المفهوم القانوني للنهر الدولي

 

عرف فقهاء القانون الدولي النهر على انه ” الوحدة المائية التي تتكون من منابع النهر ومجاري المياه وما يتصل بها من بحيرات ، وما يسير به مجراه يكون حوضاً واحداً ينتهي في بحر أو بحيرة داخلية تسمى المصب ، وتدخل فيه مجاري المياه التي تسير تحت الأرض وتكون متصلة بالنهر أي المياه الجوفية .

وقد صنفت الانهار استنادا الى قواعد القانون الدولي الى نوعين :

النوع الاول هو الانهار الوطنية وهي : (تلك الأنهار التي لها مجرى مائي يقع من منبعه إلى مصبه في إقليم دولة واحدة كنهر بردى في سوريا ونهر البارد في لبنان ونهر السين في فرنسا ونهر التايمز في إنكلترا ( ويخضع النهر الوطني لسيادة الدولة التي يجري في اقليمها ولها وحدها حق تنظيم الاستفادة من مياهه لاغراض الزراعة والصناعة ولها ان تقصر الملاحة فيه على بواخرها وحدها .

اما النوع الثاني من الانهار هو الانهار الدولية والتي اشير اليها في معاهدة باريس للسلام والتي عقدت عام 1814 وعرفتها هذ المعاهدة على انها (الانهار التي تفصل أوتخترق أقاليم دولتين أو أكثر )وتباشر كل دولة من الدول التي يمر فيها مجرى النهر سيادتها على الجزء من النهر الذي يجري في اقليمها ولكن هذا الحق مقيد بان تراعي مصالح الدول الاخرى التي يمر بها النهر وبصفة خاصة فيما يتعلق بالانتفاع المشترك بمياه النهر لاغراض الزراعة والصناعة والملاحة النهرية الدولية ومن امتلة الانهار الدولية الدانوب والراين والنيل والفرات .

ويؤخذ على هذا التعريف انه ركز على الجانب الجغرافي والسياسي للنهر لذلك لم يكن لهذا المفهوم ان يستمر فتم بيان مفهوم النهرالدولي مرة اخرى في مؤتمر فينا الذي عقد عام 1815 والذي يرجع له الفضل في وضع الاحكام والقواعد العامة التي تخص الانهار الدولية فقد اتفقت الدول التي اشتركت في هذا المؤتمر على ضرورة تنظيم الملاحة في الانهار الدولية المشتركة بين اكثر من دولتين مؤكدا مبدا حرية الملاحة كما ان هذا المؤتمر تناول على وجه الخصوص ادارة مياه نهر الراين مابين الدول المتشاطئة.

وفي مطلع القرن العشرين اضحى الاهتمام بالانهار الدولية يقوم على معايير اقتصادية بالاضافة الى المعيار السياسي والجغرافي وقد بدا هذا واضحا من خلال عقد عدة مؤتمرات ومعاهدات ومن اهمها اتفاقية برشلونة اذ انه وبعد الحرب العالمية الاولى حدث توسع كبير في تدويل الانهار فقد خصصت معاهدة فرساي للصلح والتي عقدت علم 1919 المواد (227-237) للملاحة النهرية وقررت اعتبار كل من انهار الراب والالب والاودر والنيمين والدانوب وفروع كل من هذه الانهار وغيرها الكثير انهارا دولية .

كما دعت الى وضع نظام عام للملاحة قابل للتطبيق على كل الانهار الدولية وقد وضه هذا النظام في مؤتمر برشلونة والتي عقدت الى عقده عصبة الامم حيث جرى على اثره ابرام معاهدة برشلونة عام 1921 الخاصة بنظام مجاري الانهار الصالحة للملاحة ذات الاهمية الدولية كما ان ذات الاتفاقية نصت على مبدا حرية الملاحة لسفن جميع الدول الموقعة على الاتفاقية .

والتي تنضم اليها وعلى معاملة سفن جميع الدول على قدم المساواة كما ان الاتفاقية الزمت كل دولة من الدول المتعاقدة بعدم القيام باي عمل من شانه عرقلة الملاحة في النهر وان عليها ان تقوم باتخاذ مايلزم بشان صيانته وبقائه صالحا للملاحة كما الزمت الدول التي يمر النهر في اقليمها عدم فرض اي رسوم على المرور اكثر مما يقابل نفقات صيانته وتحسين الملاحة النهرية وان على كل دولة ان تخضع الملاحة في الجزء من النهر الذي يمر في اقليمها للوائحها الخاصة بالبوليس والكمارك والصحة العامة ولكم ما يؤخذ على هذه اتفاقية برشلونة انها قصرت الانتفاع بالنظام الذي وضعته للانهار الدولية على الدول التي انضمت اليها فقط لذلك فهي لم تحض بتطبيق واسع المدى بين الدول الاخرى .

ثم صدر بيان عن مؤتمر استوكهولم لعام 1961 وكذلك مؤتمر سالزبورغ المنعقد في ذات العام وقواعد هلسنكي لعام 1966 بالاضافة الى التقرير الذي صدر عن لجنة القانون الدولي لعام 1994 والذي ادى الى عقد اتفاقية استخدام المجاري المائية الدولية في الاغراض غير الملاحية التي صدرت عن الامم المتحدة في عام 1997 والتي بينت الفقرة (أ) من المادة الثانية منها تعريف المجرى المائي بقولها (المجرى المائي هو شبكة من المياه السطحية والجوفية التي تشكل بحكم علاقتها الطبيعية ببعضها البعض كلاً واحداً وتتدفق عادة صوب نقطة وصول مشتركة) كما حددت الفقرة (ب) من ذات المادة انفة الذكر مفهوم المجرى المائي الدولي بقولها.

( أي مجرى مائي تقع أجزاءه في دول مختلفة ) ودولة المجرى هي (الدولة التي يوجد في إقليمها جزء من مجرى مائي دولي أو مستودع للمياه الجوفية عابرة الحدود ).

ويهتم القانون الدولي العام بالانهار الدولية من ناحيتين الاولى من حيث الملاحة في النهر اما الناحية الثانية فهي استغلال مياهه في شؤون الزراعة والصناعة .

ومن الجدير بالذكر ان الاتفاقات التي ذكرناها قررت بمجملها على حرية الملاحة في الانهار الدولية على قدم المساواة لجميع الدول ومرجع ذلك الى الاتفاقيات التي ابرمت بين الدول النهرية او بين تلك الدول وغيرها من الدول الاخرى لذا فان الاحكام القانونية التي تنظم الملاحة في الانهار الدولية قد تختلف من نهر الى اخر وذلك تبعا للاتفاق الذي ينضمه.

المحامية: ورود فخري