لما كانت محكمة التمييز هي محكمة قانون لا محكمة وقائع كما هو معلوم، فلا يدخل في نطاق وظيفتها ان تزن كفاية الادلة او عدم كفايتها لأن مثل هذا الميزان هو بيد محكمة الموضوع، وهو ما لا تملكه محكمة التمييز ما دام تقديرها لم يخرج عن المألوف والقواعد العقلية والمنطقية(1)،وتطبيقاً لذلك قضت محكمة التمييز في العراق(إن تقدير الادلة يعود إلى محكمة الجزاء) (2). فالحالة التي تدعو الى الارتياب والمفاجأة على الفراش غير المشروع من الأمور الواقعية التقديرية التي تملك محكمة الموضوع حق تقديرها واستخلاصها من ظروف القضية وملابساتها(3). وكذلك شرط القتل في الحال، إذ ان تقدير هذا الشرط موكول إلى محكمة الموضوع فهي التي تقدر الزمن الذي يمضي بين المفاجأة والقتل فيما إذا كان كاف لتهدئة نفس الزوج او المحرم وبالتالي لا يستفيد من العذر، أم انه قد استغرق في البحث عن سلاح ينفذ به جريمته وأن الغضب ما زال مسيطرا عليه وبالتالي يستفيد من العذر. وتطبقاً لذلك فقد صادقت محكمة التمييز في العراق على قرار المحكمة الكبرى لمنطقة الحلة بتجريمها متهم وفق المادة (212) عقوبات بغدادي لقتله قصدا شقيقته لسوء سلوكها، ومما جاء في القرار(4). (إن المتهم شاهد شقيقته ترتكب فعل الزنى مع آخر وخشى الهجوم عليها لأن عشيقها كان مسلحاً وبعد انتهائها من فعلها دخلت المجنى عليها الدار فجاء اليها المتهم وسألها عن عشيقها فأخبرته باسمه فقتلها…).

يلاحظ ان المحكمة المختصة قد قدرت ان القتل لم يقع في الحال لذلك لم تشمله بأحكام المادة (216) عقوبات بغدادي إذ انه لم يرتكبه حال المفاجأة بالزنى وإنما بعد عودة المجنى عليها إلى الدار مما يفهم منه ان الجاني قد تردد بارتكاب القتل في الحال وان كان عشيقها مسلحاً، لأن الغضب في مثل هذه الأحوال لا يرى الجاني معه الا قتل الزانية. كما يجب على المحكمة أن تظهر في الحكم واقعة التلبس بالزنى عند تطبيق العذر بالنسبة للقاتل، ويجب ان تكون الوقائع التي استندت اليها كافية وتدل عقلا على وقوع الزنى، فإذا كانت مما استندت اليه المحكمة من وقائع غير صالح لأن يفهم منها ذلك المعنى فأن حكمها يكون معيباً(5). وقد عدت محكمة النقض المصرية بتوفر حالة التلبس بالزنى عندما قضت بأنه (إذا كان الزوج قد فاجأ المتهم في منزله ليلاً خالعا ملابسه الخارجية وسرواله ومختفيا تحت مقعد في غرفة مظلمة وبينما كانت الزوجة في حالة اضطراب وكانت تتظاهر في بادئ الأمر بالنوم عند دخول زوجها ومفاجأته لها)(6). فهذه الوقائع توفر القناعة لدى محكمة الموضوع على قيام حالة التلبس بالزنى. أما إذا انتفت الدلائل على قيام هذه الحالة فينتفي معها الاستفادة من العذر المخفف.

وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض المصرية بأنه (إذا عاد المتهم الى بلدته على غير موعد على أثر ما سمعه من سلوك زوجته وحماته التي هي خالته ودخل داره ووجد ملابس أحد الغرباء مغسولة فازادات شكوكه في مسلك المجنى عليهما وانتابته ثورة جامحة عدمت فيه الرؤيا والهدوء الفكري ولما انتصف الليل وانفرد بالمجنى عليهما في مسكنهم وصارحهم بما ضاقت به نفسه من الشك في امرهما فما كان منهما الا الاستخفاف به وعيّرتاه بأنهما وشأنهما فيما يفعلان مما اثار حفيظته عليهما فأنتوى قتلهما في الحال وتناول مدية كانت بالمنزل وتوجه الى زوجته وطعنها في وجهها ثم اتجه الى خالته وأمسك بها وذبحها ولم يتركها الا جثة هامدة ثم عاد الى زوجته واخذ يضربها هي الاخرى بذات المدية في كافة اجزاء جسمها حتى انثنى نصل المدية من جراء ما انزله بها من ضربات فتناول فأساً وواصل ضربها حتى فاضت روحها. فأن المتهم لا يكون بذلك قد فاجأ زوجته متلبسة بالزنى ولم يكن قتله حال تلبسها بالجريمة المذكورة)(7) .

كما قضت محكمة التمييز الاردنية بأنه (إذا لم تثبت البيانات ان المتهم اقدم على قتل شقيقته حال تلبسها بالزنى وأنما تثبت أنه ارتكب جريمة القتل بعد دخوله منزل المجنى عليها وجلوسه معها واحتسائه الشاي والقهوة وخروج أولادها إلى المدرسة فأنه لا يستفيد في هذه الحالة من العذر المحل لعدم توفر الشروط المنصوص عليها في المادة (340/1) من قانون العقوبات. وأن المادة (340/2) منه تشترط لاستفادة القاتل من العذر المخفف ان يكون قد فاجأ زوجته او احد أصوله او فروعه أو اخواته على فراش غير مشروع فقتلها)(8). وغني عن البيان ان محكمة الموضوع تكون عقيدتها بما تطمئن اليه من ادلة وعناصر في الدعوى تشكل اساس قناعتها في توفر شروط العذر المخفف. ولا يوفر القناعة لدى المحكمة قول المتهم انه قتل زوجته او احدى محارمه حال مفاجأته بتلبسها بالزنى، وأنما يجب ان ينسجم هذا القول مع وقائع الجريمة التي تظهرها التحقيقات، وتطبيقاً لذلك قضت محكمة التمييز الاردنية (ان اعتراف المميز بقتل زوجته المجنى عليها قصداً بأن قام بخنقها حتى فارقت الحياة، فأن الحكم بتجريمه قتل زوجته قصداً يكون متفقاً وأحكام القانون. وأن زعم المميز أن ارتكابه جريمة القتل كان دفاعاً عن عرضه فهو طلب لا يستند إلى اساس سليم مادام ان محكمة الموضوع لم تقتنع بما قاله من حيث مشاهدته شخصاً آخر ينام مع زوجته)(9).

ومن الجدير بالذكر ان قناعة المحكمة المختصة لا تتوافر بتحقق شروط العذر المخفف إذا استخلصت بأن جريمة القتل او الايذاء قد بنيت على مجرد اعتقاد المتهم وتصوراته، إذ ان ذلك مما لا يقبله العقل والمنطق، كما لا يّعد القتل في هذه الحالة قد وقع بباعث شريف، وقد يّعد ظرفاً قضائياً مخففاً. وتطبيقاً لذلك قضت محكمة التمييز في العراق بأن (إذا اقدم المتهم على قتل شقيقته اعتقاداً منه بادخالها لشخص غريب في دارها وثبت بطلان هذا الاعتقاد وكون القتيلة قد مانعت في دخول المذكور وطردته بمساعدة من ضرتها الساكنة معها في الدار فلا يستفيد المتهم عند ذاك من العذر القانوني)(10) ، وفي قرار اخر قضت (قتل المتهم للمجنى عليه عند مشاهدته له خارجاً من داره في الصباح الباكر معتقداً بوجود علاقة غير شريفة له بزوجته لا يجعل القتل غسلا للعار ولا تطبق الظروف القانونية المخففة بل يعد ظرفاً قضائياً للتخفيف)(11). كما قضت (بأن تحرش المجنى عليه بأخت المتهم يعد ظرفا قضائيا مخففا لعقوبة جريمة القتل وليس عذرا قانونياً)(12). وقضت ايضاً أنه (يعد ظرفاً قضائيا مخففاً الشك الحاصل لدى المتهم بوجود علاقة غرامية لزوجته بالمجنى عليه لمشاهدته لها معه)(13).

___________________

1- ينظر د. فاضل زيدان محمد، سلطة القاضي الجنائي في تقدير الادلة، دراسة مقارنة، مطبعة الشرطة، بغداد، 1992، ص323.

2- القرار رقم 521/تمييزية /70 في 14/12/1970، النشرة القضائية، ع4، س1، 1971، ص229.

3- ينظر د. محمد الفاضل، شرح قانون العقوبات –القسم الخاص، مرجع سابق، ص489.

4- القرار رقم 69/جنايات/1960 في 15/2/1960. اشار اليه حميد السعدي، النظرية العامة لجريمة القتل مرجع سابق، ص466.

5- ينظر د. محمد سعيد نمور، مرجع سابق، ص92.

6- نقض 25/ابريل/1932. اشار اليه جندي عبد الملك، مرجع سابق، ج4، ص110.

7- نقض أول فبراير 1976، اشار اليه د. رمسيس بهنام، قانون العقوبات- جرائم القسم الخاص، مرجع سابق، ص852.

8- تمييز جزاء رقم 65 لسنة 1984، اشار اليه المحامي جمال مدغمش، مرجع سابق، ص422.

9- تمييز جزاء رقم 169/85 لسنة 1987 اشار اليه المحامي جمال مدغمش، مرجع سابق، ص130.

10- القرار رقم 151/موسعة ثانية/85-86 في 21/4/1986. اشار إليه ابراهيم المشاهدي، المبادئ القانونية في قضاء محكمة التمييز، مرجع سابق، ص55.

11- القرار رقم 1574/جنايات/74 في 3/7/1974. النشرة القضائية ، ع3، س5، ص249.

12- القرار رقم 1012/تمييزية/79 في 29/7/1979. مجموعة الأحكام العدلية، ع3، س10، 1979، ص132.

13- القرار رقم 2210/جنايات /71 في 28/10/1971. النشرة القضائية، ع4، س2، 1973، ص164.

المؤلف : : قاسم تركي عواد الجنابي
الكتاب أو المصدر : المفاجأة بالزنى عنصر استفزاز في القتل والايذاء

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .