توقيع الساحب الشيك على بياض هل تقوم به
يعتبر الشيك من أهم الأوراق التجارية التي تقوم عليها المعاملات في الوقت الحالي ، ونظراً لما تتمتع به هذه الورقة التجارية من أهمية فقد قرر لها المشرع حماية جناية وذلك بمعاقبة كل من يصدر شيكاً لا يقابله رصيد كاف أو حرره بطريقة يضمن بها عدم صرفه

إذ تنص المادة (290) على أن ” يعاقب بالسجن من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من عشرة ريالات إلى خمسمائة كل من أقدم عن سوء نية على سحب شيك بدون مقابل سابق ومعد للدفع ، أو بمقابل غير كاف ، أو على استرجاع كل مقابل أو بعضه بعد سحب الشيك ، أو على إصدار منع عن الدفع للمسحوب عليه يقضي بالإضافة إلى العقوبة إلزام الساحب بدفع قيمة الشيك والنفقات التي لحقت بحامله “ ويحتوي الشيك على مجموعة من البيانات أهمها تاريخ الاستحقاق وقيمة الشيك وتوقيع الساحب ،

غير أن ما يحدث في بعض الأحوال أن يسلم الساحب الشيك إلى المستفيد دون أن يملأ بياناته إنما يكتفي بالتوقيع عليه فقط فهل تقوم بذلك جريمة إصدار شيك بدون مقابل أم لا ؟

يجيب حكم المحكمة العليا في الواقعة التالية على هذا التساؤل .

تتلخص الوقائع في أن الادعاء العام قدم المتهم لأنه أقدم عن سوء نية على إصدار عدة شيكات دون مقابل وفاء معد للدفع للمدعي بالحق المدني وفق الثابت بالأوراق وعد عائداً إذ سبق الحكم عليه في جنح مماثلة للجرم موضوع التهمة الأولى وفق الثابت بصحيفة السوابق الجرمية .

وطالب الادعاء العام بمعاقبة المتهم وفقاً لقانون الجزاء مع مراعاة تطبيق نص المادتين (115/116 ،2/4) من ذات القانون ، حكمت المحكمة الابتدائية المختصة بإدانة المتهم ومعاقبته بالسجن لمدة سنة وتغريمه مائة ريال وحددت كفالة مائة ريال في حالة الاستئناف وألزمته بسداد ما عليه فلم يحز هذا الحكم قبولاً لدى المتهم فاستأنفه أمام محكمة الاستئناف التي قضت بتأييد الحكم المستأنف مع وقف عقوبة السجن إذا دفع المبلغ المحكوم به وإلزامه بالمصاريف ، ولم يرتض المتهم بهذا الحكم فطعن فيه بطريق النقض أمام المحكمة العليا.

وقد جاء في حكم المحكمة العليا :

حيث إن الطعن أقيم على سبب واحد ينعى به الطاعن على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وقال بياناً لذلك : إن الحكم أخطأ عندما أدانه بجنحة إصدار شيك دون مقابل رغم أنه لم يحرر بيانات الشيك الذي سلمه إلى المدعي بالحق المدني وإنما وقع عليه فقط عندما أخذ القرض من المدعي بالحق المدني وقد سلم هذا الشيك كضمان لسداد مبلغ القرض وأنه اتفق مع المطعون ضده الثاني على سداد قيمة القرض عن طريق الأقساط

إلا أنه وبعد أن سدد جزء من المبلغ فوجئ بقيام المطعون ضده الثاني بملء بيانات الشيك وتقديمه للسحب دون علمه ورضاه وعندما أرتد الشيك من البنك المسحوب عليه رفع عليه دعوى إصدار شيك دون مقابل ، وأن الحكم المطعون فيه إذ أدانه بجنحة إصدار شيك دون مقابل رغم أنه لم يحرر بيانات الشيك وبدفعه للتداول يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله وما يؤكد ذلك بأنه سدد جزءاً من المديونية ومن ثم تبقى المبلغ المحكوم عليه به .

