خطاب الضماني البنكي من الوجهة الشرعية
من نوازل العصر و قضاياه جريان المعاملة بخطابات الضمان لدى البنوك الأهلية مع المستفيد شخص اعتباري أو طبيعي و تجلية موقعها من الشريعة المطهرة يقتضي إعطاء التصور الكامل لطبيعة خطابات الضمان و خطواتها الإجرائية و أنواعها و ما جرى مجرى ذلك من القوالب التي تسير عليها .

فاقتضى الحال إدارة التقييد فيها في مبحثين :

المبحث الأول : خطاب الضمان .

تعريفه.. نوع الطرف المستفيد .. الغرض منه .. خطواته الإجرائية .. أنواعه.

المبحث الثاني : الفقه الشرعي لخطاب الضمان

وبيان كل منها على ما يلي :

المبحث الأول

خطاب الضمان

و فيه الفروع الآتية :

1- طبيعته :

خطاب الضمان المصرفي : هو تعهد قطعي مقيد بزمن محدد غير قابل للرجوع يصدر من البنك بناء على طلب طرف آخر ( عميل له ) – بدفع مبلغ معين لأمر جهة أخرى مستفيدة من هذا العميل لقاء قيام العميل بالدخول في مناقصة أو تنفيذ مشروع بأداء حسن ليكون استيفاء المستفيد من هذا التعهد ( خطاب الضمان ) متى تأخر أو قصر العميل في تنفيذ ما ألتزم به للمستفيد في مناقصة أو تنفيذ مشروع و نحوهما، و يرجع البنك بعد على العميل بما دفعه للمستفيد.

2- أركانه :

من هذا يتضح أن أركان خطاب الضمان أربعة و هي :

أ- البنك : وهو الطرف الضامن. و الضامن هو من التزم ما على غيره.

ب- العميل : و هو الطرف المضمون عنه.

ج – المستفيد : و هو الطرف المضمون له. و هو رب الحق الذي التزم به الضامن.

د – قيمة الضمان : و هو المبلغ المضمون. و المضمون به هو الحق الذي التزم الضامن . فإذا أطلق خطاب الضمان حوى هذه الأركان .

3- الشخص العميل ( المضمون عنه ):

يكون شخصية حكمية ( اعتبارية ) كالشركة أو المؤسسة ممثلة في ( مديرها المسؤول ) ويكون شخصاً طبيعياً.

4- المستفيد ( المضمون له ):

عادة لا يكون إلا شخصية اعتبارية كمصلحة حكومية أو مؤسسة أو شركة معروفة. و من النادر أن يكون شخصاً طبيعياً.

5- أهدافه :

لخطاب الضمان أهمية كبيرة في حماية المستفيد ( المضمون له ) حكومة أو شركة لضمان تنفيذ المشاريع أو تأمين المشتريات و فق شروطها و مواصفاتها و في أوقاتها المحددة .

و بالتالي توفير الضمانة للمستفيد عن أي تقصير تنفيذي أو زمني من الطرف العميل إضافة إلى أن البنك لا يقبل في استقبال خطاب الضمان و أن يكون طرفاً مع العميل لصالح المستفيد إلا إذا توفرت لديه القناعة بكفاءة العميل المالية و المعنوية . و بالتالي ففي هذا ضمان إضافي إلى سابقه أن لا يدخل في المشاريع و المناقصات إلا شخص قادر على الوفاء بما التزم به.

6- طريقة إصدار خطاب الضمان :

يقدم طالب خطاب الضمان طلباً للبنك يحدد فيه مبلغ الضمان و مدته و الجهة المستفيدة و الغرض من الضمان.

ويجب أن تكون لدى البنك قبل إصداره الضمان المذكور القناعة بأن كفاءة العميل المالية و المعنية كفيلة بالوفاء بالتزامه فيما إذا طلب منه دفع قيمة الضمان أو تمديده و إذا كان مبلغ الضمان كبيراً فإن البنك يطلب عادة تأمينات لقاء ذلك إما أن تكون رهناً عقارياً مسجلاً أو رهن أسهم في شركات أو بإيداع أوراق مالية لدى البنك يسهل تحويلها على نقد فيما لو طلب من البنك دفع قيمة مبلغ الكفالة – مع خطاب من مودعها بالتنازل عنها إذا اقتضى الأمر أو كفالة بنك خارجي معروف و إضافة إلى كل ذلك فإن البنك يحتفظ عادة بتأمينات نقدية يودعها العميل بنسبة 25 % من قيمة الضمان و قد تزيد هذه النسبة أو تقل تبعاً لمركز العميل المالي و المعنوي و لطبيعة المشروع الذي قدم الضمان من أجله ، و بعد كل هذه الإجراءات يقوم البنك بإصدار الضمان.

7- أنواع خطابات الضمان :

تجري العاقدة عليها على أنواع:

أولاً – خطاب الضمان الابتدائي :

و يكون مقابل الدخول في مناقصات أو مشاريع و يكون مبلغ الضمان مساوياً لــ 1% من قيمة المناقصة أو أكثر و ساري المفعول لمدة معينة و عادة تكون لثلاثة أشهر و هذا التعهد البنكي ( خطاب الضمان ) يقدمه العميل للمستفيد من مصلحة حكومية أو غيرها ليسوغ له الدخول في المناقصة مثلاً فهو بمثابة تأمين ابتدائي يعطي المستفيد الاطمئنان على قدرة العميل على الدخول في المناقصة ولا يسوغ إلغاء هذا الخطاب إلا بإعادته بصفة رسمية من الجهة المقدم إليها ( المستفيد )

ثانياً – خطاب الضمان النهائي :

و هذا يكون مقابل حسن التنفيذ و سلامة الأداء في العملية من مناقصة أو مشروع و نحو ذلك و يكون مبلغه بنــسبة 5 % من قيمة المشروع أو المناقصة و هو معينة بمدة لعام كامل مثلاً قابل للزيادة .

و هذا التعهد البنكي ( خطاب الضمان النهائي ) يقدمه العميل للمستفيد من مصلحة حكومية أو غيرها ليستحق المستفيد الاستيفاء منه عند تخلف العميل عن الوفاء بما التزم به فهو بمثابة تأمين نهائي عند الحاجة إليه .. و لا يكون إلغاؤه إلا بخطاب رسمي من الطرف المستفيد .

ثالثاً – خطاب الضمان مقابل غطاء كامل لنفقات المشروع أو الناقصة :

( أي مقابل سُلفه يقدمها العميل إلى البنك على حساب المشروع مثلاً لصالح الطرف المستفيد و الغية منه كما في سابقه) – ثانياً : الخطاب النهائي- .

رابعاً – خطاب الضمان ( ضمان المستندات ) :

و هناك نوع رابع من خطابات الضمان يقدمه البنك لصالح شركات الشحن أو وكالات البواخر في حالة وصول البضاعة المستوردة إلى الميناء المحدد في المملكة و تأخر وصول مستندات الشحن الخاصة بالبضاعة إلى ذلك البنك الذي جرى الاستيراد عن طريقه فخشية من أن يلحق بالبضاعة تلف من جرّاء تأخر بقائها في الجمرك يكون الضمان المذكور تعهداً من البنك من تسليم مستندات الشحن الخاصة بالبضاعة إلى وكلاء البواخر فور وصولها و استناداً إلى هذا الضمان يتم فسح البضاعة للمستورد.و لإصدار مثل هذا الضمان يقدم العميل المستورد طلباً بذلك إلى البنك و يسدد قيمة اعتماد الاستيراد بالكامل ( وهي قيمة البضاعة المستوردة ) و من ثم يصدر البنك خطاب الضمان و يسلمه للعميل فيقوم العميل بتسليمه إلى وكلاء الباخرة المعنيين.

8- مدى استفادة البنك من خطاب الضمان:

هذا التعهد الذي ألزم البنك به نفسه مع العميل له بأن يدفع للطرف المستفيد من عملية المبلغ الصادر بموجبه خطاب الضمان و وفق ما فيه من شروط و إجراءات للبنك من وراء هذا مصلحة مادية و هي ما تسمى بالعمولة بمعنى أن البنك يستحق بالشرط على العميل نسبة مئوية معينة مقابل هذا التعهد و هذه الخدمة نحو 2 % حسبما يتم الاتفاق عليه.

( وبهذا ينتهي المبحث الأول الذي يعطي التصور الكامل لخطابات الضمان الجارية في المصارف و البنوك مع عملائها أمام المستفيدين منهم )

المبحث الثاني

الفقه الشرعي لخطاب الضمان

قد علم بأصل الشرع جواز الضمان و هو : ضم ذمّــة الضامن إلى ذمة المضمون في التزام الحقوق المستحقة بمعنى التزام دين على دين آخر ، وهو عقد إرفاق و إحسان جاء به الشرع مع ما فيه من توثيق للحقوق و حفظ لها.

و خلاصة ما تقدم في المبحث الأول لطبيعة خطاب الضمان تنحصر في الفقرتين الأخيرتين منه وهما :-

1- أنواعه .

2- عمولة البنك لقاءه.

أما أنواعه الأربعة المتقدمة فلم يظهر في ماهيتها ما يخرج عن المنصوص عليه في أحكام الضمان شرعاً و توفر شروطه فالضامن البنك مما يصح تبرعه و لوجود رضا الضامن و كون الحق معلوماً حالاً أو مالاً و أن أجله معلوم غير مجهول .

سوى ما جاء في النوع الأول و هو خطاب الضمان الابتدائي فغنه من باب ضمان ما سيجب و ضمان ما لم يجب عقد معلق و قد علم أن الضمان عقد الالتزام لازم فلا يعلق كغيره من العقود اللازمة، و لأن الضامن التزم ما يلزم الأصيل المضمون عنه و هو ( العميل ) بعد .

لكن الجمهور من أهل العلم على جوازه وهو مذهب الأئمة الثلاث- أبو حنيفة ، و مالك ،و أحمد و الشافعي – في القديم و الخلاف المذكور للشافعي في الجديد و ما ذهب إليه الجمهور ألص بأصول الشرع لاسيما إباحة التعامل في الأصل ما لم يعتوه مانع من غرر ونحوه .

و لا يظهر في ضمان ما لم يجب بعد ما يمنع فيبقى على الأصل و الله أعلم و لهذا قال الحنابلة : في تعريف الضمان هو : التزام ما وجب أو يحب على غيره مع بقائه عليه أو ضم الإنسان ذمته إلى ذمة غيره قيما يلزمه حالاً أو مالاً.

و قالوا في ضمان ما يؤو إلى الوجوب ( يصح الضمان بالحق الذي يؤول إلى الوجوب فيصح الضمان بما يثبت على فلان أو بما يقر به أو بما يخرج بعد الحساب عليه أو بما يداينه فلان ).

أخذ العمولة عليه :

أي أخذ ( الأجرة ) لا ( الجعالة ) فإن الجعالة : أن يجعل جائز التصرف شيئاً معلوماً لمن يعمل له عملاً معلوماً أو مجهولاً من مدّة معلومة أو مجهولة – فلا يشترط العلم بالعمل و لا المدة و تعيين العامل للحاجة .

فهي إذاً : التزام مال في مقابلة عمل لا على وجه الإجارة فليس ما هنا مما هنالك إضافة إلى أن الجعالة : عقد جائز من الطرفين لكل من العاقدين فسخها بخلاف الإجارة فهي عقد لازم ابتداء.

و إن كان وقع في عبارات بعضهم باسم الجعل على الضمان ففي هذا تسامح في التعبير أو على سبيل النزول بمعنى : أنه إذا لم يجز الجعل فالإجارة من باب أولى و إن كانت الجعالة في معنى الإجارة لكن الجعالة أوسع من باب الإجارة فالجعالة كما علمت في تعريفها فلا يشترط العلم بالعمل و لا المدة و يجوز فسخها من الطرفين بخلاف الإجارة فهي عقد على منفعة أو عين لازم من الطرفين لا يملك أحدهما فسخها .

و عليه فإن جمهور أهل العلم على تقرير عدم الجواز لأخذ العوض على الضمان كما في مجمع الضمانات على مذهب الإمام أبي حنيفة للبغدادي ص / 282. و الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي 3/404 . و الشرح الصغير 3/ 242. و الفروع لابن مفلح الحنبلي 4 / 207 ، و كشاف القناع 3/262 .

و غيرها مصرحة بالمنع وعدم الجواز، وجماع تعليلهم بالمنع فيما يلي :-

1- أنه يؤول إلى قرض جر نفعاً وجه ذلك : أنه في حال أداء الضامن للمضمون له يكون العوض مقابل هذا الدفع الذي هو بمثابة قرض في ذمة المضمون عنه.و في خطاب الضمان : أقوى في بعض أحواله لأن المستفيد يستوفي عادة من البنك لا من العميل.

2- إن هذا العقد مبناه على الإرفاق و التوسعة و الإحسان ففي أخذ العوض لقاءه دفع لمقصد الشارع منه ؟

3- أنه في بعض حالات الضمان ستوفى المضمون له من المضمون عنه فيكون أخذ الضامن للعوض بلا حق وهذا باطل لأنه من أكل المال بالباطل . وفي خطاب الضمان الابتدائي أو المستندي مثلاً يستوفى المضمون له المستفيد من العميل لا من البنك.

و ها هنا تنبيهان:-

الأول : جرى في القواعد الفقهية قوله : الأجر والضمان لا يجتمعان. وهذه القاعدة ليست مما نحن فيه من أحكام الضمان لأن الضمان هنا يقصد به ( ضمان المتلفات) .

الثاني : جرى في القواعد الفقهية لهم قولهم :d ليس كل ما جاز فعله جاز إعطاء العوض عليه) بل فيه ما يجوز كالجعالة على رد الآبق . وما يمتنع كالعوض على الضمان و اللهو المباح و نحو ذلك. كما جاء في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 30 /215 -216.

النتيجــة

أن خطاب الضمان من حيث العطاء له من قبل العميل ثلاثة أحوال :

1- خطاب ضمان ليس له عطاء البتة:

فهذا ينسحب عليه ما قرره جمهور العلماء من منع العوض على الضمان فهكذا في هذه الحال من خطابات الضمان.

2- خطاب ضمان له عطاء كامل من العميل :

فهذه الحالة و الله أعلم لا يظهر في العوض عليها ما يمنع في حق الضامن أو المضمون عنه لأن هذا العوض ( العمولة ) مقابل الخدمات الإجرائية ففي حال دفع البنك للمستفيد فهو من مال المضمون عنه و في حال عدم دفعه فهو مقابل حفظه لماله و خدماته لذلك.

3- خطاب ضمان قد صار الغطاء لنسبة منه :

فهذه تنسحب عليها أحكام الحالتين قبلها فيجوز فيما قابل المغطى لا فيما لم يقابله – و الله أعلم -.

و أختم هذا المبحث برأي رشيد للعلامة الشيخ / عمر بن عبد العزيز المترك في كتابه ( الربا و المعاملات المصرفية)إذ قال رحمة الله عليه – ص / 309 : ( والذي أرى أنه إذا كان الضمان مسبوقاً بتسليم جميع المبلغ المضمون للمصرف أو كان له غطاء كامل فلا يظهر في أخذ الجعالة عليه شيء لأن العمولة التي يأخذها المصرف في هذه الحالة مقابل خدماته كالعمولة التي تأخذ من قبله في عملية التحويل بالشيكات لأن هذه العملية ليست مقابل فرض و لا ما يؤول إلى قرض لأن المصرف لا يدفع من ماله شيئاً و إنما يدفع ما التزمه بموجب الضمان من مال المضمون عنه الموجود لديه أما إذا كان خطاب الضمان غير مغطى فلا أرى جواز أخذ الجعالة عليه لأن هذا الضمان قد يؤدي إلى قرض فيكون قرضاً جر فائدة و الربا أحق ما حميت مراتعه و سدت الطرائق المفضية إليه.

لــذا فإني أرى على طالب الضمان أن يضع لدى الجهة الضامنة له مبلغاً يساوي المبلغ المضمون و هذا إجراء متفق مع الأصول الائتمانية المتبعة في بعض المصارف حيث تطلب من العميل المضمون أن يحجز لديها مبلغاً مساوياً لقيمة خطاب الضمان و هو ما يسمى بالغطاء الكامل يكون رهناً لكي يسدد منه فيما لو اضطر إلى تنفيذ التزامه ويفرح عنه عندما يتحرر المصرف من ضمانه.

و في هذا الإجراء من الفوائد مما لا يخفى منها :

1- عدم إفساح المجال لمن ليس لهم المقدرة على الوفاء بالتزامهم في الدخول في المناقصات و العطاءات.

2- أنه فيه حداً من التعامل الجشع و التوسع في الأعمال بما ليس في استطاعة الإنسان القيام به مما يعود عليه بالضرر و تنعكس عليه آثاره السيئة ذلك أن المناقص قد يقدم ضمتناً مصرفياً بمبلغ ليس في استطاعته الوفاء به مما قد يضطره في النهاية إلى الخضوع لما تفرضه عليه المصارف من فوائد ربويـّـة لقاء تسديده بمقتضى الضمان الذي التزمته.