إن الأشاعة ظهر تأثيرها و قوتها خلال الثلاثينات من القرن السابق فلقد عرف خبراء الحروب

مدى تأثير الأشاعة و قوتها فسعوا لأستخدامها كسلاح ووضعوا أسس ذلك الأستخدام ثم تطورت تلك الأسس مع الوقت, و إن كان من المعلوم عن الأشاعة أنه لا يعرف أحد كيف تبدأ و كيف تسرى فى كل نادى أو منزل أو شارع أو تجمع فإن ذلك الأمر ليس محل البحث, لأننا نبحث عن كيفية مواجهة تلك الأشاعة عن طريق التشريعات والقانون لوقف أستنزاف الأشاعة للمجتمع و محاولات الهدم المبتغاة من أطلاق الأشاعات .

                                       المبحث الأول

                  التشريع المصرى و دوره فى مواجهة الأشاعة

إن المشرع المصرى أستشعر خطورة الأشاعة على المجتمع و ضرورة مواجهتها و الحد منها و من آثارها , و جاء فى تقنين العقوبات المصرى أكثر من موضع لمواجهة الأشاعة و وضع الجزاء المناسب لمروجها و كل من تداولها .

و إن كانت المادة 39 من قانون العقوبات المصرى قد أعتبرت فاعلا للجريمة : أولا : من يرتكبها وحدة أو مع غيرة . ثانيا : من يدخل فى أرتكابها إذا كانت تتكون من جملة أعمال فيأتى عمدا عملا من الأعمال المكونة لها .

و من ثم أعتبر المشرع المصرى مطلق الأشاعة كمروجها كمن يتداولها كلا سواء فى العقوبة فكلهم فاعل أصلى فى الجريمة و يستوجب العقاب , و خيرا فعل المشرع المصرى لمحاولة الحد من الأشاعة و مروجيها .

و قد حدد المشرع المصرى الأمور التى يسعى تقنين العقوبات لحمايتها من الأشاعة و قد تكون كل تلك الموضوعات تتصل بالمجتمع و تمس أستقرارة , لهذا كان من حكمة المشرع المصرى أن ذكر تلك الأمور التى يسعى لحمايتها حتى يترك للقضاء المواءمة بين ما يسعى النص لحمايتة و بين الفعل المرتكب و عما إذا كان يمس هذا الفعل المؤثم مصالح الوطن و أمنة و قد حدد المشرع المصرى تلك الامور التى يبغى لحمايتها من ترويج الأشاعات حولها أو ترويج اى شئ غير صحيح يتعلق بها و تلك الموضوعات هى أسس المجتمع المصرى و مقوماتة ألا و هى :

1- الطبقات الاجتماعية و نظم الدولة الأساسية و الأجتماعية و النظام الأقتصادى و النظم الأساسية للهيئة الأجتماعية و نظام الحكم فى الدولة و تحالف قوى الشعب العاملة و مقاومة السلطات و ذلك بالمادة 98 ” أ” من قانون العقوبات المصرى .

2- مبادئ الدستور الأساسية و نظم الهيئة الأجتماعية أو محاولة تسويد طبقة أجتماعية على أخرى أ محاولة القضاء على طبقة أجتماعية أو قلب نظم الدولة الأساسية أو الأجتماعية أو الأقتصادية و ذلك طبقا للمادة 98 ” ب ” من قانون العقوبات المصرى .

3 – الأديان السماوية و الطوائف المنتمية إليها و الوحدة الوطنية أو السلام الأجتماعى و ذلك فى المادة 99 من قانون العقوبات المصرى .

4- الأمن العام و المصلحة العامة .

و إن كان المشرع المصرى قد حدد الموضوعات التى يبغى حمايتها فقد توسع فى صور الفعل المؤثم و خيرا قد فعل أيضا لأنة من المعلوم أن الأشاعة ليس لها طريق محدد أو صور معينة لأطلاقها و إنما تختلف بأختلاف الظروف و الموضوع و قد حدد المشرع المصرى فى قانون العقوبات .
صور ووسائل الأشاعة كالآتى :

1- الترويج : و قد أستخدم المشرع المصرى تلك الصورة فى العديد من النصوص العقابية و كان ذلك فى نص المواد 98 “أ ” و التى ذكرت ” & 98 “ب ” & 98 مكرر “ب” & مادة 98 ” و ” .

2 – التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى : و جاء ذكر تلك الصورة فى المادة 98 ” و ” و التى نصت ” يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر و لا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنية و لا تجاوز ألف جنية كل من أستغل الدين فى الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد أثارة الفتنة أو تحقير أو أزدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الأضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الأجتماعى ” .

3 – الجهر بالصياح أو الغناء : و جاء ذكر تلك الصورة فى المادة 102 من قانون العقوبات عندما ذكر المشرع المصرى ” كل من جهر بالصياح أو الغناء لأثارة الفتن يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على مائتى جنية ”
4- أذاع أخبار أو بيانات أو أشاعات كاذبة أو بث دعايات : و تلك الوسيلة جاء ذكرها بنص المادة 102 مكرر و قد نصت تلك المادة ” يعاقب بالحبس و بغرامة لا تقل عن خمسين جنيها و لا تجاوز مائتى جنية كل من أذاع عمدا أخبار أو بيانات أو أشاعات كاذبة مغرضة أو بث دعايات مثيرة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو ألقاء الرعب بين الناس أو الحاق الضرر بالمصلحة العامة , و تكون العقوبة السجن و غرامة لا تقل عن مائة جنية و لا تجاوز خمسمائة جنية إذا وقعت الجريمة فى زمن الحرب “

و بنظرة فاحصة لتلك النصوص نجد أن المشرع المصرى لم يذكر لفظ الاشاعة إلا فى موضع واحد و هى نص المادة 102 مكرر عندما ذكر ” أو أشاعات كاذبة مغرضة أو……….. ” و قد كان من الحكمة و اللين عدم الاقتصار على لفظ واحد فقط ألا و هو الأشاعة و إنما تنقل المشرع بين المسميات ففى بعض المواضع ذكر الترويج و بعض النصوص أستخدم التحبيذ و البعض الآخر من المواد أستخدم الجهر بالصياح و أخيرا أستخدم أذاع أخبار أو بيانات أو بث دعايات و أخيرا أستخدم المشرع أشاعات كاذبة .

و لغويا كان التنوع فى تباين الألفاظ يعطى للنص قوة و لا يضعفة و من حيث الموضوع كان التنوع فى أستخدام الألفاظ المختلفة يعطى للنص شمولية و عمومية لتبتعد بة عن السقوط فى بئر النصوص الضعيفة الواهية التى لا تحقق مبتغاها .

                                      المبحث الثانى

                      الأصلاحات التشريعية لمواجهة الأشاعة

إن المشرع المصرى وضع يدة على الآثار السلبية التى قد تنتجها الأشاعة و الشرخ الذى قد تؤدية الأشاعة داخل المجتمع و الدولة , ووضع المشرع النصوص التى قد تواجة الأشاعة و لكن تبقى الأشاعة كجريمة متطورة تطور نفسها بتطور الزمن لدرجة أصبحت جريمة الأشاعة متطورة أكثر من النصوص القانونية التى تواجهها .

و من ثم يستوجب أتخاذ بعض الأجراءات بأصلاح النصوص التشريعية الخاصة بمواجهة الأشاعة كجريمة تضر بالمجتمع و الدولة . و تتمثل هذة الأصلاحات فى الآتى :

1- تغليظ العقوبات و تشديدها على مروج الأشاعة التى تضر بالأمن المجتمعى و سلامتة و تثير الفتن لتصل إلى الاشغال الشاقة المؤقتة .

2- التفرقة بين مطلق الاشاعة و مروجها و مرددها للحد من أطلاق الأشاعات , لتصل عقوبة مطلق الأشاعات فى وقت الحرب أو الاضطرابات إلى الأشغال الشاقة المؤبدة و أيضا تغليظ عقوبة مروج الأشاعة أو مرددها للحد من أنتشارها .

3 – زيادة العقوبة المالية لمطلق الأشاعة أو مرددها أو مروجها زيادة مرتفعة.

4 – أعتبار مرتكب جريمة مطلق الأشاعة أو مروجها أو مرددها جريمة مخلة بالشرف و الأعتبار لردع مرتكبها .

5 – تغليظ العقوبة لمطلق الأشاعة أو مرتكبها أو مرددها فى حالة العود .

6- تشديد و تغليظ عقوبة القذف لمن يرتكب جريمة القذف العلنية أو غير العلنية لتصل إلى السجن خمس سنوات و غرامة مالية باهظة و تشديد العقوبة فى حالة العود.

7 – الأهتمام بدعاوى الأشاعة و ترويج الأخبار الكاذبة و القذف من النيابة العامة و الأسراع فى تحقيق تلك المحاضر و سرعة تقديم الجناة للقضاء .

8 – الأهتمام من القضاء بتلك الدعاوى و سرعة الفصل فيها ليتم الردع الخاص للجانى و الردع العام لكل من تسول لة نفسة محاولة أطلاق الأشاعة أو ترويجها او مجرد ترديدها .

9- النص صراحة فى قانون العقوبات على الأعفاء من العقاب لمروجى الأشاعات فى حالة أبلاغة عن أحد مطلقى الأشاعات , لحث الأفراد ذوى السرائر السليمة من التراجع عما بدر منهم فى حق المجتمع و فى ذات الوقت يخدموا مجتمعهم بمحاولة أصلاح ما أفسدوة .

                                            المبحث الثالث

                                 الدور الدولى لمواجهة الأشاعة

إن الأهتمام بالأشاعة و أضرارها و مخاطرها لم تلقى أهتماما دوليا مناسبا على أساس أن تلك الجريمة أقليمية قد لا تكون عابرة للحدود , فالأشاعة قد تكون كجريمة قد تكون جريمة مجتمعية داخل الدولة , لأن الأشاعة قد تستهدف دولة بعينها دون سواها , فالأشاعة التى قد تجد التربة الخصبة لأنتشارها داخل دولة ما قد لا تجد ذات التربة داخل دولة أخرى بل قد تموت ذات الأشاعة و تنتهى فى دول أخرى . فكما ذكرنا من قبل فالبيئة و المجتمع لهما عاملان مؤثران فى أنتشار الأشاعة أو الحيلولة دون ترويجها .

و لكن الأشاعة فى حد ذاتها جريمة تستوجب العقاب حسب درجة ضررها للمجتمع و من ثم يجب تقنين معاهدة أو أتفاقية دولية تجرم الأشاعة أو ترويج الأخبار الكاذبة أو القذف للحيلولة دون أنتشار الشائعات و الأخبار الكاذبة .

و إن كان المجتمع الدولى يصعب أتفاقة على معاهدة بذات المضمون لأن الأشاعة و ببساطة قد تكون سلاح لبعض الدول ضد دول أخرى , فالأشاعة أحد أسلحة الدول تستغلها كسلاح خفى غير ظاهر لا يمكن تجريمها على أستخدامة كما يصعب تحديد مطلق الأشاعة أو كينونتة , و من ثم فالأشاعة لها أهمية قد تصل فى بعض الأوقات أهم من السلاح النووى أو الكيماوى أو البيولوجى , فالأشاعة سلاح فتاك و خفى غير ظاهر مستخدمة و آثارة قد تصيب المجتمع فى مقوماتة و من ثم قد تحول بعض الدول خروج مثل تلك الأتفاقية أو المعاهدة الدولية حتى لا يتم تقويض أستخدام الأشاعة من بعض الدول , فبعض الدول تستخدم الأشاعة حسب أغراضها و مصالحها الوطنية فقد تطلق بعض الدول اشاعات و أخبار كاذبة أقتصادية أو سياسية أو أجتماعية أو مالية للوصول لمصلحة تلك الدول دون أكتراث بمصالح الدول الأخرى و من ثم فالمعاهدات و الاتفاقيات الدولية فى هذا الصدد قد تكون من حيث الواقع يصعب الوصول إليها و لكنها ليست بالمستحيل .

و قد نصل فى يوما من الأيام لنجد أحدى الدول تتقدم ضد دولة أخرى أمام المحاكم الدولية أو للتحكيم الدولى بسبب أن تلك الدولة أطلقت شائعات أو أخبار كاذبة أضرت بها و بمجتمعها مما يستوجب أتخاذ أجراءات ضد تلك الدولة , إن الأمور التى يتم نفاذها على صعيد القضاء الوطنى قد تواجة بعض الصعوبات و العوائق العلمية و العملية على صعيد القضاء الدولى و خاصة فى جريمة مثل جرسمة الأشاعة و ترويج الأخبار الكاذبة , و لكن إن صدقت النوايا الدولية سنصل إلى تعريف دولى للأشاعة و طرق مواجهتها و مكافحتها و الجزاء الدولى المناسب لمن يرتكب تلك الجريمة .

و على الجانب الآخر فإن الدول العربية لأشتراكها فى العديد من العناصر كاللغة و التاريخ و الدين و الثقافة و غيرها من العناصر يسهل الأتفاق بينهم على أتفاقية عربية على تجريم الأشاعات و الأخبار الكاذبة و القذف و الأتفاق فيما بين الدول العربية على طرق المكافحة و المواجهة لتلك الأشاعات .