وحيث إن النعي على الحكم المطعون فيه بالسبب الوحيد لهذا الطعن غير سديد ، إذ أن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مفاده أن الطاعن أصدر شيكاً على البنك لمصلحة المدعي بالحق المدني وبعرض هذا الشيك على البنك المسحوب عليه عند تاريخ استحقاقه أعاده مؤشراً عليه بعدم وجود رصيد له وقد أرفق صورة ضوئية للشيك وكذا إفادة البنك ، وبعد أن حصل الحكم دفاع الطاعن المبدي في أن الشيك حرر كضمان استناداً إلى العقد المبرم بين الطاعن والمدعي بالحق المدني وأنه سدد جزاءاً من قيمة الشيك مما لا يجعله أداة وفاء ،

رد عليه بما يفيد طرحه ، وانتهى إلى أن الاتهام المسند إلى الطاعن ثابت في حقه من تحريره شيكاً للمطعون ضده لا يقابله رصيد وذلك بقوله ” لو كان الشيك على سبيل الضمان كما يدعي المستأنف لكان حرر بالشيك أو خلفه عبارة ( هذا الشيك على سبيل الضمان ، أو أن يصدر من طرف ثالث لا علاقة له بالدين أو يثبت ذلك باتفاقية منفصلة ويوقع عليها الطرف الثالث بصفته كفيلاً شخصياً ).

وحيث إنه ثابت بمحضر الجلسة أمام محكمة أول درجة أن المتهم حضر معه وكيله وأعترف بالتهمة المنسوبة إليه وقرر أن التوقيعات الموجودة بالشيك صادرة عنه وطلب أجلاً للسداد وأجلت القضية لتقديم ما يفيد السداد ثم حضر المستأنف بتلك الجلسة كما جاء بمحضر الجلسة ودفع بأن الشيك كان على سبيل الضمان ، فإذا كان ما يدعيه المستأنف صحيحاً فما المانع له من أن يبدي دفاعه هذا منذ الوهلة الأولى بالجلسة التي طلب فيها أجلاً للسداد مما يؤكد عدم صحة دفعة ،

لما كان ذلك وكانت المحكمة في حدود سلطتها التقديرية استخلصت بأن الطاعن أصدر الشيك للمطعون ضده الثاني كي يجري مجرى النقود في المعاملات وقد استوفى المقومات التي تجعل منه أداة وفاء وقد أكد وكيل الطاعن بأنه بعد أن حصل حادث للمركبة طلب البنك الشيك من المتهم فسلمه الطاعن على بياض فلا عبرة بما يقوله الطاعن من أنه أراد من تحرير هذا الشيك أن يكون تأميناً لدينه الناشىء عن عملية تجارية جرت بينه وبين المطعون ضده الثاني وأنه أوفى بقدر من قيمة الدين الذي حرر الشيك تأميناً له ، إذ أن الطاعن لا يستطيع أن يغير من طبيعة هذه الورقة ويخرجها عما خصها به القانون من ميزات ولا يغير من ذلك أيضاً عدم وضع بعض البيانات كاسم المستفيد ، وتاريخ استحقاق الشيك ، فالعبرة تكون بالتاريخ الذي يضعه المستفيد ،

إذ مقتضى عدم وضع التاريخ أن يكون الساحب قد فوض المستفيد في وضع التاريخ الذي يراه قبل تقديم الشيك إلى المصرف المسحوب عليه ، وهذا التفويض مفترض ما لم يقم الدليل على خلافه ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد اعتنق هذا ورد على دفاع الطاعن في هذا الشأن وأطرحه في منطق سائغ فإن دعوى مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .

فلهــــذه الأسبـــاب :

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً ، وإلزام الطاعن بالمصاريف .

ما يستفاد من الحكم :

-أن عدم تعبئة البيانات من قبل الساحب يعتبر تفويضاً للمستفيد لتعبئة تلك البيانات ، طالماأن الساحب وقع على الشيك ولا يؤثر ذلك على قانونية الشيك ، أو على طبيعة الشيك كأداة وفاء تحل محل النقود.