صفة المالك في الحيازة المكسبة للعقار

الأسـتاذ: الحسين مبروكي
الملكية حدث إجتماعي وإقتصادي. هي حدث إجتماعي لأن الملكية مصدر للاعدالة وسبب للسلم الإجتماعي وهي مؤشر للأنانية ومصدر للعطاء.

وللملكية اشكاليات عديدة داخل المؤسسة الإقتصادية وهذا ليس بالنسبة الى توزيع الأرباح بين رأس المال والعمل فقط بل بالنسبة الى المشاركة في ممارسة السلطة داخل المؤسسة والملكية ايضا اشكال في الميدان الفلاحي ،دون شك يجب البحث عما اذا كانت الملكية الخاصة لا تمثل حاجزا أمام سياسة فلاحية ملائمة قائمة على تجميع الأراضي.

وأخيرا تطرح الملكية الحضرية صعوبة أخرى لأن ملكية الأراضي الصالحة للبناء داخل مناطق التوسع العمراني تعتبر حاجزا متوقعا أمام انجاز المشاريع العمرانية والحضارية . وخارج هذه القطاعات المتوقدة والمتحركة تبقى النظرية العامة للملكية محافظة على هدوئها وثباتها .

فقد عرف المشرع الملكية على أنها الحق الذي يخول لصاحب الشىء وحده استعماله واستغلاله والتفويت فيه ( الفصل 17.م.ح.ع ). كما نظم أسباب اكتسابها، اذ تكتسب الملكية بالعقد والميراث والتقادم والإلتصاق ومفعول القانون وفي المنقول بالإستيلاء أيضا (الفصل22.م.ح.ع). والتقادم المكسب وسيلة أقرها القانون لكسب ملكية العقار او حق عيني آخر بمقتضى حيازته مدة معينة .ويختلف التقادم المكسب عن التقادم المسقط الذي هو وسيلة لسقوط حق تقاعس صاحبه عن المطالبة به .ويستند التقادم المكسب الى اعتبارت عملية أهمها ضمان استقرار الاوضاع الظاهرة والمراكز الواقعية تعزيزا للثقة في التعامل بين الناس[1]

ويشترط لكسب ملكية العقار او الحق العيني بالتقادم الا يكون ثمة نص يمنعه .

ولابد لكسب ملكية العقار أو الحق العيني العقاري بالتقادم من حيازة هذا العقار أو الحق العيني حيازة تتوافر فيها الشروط المفروضة في القانون .

ومن البديهي أن تكون هذه الحيازة أولا حيازة شخصية بالحائز، أي ان يكون الحائز قد قام بحيازة العقار أو الحق طيلة المدة المحددة في القانون ، دون أن يحق له التمسك بحيازة باشرها شخص آخر فيما عدا الحيازة التي باشرها السلف والتي يحيز القانون ضمها الى حيازة الخلف.

ويجب ان تتوافر في الحيازة الآيلة إلى اكتساب ملكية العقار أو الحق العيني العقاري بالتقادم عدة خصاص نص عليها القانون (الفصل 45.م.ح.ع )، وتقتضي هذه الخصائص ان تكون الحيازة هادئة وعلنية ومستمرة وظاهرة، حتى اذا تحققت هذه الخصائض واقترنت بمدة معقولة حددها المشرع أصلا بخمسة عشر سنة وجعلها تتراوح بين عشر سنوات إذا اقترنت الحيازة بسند صحيح ( الفصل 46.م.ح.ع ) وثلاثين سنة اذا كانت الحيازة بين الورثة ، اعتبرت حيازة صحيحة وكفل القانون حمايتها .

على أن هذه الخصائص لا تكون فاعلة إلا اذا كانت الحيازة قائمة على عنصرين، وهي العنصر المادي الذي يتألف من مجموع الأعمال المادية التي يباشرها عادة صاحب الحق موضوع الحيازة. اذ يقوم هذا الركن على رابطة فعلية تربط الحائز بالعقار، وتكون هذه الرابطة قاطعة في الدلالة على ان الحائز له سلطة فعلية على العقار[2] و لا يعني ذلك ان يكون الحائز واضعا يده على العقار ماديا ولكن يكفي أن يكون في امكانه التصرف فيه التصرفات العادية القابل لها .

ويستشف العنصر المادي من طريقة الحوز، فوضع اليد على الأرض الزراعية يكون بزرعها ووضع اليد على الأرض الصالحة للبناء يكون ببنائها .

ولا يكفي أن تنشأ علاقة مادية بين الحائز والعقار، بل لا بد من نشأة علاقة معنوية به ويراد بها ان تتوافر لدى الحائز نية استعمال العقار المحوز كالمالك أو كصاحب حق من الحقوق العينينة الأصلية المتفرعة عن حق الملكية كالإنتفاع او الإرتفاق او السكنى.

ويعتبر العنصر المعنوي الضابط الذي يميز بين الحيازة الحقيقية ومجرد الحوز العرضي .

ونظرا لضرورة هذا الركن المعنوي فإنه يشترط في الحائز أن يكون أهلا لأن نية التملك لا تصدر عن عديمي التميز كالصبي أو المجنون.[3]

ويتجه الإلمام بالتطور التاريخي الذي شهده الركن المعنوي في الحيازة وذلك من خلال محطتين هامتين هما القانون الروماني والفقه الإسلامي، ثم التعرف الى موقف فقهاء القانون منه.

أطلق القانون الروماني مصطلح Aminus للتعبير عن مدلول علاقة الحائز المعنوية بالعقار، فالشخص لن يصبح حائزا للعقار الا متى أقام علاقتين مختلفتين به: علاقة ماية Corpus وعلاقة معنويةAminus، واذا كانت علاقة الحائز المادية بالعقار تكمن في السيطرة عليه او القدرة على ممارسة تلك السيطرة في المستقبل فإن علاقته المعنوية به تظهر من خلال نيته في ممارسة تلك العلاقة المادية بالعقار ،فالعلاقة المعنوية هي اذن نية الحائز في أن يستعمل الحق العيني الذي تدل عليه الأعمال المادية التي يباشرها على العقار فنية الحائز في السيطرة عليه تعكس قيام علاقة معنوية بينهما .

كما أجمع فقهاء القانون الإسلامي على ضرورة توفر علاقة معنوية للشخص بالعقار وعبروا عنها بـ” وجوب ادعاء الحائز أنه مالك فعلا”[4]

فقد ورد بالمذهب المالكي أنه يبقى شرط خامس وهو أن يدعى الحائز وقت المنازعة ملك الشىء المحاز“[5]

كما جاء بالمذهب الحنفي ان اليد دليل على الملك[6] ويقول الزيلعي دليل الملك اليد مع التصرف[7]. ويقول السرخسي ” لأن يد ذي اليد تدل على الملك وسبب الملك هو ما يشاهده كل احد ” وهو ما يراه الفقه الشافعي أيضا[8]

ونستشف من خلال هذه الأقوال أنه رغم عدم تعرضها صراحة الى نية اكتساب الحق فإنها تحتوي ضمنيا ضرورة وجودها، فأساس الحق في الفقه الإسلامي لا يسقط بالتقادم وبالتالي يصبح من التناقض اشتراط نية الحائز في اكتساب الحق، ولكن يتضح من خلال الوضعية الظاهرة أن من يتصرف في العقار الذي بحوزه تصرف المالك مدة طويلة من الزمن فإن ذلك دليل على ملكيته حيث يدعيه لنفسه ، اذ أن اليد في الفقه الإسلامي التي تقابل علاقة الحائز المادية بالعقار تدل على ملك من في يده ذلك العقار عملا بالظواهر .

ويوضح ابن قيم الجوزية من المذهب الحنبلي في نفس المعنى ما يلي ” أن يكون رجل حائزا لدار متصرفا فيها السنين العديدة الطويلة بالبناء والهدم والإجارة وينسبها إلى نفسه ويضيفها الى ملكه[9]

ويستشف من هذه الأحكام جميعا أنها تحتوي على ضرورة توفر النية في اكتساب الحق لنشأة وضعية الحائز رغم عدم ذكرها صراحة، لأن تصرف صاحب اليد في العقار الذي بيده يدل على أنه مالكا له،. كما كان العنصر المعنوي محل جدل بين نظريتين :

تعتبر النظرية الأولى ان وضعية الحائز لا تنشأ إلا باجتماع علاقتين مختلفتين الأولى مادية والثانية معنوية. فالعلاقة المادية بالعقار لا تكفي حسب SAVIGNY لنشأة وضعية حائز العقار بل يجب فضلا عنها توفر علاقة معنوية، فعلاقة الحائز المعنوية بالعقار مستقلة عن علاقته المادية به ، وهي شرط إضافي ولكنه ضروري لنشأة وضعية حائز للعقار القانونية، فالعلاقة المادية والعلاقة المعنوية للحائز بالعقار شرطان متلازمان ومستقلان في نفس الوقت لنشأة وضعية الحائز القانونية له. وقد كانت وظيفة العنصر المعنوي تميز حركة الشخص الواعي عن الشخص النائم أو غير المميز، ثم تطور العنصر المعنوي ليصبح غائيا غايته الوصول الى تحقيق نتيجة[10].

وبعد ذلك حصل تطور آخر صلب الغاية نفسها من وراء قصد السيطرة على العقارفبعد أن كانت الغاية الأولى للحائز انتساب العقار لنفسه أصبحت في مرحلة لاحقة ارادة التملك بالعقار، ويقصد بالعنصر المعنوي إرادة انتساب العقار للنفس ان يعمل الحائز طيلة مدة حوزه على أن ينسب العقار الى شخصه[11].

وهو انتساب اقتصادي يمكن الحائز من الانتفاع بالعقار، وبهذا المفهوم المتطور نسبيا لعلاقة الحائز المعنوية بالعقار يسعى الحائز الإحتفاظ بالعقار لفائدة نفسه لاستغلاله اقتصاديا، فهذه العلاقة المعنوية هي انتساب اقتصادي لا قانوني للعقار من قبل الحائز وهي بالضبط ارادة الحائز في الحصول على المنفعة التي يخولها العقار، فيتصرف الحائز في إطار هذه المرحلة من العلاقة المعنوية بالعقار لا بوصفه مالكا بل بوصفه مستغلا له ومنتفعا به ، ثم تطورت نظرية SAVIGNY من العلاقة المعنوية الانتساب الإقتصادي الى العلاقة المعنوية الانتساب القانوني أو ارادة التملك، وبذلك تصبح العلاقة المعنوية الانتساب الإقتصادي للعقار هو الرابطة بين العلاقة المعنوية البدائية او الوعي بالحركة المادية والعلاقة المعنوية لانتساب القانوني أو ارادة التملك .

فـ SAVIGNY لم يكتف بتعريف العلاقة المعنوية بين الحائز والعقار على انها قصد لانتفاع به بل أنه ذهب الى أنها ارادة التصرف فيه لحساب النفس أو بمعنى آخر ارادة التملك. ويكمن الفارق الدقيق بين العلاقة المعنوية ارادة الانتساب والعلاقة المعنوية إرادة التصرف لحساب النفس في أن الإرادة الأولى هي إرادة الحائز في انتساب العقار اليه اقتصاديا، في حين تسمو ارادته الثانية نحو الانتساب القانوني لذلك العقار أي نحو تملكه .

فالغاية الأولى للحائز مادية في حين أصبحت الغاية الثانية قانونية، فغاية الحائز نحو الملكية هي غاية قانونية لأنها تنحصر في نية الحائز في ان يضيف العقار لملكه الخاص، وبذلك وضع SAVIGNY معيارين مندمجين مع بعضهما لتمييز علاقة الحائز المعنوية بالعقار في شكلها المتطور، هما ارادة الحائز في التصرف لحساب النفس بهدف تملك العقار فلا تنشأ علاقة معنوية للشخص بالعقار الا اذا تصرف فيه بصفة مالك ، فالحائز الحقيقي هو الشخص الذي لا يتصرف كحائز بل كمالك للعقار والحائز لا يبحث من خلال تصرفه في العقار عن استغلاله اقتصاديا فحسب بل وخاصة عن انتماء قانوني للعقار لذمته المالية يضمنه له المشرع وهو ما سمي في القانون الرمانيAnimus domini.

أما النظرية المادية التي تزعمها IHERING فإنها تنظر للعنصر المعنوي بأنه طالما كانت الأعمال المادية التي يقوم بها الحائز للسيطرة على العقار أو لممارسة سلطة عليه أعمالا إرادية قصدية فإنه لا يمكن لهذا القصد أن ينفصل عن الأساس المادي الذي قام عليه، فعلاقة الحائز المعنوية مندمجة في علاقته المادية بالعقار باعتبار أن هذه العلاقة ليست سلبية أو وليدة الصدفة بل تساهم الإرادة حتما في تحقيقها [12]

فالعلاقة المعنوية عند IHERING عنصر غير مستقل عن العلاقة المادية وأن الغاية الحقيقية من مسك العقار ليست تملكه بقدر ما هي توظيفه واستغلاله وفق ما تقتضيه طبيعته، ولهذا السبب أطلق IHERING على نظرية SAVIGNYالنظرية الشخصية لأنها تجعل من الإرادة وبالضبط من الهدف من تلك الإرادة معيارا لمنح الشخص وضعية حائز العقار القانونية[13].

فقد اهتم IHERING بالمفهوم الوظيفي للعقار الذي يمكن لمالكه من الانتفاع به كأن يسكنه إن كان منزلا أو يحرثه ويجني ثماره ان كان حقلا[14]، فوظيفة العقار هي أساسا وظيفة اقتصادية وهي الهدف الحقيقي لكل حائز . فاذا كانت للشخص ارادة الانتفاع بالعقار فإن ذلك يكفي ليصبح حائزا له دون أن يبحث بعد ذلك إن كان الحائز ينوي التملك بالعقار أم لا. ولهذا السبب سميت نظرية IHERING بالنظرية الموضوعية فهو لا يفرق بين العلاقة المعنوية بهدف الانتساب والعلاقة المعنوية بهدف الملكية، فلا يمكن منح أي اثر لشخص دون آخر على أساس عنصر نفسي لا يمكن معاينته وبذلك يجب ألا يرتبط المشرع في سنه للفصول التشريعية بالقصد الشخصي لكل شاغل للعقار لأن ذلك يؤدي الى عدم الإستقرار والفوضى باعتبار أن نية الشخص يمكن أن تتغير من يوم لأخر، بل من ساعة لأخرى .

فلا يعقل اعتبار ان من لم يكن حائزا للعقار بالأمس حائزا باليوم على اساس تغير مفاجىء وربما تعسفي في قصده او في غايته من السيطرة على العقار[15] ، ولذلك اعتبر IHERING أن الفصول التشريعية التي ترتبط بنوايا الأشخاص تؤدي الى الغموض والإعتباطية أو على الأقل الى عدم قابليتها للتطبيق .

ما يستنتج إذن هو وجود اتفاق بين SAVIGNYو IHERINGعلى ضرورة توفر القصد لدى الحائز أثناء سيطرته على العقار ،وأن الاختلاف بينهما ينحصر في طبيعة هذا القصد من كونه مجرد الانتفاع بالعقار أم الحصول على ملكيتة ،فحيث اكتفى IHERING بالعنصر المعنوي ارادة الانتساب والتعامل مع العقار كوحدة إنتاج اقتصادي تجاوزSAVIGNY في تعريفة لعلاقة الحائز المعنوية بالعقار تلك المرحلة إلى مرحلة ثالثة هي إرادة التملك لحساب النفس ،فهي بالنسبة لـSAVIGNY أحسن تعبير عن علاقة الحائز المعنوية بالعقار.

فأي من النظريتين الشخصية أو الموضوعية لعلاقة الحائز المعنوية بالعقار كانت أكثر تأثيرا على التشاريع الحديثة؟

نص المشرع الفرنسي بالفصل 2229 من المجلة المدينة الفرنسية على ضرورة تصرف الحائز بصفة مالك[16]. وهو ما لا يدعو مجالا للشك أن القانون الفرنسي يشترط العنصر المعنوي إرادة التملك بالعقار ANIMUS DOMINIلدى الحائز [17]فهو بالتالي قائم على النظرية الشخصية[18]

مع ضرورة الملاحظة أن هناك من الفقهاء من نفى بشدة ان يكون المشرع الفرنسي قد تاثر بالنظرية الشخصية للفقيه SAVIGNY بقدر ما تأثر بفقهاء القانون الفرنسي القديم الذين وصلوا الى نفس التعريف لعلاقة الحائز المعنوية بالعقار الذي توصل اليها SAVIGNY بألمانيا لاحقا وقد جاء بكتاب الأموال للأخوة مازو ما يلي:

Les rédacteurs du code civil de 1804 ignoraient les traveaux de SAVIGNY publiés en Allemagne en 1803. Ils ont suivi leurs guides habituels DOMAT et POTHIER, pour que la possession supposait la volonté de se conduire en propriètaire animus.

وقد عمد فقهاء القانون الفرنسي القديم إلى تطوير المفهوم البدائي لعلاقة الحائز المعنوية بالعقار من مجرد الوعي بالحركة المادية إلى إرادة التملك ،إذ فرق CUJAS الحائز إلى صنفين :الحائز الطبيعي NATURALIS POSSESSIOوالحائز المدني Civilis وتوصل CUJAS الى نتيجة الغياب التام للإرادة بالنسبة للحائز الطبيعي، في حين يتمتع الحائز المدني بإرادة التصرف في العقار[19]

جاءت بعد ذلك نظرية الفقيهيين DOMAT وPOTHIER امتدادا وتكملة في نفس الوقت لنظريةCUJAS فأخذ DOMAT من CUJAS تقسيمه الثنائي بين الحائز الطبيعي والحائز المدني، ولكنه ذهب الى أبعد من CUJAS في اعتبار أن الحائز المدني هو الحائز الحقيقي الوحيد مقصيا بذلك الغاصب الذي يصنفه ضمن الحائز الطبيعي ، وقد سار POTHIER في نفس التوجه الذي اعتمده DOMAT من أن الحائز المدني هو الشخص الذي يتصرف في العقار وكأنه مالكا له[20]

فقد اشترط POTHIER ارادة الحوز لدى الحائز مع إضافة فارق بسيط يميز نظريته عن نظرية كل من DOMAT و CUJAS يتمثل في الفصل بين ماسك العقار بالمفهوم التقني للكلمة وبين الحائز الطبيعي، ولكن مهما يكن أمر الإختلاف الطفيف بين هؤلاء الفقهاء الثلاث CUJAS ، DOMAT وPOTHIER فإن نظرية CUJAS تواصلت عبر كل من الفقيهين DOMAT وPOTHIER الى حين اعلان مجلة نابليون المدنية، وقد أمتد هذا التأثر بموقف DOMAT وPOTHIER الذي أصبح مقننا الى اغلب الفقهاء وبذلك حصل إجماع يكاد يكون مطلقا على ضرورة توفر العنصر المعنوي ارادة التملك الى جانب العنصر المادي لدى الشخص لكي يصبح حائزا للعقار[21]

بل يوجد من الفقهاء من ذهب الى ان توفر العلاقة المعنوية ارادة التملك غير كافية ويجب إضافة لذلك أن يعلن الحائز عن قيام هذه العلاقة للعموم [22].

أما بالنسبة للمشرع التونسي فإنه واضح في خصوص المفهوم الذي قدمه لعلاقة الحائز المعنوية بالعقار والمتمثل اساسا فيما نص عليه الفصلان 45 من مجلة الحقوق العينينة و54 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية من ضرورة تصرف الحائز بصفة مالك وتعني صفة المالك الواردة بالفصلين 45 و54 المذكورين الإطار النفسي والشعور المصاحب لوضع اليد، أي شعور الحائز بأن الأعمال التي يؤيدها هي من موجبات التصرف في ملكه، أو هو نية الحائز في ان يظهر على العقار بمظهر صاحب حق عيني عليه، والحق إما أن يكون حق ملكية او حق عيني آخر، والمقصود به أن يتصرف الحائز بصفة صاحب حق الملكية او صاحب أي حق عيني عقاري آخر، لهذا يعتبر حائزا للعقار الحائز بقصد التملك أو حائزه بقصد استعمال أو اكتساب حق الملكية أو حق ارتفاق او أي حق عيني عقاري آخر كحق انتفاع أو حق سكني او استعمال، ففي جميع هذه الحالات يجب أن يقصد الحائز استعمال الحق العيني العقاري لحساب نفسه، وبذلك تصبح صفة المالك في حيازة العقار حسب التشريع التونسي نية الحائز في السيطرة على الحق العيني العقاري لحساب نفسه عندما يباشر الأعمال المادية التي تعد ممارسة للحق موضوع الحوز، أو بعبارة أخرى نية السيطرة المادية على العقار باعتباره صاحب الحق عليه ، وهي في جميع هذه التعاريف ممارسة مختلفة ومستقلة في نفس الوقت عن السيطرة المادية على العقار ،ولا يهم بعد ذلك ان تكون نية الحائز مشروعة أي قائمة على أساس حق أو غير مشروعة ، فالذي يهم هو مدى توفر نية الحائز في التملك بالعقار، وليس من الضروري لنشأة صفة المالك في أن يكون الحائز عالما بمدى الحق الذي يحوز وليس من الضروري أن يكون الحائز ملما بجميع ما يوجد بالعقار الطبيعي من عقارات حكمية لكي تنشأ وضعيته كحائز للعقار برمته.

ويتبين من العرض السابق للتشريعات القديمة والحديثة أن صفة المالك حظيت باهتمام موحد مما يبرر التساؤل عن خصوصياتها، فماهي خصوصيات صفة المالك في إطار الحيازة المكسبة للملكية؟

إن الإجابة عن هذه الإشكالية تكتسي أهمية مزدوجة لكونها عملية و نظرية في ذات الوقت، فمن الناحية العملية يمكن القول إنّ المجتمعات تتميز بالسعي نحو اكتساب المزيد من الحقوق العينية مما يجعل من صفة المالك في الحيازة المكسبة للملكية مبررا لطموحاتهم في التملك بما لا يتعارض مع فائدتهم الإقتصادية

ومن الناحية النظرية تمكن دراسة صفة المالك في الحيازة المكسبة من التمييز بينها وبين خصائص الحيازة المكسبة للحق العيني باعتبار أن إنكار هذه التفرقة يفقد صفة المالك خصوصياتها، كما تمكن دراسة هذا الموضوع من إبراز التفرقة بين صفة المالك والركن المادي للحوز الذي نظمه المشرع وأكد طبيعته المادية والحال أن صفة المالك عنصر معنوي قائم بذاته مستقل عن مجرد الممارسة المادية للحوز ،وتسهم دراسة صفة المالك في الحيازة المكسبة كذلك في إبراز أهميتها و دورها فهي تختلف عن التصرفات الناقلة للملكية أو الحق العيني لأنها ليست مصدرا للإستحقاق العقاري ولا تساهم في نقل الحق العيني لأحد .

و في سبيل بيان خصوصيات صفة المالك في الحيازة المكسبة للملكية يتجه تحديد مفهومها باعتبار أن مفهوم صفة المالك سيبرز كمفهوم دقيق ومتميز مما يبرر تحديد قيام صفة المالك (الجزء الأول(، وإذا إتضح مفهوم صفة المالك في الحيازة المكسبة فإنه يتجه تحديد أثارها لأن ضبط الأثار سيمكن أيضا من بيان خصوصيات صفة المالك في الحيازة المكسبة(ألجزء الثاني)

إذا كانت العبرة من توفر شروط الحيازة المكسبة للملكية هو تصرف المدة القانونية في جانب واضع اليد على العقار بصفة مالك فإن أهمية هذه الصفة تفرض من ناحية تحليل مفهومها (القسم الأول) ومن ناحية أخرى فإن القول بأن الحوز لا يكون عاملا إذا لم يكن بصفة مالك يفرض استخلاص هذه الصفة من وقائع الحوز وإثبات أن الحائز يتصرف في العقار تصرف المالك في ملكه (القسم الثاني).

القسم الأول: مفهوم صفة المالك

تختلف صفة المالك في الحيازة المكسبة للعقار عن الاستحقاق العقاري الذي عدد المشرع مصادره بالفصل 22م.ح.ع. (فقرة أولى) كما تختلف صفة المالك عن الحوز العقاري بعنصريه المادي والمعنوي (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى: إختلاف صفة المالك عن الإستحقاق العقاري:

الحوز وضع مادي يرتب عليه القانون بعض الآثار منها اكتسابه الملكية ومنها حمايته بدعاوى وضع اليد إذا ما كان بصفة مالك، والحقيقة أن مجرد الحوز لا ينقل الملك ولكن يدل عليه فحسب لأن انتقال الأملاك يكون بالإيجاب والقبول بين الطرفين والحوز ليست كذلك ويمكن أن نستنتج من ذلك أن صفة المالك في حوز العقار التي جاء بها الفصل 45 م.ح.ع لا يراد بها الملكية الاستحقاقية وإنما يراد بها التصرف في العقار تصرف المالك في ملكه.

كما لا يراد بصفة المالك أنها مصدرا للإستحقاق العقاري كما أنها ليست مدخلا مكسبا له لأن الملكية تكتسب بالعقد والميراث والتقادم والإلتصاق وبمفعول القانون وفي المنقول بالاستيلاء أيضا “الفصل 22م.ح.ع”.

إنّ تعدد مصادر الاستحقاق (الفصل 22 م.ح.ع) من جهة، وإختلاف أسباب إكتساب الملكية العقارية عن صفة المالك، يؤدي إلى اختلاف صفة المالك عن استحقاق الملكية العقارية (أ) بإعتبارها أهم الحقوق العينية العقارية، ثم اختلاف صفة المالك عن إكتساب الحقوق العينية العقارية الأخرى (ب).

أ) إختلاف صفة المالك عن اكتساب الملكية العقارية:

إن صفة المالك هي خاصية في الحيازة المكسبة للملكية التي هي سبب لاستحقاق الملكية العقارية، وبذلك تكون أسباب اكتساب الملكية مستقلة عن صفة المالك وعن الحيازة المكسبة، ونلاحظ أن الفصل 22 م.ح.ع عدد أسباب إكتساب الملكية دون أن يرتبها، وفي غياب ترتيب تشريعي يمكن تصنيف أسباب كسب الملكية الواردة بالفصل 22م.ح.ع إلى صنفين اثنين، أسباب اكتساب الملكية العقارية بالتصرف القانوني (1) وأسباب اكتساب الملكية العقارية بالواقعة القانونية(2).

1) إختلاف صفة المالك عن اكتساب الملكية العقارية بموجب التصرف القانوني:

تختلف صفة المالك عن أسباب اكتساب الملكية العقارية سواء تعلق الأمر بالاستحقاق بموجب العقد أو بموجب القانون.

أولا: اختلاف صفة الملك عن اكتساب الملكية العقارية بموجب العقد:

لم يذكر الفصل 22 م.ح.ع إلا العقد كسبب لإنتقال الملكية، والعقد هو اتفاق بين إرادتين فأكثر لإنشاء رابطة قانونية مع تعيين شروطها وآثارها[23] ،فهل يعني هذا أن التصرفات الإرادية المنفردة لا تنتقل الملكيّة؟. يرى الأستاذ كمال شرف الدين أن المشرع قصد في الحقيقة كل التصرفات الناقلة للملكية وليس العقد فحسب[24].

فمن المستحسن إعتماد مصطلح “التصرف القاني عوض لفظ “العقد”.

وتشهد التصرفات القانونية الناقلة للملكية تنوعا، لكن ذلك لا يمنع خضوعها إلى قواعد جوهرية وشروط تكوين محددة، وفي بعض الحالات إلى شكليات خاصة تضبطها قوانين آمرة.

إن العقد وإن كان في الأصل ناقلا لملكية فإن هذا الأصل لا يثبت في كل الحالات التي وضع فيها القانون شروطا أو قيودا معينة لإنتقال هذا الحق عن طريق التصرف القانوني.

مبدئيا فإن العقد عمل رضائي، أي يكفي لتكوينه مجرد تلاقي الإيجاب والقبول، فإذا حصل الإتفاق بين الطرفين (العقد) أو صدر الإلتزام عن إرادة منفردة (التعهد القانوني الأحادي) انتقلت الملكية فورا تطبيقا لمبدأ الفورية في انتقال الملكية.

ولئن يبقى المبدأ المذكور قائما بالنسبة للتصرفات القانونية التي موضوعها مالا منقولا إذ قلما خالفه المشرع في هذا الصنف من الاموال، فإن التصرفات القانونية المتعلقة بالعقار تخضع إلى قواعد استثنائية وردت بمجلة الإلتزامات والعقود كما في مجلة الحقوق العينية. إن هذه الاستثناءات التشريعية كان لها الأثر في تحديد زمن إنتقال الملكية، ولكنها لم تؤثر في طبيعة الملكية المنتقلة.

فأما إنتقال الملكية العقارية بوجه التصرف القانوني، فإنه خروجا عن مبدأ الفورية نصت بعض القوانين الخاصة على توقف انتقال الملكية بواسطة التصرف القانوني على شرط شكلي أو بواقعة معينة.والشكلية تختلف بإختلاف التصرفات القانونية الناقلة للملكية. فالبيع العقاري يخضع إلى قواعد استثنائية وردت صلب الفصل 581 م.إ.ع الذي أوضح أنه “إذا كان موضوع البيع عقارا أو حقوقا عقارية أو غيرها مما يمكن رهنه يجب أن يكون بيعها كتابة بحجة ثابتة التاريخ قانونا ولا يجوز الاحتجاج بالعقد المذكور على الغير إلا إذا سجّل على الصورة المقررة في الأحكام المتعلقة بذلك” والتسجيل يعني القيام بشكلية جبائية تتمثل في تقديم الصّك لقابض العقود وخلاص المعاليم. إن أهم أثر لتسجيل عقد البيع إذا كان موضوعه عقارا غير مسجل هو معارضة الغير به، ويتجلى من صغة الفصل 581م.إ.ع. إن التسجيل ليس ركنا من أركان صحة البيع ولا شرطا لانتقال الملكية بل مجرد وسيلة لمعارضة الغير، إذ لا يمكن الاحتجاج به عليه والتمسك به إزاءه إلا بالتسجيل، واستقر فقه القضاء على ذلك واعتبر أن مجرد انعقاد البيع بين طرفيه وإن كان له تأثيره ومفعوله بينهما إلا أن هذا المفعول لا يتعدى أثره بالنسبة لغيرهما إلا إذا أصبح العقد تاما بالنسبة للغير حسبما نص الفصل 581م.إ.ع. ولا يكون تاما إلا إذا كان بحجة كتابية مسجلة بإدارة التسجيل[25].

أما بالنسبة للعقارات المسجلة، نص الفصل 305 جديد م.ح على أن كل حق عيني لا يتكون إلا بترسيمه بالسّجل العقاري وابتداء من تاريخ ذلك الترسيم (مبدأ عدم رجعية الترسيم) ويعني هذا أن الترسيم صار سندا ومنطلقا لنشأة الحق ولإنتقاله بعد أن كان مجرد إجراء للمعارضة به فحسب، وبأن الحق لا يوجد سواء في العلاقة القائمة بين الأطراف أو إزاء الغير إلا بإشهار الصّك أو الإتفاق المثبت له، لقد أصبح للترسيم مفعول منشئ للحقوق.

فالمشتري للعقار المسجل لا يستغني عن شكلية الترسيم لإكتساب ملكيته التي لا يتحصل عليها بمجرد إبرام كتب البيع.

وليس الترسيم شرط صحة في عقد البيع، فالبيع لا يعتبر باطلا بل صحيحا ومنتجا منذ ابرامه لكافة آثاره الشخصية مثل إلتزام البائع بضمان الإستحقاق وإلتزامه بضمان العيوب الخفية. لكن الترسيم في الحقيقة أصبح إجراء ضروريا لانبثاق آثار التّصرف القانوني العينية فبدونه لا تنتقل الملكية في عقد بيع العقار، إن عقد البيع لا يحدث أي اثر عيني إلا إذا تم ترسيمه بالسجل العقاري بل أن الحق العيني موضوع البيع لا يتكون إلا بالترسيم فلا يدخل في الذمة المالية للمشتري إلا إذا وقع إدراج الصك بإدارة الملكية العقارية وقبل ذلك لا يكتسب المشتري أي حق عيني ولا يعتبر مالكا للعقار الذي لا يكتسب ملكيته إلا بالترسيم[26].

وإلى جانب البيع ترد على العقار تصرفات أخرى مثل عقد المعاوضة l’échange .

وعقد المعاوضة عرفه الفصل 718 م.إ.ع بأنه “عقد يسلم بموجبه كل من المتعاقدين للآخر على وجه الملكية شيئا منقولا أو غير منقول أو حقا مجردا سواء كان ذلك من نوع واحد أو من أنواع مختلفة“. وتتم المعاوضة مبدئيا بتراضي المتعاقدين إلا إذا تعلق الأمر بمعاوضة موضوعها عقار فيجري العمل طبق أحكام الفصل 581 م إ ع ،أي تحرير كتب وتسجيل العقد، فإذا كان الفرق بين المعاوضة والبيع واضح: فلا وجود لثمن في عقد المعاوضة،فالثمن معيار لتكييف العقد ،ويكون العقد إذا عقد معاوضة إذا ما كان مقابل الشيء المفوت فيه شيء آخر، وقد أكدت محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة أن أهم ما تتميز به المعاوضة عن البيع هو أن لا يكون أحد البديلين من النقود وإلا اعتبر ثمنا والعقد بيعا. إن ابرز مميز لعقد المعاوضة عن عقد البيع يتمثل في المحل، ذلك أنه إذا ما كان المحل في البيع متكونا من عنصرين المبيع والثمن الذي هو المقابل النقدي، فإن المعاوضة يكون فيها المحل متكونا من عنصرين أحدهما يختلف بالضرورة عن الثمن، إن العوض ليس مقابلا نقديا بل شيء آخر يقابل المعاوضة به من نفس الصنف أو من صنف مختلف[27] ورغم هذا الاختلاف فإن المعاوضة تقتضي تطبيق أحكام البيع في خصوص زمن إنتقال الملكية، فلا تنتقل الملكية ولا تكتسب إلا بإحترام شكليات الكتب والتسجيل والترسيم.

ومن التصرفات القانونية الناقلة للملكية عقد الهبة، وهو عقد بمقتضاه يملك شخص آخر مالا بدون عوض” الفصل 200م.أ.ش. لكن صحة الهبة لا تتم إلا بتحقيق شرط شكلي، إذ اشترط الفصل المذكور بكل وضوح “لا تصح الهبة إلا بحجة رسمية“. ويجب التذكير أن هذا الشرط الشكلي لا يشترط إلا إذا ما تعلقت الهبة بعقار، إذا إستثنى المشرع من ذلك المنقولات التي أخضعها لنظام خاص حيث ورد بالفصل 204م.أ.ش “فيما يخص المنقولات المادية، فالهبة تصح بالمناولة مع مراعاة الأحكام الخاصة المتعلقة بالمنقولات المسجلة“.

كما يشترط اكتساب الملكية العقارية شروطا شكلية إذا كان العقار موضوع عقد مغارسة، وقد عرف المشرع المغارسة بالفصل 1416.م.إ.ع الذي جاء به “إذا كان موضوع الشركة أشجارا مثمرة أو نحوها من ذوات الدّخل وتكلّف الشريك العامل بغرسها في أرض شريك على أن يكون له مناب شائع في الأرض والأشجار عند بلوغها إلى حد معلوم أو حد الإثمار سمي العقد مغارسة” وعقد المغارسة يحرر فيها رسم صحيح“، وعقد المغارسة ينقل ملكية مشاعة إلى المغارس، لكن إنتقال الملكية يبقى مؤجّلا إذا لم تحترم شكلية الرسم الصحيح. لذلك يعد عقد المغارسة من العقود الشكلية قد رأت الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب ان “لا وجه لتفسير عبارة- الرسم الصحيح- إلا بالكتب الرسمي المحرر بواسطة مأمور عمومي[28].

كما تشكل الوصية تصرفا ناقلا للملكية المال منقولا أو عقارا. وعرفها المشرع التونسي بالفصل 171م.ا.ش “الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع سواء كان عينا او منفعة“.

إن إعتماد المشرع لكلمات (عين/ منفعة) بالفصل 171م.ا.ش لا يفيد حصر الوصية في الأعيان والمنافع ومنعها في غيرها ،بل تفيد التسوية والتماثل في الحكم بإعتبار الوصية بالعين لها حكم الوصية بالمنفعة على حد السواء.

والوصية بإعتبارها تصرفا قانونيا مكسبا لملكية العقار فإن هذا الأثر العيني يبقى مرتبطا بشكلية الكتب الذي يعتبر وسيلة إثبات له، كما يبقى الأثر العيني للوصية مرتبطا بإرادة الموصي الذي أجاز له المشرع الرجوع في الوصية.

فالبنسبة لإثبات الوصية: جاء بالفصل 176 م.ا.ش ” لا تثبت الوصية إلا بالحجة الرسمية أو بكتب محرر ومؤرخ وممضى من الموصي“. والحجة الرسمية كما عرفها الفصل 442م.إ.ع هي التي يتلقاها المأمورون المنتصبون لذلك قانونا في محل تحريرها على الصورة التي يقتضيها القانون، وهي كما نصّ عليه الفصلان 444م.إ.ع و445م.إ.ع معتمدة ولو في حق غير المتعاقدين حتى يقع القيام بدعوى الزور فيها وذلك في الإتفاقات والأمور التي اشهد بها المأمور الذي حررها.

أما الحجة غير الرسمية فهي الورقة العرفية التي يحررها الأفراد فيما بينهم لتكون دليلا على إثبات ما تضمنته من تعهدات والتزامات وتصرفات قد التزموا بها وارتضوا تحقيقها وتنفيذها.

وقيمة الورقة العرفية والحجة غير الرسمية في الإثبات محددة بالقانون، وهي أقل قوة من الحجة الرسمية، إذ لا تنهض حجة إذا أنكرها صراحة من نسبت إليه حتى تتحقق صحة صدورها منه، فإذا اعترف بها أو ثبتت صحتها ولو بغير الاعتراف اعتمدت كما تعتمد الحجة الرسمية فيما عدا التاريخ.

فالوصية تتم بمجرد إنشائها ولكنها لا تثبت إلا بحجة رسمية أو بكتب ممضى من الموصي، والكتب حجة رسمية أو عرفية ليس ركنا أو شرط صحة في الوصية وإنما هو قيد في تنظيم التعامل وترتيب الحقوق وتثبيتها بخلاف المغارسة والهبة فلا تصحان إلا بحجة رسمية.

إن المشرع لما جعل إثبات الوصية مقتصرا على الحجة الرسمية أو على الكتب المحرر والمؤرخ والممضى من الموصى دون سوهما، كان أكثر واقعية واكثر مسايرة للوقت والحال، وفيه الكفاية لتحقيق الإستقرار في التعامل بأيسر السبل، وضمان السلامة من التحيل والحدّ من النزاعات والخصومات وشهادات الزور.

وما تجدر ملاحظته أن كتب الوصية المحرر بخط يد الموصي طبق موجبات الفصل176 م.ا.ش ولو تعلق حتى بذات العقار المسجل أو بجزء منه مفرز أو شائع أو بمنفعة لا يندرج ولا يخضع لمقتضيات القانون عدد 46 المؤرخ في 4 ماي 1992 المتعلق بتنقيح بعض فصول مجلة الحقوق العينية وبالأخص الفصل 377 مكرر في صيغته القديمة أو الجديدة الواردة بالقانون عدد 84 المؤرخ في 6 أوت 1992 الذي أوجب أن الذي يختص بتحرير الصكوك والإتفاقات الخاضعة للترسيم بالسجل العقاري بالإمضاء في العقد وذكر البيانات القانونية المستوجبة.

وعدم الإدراج مبناه ان الأمور التي يجب إشهارها بطريق الترسيم برسم الملكية وردت حسبما جاء به الفصل 373م.ح.ع جديد على سبيل الحصر ولم يستثن منها إلا ما أخرجه الفصل 377 في صيغته الجديدة، ولم يكن من بينها كتب الوصية الذي هو ليس من الصكوك والإتفاقات فيما بين الأحياء، بالإضافة إلى التنصيص صلب 373 على أن الورثة والموصى له تنجر إليهم الملكية بالوفاة، لكن لا يجوز لهم التصرف القانوني في حق عيني مشمول بالتركة أو بالوصية حسب الحال قبل ترسيم إنتقال الملكية إليهم بالوفاة.

وتبقى الوصية الواجبة والوصية بالمال المجرد عن التعيين غير خاضعة لموجبات الفصل 373م.ح.ع.

ويجب أخيرا التأكيد على إستحقاق العاقر بوجه الوصية يترتب عليه إستحقاق نماء وغلة الموصى به من تاريخ الوفاة، وهو ما يؤكد الفصل 181 م.أ.ش الذي جاء به “الموصى له يستحق الوصية ما زاد فيها من زمن وفاة الموصى“. ويستحق ما زاد على العين الموصى بها لأنه جزء منها وتحسب قيمته مضافة على قيمة أصله، ويرى البعض أنه إذا فاقت القيمتان ثلث التركة توقف النفاذ في الزائد على إجازه الورثة. فالمشرع التونسي رأى مصلحة واستحسانا إذ أخذ برأي الشافعية وقرّر أن ملكية الموصى به تثبت وتستقر للموصى له من وقت وفاة الموصى لقيام سببها وهي الوصية ذاتها. ولو تأخر القبول الذي هو شرط لزومها لا في وجودها وأن الزائد وهو ما يحصل من ثمرة ونتاج ودخل الموصى به يأخذ حكم أصله فيستحقه صاحبه من وقت الوفاة[29].

ويصدق هذا التحليل تماما على عقد المساهمة بحصة عينية بشركة في طور التأسيس حيث يقضي الفصل 4 فقرة1 مجلة شركات تجارية أن الشخصية المعنوية للشركة لا تنشأ إلا بترسيمها في السجل التجاري، وكذا حكم الفصلين 103 فقرة1 في الشركات ذات المسؤولية المحدودة و176 فقرة أخيرة في الشركات خفية الإسم، وينبني على هذا أن ملكية الحصة العينية لا تنتقل إلى الشركة فور إبرامها وتقديرها بل عند ترسيمها بالسجل التجاري.

يتبين مما سبق أن هذه التصرفات القانونية تعتبر تفويتات[30] ينتقل بها الحق العيني من ذمة صاحبها الأصلي إلى ذمة شخص آخر، فالبيع والمعاوضة والمغارسة والهبة والوصية والمساهمة العينية في الشركة[31] وهذه كلها تعبيرات إرادية تهدف إلى نقل الحق العيني الملكي إذ تتوفر لدى الطرفين أو إحداهما القائم بالتصرف نية نقل حق الملكية بعوض أو بدون عوض[32].

إن استحقاق الملك العقاري بوجه التصرف القانوني وإن إرتبط بشروط شكلية تؤجل وقوع هذا الأثر العيني، فإن هذا الأثر يبقى رهين حصول وقائع مادية.

وأما اشتراط اكتساب الملكية العقارية حصول وقائع مادية، فإن بعض التصرفات القانونية لا تكسب ملكية العقار ما لم يقترن بوقائع مادية تثبتها.

فالتنصيص بحجة الهبة مثلا على حوز الموهوب للعقار لا يدل على الحوز الفعلي إذا لم يتم معاينة ذلك التحوز ماديا، فقد إعتبرت محكمة التعقيب أن الهبة من مستلزماتها حوز الموهوب حوزا فعليا والتصرف الشخصي فيه، فالزوجة الموهوب لها من زوجها ولم تثبت حوزها ولا تصرفها بإسمها تعتبر غير حائزة ومتصرفة بإسم الزوج في قائم حياته ولم تكتسب في مخلفه غير منابها الشرعي، وبذلك فإن الحكم الصادر بإستحقاق الموهوب من يدها يكون في طريقه ولا مطعن فيه[33]. وذلك على المعنى الذي جاء به وقرره الفصل 201م.ا.ش “تتم الهبة بتسليم الشيء الموهوب إلى الموهوب له والهبة باطلة إذا مات الواهب أو الموهوب له قبل التسليم وإن اجتهد الموهوب له في طلبه“.

وعقد الهبة كما إقتضاه الفصل 200 م.ا.ش يملّك بمقتضاه شخص شخصا آخر مالا بدون عوض، فهو إذن عقد ناقل للملكية شأنه في ذلك شأن عقد البيع متى توفرت مقوماته الشكلية والجوهرية من إنسحاب قواعد تسليم المبيع على تسليم الشيء الموهوب فيما لا يتنافى مع طبيعة الهبة وقواعدها الخاصة ،وهذا ما إقتضاه الفصل 202م.ا.ش “قواعد تسليم المبيع تنسحب على الموهوب فيما يتنافى مع طبيعة الهبة وقواعدها“. لكن يجب التذكير بأن التسليم في الهبة هو شرط لصحتها، وأما في البيع فهو أثر له إذ ينتج عن البيع التزام البائع بتسليم المبيع، ومضمون الالتزام بالتسليم في عقد البيع يؤكده الفصل 592م.إ.ع على أنه “يتم التسليم إذا تخلى البائع عن المبيع ومكن المشتري من حوزه بلا مانع“.

ويتوجب تعريف التسليم في عقد البيع ابداء ملاحظتين، تتعلق الأولى باستعمال عبارة الحوز ذلك أن الحديث عن الحوز يركز الاهتمام على أن التزام البائع بالتسليم يقتضي تخليه عن الحوز المادي للشيء، ولربما كان من الأفضل الحديث عن إحالة السلطة الفعلية على الشيء من البائع إلى المشتري، فإلى حد التسليم لم يكن البائع حائزا بالمعنى القانوني من توفر نية امتلاك العقار بل أنه مجرد حائز عرضي، فواقعة التسليم تفترض رفع اليد عن الشيء أي التخلي عنه وتركه على ذمة المشتري[34].

وبالنسبة لتسليم العقار يميز المشرع بالفصل 593م.إ.ع بين الأراضي وبين المباني (الربع)، يتم التسليم بالنسبة للأراضي بالتخلي عنها والثانية يكون التسليم بتسليم مفاتحها، ويشترط في الحالتين أن لا يجد المشتري مانعا من حوز ما اشتراه. أما في الحقوق المجردة فيكون بتسليم حججها أو بإذن البائع للمشتري بالتصرف فيها ومثال ذلك بيع حق الارتفاق[35].

وإذا كان التحوز الفعلي بالعقار شرط لحدوث الأثر العيني لعقد الهبة، فإن عقد المغارسة أيضا يتطلب حصول واقعة مادية هي واقعة الإثمار حتى يصبح منتجا لأثره العيني، فعند إبرام عقد المغارسة تكون الأرض محل العقد على ملك الدافع فقط و لا يصبح المغارس مالكا معه على الشياع مبدئيا إلا عند إثمار الشجرة أي أن حقه في الملكية لا يتولد إلا بالإثما، فتقديم الأرض وشروع المغارس في عمله لا يعد كافيا لحصول الإشتراك في الملك لأن عمل المغارس مازال في بدء نشوئه وأنه لا يصح إعتباره عملا كاملا ومنتج إلا بعد إثمار الشجر، فهو تنفيذ للإلتزام و حق المغارس في ملكية الأرض لا يتولد إلا ببلوغ الشجر حدا معلوما وعادة ما يكون ذلك بالإثمار، فعند الإثمار يصبح المغارس مالكا لحصة في العقار على الشياع، فإذا هلك الشجر لا يستحق المغارس عن ذلك تعويضا ولا يخول له عقد المغارسة إلا حق دين إلى يوم حصول الإثمار وتحقيق الإثمار ليس له أثر رجعي والمغارس عند عدم حصول الإثمار لا يكتسب حقا عينيا تجاه العقارفلا يمكن أن يحكم للمغارس بالاستحقاق قبل الاثمار ولكنه يكتسب حقا شخصيا تجاه مالك الأرض فلا يملك المغارس إلا القيام بدعوى شخصية عليه.

ويكون الأمر بالمثل إذا كان مدخل استحقاق عقد بيع، فقد أكدت محكمة التعقيب أن “عقد البيع وان كان سببا من الأسباب المكسبة للملكية فهو مجرد مدخل يفيد نقلها فقط لذلك فإنه عند المنازعة فيها يجب تدعيم العقد بالحيازة“[36]. كما جاء في فقه قضاء محكمة التعقيب أن “رسوم الملكية لا تكفي وحدها للحكم بالإستحقاق وإنما يجب على مدعى ذلك أن يثبت أيضا حوزه وتصرفه للمتداعي فيه“[37].

فإذا كان إقتران إكتساب صفة المالك بموجب التصرف القانوني بحصول وقائع قانونية ومادية كالحوز المادي والفعلي للعقار، فإن استحقاق الموصى له بالعقار يتوقف أيضا بالرغم عن تحقيق وجود لكتب على حصول واقعة قانونية وهي موت الموصي.

والموت واقعة قانونية تخضع لوسيلة إثبات معينة ويجب التفرقة بين الموت الطبيعي والوفاة الحكمية، فالموت الطبيعي علميا يصعب تحديده[38]، وأما من الناحية القانونية فنلاحظ أن الموت واقعة قانونية قد اهتم المشرع بإثباتها، ذلك أن مجلة الحالة المدنية أوردت بفصلها 47 “أن الوفاة تثبت برسم الوفاة الذي ينص على الساعة والمكان الواقعة فيها الوفاة وعلى اسم المتوفي ولقبه وتاريخ ومكان ولادته اعتمادا على تصريح أقارب الهالك أو شخص معلم بالوفاة الطبيعية”.

أما الوفاة الحكمية فقد نظمها المشرع بالفصل 85 م.ا.ش عند فقدان شخص، والشخص المفقود هو الذي “انقطع خبره ولا يمكن الكشف عنه حيا“، والفقدان قد يقع في وقت حرب أو في حالات استثنائية يغلب فيها الموت، وفي هذه الحالة يضرب القاضي أجلا لا يتجاوز العامين للبحث عن المفقود ثم يحكم بفقدانه.

وتثبت الوفاة الحكمية بحكم قضائي وبصدور حكم الفقدان يعتبر المفقود في حكم الأموات .

إن تعدد التصرفات القانونية كمدخل لإستحقاق العقاري لم يؤثر في طبيعة الملكية العقارية.

جاء بالفصل 241م.إ.ع أن: “الإلتزامات لا تجري أحكامها على المتعاقدين فقط بل تجري أيضا على ورثتهم وعلى من ترتب له حق منهم ما لم يصرح بخلاف ذلك أو ينتج من طبيعة الإلتزام بمقتضى العقد والقانون“.

إن شمولية هذا الفصل توحي بإنسحاب آثار الالتزامات الناجمة عن التصرفات القانونية على الخلف العام كالخلف الخاص، لكن الملكية المنتقلة بوجه التصرف القانوني (البيع، المغارسة، الهبة والوصية) تجعل من المستحق خلفا خاصا، ويترتب عن هذه الصفة خلافة المالك الأول لكل الحقوق ولكن أيضا في كل الإلتزامات المتعلقة بالعقار المتصرف فيه، فالخلف الخاص هو من يخلف السلف في حق عيني على شيء محدد، ولا تقوم الخلافة بهذا المعنى إلا بالنسبة للعقود التي أبرمها السلف فيما يتعلق بالعقار الذي تلقاه الخلف وقبل إنتقال العقار إلى الخلف الخاص وحوزه.

ويعتبر خلفا عاما من يستحق ذمة كاملة أو جزء غير محدد منه كالوارث والموصى له والمتنازل لفائدته عن التركة والمحال له التركة، أما فيما يتعلق بالموصى له فقد يكون خلفا عاما إذ استحق جزء غير معين من التركة على معنى الفصلين 179 و187م.أ.ش. أو التركة كاملة عملا بالفصل 188منها وبذلك فهو يتنزل منزلة الوارث فيكون مسؤولا على أداء قدر منابه من ديون التركة على أساس الفصل 241م.إ.ع.

وإذ يفهم من هذا أن الأصل في القانون التونسي هو انصراف أثر العقد الذي يبرمه السلف إلى الخلف الخاص فإن هذه القاعدة ليست مطلقة، الأمر الذي يتجه معه بالرجوع إلى أحكام الفصل 241.م.إ.ع وإلى غيره من النصوص القانونية لبيان ما استثنى المشرع منها بعد تحديد نطاق القاعدة.

إن العقود / التصرفات القانونية بوجه عام التي تنتقل آثارها- سلبية كانت أو إيجابية إلى الخلف الخاص هي أولا وبالذات العقود المكملة أو المحددة لحق عيني على الشيء وكذلك المنتجة لآثار شخصية [39].

فالتصرفات المكملة أو المحددة لحق عيني على العقار تشمل بيع الدار كان رتب لها بمقتضى عقد حقا ارتفاقيا ينتقل ملكيتها إلى المشتري الذي يتلقاها متمتعة بذلك الحق، كما إذا رتب السلف البائع بمقتضى عقد حقا إرتقائيا عيني على العقار فإن ذلك العقار ينتقل إلى المشتري مثقلا بذلك الحق، وفي هذا الإتجاه يذهب فقه محكمة التعقيب ” الدعوى الحوزية أساسها ملكية الارض ومالها من حق المرور على الطريق المشترك ومن فوت في تلك الأرض شمل التفويت حق المرور الموصل إلها فلا تسمع منه دعوى الحوز في ذلك الممر ولا يقبل منه الصلح في شأنه“[40].

كما يلزم الخلف الخاص بالصّلح الذي أمضاه سلفه لضبط الحدّ الفاصل بين ملكه وملك جاره.

وإذ أمكن تأسيس هذا الحل على شمولية عبارات الفصل 241م.إ.ع فإنه يمكن أيضا رده إلى المبدأ القانوني القائل بأنه ” لا يجوز لشخص أن يمنح غيره أكثر مما لنفسه من حقوق” (الفصل 551م.إ.ع).

على أن العقد الذي يمضيه السلف لا يمكن أن يؤثر بالسلب او الإيجاب على حقوق الخلف الخاص إلا إذا كان ثابت التاريخ ومتقدما من حيث التاريخ عن العقد الذي انتقل بمقتضاه العقار إلى الخلف.

أما العقود الناقلة لحقوق وإلتزامات شخصية فقد نص المشرع صراحة بالنسبة لبعض العقود الخاصة على إلزام الخلف الخاص بالعقود المتعلقة بالعقار أو بالحقوق التي انتقلت إليه، من ذلك ما جاء بالفصل 798م.إ.ع. في خصوص آثار عقد الكراء بالنسبة للخلف الخاص أ ن “خروج الملك من يد مالكه طوعا أو كرها لا يفسخ الكراء وإنما يحل المالك الجديد محل القديم فيما له وعليه من الحقوق “.

ومن الحالات التي ينجر عنها إلتزام الخلف الخاص بإتفاق سابق أمضاه السلف ما تعرض إليه الفصل 90 م.ح.ع في خصوص النظام الذي يضعه المالكون بالإشتراك في الملكية الذي يتضمن تفصيل وتحديد وتشخيص الإجزاء المشتركة ويضمن حسن الانتفاع بالعقار المشترك في ملكية الطبقات وحسن إدارته.على أن هذه القاعدة ليست مطلقة إذ يتضح بالرجوع إلى الفصل 241م.إ.ع أن نطاق الاستثناءات لقاعدة نقل الالتزامات والحقوق الناجمة عن التصرفات القانونية التي يبرمها السلف إلى الخلف الخاص يشمل الاستثناءات المرتبطة بطبيعة الإلتزام إضافة إلى ما يتفق الأطراف على استثنائه.

فبالنسبة للإستثناءات المرتبطة بطبيعة الالتزام يتفق الشراح[41] على أن الإلتزام الذي يتعلق بشخص السلف يعد من الالتزامات التي لا تنصرف بحكم طبيعتها الى الخلف الخاص كما كان للبائع اتفاقية مع شركة توزيع الكهرباء والغاز تقتضي تخفيضا لفائدته من ثمن التيار الكهربائي والغاز الذي يستعمله في الدار، فالمشتري لتلك الدار لا ينتفع بذلك الحق نظرا للطابع الشخصي الذي يكتسبه اتفاق سلفه مع الشركة .

أما الإستثناءات الاتفاقية فإن الحريّة التعاقدية تخول للسلف ولمعاقده الاتفاق على عدم أنصراف آثار التصرف القانوني إلى الخلف الخاص، إذ يمكن الإتفاق على استثناء نقل الديون المتعلقة بالعقار الذي تلقاه والمتخلدة بذمة السلف، ولا يحد من هذه الحرية التعاقدية الا متطلبات النظام العام التي تكتسي صبغة الزامية تجاه السلف والخلف.

إذن فالحوز بصفة مالك يختلف عن اكتساب الملكية العقارية بوجه التصرف القانوني، والأمر بالمثل إذا كان سبب اكتساب الملكية العقارية هو القانون، فالحائز بصفة مالك هو الحائز للعقار كحوز مالكه لا لأنه مالك أو صاحب حق عيني انجر له بواسطة العقد (عقد البيع أو الهبة أو الوصية أو المغارسة)، والأمر بالمثل إذا كان اكتساب الملكية العقارية بموجب القانون. كما أن صفة المالك هي الركن المعنوي للحوز بينما التصرف القانوني والقانون يعتبران سببان لاكتساب الملكية العقارية على معنى الفصل 22 م.ح.ع.

ثانيا: اختلاف صفة المالك عن اكتساب الملكية العقارية بموجب القانون:

يضع الفصل 20 م.ح.ع مبدأ هاما في مجال اكتساب الملكية اذ ينص على أنه “لا يجبر أحد على التنازل عن ملكه” لكن الفصل ذاته يستثني من هذا المبدأ الحالات “التي يقررها القانون وفي مقابل تعويض عادل“. يشمل مفعول القانون كل سبب مكسب للملكية غير ما عدده الفصل 22م.ح.ع أو اتصل به[42]. وهو يضم أسباب متفرقة يغلب عليها الطابع الإداري والعقاري العام أهمها إطلاقا الإنتزاع للمصلحة العامة، ويعرف الفقه واقعة الانتزاع بأنه ” امتياز الدولة التي تمكن من مبادرة من شخص عام أو خاص بهدف المصلحة العمومية ومقابل احترام عدد من ضمانات الشكل والموضوع في اجبار شخص عام أو خاص على التنازل على ملكية عقار أو حق عيني عقاري لفائدة شخص عام أو خاص“[43].

ويكاد الانتزاع للمصلحة العامة من فرط أهميته أن يهيمن لوحده على مادة مفعول القانون في استحقاق الملكية العقارية، ويستروح من قانون 11أوت 1976 المنقح في 14 أفريل 2003 (قانون الانتزاع)[44] إن الانتزاع هو نقل ملكية عقار جبرا لفائدة جهة عمومية بموجب أمر ومقابل غرامة عادلة من أجل انجاز مشروع ذي مصلحة عمومية[45]، فهو لا يتسلط إلا على العقارات ولا تستفيد منه إلا جهة عمومية محددة حصرا في الدولة والجمعات العمومية والوكالات العقارية والمؤسسات العمومية عن طريق إحالة من الدولة[46] ،وقد وضع قانون الانتزاع مبدأ انتقال الملكية في الفصل 2 جديد فقرة1 “تنتقل الملكية إلى المنتزع بمفعول أمر الانتزاع في العقارات غير المسجلة و بترسيم أمر الانتزاع في العقارات المسجلة مع مراعات أحكام الفصل 305م.ح.ع“، وأضاف في الفصل 2 جديد فقرة 2 “لا يمكن لمنتزع حوز العقارات المنتزعة إلا بعد دفع غرامة عادلة أو تأمين مقدارها مسبقا“.

ويفهم من هذه النصوص أن مفعول الإنتزاع في إكتساب الملكية يختلف بحسب طبيعة العقار، ففي العقارات غير المسجلة تنتقل الملكية بموجب الأمر وحده، وفي العقارات المسجلة تنتقل بترسيم أمر الإنتزاع لأن أمر الانتزاع وحده لا يكفي بل لابد من ترسيمه، وهذا هو المفعول المنشأ للترسيم. أما العقارات المسجلة غير الخاضعة للمفعول المنشأ فلا يتوقف الانتقال فيها على الترسيم ويتم بموجب أمر الانتزاع وحده ،ومن هنا تحفظ الفصلين 2 فقرة 1 و39 من قانون الانتزاع بوجوب مراعاة أحكام الفصل 305 م.ح.ع أي مراعاة انطباقه في خصوص اشتراط المفعول المنشأ للترسيم، مما يعني في ظل المفعول الاحتجاجي للترسيم تكتسب الملكية بالأمر وحده[47].

وعليه فإن نفاذ التفويت في عقار غير مسجل وفي عقار مسجل غير خاضع للمفعول المنشئ للترسيم يكفي فيه الأمر لأنه هو الشكلية الوحيدة المطلوبة لإنتقال الملكية المفوت. والمقصود بالأمر هو صدوره عن رئيس الجمهورية ونشره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، أما في عقار مسجل خاضع للمفعول المنشأ للترسيم فلا يتحقق النفاذ إلا بصدور الأمر ثم ترسيمه.

على أن ما تجب ملاحظته في الحالتين أن نفاذ التفويت لا يتوقف على دفع غرامة وإنما هو ضروري للتحوز بالعقار المنتزع، أي أن العقار يدخل في ملك الإدارة بمجرد الأمر لكنها لا تتحوز به إلا بعد دفع الغرامة أو تأمينها[48] ،لكن التباطئ في دفع الغرامة والتحوز قد يؤثر في استحقاق العقار إذا طال أكثر من خمس سنوات إذ يحق عندئذ للمنتزع منه أن يطلب استرجاع عقاره على أساس الفصل 9 من قانون الانتزاع.

والملاحظ أن الملكية التي تنتقل إلى المنتزع بمفعول أمر الانتزاع هي ملكية جديدة مطهرة من كل الحقوق الموظفة على العقار المنتزع بما في ذلك حقوق الرهن التي تنتقل إلى غرامة الانتزاع.

لكن الانتزاع للمصلحة العامة لا يحجب أسبابا أخرى تلتقي معه في جوهرها كأولوية الوكالات العقارية ففي 14 أفريل 1973[49] أحدثت ثلاث مؤسسات عمومية ذات صبغة صناعية وتجارية لشراء وتهيئة والتفويت في قطع الأرض الواقعة بالمناطق المعدة إما للبناء قصد السكنى وإما لتكوين مناطق سياحية أو صناعية بها، وهذه المؤسسات هي الوكالة العقارية للسكنى والوكالة العقارية السياحية والوكالة العقارية الصناعية، وفي 16 مارس1977 [50] أحدثت في المجال الفلاحي مؤسسة تسمى وكالة الإصلاح الزراعي في المناطق العمومية السقوية أصبحت في 1999 الوكالة العقارية الفلاحية[51] وذلك لكي تقوم بمهام مماثلة بمجال تدخلها وخاصة تحقيق سياسة الإصلاح الزراعي بالمناطق العمومية السقوية، وأخيرا أحدثت في 1 أوت 1981[52] وكالة التجديد والتهذيب العمراني لتتولى عمليات التجديد والتهذيب العمراني وتقوم بالأشغال اللازمة لتحسين ظروف السكن في بعض الأحياء والتمكين من استعمال أحسن لبعض المقاسم العمرانية.

وقد عهد إليها القانون بانجاز مهامها في نطاق دوائر تدخل عقاري تحدث للغرض بأمر ومكنها من اكتساب ملكية العقارات داخلها أما بالشراء بالتراضي من المالكين أو خصوصا بالإنتزاع.

ويعتبر أيضا اسناد الأرض الاشتراكية على وجه الملكية الخاصة[53] وجها من وجوه انتقال الملكية بمفعول القانون.

كما تمثل مؤسسة الشفعة استثناءا هاما للقاعدة الواردة بالفصل 20.م.ح.ع. وأثير جدل فقهي حول الطبيعة القانونية للشفعة لأن المشرع لم ينص بالفصل 103 م.ح.ع “حلول الشريك محل المشتري في التملك بمبيع شريكه” على أنها حق، وحسمت محكمة التعقيب في قرار صادر عن دوائرها المجتمعة تحت عدد 10488 الصادر بتاريخ 7 جانفي 1992 في الطبيعة القانونية للشفعة حيث جاء بالقرار المذكور ما ينسجم مع منطوق الفصل 22.م.ح.ع الذي يعتبر مفعول القانون سببا من أسباب كسب الملكية وتعتبر الشفعة حالة من الحالات التي تدخل ضمن هذا السبب: فقد جاء بالقرار المذكور “الشفعة وإذ كانت سببا من أسباب كسب الملكية يستطيع بواسطتها الشفيع اكتساب الملكية بإرادة منفردة إلا أن ذلك مشترط باحترام شروطها وإجراءاتها“.

أما شروط الشفعة فالملاحظ أن الشفعة لا تمارس إلا إذا حصل بيع مناب الشريك ويعني هذا أن المشرع يقصي الشفعة في كل التصرفات القانونية الأخرى كالهبة والوصية والمعاوضة وغيرها، و لا تؤدي جميع البيوعات إلى قيام لشفعة كما إذا حصل البيع بين الأصول والفروع أو حصل البيع بين الزوجية أو حصل البيع بالمزاد العلني طبق القانون أو تم البيع بين الشركاء (الفصل 107م.ح.ع ) (الفصل 108م.ح.ع) لان حق الشفعة حق استثنائي ولا يسوغ للشريك استعماله إلا إذا كانت له مصلحة شرعية وجدية”[54].

وبالنسبة لإجراءات الشفعة، فإنها تتم بالتراضي أو بالتقاضي وفي الحالة الأخيرة يكون على الشريك تقديم دعواه للمحكمة مصحوبا بما يفيد انه عرض على المشتري ثمن المبيع ومصاريف العقد وأنه بعد عرض المال على المشفوع عليه أمن ذلك بصندوق الأمائن والودائع

مع العلم أنه يسقط حق الشفعة بعد مضي شهر من يوم إعلام الشريك بالشراء من طرف المشتري مع بيان الثمن والمصاريف ومضي ستة أشهر من يوم ترسيم العقد بالسجل العقاري بالنسبة للعقارات المسجلة ومن يوم تسجيل العقد بالقباضة المالية بالنسبة للعقارات غير المسجلة (الفصل 305 جديد م.ح.ع ).

ولكن ما هو تاريخ انتقال الملكية للشفيع اثر الشفعة و حلول الشريك محل المشتري. فهل هو تاريخ حصول البيع أم هو تاريخ القيام؟

إن المشرع لم يعط جوابا لهذه الأسئلة واكتفى بالنسبة للغلة باعتماد تاريخ القيام بدعوى الشفعة (الفصل 113م.ح.ع)، ولعل غياب النص في هذه الصورة هو الذي نتج عنه اتجاهين في فقه قضاء اتجاه أول اعتبر الشفيع خلف خاص للمشتري ومن ثم اعتبار تاريخ تسجيل العقد أو ترسيمه هو تاريخ نقل الملكية للشفيع[55]، أما الاتجاه الثاني اعتبر الشفعة سببا من اسباب كسب الملكية لا يتحقق إلا بصدور حكم قضائي بات[56].

2- اختلاف صفة المالك عن اكتساب الملكية العقارية بموجب الواقعة القانونية

إذا كانت صفة المالك في حوز العقار لا تعتبر مصدرا للاستحقاق العقاري فإنها تختلف عن اكتساب الملكية العقارية بموجب الواقعة القانونية سواء تعلق الأمر بالميراث (أولا) أو الالتصاق (ثانيا).

أولا: الميراث:

الميراث هو انتقال المال من ذمة شخص توفي إلى شخص أو أشخاص أحياء، ويعتبر الوارث خلفا للموروث في ماله وهو خلف عام يكون له ما لمورثه وعليه ما على مورثه وذلك في حدود أموال التركة.

ويقتصر البحث في الأحكام المتعلقة بالإرث كسبب لكسب الملكية العقارية ووسيلة لإستحقاقها على المسائل التالية: زمن إنتقال الملكية ومفهوم المالك الوارد بالفصل 553.م.إ.ع.

فبالنسبة لزمن إنتقال حق الملكية إلى الوارث فإنه بمجرد وفاة المورث يصبح الوارث بحكم القانون مالكا لحقوق التركة سواء منها الحقوق الشخصية أو العينية وذلك بإستثناء الحقوق المتعلقة بشخص المورث كالحق في النفقة أو حق التعويض، إذ يتحدد انتقال الملكية بوقت وفاة المورث”يستحق الإرث ولو حكميا وبتحقق حياة الوارث من بعد الفصل 85م.ا.ش ومن ثم تنتقل إلى الوارث بمجرد وفاة المورث ملكية عقارات التركة، ومرد هذا الإنتقال للملكية العقارية عند الوفاة هو أن إجراءات حصر الإرث والتسجيل قد تستغرق وقتا غير قصير فلا يجوز أن تبقى تلك العقارات في هذه الأثناء بدون مالك يقوم بإدارتها.

كذلك مادام الوارث هو مالك للعقار الموروث فإنه يكون ملزما يتحمل بهذه الصفة مخاطر العقار[57] كما عليه تأدية إلتزاماته لأن الوارث خلف عام وبمقتضى هذه الصفة فإن الوارث يتحمل مبدئيا التزامات التركة في حدود ما فيها وعلى نسبة منابه. و رغم انتقالها من شخص إلى آخر فإن الملكية تحافظ على كل ما لحق بها ويتحصل عليها الوارث بكل التوابع المتعلقة بها.

وبالنسبة لمفهوم القاعدة الواردة بالفصل 553م.إ.ع “الدائن يقدم على الوارث ولا إرث إلا بعد أداء الدين” فإن هذا الفصل لا يعني أن الورثة لا يستحقون التركة إلا بعد دفع ما عليها من دين وأن ملكيتها تبقى متعلقة على هذا الشرط، ان المسألة كما يرى بعض الفقهاء[58] تتعلق بترتيب الأداء liquidation de la successions ويعني ذلك في رأيه أن الفصل 553 المذكور هدف فقط إلى ضبط الترتيب الذي يحصل فيه توزيع أموال التركة أما إنتقال الملكية إلى الورثة فيحصل لحظة تحقق وفاة المورث تطبيقا لأحكام الفصل 85.م.أ.ش. ولكن كيف يتم هذا الانتقال؟

يتبين من الفصل 85.م.إ.ع “يستحق الإرث بموت المورث ولو حكما ويتحقق حياة الوارث من بعده” ان أموال التركة تنتقل إلى الوارث محملة بحقوق دائني المورث بحيث ينحصر ضمان هؤلاء الدائنين مبدئيا بتلك الأموال فلا يحق لهم التنفيذ على أموال الوارث الخاصة ولو كانت أموال التركة غير كافية للوفاء بديونهم ومرد ذلك استقلال شخصية الوارث عن شخصية المورث، ومما يؤكد استقلال شخصية الوارث عن شخصية المورث الخيار الذي أعطاه المشرع للوارث بالفصل 241م.إ.ع في قبول الإرث أو رفضه جاء به “الالتزامات لا تجري أحكامها على المتعاقدين فقط بل تجري أيضا على ورثتهم وعلى من ترتب له حق منهم ما لم يرصح بخلاف ذلك أو ينتج من طبيعة الالتزام بمقتضى العقد والقانون لكن لا يلزم الورثة إلا بقدر إرثهم وعلى نسبة منابهم“.

فإن امتنعوا عن قبول الإرث لا يلزمهم ولا شيء عليهم من دين مورثهم وحينئذ لا يسع أرباب الدين إلا تتبع مخلف المدين ومعنى ذلك أن الورثة لا يتحملون الدين إلا على قدر ما جاء بالتركة كما يمكن للورثة الامتناع عن قبول الإرث.

ومادامت أموال التركة تنتقل إلى الوارث بمجرد وفاة المورث محملة بحقوق الدائنين فمعنى ذلك أن ديون المورث والتزاماته تنتقل الئ الوارث الذي يكون عليه القيام بتنفيذها ولكن فقط في حدود أموال التركة المنتقلة إليه[59].

فمن حاز عقارا بوصفه وارثا ولم يحصل ما غير به ذلك الوجه وهو الميراث فإنه يحل محل مورثه فيما له من حقوق وما عليه من التزامات عملا بأحكام الفصل 241 م إ ع.

وإذا كان الميراث مصدرا للاستحقاق فإن صفة المالك ليست كذلك ، فالحائز بصفة مالك للعقار يختلف عن حائزه بوصفه وإرثا لان وجه استحقاقه قد استمر معه. في حين صفة المالك تعني التصرف مثل الوارث المالك فهو لا يتمتع بحق الملكية مثله ولكنه يسعى لإكتسابه.

كما تختلف صفة المالك في الحوز عن الإستحقاق بوجه الالتصاق.

ثانيا : الالتصاق:

يعرف الالتصاق بأنه واقعة مادية تتمثل في اندماج أو إتحاد شيئين متميزين سواء كان الاندماج بفعل الطبيعة أو بفعل الإنسان، ويترتب عليه آن يكتسب مالك الشيء الأصلي ملكية الشيء الذي التصق به، واختلف الفقهاء في تحديد الأساس القانوني لواقعة الإلتصاق فمنهم من يرد الإلتصاق إلى ظاهرة طبيعية تتمثل في زيادة الشيئين، أما الشق الآخر يذهب إلى إعتبار أن الإلتصاق هو أحد تطبيقات نظرية الإلتزام العيني إذ هو ينشأ الإلتزام لحقين عينيين من شخصين مختلفين. ولكن أغلب الفقهاء يعتبرون أن مبدأ الفرع يتبع الأصل هو الذي يمكن من تفسير واقعة الالتصاق.

ولكن هذا التباين في تحديد الأساس القانوني للإلتصاق لا ينفي الإجماع حول أنواعه ولا يلغى الاتفاق حول طبيعة الملكية المكتسبة بموجبه

ويقسم المشرع الإلتصاق إلى إلتصاق طبيعي يحدث بفعل الطبيعة والالتصاق بفعل الإنسان، فأما الإلتصاق الطبيعي فهو قسمان القسم الأول يتمثل في التصاق عقار بعقار كصورة الفصل 29م.ح.ع حث تتحول الأرض من مكانها لتلتصق بأرض سفلى وكذلك صورة الفصل 31م.ح.ع حيث يتحول وادي من مجراه الأصلي ويتخذ مجرى جديد.

أما القسم الثاني فهو إلتصاق منقول بعقار ومن أبرز صوره ما ورد بالفصل 33.م.ح.ع من انتقال بعض الحيوانات كالحمام والأرانب من مكانها إلى محل آخر لتستقر به شرط أن يكون هذا الإنتقال تلقائيا.

والإلتصاق الصناعي فيتحقق بفعل الإنسان ، فإذا أحدث شخص بأرضه بناءات أومغروسات أو منشآت بمواد على ملك غيره أو أحدث تلك المحدثات على أرض الغير بمواد على ملكه تصبح جميع هذه المنشآت مملوكة لصاحب الأرض، وتعبيرا عن هذا الوضع العقاري وضع المشروع قرينة في الفصل 34 م.ح.ع “البناءات أو المغروسات أو المنشآت على الأرض أوفي باطنها تعتبر أن مالك الأرض قد أقامها على نفقته وانها ملك له ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك“. وتستند هذه القرينة إلى القاعدة العامة الواردة بالفصل 18.م.ح.ع “ملكية الأرض تشمل ما فوقها وما تحتها إلا ما إستثناه القانون أو الإتفاق”

فمالك الأرض بموجب القرينة يستحق ما أحدث فوقها ومن يدعى ملكيته لها إثبات ذلك ودحض القرينة الواردة بالفصل 34.م.ح.ع، وإذا ما تم إثبات أن مالك المنشآت هو غير مالك الأرض فإننا نكون أمام وضعية اختلاف المالك وعندها تثار مسألة الإلتصاق. فإما إحداث بناءات ومغروسات أو منشئات من قبل صاحب الأرض بمواد على ملك غيره وهي صورة الفصل 35 م ح ع الذي ينص الفصل 35 م ح ع “إذا أحدث صاحب الأرض بناءات او مغروسات أو منشآت بمواد على ملك غيره لزمته قيمتها وإذا نتج عن ذلك ضرر غرم قيمته ولا يجوز لصاحب المواد أن يرفعها من محل وضعها” فانه يؤخذ من هذا النص أن صاحب الأرض يمتلك بموجب الالتصاق مواد البناء مهما كانت الحالة التي كانت عليها تلك الموادامكن نزعها من الأرض او تعذر ذلك دون إلحاق ضرر بالمنشآت.

لا مجال لتفرقة في هذه الحالة بين أن يكون الباني أو الغارس أو المحدث حسن النية أو سيئها.

ولكن في مقابل ذلك يكون مالك الأرض ملزما بالتعويض لمالك المواد عن فقدانه لها وبذلك تنشأ علاقة مدينوية بين الشخصين، وتقدر قيمة التعويض وقت انتقال ملكية المواد إلى صاحب الأرض أي زمن التصاقها .

وإما احداث منشآت محداثات في أرض الغير وهي صورة الفصل 36م.ح.ع فتعتبر هذه الصورة معاكسة لصورة الفصل 35م.ح.ع كما أن الحل الوارد بالفصل 36م.ح.ع يمثل توفيقا بين مصلحتين مختلفتين: مصلحة مالك الارض ومصلحة الباني أو مقيم المنشآت خاصة إذا كان حسن النية ولم يكن غاصبا للأرض.

إذ مكن المشرع مالك الأرض من حق الخيار بين إبقاء تلك المنشآت بأرضه وبين ازالتها على نفقة محدثها علما وأن هذا الخيار لا يتحقق إلا اذا ثبت عدم رضا مالك الأرض، ويتحقق عدم الرضا عادة إذا كانت هذه المنشآت قد تمت دون علم مالك الأرض. كما ينعدم الخيار إذا كان محدث المنشآت قد اقامها بشبهة. فإذا اختار الابقاء على تلك المنشآت يكون ملزما بالتعويض ويختلف نظام التعويض بين أن يكون المحدث قد أنشا تلك الأحداثات دون رضا المالك أو أن يكون المحدث حائزا بشبهة.

فإذا ما تمت المنشآت دون رضاه واختار المالك الإبقاء كان ملزما بترجيع ثمن المواد وأجرة اليد العاملة بدون الالتفات إلى ما قد يحصل من الزيادة في قيمة الأرض بسبب تلك الاحداثات (الفصل 36 م ح ع الفقرة 2.اما الحالة الاخرئ للاتصاق فهي صورة التجاوز إلى أرض الغير: إذ ينص الفصل 37م.ح.ع “إذا احدث مالك الأرض بناءات أو منشآت بارضه وتجاوز عن حسن نية إلى جزء يسير بأرض ملاصقة فللمحكمة أن تملكه بهذا الجزء مقابل قيمة عادلة“. عملا بهذا الفصل يخول للباني تملك ذلك الجزء لمصلحته الخاصة إذا توفرت شروط معينة:

فالشرط الأول يتمثل في قيام شخص بالبناء فوق ارضه مبدئيا ولكنه يتجاوز في البناء إلى ارض جاره ملاصقة له وهذا الشرط يجعل ميدان تطبيق الفصل 37 م ح ع مختلف عن ميدان تطبيق الفصل 36 م.ح.ع الذي يتعلق بكامل البناء فوق أرض الغير.

أما الشرط الثاني فيتطلب أن يكون هذا التجاوز إلى الأرض الملاصقة بجزء يسير، ان هذا الشرط يعكس إرادة المشرع في حماية حق الملكية من جهة وعدم اهدار حق الباني فيكسبه ملكية الجزء اليسير، وتحدد مساحة الجزء اليسير بالنظر إلى مساحة العقارين وإلى العادات السائدة في المنطقة، إذ تختلف الأحوال بحسب إذا كان البناء في الريف أو في المدينة فمثلا التجاوز بمساحة نصف متر في المدينة قد لا يعتبر جزءا يسيرا، كما يقدر الجزء بحجم الضرر الذي يصيب الجار المتعدي في أرضه، وتتمتع المحكمة بسلطة تقديرية في هذا المجال[60].

وبالنسبة للشرط الثالث فيجب أن يكون التجاوز بحسن نية، ونلاحظ أن المشرع استعمل لفظ حسن النية بعد أن كان استعمل في الفصل 36 م ح ع مصطلح “الشبهة” وهذا دليل على أن المشرع يفرق بين مصطلحين “الحوز بشبهة” و “البناء عن حسن نية“.

والمقصود بحسن النية أن يكون الباني معتقدا أن الجزء المتجاوز إليه يدخل في ملكه، فحسن النية في هذا المستوى يتمثل في الاعتقاد الخاطئ لدى الباني بأنه يملك جميع الأرض التي يبني عليها، ولئن كان تقدير حسن النية أمرا واقعيا يرجع إلى السلطة التقديرية للمحكمة إلا أنه يجب التذكير أن حسن النية أمر مفترض وعلى من يدعي خلافه الإثبات والعبرة في تقدير حسن النية هو تاريخ القيام بالبناء، فإذا علم الباني بعد البناء أنه تجاوز إلى أرض الغير فإن ذلك لا يؤثر على حسن نيته.

أما طبيعة الملكية العقارية المكتسبة بموجب الالتصاق فهي ملكية فورية وجبرية، ومعنى الفورية هو أن اكتساب الملكية يكون حينيا ويحصل زمن حصول اتصال المنقول بالعقار، وأما أن تكون الملكية جبرية فلأن المشرع لا يشترط رضا المالك لذلك يعتبر الالتصاق سببا للانتقال الجبري للملكية مثل الميراث.

إن اختلاف صفة المالك عن اكتساب الملكية العقارية يؤدي إلى اختلافها أيضا عن اكتساب الحقوق العينية الأخرى.

ب- اختلاف صفة المالك عن اكتساب الحق العيني العقاري.

إذا كانت صفة المالك في حوز العقار لا تعني الملكية العقارية كما لا تعتبر مصدرا لاستحقاقها فإنها لا تعني أيضا ملكية الحقوق العينية العقارية الأخرى ولا تعتبر مصدرا لاستحقاقها. ويجب التذكير أن قائمة الحقوق الواردة بالفصل 12م.ح.ع حصرية لا ذكرية لذلك لا يجوز للقاضي انشاء حقوقا عينية عقارية لم تتضمنها القائمة كما لا يمكن ذلك للاطراف الذين لا يمكن لهم أيضا تعديل هذه القائمة توسيعا أو تضييقا لأن ذلك من اختصاص المشرع وحده إذ أكد الفصل 35 من الدستور بأن “القانون يضبط المبادئ الأساسية لنظام الملكية والحقوق العينية” .

كما يجب التنبيه أن الفصل 191م.ح.ع قد حجر ابتداء من تاريخ اجراء العمل بمجلة الحقوق العينية إنشاء الإجارة الطويلة وتجديد عقودها الجارية، كذلك إنشاء حق الهواء أو الانزال أو الكردار، كما لا يجب التغافل على أن المشرع حسم في الطبيعة القانونية للامتياز والرهن العقاري في اتجاه اعتبارهما حقوقا عينية عقارية.

وإن كانت الملكية هي الحق العيني الكامل فإن الحقوق العينية الأخرى متفرعة عنه، لذلك وجب دراستها للوقوف على أسباب استحقاقها وطرق اكتسابها في العقارات، وللحديث عن أسباب كسب الحقوق العينية العقارية المتفرعة عن حق الملكية فإنه من البديهي الإشارة إلى ان الإلتصاق والاستيلاء سببان لا يمكن تصورهما لكسبها وتبقى التصرفات القانونية وهي أسباب جائزة لإستحقاق هذه الحقوق العينية العقارية ،أما الميراث فإنه ولئن يتناسق مع بعضها فإنه يتنافر مع الآخر لذلك يمكن البحث في الحقوق العينية العقارية المتفرعة عن حق الملكية والتي يمكن اكتسابها بواسطة التصرف القانوني(1) ثم الحقوق التي يمكن أن تكتسب بواسطة الواقعة القانونية (2).

1- اختلاف صفة المالك عن اكتساب الحق العيني العقاري بوجه التصرف القانوني.

تختلف صفة المالك عن اكتساب الحق العيني العقاري بوجه التصرف القانوني سواء كان بموجب العقد أو القانون.

أولا: اختلاف صفة المالك عن اكتساب الحق العيني العقاري بموجب العقد.

يجب أن تتوفر بالعقد الشروط القانونية لصحته من حيث الشكل والأصل فإن كان بيعا وجب توفر شروط الفصل 581م.ح.ع وإن كان هبة يتحتم كتابة حجة رسمية الفصل 204م.أ.ش وإن كان وصية وجب احترام أحكام الفصل 176م.أ.ش.

ويقرر المشرع أن من الحقوق العينية العقارية المتفرعة عن حق الملكية والتي يمكن استحقاقها بالعقد حق الإنتفاع فقد نص الفصل 142م.ح.ع على أن “الإنتفاع هو الحق في استعمال شيء على ملك الغير واستغلاله له مثل مالكه لكن بشرط حفظ عينه“، ويفهم من هذا التعريف أن حق الانتفاع يختلف عن حق الملكية بل هو في الحقيقة جزءا منه، فإن كانت سلطات المالك تمتد إلى حق الإستعمال وحق الاستغلال وحق التصرف فإنه ليس من الضروري أن تجتمع هذه العناصر الثلاثة للمالك نفسه، فقد يتجزأ حق الملكية ويبقى للمالك حق التصرف فقط ويكون لشخص آخر كل من حق الاستعمال وحق الاستغلال فالأول هو مالك الرقبة والثاني هو المنتفع أو صاحب حق الانتفاع.

إن سلطتي الاستعمال والاستغلال للعقار هي التي تجعل من حق الانتفاع حقا عينيا منصب على العقار ذاته وليس مترتبا في ذمة المالك، وباعتباره حقا عينيا متفرعة عن حق الملكية جاز الاحتجاج بالانتفاع على الناس كافة.

ويعد حق الانتفاع قيدا خطيرا يرد على حق الملكية بل أنه أثقل هذه القيود بتجزئته لحق الملكية وبإنتزاع حق الاستعمال والاستغلال من المالك إنما ينزع منه في حقيقة الأمر والواقع كل مظهر مادي واقتصادي، ويبقى للمالك على مظهر قانوني معنوي[61]

وبإعتباره على هذا النحو من الأهمية فإن المشرع حدد بدقة كيفية استحقاق حق الانتفاع إذا كان مصدر الاستحقاق هو العقد، إذ يحدد العقد مدة الانتفاع فإن لم يحدد المدة اعتبرت مقررة لمدة حياة المنتفع، على أن هذه المنفعة المقررة لذات معنوية لا يمكن أن تتجاوز ثلاثين سنة على معنى الفصل 159م.ح.ع.

كما أنه إذا كان الأجل المضروب لحق الانتفاع ينتهي ببلوغ طرف ثالث سنا معينة استمر الانتفاع إلى نهاية ذلك الأجل ولو مات قبل بلوغ سن معينة الفصل 160م.ح.ع.

إلا أن كسب حق الانتفاع لا يكون بطريقة الإنشاء Par voie de constitution فحسب بل كان بطريقة الإحتفاظ بهذا الحق Par voie de rétention وهو أن يحيل المعني حق الرقبة ويبقي لنفسه بحق الانتفاع، أو عن طريق انتقالي وهو أن ينتقل حق الانتفاع سبق انشاؤه سواء بموجب البيع أو الوصية ،والمعلوم أن حق الانتفاع يمكن أن يكتسب بالوصية ابتداء فحسب، وقد يكون بطريقة الإنشاء كما إذا أوصى المورث بالانتفاع للورثة وبالرقبة للغير[62]

إن اختلاف الحوز بصفة مالك عن استحقاق حق الانتفاع يبرز من خلال الصلاحيات المخولة لصاحب هذا الحق ذلك أن للمنتفع حق استعمال العقار المنتفع به وتوابعه وله أن يستولي على ثماره مدة انتفاعه. ولئن كان المنتفع يباشر صلاحيات استعمال العقار بموجب العقد الذي انشائه وكان مصدرا لاستحقاقه فإن الحائز بصفة مالك لهذا الحق إنما يباشرها بصفة مالك لحق الانتفاع. وكذلك الشأن بالنسبة للاستعمال فصاحب حق الانتفاع إنما يحصل على ثمار العقار بصفة مستحقا لهذا الحق بخلاف الحائز بصفته مالك الذي يتمتع بثمار العقار لا بوصفه مالك أو صاحب حق الانتفاع بل كصاحب حق الانتفاع. فالحائز بصفة مالك لحق الانتفاع يحصل على ثمار العقار لأنه ينسب حق الانتفاع لنفسه كما ينسبه الناس إليه.

أما صاحب حق الاستعمال أو حق السكنى فإنه يختلف عن حائز هذين الحقين بصفة مالك كذلك، وقد نظم المشرع حق الاستعمال وحق السكنى بالفصل 161م.ح.ع “حق الاستعمال أو حق السكنى يعين في السند المنشئ له، فإذا لم يعين يجري العمل بمقتضى الأحكام الآتية وهي المبينة الفصول 162، 163، و164م.ح.ع.

لكن هذه الفصول لم تأت بتفصيل بل أحالت الأمر إلى المبادئ العامة المنطبقة على حق الانتفاع ، حيث أن حق الاستعمال هو فرع من حق الانتفاع باعتبار أن حق الانتفاع يشمل الاستعمال والاستغلال، والاستعمال فرع من الانتفاع والسكنى فرع من الاستعمال والانتفاع شامل لهذه الفروع جميعا. لكن وجب التنبيه إلى اختلاف حق السكنى وحق الاستعمال عن حق الانتفاع لأنهما لا يقبلان الاحالة والكراء عملا بأحكام الفصل 163م.ح.ع ويخضع هذين الحقين للمبادئ العامة لحق الانتفاع، وهي تكتسب بالعقد والتقادم والقانون في بعض الصور قياسا على المبادئ المنطبقة على حق الانتفاع.

وإذ يمكن استحقاق هذه الحقوق العينية العقارية (حق الانتفاع، حق الاستعمال وحق السكنى) بموجب العقد فإن هذا العقد أو التصرف القانوني بصفة عامة يمكن أن يكون مدخلا لإستحقاق حقا ارتفاقيا.

والارتفاق هو الحق المرتب على عقار لمنفعة عقار آخر يملكه شخص غير مالك العقار الأول على معنى الفصل 165م.ح.ع ومن خصائصه أنه حق تابع للعقار المرتفق، وهو حق عيني عقاري دائم وغير قابل للتجزئة، والارتفاق يعتبر بصفة فعلية عبء على عاتق العقار المرتفق به، ويخضع حق الارتفاق لعدة تقسيمات فقد يكون الارتفاق مستمرا أو غير مستمر وظاهرا أو غير ظاهر وسلبيا أو إيجابيا[63].

أما من حيث اكتساب حق الارتفاق بواسطة التصرف القانوني فقد نص الفصل 180م.ح.ع على ما يلي: “يجوز لمالكي العقارات أن يحدثوا لها أو عليها ما شاءوا من حقوق الارتفاق ولا تكتسب هذه الحقوق بالتقادم ولا تثبت إلا بكتب وإذا رتب مالك عقارين منفعة لأحدهما على الآخر تقوم هذه الحالة الواقعية مقام الكتب ويتكون من ذلك حق ارتفاق.

ويجري حكم الفقرة السابقة ولو كان الملك مسجلا وبالتالي لا يكتسب حق الارتفاق حسب منطوق هذا النص ابتداءا (لأول مرة) إلا بموجب العمل القانوني أو التخصيص.

قد يكون التصرف هبة أو بيع أو وصية أو معارضة وما شابه ذلك وتنطبق المبادئ العامة في باب الالتزامات التعاقدية[64].

حينئذ يجوز لمالكي العقارات عملا بالفقرة الأولى من الفصل 180 م.ح.ع إنشاء ما أرادوا من حقوق ارتفاقية وتعد هذه الإمكانية تطبيقا خاصا لمبدأ الحرية التعاقدية ولمبدأ حرية التصرف في المكاسب، وتختلف وسيلة إثبات الحقوق الارتفاقية الاتفاقية باختلاف نشأتها، فإن كانت ناشئة قبل دخول مجلة الحقوق العينية حيز التنفيذ فيمكن إثباتها بجميع الوسائل، وان كانت ناشئة بعد هذا التاريخ فلا يمكن اثباتها عملا بالفصل 180م.ح.ع إلا بالكتب.

يبقى أن الشروط الواجبة لصحة كل عقد يجب أن تكون متوفرة، فإن كان بيعا يجب أن تتوفر الشروط المعلومة بالفصل 581م.ح.ع وإن كان هبة وجب احترام أحكام الفصل 204 م.أ.ش وإن كان وصية يستوجب احترام أحكام الفصل 176م.أ.ش .

إن حقوق الارتفاق الناشئة عن القانون والمتعلقة بما يجب احترامه عند غرس بعض الأشجارأو احداث نوع من المباني وهي بالاساس التزامات فرضها المشرع من خلال ضبطه شروطا معلومة لممارسة الحق يمكن أن تكون محل اتفاق بين مالكي العقارات ويجوز بذلك التراضي على خلاف القاعدة ويكون حق الارتفاق بالتالي قد استحق عن طريق إرادة مالكي العقارات إذ: “تتحول هذه القيود من قيود قانونية توافرت فيها شروط التنظيم العام المألوف الذي وضعه القانون لحق الملكية إلى حقوق ارتفاق حقيقية“[65]

أما شرط الكتب الوارد بالفصل 180م.ح.ع، إنما هو وسيلة إثبات لما اتفق مالكو العقارات على انشائه من ارتفاقات وليس شرط صحة ولكن ما دام استحقاق حق الارتفاق يكون بواسطة العقد أو التصرف القانوني فإن وظيفة الكتب الواردة بالفصل المذكور قد تتسع لتصبح وسيلة اثبات وشرط صحة خاصة إذا ما تعلق الأمر بالعقود الشكلية التي تتجاوز مجرد الرضاء لصحتها إلى ضرورة توفر شروط شكلية كالبيع والهبة والوصية.

ونص الفصل 180م.ح.ع على أنه: “إذا رتب مالك عقارين منفعة لأحدهما على الآخر تقوم هذه الحالة الواقعية مقام الكتب ويتكون من ذلك حق ارتفاق ويجري حكم الفقرة السابقة ولو كان الملك مسجلا“. ويفهم من ذلك أن التخصيص لا يكون فاعلا إلا إذا توفرت عدة شروط هي: وحدة المالك للعقارين وأن يكون أحد العقارين خادما للآخر مع وضع علامة ظاهرة لذلك وأن تتحول ملكية أحد العقارين لشخص آخر غير المالك ،ومعناه أن المالك الأصلي قد يفوت في أحد العقارين فتجزأ ملكية العقارين ويتحقق شرط اختلاف المالك فينشأ بذلك حق الارتفاق بتخصيص عن المالك الأصلي باعتبار وجود اتفاق ضمني على إنشائه بين المالكين للعقارين المالك السابق والمالك الحالي للعقار المرتفق وتجسيدا لهذه الحالة رأت محكمة التعقيب أن “مالك العقار ولو كان مسجلا وصيره عقارين بأن باع ما فيه من البناء ذي النوافذ المطلة على باقي أرض العقار فإنه يكون رتب حقا ارتفاقيا في كشف العقار المباع على بقية الأرض التي لم يبقى في وسع من أقام فيها بناء بإزالة ذلك الحق“[66].

وبالتالي فإن سبب استحقاق حق الارتفاق هو الاتفاق الضمني.

ويستشف استحقاق الارتفاق بالعقد الضمني من الفقرة الثالثة من الفصل 180م.ح.ع. ويسمى هذا الحق حسب فقه القانون بالإرتفاق بتخصيص من المالك[67] وينشأ على مرحلتين تتمثل الأولى في إحداث المالك لحالة واقعية بين عقارين على ملكه وذلك بترتيب منفعة لعقار على عقار كإحداث مجرى مياه يمر على العقارين، ويعد اشتراط هذه الحالة الواقعية لنشأة الارتفاق بتخصيص من المالك دليلا على أن مجال هذا الحق ينحصر في الحقوق الارتفاقية الظاهرة دون الحقوق الارتفاقية الخفية، وتتمثل المرحلة الثانية في انتقال ملكية أحد العقارين لمالك جديد مع احتفاظ المالك الأصلي بملكية العقار الآخر، أو في انتقال العقارين لمالكين مختلفين بالبيع أو بالهبة أو بقسمة المورث، ويستمد هذا الارتفاق مصدره من الإرادة الضمنية للمالكين[68]

وتجدر الملاحظة ان جميع هذه الحقوق العينية العقارية بإستثناء الرهن والامتياز قد تنتج عن الوصية إذ تصح الوصية بحق الانتفاع أو بحق الاستعمال أو بحق السكنى ولكن لا يجوز لصاحب حق الانتفاع أو الاستعمال أوا لسكنئ أن يوصي بحقه لأن هذه الحقوق تنتهي بوفاة أصحابها وحتى ولو وقعت هذه الوفاة قبل انتهاءالاجل المعين للحق[69]

ويجوز للمالك أيضا أن يوصي بحق ارتفاق يرتبه على ملكه لمصلحة عقار آخر،أما الهبة فإنها ترد على العقار وعلى الحق العيني العقاري إذ يجوز لشخص أن يتبرع بهذه الحقوق أو ببعضها لشخص آخر وبدون مقابل.

وإذ تخلف صفة المالك عن اكتساب الحق العيني العقاري بموجب العقد فإنها تختلف أيضا عن استحقاقه بموجب القانون.

ثانيا: اختلاف صفة المالك عن إكتساب الحق العيني العقاري بموجب القانون

يكون القانون مصدرا لاكتساب الحق العيني العقاري كحق الانتفاع فقد مكن المشرع الخواص من حق الانتفاع بالعقارات الفلاحية التي على ملك الدولة بموجب القانون المؤرخ في 13 فيفري 1995 كما تم تنقيحه بالقانون المؤرخ في 10 جوان 1996[70] إذ يتم حسب هذا القانون استغلال العقارات الدولية عن طريق التخصيص والكراء وحق الانتفاع ،جاء بالفصل 16منه أولا أنه يقع استغلال الأراضي الدولية الفلاحية على وجه الانتفاع من قبل الوحدات التعاضدية طبقا للقانون المنظم لها[71] كما يقع استغلال الأراضي الدولية على وجه الانتفاع من قبل الفنيين المتخرجين من مدارس التكوين الفلاحي والشبان المكترين لأراضي دولية فلاحية، و يمنح حق الانتفاع لهذه الأراضي بمقتضى عقد يمضى من الوزير المكلف بأملاك الدولة وذلك وفقا لكراس شروط يضبط في الغرض، وينص العقد بالخصوص على مساحة الأرض ومدة الانتفاع والمعلوم الواجب دفعه ممن أسند له حق الانتفاع وبقية الالتزامات المحمولة على المنتفع والهادفة لإحياء وتنمية الأرض الدولية الفلاحية المسلمة على وجه الانتفاع، ولا يمكن أن تتجاوز مدة الانتفاع بقية المدة المنصوص عليها بعقد التسويغ، وفي كل الحالات يخضع حق الانتفاع لهذه الأراضي لأحكام مجلة الحقوق العينية ولأحكام القانون عدد28 لسنة 1984 المؤرخ في 12 ماي 1984.

كما يمكن أن يكون القانون مصدرا لحق الارتفاق كحق الارتفاق الناشئ عن غرس الأشجار أو إحداث نوع من المباني، يجب أن يكون غرس الأشجار بعيدا عن أرض الجار، فإذا تم ذلك بالقرب من تلك الأرض يتحتم أن تكون المسافة بقدر المترين من الخط الفاصل بين الأرضين في المغروسات التي ترفع أكثر من مترين وبقدر نصف متر فيما دون ذلك من النباتات (الفصل 168م.ح.ع)، وفي صورة عدم احترام هذه المسافة يخول للجار أن يفرض قلع الأشجار المغروسة على غير القاعدة المذكورة آنفا (الفصل 169م.ح.ع)، وإذا امتدت أغصان الأشجار إلى ملك الجار فله إلزام صاحبها بقطعها إلى حد ملكه وما يسقط في أرضه من ثمرها فهو له (فصل 170م.ح.ع).

اما الكشف على ملك الجار فيحق للجار أحيانا الكشف على عقار جاره، وخصص المشرع لحق الكشف الفصول 172 إلى 175م.ح.ع ويتمثل حق الكشف في فتح مطلات من نوافذ وغيرها، ويجب التنبيه إلى أن البناء داخل المناطق البلدية تنظمه أحكام خاصة بذلك.

فمتى يحق إحداث النوافذ والفتحات؟ يجب التفريق بين ثلاث صور، الصورة الأولى وجود حائط مشترك، إذ لا يجوز لأحد الجارين إحداث نافذة أو فتحة في هذا الحائط إلا بإذن كتابي، أما الصورة الثانية وجود حائط غير مشترك فإنه يحق للمالك أن يفتح بحائطه نوافذ أو كوات إذا وضع عليه زجاج ثابت لا يفتح وكانت على ارتفاع مترين ونصف من أرض البيت المراد إضائته إذا كان الطابق سلفي وعلى ارتفاع مترين إذا كان الطابق علويا (الفصل 173م.ح.ع). والصورة الثالثة تتمثل في غياب الحائط الفاصل بين العقارين، تتم هذه الصورة عندما يفتح صاحب عقار نوافذ أو شرفات بحائط يملكه بمفرده،وفرض المشرع على ذلك المالك احترام مسافة مترين بين الحائط الذي يحدث فيه ما ذكر وبين الأرض المجاورة، أما إذا كان المطل مجانبا أومنحرفا فالمسافة المذكورة تساوي نصف متر.

أما الحالة الثالثة و نظمها الفصل 176 م.ح.ع وتتعلق بميازيب السطوح ،فلكل مالك عقار أن يبني سطوحه بصورة تسيل معها مياه الأمطار بأرضه أو الطريق العام ولا يجوز له أن يجعلها تصب في أرض غيره.

والحالة الرابعة تتمثل في حق المرور، ويعتبر حق المرور من أهم حقوق الارتفاق إذ يهم ما يسمى بالاكتناف، أي أن يملك شخص عقارا محاطا من كل جانب بعقارات على ملك أشخاص آخرين بحيث يفقد معه أي منفذ للطريق العام أو يكون هذا المنفذ غير كاف لمصلحة عقاره، في هذه الصورة مكن المشرع مالك العقار المكتنف من حق المطالبة للحصول على مرر في العقارات المجاورة مقابل تعويض عادل (الفصل 177م.ح.ع) وأوضح الفصل 178م.ح.ع أن الممر يؤخذ من الجهة التي تكون فيها المسافة أقصر ويراعى أخف الضرر لمالك العقار المحدث به.

إن اختلاف صفة المالك في حوز العقار عن اكتساب الحق العيني العقاري بموجب التصرف القانوني لا يمنع اختلافها عن اكتساب هذه الحقوق بوجه الواقعة القانونية.

2- اختلاف صفة المالك عن اكتساب الحق العيني العقاري بموجب الواقعة القانونية:

إن الواقعة القانونية المكسبة للحق العيني العقاري والمختلفة عن صفة المالك تتمثل في الإرث (أولا) وفي التقادم المكسب (ثانيا) وفي الوظعية الطبيعية للأماكن (ثالثا).

أولا: الإرث: ذلك أنه بمجرد وفاة المورث يصبح الوارث بحكم القانون مالكا لحقوق التركة المالية والتي كانت للمورث ولم تكن متعلقة بشخصه مثل ملكية العقارات والحقوق العينية الأخرى المتفرعة عن حق الملكية،و تستثنى من ذلك الحقوق المتفرعة عن حق الملكية التي تسقط بالوفاة كحق الانتفاع، فالميراث لا يتناسق مع حق الانتفاع باعتباره ينتهي مع موت المورث، ويمكن اعتماد نفس الحل إذا ما تعلق الأمر بحق الاستعمال وبحق السكنى لان احكام حق الانتفاع تسري على حق الاستعمال وحق السكنى.

وإذ جازت وراثة بعض الحقوق العينية العقارية فإنه يجوز اكتسابها بموجب التقادم المكسب.

ثانيا: التقادم المكسب: تعني القاعدة العامة الواردة بالفصل 45م.ح.ع ” من حاز عقارا أو حق عينيا على عقار مدة خمسة عشر عاما بصفة مالك حوزا بدون شغب مشاهدا ومتسمرا وبدون انقطاع والتباس كانت له ملكية العقار أو الحق العيني العقاري بوجه التقادم” ونص الفصل12م.ح.ع: الحقوق العينية العقارية هي الملكية والكردار و حق الانتفاع و حق الاستعمال و حق السكنى و حق الهواءو الإجارة الطويلة (الانفيتيوز) و الامتياز والرهن العقاري .

وإذ أمكن القول بمقابلة الفصلين أنه يجوز حوز الحقوق العينية المتفرعة عن حق الملكية كحوز حق الملكية لأن المهمة الأساسية للتقادم هي تحويل حالة واقعية هي الحوز بصفة مالك إلى حالة قانونية هي ملكية الحق المحوز، فالحقوق العينية بطبيعتها قابلة لوضع اليد طبقا للقاعدة العامة الواردة بالفصل 45م.ح.ع، وكسب الحق العيني العقاري بالتقادم يعتبر بذاته سببا مستقلا للتملك وهو واقعة قانونية تتأتى نتيجة لأعمال مادية خاصة متى تمت أمكن أن يستفاد منها الحصول عليه (التقادم).

ومن الحقوق التي يمكن أن تكتسب بالتقادم الحقوق العينية الأصلية، إذ يمكن تملكها بمضي المدةمتى كان واضع اليد قد ظل حائزا لها مدة خمس عشرة سنة بصفة مالك، ومن ثم فإن حق الارتفاق وحق الانتفاع وحق الاستعمال وحق السكنى كلها حقوق يجوز وضع اليد عليها ماديا وعلى ذلك يصح إكتسابها بالتقادم المكسب طبقا للقاعدة العامة الواردة بالفصل 45م.ح.ع، وعلى ذلك سار فقه القضاء فقد اعتبرت محكمة التعقيب أن الحيازة المكسبة للحق هي التصرف في عقار أو حق عيني عقاري مدة خمس عشرة سنة تصرف المالك في ملكه ينسبه لنفسه وينسبه الناس إليه بدون شغب ،والحيازة إذا توفرت فيها الشروط القانونية الواردة بالفصل 45م.ح.ع تعتبر قرينة قانونية قاطعة مكسبة للملكية[72]

وعلى هذا الأساس لا يمكن قبول عبارة محكمة تعقيب الواردة في قرار لها صادر في 16 مارس 1982[73] “مسايرة لأحكام الفقرة الأخيرة من الفصل 45م.ح.ع والحوز المعيب لا تأثير له في الاحتجاج ولا يكسب صاحبه المتمسك به حقا وأي عيب أعظم من حيازة ما يملكه الغير…” فمثل هذا الكلام لا يهم انعدام خصائص الحوز بل هو ينفي فكرة التقادم من أساها لأن التقادم هو سبب لاكتساب ملكية عقار مملوك للغير معروفا كان أو مجهولا فإذا كان العلم بهذه الواقعة عيبا في الحوز فلا معنى لذلك إلا حذف التقادم من أسباب إكتساب الملكية، وتعليقا عن هذا الموقف الذي اتخذته محكمة التعقيب يرى بعض أساتذة القانون[74] أن كلاما كهذا تفسره ملكية الدولة للعقار ورغبة القضاة في حماية المشتري منها، إذا تفيد الوقائع أن أشخاصا اشتروا عقارا فلاحيا مملوكا للدولية وتسلموه منها لكنهم وجدوا اشخاصا أخرين متحوزين به منذ أمد بعيد ينوف عن الخمسين عاما، فطلبوا إخراجهم ابتدائيا وحكم لهم بذلك، لكن محكمة الإستئناف بسوسة نقضت وقضت من جديد بعدم سماع الدعوى نظرا إلى تحقق التقادم المكسب عند الحائزين والمسقط لملكية الطالبين، ولما كان هذا الرأي سليما قانونيا كان من الصعب على محكمة التعقيب نقضه دون تعريض قضائها النقد ،فإعتمدت تعليلا غير مقنع جعلت فيه أسباب اكتساب الملكية في الفصل 22 م.ح.ع مراتب والعقد أولها فهو مقدم على التقادم، ثم اعتبرت تسلط الحوزعلى ملك الغير عيبا يمنع التقادم وطبقت الفصل 41م.ح.ع في غير محله لتقول أن صفة الحائز الأصلية لم تتغير وهذه الصفة الأصلية غير معلومة لكنها عند محكمة التعقيب حوز عقار الغير، وفي هذا مخالفة لنظرية تغير سند الحوز حسب الفصل 49م.ح.ع وختمت بإثارة الفصل 39م.ح.ع لتقول إن الحائزين كانوا يستغلون الأرض على سبيل التسامح من الدولة والحال أن هذا الفصل لم يثر إطلاقا في النزاع ولا في المطاعن، وهذا كله لتفضيل مشتري عقار الدولة على حائزه، ولو أنها أعربت مباشرة عن رفضها خضوع ملك الدولة الخاص للتقادم لكان أهون وأفضل من تحريف القانون من محكمة القانون !!

ثالثا: الوضعية الطبيعية للأماكن: تتحمل الأراضي المنخفضة إزاء الأراضي المرتفعة عنها سيلان مياهها إذا كانت المياه جارية بنفسها بدون فعل فاعل.

تلك هي الصورة المنصوص عليها بالفصل 167م.ح.ع والتي ينشأ عنها حقا عينيا متمثلا في حق الارتفاق الطبيعي، وبالرجوع إلى هذه الصورة الوحيدة التي جاءت بالفصل 167م.ح.ع يتضح أن العقار المتحمل لحق الإرتفاق هو العقار المنخفض

أما العقار المرتفع عنه فهو العقار المستفيد، ولعل اقتصار مجلة الحقوق العينية على هذه الصورة جعل أهمية هذا الصنف من حقوق الإرتفاق محدودة.

الفقرة الثانية: اختلاف صفة المالك عن الحوز العقاري

يكرس الفصل 45م.ح.ع العلاقة بين الحوز باعتباره سيطرة واقعية والحق العيني المجرد، وإذ يتفق الفقهاء إن ما تم حوزه ليس العقار في حد ذاته وإنما الحق العيني على العقار فإن نطاق الحوز يتسع ليشمل حق الملكية (أ) والحقوق العينية العقارية الأخرى (ب)، ويختلف الحوز في كلتا الحالتين عن صفة المالك.

أ- إختلاف صفة المالك عن حوز الملكية العقارية

ورد بالفصل 38م.ح.ع “الحوز سيطرة فعلية لشخص بنفسه أو بواسطة على حق أو شيء“. إن مصطلح “سيطرة” يعبر عن السيطرة المادية على الشيء وعلى السلطة الواقعية عليه، ويرتكز فقهاء القانون على هذه العلاقة المادية والواقعية لتعريف الحوز، إذ يعرف بعض الفقهاء الحوز بأنه: “يعتبر حوزا في المعنى الواسع لهذا اللفظ الحالة أو العلاقة الواقعية التي تعطي لشخص ما الإمكانية المادية الحالية أو المطلقة لكي يباشر على الشيء الأعمال المادية للإستعمال والتصرف والتغيير“[75]

فالحوز هو العلاقة الخارجية بين الإنسان والشيء والمتمثلة في مجموعة الوقائع المبرزة للعموم هذه العلاقة بمثابة السيطرة الفعلية على الشيء[76].

ولكن ما تجدر ملاحظته هو ان الفصل 38 م.ح.ع لا يهتم بكل العلاقات الواقعية والمادية بل ينظم الممارسة الواقعية والمباشرة الفعلية لحق عيني، وبذلك يبرز الحوز بمثابة الحالة أو العلاقة الواقعية المتمثلة في مباشرة الصلاحيات المتعلقة بحق عيني سواء كان الحائز مالكا لهذا الحق أو غير مالك له[77]

وإذ يعبر الحوز عن السلطة الواقعية على العقار فإن هذه السلطة تترجم من خلال الأعمال المادية تضاف إليها إرادة الحائز في مباشرة الصلاحيات المتعلقة بحق الملكية بصفة مالك، ولكي تكون لها فاعلية قانونية يجب إكساء الأعمال المادية ببعض الخصائص، فإلي العناصر المكونة للحوز(1) تضاف خصائص تميزه (2) وتختلف صفة المالك عنها جميعا.

1- اختلاف صفة المالك عن العناصر المكونة للحوز: العنصر المادي Le corpus والعنصر المعنوي Animus

يحيل العنصر المادي مباشرة على حق الملكية، فالحوز يعبر قبل كل شيء عن السلطة الفعلية على العقار، ويتمثل العنصر المادي في الأعمال المادية أي في مسك واستعمال والتصرف في العقار.

فهذا العنصر الموضوعي يفترض أن يمسك الحائز بالشيء وبالنسبة للعقار يتمثل في شغله وبذلك يتحدد هذا العنصر المادي من خلال الطبيعة المادية للشيء المحوز.

وقد لاحظت محكمة التعقيب[78] انه ليست لحوز العقار مظاهر محصورة وإنما هو ممارسة تكييفها طبيعة العقار المحوز ذاته وتحددها قابليته لوجه التصرف بما يلائم ماهيته،

فالحوز يكون تابعا لطبيعة العقار المحوز وحسب ما أعد له وليس منحصرا في مظاهر معينة فقد “يكون الحوز بالحرث أو بالمرور أو بما عدا ذلك من أنواع التصرف التي تقتضيها طبيعة العقار والقانون لم ينص على طريقة مادية معينة للحوز ولإثبات مظهره فيكفي أن يكون الحائز واضعا يده على العقار باختلاف طبيعته فيتعهد الأرض من حين لآخر، فحفرها وغراستها وإنشاء بئرا لها تعد طريقة من الطرق الدالة على الحوز والتصرف في العقار الفلاحي بوجه الملك[79].

كما تعتبر أعمال الحرث والبذر من الطرق الدالة على الحوز والمثبتة له بناء على الظاهرة المادية ،ويعتبر مد القنوات لجلب الماء وسقي الأرض من طرق الحوز، فالعبرة في الحوز هو “إبرازه بصفة فعلية في كل شيء بحسبه وظروف أحواله الملائمة له“[80].

إن النزعة المادية للحوز يجب أن لا تحجب وجود الحوز الاعتباري possession fictives [81]. وهو الحوز بواسطة الذي يعتبر حائزا عرضيا لحساب الحائز الأصلي كالمالك الذي يؤجر منزله يكون حائزا بواسطة المكتري، والحيازة بواسطة الغير أمر مادي لا يحتاج لاثباته بالكتابة فقط بل بالبينة الموطنية أيضا .

وإذا كان الركن المادي للحوز هو الممارسة والمباشرة الفعلية والواقعية لحق الملكية فإن موضوعه يجب أن يكون العقار وليس الحق المتعلق به، لذلك يقصي بعض الفقهاء التصرفات القانونية كوجه من أوجه ممارسة الحوز من مجال الحوز المادي فهي تعكس بدون شك سلطة على العقار ولكنها لا تبرز السيطرة المادية والفعلية عليه.

إن اقصاء التصرفات القانونية يبرر من خلال اللبس والغموض الذي يتعلق بهذه التصرفات فهي لا تعني دائما أن منشئها هو المالك الحقيقي للعقار لذلك يمكن بيع أو كراء ملك الغير بدون أن يكو%D