اشكالية الجمع والخيار بين المسؤوليتين العقدية والتقصيرية.

يونس الرياحي

طالب باحث

تعد إشكالية الجمع و الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية من المواضيع التي اهتم بها الفقه و القضاء مند بداية القرن العشرين إلى الآن،ومضمون هذه الإشكالية يتمثل في الحالة التي يشكل فيها الفعل الواحد خطأ تتوافر فيه شروط كل من المسؤوليتين العقدية و التقصيرية.

و لتوضيح أكتر مسألة الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية تقوم على فعل ضار واحد يشكل في نفس الوقت مصدر لإخلال بالالتزام عقدي -تم الاتفاق عليه- و إخلال بالتزام قانوني –يتمثل في عدم الإضرار بالغير- تتوافر فيه عناصر كلتا المسؤوليتين ،مما يجعل الدائن يقع في مسألة الجمع بين المسؤوليتين إن كان ممكنا، وإن لم يكن ممكنا فله الاختيار بينهما، و يرفع وفقا لمصلحته دعوى المسؤولية العقدية أو دعوى المسؤولية التقصيرية .

و مثال ذلك الأضرار التي يتسبب فيها أرباب المهن الحرة كالأطباءو المحامينو الموثقين العدليين و أخطاء صادرة عن أمناء النقل و غيرها من الأفعال ، التي يتسبب فيها الأشخاص فتتحدد فيها مواصفات المسؤوليتين العقدية و التقصيرية .

و الملاحظ أن المشرع المغربي و على غرار باقي التشريعات المقارنة لم يضع نصوصا خاصة منظمة للجمع و الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية ،تعرفه و تبين حدوده و المعيار الواجب تبنيه في إطار التطبيق القانوني له، حيت ترك المشرعون هذه المسألة للفقه و القضاء ،مما ترتب عليه دخول الفقهاء في متاهة الاختلاف و التساؤل حول مسألة الجمع و الخيار بين المسؤوليتين .

وقد أسفر هذا الاختلاف عن بروز اتجاهات تعالج مسألة الجمع و الخيار بين المسؤوليتين على حد سواء ،بالنسبة للجمع بين المسؤوليتين تبين للفقه أنه يستحيل الجمع بين المسؤوليتين و الأخذ بهما معا لسبب نتطرق له في الموضوع ،مما جعل البعض يذهب إلى الجمع بين مزايا المسؤوليتين ، وأما بالنسبة لمسألة الخيار فعرفت ظهور اتجاهين ، اتجاه ينادي بجواز منح المضرور حق الخيار بين المسؤوليتين و اتجاه أخر انطلق من أن العقد هو الذي يحكم العلاقة بين طرفيه ، فيكون قد نظم نتائج الإخلال به في حدود أحكام المسؤولية وأنه لا مجال للرجوع إلى أحكام المسؤولية التقصيرية ، ولكن فقه الاتجاه الثاني أقر بأن هناك استثناءات ترد على ذلك في الحالات التي يكون فيها الإخلال بالتزام عقدي ناتجا عن جريمة جنائية أو عن تدليس أو عن خطأ جسيم أو خطأ مهني .

و للرجوع للقضاء الذي يعتبر المحك الحقيقي الذي تنعكس عليه أراء الفقهاء تناوله لموضوع الخيار أو عدم الخيار بين المسؤوليتين التقصيرية و العقدية هل ينبني على الاتجاه الأول أم الثاني ؟

و من خلال المقدمة يظهر أن مسألة الجمع و الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية عرفت اهتماما من طرف الفقه و القضاء ، نظرا للأهمية البالغة التي تلعبها هذه المسألة في تقرير حماية للطرف المضرور، إلى جانب تحقيق توازن عادل في العلاقات الاجتماعية .

ومن ثمة لمعالجة مسألة الجمع و الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية ،ارتئينا إلى تفريع مضمون المسألة إلى أسئلة فرعية كالأتي :

هل بإمكان المضرور يجمع بين المسؤوليتين أو على الأقل بين محاسن المسؤوليتين ؟
هل بإمكان المضرور أن يختار بين المسؤوليتين العقدية أو التقصيرية ؟

سنتولى الإجابة عن هذه الأسئلة مهتدين بآراء الفقه و القضاء المرتبطين بهذه الإشكالية من خلال التصميم التالي :

المبحث الأول : مسألة الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية.

المطلب الأول : ماهية الجمع بين المسؤوليتين العقدية والتقصيرية.

المطلب الثاني : موقف الفقه من مسألة الجمع بين المسؤوليتين العقدية والتقصيرية .

المبحث الثاني : مسألة الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية .

المطلب الأول : ماهية الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية .

المطلب الثاني : موقف الفقه من الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية .

المطلب الثالث : موقف القضاء و التشريع من الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية.

المبحث الأول :

مسألة الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية.

قيام فعل واحد ينشأ خطأً تتوافر فيه شروط كل من المسؤوليتين العقدية و التقصيرية ، مما يؤدي إلى ضرر تتحدد فيه شروط الدعويين العقدية و التقصيرية معا ،هذه الوضعية أدت إلى طرح مسألة الجمع بين المسؤوليتين ،و معالجة هذه الوضعية ستتم من خلال مطلبين : المطلب الأول) ماهية الجمع بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية (،المطلب الثاني ) موقف الفقه من المسألة( .

المطلب الأول :

ماهية الجمع بين المسؤوليتين العقدية والتقصيرية.

يقصد بالجمع بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية مطالبة الدائن بتعويض واحد ولكنه يجمع في دعواه بين تعويضين الأول دو مصدر عقدي و الثاني دو مصدر تقصيري متى توافرت شروطهما في القضية الواحدة .

وقد يفهم الجمع كذلك بمعنى رفع المضرور لإحدى الدعويين يجمع فيها بين قواعد المسؤولية العقدية و التقصيرية ٬كأن يطلب المضرور بتعويض يقدر وفقا لقواعد أحكام المسؤولية التقصيرية٬ويحاول إثبات حقه وفقا لقواعد المسؤولية العقدية.

وبناء على ذلك ٬ فإن الجمع بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية غير جائز في أي صورة من الصور المذكورة ٬ حيت لا يتصور تعويض المضرور مرتين من أجل ضرر واحد لأن هذا الوضع إلا الإثراء بلا سبب ٬لأن المضرور يحصل على تعويضين من أجل ضرر واحد ٬ إضافة إلى عدم جواز الجمع بين خصائص المسؤوليتين العقدية و التقصيرية .لأن كل من المسؤوليتين لها خصائصها و مميزاتها ٬ ولا يحق سوى رفع إحدى الدعويين ٬ فلا يمكن خلق مثل هذا الافتراض الذي يؤدي إلى خلق دعوى ليست مشروعة في نظر القانون٬وإنما هي من خلق الطرف المضرور وحده.

ولذلك لا يمكن الأخذ بهذا النوع من الجمع بين مزايا المسؤوليتين العقدية و التقصيرية ٬ بمعنى أنه لا يمكن للدائن أو الضحية سوى رفع دعوى واحدة بمزاياها و عيوبها ٬ حيث لا يمكن للدئن أن يجعل من دعوى المسؤولية العقدية و دعوى المسؤولية التقصيرية دعوى احتياطية أو العكس ٬ لما في ذلك من مساس بحجية الشيء المقضي به ٬ولأن الخطأ و الضرر و العلاقة السببية لازم في المسؤوليتين ٬ فإن انتفى أحدهما في الأولى فكيف يمكن تصوره في الثانية ٬ وبذلك لا يجوز الجمع بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية كيفما كانت مظاهر الجمع.

المطلب الثاني :

موقف الفقه من مسألة الجمع بين المسؤوليتين العقدية والتقصيرية .

أجمع الفقه المقارن عن عدم إمكانية الجمع بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية، لأن كلا من دعوى التعويض العقدية و دعوى التعويض التقصيرية لها خصائصها التي تميزها ، و الدائن أو الضحية لا يستطيع أن يرفع إلا إحدى الدعويين ، أما الدعوى التي يجمع فيها بين خصائص المسؤولية العقدية و خصائص المسؤولية التقصيرية ، هي دعوى ثالثة لا يعرفها القانون .

أما بالنسبة للفقه المغربي، اختلفت مواقفه انطلاقا من كيفية تفسيره للفصل 468 من ق.ل.ع :

)إذا كان لشخص واحد من أجل سبب واحد دعويان فإن اختياره إحداهما لا يمكن أن يحمل على تنازله عن الأخرى (

حيث ذهب الأستاذ عبد القادر العرعاري إلى أنه يمكن للدائن أو الضحية إذا فشل في إحدى الدعويين أن يرجع إلى الثانية ،وسنده في ذلك الفصل 468 من ق.ل.ع الذي يعطي إمكانية الجمع بين المسؤوليتين بالرغم من وروده ضمن باب تأويل الاتفاقيات العقدية .

في حين لم يسلم أحمد شكري السباعي بهذا الإدعاء، لما فيه من فهم خاطئ لروح الفصل 468 من ق.ل.ع، وسنده في ذلك مجموعة من التبريرات تقوم على أسباب جوهرية نجملها فيما يلي :

إن إعطاء من خسر الدعوى العقدية حق الرجوع إلى الدعوى الأخرى ،بدعوى أن اختيار الأولى لا يحمل على التنازل عن الثانية ، يقضي على أهم مبدأ قانوني قضائي وهو مبدأ حجية الشيء المقضي .

إن أركان الدعويين واحدة ) الخطأ و الضرر و العلاقة السببية ( فإن انتفت هذه الأركان أو انتفى واحد منها في إحدى الدعويين ،فلا يمكن تصور وجوده بالنسبة للدعوى الثانية .

اختلاف السبب و الأساس في الدعويين ، مصدر الدعوى العقدية –العقد- و مصدر الدعوى التقصيرية –العمل الغير المشروع- .

القضاء المغربي يرفض في مجمله حاليا هذه المسألة .

مجال تطبيق الفصل 468 من ق.ل.ع العقد أي أنه يتعلق بالحالات التي يحصل فيه التزاحم بين أكثر من دعوى عقدية وهذا السبب هو الذي جعل القضاء المغربي يتحاشى إثارته بخصوص إشكالية الخيار بين الدعويين العقدية و التقصيرية .

المبحث الثاني :

مسألة الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية.

للخيار بين المسؤوليتين معنى يتمثل في حق الطرف المضرور لرفع دعوى المسؤولية التقصيرية في الوقت الذي تكون المسؤولية العقدية قائمة، وسلوك هذا الطريق يكون نتيجة لما له من ضمان حق الطرف المضرور للحصول على تعويض أكبر مما يخول له الطريق العقدي أو لصعوبة الإثبات فيه ،وإذا كانت قواعد العدل و الإنصاف يفرضان مساندة الرأي الذي يقول بالخيار بين المسؤوليتين في حين نجد مواقف فقهية ضد هذه المسألة ) المطلب الثاني (، وباعتبار القضاء الحكم الفصل الذي تستند عليه الآراء الفقهية مساندته توجهت للموقف الأول أم الثاني ) المطلب الثالث (، وقبل كل هذا لابد من التطرق لماهية الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية ) المطلب الأول ( .

المطلب الأول :

ماهية الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية .

الإشكالية التي تثيرها تنوع المسؤولية غلى مسؤولية عقدية و مسؤولية تقصيرية تتمثل في مدى إمكانية الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية ، إشكالية يجب فهم مضمونها ) الفقرة الأولى (،و الشروط الواجب توافرها لكي نكون أمام هذه الإشكالية ) الفقرة الثانية ( .

الفقرة الأولى : تعريف الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية .

يقصد بالخيار بن المسؤوليتين العقدية و التقصيرية في اصطلاح الفقهاء مدى إمكانية تحديد المضرور لأي من الدعويين يختار ، دعوى المسؤولية العقدية أم دعوى المسؤولية التقصيرية وذلك حسب ما تمليه عليه مصلحته .

كما يقصد به أيضا دخول المسؤولية التقصيرية في دائرة العلاقات العقدية ليكون للمتعاقد حق اللجوء إليها، إذا وجدها في مصلحته ، بدل من المسؤولية العقدية التي هي أصلا له وليس معناه أن تجب المسؤولية التقصيرية بين التعاقدين المسؤولية العقدية ، بحيث لا يكون للمتعاقد سوى المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه نتيجة الإخلال بالتزام عقدي .

فالخيار بين المسؤوليتين في أضيق معانيه يعني أن تكون للدائن الذي لحقه الضرر من فعل يكون في نفس الوقت إخلالا بالتزام عقدي ناتج عن عقد يربطه بالمدين وإخلالا بالتزام قانوني فرضه القانون أن يختار من بين دعوى كل من المسؤوليتين العقدية و التقصيرية الدعوى التي تحقق مصالحه أكثر ،ويتقيد بها ولا يلجأ إلى الدعوى الأخرى حتى لو خسر الدعوى التي اختارها .

ويكون الخيار بين المسؤوليتين المذكورتين مفهوم أخر ، بمعنى أن يؤسس الطرف المضرور دعواه على نوع من المسؤوليتين بصفة أصلية و النوع الأخر بصفة احتياطية لانقاد حقوقه من الضياع نتيجة فقدانه للدعوى الأولى .

كما يقصد بالخيار في أوسع معانيه ، منح الدائن ،الحق في أن يرفع دعوى المسؤولية مؤسسة على أحد نوعي المسؤولية المدنية ، فإن خسرها كان له الحق في أن يرفع دعوى جديدة مؤسسة على النوع الثاني ويكون له هذا الحق إن لم توفر له الدعوى الأولى التعويض الكامل عما لحقه من ضرر .

الفقرة الثانية : الشروط الواجب توافرها لكي نكون أمام إشكالية الخيار بين المسؤوليتين .

وحتى نكون أمام إشكالية الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية ، فلا بد من توافر الشروط التالية :

أن يكون الضرر ناتجا عن فعل يشكل في نفس الوقت خطأ عقديا و خطأ تقصيريا .
أن يكون الفعل الذي يشكل الخطأ العقدي و الخطأ التقصيري منسوبا إلى المدعى عليه في دعوى المسؤولية .
أن تجتمع في الفعل الواحد شروط المسؤولية العقدية و التقصيرية .

المطلب الثاني :

موقف الفقه من الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية .

جوهر الإشكالية ) مسألة الخيار بين المسؤوليتين ( يكمن في الجواب عن التساؤل التالي : هل يجوز للمضرور في الحالات التي تتوافر فيها في الفعل الضار شروط قيام كلتا المسؤوليتين ، أن يختار من بين النظامين و الدعويين المقرران لهما ،الدعوى التي تكون أصلح له أم لا يجوز له ذلك ؟ أفرز الفقه حول هذه المسألة اتجاهين اثنين :

اتجاه أول ، ذهب إلى منح المضرور حق الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية ) الفقرة الأولى ( و اتجاه ثان ، يرى أنه إذا توافرت أركان المسؤولية العقدية ، فإنه لا يجوز للمضرور أن يتمسك في مواجهة المتعاقد معه بأحكام المسؤولية التقصيرية ) الفقرة الثانية ( .

الفقرة الأولى : أنصار فكرة الخيار .

ذهب جانب من الفقه إلى أن الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية أمر جائز عند صدر خطأ من جانب المتعاقد ، لأن الخطأ قد يأخد بغض النضر عن العقد طابعا تقصيريا ، ولذلك يسعى المضرور إلى التمسك بأحكام المسؤولية التقصيرية ،إذا تبين له أنها توفر له حماية أفضل .

فهم ضد الفكرة التي تقول إن المسؤولية العقدية تجب المسؤولية التقصيرية بل على العكس من ذلك يلحون على أن المسؤولية التقصيرية لها علاقة بالنظام العام ، وفكرة النظام العام لا يجوز الحد منها أو الإعفاء منها ، وكل اتفاق من شأن مخالفتها يعد باطلا و غير مشروع ،بمعنى أن المسؤولية التقصيرية تضمن للدائن الحدود الدنيا اللازمة لحماية حقوقه ،وبالتالي فلا مانع من ممارسة دعوى المسؤولية التقصيرية إذا لم تسعفه أحكام المسؤولية العقدية ، بشرط أن تتوافر في الفعل الواحد عناصر المسؤوليتين العقدية و التقصيرية .

إضافة إلى انطلاق أنصار فكرة الخيار من ضرورة حماية الطرف الضعيف وهو المضرور وذلك بمنحه أكتر الحظوظ لاستحقاق التعويض خصوصا في الحالات التي يظهر له فيها بأن أحد الدعويين قد سقطت بالتقادم أو أن حجم التعويض المستحق فيها سوف يكون ضئيلا
، فالخيرة في نظر مؤيديها تؤدي إلى تحقيق التوازن في العلاقات الاجتماعية وبفضلها يتم إنقذ الكثير من الحقوق المهددة بالضياع .

الفقرة الثانية : خصوم فكرة الخيار.

يذهب خصوم فكرة الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية ، إلى رفض فكرة الخيار وحجتهم في ذلك أن لكل نوع من المسؤولية المدنية نطاقا خاصا به ، وكل علاقة خارج النطاق التعاقدي تحكمها قواعد المسؤولية التقصيرية ،ولا يجوز لأحد المتعاقدين أن يتمسك بقواعد هذه الأخيرة في مواجهة المتعاقد الأخر بحجة أنها أكثر ملائمة له .

واستند خصوم فكرة الخيار إلى عدة حجج متفاوتة الأهمية كالأتي :

مجموعة الفوارق التي تميز بين هذين النوعين من المسؤولية .

ارتكازهم على مبدأ سلطان الإرادة ،حيت يكون للشخص الحرية الكاملة في إبرام ما يشاء من عقود ، وأن يحدد ما تترتب عنها من أثار ، ما يترتب عنها من مسؤولية ،إما بالتخفيف منها أو الإعفاء منها كليا ، لتكن بنودها وفقا لنصوص القانون شريعة لهم في العلاقات التي تقوم بينهم ،ويعتبر تطبيق قواعد المسؤولية التقصيرية على العلاقات التعاقدية إهدار للقوة الملزمة للعقد ،و مساسا بمبدأ سلطان الإرادة .

تنظيم المشرع كل من المسؤولية العقدية و التقصيرية بنصوص خاصة .

العقد شريعة المتعاقدين فلا يمكن أن تكون في نطاق العقد مسؤولية تقصيرية ، وهذا ما عبر عنه بعض الفقهاء بأن المسؤولية التعاقدية تطرد حكما المسؤولية التقصيرية .

خلاصة القول إن خصوم فكرة الخيار يتوصلون إلى القول بأن المسؤولية العقدية تجب و تطرد المسؤولية التقصيرية ، على أساس أن الأولى تشكل إخلال بالتزام عقدي الدي يمثل في عمقه الشريعة العامة للمتعاقدين و أي مساس بقواعد المسؤولية العقدية إلا و يترتب عنه المساس بمبدأ سلطان الإرادة الذي هو أصل التراضي في ميدان العقود

ولكن ذهب خصوم الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية ، إلى وجود إستثناءات على المبدأ ، تتمثل في الإخلال بالتزام عقدي إذا كان يشكل جريمة جنائية ، أو أن يكون الخطأ العقدي مقرونا بالغش أو التدليس أو أن يكون النتيجة الحتمية للخطأ الجسيم .

المطلب الثالث :

موقف القضاء و التشريع من الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية.

كان القضاء ولا يزال المحرك الحقيقي الذي انعكست عليه أراء الفقه التي تناولت إشكالية الخيار أو عدم الخيار بين المسؤوليتين المدنية ، ولذلك فإن جل مواقف القضاء سواء في الدول الغربية أو العربية أو المغربية استقرت على مبدأ قار ، وهذا ما يمكن استخلاصه من القرارات الصادرة عن القضاء المقارن ) الفقرة الأولى ( تم القرارات الصادرة عن القضاء المغربي ) الفقرة الثانية ( .

الفقرة الأولى : موقف القضاء المقارن من المسؤوليتين :

القضاء الفرنسي :

إذا كان القضاء الفرنسي قد تبنى في العديد من القضايا فكرة الخيار بين نوعي المسؤولية المدني ، فإنه قد عزف عنها ، ولم يجز للمتعاقد المضرور من الإخلال بالتزام عقدي أن يتمسك بقواعد المسؤولية التقصيرية في المطالبة بالتعويض .

القضاء المصري :

القضاء المصري يعارض لفكرة الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية .

الفقرة الثانية : موقف القضاء المغربي من مسألة الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية,

ظل جل القضاء المغربي ثابتا على رفض الخيار بين نوعي المسؤولية المدنية ، متأثرا بالقضاء الفرنسي ونجده ميالا لجعل المسؤولية العقدية تطرد المسؤولية التقصيرية .

ونمثل لهذا القضاء بالحكم الصادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 16 يوليوز 1945 حيت جاء فيه

” لا يمكن تطبيق مقتضيات الفصلين 78 و88 من ق.ل.ع المتعلقين بالمسؤولية التقصيرية إلا في الحالة التي يكون فيها محدث الضرر أو مستخدمه غير مرتبط بالضحية بأي اتفاق أو عقد سابق عن واقعة الضرر ، وتبعا لذلك فلا ينطبق هذان الفصلان على الحالة التي يكون فيها ضحية الحادثة مرتبطا بمرتكب الضرر بعقد النقل ، وإنما يلزم أن تطبق على هذه الحالة الفصول 64 وما يليها من القانون التجاري التي تنضم حقوق وواجبات الناقل و المسافر “

قرار عدد 23 الملف المدني رقم 2049/90 بتاريخ 1996 ، قضاء المجلس الأعلى ، العدد 55 ، السنة 22 يناير 2000 ، ص 478 .

” – حيث ذهبت محكمة الابتدائية ) أنفا( بالدار البيضاء حيث جاء في حكمها أن العلاقة بين صاحب الحمام و الزبون الذي حصلت له كسور بسبب انزلاقه و سقوطه في الحمام تخضع لأحكام المسؤولية التقصيرية لأن صاحب الحمام حارس له ، وأيدتها في ذلك محكمة الاستئناف ،وعندما عرض الأمر على المجلس الأعلى ، نقض الحكم ، واعتبر أن العلاقة بين صاحب الحمام و الزبون هي علاقة تعاقدية ، وتخضع لمقتضيات المسؤولية العقدية . “

قرار عدد 1226 مؤرخ في 10 يونيو 1959 ، منشور بمجلة القضاء و القانون ، العدد 27 ، السنة الثالثة ، مارس 1960 ، ص 180 .

“مسؤولية النقل نحو الراكب في حالة النقل بأجرة تخضع لقواعد المسؤولية العقدية لا لقواعد المسؤولية التقصيرية المحددة قواعدها في الفصل 88 من ق.ل.ع .”

خاتمة :

عرفت مسألة الجمع و الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية نقاشا فقهيا أدى إلى اختلاف الفقهاء حول إمكانية الجمع و الخيار بين المسؤوليتين ، و حلا تمثل في إدخال المشرع المقارن أو المغربي في إدخال تعديلات على المسؤولية المدنية قصد توحيد نظام المسؤوليتين العقدية و التقصيرية لعدة اعتبارات لها صبغة اقتصادية و اجتماعية ، وحسما من طرف القضاء حيت أن جل الأحكام القضائية المغربية مستقرة على رفض الخيار بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت