طبقات الجو
الفصل الأول : النظام القانوني للفضاء الجوي فوق إقليم الدولة
أولاً- نظرية حرية الهواء الذي يعلو إقليم الدولة:

يقرر أنصار هذه النظرية أن الهواء حر لا يخضع لسيادة أية دولة ولا يمكن إخضاعه للسيطرة الفعلية من جانب أية دولة وبالتالي يجب أن يكون الانتفاع بها حراً دون أي قيد.
ولقد سبه معتنقو هذه النظرية الهواء بأعالي البحار مؤيدين رأيهم بأن الدول قد طبقت هذا المبدأ بالنسبة لأعالي البحار تشجيعاً للملاحة البحرية ويرون أن الأسباب التي استندت إليها الدول لجعل البحر حراً تتوافر بنص الدرجة لكي تجعلنا نقرر حرية الهواء.
ولكن فريقاً من أنصار هذه النظرية أن الأصل هو مبدأ حرية الهواء إلا أن هذه الحرية ترد عليها بعض القيود التنظيمية من جانب كل دولة على الهواء الذي يعلو إقليمها بما يتفق مع حقها في الدفاع عن مصالحه الحيوية.
* ولقد دافع عن هذا المبدأ الفقيه الفرنسي (فوشي) حيث قرر مبدأ الحرية المقيدة للهواء وأورد قيدين هما:
القيد المكاني: يتمثل في منع الطائرات من التحليق على ارتفاع معين.
القيد الموضوعي: يتمثل في حق الدولة في المحافظة على نفسها وهي القيود التي تسببها احتياطات الأمن والدفاع عن إقليم الدولة.

ولقد تعرضت هذه النظرية باختلاف مضمونها للانتقادات التالية:
1- لا يشترط السيادة الفعلية على الهواء بل يكفي إمكانية تلك خاصة بعد التقادم العلمي والتكنولوجي المعاصر.
2- إن الأخذ بهذه النظرية بمعناها التام يمكن أن يؤدي إلى تهديد أمن الدول وسلامتها فضلاً عن أن الأخذ بها في معناها المقيد ليس في صالح الملاحة الجوية في جميع الأحوال.

ثانياً- نظرية سيادة الدولة التامة على الهواء الذي يعلو إقليمها:
ومؤدى هذه النظرية أن سيادة الدولة تمتد إلى طبقات الهواء التي تعلو دون حدود وكما أن الدولة تملك الأرض وما يعلوها وما يوجد تحتها ويجب أن يطبق ذلك على الهواء أما تطبيق أحكام أعالي البحار على الهواء فهو مرفوض لأن امتداد البحر أفقي أما امتداد الهواء رأسي والامتداد الأفقي خطورة من الامتداد الرأسي على الدولة.

نقد:
1- تؤدي إلى نتائج غير واقعية ولا تتفق مع أوضاع المجتمع الدولي الذي يشجع التعاون الدولي ومنع الطائرات من المرور فيه إضراراً بالصالح العام الدولي، فيجب السماح لهذه الطائرات بالمرور ما دامت لا تضر بأمن الدولة.
2- إن الالتجاء إلى مبدأ ملكية العلو فيه خلط بين الملكية والسيادة فالفقه الغالب في القانون الخاص أن مالك الأرض له فقط ملكية العقار وما فوقه ولكن إلى الحد المفيد، فالسيادة لا تعني إمكان السيطرة الفعلية على الإقليم سيطرة لا تنازع الدولة فيها أحد بحيث تجعلها هي السلطة الأعلى فيها، بل أن السيادة تعني إمكان السيطرة وليست السيطرة نفسها متى أرادت الدولة ذلك.

ثالثاً- نظرية السيادة المحددة للدولة على الهواء الذي يعلو إقليمها:
تقوم هذه النظرية أن للدولة سيادة على الهواء والذي يعلو إقليمها ولمن لارتفاع معين ويكون ما فوق ذلك حراً لجميع الدول، أما الطبقة الخاضعة لسيادة الدولة فتنظم الدولة مرور الطائرات فيها بما يتفق مع مصالحها ومتمشياً مع ضرورة المحافظة على سلامتها، ويطلق على هذه النظرية نظرية المناطق حيث يقسم الفضاء الجوي إلى أكثر من منطقة تخضع إحداها للسيادة وتظل الأخرى حرة حرية كاملة.

وذهب بعض الفقهاء وعلى رأسهم (كوبر) إلى تحديد المنطقة الخاضعة للسيادة بالاستناد إلى المقاييس المعتادة في البحر الإقليمي، أي بأقصى ما تصل إليه قذائف المدافع المضادة للطائرات من الأرض، وتمشياً مع هذا الاتجاه ذهب بعض المدافعين عن نظرية المناطق إلى تقسيم الجو إلى ثلاثة مناطق:
منطقة لصيقة بالإقليم البري للدول تخفض كاملاُ لسيادة دولة الإقليم، ومنطقة وسطى مجاوزة يكون للدولة فيها بعض مظاهر السيادة وتتمثل في مراقبة الطائرات الأجنبية للتأكد من عدم استعمالها للإضرار بمصالحها وأمنها دون أن يكون لها منع المرور البريء في هذه المنطقة، أما المنطقة العليا فوق ذلك تكون فيها الملاحة حرة لجميع الدول شأنها شأن البحار.
نقد:

تتسم هذه النظرية بالطابع النظري البحث والخيال القانوني الصرف، لذلك فإن هذه النظرية باختلاف اتجاهات أنصارها لم تتعد في أي وقت حدود الكتابات الفقهية ولم تترجمها أي دولة من الدول إلى واقع عملي يؤخذ به في العمل الدولي.
الفصل الثاني : تطور العمل الدولي في مجال النظام القانوني للهواء

تقرر مبدأ السيادة في الجو صراحة أو ضمناً في كل القوانين الوطنية للدول المختلفة وهذا ما قرره العرف الدولي أيضاً وبالتالي لا يجوز استخدام المجال الجوي دون موافقة الدولة صاحبة السيادة، ولقد شهدت سنوات ما قبل الحرب العالمية الأولى نمواً تشريعياً في هذا المجال على الصعيد الإقليمي كان الهدف منها جميعاً محاولة كل دولة من الدول تنظيم مظاهر سيادتها في الجو، ولقد قررت اتفاقية باريس مبدأ السيادة المطلقة ولكن مراعاة لاعتبارات المصلحة الجماعية تم السماح لطائرات الدول المتعاقدة حرية المرور البريء وقت السلم بشرط مراعاة الشروط المنصوص عليها في هذه الاتفاقية.

ولقد تم تأكيد مبدأ السيادة على الهواء في اتفاقية مدريد 1926 واتفاقية هافانا سنة 1928 وفي أثناء الحرب العالمية الثانية ظهر جلياً مدى اهتمام الدول بتأكيد سيادتها على مجالها الجوي في وجه طائرات الدول المتحاربة، وبنهاية الحرب ظهرت الحاجة إلى إعادة النظر في تنظيم الملاحة الجوية مما أدى إلى عقد مؤتمر شيكاغو عام 1944 والذي أسفر عن اتفاقيتين: إحداهما خاص بالطيران المدني والدولي والأخرى تتعلق بالنقل الجوي الدولي وأسفر المؤتمر أيضاً عن إنشاء هيئة دولية خاصة للطيران المدني باسم (هيئة الطيران المدني الدولية) ومقرها في مدينة مونتريال بكندا والغرض منها العمل على إنماء المبادئ والقواعد الفنية الخاصة بالملاحة الجوية الدولية وتعد هذه الهيئة من المنظمات الدولية المتخصصة التي تمارس نشاطها بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة باعتبارها المنظمة الدولية الأم لكافة المنظمات العاملة في المجال الدولي.

وأهم ما تضطلع به هذه المنظمة من مهام هو تشجيع النقل الجوي الدولي والعمل على تخفيض القيود الإدارية مع تأمين خطوط النقل الجوي وتوفير سلامته وتقديم المساعدات الفنية والمالية التي تتطلبها عمليات تحسين خدمات الملاحة الجوية.
* الاتجاه الذي تأخذ به الدول حالياً:
القاعدة العامة هي سيادة الدولة الكاملة على طبقات الهواء التي تعلو إقليمها إلى ما لا نهاية، لأن ذلك من دواعي تحقيق أمن الدولة والدفاع عن نفسها ضد المخاطر المستمر أن تتعرض لها عن طريق الجو، غير أن ذلك لا يحول دون النظر إلى مبدأ التعاون الدولي ووضعه موضع الاعتبار، وهو التعاون بين الدول جميعاً تحقيقاً لمصالحها المشتركة والذي ينبني على أساس التبادل، على أن يكون ذلك في إطار قواعد عامة تنظم استعمال الدول للمجال الجوي للدول الأخرى بما يحقق الصالح المشترك للجماعة الدولية ويحافظ على المصالح الخاصة لكل عضو من أعضائها في نفس الوقت، أما فيما يتعلق بطبقات الهواء التي تعلو أعالي البحار فلا جدال في شأنه لأنها لا تخضع لسيادة أي دولة وبالتالي فإن الانتفاع بها واستعمالها حر لطائرات جميع الدول على السواء، وهو ما يطلق عليه الهواء والفضاء المشترك وينطبق عليها من ناحية المبدأ القانوني نفس الأحكام الخاصة بأعالي البحار وحرية الهواء والفضاء المشترك هنا تخضع للتنظيم ومقيدة بقواعد القانون الدولي والتي تتركز في تحقيق قدر من الانتفاع بهذا النطاق المشترك لجميع الدول على نحو متساوٍ بينهم.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت