لقبول الكمبيالة المعروضة عليه يجعل حاملها في ريبة من الخلاص عند حلول أجل الوفاء بها (18) . فيمكنه رفع احتجاج لإثبات رفض القبول إن كان كليا أو جزئيا على معنى الفصل 306 م.ت. وإثبات الامتناع عن القبول حسب منطوق الفصل 307 م.ت. يكون بواسطة حجة رسمية يحررها عدل منفذ . ويجب على العدل المنفذ أن يضمن بالاحتجاج نقلا حرفيا لنص الكمبيالة وأن يبين سبب الامتناع الذي يقدمه المسحوب عليه . وإذا حدد أجل لعرض الكمبيالة على القبول فيجب أن يحرر الاحتجاج بالامتناع عن القبول في ذلك الأجل . وإذا كانت الكمبيالة قد عرضت للقبول في آخر يوم من ذلك الأجل وطلب المسحوب عليه عرضها ثانية في اليوم الموالي فيتم في نفس ذلك اليوم تحرير الاحتجاج .

ب . الإعلام برفض الــقبـــــول. Avis donné aux autres signataires

يجب على الحامل عملا بأحكام الفصل 308 م.ت. أن يوجه إعلاما بعدم القبول إلى المظهر وذلك في غضون أيام العمل الأربعة التي تلي يوم الاحتجاج . وعلى ذلك المظهر أن يتولى بدوره إعلام المظهر له في غضون أيام العمل الثلاثة الموالية ليوم بلوغ الإخطار له . وتستمر العملية على ذلك النحو حتى بلوغ الساحب . ويمكن توجيه هذه الإخطارات بوسائل عادية ولكن مع الاحتفاظ بما يثبت إرسالها .

الفصل 308 / فقرة أخيرة م.ت. ينص ” ومن لا يوجه الإخطار في الأجل المعين فيما مر فلا يتعرض حقه للسقوط على أنه يكون عند الاقتضاء مسؤولا عن الضرر الناشئ عن تقصيره لكن بدون أن يتجاوز التعويض مبلغ الكمبيالة ” وكثيرا ما يلازم المسحوب عليه الصمت أو يتعمد التأخير بصفة ملحوظة في الرد على كمبيالة عرضت عليه للقبول بواسطة البريد من قبل البنك الخاصم لتلك الكمبيالة وذلك إذا كان غير مدين أصلا للساحب أو أن المؤونة لم توفر له فهل يعتبر مسؤولا ؟ . لقد لزم التشريع الصمت ، مما جعل الفقه وفقه القضاء الفرنسيان يلجآن إلى نظرية الخطأ المشكل لجنحة . ولكن على الحامل أن يثبت قيام الرابطة السببية بين ذلك التأخير أو الصمت وبين الضرر الذي يطالب بالتعويض عنه .

M .VASSEUR , ” Réflexions sur le régime juridique du porteur de traites non acceptées “,18. أنظر :
D.1985, chron,. XXXV.

فقــرة 2 . آثـــــــار رفـــض الـقبــــــول

تنحصر أثار رفض المسحوب عليه قبول الكمبيالة في موطـنـيـن إثنـيـن ، تجاه المسحوب عليـــــه نفسه ( أ ) و تجاه الموقعـيــن (ب) .

أ . تــجــــــــــاه الـمـسـحــــــوب عليـــــــــه

سبق القول بأن المسحوب عليه حر في قبول الكمبيالة أو عدم قبولها حتى وإن كان مدينا فعلا للساحب . وعند رفض المسحوب عليه قبول الكمـبـيــالة فإنه لا سبيل لإلزامه على قبولها ما عدا في حالة واحدة نص عليها الفصل 283/9 م.ت . يلزم فيها بقبول الكمبيالة وهذه الحالة يجب أن تتوافر شروطها وهي :
1- أن يكون الساحب والمسحوب عليه تاجريـــن .
2- أن تسحب الكمبيالة بهدف تنفيذ اتفاق متعلق بالتزويد بالبضائع .
3- أن يكون الساحب قد نفذ التزامه أي سلم السلع للمسحوب عليه .
4- أن تعطى للمسحوب عليه مهلة معقولة حسب العرف التجاري وذلك قصد التعرف على البضائع .
فمتى توفرت هذه الشروط فإن المسحوب عليه لا خيار له بل يصبح ملـزما بقبول الكمبيالة أما ما عدا هذه الحالة فهو حر في قـبـولها أو رفضها حتى وان كان قد استلم المؤونة . فإذا رفض المسحوب عليه ـــ الذي استلم المؤونة ـــ قبول الكمبيالة فهنا يكون من حق الساحب أن يثبت انه قدم لهذا المسحوب عليه المؤونة ويعود عليه بمقتضى القانون العادي لا بموجب قانون الصرف لان هذا المسحوب عليه لم يوقع على الكمبيالة إذا لم يدخل في حلقه الالتزام الصرفي .

ب . تــجــــــــــــاه الـمـوقعـيــــــــــن

إذا رفض المسحوب عليه قبول الكمـبـيالة فان الحامل لا تبقى لـه أية فائدة في انتظار حلول اجل الاستحقاق ، بل يحق له الرجوع فورا على كافة الموقعين . ذلك أن رفض الـقبـــول يعتبر حالة من حالات الرجوع المبكر . هكذا يخول للحامل عـنـدئــــذ الرجوع فورا على كل الموقعين على الكمبيالة فــرادى أو جماعة ودون أن يكون هذا الحامل ملزما بالرجوع عليهم وفق الترتيب الذي صدر به التزام هؤلاء الموقعين وهو ما يتضح من مـنـطــوق الفصل 310/1 و2 م.ت. ” إن سـاحب الكمبيالة وقـابلها ومظهرها وكفيلها ملزمون جميعا لحاملها على وجه التضامن ويكون للحامل حق الرجوع على هؤلاء الأشخاص منفردين أو مجتمعين بدون أن يكون مرغما على مراعاة الترتيب الذي توالت عليه التزاماتهم ” هذا ما لم يكن أحد هؤلاء الموقعين قد أعفى نفسه من ضمان القبول أو الوفــــــــــاء :

ـــ ذلك انه فيما لو أعفى احدهم نفسه من ضمان الوفاء ( باستثناء الساحب الذي لا يجوز له التحلل من ضمان الوفاء فانه لا يمكن للحامل أن يعود عليه سواء رجوعا مبكرا أو في اجل الاستحقاق).
ـ أما إذا أعـفى نفسه أحد هؤلاء الموقعين فقط من ضمان القبول فانه لا مجال للرجوع عليه فورا أي رجوعا مبكرا لا يمكن الرجوع عليه إلا من اجل الاستحقاق لأنه تحلل من ضمان القبول فلا يهمه إن قبل المسحوب عليه الكمبيالة أو رفض قبولها .

ـــ أما في حالة قبول المسحوب عليه جزءا من الكمبيالة ورفضه الجزء الآخر ( القبول الجزئي جائز ) فهنا يكون من حق الحامل الرجوع فورا على كافة الموقعين ولكن فقط للمطالبة بذلك الجزء المرفوض قبوله ، ذلك أن رفض القبول جزئيا يعتبر أيضا حالة من حالات الرجوع المبكر ، أما بالنسبة للجزء المقبول فما على الحامل إلا انتظار حلول اجل الاستحقاق والرجوع على المسحوب عليه الذي قبل هذا الجزء .
محـــــور III . الـقبـــــول بالـتـدخـــــل (الفصل 323 م.ت.) Acceptation par intervention

إن القبول بالتدخل يختلف عن القبول العادي . لـــذا لا بد من تحديد معناه وتحديد من يقدمه ولفائدة من يقدم ، وكذلك الشكل الذي يصدر به والنتائج التي يرتبها ، الأمر الذي يفرض علينا بيان شروطه (القسم 1) و آثاره (قسم 2) .

قســـــم 1 . شروط القبـــــول بالـتـدخـــــــــل

هناك شروط موضوعية (فقرة 1) و شروط شكلية (فقرة 2) .

فقـــرة 1 . شـــروط مــوضــوعــيــــــــة

الشروط الموضوعية للقبول بالتدخل تتمحور في نـقـطـتـيــن اثـنـيـن هو معرفة من يقدم القبول بالتدخل ( أ ) و لمصلحة من يقدم (ب) .

أ . مَن يـقـــــدم القبــــــول بالـتدخـــــل

إن الـقبول بالتدخل يمكن أن يحصل من أي شخص سواء كان أجنبيا عن الكمبيالة أو موقع سابق لها حتى وان كان المسحوب عليه مادام انه لم يقبل الكمبيالة قبولا عاديا . أما المسحوب عليه القابل فلا يجوز له قبولها بالتدخل مادام أن هناك قبول عادي وهذا ما نص عليه الفصل 322 /3 م.ت.” يمكن أن يكون المتداخل أجنبيا أو المسحوب عليه نفسه أو أي شخص آخر كان ملتزما بمقتضى الكمبيالة عدا قابلها ” فأحيانا يكون من مصلحة المسحوب عليه قبولها بالتدخل لأنه هنا إذا ما اضطر للأداء فيكون له حق الرجوع على الشخص الذي تدخل لمصلحته وعلى كل كفلاء هذا الأخير . بينما في القبول العادي لا يكون له ذلك بل له فقط حق الرجوع على الساحب إذا اثبت انه لم يتسلم المؤونة.

ب . لمصلحة مَن يقدم القبـــــول بالـتـدخـــــــل

يمكن أن يقدم القبول بالتدخل لفائدة أي موقع على الكمبيالة (ساحب، مظهر، كفيل …) متى كان هذا الموقع معرضا لرجوع الحامل قبل اجل الاستحقاق (الرجوع المبكر) . وهكذا يجب على القابل بالتدخل أن يعين في قبوله هذا الشخص المتدخل لمصلحته . ويجب أن يحصل ذلك على الكمبيالة ذاتها إلا انه في حالة إغفال تعيين المستفيد من هذا القبول بالتدخل فان المشرع وضع قرينة مفادها أن القبول بالتدخل قد حصل لفائدة الساحب (323/5 م.ت) .
القبول بالتدخل لا يحصل إلا في الكمبيالة الصالحة للقبول . أما الكمبيالات التي ليس فيها قبول فلا يحصل فيها قبول بالتدخل كما لا تحتاج إلى القبول العادي وهكذا لا يتم هذا القبول بالتدخل في الكمبيالات التالية :
ـــ الكمبيالة المستحقة الوفاء بمجرد الاطلاع .
ـــ الكمبيالة التي ورد فيها شرط عدم التقديم للقبول .
ذلك لان هذه الكمبيالات تقدم للوفاء مباشرة ولا تقدم للقبول إذا سبق القول بان القبول بالتدخل يتم بهدف منع الرجوع المبكر عندما يرفض المسحوب عليه قبول الكمبيالة .

فقـــــرة 2 . شــروط شـكـلـيـــــــــــة

الشروط الشكلية للقبول بالتدخل تتمحور حول معرفة شكل هذا القبول ( أ ) .

أ . شكــــــل القبــــــول بالتدخــــــل

القبول بالتدخل هو إجراء قانوني صرفي وهكذا فلا بد أن يتم كتابة وهذه الكتابة هي شكلية نشوء إضافة إلى كونها شكلية إثبات . والكتابة في القبول بالتدخل تعني توقيع القابل بالتدخل إضافة إلى صيغة هذا القبول بالتدخل . وهكذا فلا بد لكي يعتبر قبولا بالتدخل من أن يكون هناك التوقيع ثم الصيغة لأنه إذا جاء توقيع القابل بالتدخل مجردا على ظهر الكمبيالة فسيعتبر تظهيرا ، وإن حصل أيضا مجردا على وجه الكمبيالة فسيعتبر قبولا ناجزا أي عاديا أو كفالة . وهكذا فإن القبول بالتدخل يجب أن يحصل على الكمبيالة ذاتها (الوجه أو الظهر) ولا يجوز أن يحصل على المضافة أو بورقة مستقلة . ويعبر عن صيغة هذا القبــول بالتدخل بأي عبارة تفيد بأنه قبول بالتدخل مثل ” مقبول بالتدخل ” أو ” مقبول تلقائيا ” أو “قبول للشرف” .

هذا ويجب أيضا على القابل بالتدخل أن يعين على الكمبيالة الشخص الذي تدخل لفائدته وفي غياب هذا التعيين فإن تدخله هذا يعتبر حاصلا لفائدة الساحب (الفصل 323/5 م.ت ) . ومن حيث الإجراءات الشكلية أيضا يجب على القابل بالتدخل أن يحيط علما بهذا التدخل الشخص الذي تدخل لفائدته . يتــم هذا الإعلام خلال يومي العمل التي تلي هذا القبول بالتدخل . وإذا أغفل القابل بالتدخل ذلك فإنه يكون ملزما بالتعويض عن كل ضرر يمكن أن يلحق المتدخل لفائدته ، علـــى ألا يتجــاوز مقــدار التعـويـض مبلــغ الكمـبـيـالة كـمــا يتضــح ذلــك مــن الــفــصـــل 322/ فقرة أخيرة م.ت. وأخيرا فإن القبول بالتدخل هو كالقبول العادي يجب أن يكون :
– نــــاجــــــزا .
– وغير معــــدل .
– ويمكن أن يكون جزئيا أي أن القابل بالتدخل يقبل فقط جزءا من مبلغ الكمبيالة وفي هذه الحالة فإن الحامل يحق له الرجوع المبكر لكن فقط بالنسبة للجزء الذي لم يتم قبوله بالتدخل أما الجزء المقبول فعليه انتظار حلول أجل الاستحقاق .

قســم 2. آثـــــار القبـــــول بالتدخــــــــــل

تـتـبـيـن الآثار التي يرتبها القبول بالتدخل من خلال علاقة المتداخل القابل بالحامل (فقرة 1) و علاقته كذلك بالشخص الذي تم القبول لأجله و الملتزمين الآخرين (فقرة 2) و علاقة الحامل بالملتزمين بالكمبيالة (فقرة3) .

فقـــرة 1 . علاقــة المتداخــل القابـــل بالحامــــل

إن القابل بطريق التداخل يصبح ملتزما تجاه الحامل بما هو ملزم به من وقع القبول لأجله غير أن التزامه هذا لا يعني أنه أصبح مدينا أصليا للحامل بل هـو بمثابة الكفيل فلا يصح الرجوع عليه بالأداء إلا بعد مطالبة المسحوب عليه وإثبات امتناعه عن الخلاص بمحضر احتجاج لعدم الدفع وهذا تطبيقا للفصل 323 / فقرة أخيرة م.ت. التي هي مشابهة في تحريرها لمقتضيات الفصل 289/7 م.ت. والمتعلقة بالتزامات الكفيل التي جاء بها حرفيا (ويلتزم الكفيل بمثل ما التزم به المكفول) .
فقرة 2 . علاقة المتداخل القابل بالشخص الذي تم القبول لأجله والملتزمين الآخرين

طالما أن الورقة التي أمضاها المتداخل القابل هي ورقة تجارية ملتزم بها بدوره من وقع القبول من أجله فالمتداخل القابل يملك دعوى صرفية ضد ذلك المتداخل لأجله بتلك الورقة التجارية . وبالتالي إن كان من وقع القبول لأجله هو الساحب فللمتداخل القابل مطالبته بالمؤونة قبل أجل الوفاء إن كان ذلك القابل ملزما بأدائها بدوره قبل حلول أجل الوفاء كما يمكنه مطالبته بها بعد أجل الحلول إن وقعت مطالبته بمبلغها من الحامل لها .
أما بالنسبة للملتزمين بتلك الكمبيالة فإنه ينبغي التفرقة بين الموقعين السابقين لتاريخ قبوله لها فهؤلاء يمكن مطالبتهم على أساس الدعوى الصرفية مثل الساحب عند حلول أجل الوفاء . أما الذين وقعوا الكمبيالة بعد قبوله لها فلا يمكنه مطالبتهم بها لأنه يوم توقيعه بالقبول على الكمبيالة لم يكن هؤلاء الأشخاص من ضمن الضامنين لمن قبل بطريق التداخل من أجله وبالتالي لا علاقة له بهم .

فقـــرة 3 . علاقة الحــــامـــــل بالملـتـزمـيــــــن بالكمـبـيالـــــــــة

الفصل 323/4 م.ت. ينص ” وأما إذا رضي بالتداخل على الصورة المتقدمة فلا يمكن له القيام قبل الحلول بما له من حق الرجوع على من صدر القبول لأجله أو على الموقعين اللاحقين” . ونتيجة لذلك فإن الحامل الذي لم يعارض في حصول القبول بطريق التداخل يعتبر منه ذلك رضاء بكون ذلك القبول هو بمثابة قبول المسحوب عليه وليس له الرجوع على من وقع القبول لأجله قبل حلول أجل الوفاء فيبقى له حق الرجوع على باقي الملتزمين السابقين حسب مفهوم المخالفة للفقرة المذكورة باعتبار أنها عددت الأشخاص الذين لا يمكنه الرجوع عليهم قبل حلول الأجل وهم من وقع القبول بطريق التداخل من أجله والموقعون اللاحقون لتاريخ ذلك القبول .
الجـــزء الثالـــث
الـــكــفــالــــــة
L’AVAL
( الفصل 289 م.ت.)

الكفالة نص عليها الفصل 289 م.ت. وهي نوع خاص من الضمان الاحتياطي الذي وفره المشرع لفائدة الحامل لزيادة ضمان خلاص الكمبيالة عند حلول أجل الوفاء . والمقصود بها هو الضمان الذي يعطيه شخص ثالث أو أحد موقعي الكمبيالة للوفاء بمبلغها عند حلول أجل الخلاص إن لم يوفي بمبلغها المدين . فيمكن بالتالي تعريف الضمان الاحتياطي بأنه كفالة صرفية يقدمها أحد الموقعين أو الغير إما على الكمبيالة أو على مضافة أو بكتب مستقل وذلك من أجل ضمان أداء مبلغ الكمبيالة .

والكفيل حين يمضي الكمبيالة على وجه الضمان يكون ملـزما بالوفاء بها التزاما صرفيا وهو يكون ملتزما لاتجاه حامل الكمبيالة يوم إمضاءه عليها بالضمان فقط بل تجاه كافة من انتقلت إليهم الكمبيالة عن طريق التظهير ، الأمر الذي يلح علينا معرفة النظام القانوني للكفالة ، والكفالة لتكون صحيحة لا بد من توفر شروط معينة فيها (محورI) وهي متى حصلت تترتب عــنها آثــــــــار (محورII) .
محـــور I . شـــروط الكفـــــالـــــــة

دراسة شروط الكفالة في الكمبيالة تقتضي النظر في الشروط الموضوعية (قسم1) والشروط الشكلية (قسم2) .

قسم 1. شـــروط موضوعيـــة

تستلزم الشروط الموضوعية للكفالة توفر ثلاثة شروط أولها الشروط المتعلقـة بالأشخـاص ( فقرة 1) ثانيها الشروط المتعلقة بموضوع الكفالة ( فقرة2 ) و ثالثها الشروط المتعلقة بزمن الكفالــة ( فقرة 3) .

فقــرة 1. الشــروط المتعلقـــة بالأشخــــاص

تستلزم هذه الشروط معرفة الشخص الذي يقدم الكفالة أي الكفيل ( أ ) والشخص الذي تقدم لفائدته الكفالة أي المكفول (ب) .

أ . الشخص الذي يقدم الكفالـــــــة : الكفـيـــــل

الفصل 289/2 م.ت. ينص ” يكون هذا الضمان من أجنبي أو حتى من أحد الموقعين بالكمبيالة ” . فالكفالة يمكن أن تقدم من طرف شخص أجنبي عن الكمبيالة وهذا هو الأصل ما دام أن الهدف من الكفالة هو الزيادة في الضمانات ودخول شخص جديد كموقع على الكمبيالة معناه زيادة الضمانات . إلا أن المشرع لم يمنع مع ذلك الكفالة المقدمة من طرف موقع سابق للكمبيالة فقد يكون ساحبا ويضمن توقيع المسحوب عليه أو مظهرا و يضمن توقيع الساحب أو احد المظهرين … ويعتبر هذا الضمان قائما وصحيحا (19) كما أن الكفيل يمكن أن يكون واحدا أو أن يتعدد الكفلاء . فقد يتدخل مجموعة من الأشخاص لضمان توقيع احد الملتزمين بالكمبيالة .

ب . الشخص الذي تقدم لفائدة الكفالــــــة : المكفـــــول

الفصل 289 /1 م.ت. ينص ” إن دفع مبلغ الكمبيالة يمكن أن يضمنه كليا أو جزئيا كفيل ” يمكن أن نستخلص من هذه الفقرة ملاحظتين فيما يتعلق بالمستفيد من الكفالة :
ـــ إن الكفيل يتدخل لضمان وفاء الكمبيالة فالشخص المقدم لفائدته الضمان أي المكفول هو الآخر ملزم بوفاء مبلغ الكمبيالة و لا يكون الشخص ملزما بوفاء مبلغها إلا إذا كان موقعا عليها إذ أن مناط الالتزام الصرفي هو التوقيع وهكذا فان الكفالة لا تقدم لفائدة شخص موقع على الكمبيالة .
ـــ ما دام أن الكفالة تقدم لفائدة موقع على الكمبيالة وباعتبار أنها زيادة من ضمانات الكمبيالة فإنها تقدم لأي موقع ملزم بوفاء مبلغها سواء كان ساحبا أو مسحوبا عليه قابلا أو مظهرا (20)… أو حتى كفيل آخر أي أن الشخص المكفول يمكن أن يكون كفيل سابق كما هو الشأن بالنسبة للكفالة إذ تجوز كفالة الكفيل على معنى مجلة الالتزامات و العقود .

ROUSSY, ” La situation juridique ambiguë du donneur d’aval “, 1974, II .19. أنظر:
G. HUDRECHT, “le bénéficiaire d’un aval imprécis en matière de lette de change “, 20. أنظر:
D.1960 ; V. CACHEUX,” Pour le compte de qui est donné l’aval d’un effet de commerce”, Revue
huissier de justice, 1960 ; cf. aussi BESSON, ” L’aval sans indication du débiteur garanti “,
R.T.D. com., 1960 .
هنا وعلى الكفيل عند تقديمه للكفالة أن يعين الشخص الذي تقدم لفائدته هذه الكفالة أي المكفول مثلا إما أن يضمن الساحب أو أن يضمن أحد المظهرين … ولكن إذا أهمل ذلك أي إذا لم يعين المكفول فان كفالته لا تعتبر باطلة بل صحيحة وتعد مقدمة لفائدة الساحب (الفصل 289/6 م . ت . ) إذن فإذا تولى الكفيل تحديد الشخص المكفول فانه يؤخذ بذلك وإذا أهمل الكفيل تحديد ذلك فان المشرع وضع قرينة على أن الكفيل أراد تقديم كفالة لفائدة الساحب وهذا ما ذهب إليه فقه القضاء التونسي (8 ماي 1972 محكمة إبتدائية تونس) (21) . وهذه القرينة تعتبر قاطعة غير قابلة لإثبات العكس بمعنى أن الكفيل في هذه الحالة لا يمكنه أن يثبت بأنه أراد أن يضمن شخصا آخر غير الساحب . إن بيان الشخص المكفول ( أي تعيينه بالكمبيالة ) عند إمضاءه للكمبيالة من الكفيل مهم ، وذلك حتى يعرف الحامل الشخص الواقع كفالته ليتخذ موقفا من بقية الملتزمين بالكمبيالة إن اقتضى الأمر رجوعه قبل أجل الاستحقاق لذلك اعتبر المشرع إمضاء الكفيل دون بيان شخص المكفول بمثابة وقوع الكفالة على شخص الساحب .

تطرح في هذا المستوى مسألة طال الجدل بشأنها سواء فقهيا أو فقه قضائيا وهي أن القرينة المطروحة بالفقرة 6 من الفصل 289 م . ت. هي بسيطة أم قاطعة ؟ . الفصل 289/ 6 م .ت. ينص ” ويجب على الكفيل أن يعين الشخص الذي يكفله وإلا عد الساحب هو المكفول” . لو اعتبرنا هذه القرينة بسيطة وكنا إزاء ساحب حامل فلا يمكن أن يكون هو المكفول لأن الكفالة إنما تتعلق بضمان الوفاء بالدين وذلك الساحب الحامل ليس مطالبا بأي وفاء بل إنه من سيقع الوفاء بين يديه . فالحل يكون مختلفا باختلاف الروابط . فإذا تعلق الأمر بالعلاقة بين الكفيل والساحب الحامل فإن القرينة تصبح بسيطة . وأما إذا تعلق الأمر بالعلاقة بين الكفيل وأي حامل آخر غير الساحب فإن القرينة تصبح مطلقة.وهذا ما ذهبت إليه المحكمة الابتدائية بتونس في حكم لها صادر في 1972.05.08 .

فقـــرة 2. الشـــروط المتعلقـــة بموضوع الكفالــــة

على معنى الفقرة 1 من الفصل 289 م.ت. فإن موضوع الضمان هو خلاص الكمبيالة . فحسب منطوق هذه الفقرة فالكفيل يمكن أن يحصر التزامه في جزء من الدين العام ، الفصل 289/1 م . ت . ينص ” إن دفع مبلغ الكمبيالة يمكن أن يضمنه كليا أو جزئيا كفيل ” .

فقــرة 3 . الشــروط المتعلقــة بزمـــــن الكفالــــة

الأصل في الكفالة هو أن تقدم بين تاريخ إنشاء الكمبيالة وتاريخ استحقاقها . لكن ماذا لو قدم بعد هذا التاريخ أي بعد تاريخ استحقاق الكمبيالة ؟ . هنا يجب التمييز بين ما إذا قدم هذا الضمان بعد أجل استحقاق الكمبيالة ولكن قبل تاريخ الاحتجاج أو قبل انصرام الأجل المحدد لتحرير هذا الاحتجاج أو قدم بعد هذا التاريخ .
ـــ فلــو قدم الضمان الاحتياطي بعد أجل الاستحقاق ولكن قبل تاريخ الاحتجاج أو قبل انصرام الأجل المحدد لتحرير هذا الاحتجاج فإن هذا الضمان يعتبر ضمانا صحيحا ذلك أن حلول أجل الاستحقاق لا يجعل الكمبيالة تنتهي .

ـــ أمــا إذا قدم الضمان الاحتياطي بعد أجل الاستحقاق ولكن أيضا بعد تحرير الاحتجاج أو بعد انصرام الأجل المحدد لتحرير الاحتجاج فإن مثل هذا الضمان لا يعتبر التزاما صرفيا بل يمكن اعتباره مجرد كفالة عادية .

21. حكم إبتدائي مدني عدد 6971 مؤرخ في 8 ماي 1972، م.ق.ت. جانفي فيفري 1974 ، ص . 15، أنظر كذلك م.ق.ت. 1974، ص. 257. أنظر الملحق.
قســـم 2 . الشـــروط الشكليـــة للكفالــــة

لعل الشروط الشكلية للكفالة تتمحور حول الضمان ، فما شكل الضمان ( فقرة 1) و هل أن الكفيل ملزم بالضمان الكلي و الضمان الجزئي ( فقرة 2 ) .

فقــرة 1 . شكــــــل الضمـــــــــــان

إن الكتابة شرط لا بد من توفيره لنشوء الكفالة . والكفالة يمكن أن تعطى على الكمبيالة ( أ ) أو على المضافة (ب) أو بمكتب مستقل (ج) .

أ . الكفالة المعطاة على الكمبيالة ( الفصل 289/3 م.ت .)

تتجسد الكفالة من خلال تنصيص كتابي يليه إمضاء صاحبه . ويجب أن يعبر على الكفالة بكلمات كهذه “يعتمد للكفالة ” أو بما في مؤداها مصحوبة بتوقيع الكفيل إلا إذا كان المسحوب عليه أو الساحب . التزام الكفالة يجب أن يكون كتابيا وذلك نظرا لخطورة الالتزام بالنسبة للكفيل … وفي هذا الإطار فإن إمضاء الكفيل يجب أن يكون خطيا لا مرقونا ولا مطبوعا عملا بالقاعدة العامة (الفصل 253 م.ا.ع.) وتعطى الكفالة سواء على وجه الكمبيالة أو على ظهرها . وإن مجرد إمضاء الكفيل على وجه الكمبيالة كاف لاعتبار الكفالة حاصلــة وذلك عمــــلا بالفصل 289/5 م.ت . ( وإن كان النص العربي يذكر ظهر الكمبيالة غلطا عوضا عن وجهها ) وعادة ما نجد على وجه الكمبيالة موضعا مخصصا ” للكفالة ” . الفصل 289/5 م.ت. ينص على ما يلي ” وتعتبر الكفالة حاصلة بمجرد توقيع الكفيل على ظهر الكمبيالة إلا إذا كان صاحب التوقيع المسحوب عليه أو الساحب” .

النص الفرنسي يـنــــص :
« Il est considéré comme résultant de la seule signature du donneur d’aval opposée au recto de la lettre de change, sauf quand il s’agit de la signature du tiré ou celle du tireur. »

والكتابة في الكفالة تختلف حسب ما إذا وردت على وجه أو على ظهرالكمبيالة ،
ــ إذا حصلت الكفالة على وجه الكمبيالة ، فإنه يكفي توقيع الكفيل حتى يعتبر توقيعه هذا كفالة . وهكذا فالتوقيع المجرد على وجه الكمبيالة يعتبر كفالة ما لم يكن طبعا توقيع الساحب أو المسحوب عليه لأن توقيع الساحب يعتبر سحبا للكمبيالة وتوقيع المسحوب عليه على هذا الوجه يعتبر قبولا أما ماعدا ذلك فإن التوقيع المجرد على الوجه يعد “كفالة” ، الفصل 289/5 م.ت. ينص ” إن توقيع الكفيل على وجه الكمبيالة يكفي ليعتبر بمثابة كفالة باستثناء توقيع الساحب والمسحوب عليه ” .
ــ أما إذا حصلت الكفالة على ظهر الكمبيالة ، فإن الكتابة هنا تعني التوقيع ثم الصيغة أي عبارة تفيد الضمان . فهنا لا يكفي التوقيع المجرد لأن التوقيع المجرد على ظهر الكمبيالة يفيد التظهير، وهكذا فإذا أراد الكفيل تقديم ضمانه على ظهر الكمبيالة فعلية أن يوقع على هذا الظهر ويضيف أية عبارة تفيد الضمان وهذا ما يستفاد من الفصل 289/4 م.ت. الذي ينص ” ويعبر عنها بكلمات كهذه (يعتمد للكفالة) أو بما في مؤداها ثم يوقع الكفيل عليها بإمضائه ” .

ب . الكفالــــة المعــطــاة عـلــــى المضافـــة .Allonge

فكما يمكن أن يورد الكفيل ضمانه على الكمبيالة ذاتها يمكن أن يورده على ورقة تلحق بهذه الكمبيالة أي ورقة متصلة بها . وغالبا ما يتم ذلك عندما يمتلىء ظهر الكمبيالة إلا أنه لا بد أن يكون هناك التوقيع ثم الصيغة أي أن يعبر عنه بما يفيد الكفالة ، ذلك أن الوصلة هي امتداد لظهر الكمبيالة وقد سبق القول أن الضمان إذا حصل على الظهر فيجب أن يكون هناك التوقيع ثم الصيغة .

ج . الكفالـــة المعــطــاة عـلـــى كتـب مستقـل . Acte séparé

يمكن أن تعطى الكفالة على كتب مستقل وذلك عملا بالفصل 289/3 م.ت. وهذا الشكل من الكفالة لم يتعرض له قانون جينيف الموحد إلا عند تعرضه صلب الملحق عدد2 للجوانب التي يجوز لكل دولة أن تتخذ بشأنها الموقف الذي تراه صائبا . وقد أخذ المشرع الفرنسي بهذا الخيار(22) وكذلك فعل المشرع التونسي من بعده . والكفالة على كتب مستقل تخضع لـ3 ضوابط :
ــــ يجب أن تحصل كتابة (قرار تعقيبي فرنسي1986.02.11) ولا بد من ذكر في هذه المضافة مجموعة من البيانات التي تتضمنها الكمبيالة كاسم المسحوب عليه وتاريـــــــخ الإنشــــاء ومبلـــغ الكمبيالة … حتى يحصل العلم بأن هذه الورقة المستقلة تتعلق بكمبيالة معينة وأن الكفالة الحاصلة تضمن وفاء مبلغ هذه الكمبيالة التي حددت بياناتها .

ــــ لا بد أن تتضمن بيانا للمكان الذي أعطيت فيه ، هذا التنصيص ضروري خاصة في صورة تعلق الأمر بكمبيالات دولية فهو يمكن معرفة البلد الذي أعطيت فيه تلك الكفالة لتطبيق القانون التجاري على ذلك البلد على تلك الكفالة تطبيقا للقواعد العامة لتنازع القوانين في المادة التجارية ويمكن أن تكون هذه الكفالة واردة على كامل مبلغ الكمبيالة أو على جزء منه .
ــــ إن الصك المنفصل لا يعد كفالة إلا إذا كان متضمنا لتنصيص بشأن قيمة المبالغ “المكفولة” ومدة قيام التزام الكفيل . إن الكفيل لا يتحمل الالتزام إلا إزاء الشخص الذي التزم له و ذلك في صورة الكفالة بكتب مستقل لأن ذلك الكتب لا يتم تداوله مع الكمبيالة .

فقـــرة 2 . الضمـــان الكلـــي والضمــــان الجزئـــــي

لا غرو أن الكفالة تقدم من أجل الزيادة في ضمانات الوفاء بالكمبيالة بمعنى أن الكفيل يصبح هو الآخر ملتزما صرفيا أي ملتزما بوفاء مبلغ الكمبيالة لآخر حامل لها. لكن الكفيل غير ملزم بضمان مبلغ الكمبيالة بكامله بل يمكنه أن يقصر ضمانه على جزء فقط من مبلغها أي أن يكون ضمانه جزئيا ، وقد أجاز المشرع ذلك صراحة في الفصل 289/1 م.ت. ” إن دفع مبلغ الكمبيالة يمكن أن يضمنه كليا أو جزئيا كفيل ” و هكذا فإذا أراد الكفيل أن يحدد ضمانه فقط بالنسبة لجزء من مبلغ الكمبيالة فعليه أن يـبـيـن ذلك صراحة وعندئذ لا يمكن الرجوع عليه إلا بالمبلغ الذي ضمنه . أما إذا جاء ضمانه عاما أي دون تحديد فيما إذا كان كليا أو جزئيا فإنه يعتبر ضامنا لكل مبلغ الكمبيالة. فهنا تقوم قرينة على أنه أراد ضمان كامل المبلغ لأنه لو أراد ضمان جزء فقط لنص على ذلك عند تقديمه لهذا الضمان (23) .

ROBLOT, Sous Montpellier 1 & 2 , 1954 et Lyon 22.05.1954, JCP 1955, n° 8469, p. 84. 22. أنظر:
SIGALAS, ” L’aval de la lettre de change et cautionnement du rapport fondamental “,23. أنظر: R.T.D. com. 1964 , p. 62.
محــــورII . آثـــــــــار الكـفــــالــــــــــة

تختلف آثار الكفالة بحسب علاقة الكفيل ببقية الموقعين على الكمبيالة أو المتعاملين بها سواء في علاقة الكفيل بالحامل ( قسم 1) أو علاقته بالمكفول ( قسم 2 ) أو في علاقة هذا الضامن بباقي الموقعين على الكمبيالة (قسم 3) .

قســـم 1. علاقـــة الكفيـــــل بالحامـــــل

إن التزام الكفيل يختلف عن بقية الالتزامات الصرفية وذلك باعتباره ليس فقط التزام أصلي (فقرة 1 ) كما هو الشأن بالنسبة لالتزامات الموقعـيـن الآخرين بل يعتبر أيضا التزاما تبعيا (فقرة 2) .

فقـــرة 1 . التــزام الكفيــــل هــو التــــزام أصلــــي

التزام الكفيل هو التزام صرفي وبالتالي فإنه التزام أصلي وبالتالي يخضع لمبدأ استقلال التواقيع . وهكذا فبتوقيع الكفيل على الكمبيالة فإنه يصبح ملتزما وتسري عليه كافة الالتزامات الصرفية وبالتالي فإنه يلتزم بأداء مبلغها إلى آخر حامل لهذه الورقة التجارية . وهكذا فإن من حق الحامل الرجوع على الكفيل مطالبا إياه بالوفاء وذلك إذا ما رفض المسحوب عليه الوفاء له . إذا تعدد الكفلاء فإن من حق الحامل مطالبة أحدهم بكامل المبلغ وهذا ما يعرف بحق التقسيم أو حق التجريد . ذلك أنه باعتبار التزام الكفيل هو التزام أصلي فإنه لا يمكن للكفيل أن يتمسك ضد الحامل بحق التجريد أو حق التقسيم . وذلك عكس ما هو معروف في قواعد الكفالة العامة .
وعلى اعتبار التزام الكفيل التزاما أصليا يخضع لمبدأ عدم المعارضة بالدفوعات الشخصية بمعنى أنه لا يحق للكفيل أن يتمسك ضد الحامل بالدفوع التي تربطه بالساحب أو بالحملة السابقـيـن متى كان هذا الحامل حسن النية . هذا وأن الكفيل يلتزم في حدود ما ألتزم به ، فإذا كان قد ضمن كل مبلغ الكمبيالة فإنه يلتزم بأداء كامل المبلغ إلى الحامل ، أما إذا كان قد ضمن جزءا من هذا المبلغ فإنه ليس من حق الحامل أن يطالبه بكامل المبلغ بل فقط بالجزء الذي ضمنه .

فقـــرة 2. التـــزام الكفيـــل هـو التــــزام تـبــعـــي

باعتبار أن التزام الكفيل هو كفالة من نوع خاص أي كفالة صرفية وبالتالي فإنه يعتبر التزاما تبعيا لالتزام المكفول ذلك أن الكفيل يدخل لضمان توقيع شخص معين لذلك سيكون التزام الكفيل تابعا لالتزام الشخص المكفول . إلا أن هذه التبعية ليست مطلقة كما هي في الكفالة بل هي مقيدة لكون هذه الكفالة هي صرفية وبالتالي فإن التزام هذا الكفيل هو أيضا التزام أصلي ، وهذه التبعية تستفاد من القواعد العامة للكفالة كما هي محددة في مجلة الالتزامات والعقود وكذلك في الفصل 289/7 م.ت. ” ويلتزم الكفيل بمثل ما التزم به المكفول” وكذلك من الفصل 289/ فقرة أخيرة م.ت. وخاصة العبارة الأخيرة : ” ويكون التزام الكفيل صحيحا وإن يكن الالتزام الذي ضمنه باطلا لأي سبب آخر غير عيب في الشكل” .
الكفيل يلتزم بمثل ما التزم به المكفول عملا بالفصل 289/ 7 م.ت . فمن المخول له مبدئيا أن يعارض الحامل بكل الدفوعات التي كان يمكن أن يتمسك بها المكفول . إن الكفيل يدفع دين المكفول وينفذ التزام الوفاء بالكمبيالة الذي أخذه المكفول على عاتقه بمعنى آخر أن الكفيل ملتزم بمثل ما التزم به المكفول وبالتالي يجوز له الاحتجاج بما يمكن أن يحتج به مكفوله ضد الحامل . ويرتب ذلك النتائج التالية :

ــ إذا التزم الكفيل لمصلحة الساحب أو أحد المظهرين فله أن يعارض الحامل المهمل بسقوط حقه تماما كما كان لهم أن يفعلوا ذلك .
ــ يمكنه أن يعارض الحامل بسقوط حقه بالتقادم طالما كان ذلك ممكنا للشخص المكفول .
من خلال الفصل 289/8 م.ت. يبدو كون التزام الكفيل صحيحا وأن يكون الالتزام الذي ضمنه باطلا لأي سبب آخر غير عيب في الشكل فالكفيل يخضع لمبدأ استقلالية التوقيع وهو يبقى ملتزما حتى وإن كان التزام المكفول باطلا طالما لم يرد البطلان على البيانات الإلزامية . وبالتالي عدم إمكانية الدفع بالبطلان وذلك بناء على مبدأ استقلال التواقيع يقضي بأن التزام كل موقع مستقل عن غيره بما يجعل بطلان الالتزامات الصرفية الأخرى لا يمتد ليشمل التزام الكفيل ولكن المشرع حد من هذا الاستثناء وأقصى من مجالة أحد أسباب البطلان وهو المؤسس على عيب شكلي إذ أن ذلك العيب لا يخفى على الحامل ولذلك تجوز معارضته به . إن التفحص السريع للفقرتين 7 و8 من الفصل 289 م.ت. يبعث على الاعتقاد بأن هناك تناقضا بينهما إذ تقرر الأولى الصبغة التبعية لالتزام الكفيل في حين تقرر الثانية الصبغة المستقلة له عن سائـر الالتزامات الأخرى عملا بمبدأ استقلال التواقيع . وهذا التناقض يبدو قد وجد طريقة للحل بهيمنة الفقرة 8 التي تهدف إلى جعل التزام الكفيل مستقلا وذلك حماية للحامل الذي قد لا يتسنى له التمسك بالالتزام الأصلي “المكفول” لكونه مشوبا بعيب لم يستطع الحامل تبـيـنـه (انعدام أهلية – تدليس – إمضاء…) .
فالتزام الكفيل هو التزام صرفي . فالكفيل يخضع إلى مبدأ عدم المعارضة بالدفوعات الشخصية (الفصل280 م.ت.) ولا يمكنه معارضة الحامل حسن النية بالدفوعات التي يمكن له إثارتها تجاه أحد موقعي الكمبيالة . وكذلك الكفيل ملزم بالتضامن مع كل من سحب الكمبيالة أو قبلها أو ظهرها تطبيقا للفصل 310 م.ت .

قســـم 2. علاقـــة الكفـيـــل بالمكفــــول

الفصل 289/9 م.ت. ينص على أنه إذا وقع الكفيل الكمبيالة فإنه يكتسب الحقوق المترتبة على الكمبيالة تجاه المضمون والملتزمين له بمقتضى الكمبيالة . معنى ذلك أنه إذا سدد الكفيل مبلغ الكمبيالة فمن حقه الرجوع على المدين الذي كفله (المكفول) وعلى كل الموقعين السابقين عليه في تلك الكمبيالة . إلا أنه إذا كانت كفالته مقصورة على الساحب فليس له الرجوع إلا عليه وعلى المسحوب عليه القابل للكمبيالة . أما إذا كانت كفالته تخص المسحوب عليه فحسب فليس له الرجوع إلا عليه فقط وذلك إذا أثبت الساحب تقديمه للمؤونة للمسحوب عليه .

قســـم 3. علاقــة الكفيـــل بباقـــي الموقعيــن

الكفيل الذي قام بخلاص الكمبيالة لحاملها له أن يقوم ضد كل من أمكن للمدين الأصلي أي المكفول القيام ضده لو كان هو الذي قام بالوفاء ويكون قيامه إما عبر دعوى مباشرة ( فقرة 1 ) أو عبر دعوى الحلول (فقرة 2) .

فقــــرة 1. الدعـــوى المباشــرة (أو الدعوى المستقلة) . Action directe

يمكن القول أن الفصل 289/9 م.ت. منحت الكفيل دعوى مباشرة ضد الملتزمين إزاء المكفول بمعنى يحل الكفيل محل المكفول فتصبح له دعوى مباشرة ضد الملتزمين إزاء المكفول . ففي صورة ما إذا قام الكفيل بالوفاء الصحيح وتحميله للسند في مقابل ذلك فإنه يصبح صاحب حق شخصي ذاتي فلا يمكن لمن وقع القيام ضده أن يعارضه بالدفوعات التي كان يمكن يعارض بها المدين الأصلي “المكفول”. كما لا يمكن للمسحوب عليه القابل إن كان هو من وقع القيام ضده أن يعارض الكفيل بانعدام المؤونة (24) .

ABRAHAMS, ” L’aval de la lettre de change “, R.T.D. com . , 1958.24 . أنظر:
فقــــرة 2 . دعــــــوى الحلــــــول . Action subrogatoire

بالرجوع إلى قواعد القانون العام يمنح الكفيل الذي قام بالوفاء حق الحلول محل الدائن في حقوقه تماما مثلما ينص على ذلك الفصل 1509 م.ا.ع . ” إذا أدى الكفيل الدين أداء صحيحا دخل مدخل الدائن في جميع ماله على المدين من الحقوق والامتيازات بقدر ما دفعه وعلى بقية الكفلاء بقدر مناب كل منهم ودخوله المذكور لا يعبر شيئا مما عسى أن يوجد من الاتفاقات الخصوصية بين المدين والكفيل” . فالكفيل الذي قام بخلاص الكمبيالة يحل محل الحامل وتصبح له جميع الدعاوي الصرفية الممنوحة للحامل الذي وقع خلاصه .
وقد يطرح الإشكال في صورة تعدد الكفلاء ، فان المسالة في هذه الصورة تصبح على غاية من الأهمية باعتبار أن هؤلاء الكفلاء يصبحون ملزمون بالتضامن إزاء الحامل . فإذا وقع تتبع احدهم يكون ملزما بدفع كامل المبلغ دون أن يكون له أن يدفع بالتقسيم . والكفيل إذا ما قام بالوفاء يصبح له حق الحلول ويحل محل الدائن إذ يصبح من المخول له إما القيام ضد أي من ” الكفلاء ” الآخرين ليطالبه بدفع كامل المبلغ بعد طرح نصيبه هو ، وإما طبقا لقواعد الكفالة العامة على معنى الفصل 1507 م.ا.ع وبالتالي يكون مطالبا بتقسيم دعواه إذ ينص الفصل المذكور آنفا على انه ” إذا تعدد الكفلاء المتضامنون ودفع احدهم الدين عند حلول اجله كان له أن يرجع على بقية الكفلاء كل بقدر حصته كما له أن يرجع عليهم بحصته من عجز عن الدفع منهم” . فـقـه القضاء لم يحسم هذا الحل والأمر في الحقيقة مرتبط بتأويل الفقرات 7 و 8 و 9 من الفصل 289 م.ت. وبالطبيعة القانونية لهذه المؤسسة التي تستمد قواعدها من القانون الصرفي أكثر منه القانون العام . وبالتالي فانه يمكن القول بان الكفالة هي كفالة بالتضامن خاضعة للقواعد الخاصة للقانون الصرفي فلا تنطبق عليها قواعد الكفالة العادية إلا متى كانت متماشية وغير متعارضة مع قواعد القانون الصرفي .

الخـاتـمـــة
لا شك أن المشرع التونسي أقر ضمانات تشريعية للوفاء بالكمبيالة بهدف حماية الحامل حسن النية من ذلك ملكية المؤونة و القبول من المسحوب عليه و التضامن بين الممضين و عدم المعارضة بالدفوعات الشخصـيــــــة … إضافة لهذه الضمانات التشريعية هناك ضمانات أخرى اتفاقية و هي في شكل إما تأمينات عينية ( كإنشاء رهن عقاري ضمانا للوفاء و يتم تداول التأمين مع الكمبيالة عند تداولها ) أو تأمينات شخصية كالكفالة ولعل الضمانات الخاصة بالوفاء بالكمبيالة تتمحور في المؤونة ، القبول والكفالة.

المؤونة هي دين الساحب على المسحوب عليه ، غير أنها لا تظل ملكا للساحب بل إن ملكيتها تنتقل إلى المستفيد و الحملة على التعاقب وفقا لسحب الكمبيالة ثم تظهيرها ، الأمر الذي يترتب عليه انتقال ملكية المؤونة . في حالة وجود المؤونة لدى المسحوب عليه هي ضمان من ضمانات الوفاء بالكمبيالة ولو أنها لم تتواجد لديه إلا يوم الاستحقاق (الفصل 275 م.ت.) كما أن المسحوب عليه القابل للكمبيالة ملزم بأداء قيمتها أي مؤونتها للحامل ولو لم تكن موجودة لديه ( الفصل 287 م. ت. ) يوم وجوب الخلاص .

كذلك القبول له أهمية عملية بالغة من حيث أنه يمثل ضمانا إضافيا للحامل ، بالرغم من أنه ليس شرط صحة للكمبيالة ، وإنما هو ( أي القبول ) ذلك التعهد الحاصل على الكمبيالة و الذي يلتزم بمقتضاه المسحوب عليه بأداء مبلغها (الكمبيالة) إلى المستفيد عند تقديمها له في أجل الاستحقاق فالقبول بالتالي يمثل ضمانا جديا لحامل الكمبيالة ليدفع له مبلغها عند حلول أجلها .

وأخيرا و ليس آخر الضمانات ، الكفالة ، فقد نص عليها الفصل 289 م.ت. و هي نوع خاص من الضمان الاحتياطي الذي وفره المشرع لفائدة الحامل لزيادة ضمان خلاص الكمبيالة عند حلول أجل الوفاء بها . والمقصود بالكفالة هو الضمان الذي يعطيه شخص ثالث أو أحد موقعي الكمبيالة للوفاء بمبلغها عند حلول أجل الخلاص إن لم يوفي بمبلغها المدين .