تمتد سيادة الدولة أضافة الى الأقليم البري والبحر الأقليمي لتشمل الجو الذي يعلو هذين العنصرين. والجو لم يثر الأهتمام كثيرًا إلا في مطلع القرن العشرين عندما ظهرت الطائرات وتزايد أستعمالها. حيث أخذ الفقهاء بدراسة الوضع القانوني للجو لتحديد ما للدولة من سلطان وسيادة عليه. لذلك سوف نتناول الأتجاهات الفقهية والأتفاقات الدولية بإيجاز:

اولا : الاتجاهات الفقهية

لقد أختلفت الآراء الفقهية حول النظام القانوني للمجال الجوي الذي يعلو أقليم الدولة الأرضي وبحرها الأقليمي، وهناك ثلاثة نظريات تحكم هذه المسألة:

أ- نظرية حرية الهواء :

وهذه النظرية تقوم على مبدأ حرية الهواء الذي لايخضع لسلطان الدولة، وبالتالي فان الملاحة الجوية تكون حرة لطائرات جميع الدول على أعتبار ان الدولة لايمكنها من ممارسة السيادة على الهواء لعدم امكانيتها من السيطرة الفعلية عليه.

ب- نظرية سيادة الدولة المطلقة على الهواء :

وهذه النظرية تنادي بالسيادة المطلقة للدولة على مجالها الجوي الذي يعلو أقليمها بأغتبارهه جزءًا منه. وبمقتضى ذلك يكون من حق كل دولة ان تنظم أستخدام طبقات الهواء التي تعلو أقليمها وفقًا لما تراه مناسبًا لها، فتسمح أو لاتسمح لغيرها من الدول بالمرور فيه حسب مايتفق ومصالحها.

ج- نطرية المناطق :

وبموجب هذه النظرية ينقسم الأقليم الجوي الى منطقتين: الأولى، التي 25 ميلا عن الأرض تخضع لسيادة الدولة؛ أما – تقع على أرتفاع من 20 الطبقة الثانية، فهي حرة ومباحة لجميع الدول. وهذه النظرية تأخذ بالوضع القانوني للبحار فما يطبق على أعالي البحار يكون مطبقًا على أعالي الجو ايضًا فيكون حرًا مباحًا لجميع الدول بالتحليق فوقه(1) والواقع ان العمل الدولي حاليًا يعترف للدولة بالسيادة على الطبقات العليا للجو والتي تعلو أقليمها الأرضي وبحرها الأقليمي(2)

ثانيا : الاتفاقات الدولية :

توصل المجتمع الدولي أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية الى ابرام أتفاقيتان دوليتان لتنظيم الملاحة الجوية وهما: أتفاقية باريس لعام 1919 وأتفاقية شيكاغو لعام 1944

أ- اتفاقية باريس لعام 1919 : واهم المبادئ الواردة فيها هي :

1) السيادة الكاملة للدولة: إذ تبنت الأتفاقية مبدأ سيادة الدولة على طبقات الجو التي تعلو أقليمها. وجاء في نص المادة الأولى منها (كل دولة تمتلك سيادة مطلقة في الجوالذي يعلو أقليمها)(3) .

2) حرية المرو ر: وبموجب نص المادة الثانية تلتزم الدول الأطراف بمنح حق المرور البريء فوق أقليمها للطائرات التابعة للدول الأطراف في الأتفاقية، إلا انها أشترطت مع ذلك ضرورة حصول الطائرات على تصريح مسبق لمرورها وفي ممرات جوية تحددها الدولة صاحبة الأقليم(4)

3) المساواة في المعامل ة: وقد قررت الأتفاقية مبدأ المساواة في التعامل مابين الدول المتعاقدة وذلك من دون تمييز أو تفرقة فيما بين طائرات الدول الأطراف في الأتفاقية.

4) الملاحة الداخلية: وتكون من حق كل دولة متعاقدة بالأحتفاظ بالملاحة الجوية الداخلية لرعاياها فقط.

5) الأمتناع عن حق المرور البريء لأية دولة أخرى لاتكون طرفًا في هذه الأتفاقية.

ب- اتفاقية شيكاغو لعام 1944:

لقد كان للتقدم التقني والتكنلوجي والفني في صناعة الطائرات بعد الحرب العالمية الثانية الأثر الكبير في زيادة خطوط الأتصالات الجوية نظرًا لما تتمتع به الطائرات من كفاءة عالية وحجم وسرعة فائقة. مما جعل الكثير من الدول بالتفكير في أعادة تنظيم الملاحة الجوية ، خاصة بعدما أخذت أتفاقية باريس بالقصور في أداء دورها الذي أنعقدت من أجله. فكانت مبادرة الولايات المتحدة الأمريكية في عقد مؤتمر دولي في شيكاغو والذي انتهى بوضع أتفاقية شيكاغو للطيران المدني في عام 1944 حيث أكدت على المبادئ التي جسدتها أتفاقية باريس لعام 1919 من سيادة الدولة الكاملة على طبقات الهواء التي تعلو أقليمها الى حق المساواة مابين الدول، إلا انها تميزت بأحكام جديدة تتعلق بالطائرات الحربية التي تملكها الدول الأطراف. كماابرمت أتفاقيتين اخرتين لتنظيم الملاحة الجوية ايضًا هما أتفاقية العبور وأتفاقية النقل الجو ي، وتجدر الأشارة هنا، الأتفاقية المذكورة قد تم تعديلها عام 1984 لتشمل نصوصًا جديدة بحماية الطائرات المدنية والمسافرين من العمليات العسكرية والمخاطر الأخرى(5) .

________________

1-Vgl. Matthias Herdegen، a.a.O.، S. 174.

2- Ebd.

3- أنظر، د. عدنان طه الدوري والدكتور عبد الأمير العكيلي: القانون الدولي العام، ج 2، منشورات الجامعة المفتوحة، طرابلس، 1994 ، ص 356 .

4- تجدر الأشارة الى ان حق المرور البريء لايمنح إلا للطائرات التجارية فقط.

5-أنظر، أحمد سرحال: قانون العلاقات الدولية، بيروت، ط 2 ، 1993ص 688 – 689؛ كذلك أنظر،

.Matthias Herdegen، a.a.O.، S. 148 f –

المؤلف : علي خليل اسماعيل الحديثي
الكتاب أو المصدر : القانون الدولي العام
الجزء والصفحة : ج1،ص120-123

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .