المسؤولية في جريمة احراز وحيازة مواد مخدرة – حكم محكمة النقض المصرية

الطعن 5880 لسنة 56 ق جلسة 5 / 2 / 1987 مكتب فني 38 ج 1 ق 31 ص 213 جلسة 5 من فبراير سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ أحمد أبو زيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى طاهر وحسن عميره وصلاح البرجى ومحمد حسام الدين الغرياني.
—————
(31)
الطعن رقم 5880 لسنة 56 القضائية

(1) إجراءات “الأعمال الإجرائية”. تفتيش “إذن تفتيش. إصداره” “تنفيذه”. إثبات. “بوجه عام”. مواد مخدرة.
الأعمال الإجرائية. جريانها على حكم الظاهر. عدم إبطالها من بعد نزولاً على ما يتكشف من أمر الواقع.
صدور إذن التفتيش لضبط أسلحة نارية. صحة ضبط ما ينكشف عرضاً من جرائم أخرى. مثال. تنفيذ الإجراء المشروع في حدوده. لا يتولد عنه عمل باطل.
(2)استدلالات. تفتيش “التفتيش بإذن”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
تقدير جدية التحريات وكفايتها للإذن بالتفتيش. موضوعي.
تولي رجل الضبط القضائي بنفسه التحريات التي يؤسس عليها طلب الإذن بالتفتيش. غير لازم. له الاستعانة بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين أو غيرهم.
مجرد الخطأ في بيان مهنة المتهم أو محل إقامته لا ينال بذاته من جدية التحريات.
(3)تزوير “الطعن بالتزوير”. دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”. مواد مخدرة.
الطعن بالتزوير في ورقة مقدمة في الدعوى. من وسائل الدفاع الموضوعية. خضوعه لتقدير المحكمة.
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها. غير مقبول.
(4)تزوير “الادعاء بالتزوير”. إثبات “بوجه عام” “شهادة” “خبرة”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”.
عدم التزام المحكمة الجنائية باتباع قواعد الإثبات المدنية والتجارية ومن ذلك تعيين خبير في دعاوى التزوير – متى أقامت حكمها على ما يسوغه.
(5)دفوع “الدفع ببطلان القبض والتفتيش”. تفتيش “إذن التفتيش. تنفيذه”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”. مأمور الضبط القضائي.
إثارة الطاعنين أن إذن التفتيش لم يحدد به مكان تنفيذه وأن التفتيش تم في غير المكان المحدد بالإذن. غير مقبول. علة ذلك؟
صدور أمر تفتيش شخص. لمأمور الضبط القضائي تنفيذه أينما وجده. ما دام في دائرة اختصاص مصدر الإذن ومنفذه.
(6)دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”. دفوع “الدفع ببطلان التفتيش”.
الدفع بصدور الإذن بالتفتيش بعد الضبط. موضوعي. كفاية اطمئنان المحكمة إلى وقوع الضبط والتفتيش بناء على رداً عليه.
(7) محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. مواد مخدرة. إثبات “بوجه عام”. “حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
لا تثريب على المحكمة في قضائها متى كانت قد اطمأنت إلى أن العينة التي أرسلت للتحليل هي التي صار تحليلها وكذلك إلى النتيجة التي انتهى إليها التحليل.
(8)مواد مخدرة. دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”. مسئولية جنائية “أركانها”. قصد جنائي. حكم “ما لا يعيبه في نطاق التدليل”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
مناط المسئولية في جريمة إحراز وحيازة الجواهر المخدرة. ثبوت اتصال الجاني بالمخدر بالذات أو بالواسطة بأية صورة عن علم وإرادة.
القصد الجنائي في جريمة إحراز أو حيازة المخدر. قوامه. العلم بكنه المادة المخدرة.
(9) حكم “ما لا يعيبه في نطاق التدليل” “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
خطأ الحكم فيما لا أثر له في عقيدته. لا يعيبه.
(10)إثبات “بوجه عام”. دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
عدم التزام محكمة الموضوع بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها. كفاية استفادة الرد من أدلة الثبوت التي يوردها الحكم.
(11)إثبات “معاينة”. دعوى جنائية “نظرها والحكم فيها”. دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”.
طلب المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل أو إثبات استحالة حصوله. عدم التزام المحكمة بإجابته.

——————
1 – من المقرر في صحيح القانون بحسب التأويل الذي استقر عليه قضاء هذه المحكمة أن الأصل في الأعمال الإجرائية أنها تجرى على حكم الظاهر وهي لا تبطل من بعد نزولاً على ما ينكشف من أمر الواقع وقد أعمل الشارع هذا الأصل وأدار عليه نصوصه ورتب أحكامه ومن شواهده ما نصت عليه المواد 30، 163، 382 من قانون الإجراءات الجنائية مما حاصله أن الأخذ بالظاهر لا يوجب بطلان العمل الإجرائي الذي يتم على مقتضاه وذلك تيسيراً لتنفيذ أحكام القانون وتحقيقاً للعدالة حتى لا يفلت الجناة من العقاب، فإذا كان الثابت من التحريات أن الطاعنين ينقلان أسلحة نارية فصدر الإذن من النيابة بالتفتيش على هذا الأساس فانكشفت جريمة حيازة المواد المخدرة عرضاً أثناء تنفيذه فإن الإجراء الذي تم يكون مشروعاً ويكون أخذ المتهمين بنتيجته صحيحاً، ولا يقدح في جدية التحريات أن يكون ما أسفر عنه التفتيش غير ما انصبت عليه، لأن الأعمال الإجرائية محكومة من جهتي الصحة والبطلان بمقدماتها لا بنتائجها.
2- من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسوغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن، فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، وإذ كان القانون لا يوجب حتماً أن يتولى رجل الضبط القضائي بنفسه مراقبة الأشخاص المتحرى عنهم أو أن يكون على معرفة سابقة بهم بل له أن يستعين فيما يجريه من تحريات أو أبحاث أو ما يتخذه من وسائل التنقيب بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين ومن يتولون إبلاغه عما وقع بالفعل من جرائم ما دام أنه اقتنع شخصياً بصحة ما نقلوه إليه وبصدق ما تلقاه من معلومات، وكان مجرد الخطأ في بيان مهنة المتهم أو محل إقامته لا يقطع بذاته في عدم جدية التحري، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل.
3 – من المقرر أن الطعن بالتزوير في ورقة من الأوراق المقدمة في الدعوى هو من وسائل الدفاع التي تخضع لتقدير المحكمة، وكانت المحكمة في حدود هذه السلطة التقديرية قد أطرحت الطعن بتزوير إذن التفتيش بما أوردته فيما تقدم من رد سائغ، وكان لا يغير من الأمر ما يثيره الطاعنان بأسباب الطعن من أن محضر التحريات بدوره جرى به تصحيح مماثل إذ ليس من شأن ذلك – بفرض صحته – أن ينال من سلامة استدلال الحكم على انتفاء وقوع التزوير، ولا محل أيضاً للنعي على الحكم في هذا الصدد من قعود المحكمة عن تحقيق التزوير بواسطة أحد المختصين فنياً للتحقيق من استعمال نفس المداد في كتابة أصل الإذن وعبارة التصحيح في تاريخ معاصر، إذ لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع طلب اتخاذ هذا الإجراء فليس للطاعنين من بعد أن ينعيا على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها.
4 – من المقرر أن المحكمة الجنائية غير ملزمة في سبيل تكوين عقيدتها باتباع قواعد معينة مما نص عليه قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية ومن ذلك تعيين خبير في دعاوى التزوير متى كان الأمر ثابتاً لديها للاعتبارات السائغة التي أخذت بها.
5 – لما كان ما يثيره الطاعنان من أن الإذن بالتفتيش لم يحدد به مكان تنفيذه وأن التفتيش تم في غير المكان المحدد بالإذن – فضلاً عما ينطوي عليه من تهاتر – مردوداً بأن القانون لا يتطلب تحديد الأماكن بإذن التفتيش إلا إذا كان الإذن صادراً بتفتيشها، أما إذا كان الإذن صادراً بتفتيش الأشخاص أو السيارات الخاصة كالحال في هذه الدعوى فلا يوجب القانون تحديد المكان الذي يجرى فيه التفتيش بالإذن، هذا إلى ما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أنه متى صدر أمر من النيابة بتفتيش شخص، كان لمأمور الضبط القضائي المندوب لإجرائه أن ينفذه عليه أينما وجده ما دام المكان الذي جرى فيه التفتيش واقعاً في اختصاص من أصدر الأمر ومن نفذه.
6 – من المقرر أن الدفع بصدور الإذن بالتفتيش بعد الضبط إنما هو دفاع موضوعي، فإنه يكفي للرد عليه اطمئنان محكمة الموضوع إلى وقوع الضبط بناء على الإذن أخذاً بالأدلة التي أوردتها.
7 – لما كان الحكم قد أطرح ما أثاره الدفاع من التشكيك في نسبة المخدر إلى الطاعنين بمقولة أن وزن العينة التي أخذت من المضبوطات يختلف عن وزن تلك التي أرسلت للتحليل واستند الحكم في ذلك إلى أنه لم يثبت من الأوراق وقوع أي عبث في هذا الشأن وكان من المقرر أنه متى كانت المحكمة قد أطمأنت إلى أن العينة التي أرسلت للتحليل هي التي جرى تحليلها واطمأنت كذلك إلى نتيجة التحليل – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – فلا تثريب عليها إن هي قضت في الدعوى بناء على ذلك.
8 – لما كان مناط المسئولية في حالتي إحراز وحيازة الجواهر المخدرة هو ثبوت اتصال الجاني بالمخدر اتصالاً مباشراً أو بالواسطة وبسط سلطانه عليه بأية صورة من علم وإرادة إما بحيازة المخدر حيازة مادية أو بوضع اليد عليه على سبيل الملك والاختصاص ولو لم تتحقق الحيازة المادية، وكان القصد الجنائي في جريمة إحراز أو حيازة الجوهر المخدر يتحقق بعلم المحرز أو الحائز بأن ما يحرزه أو يحوزه من المواد المخدرة.
9 – لا يقدح في سلامة استخلاص الحكم لتوافر ركن العلم في الجريمة ما أثير بشأن الخطأ في الإسناد بقالة أن الحكم نسب إلى الطاعن الثاني القول بأن هناك تعامل بينه وبين الطاعن الأول مع أنه لم يذكر سوى أن لهما محلين متجاورين، ذلك أنه ليس من شأن هذا الخطأ أن يؤثر في منطق الحكم وفي استدلاله السائغ على توافر علم الطاعنين بحقيقة الجوهر المخدر، ومن ثم فإن نعيهما في هذا الوجه لا يعتد به.
10 – لما كانت محكمة الموضوع ليست ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال، إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت التي يوردها الحكم، وفي عدم إيرادها لهذا الدفاع ما يدل على أنها أطرحته اطمئناناً منها للأدلة التي عولت عليها في الإدانة.
11 – لما كان الحكم قد عرض لطلب هذا الطاعن إجراء معاينة لمكان ضبط الجوال المحتوي على المخدر بالسيارة وأطرحه استناداً إلى أن المحكمة وضح لها من أقوال شاهد الإثبات التي وثقت بها أن الجوال كان على الدواسة الموجودة أسفل المقعد الأمامي الأيمن للسيارة مما يغنى عن المعاينة، وهو رد كاف وسائغ في تبرير رفض هذا الطلب الذي لا يتجه في صورة الدعوى إلى نفي الفعل المكون للجريمة أو إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشاهد، وإنما المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة، ومن ثم فإنه يعتبر دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: حازا بقصد الاتجار جوهراً مخدراً (حشيشاً) وذلك في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وأحالتهما إلى محكمة جنايات القاهرة لمحاكمتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1، 2، 37، 38، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل والبند رقم 57 من الجدول رقم 1 الملحق بالقانون المذكور والمعدل بقرار وزير الصحة رقم 295 لسنة 1976 بمعاقبة كل من المتهمين بالسجن لمدة سبع سنوات وتغريم كل منهما مبلغ ثلاثة آلاف جنيه ومصادرة المخدر المضبوط باعتبار أن حيازة المخدر كان بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي.
فطعن كل من المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض… إلخ.

المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة حيازة جوهر مخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وانطوى على الخطأ في الإسناد والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الطاعنين دفعاً ببطلان إذن التفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية بدلالة ما أسفر عنه التفتيش من جريمة أخرى غير التي انصبت عليها التحريات وأن الضابط الذي أجراها لم يتول المراقبة بنفسه وأخطأ في بيان مهنة الطاعن الثاني ومحل إقامته، وتأسيساً على تزوير الإذن لإجراء تعديل به في بيان الجهة التي تتبعها السيارة المأذون بتفتيشها، فضلاً عن أنه لم يحدد به مكان تنفيذه، كما أثار الدفاع بطلان التفتيش ذاته لإجرائه في غير المكان المحدد بالإذن، وقبل صدوره مدللاً على ذلك بأقوال الطاعن الأول وتلاحق الإجراءات وتجهيل شاهد الإثبات مواقيت اتخاذها. وتمسك كذلك بأن وزن العينة التي اجتزئت من المضبوطات يختلف عن وزن تلك التي أجرى عليها التحليل مما يدل على مغايرة المادة المضبوطة – لما تم تحليله إلا أن الحكم أغفل الرد على بعض هذه الدفوع وجاء رده على بعضها الآخر غير سائغ ودون أن تحقق المحكمة واقعة تزوير الإذن عن طريق المختص فنياً ثم إن الحكم لم يدلل تدليلاً كافياً على توافر الركنين المادي والمعنوي للجريمة بحق الطاعنين، واعتمد في ذلك على ما حصله من أقوال لشاهد الإثبات لا تؤدي إلى ما رتبه عليها، وما أورده على خلاف الثابت بالأوراق من وجود تعامل بين الطاعنين، وخلص في هذا الشأن إلى اطراح دفعهما بشيوع التهمة بما لا يسوغ. كما أعرض الحكم عما ساقه الطاعن الثاني في دفاعه من شواهد على انتفاء صلته بالواقعة هذا إلى أن الأخير تمسك بإجراء معاينة لمكان ضبط كيس المخدرات بالسيارة لإثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشاهد فلم تجبه المحكمة إلى طلبه واطرحته بما لا يصح رداً، مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين الواقعة بما محصله أن الضابط شاهد الإثبات تبين من تحرياته أن الطاعنين ينقلان أسلحة نارية لمنطقة عرب بلي بصحراء أبي صير ويستخدمان في هذا الغرض السيارة رقم 2666202 ملاكي الإسكندرية فاستصدر إذناً من النيابة بتفتيشهما والسيارة المذكورة في الساعة الواحدة وعشر دقائق من صباح 26/ 11/ 1985 وأعد كميناً لهذا الغرض بتلك المنطقة، وما لبث أن شاهد السيارة لدى دخولها إليها، وبعد خروجها منها بحوالي ساعة حاول استيقافها فلما لم يذعن قائدها قام بمطاردتها وتمكن من إيقافها ووجد بها آنذاك الطاعن الأول جالساً أمام عجلة القيادة وإلى جواره الطاعن الثاني الذي أسرع بالفرار فلم يتمكن من ضبطه، وبتفتيشه السيارة عثر فوق الدواسة الموجودة أسفل المقعد الأمامي الأيمن على جوال من البلاستيك موضوع بحالة ظاهرة وبداخله اثنتان وعشرون طربه “من الحشيش” كما عثر على رخصة قيادة باسم الطاعن الثاني وعلى توكيل صادر إليه بإدارة السيارة، وبمواجهة الطاعن الأول بالمخدر المضبوط أقر بحيازته له مع الطاعن الثاني، وأورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة أدلة سائغة مستمدة من أقوال الضابط بالتحقيقات وبالجلسة التي حصلها بما لا يخرج عما تقدم ومن تقرير المعامل الكيماوية. لما كان ذلك، وكان من المقرر في صحيح القانون بحسب التأويل الذي استقر عليه قضاء هذه المحكمة أن الأصل في الأعمال الإجرائية أنها تجرى على حكم الظاهر وهي لا تبطل من بعد نزولاً على ما ينكشف من أمر الواقع وقد أعمل الشارع هذا الأصل وأدار عليه نصوصه ورتب أحكامه ومن شواهده ما نصت عليه المواد 30، 163، 382 من قانون الإجراءات الجنائية مما حاصله أن الأخذ بالظاهر لا يوجب بطلان العمل الإجرائي الذي يتم على مقتضاه وذلك تيسيراً لتنفيذ أحكام القانون وتحقيقاً للعدالة حتى لا يفلت الجناة من العقاب، فإذا كان الثابت من التحريات أن الطاعنين ينقلان أسلحة نارية فصدر الإذن من النيابة بالتفتيش على هذا الأساس فانكشفت جريمة حيازة المواد المخدرة عرضاً أثناء تنفيذه فإن الإجراء الذي تم يكون مشروعاً ويكون أخذ المتهمين بنتيجته صحيحاً، ولا يقدح في جدية التحريات أن يكون ما أسفر عنه التفتيش غير ما انصبت عليه، لأن الأعمال الإجرائية محكومة من جهتي الصحة والبطلان بمقدماتها لا بنتائجها وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسوغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن. فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، وإذ كان القانون لا يوجب حتماً أن يتولى رجل الضبط القضائي بنفسه مراقبة الأشخاص المتحرى عنهم أو أن يكون على معرفة سابقة بهم بل له أن يستعين فيما يجريه من تحريات أو أبحاث أو ما يتخذه من وسائل التنقيب بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين ومن يتولون إبلاغه عما وقع بالفعل من جرائم ما دام أنه اقتنع شخصياً بصحة ما نقلوه إليه وبصدق ما تلقاه من معلومات، وكان مجرد الخطأ في بيان مهنة المتهم أو محل إقامته لا يقطع بذاته في عدم جدية التحري، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما أثير من تزوير إذن التفتيش استناداً إلى إجراء تعديل به في بيان الجهة التي تتبعها السيارة المأذون بتفتيشها بجعلها الإسكندرية بدلاً من القاهرة وأطرحه بما محصله أن المحكمة بعد أن استمعت إلى شهادة وكيل النيابة مصدر الإذن بأنه الذي أجرى ذلك التصحيح قد اطمأنت إلى أن الأمر لا يعدو مجرد خطأ مادي في الإذن جرى تصحيحه وأنه لو كان معتمداً بعد إتمام إجراءات الضبط والتفتيش – كما ذهب الدفاع – لأمكن تداركه ابتداء بمحضر التحريات، وإذ كان من المقرر أن الطعن بالتزوير في ورقة من الأوراق المقدمة في الدعوى هو من وسائل الدفاع التي تخضع لتقدير المحكمة، وكانت المحكمة في حدود هذه السلطة التقديرية قد أطرحت الطعن بتزوير إذن التفتيش بما أوردته فيما تقدم من رد سائغ، وكان لا يغير من الأمر ما يثيره الطاعنان بأسباب الطعن من أن محضر التحريات بدوره جرى به تصحيح مماثل إذ ليس من شأن ذلك – بفرض صحته – أن ينال من سلامة استدلال الحكم على انتفاء وقوع التزوير، ولا محل أيضاً للنعي على الحكم في هذا الصدد من قعود المحكمة عن تحقيق التزوير بواسطة أحد المختصين فنياً للتحقق من استعمال نفس المداد في كتابة أصل الإذن وعبارة التصحيح في تاريخ معاصر، إذ لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع طلب اتخاذ هذا الإجراء فليس للطاعنين من بعد أن ينعيا على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها، فضلاً عن أنه من المقرر أن المحكمة الجنائية غير ملزمة في سبيل تكوين عقيدتها باتباع قواعد معينة مما نص عليه قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية ومن ذلك تعيين خبير في دعاوى التزوير متى كان الأمر ثابتاً لديها للاعتبارات السائغة التي أخذت بها – كالحال في الدعوى المطروحة – فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنان من أن الإذن بالتفتيش لم يحدد به مكان تنفيذه وأن التفتيش تم في غير المكان المحدد بالإذن – فضلاً عما ينطوي عليه من تهاتر – مردوداً بأن القانون لا يتطلب تحديد الأماكن بإذن التفتيش إلا إذا كان الإذن صادراً بتفتيشها، أما إذا كان الإذن صادراً بتفتيش الأشخاص أو السيارات الخاصة كالحال في هذه الدعوى – فلا يوجب القانون تحديد المكان الذي يجرى فيه التفتيش بالإذن، هذا إلى ما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أنه متى صدر أمر النيابة بتفتيش شخص، كان لمأمور الضبط القضائي المندوب لإجرائه أن ينفذه عليه أينما وجده ما دام المكان الذي جرى فيه التفتيش واقعاً في اختصاص من أصدر الأمر ومن نفذه – وهو ما لا ينازع فيه الدفاع ومن ثم فإن النعي في هذا الوجه ببطلان الإذن بالتفتيش والتفتيش الذي تم بناء عليه يكون على غير أساس، لما كان ذلك، وكان الحكم قد أفصح عن اطمئنانه إلى أن التفتيش كان لاحقاً على صدور الإذن به استناداً إلى مضي فترة كافية ما بين ساعة صدور الإذن والوقت الذي تمت فيه إجراءات الضبط والتفتيش، وكان من المقرر أن الدفع بصدور الإذن بالتفتيش بعد الضبط إنما هو دفاع موضوعي، فإنه يكفي للرد عليه اطمئنان محكمة الموضوع إلى وقوع الضبط بناء على الإذن أخذاً بالأدلة التي أوردتها، ولا يعيب الحكم بعد ذلك خلوه من تحديد مواقيت الإجراءات التي اتخذها شاهد الإثبات، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنان في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أطرح ما أثاره الدفاع من التشكيك في نسبة المخدر إلى الطاعنين بمقولة أن وزن العينة التي أخذت من المضبوطات يختلف عن وزن تلك التي أرسلت للتحليل واستند الحكم في ذلك إلى أنه لم يثبت من الأوراق وقوع أي عبث في هذا الشأن، وكان من المقرر أنه متى كانت المحكمة قد أطمأنت إلى أن العينة التي أرسلت للتحليل هي التي جرى تحليلها واطمأنت كذلك إلى نتيجة التحليل – كما هو الحال في الدعوى المطروحة فلا تثريب عليها إن هي قضت في الدعوى بناء على ذلك، ومن ثم فإن هذا الوجه من الطعن يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان مناط المسئولية في حالتي إحراز وحيازة الجواهر المخدرة هو ثبوت اتصال الجاني بالمخدر اتصالاً مباشراً أو بالواسطة وبسط سلطانه عليه بأية صورة من علم وإرادة أما بحيازة المخدر حيازة مادية أو بوضع اليد عليه على سبيل الملك والاختصاص ولو لم تتحقق الحيازة المادية، وكان القصد الجنائي في جريمة إحراز أو حيازة الجوهر المخدر يتحقق بعلم المحرز أو الحائز بأن ما يحرزه أو يحوزه من المواد المخدرة وكان ما استند إليه الحكم من أقوال شاهد الإثبات – في معرض الرد على دفاع الطاعنين بانتفاء مسئوليتهما عن جريمة حيازة المخدر من أنهما كانا يستقلان معاً السيارة المضبوطة ويجلسان بالجزء الأمامي منها الذي وجد به الجوال المحتوي على المخدر موضوعاً بحالة ظاهرة سائغاً في الدلالة على حيازتهما للمخدر المضبوط وعلى علمهما بكنهه، ويعد كافياً في الرد على دفاعهما في هذا الخصوص وفي دحض ما أثاراه من شيوع التهمة وكان لا يقدح في سلامة استخلاص الحكم لتوافر ركن العلم في الجريمة ما أثير بشأن الخطأ في الإسناد بقالة أن الحكم نسب إلى الطاعن الثاني القول بأن هناك تعامل بينه وبين الطاعن الأول مع أنه لم يذكر سوى أن لهما محلين متجاورين، ذلك أنه ليس من شأن هذا الخطأ أن يؤثر في منطق الحكم وفي استدلاله السائغ على توافر علم الطاعنين بحقيقة الجوهر المخدر، ومن ثم فإن نعيهما في هذا الوجه لا يعتد به. لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع ليست ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال، إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت التي يوردها الحكم، وفي عدم إيرادها لهذا الدفاع ما يدل على أنها أطرحته اطمئناناً منها للأدلة التي عولت عليها في الإدانة، فإن منعى الطاعن الثاني على الحكم أنه لم يعرض لدفاعه بعدم صلته بالواقعة يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لطلب هذا الطاعن إجراء معاينة لمكان ضبط الجوال المحتوي على المخدر بالسيارة وأطرحه استناداً إلى أن المحكمة وضح لها من أقوال شاهد الإثبات التي وثقت بها أن الجوال كان على الدواسة الموجودة أسفل المقعد الأمامي الأيمن للسيارة مما يغنى عن المعاينة، وهو رد كاف وسائغ في تبرير رفض هذا الطلب الذي لا يتجه في صورة الدعوى إلى نفي الفعل المكون للجريمة أو إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشاهد، وإنما المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي أطمأنت إليه المحكمة، ومن ثم فإنه يعتبر دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .